[rtl]د.ديمة طارق طهبوب
دكتور اخليف أجب فرسانك
التاريخ:9/3/2016 - [/rtl]
في اليوم العاشر للاعتصام المفتوح لطلاب الجامعة الأردنية احتجاجا على قرار رفع الرسوم الجامعية، قررت أن أخرج من مكتبي الهادئ لألبي نداء الوفاء لخريجي الجامعة الأردنية و نداء الوفاء للوطن الذي علمنا ان نسير بقدرة أضعفنا فيحمل القوي الضعيف و المقتدر العاجز و الغني الفقير ثم انتصارا لضمير المعلم و حتى استطيع النظر في عيون طلابي فيكون فعلي مصداقا لساعات طوال من الدرس والتنظير
في اليوم العاشر أخرجني صمود و مصداقية الطلاب و عدالة مطالبهم و رقي اسلوبهم الذي أقنع المشكيكين و حرك المحايدين و اسكت المغرضين و شجع المترددين
توقعت ان أجد صفوفا من الأساتذة بجانب طلابهم في هذا الاعتصام بالذات ذلك انهم يدافعون عن حقهم المقدس في التعليم مستذكرين انهم في يوم ما كانوا طلابا على ذات المقاعد و في ذات الساحات و في ذات الموقف يوم كانت الأمهات تبيع المصاغ و الأباء يبيعون الأرض استثمارا في الذهب الأعظم و الثروة الأبقى التي يملكها الأردن: الانسان، كان زملائنا الفقراء اكثر فخرا من المقتدرين فقد حصلوا العلم و التوفق بالرغم أنهم كما كانوا يقولون أبناء الحراثين، و أصبح اللقب "أبناء الحراثين" مرتبطا بكل فخر و انجاز و كرامة
أمام مكتبة الجامعة عادت بي الأيام يوم كانت ساعة البكالوريوس بثمانية دنانير و الماجستير بخمسين و كانت الجامعة تمر ايضا بضائقة مالية و لكن الخروج منها لم يكن بالاستقواء على البقية الباقية في جيب المواطن الذي ما عاد له من استثمار و أمل في المستقبل سوى بتعليم الابناء ليحملوا المسؤولية من بعده
في التسعينات صبرنا على المقاعد المكسورة و الحيطان ذات الطلاء الغامق الذي سقط أغلبه مع تقادم السنين و عوامل الجو، صبرنا على الغرف الملتهبة صيفا و المتجمدة شتاء لاننا كنا نتلقى علما و كان العامل البشري المتمثل في الاستاذ القدير و الطالب الراغب أهم من القشور الممكن تعويضها، تعلمنا بثمانية دنانير و من بعدها بخمسين و حملنا اسم الجامعة الأردنية على شهاداتنا ثم ذهبنا لنفاخر بها في العالم الغربي و نبز أبناء البلد و غيرهم من أبناء الذهب الأسود من العرب فنلنا الاعتراف و التقدير مع أننا طارئون على البلاد و اللغة!
في الاعتصام عاد لي شيء من الايمان بجدوى التعليم بعد ان احسست انه حالة غثائية عدمية دون فائدة ترجى لطلاب يودون لو كان العلم يؤخذ في حبوب تبلع مرة واحدة و ينتهي الأمر او تنابلة تدخل المعلومة من اذنهم اليمنى لتخرج من اليسرى دون اي مرور بالعقل او القلب!
