أخطر كتاب اقتصادي فى العالم! - يبشر بنهاية حتمية للنظام الرأسمالي العالمي وتوابعه
ياسر علوي
كيف يمكن أن يصدر كتاب فى الاقتصاد، حتى لو كان شيقا ومكتوبا بلغة بسيطة يفهمها القارئ العادى، فيبيع أكثر من نصف مليون نسخة فى أقل من ثلاثة أشهر، ليتصدر المبيعات فى كل الدنيا (باستثناء مصر المحروسة وعالمنا العربى للأسف)، ثم يستنفر عشرات من كتاب «اليمين الاقتصادى» فى كل الدنيا للتعليق عليه، سواء فى الصحف اليمينية الرصينة (الفاينانشيال تايمز والوول ستريت جورنال مثلا) أو فى الصحف اليمينية الشعبوية (الواشنطن تايمز وأمثالها)، أو فى مراكز البحث اليمينية فى أوروبا والولايات المتحدة.
الأغرب من كل ما سبق، هو أن جميع هذه المقالات لم تتضمن (حتى الآن على الأقل) ردا على فكرة الكتاب الأساسية أو تشكيكا فى معلوماته أو استنتاجاته، وإنما تضمنت تحذيرات شديدة اللهجة من «خطورته» باعتباره يمثل تهديدا حقيقيا للنظام الاقتصادى الرأسمالى!!، واستنفرت الكتاب اليمينيين للرد عليه، بطريقة تحريضية وكأننا فى معركة حربية. كل هذا بسبب كتاب؟
•••
الصحف الشعبوية لم تكتف فقط بإعلان «النفير» والدعوة للرد على الكتاب، بل أضاف بعضها مثلا تهمة «الشيوعية» للكاتب، وبدأ البعض الآخر فى محاولة اغتياله معنويا والتشهير به (بتخصيص تقارير «إخبارية» عن مشاكله الأسرية مع زوجته، وكأن هذه المشاكل لو صحت مثلا تنتقص من قيمة الكتاب!!)، الأمر الذى دعا الكاتب للرد فى تصريحات هذا الأسبوع فى «النيو ريبابليك» قائلا إنه ليس شيوعيا لم يقرأ ماركس أصلا، وأنه «مؤمن» بالاقتصاد الحر، ولكنه يرى أن انفلات السوق سيؤدى لكارثة (نص تعبيره الحرفى). ما الحكاية بالضبط؟
الكتاب اسمه «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين»، ومؤلفه هو الأستاذ فى مدرسة باريس للاقتصاد، الاقتصادى الفرنسى الكبير توماس بيكيتى. لكن ما الذى يمكن أن يوجد فى الكتاب ليستوجب أن يتهم الكتاب ومؤلفه بأنهما يمثلان خطرا كبيرا على النظام الاقتصادى العالمى؟
•••
يقوم الكتاب على معادلة أساسية، يثبتها بشكل إحصائى مبهر، وباستخدام بيانات موزعة على فترة تاريخية ممتدة. جوهر هذه المعادلة هو أن معدل ربحية رأس المال، يزيد دائما ــ فى جميع الظروف، وفى كل الأوقات ــ عن معدل النمو العام للإنتاج، سواء كنا فى فترات رخاء، أم فى فترات أزمة اقتصادية. ما معنى ذلك؟ معنى ذلك ببساطة أن الثروة دائما ستتركز أكثر وأكثر فى يد القلة.
