لا يهم المستهلك كم يبلغ عدد الدنانير في محفظته، وانما ماهية السلع والخدمات التي يشتري فيها، ومدى قدرة هذه الدنانير على تلبية
احتياجاته واسرته...هذه الكلمات مهمة ونحن نتابع بألم مدى تدني قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم من سلع وخدمات في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية ضاغطة، وفي نفس الوقت تصدر تصريحات عن مسؤولين ماليين تؤكد ان ظروفنا جيدة، فالدينار مستقر من حيث سعره التبادلي مع العملات الاخرى، ويؤكدون ان الامور عال العال، بينما الواقع يكشف العكس، فالغلاء المتراكم يدفع مئات الالاف من المواطنين من الطبقة الوسطى الى اتون الفقر، ولا يجد المواطنون تبريرا لهذا الوضع دون ملامح للرد عليه او وقف متوالية ارتفاع الاسعار التي لا تبقي ولا تذر.
في السابق كان المواطن عندما يكون في جيبه 20 دينارا كان يشعر بأنه قادر على تسليك اموره، اما اليوم فإن الـ 50 دينارا لا تكفي ليوم واحد اذا تطلب تعبئة السيارة بتنكتين بنزين على سبيل المثال، فإن قيمتها تعادل سعر برميل كامل من النفط، علما بأن برميل النفط يحتوي قبل الاضافات ( 169) لترا اي نحو 8.5 تنكات وقود، ومع ذلك تأتي لجنة تسعير المحروقات تضرب وتطرح وتقسم وتقدم اسعارا لا يمكن فهمها او تقبلها.
اقتصاديا..يقال ان الغلاء يعني بشكل مباشر تخفيض قسري لقيمة العملة، ومن يقول غير ذلك عليه ان يفسر للعامة ما الذي يجري في الاسواق، تدخل صاحبة المنزل لتشتري قائمة قصيرة من الاحتياجات الضرورية وتدفع اكثر من 50 دينارا، وتخرج حانقة على الغلاء الفاحش الذي يصل حد البلاء كما يقال، ومع ذلك تصدر عن المولات والمؤسسات الاستهلاكية اعلانات بتقديم عروض مغرية، وتفصح عن دراسات تفيد انها خفضت اسعار قائمة طويلة من السلع.
المسؤول اولا وثانيا وثالثا و....هو السياسات المالية التي تفرض الضرائب والرسوم وتتبعها بضرائب ورسوم وغرامات اخرى، وعلى جمهور المستهلكين ان يتحملوا، وتأتي بعثات صندوق النكد او النقد الدولي تفرض على المالية مجددا زيادة اسعار الكهرباء على المستهلكين برغم الانخفاض العالمي لاسعار النفط ومشتقاته والغاز المسال بنسبة تناهز 60%، وتوافق الحكومة لتحصل على حزمة جديدة من القروض المشفوعة برزم جديدة من الضرائب، وفي احسن الاحول تستمهل المالية من الصندوق الدولي فترة لتمرير هكذا قرار.
الضرائب وزيادة الاعباء على المستثمرين، وتعقيد تكاليف العيش على المواطنين هي سياسة عقيمة، وهي اشبه بسياسة الانتحار، ويزيد الامور تعقيدا ميل الحكومات لزيادة النفقات الجارية، والاقتراض بوتائر مرتفعة، ومعها تغوص سفينة الاقتصاد في وحل الدين وتكاليفه...مرة اخرى ما يجري في بلدنا كارثة اقتصادية تتطلب جراحة سريعة للرد على سياسات غير واعية لما نحن مقبلون عليه.