في الاعتصام وجدت شبابا واعين يعضون على حقهم بنواجذهم، وجدت شبابا يتحملون المسؤولية الجماعية و يقارعون من اجل المصلحة العامة بالرغم ان بعضهم يستطيعون دفع الرسوم حتى في حالة ارتفاعها! في الاعتصام وجدت شبابا يحبون الأردن حقا لا ادعاء و عملا لا شعارا فهم يريدون ان تظل الجامعات منارات للعلم في قلب الجهالة و اللااستقرار الذي يعصف من حولنا
كنت أتمنى في الاعتصام رؤية رئيس الجامعة الأردنية الاستاذ الدكتور اخليف الطروانة مع طلابه فسمعته الطيبة لا تجعل ذلك غريبا، و هو ابن الأردن و ابن مدارس الكرك و الخالديه الذي عايش الأصلاء من أبناء الأردن الذي يجمع بعضهم القرش على القرش لتحقيق حلم تدريس أبنائهم، كنت أتمنى أن يكون الدكتور بين طلابه و هو صاحب المواقف المشهودة الذي يقودهم في كل موقف و صلاة فالعلم و ساحاته محاريب عبادة ايضا و مواقف بذات الأهمية
اعلم ان الاستاذ الدكتور اخليف الطروانه ليس على طرفي نقيض مع الطلاب و لكنه ضغط الأوضاع، و لكننا بما نعرفه من سيرته و نؤمله منه لنرجو ان يخرج بقرار حكيم يحفظ للجامعة و حرمها حرمته و للطلاب كرامتهم و مستقبلهم و بذا يكون تناغم مع ضميره الانساني و دوره الأكاديمي و أصالته الأردنية
و إن كان موقف الاعتصام في الأردنية يذكر باعتصام مماثل في جامعة اليرموك في الثمانينات فالتشابه فقط في الظروف و وعي و همة الشباب أما المؤكد فإن النتيجة الحالية لن تكون مثل سابقتها فالأردنية الجامعة الأم المشهود لها و الزمن تغير و العقلاء في ادارتها لن يرضوا بانتهاكها ما داموا يستطيعون تجنب ذلك و الدكتور اخليف ليس ذلك الاستاذ الذي تنصل من مسؤوليته الأخلاقية تجاه طلبته في اليرموك فدخل التاريخ من اسوأ و أضيق أبوابه و لما ظن ان الناس نسيت جاء الأدب ليذكرهم في رواية طافت العالم بعنوان حديث الجنود للدكتور أيمن العتوم
استاذي الفاضل الدكتور اخليف: أكاد استشعر بهجة تحاول اخفائها بهذا الجيل المبشر من أبناء الأردن و انت تنظر اليهم من مكتبك اثناء اعتصامهم، هذا الجيل الذي يضع الكلمة موضع التنفيذ، هذا الجيل الذي يحرص على محاضراته فيبدأ الاعتصام عصرا ثم يحرص على تنظيف ساحات الجامعة بعد اخلائها صباحا في أجمل مشهد للانتماء و النظام
استاذنا الكبير: ان فرسانك القابعين أمام الرئاسة ينتظرون قيادتك و موقفك، موقف يتجاوز الوظيفة و الكرسي و ينتصر للرسالة و قدسية التعليم، لقد فعلها سقراط من قبلك فشرب السم و لا أن يتراجع عن مبادئه فعلم طلبته الذي تحلقوا حوله الدرس الخالد في قدسية المبادىء و بقائها مهما كانت التضحيات
استاذنا الفاضل لست اقتصادية لاقترح حلا مباشرا و لكننا نعلم ان الدعم يمكن تحصليه بطرق كثيرة فهارفرد من أعرق الجامعات في العالم و هي لا تعتمد على الحكومات في تمويلها بل لها اوقاف خاصة و اهلية بالملايين، و اعلم انكم لو بحثتم في الداخل و الخارج فستجدون وسائل عديدة و تمويلا غير حكومي يمنع كارثة الرفع!
لقد قال أبو ذر: اني لاعجب ممن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه و غذاء العقل كغذاء القلب فعجبا لمن يحرم من حقه في التعليم كيف لا يخرج على الملأ رافعا صوته؟!
أيها الطلاب المعتصمين:
ان التعليم ليس فقط ما يحشى في عقلك او ما تجتره على ورقة الامتحان انه الخير الذي تصنعه في مجتمعك! يا طلاب الاعتصام هنيئا لكم فقد احرزتم درجة الامتياز .
(البوصلة)