[rtl]التاريخ:10/2/2016 - الوقت: 8:51م[/rtl]الأردن بين نقطة "الغليان" والحفاظ على الاستقرار (تحليل)
البوصلة ــ محرر الشؤون السياسية
يتسم الموقف الرسمي الأردني إزاء ما يحدث في سوريا بالحذر والسير على خيط رفيع من التوازنات بين الضغوط المتشابكة داخليا وخارجيا، كما يحاول التناغم مع أدوار إقليمية ودولية بشكل يمكنه من مجاراة "وضع صعب" ينعكس بأقل الكلف على الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي الأردني.
فالحذر الأردني واللعب على التناقضات في التعاطي مع "المعضلة السورية" لم يكن يرضي الكثير من الأطراف الدولية ولا حتى الإقليمية، لكنه في الوقت ذاته وبما تحمله هذه الأزمة من تأثير وتداعيات على الأمن القومي الأردني، بالإضافة إلى حجم تدفق اللاجئين السوريين كلها أسباب "صنعت" من الأردن "لاعبا فاعلا" في الأزمة السورية.
بالرغم من أنّ الملك عبدالله الثاني كان أول زعيم "ينصح رئيس النظام السوري بشار الأسد بتقديم استقالته وتمهيد الطريق إلى انتقال سلمي للسلطة"، إلا أن الواقع يشير إلى أن قناعة صانع القرار الأردني تنطلق من حسابات أخرى على توازن يحفظ الأمن القومي ولا يجر الأردن إلى لعبة خاسرة.
فالأردن يتعاطى اليوم مع قضية اللاجئين السوريين وفقا لمعطيات ومحاذير لم تكن ظاهرة في الملف العراقي سابقًا، بالإضافة إلى أنه يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الدولية والإقليمية ذات العلاقة في المشهد السوري، فتجده يشارك السعودية بشكل غير معلن في التجهيز للتدخل البري العربي الذي تقوده في سوريا، بحسب ما أكدت مصادر سعودية رفيعة المستوى لشبكة "سي أن أن" الأمريكية قبل أيام، ولكنّه في الطرف الآخر من المعادلة يظهر في تنسيق أمني واستخباري وعسكري مع روسيا، كما نقل سفير موسكو في عمان بوريس بولوتين، الذي أكد أن "هناك اتفاق بين قيادتي البلدين حول آلية التنسيق العسكري وكل ما يتعلق في هذا الجانب"، مشيرا إلى أن "الأردن يقدم مقترحات تتطابق مع مصالحه الأمنية بشأن التفاهم حول سوريا والتعاون العسكري".
هل الأردن عند نقطة الغليان حقا؟
صحيفة الإيكونيميست البريطانية نشرت قبل أيام تقريرا ترجمته "البوصلة" كان تحت عنوان "عند نقطة الغليان"، أشارت خلاله إلى أن الدولة تسعى جاهدة بكافة الوسائل لإبعاد الحرب عن الأردن، مشيرة إلى أن الشعب الأردني عند نقطة الغليان بسبب الضغط الاقتصادي والمعيشي الناجم عن الحرب في سوريا.
وتقول الصحيفة إن "الملك عبد الله الثاني صرّح قبل أيام بأن الأردنيين بلغوا درجة الغليان؛ نتيجة المعاناة التي تسبب بها نزوح مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن، فهذا النزوح الكبير عرّض الخدمات الاجتماعية والبنى التحتية والاقتصاد لضغوط هائلة، فسينهار السد عاجلا أو آجلا على ما أعتقد".
الإيكونيميست، لفتت إلى أن "الأردن استطاع تفادي موجة الربيع العربي، رغم خروج الشعب إلى الشوارع عام 2011، حيث طالبوا بالإصلاح ومكافحة الفساد والانتقال لصيغة الملكية الدستورية، والذهاب لحكومات برلمانية منتخبة"، وأضافت "إلا أن أجهزة الدولة استطاعت احتواء الحراك الشعبي الغاضب حينها بالإدارة الجيدة والحظ الجيّد".
وبينت الصحيفة أن "السياسة الخارجية للمك عبد الله الثاني استطاعت إلى حد ما الحفاظ على الحلفاء في المنطقة المقسمة، إذ أنه قاوم الضغوط من السعودية لتمرير الأسلحة عبر حدوده إلى سوريا، وبموازاة ذلك سعى لإنشاء منطقة عازلة لإيقاف تدفق اللاجئين عبر تسليح بعض الثوار هناك، لكن بشكل غير كاف لإسقاط نظام بشار الأسد، كما يسعى بشكل غير علني للحفاظ على العلاقات مع إيران".
وعلى المستوى الداخلي تقول الصحيفة البريطانية إن "الأردن استفاد بشكل كبير من حالة الخوف التي سيطرت على المنطقة من تجزيء البلدان، فالخوف من الحرب وقدوم المليشيات الطائفية للبلاد كان له سبب في تبريد الأمور داخليا".
