الدولة اليهودية والمشكلة اليهودية
"ملف وثائق فلسطين من عام 637 الى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج1، ص 115 - 116"
الدولة اليهودية والمشكلة اليهودية
بقلم احادهاعام(*)
سنة 1897 يحدثنا التاريخ انه فى أيام بيت هيرود كانت فلسطين دولة يهودية لكن الثقافة القومية كانت موضع احتقار واضطهاد وقد بذل البيت الحاكم قصارة جهده لبذر الثقافة الرومانية فى البلد وبعثروا موارد الأمة فى بناء معابد الوثنية والمدرجات وما الى ذلك. ان مثل هذه الدولة اليهودية سوف تنشر الموت والمهانة لشعبنا. ان مثل هذه الدولة لن تحقق القدر الكافى من السلطة السياسية التى تؤهلها للاحترام بينما ستبتعد عن القوة الروحية الداخلية للعقيدة اليهودية، ان هذه الدولة المسخ ستتأرجح كالكرة بين جيرانها الأقوياء وستحافظ على وجودها فقط عن طريق التحايل الدبلوماسى وعن طريق التزلف للدول الكبرى، مثل هذا الموقف لن يمنحنا شعورا بالعزة القومية، والثقافة القومية التى من خلالها عثرنا على عظمتنا لن تجد أرضا خصبة فى دولتنا ولن تكون المبدأ السائد فى حياتنا. وسنكون عندئذ أكثر مما نحن عليه الآن أمة صغيرة وتافهة، أسرى للدول الكبرى. ترقب بعين الحسد القوات المسلحة لجيرانها الأقوياء، ان وجودنا في اطار هذا المفهوم كدولة ذات سيادة لن يضيف فصلا من العزة لتاريخنا القومى.
أفليس من الأفضل بشعب قديم كان يوما منارة للعالم أن يختفى من الوجود بدلا من أن ينتهى بالوصول الى هدف كهذا؟ ويذكرنى مستر ليلنبلوم بأن هناك دولا صغيرة اليوم مثل سويسرا تحميها دول أخرى من تدخل الغير فى شئونها وانها ليست مضطرة للتزلف لكن عقد المقارنة ما بين فلسطين والبلاد الصغيرة مثل سويسرا معناه تجاهل الوضع الجغرافى لفلسطين وتجاهل لأهميتها الدينية للعالم أجمع.
ان هاتين الحقيقتين ستجعل من المستحيل على جيرانها الأقوياء تركها وشأنها. وحتى بعد أن تقوم الدولة اليهودية فإنه سيظلون يرمقونها بعيونهم وستحاول كل قوة أن تفرض نفوذها عليها وتوجه سياستها في اتجاه تحقيق مصلحتها هى بنفس الطريقة التى تحدث مع الدول الضعيفة مثل تركيا والتى للدول الأوروبية الكبرى مصالح فيها.
(*) نقلا عن كتاب "The Zionist Idea"
وخلاصة القول فان جمعية محبى صهيون ليسوا بأقل من الصهيونية رغبة فى إقامة دولة يهودية ويؤمنون فى امكانية إقامة دولة يهودية فى المستقبل. ولكن بينما تتطلع الصهيونية الى الدولة اليهودية لتقديم العلاج للفقر وتهيئة السلام والسكينة والمجد القومى فان "أحباء صهيون" يعرفون أن دولتنا لن تقدم لنا كل هذا ما لم يسود الخير العام ويفرض سلطانه. فوق الأمم والدول. انها تتطلع الى دولة يهودية لتهيئة "ملجأ أمين" لليهودية ورابطة ثقافية لتعقد ما بين أمتنا. ولذلك تبدأ الصهيونية عملها بالدعاية السياسية. أما أحباء صهيون فتبدأ عملها بالثقافة القومية ذلك لأنه من خلال الثقافة القومية وحدها ومن أجلها تستطيع الدولة اليهودية أن تقوم بطريقة تتفق مع ارادة ومطالب الشعب اليهودى.
لقد انقضت عدة شهور منذ انعقاد المؤتمر الصهيونى لكن أصداءه لا زالت تتردد فى الحياة اليومية، وفى الصحافة. ومنذ أن عاد أعضاء الوفود وهم يبهرون أسماع الرأي العام بالمعجزات التى ستتم والشعب متلهف الى سماع هذه الآمال. فماذا ستكون عليه هذه الدولة اليهودية فى المستقبل؟ ان التاريخ يحدثنا عن فلسطين أيام حكم هيرودس وأنها كانت دولة يهودية لكن ثقافتنا القومية كانت موضع احتقار. وقد بذل الحكام الرومان كل ما فى وسعهم لاقتلاع هذه الثقافة وغرس الثقافة الرومانية مكانها. وهكذا ستكون هذه الدولة اليهودية الجديدة إنها تنشر الموت وتجلب العار على شعبنا ولن تنال أى احترام كقوة سياسية.
ان هذه الدولة الهزيلة ستتأرجح كالكرة بين جيرانها الأقوياء وسيمكنها الاحتفاظ بوجودها عن طريق التقلب الدبلوماسى والخنوع ومن ثم لن يمكنها أن تهبنا شعورا بالفخار القومى. عندئذ سنكون أمة هزيلة لا وزن لها.