هذه النتيجة البسيطة ولكن الحاسمة، استنادا لمعلومات وإحصاءات صلبة يصعب دحضها، قلبت الدنيا، واستوجبت إعلان «النفير» فى الصحف اليمينية للرد عليه، وصولا لمحاولة اغتيال الكاتب معنويا. لكن، ما دام الرجل قد أقر واعترف أنه ليس ماركسيا (لا سمح الله!!) ومؤمن بالاقتصاد الحر، لماذا يمثل هذا الكتاب «خطرا عالميا» على النحو الذى تقوله وسائل الإعلام اليمينية؟ الأمر يرجع لسببين:
أولا: أن الفرضية الأساسية التى تقوم عليها الدعوة للاقتصاد الحر، والسوق المنفلت من أى قيود، هى أن النمو الاقتصادى بطبيعته يشمل الجميع وأن معدلات الاستفادة من النمو تتناسب عكسيا مع حجم الدخل، وهذا ما يسمى فى كتب الاقتصاد المدرسية بقانون التساقط Trickle Down Effect، ومفاده ببساطة أن الهوة بين الأغنياء والفقراء ستتناقص مع مرور الزمن.
هذه الفكرة ضرورية جدا للتبشير «بالحلم الرأسمالى»، وجوهره أن الكل سيصبح غنيا بقليل من الصبر والكفاح. لكن هذا الكتاب ينسف هذه الفكرة من جذورها ويثبت بشكل حاسم أن الأغنياء سيزدادون ثراء. ثانيا: المسألة ليست فقط قضية أن الكتاب يفسد «الحلم الرأسمالى»، أو أن الكتاب هو مجرد نداء أخلاقى للمزيد من العدالة فى توزيع الثروة. القضية أخطر كثيرا. لماذا؟ لأن مشكلة تركز الثروة فى يد القلة، ليست فقط مشكلة «عدالة توزيع»، وإنما هى أيضا مشكلة «إنتاج». تركز الثروة فى يد القلة يفسد عجلة الإنتاج. كيف؟ لأن النظام الرأسمالى كله قائم على أن يتم بيع ما ينتجه من سلع وخدمات، لتكتمل الدورة ويربح الجميع. لكن لو تركزت الثروة فى يد القلة، فسيعنى ذلك أن القوة الشرائية لعموم الناس ستتراجع مع مرور الزمن، لأن الثروة تتركز فى يد الأقلية الأكثر ثراء، وبالتالى سيقل المتاح منها لعموم الناس، أى لعموم المستهلكين، وسيؤدى ذلك بطبيعة الحال لتراجع قدرتهم على شراء الإنتاج الذى يتضخم مع مرور الوقت.
فالتطور التكنولوجى يزيد بطبيعة الحال قدرتنا على الإنتاج، لكن تركز الثروة فى يد الأغنياء فقط يقلل من قدرتنا على استهلاك ما ننتجه. والنتيجة؟ النتيجة هى الكساد، الذى هو بالتعريف الاقتصادى، عبارة عن زيادة الإنتاج المعروض عن الطلب، وعن قدرة المستهلكين على شرائه، مما يؤدى لكساد المنتجات، وظهور الأزمات الاقتصادية.
هل هناك شواهد من واقعنا المعاش تعزز هذا الكلام؟ نعم. فهذا بالضبط ما نشهده بشكل دورى ومتسارع فى السنوات الأخيرة. كيف؟
احتاج الأمر مثلا لأربعين سنة بين الكساد الكبير (1929-1930) وبين الأزمة الاقتصادية التالية (سنة 1971 عند فك ارتباط أسعار الدولار والذهب). أما منذ بداية عقد التسعينيات (أى فى السنوات الأربع وعشرين الأخيرة) فقد شهدنا خمس أزمات مالية كبيرة (سنة 1992 فى أوروبا، وسنة 1997 فى آسيا، ثم سنة 1999 فى روسيا والأرجنتين، ثم سنة 2001 فى الولايات المتحدة مع انهيار أسعار أسهم شركات التكنولوجيا والعقارات، ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية التى بدأت سنة 2008 ولم تنته حتى الآن!!).
•••
نحن إذن لسنا فقط أمام معدل أكبر لتكرار الأزمات، ولكن كل أزمة أيضا كانت أكثر حدة من سابقاتها. خطورة هذا الكتاب هو أنه يثبت لنا بشكل حاسم أن مثل هذه الأزمات ليست أمرا طارئا، وإنما تنتج عن قانون أساسى فى صلب النظام الرأسمالى نفسه.