وأشارت الإيكونيميست إلى أن "الأردن يسعى إلى تلبية متطلبات سكانه بشكل نسبي، بعكس كثير من بلدان المنطقة، فهي لم تطلق النار على المتظاهرين، كما أن قانون الانتخابات الجديد قد يدفع المواطنين باتجاه المشاركة في الانتخابات، في شكل من أشكال الديمقراطية، ولو أن القانون تعرض للانتقاد من المعارض صاحبة الأغلبية الشعبية".
وتقول الصحيفة، إنه "ليس من السهل الحفاظ على هذا الاستقرار، فقد حذر الملك عبد الله من أن بلاده عند نقطة غليان، فقد رفضت الأردن أخذ المزيد من اللاجئين حتى يقدم الداعمون المزيد في مؤتمر لندن الذي عقد في ٤ شباط/ فبراير الحالي".
واستدركت الصحيفة بالقول: "فبالرغم من أن مخيم الأزرق لم يمتلئ سوى ثلثه تقريبا، إلا أن هنالك عشرين ألف سوري تقريبا عالقون على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد قرب العراق، وينتظرون المرور، إذ أن الأردن تسمح لبعضهم فقط بالدخول، وبحسب حالتهم الإنسانية".
وتشير الصحيفة إلى أن "تحسين الاقتصاد قد يساهم في تخفيف الضغط على الأردنيين، لكن ذلك يبدو صعبا للغاية في ظل أزمات إقليمية عملت على تقليل المستثمرين والسياح، ناهيك عن أن الاقتصاد الأردني يعتمد بشكل كبير على المعونات الخارجية أكثر من إنتاجه الذاتي، كما أن البطالة وصلت إلى ٣٠ بالمائة، ووصلت نسبة الدين مقابل الدخل الوطني إلى ٩١ بالمائة العام الماضي، من ٦٧ بالمائة عام ٢٠١٠، كما أن أسعار السلع وخصوصا الأساسية ترتفع بشكل مضطرد".
وتابعت "إيكونوميست" بأن "الشباب، الذين يمثلون الأغلبية الأردنية، بعيدون عن السياسة، إضافة إلى أن المعارضة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تشكل غالبية تلك المعارضة، تعاني من (التهميش)، حيث أن الملك عبد الله الثاني لم يلتق الإخوان سوى مرة واحدة فقط منذ استلامه الحكم عام ١٩٩٩، وسط عجز برلماني حقيقي عن التغيير، إذ أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة عبارة عن ديكور، كونها لم تحظى بتمثيل شعبي حقيقي ولم تشارك فيها المعارضة السياسية في البلاد".
الشارع الأردني ضبط سياسة مطبخ القرار تجاه سوريا
إذن فالأردن في موقف لا يحسد عليه، فهو يحاول السير على خيط رفيع في بيئة مليئة بالألغام، وما يجعل الأردن متوازنا تجاه القضية السورية المعقدة، هو أن هنالك اتفاقا لدى أغلبية الرأي العام الأردني في رؤيتهم للأزمة السورية يقضي بضرورة تغيير النظام في دمشق وتنحي بشار الأسد، ولكنهم ضد التدخل الأجنبي من أجل التغيير هناك أيضا.
حيث أظهرت نتائج استطلاع المؤشر العربي للعام 2012 الذي نفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة من 5 وحتى 11 تموز بأن الغالبية العظمى من الأردنيين منحازة إلى أن حل الأزمة السورية يكمن في تغيير سياسي جوهري لنظام الحكم القائم والاستجابة لمطالب الشعب السوري.
وتعكس النتائج أن هنالك شبه إجماع لتأييد الثورة السورية (82%)، فيما يعبر نحو 3% من الرأي العام الأردني عن تأييده للنظام السوري وأدواته وأساليبه في التعامل مع الثورة السورية والقوى المعارضة للنظام هناك، وهي نسبة ضئيلة ليست ذات دلالة إحصائية بحسب ما أظهر "المؤشر العربي".
كما خلص الاستطلاع إلى أن أربعة أخماس المجتمع الأردني يرى أنه من الأفضل لسوريا أن يتنحى رئيس النظام بشار الأسد عن السلطة، فيما أفاد 11% بعدم موافقتهم على أن الأفضل لسورية هو أن يتنحى الأسد.
وأوضح الاستطلاع أن أكثرية الأردنيين (57%) تصف الأزمة السورية على أنها ثورة ضد النظام الحاكم، فيما يرى 35% من الرأي العام الأردني بأن هنالك مؤامرة على سوريا.
موقف استراتيجي وآخر تكتيكي!
في الفترة الأخيرة، ظهرت بعض المؤشرات التي تنبئ عن تغير واضح في الموقف الأردني، بعد تغير جوهري في الموقف الأمريكي الذي كان يصر باستمرار وقبل التدخل الروسي في سوريا على أنه لا حل من دون تنحي الأسد عن السلطة.
