مصباح علاء الدين ، مقدمة وتمهيد .. بقلم دكتور أحمد كلحى
يقول الفرزدق :
لا خير فى حسن الجسوم وطولها اذا لم يزن حسن الجسوم عقولا
ويقول أمير الشعراء :
ان الشجاعة فى القلوب كثيرة ووجدت شجعان العقول قليلا
ويقول المثل الانجليزى :
اذا قاد الأعمى رجلا أعمى سقط كلاهما فى الحفرة
أما العرب فتقول
عدو عاقل خير من صديق جاهل
هذا لأن العقل منبع الفكر ، والفكرة طائر يحلق بلا أجنحة
الفكرة قلم بحد السيف ونبتة بعطر الزهور ونسمة بعبير الربيع وشمعة بضياء الشمس وبنور القمر
الفكرة شجرة باسقة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين باذن ربها ويكأنها درب المحبين وطريق العاشقين الذى يهذب الأرواح ويهز القلوب وترتعش على ذراته الأجساد وهى تبحث عن ذاتها وعن أصل رقيها
الفكرة طريق أنوار الله وسفينة الوصول لقربه والعيش فى معيته
كائن مخلوق من حماء مسنون كريه الرائحة لم يرتق الا من خلال الفكرة التى أوصلته الى درجة القرب
لم تكن مصادفة أن يكون الدماغ أعلى الجسد لأن العقل منبع الفكرة والفكرة طائر مغرد يصعد بك الى غاية خلقك وأصل ذاتك
لم يكن ديكارت مخطئا حين قال ( أنا أفكر اذا أنا موجود ) لكنه وللعامة كان عليه أن يضيف ( أنا أفكر اذا أنا موجود وأنا أفكر اذا أنا أسير على درب الرقى )
حدثونى عن أى تحول بشرى فى نطاق الجماعة لم يك نتيجة فكرة ؟
فلم يكن التحول فى جزيرة العرب البدو الرحل من جماعات بدوية الى أمة متحضرة سادت العالم يوما الا نتاج فكرة أخذت تزرع وتنمى فى مجتمعهم طيلة سنوات العهد المكى ، فكرة وجود اله وفكرة التوحيد لاله واحد ، فكرة ضرورة وجود دين وحياة وموت وبعث ، فكرة المساواة التى ساوت بين سادات قريش وعبيدها ، بين أغنياء قريش وفقرائها ، بين أقوياء قريش وضعفائها ، وفكرة حرية الاعتقاد وحرية الذات التى حررتهم من عبودية الأشخاص وعبودية المادة الى عبودية رب واحد
وفى عصرنا القريب لم تكن الثورات الأوروبية الناجحة الا نتيجة وثمرة للفكر الذى زرعه ونماه كتاب وفلاسفة عصر النهضة فكانت الثورات تحولا فكريا لا تغيير أنظمة
أخبرونى عن أى تغير فردى لم يكن نتيجة فكرة حولته من خيال جسد الى انسان يجمع بين جنبيه أسرار الكون وأنوار الكلمة ؟
دلونى على مبدع قلم لم تكن الفكرة نبض كلمته ؟
أنبئونى عن نبى كريم لم تكن الفكرة نبراس دعوته ؟
لنقف متأملين برهة
ما هو العقل ؟ ما هى الفكرة ؟ وهل للفكرة حيز ومنتهى ؟ هل للفكرة حد ؟ وما هى غايتها ؟
دعونا نرتدى عباءة علاء الدين لكن قبل أن يجد مصباحه الذى حقق أحلامه وأمانيه
دعونا نتقمص شخصيته فى عالم من الخيال وفى جزيرة منعزلة لنعود معه الى بدايات العقل الانسانى بعد ان نسى علم أبيه الأول
لننسى للحظات ما سطرته الأنامل عبر العصور
ساعتها سنسأل من نحن ولماذا نعيش ، ولماذا تنتهى الحياة بالموت ، كيف نأكل ولماذا وكيف نشرب ولماذا ؟
أسئلة لا نهاية لها ستنتابنا حينئذ وعندها سنكون مضطرين لأن نتلمس أهمية الفكر وعظم التفكير وقيمة العقل الذى كلما ازداد عملا ازدادت الحيرة وازداد معها عذاب البحث عن الغاية ، بيد أن من الجميل الرائع أن الحيرة سرعان ما يخف وطأتها كلما تلمسنا جوابا على سؤال أو وضعت أمامنا حقيقة لم نكن نسعى للوصول اليها
الفكرة قالب بلا جدران لأنها من باب الغاية فحتما دربها بين يحدد طريق البحث عن الذات وتمنع الانزلاق فى ظلمات الضياع ، لكنها وفى ذات الوقت لا حد لشموليتها فهى دوما فى ازدياد مضطرد ، رحبة ، واسعة كاتساع الكون
من يقتنع بفكرة اذا لا يريد مناقشتها أو تقبل نقدها أو الدخول فى تفاصيلها فهو ديكتاتور جاهل يسجن الفكرة فى معتقل الجهل والتخلف
ان الفكرة نور مستمد من منبعه الالهى وسر من أسرار النفخة الأولى ( ونفخنا فيه من روحنا )
وهى العطية العظمى والنعمة الكبرى التى أودعت آدم عليه السلام وذريته فكان التعليم الربانى ( وعلم آدم الأسماء كلها )
ويكفى آدم وذريته شرفا أن يكون معلمهم الأول هو رب العالمين بلا واسطة ليهب الله بفضله للانسان شرف التعلم منه وفضل العقل الذى ميزه عن جميع الخلق وفضله حتى على ملائكته الكرام
فالعلم أداة المعرفة والمعرفة مفتاح للفكرة فكانت الفكرة ثمرة العلم الذى تم تفضيل آدم به وبه تم التكريم
عندئذ وفى التعمق جليا فى هذا المعنى نتسائل
كيف ينحى العقل جانبا فى هذه الأمة وأول خطاب الوحى لنبيها الكريم صلوات ربى وسلامه عليه كان (اقرأ) ؟
كيف ينحى العقل جانبا فى هذه الأمة ومعجزة نبيها فى قرآن ربها كلمة ؟
كيف ينحى العقل جانبا فى هذه الأمة وتشريعها فى خطاب ربها كلمة ؟
كيف لا تفهم الأمة المعنى ولا تعيه ؟
أليس القرآن الكريم هو كلام رب العالمين الذى تؤمن به الأمة عقيدة وشريعة وأخلاقا ومنهاجا ؟
فاذا لم يكن للعقل مكانته فما قيمة الكلمة وما قيمة الخطاب القرآنى الذى هو كلمة ؟
أليس الله جلت قدرته يخاطب بكلامه العظيم فى قرآنه العقل والعقلاء ؟
أليس من العجيب والغريب أن تقوم أمة عقيدة وشريعة ومنهاجا على الكلمة ثم لا تكون للكلمة والعقل والفكرة الا النكران والاستخفاف والهجر
فان كان العلم أداة المعرفة والمعرفة مفتاح الفكرة فان الفكرة وسيلة واساس للغاية النبيلة وحينها ستكون الكلمة وسيلة وتعبير وخطاب
فما قيمة الكلمة ان لم تكن ذات مدلول حتى تفهم ، وما قيمة الفهم ان لم يكن بعقلى أنا لا عقل غيرى ، وما قيمة العقل ان لم يثمر فكرة ، وما قيمة الفكرة ان لم تتحول الى فعل وعمل ، خلق وسلوك ، عقيدة وايمان ، فالكلمة فكرة وايمان وعمل ، فكرة تنبع من مدلولها وايمان ناتج عن عقيدة الاقتناع بها اى بفكرتها ثم عمل يثبت معه نبل الفكرة والايمان بها ، هكذا هى الكلمة والا أضحى حينها السكوت حتما من ذهب
ما معنى هذا ؟
معناه أن الكلمة يجب أن تكون لها مدلول ومعنى وغاية
نقف لحظة متأملين مستغربين فى آن واحد : ما هذا ؟
هذا ببساطة يعنى أن من الطبيعى أن يكون للكلمة فكرة تعبر عنها قد نعيها أو لا نعيها ، معنى هذا أيضا أننا نكتشف فى النهاية أن الفكرة - ان علمنا أو لم نعلم ، أو قصدنا أو لم نقصد - هى الغاية من الكلمة
ويحضرنى سؤال ساذج : هل التفكير درجة معرفية أو مستوى ثقافى أو تخصص علمى ليقال ان هذا الشخص هو المفكر فلان ؟
وباجابة ساذجة أيضا أجد ان هذا استخفاف بمدلول الفكر وبقيمة العقل وبتكريم الانسان ، لماذا ؟ لأن من المنطقى أن يكون لكل انسان عاقل عقل ، وان كانت الوظيفة الأولى للعقل هى التفكير فحتما سيكون كل انسان عاقل هو مفكر بطبعه بدرجة أو بأخرى
لنعود مجددا الى الحديث عن العقل ومكانته فى الأمة :
أجمع فقهاؤنا وعلماؤنا قديما وحديثا على قاعدة فقهية مفادها أن العقل مناط التكليف ولا تكليف على المجنون ومن فقد عقله وبالتالى لا حساب عليه لأنه يفتقد للوظيفة الأولى للعقل وهى التفكير الذى يجعله قادرا على فهم التكليف الشرعى والتمييز بين الخير والشر والطاعة والمعصية ، بل انه يفتقد لخاصية فهم درجات الطاعة فى العبادات ودرجات المعصية من فرض وواجب وسنة ومندوب وجائز ومكروه ومحرم .. الخ ، ثم انه فوق ذلك كله يفقتد قدرته على استنتاج مقاصد الشريعة وغاياته وطريقة اداء الحكم الشرعى لأنه اى الحكم الشرعى الواحد قد يتغير حكمه بتغير الظروف والأحوال فما هو جائز قد يتحول الى المكروه أو الحرمة وقد يتحول نفس الحكم الى الوجوب ومثال ذلك السباحة فحكمها الجواز لكن ان وجدت أحدهم يغرق ولا يوجد أحد غيرك وأنت باستطاعتك انقاذه بلا ضرر عليك سيتحول حكم السباحة من الجواز الى المندوب او الواجب ، ونفس الحكم فى السباحة سيتحول الى الكراهية او الحرمة ان كانت المياه عاصفة والأمواج متلاطمة والتهلكة أكيدة فسيتحول حكم السباحة حينها من الجواز الى الكراهية او الحرمة ، فأنت بعقلك اذا وبفكرك ستميز وستختار الحكم وتحدده أنت لا غيرك
والعقل أيضا سيجعلك تميز بين الأحكام الشرعية من باب فقه الأولويات فقد تقدم فرضا على فرض أو حكما على آخر وسنضرب مثالا : لو أنك تصلى فريضة الظهر مثلا ومر أمامك أعمى سيقع فى بئر عميق ، هنا يقول لك الشرع الحكيم اقطع الفرض لتنقذ الأعمى أى أنك تقدم حكما حتى على صلاة الفريضة ، والعقل هو الذى يجعلك تميز هذا وتعرفه وتحدد اتجاهك ناحيته
ليس هذا فحسب بل ان العقل أيضا يجعلك تستنبط حكما جديدا طبقا لمقاصد الشريعة وغاياتها كما فعل الفاروق عمر رضى الله عنه حينما ألغى اقامة حد السرقة فى عام المجاعة
ومن ناحية العقيدة ذاتها ففكرة وجود اله خالق تستوعبها بعقلك مقتنعا مؤمنا فهى تخاطب العقل بأدلة نقلية من القرآن والسنة وبأدلة كونية ومنطقية لذلك أيضا لا دعوة دين لمجنون
ولو أنك وقفت تدعو مجنونا لعبادة اله واحد لبدوت فى نظر المارة مجنونا مثله ، وما كان ذلك الا لأن حتى العوام من الناس يؤمنون بدور العقل فى الايمان أولا ثم فى التكاليف الشرعية ثانيا
وجميل أننا حتى فى حياتنا المجتمعية لا نعاتب مجنونا على سوء تصرفه أو قبيح كلماته أو انحراف سلوكياته هذا لأننا نعرف جليا أهمية العقل حتى فى الأخلاق
والجميل الرائع أن التفكير فى حد ذاته أمر الهى وحكمة ربانية ووصاية خالق عليم لخلقه يؤدى التقليل منه الى الاستهزاء بمن خلق ورزق وصور وأبدع سبحانه جلت قدرته ، ألم نسمع قوله تعالى ( ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض ) أبعد قول ربنا من قول وبعد كلماته من كلم ؟
ولو سألنا عنترة عن حبه لعبل لأجابنا :
أحببتها بلا كيف ، أحببتها لا أعلم لماذا ولا متى ولا كيف لكنى أحبها وكفى ، أحبها كأنها نسيم يحمل عطر الربيع ويطير بى أعانق معارج الكون وأغدو كملك على عرش النجوم
فلماذا يا عنترة وأنت الفارس المغوار والأديب اللغوى الحكيم الفصيح ؟ لماذا ترتدى الآن عباءة الساسة لتروغ كما يروغ الثعلب فتحول دفة الحديث للكلام عن الحب والقلب وأنت تعرف مقصد سؤالنا ؟
كأنى بك يا شاعر الحب وساحر الكلمة تريدنا أن نحول دفة الحديث عن العقل والفكرة التى تاخذ دور القيادة الى نبضات تاخذنا الى عالم تسوقنا فيه قلوبنا كما تشاء وتحركنا فيه كما تريد
ايهِ يا عنترة تذكرنا كلماتك بقول نبينا صل الله عليه وسلم ( فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك )
لكنك يا شاعر الحب والفروسية تهبنا بجود العربى الكريم فتحا جديدا فى مقالنا ونافذة نطل معها وبها ومنها على الروح وعمل القلوب ذلك العالم المختلف الذى نحسه ونشعر به دون حتى ان نعى كنهه
ويحضرنى سؤال فى غاية الأهمية ما العلاقة بين العقل والقلب وأيهما نصنعه بارادتنا وأيهما يقود الآخر وأيهما سنحاسب عليه يوم الفزع الأكبر ، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم ؟ وأيهما يرسم طريق سعادتنا ؟
ومع صعوبة الاجابة التى حيرت الكثيرين وما زالت والتى تحتاج بالطبع الى مقال مستقل ، لكننا فى هذه المقدمة نقدم هذه اللفتات :
العقل والقلب ، الفكرة والنبضة فالعقل وآلياته وثمراته أداة وطريق للقلب فالعقل أداة الذات التى تقرع باب القلب لتنتظر الجواب بالفتح أو بعدمه
هذا المعنى أجد طيفه فى أول نزول الوحى فى سورة العلق ( اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم )
فالأمر بالقراءة يحتوى على أمر لعبور درب المعرفة والمعرفة اداة الفكرة والفكرة ثمرة للعقل ، وكأن المولى تبارك وتعالى يعد من يسلك طريق العقل ويستعمل آلياته والسير قدما على طريق الفكر القويم الذى يصلك الى الحقيقة بفهم وروية فتكون المكافأة هى الكرم من رب كريم وصف نفسه بصيغة أفعل التفضيل ليبين مدى كرمه جلت قدرته ، وكأن الله فى عليائه سيكافئك حال سيرك على طريق العقل الباحث عن الحقيقة بأن يفتح قلبك للايمان به وحبه ، وكأن الله يريد لك الاجتهاد بالبحث بالعقل والفكر والتدبر والتأمل لتصل الى الحب الذى ينبع من القلب ولا يفتح القلوب الا رب القلوب
فان كان الحب محله القلب والقلب بيد الله فاننا لا نملك ارادة مع الحب انما ننتظر ان تفتح بفضل الله وارادته لكننا لن نصل الى الحب والايمان الا حينما نبحث بجدية عن الحقيقة وعن الحق ولن يكون ذلك الا بالاجتهاد العقلى والتامل والتدبر
لذا فنحن مسؤولون عن العقل والارادة ومسؤولون عن القلب من باب طريق البحث عنه
ومن هنا فلا تعارض بين هذا المعنى وقوله تعالى ( ان السمع والبصر والفؤاد كل اولائك كان عنه مسؤولا )
وان كان حب الله هو منبع كل حب ، فكما أن الله يفتح قلبك لحبه فكذلك سيفتح لك قلوب العباد وسيفتح قلبك لحب الكون بأسره
ومن آفة زماننا المعاصر عدم فهم المصطلحات فتتوه معانيها دون فهم مقصدها بوسطية واعتدال لذا كان لزاما على كاتب هذا المقال ان يخصص مقالا آخرا عن التلاعب بالالفاظ أو عدم فهمها أو اختلاط معانيها ومن بينها علاقة العقل بالايمان الذى معه اما ان الغى العقل جملة وتفصيلا أو أن يصبح العقل سيد الموقف والحاكم بامره دون الاخذ بقيمة الوحى وارسال الرسل ، وعدم فهم المصطلحات هى آفة أمتنا المعاصرة
نعود الى الحديث عن الفكرة لنختم مقال اليوم
الفكرة هى التى تصنع الانسان السوى والأمة السوية ويا لضياع انسان حبس عقله بين جدران اللاعقل ، ويا لخيبة أمة تفتقر لأدنى مستويات الفكر وأقل درجات العقل الواعى فتنتشر بينها أوبئة الأمم الهالكة ، فجهل ومرض وفقر وغوغائية وتنافر وتناحر وديكتاتورية وسلطوية وفتن تعصف بالامة فى ليلها المظلم وتفتك بأواصر المحبة بين أفرادها وتقطع روابط التواصل المجتمعى وتطمس فيها ملكة الابداع والتجديد الذى يعطيها قدرة على مواصلة الحياة فتغدو أمة على جدار النسيان
ان الفرد لا ينصلح حاله دون عقل وفكر وكذلك الأمم ففوق عثورها على موروثها الثقافى لما يسمى بعقل الأمة وفوق وصفها بالعقل انها أمة حية فكذلك لا تتقدم أمة فى مجال من مجالاتها النهضوية دون فكرة ناتجة عن عقل واع
فالعدل فى الأمة فكرة ، المساواة فكرة ، الحرية فكرة ، وآليات الدولة الحديثة المتحضرة كلها بلا استثناء عبارة عن فكرة ، الاقتصاد الناجح يبنى على فكرة السياسة الحكيمة تبنى على فكرة ، الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والتقدم العلمى ذاته يبنى على فكرة وينمى على فكرة
ومن يقدم مجالا من تلكم المجالات على الفكر فكأنما يقدم العربة على الحصان فلا الحصان يقود ولا العربة تتحرك قدر انملة
ومن يتجاهل الفكر أو يحاربه انما هو عدو للأمة لا ريب فى ذلك
ومن يعتقد أن الفكر وصناعته فى الأمة من الكماليات أو هو نوع من أنواع البذخ والسفسطة أو حديث المقاهى الأدبية وفقط فهو واهم واهم واهم ، لأن الفكر فى الأمة هو أصل وجودها وهو الأساس الذى يبنى عليه كل تقدم وكل نهضة وكل رقى ، بل انه للامم الحياة ذاتها
ولو سألتنى كيف تعرف مقدار الأمم ودرجة رقيها وحتمية وصولها لما تبغيه فساعتها لن أحدثك عن مبانى أو طرق أو أموال تضخ هنا أو هناك ، ولن أحدثك عن عبقرية حاكم ملهم ولن أحدثك عن مؤسسة هنا او هناك أو حزب سياسى هنا أو هناك ولا عن جماعة هنا أو تيار هناك ، ولن أحدثك بالطبع عن أصحاب الكرفتات الشيك ، وانما سأسألك عن الفكر ودرجته وعن العقل وقيمته وعن العلم وهيبته بين أفراد الأمة حكاما ومحكومين ، ساعتها سأحدد لك بدقة متناهية :
هل هى أمة حية ؟ أم انها وا أسفاه أمة تحتضر ؟؟