لكن ما دلالة ذلك بالنسبة لمصر؟
أولى الدلالات هى أنه فى مصر، التى رفعت ثورتها شعار «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، لا يعد مطلب العدالة الاجتماعية مجرد ضرورة أخلاقية ووطنية لتصحيح خلل كارثى فى توزيع الثروة فى بر مصر، ولكنها أيضا ضرورة لأى تنمية حقيقية. فالعدالة ليست منة نلتفت لها فى أوقات «الفراغ الاقتصادى» وبعد أن نحقق النمو أولا، وإنما هى شرط لحدوث النمو والتقدم الذى يستفيد منه عموم المواطنين.
الدلالة الثانية هى أن من يبيعنا اليوم حلم «عودة المباركية» عبر السوق المنفلت، وإزالة دعم الفقراء، والخصخصة المعفية من الرقابة الشعبية والمحاسبة، بذريعة تشجيع الاستثمار واستعادة النمو، ومن ثم اتساع الرخاء ليشمل «البسطاء»، هو إما جاهل (وهذا احتمال وارد)، أو نصاب (احتمال وارد جدا)، أو الاثنان معا.
[size=48]رأس المال في القرن 21 يطيح بالعدالة الإنسانية اجتماعيا واقتصاديا[/size]
النمو الاقتصادي غير المسبوق، والثورات المعرفية والتكنولوجية لم يمنعا من التفاوت الطبقي وعدم المساواة الاجتماعية في العالم، كما بشرت أكثر النظريات الاقتصادية تفاؤلا بعد الحرب العالمية الثانية.. هذه هي خلاصة كتاب “رأس المال في القرن الحادي والعشرين” لتوماس بيكيتي، ترجمة: آرثر جولدهامر، الصادر في أبريل 2014 في طبعته الإنجليزية، وهو كتاب ضخم يقع في نحو 700 صفحة مع الحواشي والرسوم البيانية والمعادلات الرياضية، ويبدو للوهلة الأولى شاقا ومملا وغير مفهوم.
الكتاب أثار نقاشا حادا – لم يهدأ – قبل أسابيع في الولايات المتحدة حول الرأسمالية والعلاقة بين السلطة والمال، خاصة الرواتب الجنونية التي تحصل عليها القلة من المديرين والرؤساء وصفوة المستشارين في الشركات والمؤسسات والتي تسيطر يوما بعد يوم على المزيد من الثروة في العالم.
الأهم من ذلك أنه أحيا الشكوك من جديد في الأسطورة المسيطرة على معظم الأمريكيين وصميم حياتهم، وهي: الرأسمالية تحسن نوعية الحياة للجميع.
العوائد تجاوزت النمو الاقتصادي
أما المحرك الخفي لعدم المساواة المتطرفة، حسب المؤلف، فهو أن عوائد رأس المال تتجاوز معدلات النمو الاقتصادي، وهو ما يثير السخط الطبقي ويقوض القيم الديموقراطية في الغرب.
بيكيتي يفسر لنا بالأدلة والبيانات والوثائق والإحصائيات لماذا كان أصحاب الشعارات المناهضة للنظام الرأسمالي التي رفعت في وول ستريت في 2011 على حق.. على الرغم من إصراره على أنه لا علاقة له بالسياسة، حيث أمضى معظم حياته المهنية في أرشيف المحفوظات وجمع البيانات، لكنه أوشك أو كاد يصبح المفكر الاقتصادي الأكثر أهمية في جيله والعالم.
وحسب الأكاديمي المخضرم، هاكر ييل، فهو لا يقل أهمية عن ألكسيس دي توكفيل في القرن الحادي والعشرين، حيث يفضح المؤلف كل ما يؤمن به الرأسماليون ويخفونه عن أعين الجميع، وهو الوضع الأخلاقي لكسب المال.
في مقال طويل في مجلة “نيو يوركر” كتب برانكو ميلانوفيتش، أحد خبراء الاقتصاد الكبار في البنك الدولي، أن هذا الكتاب نقطة تحول في الفكر الاقتصادي العالمي.