حيث قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني، محمد أبو رمان، إن الموقف الرسمي الأردني تجاه سوريا ينقسم إلى قسمين أولهما استراتيجي والآخر تكتيكي، موضحا أن الموقف الاستراتيجي يتمثل بالثوابت الأردنية تجاه سوريا، وهي "الحل السياسي وطاولة الحوار، والقلق من تصاعد الجماعات الإسلامية المتطرفة، أما التكتيكي فهو الذي يتغير مع المزاج الدولي والإقليمي".
وأكد أبو رمان على أن الموقف الأردني تماشى مع الجدية والحزم الذي أبداه رأس النظام السعودي الجديد، الملك سلمان بن عبد العزيز، والتحالف التركي السعودي القطري تجاه الأزمة السورية.
وأضاف أن الأردن هدأ من دوره في "مكافحة إرهاب تنظيم الدولة"، وتماشى مع موقف السعودية، باعتبار الأسد هو الخطر الأول.
موضحا أنه "وحتى تصريحات الأمريكيين المتمثلة في تغير موقفهم واعتبار الإطاحة بنظام الأسد في سوريا هو الأولوية، كانت بمثابة مغازلة للسعودية، وهو ما تماشى الأردن معه بطبيعة الحال".
الصمت الأردني يثير الريبة!
وفي الفترة الأخير كثُرت التساؤلات عمّا إذا كان الأردن قد تخلى عن معادلة الأمن السابقة في درعا جنوبي سوريا بعد سنوات من التعامل مع الفصائل المعارضة، حيث يقول مراقبون إن الأمر انقلب بعد تدخل روسيا عسكرياً في سوريا، وتصريحات السفير الروسي الأخيرة تعزز مقولة سكوت الأردن عن سقوط مدينة الشيخ مسكين الاستراتيجية في درعا، والتي تبعها سقوط مدينة عتمان وغيرها، فيما تفرغّت الحكومة لمؤتمر لندن ومحاولة جلب الاستثمار لدعم المناطق التي يتركز فيها اللجوء السوري، مع تأكيد رفضها استقبال لاجئين جدد، والذي تجسد في مطالبة الملك عبد الله الثاني للدول الأوروبية باستقبال اللاجئين العالقين على الحدود.
كما تتسق تصريحات السفير الروسي مع ما نشره موقع "ديبكا" الاستخباراتي التابع للاحتلال الإسرائيلي، الذي قال في تقرير له إنه بات واضحا الانقلاب الذي حصل في سياسة عمّان تجاه المعارضة السورية، حيث استضاف الأردن سابقا غرفة عمليات بقيادة أمريكية ضد نظام بشار الأسد.
وكشف التقرير عن أن الأردن وافق على إنشاء غرفة حرب مشتركة مع روسيا وذلك لتنسيق عملياتها على الأراضي السورية، في خطوة هامة ومحورية تعكس مدى التغير في الصفقات العسكرية والسياسية بسوريا.
وأشارت "ديبكا" إلى أن قرار الملك عبد الله، للعمل مع موسكو هو إيذان ببدء لعبة جديدة في صنع السياسات وتبادل المعلومات الاستخبارية، والملك اليوم، لا يخطط لإغلاق مركز القيادة المشتركة بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل"، ولكن سيتم إعادة توجيه الجهود العسكرية والاستخبارية الأردنية إلى مركز ثقل جديد مع روسيا، وهو ما يمثل تحولا مثيرا في المنطقة.
هل للأردن مصلحة في فتح معبر الرمثا ــ درعا؟
وأفاد ناشطون وإعلاميون سوريون، في حديث لـ"البوصلة" إن "هناك معلومات متداولة عن نية نظام الأسد فتح معبر درعا الرمثا (الجمرك القديم)، لحاجته الماسة لوجود نقطة جمركية مع الأردن"، مشيرين إلى أن "تأمين خط الجمرك القديم في حال استرجاعه من الثوار، يترتب عليه احتلال مساحات كبيرة من مخافر حدودية ونقاط هجانه وبعض منطقة درعا البلد، التي تقع تحت سيطرة الثوار منذ مطلع 2013".
وأضف الناشطون بأن "خط الجمرك القديم سيمر بدرعا البلد عبر المتحلق الغربي ومنطقة سجنة إلى البانوراما، مروراً ببلدة عتمان وداعل وأبطع والشيخ مسكين، عبر الأوتوستراد القديم ويمكن أن يقوم النظام أيضا بالربط مع طريق الأوتوستراد الجديد".
والسؤال هنا، في ظل هذه المتغيرات المضطردة من حول الأردن، والتي جعلت جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين تغيير مسار اللعبة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، هل ستبقي سياسة التوازنات الدقيقة هذه الأردن بين نقطة "الغليان" والحفاظ على الاستقرار، بالتأكيد كل الأردنيين يتمنون ذلك.
(البوصلة)