المبحث السادس
أنظمة الرادار التكتيكية للقوات البرية
عرض لمفهوم ساحة المعركة تعديل واسع منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، على إثر الدخول في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وأي نظرة على مواقع التوتر، منذ ذلك الوقت، تفيد أن عمليات الانتشار والردع، خرجت من إطارها التقليدي السابق، وكان لذلك أثره الواضح بالطبع على المفاهيم التكتيكية، وعلى وسائل الإعداد، وفي مقدمتها الرادارات. وعلى الرغم من استخدام المناظير والتلسكوبات، وحتى نظم الرؤية الليلية، والتصوير الحراري، في ميادين القتال، فان الرؤية عبر هذه الوسائل تظل محدودة بالأحوال الجوية، مثل الظلام، والمطر، والضباب، والدخان.
خضع استعمال الرادار لمنطق الانتقال من العام إلى الخاص، ومن الاستراتيجي إلى التكتيكي، ومن إدارة وتسيير المنظومات الضخمة أو المعقدة، إلى التعامل مع وحدات أصغر، ومنظومات أقل تعقيدا. وفي كل الحالات، بينت التجارب والدراسات وساحات المواجهة أن الرادار هو المستشعر الوحيد، الذي استطاع في ميدان الكشف والمراقبة، التغلب على المعوقات كافة، بما فيها الظروف البيئية القاهرة، وعوامل الطقس والمناخ. وإذا كان ذلك لا يقلل مطلقا من أهمية المناظير للرؤية النهارية أو الليلية، ومن أجهزة التلسكوب ووسائط الرؤية الإلكترونية، مثل التصوير الحراري، فانه يطرح مسألة استطلاع المعطيات ومعالجتها من زاوية مختلفة، كما يلعب دورا غير مباشر في تطوير المعدات المضادة.
إن تقنية الرادار، التي اعتمدت في أعمال المراقبة على آلية بث الموجات الكهرومغناطيسية، بدلت آلية الرصد البصري، وواكبت عملياً، منذ ذلك الوقت، التقنيات العالية في كل ما يتعلق بالكشف، ولعبت فيها الإلكترونيات دوراً رئيساً، وأخذت الجيوش تتمتع تدريجياً بعيون وآذان اصطناعية، تفوق من حيث الدقة والقدرة كل ما كان قائما من قبل. وأصبح تفوق التجهيز الراداري جزءا رئيسا من التفوق الشامل في ساحة المعركة، مهما كان شكلها ومسرح عملياتها.
اتسعت مجالات الاستخدام الراداري لتتجاوز ـ في أحيان كثيرة ـ الجانب القتالي المباشر، وتعطي صورة متكاملة عن الظروف المحيطة بوضع أمني معين، سواء في حالات السلم أو الحرب. ومن هنا كان اهتمام القوات المسلحة وعناصر الحماية والأمن بالتزود برادارات متطورة، لاستشعار وجود عناصر معادية، أو مظنة أنها كذلك، بما يتجاوز الحدود المعروفة للنظم البصرية، أو المساعدة.
إن صعوبة الاستخدام العائدة أحيانا إلى ضخامة الحجم والوزن، كانت حائلا أمام النشر التكتيكي، البالغ الأهمية، في أوضاع قتالية معينة. وإذا كان من الجائز، احتساب بداية ستينيات القرن العشرين نقطة تحول بارزة في مجال تطوير رادارات برية، سهلة النشر ومحدودة الحجم، فقد كان ذلك على حساب تدني أهمية المراقبة البشرية، التي تعززها أجهزة بصرية، من أجل تحديد المواقع، وملاحظة التحركات والأهداف. ولا يعني ذلك، في المقابل، أن نمنمة الرادارات لعبت دورا على المستوى البري فحسب، وإن كانت المشكلة طرحت بحدة أقل على المستويين، البحري والجوي.
وإذا كان الرادار قد ارتبط في مراحله الأولى بمراقبة وتغطية العمليات البحرية والجوية، فما لبث نطاق الاستخدام الأساس أن تعدد وتشعب ليشمل المجالات البرية، المصنفة تلقائيا بأنها بالغة التباين. وقد يكون لذلك اعتبارات عدة، وفي مقدمتها اعتبار المدى، خاصة إذا ارتبط عمل الرادارات بساحات القتال البرية القريبة، وبالكشف عن أوضاع تكتيكية متغيرة. وما يهم في هذا القبيل، ليس مدى الكشف فحسب، بل دقته وفعاليته أيضاً. إلا أن التغير الذي يتلاءم مع النوعية الجيدة للاستعمال، قد يطرح مشكلات إضافية على مستوى التشغيل. وانطلاقاً من ذلك، مثلاً، فان ما تطرحه المنظومات البرية صغيرة الحجم، المعدة للاستخدام الفردي، أو للتفكيك والتركيب في ساحات القتال المحدودة، لا تطرحه رادارات الدفاع البحري والجوي، التي تشكل مجموعة هوائيات كثيفة، وأجهزة الكترونية ضخمة، يتطلب استخدامها مجالاً معيناً.
أولاً: مميزات أنظمة الرادار التكتيكية البرية
في ما يلي بعض مميزات أنظمة الرادار التكتيكية البرية:
1. تتمتع بخصائص محددة، من حيث طبيعة النشر، والمدى، ودمج الوحدات، كما أنها قابلة للحمل، والتفكيك، وإعادة النشر في مواقع متحركة، ما يخولها درجة عالية من المرونة، مع تأمين قدرات متزايدة على الكشف لها علاقة مباشرة بطبيعة المسرح البري، حيث تتطلب الظروف القتالية ملاءمات متسارعة أحيانا مع الأوضاع التكتيكية.