وفي السياق نفسه كتبت مجلة “ الإيكونوميست” أن كتاب بيكيتي يعيد الكتابة الصحيحة للعلاقة بين عدم المساواة والفكر الاقتصادي منذ 200 سنة.
أما ستيفن بيرلستاين، أستاذ كرسي روبنسن للعلاقات الدولية والعامة في جامعة جورج ميسون، فقد كتب في صحيفة “واشنطن بوست” أن بيكيتي يقدم بحثا جييدا جاء في وقته ليذكرنا بأنه ما من شيء محتوم في سيطرة رأس المال البشري على رأس المال المالي، وأن الرأسمالية بطبيعتها الكامنة تنزع نزوعا مدمرا إلى التفاوت في الدخول والثروات والفرص.
خلاصة القول كتاب رأس المال في القرن الحادي والعشرين لعالم الاقتصاد توماس بيكيتي، الأستاذ بمدرسة باريس للدراسات الاقتصادية يدعم النظرية القائلة باحتواء الرأسمالية على تناقضات جوهرية كفيلة بتدميرها ذاتيا، وهو ما أطلق شرارة الجدل في الولايات المتحدة والعالم اليوم حول تفاوت الدخول مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة في العالم للنظام الرأسمالي.
العولمة الاقتصادية تطلق نوعا جديدا من الرأسمالية
هذا الكتاب هو أول نقد علمي لآليات العولمة الاقتصادية وتداعياتها السلبية، ومن يدرس عن كثب آليات العولمة فسوف يلاحظ على الفور انطلاق نوع جديد من الرأسمالية،* أقل صناعية وأكثر مالية،* قائم أساسًا على المضاربات*، إذ نشهد في هذه المرحلة من العولمة مجابهة حادة بين السوق والدولة،* بين القطاع الخاص والخدمات العامة،* بين الفرد والمجتمع،* بين الأنانية والتضامن الاجتماعي*.
وباتت السلطة الفعلية بين أيدي طيف من المجموعات الاقتصادية الكوكبية والشركات المعولمة التي يزيد وزنها الاقتصادي أحيانًا على وزن بعض الدول والحكومات* مجتمعة.
هذه الشركات والمجموعات تلتقي سنويا في* “دافوس” ضمن إطار المنتدى الاقتصادي العالمي،* وهي التي تملي سياستها على المؤسسات الثلاث للعولمة، وهي صندوق النقد الدولي،* البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية*.
اللافت للنظر أنه مع بداية الأزمة الاقتصادية العالمية جرى نوع من التماهي المقصود في وسائل الإعلام بأنواعها بين مفهومين مختلفين، الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية.
أما التعبير الدقيق فهو أنها كانت وما تزال أزمة اقتصادية شاملة دفعت بسرعة العقول المتنبهة، وأصحاب الضمائر الحية إلى مراجعة الرأسمالية كمذهب اقتصادي من زاوية المنطلقات النظرية والممارسات العملية معا، ذلك أنه لم يعد أحد يستطيع أن يزعم بعد عام 2008 أن حرية السوق مطلقة، أو أن على الدولة أن تكف يدها عن التدخل في الاقتصاد.
جماعية الإنتاج وفردية الاستحواذ على الفائض.. الحقيقة المؤلمة
والواقع أن هذه المراجعة بدأت قبل تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار المعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية وسقوط سور برلين عام 1989، وذلك من قبل مفكرين ذوي بصيرة تاريخية ممن أدركوا أن الرأسمالية، على الرغم من نجاحاتها في تجديد نفسها في الستينات والسبعينات فإنها لأسباب شتى لا يمكن لها أن تستمر إلى الأبد.
من هؤلاء المفكر المعروف ليستر تورد، الذي ألف كتاب “ما بعد الرأسمالية”، وربما كان تورد وأقرانه من نقاد الرأسمالية قد التقطوا الخيط مبكرا من العالم الاقتصادي الشهير الأمريكي النمساوي الأصل جوزيف شومبيتر، الذي ذكر في أحد كتبه المعروفة حول تاريخ الفكر الاقتصادي أن الرأسمالية تتضمن تناقضا لا يمكن حله أو رفعه، يتمثل أساسا في جماعية عملية الإنتاج وفردية الاستحواذ على الفائض، بمعنى أن عملية الإنتاج التي يسهم فيها ملايين المهندسين والعمال والإداريين تنتهي أرباحها في النهاية في جيوب عدد قليل من الرأسماليين، هم ملاك الشركات والمؤسسات والمديرون.
ولعل ما يؤكد صدق مقولة شومبيتر، ما حدث بعد الأزمة المالية الأمريكية الكبرى، إذ اضطرت الحكومة الأمريكية إلى ضخ أكثر من 700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، لإنقاذ البنوك والمؤسسات الكبرى من الانهيار، وتبين بعد ذلك أن ملاك الشركات والبنوك ومديريها صرفوا لأنفسهم من هذا الدعم مكافآت بلغت 11مليارا من الدولارات! مما اضطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التعليق بأن هذا عمل غير أخلاقي.
التقليل من التفاوت الطبقي المدمر جوهر الحلول
الحل المطروح للتفكير على الأجيال القادمة، حسب المؤلف، سوف يتمثل في الضغط من أجل خلق إرادة سياسية عالمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية ولو بشكل نسبي.
على سبيل المثال فقد توصلت الحكومة في بريطانيا من أجل إحداث نوع من التوازن إلى فرض ضرائب أكبر على أصحاب الدخول المرتفعة والأغنياء، بدلا من تخفيض الخدمات التي تؤثر على الطبقات الفقيرة في المجتمع الذي يضم 13 مليون شخص تحت خط الفقر، مع تضييق الخناق على المتهربين من الضرائب، سواء كانوا أفرادا أو شركات، وهو أحد الحلول المهمة والعملية، حيث إنه في القرن الحادي والعشرين لا يمكن للدولة أن تتبنى أحد هذين الخيارين المتناقضين: الأول “الدولة الشمولية”، والثاني هو “دولة الحد الأدنى” التي تلغي تدخل الدولة تماماً.
النموذج المقبل والمقترح سيكون نموذجاً وسطياً معتدلاً، أو طريقا ثالثا، يقوم على أساس التأليف الخلاق بين دور إشرافي للدولة على مسارات الرأسمالية واتجاهات الائتمان من ناحية، وإطلاق حرية للقطاع الخاص تحت الرقابة من ناحية أخرى.
وسيفتح هذا باباً جديداً من أبواب التاريخ قد يطلق عليه من بعد “الرأسمالية المراقبة”.
تفاقم عدم المساواة في الدخل
يقول بيكيتي: إن سجل عوائد الضرائب التي جمعها وحللها في أكثر من عشرين دولة، يؤكد أن دخول الطبقة الوسطى بقيت ثابتة طوال الثلاثين عاما الماضية، بينما ارتفعت دخول الطبقة العليا بصورة مهولة، بحيث إنها فاقت الجميع.
وهو ما أكده قبل أيام التقرير السنوي لمنظمة “أوكسفام” الخيرية، حيث إن مداخيل 5 عائلات بريطانية تفوق مداخيل 20% من أفقر السكان في بريطانيا ويصل تعدادهم إلى 12.6 مليون نسمة.
وأظهر التقرير أن 0.1 % من السكان ارتفعت دخولهم بمبلغ 24 ألف دولار سنويا، بينما ارتفعت دخول 90 % من سكان بريطانيا الأكثر فقرا إلى147 دولارا سنويا.
هذه الأرقام أظهرت انقسامات حادة وفجوة يصعب عبورها بين الطبقات الاجتماعية داخل بريطانيا، مما أدى إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة في الدخل، وتهديد العدالة الاجتماعية.