2. تمتاز بالخفة على مستوى المكونات الإلكترونية والتجهيزات المرتبطة بها.
3. إن نظم الإرسال والاستقبال التابعة لها ووسائل المعالجة بالحاسبات الإلكترونية تساعد أكثر في أحوال تكتيكية معقدة على التمويه العملياتي. وهذه المزايا لا تتوفر في الرادارات المصممة للكشف عن الأهداف البحرية والجوية، ولهذا، فإنها تعد أداة لا يمكن الاستغناء عنها في ساحة المعركة.
4. إن رادارات السيطرة والكشف على الأهداف تعزز مهام المراقبة والاستطلاع، وحسب قدرة المدى وطاقة البث، فإنها تفيد في تعزيز الرد على مصادر النيران. ومن هذه الزاوية، يلعب الرادار كذلك دور ردع أساس، ويمثل حلقة أساسية في سلسلة التواصل بين غاية الكشف، التي هي مهمة مركزية، وواسطة الرد، التي هي آلية فعالة، لمواجهات تعقيدات الوضع الميداني. وقد يحدث أحيانا، لضرورات عملياتية معينة، أو لتلبية أدوار طارئة، أن يُغطى المدى بشبكة رادارية، وذلك لمساحات واسعة، وعلى مسافات طويلة.
5. إن استخدام أنظمة رادار المراقبة الأرضية في المناطق الصحراوية له أهمية بالغة. فالرادار يمكنه الكشف عن أهداف تقع على مسافات بعيدة فوق أرض وعرة، قليلة الارتفاع، أو هضبة صخرية، أو مناطق السهول الرملية. إلا أن كفاءة عملها يحد منها وجود الغبار العالق في الجو، وارتفاع درجات الحرارة في هذه المناطق، كما هو الحال في غيرها من الأجهزة.
6. نظرا لصغر الحجم والشكل المضبوب، تبدو الرادارات المعنية أقل عرضة للاكتشاف من النظم الكبرى، البحرية والجوية، مع أن هذه الأخيرة تتمتع بمستويات حماية نوعية متطورة.
7. إضافة إلى القدرة على المناورة، يمكن التوقف عند خاصية التمويه والقدرة المتزايدة على الإفلات من الوسائل الهجومية المعادية، وسرعة الانتشار في ساحات القتال المختلفة.
8. قدمت النظم الرادارية المحمولة على المركبات مزيدا من الإمكانات، لأن هوائياتها ترتكز على سارية تسمح لأطقم مركبات الاستطلاع رفعها لزيادة الكشف الراداري. فكانت أولى الآليات التي جهزت بهذه التكنولوجيا مركبة الدعم التكتيكي البريطانية "كويوت" Coyote العاملة لدى القوات الكندية، واحتوت على نظام رادار أرضي مدمج لمراقبة ساحة المعركة، وكاميرا تعمل ليلا ونهارا مع عدسة حرارية، وكاشف مدى ليزري.
وتطور الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة مركبات الكشف من الجيل الجديد "سكاوت" Scout، (أنظر صورة المركبة "سكاوت") التي تمتاز بمجموعات من المستشعرات المركبة على سارية مدمجة، تسمح لمشغليها أن يتحولوا من استخدام الرادار إلى استخدام المستشعرات الكهروبصرية.
ثانياً: خصائص أنظمة الرادار التكتيكية البرية
1. إن الرادار التكتيكي لساحة المعركة، بمفهومه المتطور، قادر على كشف مركبة كبيرة على مسافة 30 كم، ومركبة خفيفة أو طائرة عمودية على مسافة 20 كم، وعنصر بشري من خلال وقع الأقدام لمسافة 5 كم. وفي حال تجهيز هذه الرادارات، بمستشعرات إضافية مكملة، يمكنها، بشروط معينة، الكشف عن قذائف المدفعية الموجهة.
2. نظراً لمرونة النظم الحديثة فانه يمكن تزويدها بأجهزة ضبط يدوية أو آلية للتحكم بالضجيج المحيط، أو بأدوات للتمييز بين الصديق والعدو.
3. تبنى الرادارات الصغيرة التي يحملها جنديان أو ثلاثة في وحدات عدة، تسهيلا لنقلها ونشرها ميدانيا، كما أن سرعة إعادة تجميعها بغية استخدامها مطلب ضروري.
4. يستطيع العديد من رادارات ساحة المعركة كشف الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض بالسرعة المناسبة، كالطائرات العمودية، مثلا، أو طائرات الإقلاع والهبوط العموديين البطيئة التحليق. ويمكن التعرف على أنواع العموديات من الصدى الراداري الصادر عن حركة شفرات الدوار.
5. يلعب مدى الكشف الراداري دورا مركزيا، لا سيما إذا كان هذا الميدان هو ساحة القتال البرية القريبة.
6. تحظى دقة الكشف وفعاليته بالأهمية نفسها، التي يتمتع بها عامل المدى، وهو ما يفسر، إلى حد ما، تعقيد النظم البرية بصفة عامة، مقارنة بالنظم البحرية والجوية.
7. إذا كان الرادار البري لا يوفر المدى العملياتي الواسع، فانه يوفر درجة عالية من المرونة، والقدرة على المناورة، إضافة إلى التمتع بحيز ضيق للإشارات يلعب دورا مهماً على مستوى الأمان العملياتي المباشر.
8. حيث إنه من غير الممكن، الاستفادة من كل الايجابيات في وقت واحد، فان ما يمكن اكتسابه في مجالي المناورة والمرونة، يفقد في مجال المدى. ولا يعني ذلك أن المدى الذي تغطيه الرادارات التكتيكية في العمليات البرية يمتاز دائما بالصغر، فالتحسينات مستمرة، وهوائيات الرادار قابلة للتعديل والملاءمة، وليس هناك من حدود مرسومة مسبقاً سوى التوفيق بين أحجام الهوائيات واختيار الترددات المناسبة.
9. إن قواعد التحكم، وأنماط الاستخدام، واعتبارات نقل المعدات وتفكيكها وتركيبها، تطرح مشكلة أوسع بالنسبة إلى الرادارات البرية صغيرة الحجم، فيما تستند رادارات الدفاع الجوي والبحري إلى منشآت ضخمة ومجموعات الإعداد ثابتة، أو محمولة جوا، تواكبها مجموعة هوائيات مناسبة.
10. مع التقدم التكنولوجي، أخذ الطابع التكتيكي يفضل، بصفة خاصة، نظماً رادارية صغيرة الحجم، وخفيفة الوزن، وقابلة للنقل والتحريك والنشر بسرعة.
11. طرحت منذ البداية مسألة الاختلاف النوعي على مستوى المهمة القتالية وعناصر التشغيل، بين العمل في بيئة بحرية وجوية من جهة، أو بيئة برية من جهة ثانية. والسبب الرئيس في ذلك أن البيئة الأولى تتصف بمستوى ضجيج Noise منخفض، وبنطاق كشف راداري يحد مجاله الأفق، بينما البيئة الثانية تتأثر، تأثراً مباشراً، بالعوامل والعوائق الطبيعية، على خلافها، ما يحول أحيانا دون كشف الأهداف المطلوبة. فالبيئة البرية تمتاز بمستوى من الضجيج المجاور، يحد تلقائيا من القدرة على اكتشاف الأهداف، استنادا إلى التقنيات التقليدية المتوافرة. غير أن هذه الملاحظة لا تعني عدم إجراء محاولات في اتجاه تصميم نظم رادارية، الغاية منها الكشف عن الأهداف البرية القريبة، أو البعيدة. وعليه، كان لا بد- قدر الإمكان- من تشكيل مجال راداري يحد من التأثير السلبي للتضاريس الأرضية، ولكثافة النباتات والأشجار، إضافة إلى المنشآت التحتية، لاسيما الضخمة منها، ويحرر الأجواء إلى أبعد مجال ممكن.
12. معظم النظم المستخدمة تعمل ضمن نطاقي التردد الذي يغطي ما بين 8 إلى 10 جيجا هرتز، وبين 10 إلى 20 جيجا هرتز، وهذا بدوره يحقق صورا أكثر دقة، ومدى معقولا. ولكن، ينبغي أن يكون الحل الوسط بين الدقة والمدى مقبولا.
13. ضمن مدى الترددات المستخدمة عادة تحتاج النظم التي يحملها الأفراد إلى هوائيات صغيرة، تكون أطوالها بحدود متر أو أقل، وتتناسب جيدا مع الرغبة في تخفيض الحجم والوزن، ومع الحاجة إلى إخفائها بسهولة. وبما أن الرادار نظام نشط فهو عرضة لأن يكتشفه العدو، لأنه يستعمل عادة بالقرب من الخطوط الأمامية، ويمكن رؤيته بالعين المجردة، بالإضافة إلى احتمال كشف بصمته الكهرومغناطيسية.
14. معدلات المسح المتغيرة، وفترات بقاء صور الأهداف على الشاشة، تستخدم عادة للتركيز وزيادة فرصة الحصول على المعطيات الأحدث المتعلقة بمناطق معينة، ذات أهمية خاصة. وعلى النقيض من ذلك، يمكن تثبيت المسح لفترات معينة على أهداف ذات أهمية كبيرة. وهنالك، بصورة عامة، خيار للمشغل لإجراء المسح على قطاعات مختارة، أو حجب الإشعاع الراداري عن منطقة معينة. والقدرة على حجب الإشعاع عبر مناطق معينة تقلل من فرص اعتراض الإشارات الرادارية من قبل نظم العدو الإلكترونية، وفي الوقت نفسه، تتيح تركيز المراقبة الرادارية عن كثب على مناطق مشكوك بأمرها. وبعض هذه النظم يكون مصمما لتحمل الصدمات التي تصيبه جراء إسقاطه بالمظلة.
15. من مجالات القصور التي تعانى منها أجهزة الرادار التكتيكية عدم قدرتها على الكشف إلا على امتداد خط البصر، الأمر الذي يجعل من استخدامها في المناطق الجبلية، أو ذات التضاريس الحادة، أمرا غير ذي نفع، كما أن هطول الأمطار الغزيرة، أو هبوب العواصف الثلجية والترابية، أو وجود أعشاب كثيفة، يقلل من قدرات النظام على العمل بكفاءة.
ثالثاً: هوائيات الرادارات التكتيكية البرية
الرادارات التكتيكية البرية مجهزة بهوائيات صغيرة لمراعاة عاملي الحركية وخفة الوزن. وهذه الهوائيات، التي لا تتجاوز قدرتها الكيلووات الواحد، تناسب شروط التخفي، وتكون أقل عرضة من الهوائيات الكبيرة للاكتشاف من النظم الإلكترونية المضادة. وتصمم هذه الهوائيات بحيث تبث الحد الأدنى الممكن من الفصوص الجانبية Side lobes التي تعجز عن التقاطها أجهزة الاستقبال المعادية. وتستخدم الهوائيات ثلاثية الأرجل في معظم النظم المحمولة، رغم أنه، في بعض العمليات، تثبت شبكات الهوائي أحيانا على أسوار مرنة، قابلة للتمديد. وتستخدم هذه الوسائل عندما تكون النظم مثبتة دائماً، أو على متن المركبات، للمزيد من المرونة إبان العمليات.
وعلى ضوء تحسين آليات الرادارات التكتيكية للاستخدام البري، فقد تحقق مدى متزايداً دون أي تأثير على نوعية الكشف، من خلال تركيب هوائيات مناسبة، قابلة للتعديل والملاءمة، وقادرة على بث الترددات بإيقاعات مختلفة، حسب المهام المطلوبة. فالهوائيات المعدة لتجهيز الرادارات البرية التكتيكية، أيا كانت أبعادها وأحجامها وأنواع الذبذبات الصادرة عنها، شهدت تطورا ملموسا، إلى جانب إدخال تحسينات متلاحقة على مستوى كيفية دمج النظم ورفع درجة الفعالية. ومن شأن ذلك أن يضاعف من مستوى الأمان ضد الوسائط الإلكترونية المضادة.
وتتصف عموما هوائيات الرادارات التكتيكية بقياسات صغيرة، تقل بالإجمال عن ثلاثة أقدام. وفي مجال الترددات الرادارية المرتبطة بالاستخدام الفردي، لا تتجاوز أبعاد الهوائيات المتر الواحد، ما يساعد على إخفائها عند الضرورة.
وقد فتح المجال أمام تصميم وإنتاج هوائيات ماسحة Scanning، تتغير معدلات دورانها وتغطياتها باستمرار، ويلجأ إليها لزيادة الحصول على معلومات وصور دقيقة، حول مناطق أو مواقع تتمتع بأهمية خاصة. كما دخل أيضا في المجال التكتيكي، النظم سهلة النقل والنشر، المثبتة على المركبات، والمختصة برفع هوائياتها على صوار، ذات تصميم متداخل، للرفع نحو الأعلى، لتوفير تغطية قصوى.
رابعاً: شاشات العرض
تصمم شاشات العرض عادة متوافقة مع الخرائط العسكرية التقليدية، كي يمكن تقدير الإحداثيات بسرعة، وتحديد مكانها على الخريطة. والاتجاه الحالي هو الميل نحو استخدام أنواع شاشات العرض العاملة بالبلورات السائلة Liquid Crystal Display :LCD، لأنها تستهلك طاقة أقل، وفي الوقت نفسه، هي أكثر تحملا ومقاومة. فمتطلبات الطاقة الكبيرة تسرع في استنزاف البطاريات التي تستمد معظم النظم طاقتها منها.
وشاشات العرض، هي بالإجمال من النوع المسطح Plan Position Indicator: PPI ، وقادرة على تغيير مكان مجال الكشف الراداري المركز في وسط الشاشة. وهذه التقنية ذات أهمية متقدمة في مسرح العمليات، لأنها تسمح بقراءة معطيات البعد وزوايا الأهداف بطريقة فورية.
إن تصنيف الأهداف المتحركة يتأتى جزئيا عن طريق شاشات العرض الملونة، خصوصا أن أكثريتها من البلورات السائلة أو الكهروفوسفورية. ومع أن شاشات العرض ذات الأنابيب الكاثودية Cathode Ray Tubes: CRT، ما زالت مستخدمة في بعض الأحيان، فان أفضل التقنيات توفرها الرادارات التي تعتمد شاشة بانورامية في عرض الصور، إلى جانب شاشة العرض المسطحة، ويفيد ذلك عن وضوح كبير، مع تحديد دقيق لبعد الهدف عن الرادار. والهوائيات في هذه الحالة يمكن أن توفر مسحا كاملا، لقطاعات محددة.
والعمل الراداري يتطلب من قبل المشغلين المباشرين، ومن مراكز الاستطلاع والمراقبة، تركيزا متواصلا على شاشات العرض. وإضافة إلى الاتجاه المتزايد نحو استخدام الشاشات العاملة بالبلور السائل، يجري بالتزامن أيضاً اعتماد نظم بصرية، وأخرى سمعية تلقائية.
خامساً: مشكلة الطاقة
إن من جملة التحديات التي يواجهها تشغيل الرادار في ساحة المعركة، لا سيما إذا احتدمت المواجهة العسكرية، أو قضت الظروف الحد من حرية التحرك، تأمين طاقة متواصلة، تسمح بالبث في كل الأوضاع التكتيكية. وهناك اتجاه لدى المصنعين الرئيسيين نحو تطوير بطاريات تتمتع بقدرات عالية، تمد الرادار بالطاقة اللازمة، ولا تؤثر على وزن النظام الراداري ومرونته العملية.
وموضوع الطاقة، يطرح أكثر من مشكلة. فمن أجل مراعاة ظروف السرية، وضمان أرفع مستوى من الأمان للإعداد الراداري برمته، تأكد اتجاه استخدام النظم ذات الطاقة العالية، في منشآت مصممة لهذا الغرض، بينما يكتفى بمصادر طاقة محدودة، حين يتعلق الأمر برادارات ساحة القتال، التي تنشر لأغراض تكتيكية.
وقد تكون معطيات الطاقة المثلى للبث حوالي 7 كيلووات، والمشغل الحريص يستخدم فقط قوة إرسال دنيا تتناسب مع الظروف التكتيكية. ولما كان حمل النظام من قبل الأفراد يعد أمرا ضروريا، عموماً، لذا، فان النظم ذات الطاقة العالية لا تستخدم إلا في المنشآت الثابتة لحماية المناطق الحدودية. وتضم هذه المنشآت حاويات مع هوائيات ذات أبعاد تقاس بالأمتار، وتزن أطنانا، وتنقل بالشاحنات فقط. واستخدام المولدات Generators يزيد من صعوبة الحمل، وفي الوقت نفسه فان أصوات المولدات تحول دون إخفائها.
سادساً: الرادار الفردي
لعل التقدم الأساس الذي شهدته الرادارات التكتيكية للقوات البرية بعد تعزيز قدرات الاستخدام في مسارح متحركة، تمثل في تصاعد قدرة الاستخدام الفردي لهذه الأجهزة، بحيث يستطيع فرد واحد، في بعض الأحيان، أن يحمل تجهيزا متكاملا تتفكك عناصره إلى وحدات صغيرة. ومن جهة أخرى، صممت الرادارات الفردية بحيث تؤدي مهاما محددة على مسافات قصيرة، وأحيانا قصيرة جدا، وأدنى من المسافات التقليدية للكشف.
حدث تطوير محدود للنظام الراداري المحمول باليد، ما يمنح قدرة مضاعفة على التحرك والمناورة. ولعل اتجاه التطوير، يتمثل بصفة خاصة في التحول نحو دمج النظم الحديثة المتباينة ضمن شبكات مراقبة شاملة، وإذا ما تأكد هذا الاتجاه، يعد ذلك قفزة نوعية جديدة، لا سيما في نطاق الرادارات المحمولة يدويا، والتي تتمتع بإمكانات متفردة، من حيث الفعالية والدقة.
ومن التطورات في مجال رادارات ساحة القتال، نظام يحمله جندي واحد على ظهره، وهو مثبت على ظهر الجندي بأشرطة، أمّا الهوائي، فيحمله الجندي على صدره، وتنفذ عملية المسح طبقاً لحركة الجسم. وقد تأكد أن خطر الإشعاع على حامل الرادار ومشغله غير وارد.
ومن أجهزة الرادار التي يستخدمها أفراد المشاة الجهاز الأمريكي PPS-5 لكشف ميدان المعركة، وتستخدمه تسعة جيوش في العالم، رادار يحمله شخص واحد، ويحتاج إلى طاقة متدنية للمراقبة الأرضية، ويؤمن مراقبة رادارية لمنطقة شاسعة حتى مسافة قصوى تبلغ 42 كم، ليلا ونهارا، وفي كل الأحوال المناخية، واحتمال كشفه أو اعتراضه ضعيف، وقد استعمل عمليا في العراق والبلقان وأفغانستان. وقد بدأ استخدامه عام 1966، ثم طور عام 1970، إلى الطراز PPS-5D ، الذي يمكنه العمل ثماني ساعات باستخدام بطارية واحدة، وكشف المركبات حتى مدى 20 كم، والأشخاص حتى مدى 10 كم.
ويستخدم الجهاز PPS-5D أفراد المشاة والمدرعات، وهو رادار نبضي دوبلرى، ويمكنه كشف وتحديد مواقع الأشخاص المتحركين حتى مدى 6000 م، والمركبات حتى مدى 10000 م، في الظروف الجوية المختلفة. ويستخدم شاشة عرض ومبين صوتي يصدر نغمات تتناسب مع سرعة الهدف.
سابعاً: تعدد الاستخدامات
الرادارات التكتيكية البرية تستخدم في أدوار متعددة، تتوزع بين المراقبة العامة، ومراقبة الحدود، أو السواحل، والتجسس على المناطق المعادية، والسيطرة على الأهداف، وحتى تعيين مواقع سقوط القنابل وقذائف المدفعية، بغية تصحيح عملية إطلاق النيران في المواقع الأمامية. وتتنوع هذه الاستخدامات كالآتي:
1. كشف الأهداف المتحركة
حيث إنه من الأهمية بمكان كشف الأهداف المتحركة، في كل ما يمت بصلة إلى رادار كشف الأهداف البرية، فقد لعب هذا العامل دورا أساسيا في تقدم تقنية جديدة، يطلق عليها اسم تقنية النبض الدوبلري Pulse Doppler، والتي تعنى أن الإشارات الرادارية، المنعكسة من هدف متحرك، تبث ترددات متغيرة، ذات علاقة باتجاه الهدف وسرعته. وهذه التقنية تضاف إلى تقنيات أخرى، مثل ضغط النبضات Pulse Compression، والتردد القافز Hopping Frequency، لملائمة الأوضاع القتالية الأكثر تعقيدا، والمتعلقة عموما بالحرب البرية. وهذه التقنيات تماثل، إلى حد ما، التقنية المستخدمة في وسائط الكترونيات الطيران "الأفيونيكس" Avionics في رادارات إدارة النيران التي تجهز المقاتلات الحربية، مع ملاحظة تعقيدات أقل، مردها إلى أن الرادار البري، على عكس الرادار الجوي، لا يفترض معالجة مكثفة للصور.
وإذا كانت التقنية الدوبلرية، خطوة مهمة في مجال التحقق من الأهداف، ثم التمييز بين أنواعها، فالصحيح كذلك أن وسائل الكشف البرية هي ذات علاقة أقرب بالواقع القتالي المتغير، بالمقارنة مع وسائل الكشف البحرية والجوية. ويمكن، مثلا، للمشغل الممتاز للرادار الدوبلري التمييز بين أصوات المركبات المجنزرة أو المدولبة.
ومن ناحية أخرى، فان البث على موجة تتراوح بين 8 و 20 ميجا هرتز عموماً، يعنى بث طاقة ضعيفة للنظم الرادارية المحمولة. ويعني ذلك، من الوجهة العملياتية وغرض الأمان، تضييق اتساع شعاع البث إلى حد يصبح معه هذا الأخير شعاعا قلميا Pencil Beam. ومن مقتضى هذا المفهوم، أصبحت أغلب النظم الحديثة تطرح عدة خيارات تشغيل للنطاقات الترددية الثانوية في سياق التردد الرئيس، مما يخفف من أثار التشويش.
2. تأمين ومراقبة الحدود
برزت خلال سنوات الحرب الباردة، الحاجة إلى اختراع آلات اليكترونية لمراقبة الحدود من خطر تسلل جماعات معادية، وتتمكن في الوقت ذاته من الاكتشاف المبكر لكل حركات عدوانية يجري الإعداد لها عبر الحدود من جانب الدول المجاورة، وتركز استخدام هذه الآلات في الحدود مع دول الستار الحديدي في أوروبا في ذلك الوقت، وفي المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
واكتسبت قضية تأمين الحدود بعدا سياسيا متنامي الأهمية، بل أصبحت عنصرا مهماً من عناصر الأمن القومي، وغالبا ما تنصب على الحد من ظاهرة التسلل والهجرة غير المشروعة من دولة لأخرى، وردع محاولات تسلل الجماعات الإرهابية من دولة مجاورة ترعى هذه الظاهرة، كما أنها توفر للدول المعنية إشارات مبكرة لأعمال عدوانية لم تكن في الحسبان.
وتشمل هذه الجهود الدؤوبة استخدام أجهزة اليكترونية محمولة على متن الطائرات العادية أو العموديات، يمكنها التقاط صور شمسية أو بالأشعة تحت الحمراء، لتعزيز المعلومات التي ترصدها القواعد الجوية وتأكيدها بواسطة أجهزة الرادار وأجهزة الاستشعار عن بعد، واستخدام أنظمة المراقبة المحمولة جوا لاستكشاف أهداف قد تصل مسافتها من 75 إلى 150 كم داخل حدود الدولة المراقبة، أو عبر المنطقة الفاصلة بين دولتين في حالة عداء. وفى العادة، تجري مثل هذه العمليات في سرية وأمان كاملين، وتقوم بها فرق عالية التدريب والكفاءة، تعمل من وراء خطوط الأعداء لفترات زمنية طويلة.
ورادارات المراقبة الأرضية هي أكثر الأنظمة استخداما في مراقبة الحدود، وأهم ما يميز هذه الأنظمة قدرتها على تحديد واكتشاف مواقع الأهداف المتحركة في ظروف تعجز معها أنظمة المراقبة الأخرى عن العمل بكفاءة، فالرادار الذي يستخدم، ثابتا أو متنقلا، يتيح الحصول على معلومات استخبارية سريعة ودقيقة. وترصد أجهزة رادار المراقبة الأرضية الأهداف التي يمكن قصفها مستقبلا، في حالة اندلاع الاشتباك المسلح.
3. كشف الأهداف خلف الجدران وتحت سطح الأرض
يحاول المصممون العسكريون زيادة القدرات التكتيكية لقوات المشاة من خلال تطوير وسائل تساعد هذه القوات على الرؤية في ظروف الطقس السيئة، ومن خلال الجدران الصلبة. وسيتمكن العسكريون من رؤية الأشياء التي خلف الجدران والأشجار وتحت سطح الأرض، وذلك بواسطة رادار جديد يخترق الحواجز، وينقل صورا من التحام المعركة والعمليات الخاصة، ويكشف مواقع اختباء الأعداء ومحاولاتهم التمويه، كما يمكنه كشف الألغام الأرضية المدفونة.
وينقل الرادار الجديد صور فيديو في مقدمة خوذة الجندي، ويقوم بإرسال إشعاع ذي ذبذبات منخفضة التردد لاختراق الحواجز بسمك عدة أقدام، وعندما يستخدمه الجنود على الأرض، يمكنه الرؤية الواضحة أثناء الضباب والليل، بينما لا تستطيع وسائل الرؤية الليلية أداء ذلك. ويمكن تركيب الرادار الجديد على الطائرات لكشف الخنادق والمخابئ ومواقع القوات. وعند إضافة المنظار الحراري ستجعل هذه التقنية من المستحيل على الجيوش إخفاء المركبات والمعدات والأفراد.
وهذا الرادار المتطور يعد قفزة إلى الأمام في ميدان التقنية العسكرية. ولا يزال العلماء يسعون لتطويره، مثل تزويده بوسائل وقاية ضد التداخلات الكهربائية، وتصفية الصور الملتقطة لتؤدى الغرض المطلوب. وفى إحدى التجارب، استطاع كشف الألغام المضادة للدبابات، والمدفونة على عمق 15 سم في الأراضي الصحراوية، ما أكد إمكان استخدامه في كشف الألغام المعدنية والبلاستيكية.
وبازدياد أهمية عمليات القتال داخل المدن في مناطق مختلفة من العالم، فان القوات المهاجمة تحتاج إلى نوع جديد من الرادارات المحمولة، التي يمكن لجندي المشاة حملها، ليرى بواسطتها ما هو خلف الجدران، ولمعرفة الأشخاص الموجودين داخل الغرف، واتجاهات تحركاتهم، والأجهزة الموجودة معهم، وذلك قبل فتح الأبواب المغلقة بالقوة.
ويستخدم الجيش الأمريكي أجهزة رادار محمولة، خفيفة الوزن، للعمليات الخاصة، تعمل في حيزات معينة من الترددات، ومنها الموجات الميلليمترية، القادرة على اختراق الأرض. ويزن الجهاز عشرة أرطال، ويستخدم طاقة ضعيفة يمكنها اختراق حتى 8 بوصات من الخرسانة المسلحة، ليظهر الأفراد خلفها على شاشة الجهاز. ويوفر الجهاز التقاط الأهداف لحظيا وتصنيفها، ويمكن أيضا كشف الأهداف وسط الركام في المباني المدمرة. وأبعاد الجهاز: 22× 14× 8 بوصة، وهو مغلف في علبة من البلاستيك، ومصدر الطاقة له بطارية من الليثيوم يمكن إعادة شحنها.
وهذا الرادار قد يساعد على معالجة أحد أهم نقاط الضعف في قدرات الجيش الأمريكي على اكتشاف الأهداف ورصدها، وهي القدرة على الرؤية تحت الأرض. وبمعالجة نقطة الضعف هذه سوف يمكن جمع المعلومات الاستخبارية عن الإنشاءات العسكرية السرية، والملاجئ، ومصانع الأسلحة المحصنة تحت الأرض، وعدد كبير من النشاطات السرية الأخرى، ومن ثم، معرفة مدى خطورة مثل هذه الأهداف، واختيار أنسب الوسائل المتاحة لتدميرها.
وقد أطلق على هذا الرادار الجديد اسم "الرادار الخارق للأرض" Ground Penetrating Radar :GPR ، (أنظر شكل الموجات المرسلة من الرادار الخارق)، ونال تقديراً كبيراً من مسؤولي الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب قدرته على توفير صور ثلاثية الأبعاد عن الأجسام الموجودة حتى عمق 45.7 م تحت سطح الأرض. ولم يبد أي من المسؤولين الأمريكيين رغبة في الكشف عن التفاصيل التقنية لهذا الرادار، إلا أنه جاء في التقارير الصادرة عن المشروع أن إحدى ميزات الرادار الأكثر أهمية قدرته على العمل بطاقة منخفضة جدا، مما يقلل ـ جداً ـ احتمال كشفه من خلال بصمته الحرارية، كما يستطيع هذا الرادار العمل على أكثر من حيز تردد واحد.
وأظهرت الاختبارات أن الصورة ثلاثية الأبعاد التي يكونها المعالج الخاص بالرادار تصبح أكثر وضوحا مع انخفاض سرعة المركبة أو المنصة التي تحمله. وقد ركِّب الرادار في أثناء الاختبارات على متن مركبة أرضية، لكن من المتوقع استخدامه في النهاية على متن طائرة عمودية. وبعد أول سلسلة من الاختبارات على هذا الرادار، استطاع أن يرسم خريطة لشبكة أنفاق تحت الأرض، استخدمها مهربو المخدرات في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتوقع المسؤولون أن يُستخدم هذا الرادار مستقبلا في عدد كبير من المجالات، سواء العسكرية أو المدنية، مثل رسم خرائط لحقول الألغام، وتحديد مواقع المقابر الجماعية، كتلك التي أخفيت في كوسوفو، ودراسة مواقع الآثار، وتحديد مواقع خطوط الخدمات المدنية، مثل أنفاق الصرف، وشبكات مواسير مياه الشرب، والكابلات الكهربية، ورسم خرائط لها.
والرادار الأمريكي طراز Zond الخارق للأرض يعمل عند تردد 38 ميجا هرتز، ويكتشف الأهداف حتى عمق 30 م.
4. تمييز الأهداف
التمييز بين الأهداف المتحركة والثابتة أحد مجالات عمل الرادارات التكتيكية، وهناك أيضاً احتمال قدرتها على تحديد هوية الآلة، سواء كانت مركبة مدولبة، أو طائرة عمودية تحلق على ارتفاع منخفض. وبالطبع، تكتسب هذه الناحية أهمية مطلقة في إطار العمليات البرية، أو ما يسمى تقنيات ساحة المعركة، وكذلك في إطار المهام الروتينية للكشف عن الأهداف.
تتوفر حاليا قدرات عالية التقنية حول إمكان تمييز الأهداف التي تلتقط على شاشات الرادار، حيث يمكن تحويل إشارات الأهداف إلى موجات صوتية. ويمكن لرادار الاستطلاع الأرضي الحديث التفريق بين الذبذبات المرتدة، خاصة إذا تمت الاستعانة بمكبرات للصوت أو سماعات مختصة، تمثل نقطة الانطلاق في تعرف الأهداف الأرضية المبدئي وتمييز الآليات. فالنغمة الصوتية الثابتة التي تصدر عن مركبة مدولبة، تخالف تماما نغمة الأزيز الصادرة عن مركبة مجنزرة. ويمكن لبعض نظم رادارات ساحة القتال تمييز الطائرات التي تحوم على ارتفاعات منخفضة، وفي مقدمتها الطائرات العمودية. وقد أدى ذلك إلى توسيع مجال استخدام الرادارات التكتيكية في مهام المراقبة والحراسة الالكترونية.
وقد طُوِّرت إمكانيات تكتيكية لدى الرادارات البرية بهدف تحسين الأداء في مسرح العمليات. وإذا كانت الشركات الرئيسة، ضاعفت جهودها في هذا الاتجاه، من خلال تطوير نظم خاصة بتوجيه إطلاق النيران وعمليات المراقبة الأرضية، فقد توجهت أيضا نحو تطوير رادارات تكتيكية، ثلاثية الأبعاد، لمهام التحذير المتقدم، وتنسيق الدفاع الجوي على ارتفاع منخفض.
ثامناً: اتجاهات التطوير والتحديث
إن قائمة المواصفات المطلوبة في نظام الرادار التكتيكي المثالي طويلة، ومنها: معطيات الطاقة، والحجم، والمدى، والدقة في تكوين الصورة، والقدرة على الاكتشاف. وبالطبع، يتعذر التوصل إلى المثالية لأن معظم النظم الموجودة في الخدمة لها صفات ذات حلول وسطية. وتتلخص اتجاهات تطوير وتحديث هذه الرادارات في الآتي:
1. إدخال تحسينات متلاحقة على مستوى كيفية دمج النظم ورفع درجة الفعالية، ولعل الانجازات التي يمكن التوقف عندها في هذا المجال، هي القدرة على توفير نطاق ترددات مناسب، عبر استخدام طاقة محدودة، نادرا ما تفوق "الكيلووات" الواحد، ومن شأن ذلك أيضا، أن يضاعف من مستوى الأمان ضد الوسائط الالكترونية المضادة.
2. تحتوى الرادارات الحديثة على شاشات عرض وهوائيات والكترونيات مدمجة، مع ملاحظة فروقات طبيعية ومبررة بالنسبة للحجم، والوزن، وطريقة النشر، والملاءمة مع الحاملات الثابتة والمتحركة. إلا أن ما يميز الرادارات التكتيكية هو الدمج الفعال مع نظم نوعية مختصة، مهمتها إصدار الأصوات السمعية بأنغام تحاكي الأصوات التي تولدها الأهداف المتحركة.
3. بالنسبة إلى الرادار البري التكتيكي، تبدو صعوبة التمييز أحيانا، من خلال شاشة العرض بين هدف وآخر، أو تحديد هوية الهدف بالدقة المطلوبة، نظرا للتشابه في معطيات الصور، وهذا ما يفسر ضرورة استكمال الإعداد الراداري الأساس بتزويده بسماعات، مهمتها المساعدة على تعرف الأصوات والتمييز بينها. كما أن هذا الإعداد لا يثبت فعاليته من خلال العامل التقني فحسب، بل من خلال العامل البشري أيضا، المتعلق بخبرة المشغل ومهارته وحدسه أحيانا.
4. إن الاتجاه في تطوير أنظمة الرادار التكتيكية البرية هو لمزيد من النمنمة الإلكترونية، مع استهلاك أقل للطاقة، وليس من المستبعد أن تستفيد مستقبلا أنظمة الرادار البحرية أو الجوية من عوامل التطوير هذه وتجعلها- نسبيا- بمنأى عن العمليات المضادة.
5. إن تصغير المكونات مع الاستعمال المتزايد للمواد المركبة، يمثل بدوره اتجاها مستقبليا في تطوير الرادارات التكتيكية من الأنظمة ذات البعد الواحد إلى الأنظمة ثلاثية الأبعاد، ومن رادار الكشف إلى رادار المسح.
6. بدلا من التوجيه اليدوي لهوائي الرادار، أصبح هذا الأخير يدار آليا باستمرار، لغرض المسح. ومن الوجهة العملية، انتفت في الوقت نفسه الحاجة إلى حامل للهوائي، وحلت البطاريات محل المولدات الكهربائية الثقيلة، لتوفير الطاقة، ويعني ذلك أن عدة أنشطة خضعت للتطوير، أو للتعديل في وقت واحد، أو متقارب.
7. يستمر تطوير الرادارات التكتيكية في مجالات الوزن، والطاقة، والحجم، والمدى، والدقة في تكوين الصورة، والقدرة على الكشف، وسهولة عمليات نشر هذه النظم وإخلائها. وقد تحققت زيادة في المدى، دون أي تأثير على نوع الكشف، من خلال تركيب هوائيات مناسبة، قابلة للتعديل والملاءمة، وقادرة على بث الترددات المختلفة، حسب المهام المطلوبة.
8. تتعارض ميزتا مستوى الأداء وسهولة الحمل، حيث إن الأداء بصورة عامة مقيد بحجم شبكة الهوائي ومعطيات الطاقة التي تتحكم بدورها في وزن أجهزة البث والاستقبال وإلكترونيات المعالجة، وهكذا، يتم بناء الرادارات الصغيرة التي يحملها جنديان أو ثلاثة في وحدات عدة، تسهيلا لنقلها ونشرها ميدانيا، كما أن سرعة إعادة تجميعها بغية استخدامها مطلب ضروري.
9. إذا كانت رادارات الميدان الحديثة قادرة على كشف الأهداف الصغيرة وتصنيفها، ففي المقابل، جرى تطوير رادارات صغيرة الحجم، قادرة بدورها على تكوين صور واضحة، لأهداف من على مسافات قصيرة نسبيا. والسبب في ذلك، يعود، بالدرجة الأولى، إلى تصميم هوائيات ذات فتحات تقاس أقطارها بالسنتيمتر، ما يسمح بكشف أهداف يراوح طولها بين متر ونصف ومترين، تقع على مسافة من خمسة كم إلى 25 كم.