واللافت للنظر هنا هو أن ذلك تم تحت سمع وبصر الحكومات البريطانية المتعاقبة من المحافظين والعمال وغيرهم على مدى الربع الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم 2014.
قراءة بيكيتي للتفاوت المتطرف في القرن الحادي والعشرين تستند إلى بيانات تاريخية وحسابات بسيطة، ومع أنها تمت ـ كما يقول ـ بمساعدة كثير من الباحثين في دول مختلفة، فإن النموذج الأشهر لهذا التفاوت الطبقي يقبع في بريطانيا تحديدا.
يقول بيكيتي: إن إنتاج الفرد يميل عبر فترات طويلة من الزمن إلى النمو بمعدل 1 % إلى 1.5 %، بينما تشير البيانات أيضا إلى أن معدل العائد على الاستثمار في نفس هذه الفترات يتراوح ما بين 4 % و 5 %.
مما يعني أن عائد الاستثمار، أو ما يعرف برأس المال المالي سيظل أعلى بكثير من عائد الإنتاج، أو قل رأس المال البشري، مما سيؤدي إلى اتساع الفجوة، وزيادة التفاوت بين الطبقات، فالغني سيزداد ثراء والفقير سيزداد فقرا، والسبب ـ كما يقول ـ أن أصحاب أعلى الدخول سيدخرون ويستثمرون، مما يؤدي إلى توليد دخل رأسمالي يتيح لهم أن يتقدموا على أولئك الذين يعتمدون فقط على الأجور والرواتب إلى حد الانفصال عنهم.
الأخطر من ذلك هو تحول التراكم في الثروة عند الأغنياء إلى السيطرة على الاقتصاد والبناء الاجتماعي السياسي.
البيانات التي حصل عليها المؤلف في الولايات المتحدة تتشابه تقريبا مع ما حدث ويحدث في بريطانيا، فقد تجاوز التفاوت في توزيع الدخل والثروة في أمريكا اليوم ما كان عليه الحال في أوروبا الطبقية عام 1900.
خلل يسمح بحصول البعض على أكثر من مساهماتهم
وحسب تقرير “أوكسفام” الصادر حديثا فإن العائلات الثرية في بريطانيا، والتي يتصدرها “دوق ويستمنستر” جيرالد جروسفينور، المالك لأراض شاسعة بمواقع مهمة في لندن، تملك نحو 47 مليار دولار، ويملك جروسفينور وحده 7.9 مليارات دولار، أي أكثر من 10 % من مجموع سكان بريطانيا الأكثر فقرا، مما يشير إلى أن التفاوت الطبقي في أقدم الديموقراطيات الغربية الحديثة يولد حلقة مفرغة من تكدس المال والسلطة بشكل متزايد في أيدي القلة، بينما تظل الغالبية العظمى من السكان تعيش على حد الكفاف.
الشيء نفسه حدث، ويحدث، في أمريكا اليوم، على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين طبقة الأثرياء وملاك الأراضي في بريطانيا ورؤساء الشركات والمديرين والممولين في وول ستريت، حيث إن طبقة الأثرياء الجدد في أمريكا تشكل جزءا هائلا من نسبة 1 % من أصحاب الدخول العالية.
ولا يمكن أن تعادل رواتبهم مؤهلاتهم الدراسية أو درجاتهم العلمية أو حتى ما يقومون به من عمل فائق للقدرات البشرية، وإنما هي تعبير صارخ عن خلل اقتصادي كبير يسمح لهم بالحصول على ما هو أكثر بكثير من قيمة إسهامهم الاقتصادي الفعلي، ناهيك عن أن المضاربات في الأسواق والبورصات بالنسبة للأثرياء تتيح لهم الحصول على عائدات أكبر وأسرع من عائدات المدخرين من الطبقات الوسطى في العالم.
و خلاصة القول
وبعد انهيار النظام الراسمالي ليس هناك بديل آخر و افضل للبشرية الا النظام الاسلامي
الذي يحقق العدالة الاجتماعية للانسانية جمعاء
"و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين"