منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 النساء في البيئة العربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:19 pm

النساء في البيئة العربية



النساء في البيئة العربية BOlevel15574   مقدمة
النساء في البيئة العربية BOlevel15575   أولاً: البنات بين المدح والذّم
النساء في البيئة العربية BOlevel15576   ثانياً: أفضل النّساء وأسوؤهن
النساء في البيئة العربية BOlevel15577   ثالثاً: المرأة بين الحجاب والسفور
النساء في البيئة العربية BOlevel15578   رابعاً: المرأة والغيرة
النساء في البيئة العربية BOlevel15579   خامساً: المرأة وتعدُّد الزوجات
النساء في البيئة العربية BOlevel15580   سادساً: المرأة أُمّا وحَمَاةً وكَنَّة
النساء في البيئة العربية BOlevel15581   سابعاً: مقومات شخصية المرأة
النساء في البيئة العربية BOlevel15582   ثامناً: أسلحة وحقوق المرأة
النساء في البيئة العربية BOlevel15583   ثبت الأعلام
النساء في البيئة العربية BOlevel15584   المصادر والمراجع




مقدمة

إن المتتبّع لحياة المرأة في البيئة العربية، قديمها وحديثها، يجد صفحات ناصعة من المجد، وأمثلة نادرة من الخلق. وإن وُجِدَتْ بعض الهَنَاتِ، والخروج على القاعدة، فتلك سنة الحياة، وطبيعة البشر. وسيتناول البحث في الصفحات التالية صوراً من حياة المرأة في البيئة العربية، يَعْرِضُ فيها وضعها، في الماضي والحاضر، ومكانتها قبل الإسلام وبعده. ويَقِفُ عند حقوقها، وواجباتها، وطبيعة عملها، وما وصفت به من حسن أو قبح، وعِلْمُها وعقلها، وشيء من صفاتها.

المرأة شقيقة الرَّجل، وهي له كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى، وتصفّقان معاً، ولا تصفيق بيد واحدة إلاّ قَبْض الريح. وهما وجها عملة، ونصفان لجسم الحياة، ولا حياة إلاّ بالتصاقهما وتكاملهما. وصدق الله العظيم القائل:]أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[ (سورة آل عمران: الآية 195) وقال تعالى ]وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[ (سورة الروم: الآية 21).

هذا حديث الصّلة الأزلية بين الرَّجل والمرأة، فالمرأة ليست كَمّاً مهملاً، ولا سَقَطَ متاع، إنها روح الحياة، وواسطة عقدها، وحبّة فؤادها، وسر سحرها وجمالها. فإن وَقَعَ الجَّور والتَّجني على المرأة، عبر تاريخها الطويل، فليس مردّ ذلك إلى تحوّر في وظيفتها أو نقص في طبيعتها، وإنما هي غشاوة غامت على بصر بعض الرَّجال، لا يوجد لها سند في دين صحيح، ولا في فطرة سليمة. وإنما تلبدت تلك الغيوم، ورانت تلك الغشاوة، بسبب نظرتين متطرفتين: الأولى تريد المرأة حبيسة دارها، حتى يواريها قبرها فيقال: لا تعبر المرأة عتبة دارها إلاّ مرتين، الأولى حين زواجها، والثانية حين وفاتها وخروجها إلى القبر. والأخرى تريدها طليقة لا تَحُدَّها حدود، ولا تعبأ بقيود. ولكن المرأة في البيئة العربية والإسلامية، تسير بمبدأ الحسنة بين السيئتين، وهي روح الوَسَطَية المألوفة في البيئة، العربية، والتي شدّها وقوّاها الإسلام، دين الاعتدال وعدم التطرف، أو كما ورد في القول المأثور: "خير الأمور الوسط".

ولمحة عَجْلَى في تاريخ الأمم، وأحوال المرأة فيها، تُظهر كيف كانت المرأة ذليلة مهانة مغلوبة على أمرها، لا تملك من أمر نفسها شيئاً. ففي اليونان منبع الحضارة، وقلعة الحكمة، ودار الفلسفة ومصدرها، اشتهرت المرأة بأنها رجس من عمل الشيطان، سُلِبَتْ حُريتها وانتُهكت حُرمتها في رابعة النهار، فكانت كأسوأ سلعة تُباع وتشترى في الأسواق. وفي أسبرطة، التي يعدونها مأوى الشجاعة والبطولة، امتُهِنت المرأة، فأصبحت مَلْهَاةَ الأبطال في الأندية والشوارع، حتى أصبح الزنا عندهم أمراً غير منكر. وفُرِضَ عليها القتال كما فُرِضَ على الرَّجل، وعُطّلت أهم وظائفها وهي الأمومة، فصار الأطفال يُنْزعون من أمهاتهم قسراً، وينبذون في زوايا الغرف المظلمة، يعانون الوحشة والألم والخوف، ظنّاً منهم أن ذلك تدريب عملي، على تحمّل المشقة، يورثهم الصبر والشجاعة.

وحُبست المرأة عند نصارى الرومان، في بيتها لا تغادره، إلاّ للضرورة، شريطة أن تُغَطِي جسدها من قمة الرأس إلى أخمص القدم. وحُرِمَت الطلاق، وحُرِم الرجل من التعدد، في الوقت الذي امتلأت فيه الشوارع، وهياكل العبادة، باللُقطاء وأبناء الزنا. وفُرضت عليها الطاعة العمياء لزوجها، وكان أشرف الأعمال التي تزاولها الطهي والنسيج والغزْل والنظافة.

وعند الهنود كانت المرأة شيئاً لا قيمة له، حتى حددوا بقاءها في الحياة ببقاء زوجها، تُقْتل معه يوم يموت ويُحْرقان في موقد واحد. وفي كتبهم، ينصون على أن الجحيم والوباء والموت والسُّم والنار والأفعى، خير من المرأة. وهانت عليهم حياتها، حتى قدّموها قرباناً للآلهة، لجلب الرضا، أو لدرء الضُّر.

وتعتقد بعض طوائف اليهود أن المرأة أمرّ من الموت، والبنت هي خادم البيت، يَبِيعُها أبوها إذا احتاج إلى ثمنها.

ولدى كثير من الأمم الأفريقية، تزاول المرأة أشق الأعمال، التي هي من اختصاص الرَّجل، كحرث الأرض والزرع والسقي وغير ذلك من أعمال الفلاحة. وكانت طوائف منهم يقرّبونها للآلهة، في أعياد الحصاد وغيرها من المناسبات والاحتفالات. بل أغرقوا أجمل النساء في الأنهار، اعتقاداً بأن ذلك يجلب الخصب والخير، فيما عُرِف بعروس النيل لدى الفراعنة.

وفي أوروبا المسيحية، كان الجدل على أشده بين الفلاسفة في إنسانية المرأة، هل لها روح أم ليس لها!وفي القرن السادس الميلادي، عقدوا مؤتمراً، تمخّض عن اعتراف بإنسانية المرأة، ولكنها خُلقت لخدمة الرجل. وكانت وقتذاك، توصف بأنها باب الشيطان، وأنها آفة مرغوب فيها، حتى أباحت بعض قوانين ذلك الزمان، بيعها بأقل الأثمان.

ولم يكن المجتمع العربي في تلك الأزمنة السحيقة، خالياً من مثل تلك المخازي، وإن انحصر ذلك في وأد البنات، والسباء، وتعدد الزوجات بلا قيود، واحتساب المرأة جزءاً من الميراث الذي هو من نصيب الرجل.

أولاً: الوأد

أمّا الوأد ـ وهو دفن البنت حية ـ فلم ترتكب يد العرب أشنع ولا أَفْظع منه في حق المرأة، وكان مع ذلك محصوراً في صنفين: رجل مُفْلِس من عقل ومال، وآخر ذهبت بعقله الغَيْرَة. فـالأول يخشى الفقر المُفْضي إلى الرذيلة، والآخر يخاف من مغبة العار. ومع ذلك فقد نهض من سادات العرب، رجال حالوا دون مُضي الفقراء في الوأد بسبب ضيق مورد عيشهم، فبذلوا الأموال الطائلة، والمساعي الحميدة في سبيل ذلك. اشتُهر منهم، صعصعة بن ناجية التميمي، الذي فدى أربعمائة وليدة؛ وزيد بن عمرو بن نفيل القرشي، الذي كان إذا بَصُرَ بالرجل يهم بوأد ابنته قال له: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤونتها. فيأخذها ويتولى أمرها، حتى تشب عن الطوق، فيقول لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها.

ولفداحة هذه الظاهرة وسوئها، كانت من الأمور التي أنكر القرآن على أهل الجاهلية ممارستها وفعلها. فحرّم الله قتل النفس إلاّ بالحق، واستنكر وأد البنات استنكاراً شديداً، ونهى عن قتل الذُّرية وشدّد على ذلك: ]وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 31). وحارب الظاهرة من جذورها، حين نعى على الناس الفزع من البشارة بميلاد الأنثى: ]يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُون[ (سورة النحل: الآية 59).

وأثنى الرسول الكريم على من يُرزق البنات فيُكْرِمهن، ويُحْسِن تربيتهن، في قوله r ]مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنّ،َ وَأَطْعَمَهُنَّ، وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ، مِنْ جِدَتِه،ِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 3659)

ثانياً: الميراث

خص العرب ـ قبل الإسلام ـ الرَّجل دون المرأة بالميراث بدعوى أن المرأة لا تُشارك، مثل الرجل، في سبيل جمع المال عن طريق الغزو، أو السفر، أو التجارة، أو عن طريق الكسب وغير ذلك. أمّا الإسلام فجعل الميراث حقاً للمرأة، نصيبها منه نصف نصيب الرجل، في قول الله تبارك وتعالى: ]لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ[ (سورة النساء: الآية 11) لكون الرجل هو المسؤول عن دفع المهر للمرأة عند الزواج، كما هو المسؤول عن الإنفاق على زوجته، وأولاده منها، إعاشة وتطبيباً وتعليماً وكسوة، وذلك لقاء احتباسها له عن الزواج بغيره، ومشاركتها إياه في مسؤولية الأولاد ورعايتهم، وإدارة شؤون المنزل والأسرة. ولا يكلف الإسلام المرأة الإنفاق على الأسرة مهما كانت غنية، ومهما كان زوجها فقيراً، إلا أن يكون ذلك منها مكرمة وفضلاً.

ويلاحظ أن المرأة قبل زواجها، يُلْزَمُ أبوها بالإنفاق عليها، وبعد الزواج يُلْزَمُ زوجها بالإنفاق عليها، فإن لم يكن لها أب ولا زوج، يلزم إِخوتها فإن لم يكن لها إِخوة فأقرباؤها، وليس إنفاق الأقارب الأغنياء على ذوي أرحامهم الفقراء تفضلاً أو تصدقاً، وإنما هو حق شرعي، يقابل حق توارث بعضهم من بعض.

ومع أن المرأة عادة لا تشارك أباها وإِخوتها وزوجها في تنمية الثروة، أو حتى بذل الجهد في الحفاظ عليها، إلاّ أن الإسلام حفظ حقها في الميراث، بما يحفظ إنسانيتها وقيمة وجودها، ثم كان العدل والمنطق ألاّ تساوي الرجال في اقتسام تلك التركات، مناصفة، بل يكون نصيبها أقل من الرجل.

ولذلك تبدو المرأة، في الواقع، أكثر امتيازاً من الرجل، ذلك أنها ترث نصف ما يرث الرجل، معفيَّاً من كل تكليف، حتى تكليف الإنفاق على أبنائها، بل إن المرأة في كل حالاتها، بنتاً، أو زوجاً، أو أماً، غير مكلفة شرعاً بأن تسعى على رزقها، وإنما المكلف بالإنفاق عليها في جميع تلك الحالات، أقرب رجل من أهلها.

ثالثاً: السِّباء

وأمّا السِّباء، فقد كانت تمليه الحروب وتبعاتها، وغلبة المنتصر على المهزوم. وكان من عاداتهم أنهم إذا خرجوا للحرب، جعلوا نساءهم في صفوفهم الخلفية، فإن كان النصر فَبِها ونِعْمَت، وإن كانت الثانية فقد وقع المحظور. ولكنهم كانوا مع ذلك يكرمون السَّبايا، وربما تزوجوهن فأنجبن. ومن مشاهير أبناء السِّباء، الشاعر دُرَيْد بن الصِّمْة، أمه "ريحانة" بنت معديكرب، أسرها الصِّمّة بن عبداللّه، فأنجبت دُريداً، شاعر الفرسان، وفارس الشعراء.

وكانت الكريمة منهن، إذا وقعت في السِّباء، ربما فضّلت الموت على الحياة، مرددة القولة المشهورة (المنيّة ولا الدّنية)، كما فعلت " فاطمة بنت الخرشب" لمّا أسرها حمل بن بدر، فرمت بنفسها منكّسة من هودجها فماتت.

وربما بقيت إحداهن في السَّبي سنين عدداً، ثم لمّا سنحت لها الفرصة، فرجعت إلى أهلها، فضّلت البقاء معهم، مؤثرة ذلك على زوجها وأولادِها. فقد حكى أبو الفرج الأصفهاني في قصة "سلمى الكنانية" مع زوجها عروة بن الورد، الشهير بعروة الصعاليك ـ وكان شاعراً بطلاً كريماً ـ وكان قد أصاب سلمى في غزوةٍ غزاها لبني كنانة، فأعتقها وتزوجها، وحلّت من نفسه وعشيرته محلاًّ كريماً، فأقامت عنده بضع عشرة سنة، وولدت له أولاداً، وهو لا يشك في أنها أرغب الناس فيه. وكانت تقول له: لو حججت بي فأمُرّ على أهلي وأراهم؟ فحج بها فأتى مكة، ثم أتى المدينة فنزل في بني النضير ـ وكانت له بهم صلة وصداقة ـ وكان قومها يخالطون بني النضير، فأتوهم وهو عندهم، فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتَعَالوا إليه، وأخبِرُوه أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم، معروفة النسب صحيحتُهُ سَبِيّةً وافتدوني منه، فإنه لا يرى أني أفارقه، ولا اختار عليه أحداً. فأتوه، فسقوه الشراب. فلمّا ثَمِل قالوا له: فَادِنَا بصاحبتنا (أي أقبل ما ندفعه لك فديةً لفكها من أسرها)، فإنها وسيطة النسب فينا معروفته وإن علينا سُبَّة أن تكون سبية، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فعلنا. فقال لهم: ذلك لكم. ولكن لي الشرط فيها، أن تُخَيِّروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وإن اختارتكم انطلقتم بها. قالوا: ذلك لك. فلما كان الغد، جاؤوه فامتنع من فدائها. فقالوا له: قد فاديتنا بها منذ البارحة، وشهد عليك بذلك جماعة مِمَن حضر، فلم يجد إلى الامتناع سبيلاً. فلما فادوه بها خيروها، فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه فقالت: يا عروة، أما أني أقول فيك ـ وإن فارقتك ـ الحق: والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك. وأَغضُّ طرفاً، وأقل فحشاً وأجود يداً، وأحمى لحقيقته، وما مرَّ عليَّ يوم منذ كنت عندك إلاَّ والموت فيه أحب إليَّ من الحياة بين قومك، لأني لم أشأ أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمةُ عروة كذا وكذا ـ إلاّ سمعته، ووالله لا اُنظر في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى ولدك وأحسن إليهم. فانصرف عنها حزيناً حسيراً؛ وفيها يقول قصيدته التي مطلعها:

أَرْقتُ وصُحْبتي بمضيق عُمْقٍ                               لبرقٍ من تُهامةَ مُستطيرِ

سَقَى سَلْمَى وأين ديارُ سلمى                                 إذا كانتْ مجاورةَ السَّديرِ

ولم يكن غريباً عند العرب أن تفعل امرأة ما فعلته سلمى، إذا استطاعت إلى الخلاص سبيلاً. ولكن الغريب ألاّ تفعله، وهي قادرة عليه. كما حدثوا أن بني ربيعة أُغير عليهم، فسُبيت ابنة لأمير لهم، فجَهد الأمير في استردادها. حتى إذا خُيَّرت بين أبيها وسابيها، آثرت من هي عنده. فراعَ الأميرَ ذلك، وغضب له قومه، وسَنَّ لهم وأد البنات، وسنوه هم لمن سواهم، ويروون شبيه ذلك عن قيس بن عاصم.

كان ذلك شأن المرأة في الماضي البعيد. ثم جاء الإسلام ناعياً كلّ ما من شأنه المساس بشخصية المرأة، مُبيّناً أن الحياة أساسها الذكر والأنثى، لا تدور عجلتها بأحدهما دون الآخر: ]فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض[.(سورة آل عمران: الآية 195) وجعل الرسول، r النساء شقائق الرجال، وشبههنّ بالقوارير، إمعاناً في التذكير بلطف التعامل معهن، وبالغ في الوصية بهن حتى قال:]اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُم[(رواه الترمذي، الحديث الرقم 1083) وجعل الرسول ثلاثة أرباع الوصية بحسن الصحبة للمرأة وأعطى الرجل الربع الباقي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ[.(رواه البخاري، الحديث الرقم 5514)

وإذا كانت الدنيا كلّها متاعاً زائلاً، فإن خير هذا المتاع المرأة، نَصَّ على ذلك الحديث الشريف: ]الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ[.(رواه مسلم، الحديث الرقم 2668)

قال الحجاج بن يوسف الثقفي ـ وقد تذاكروا النساء ـ عندي أربع نسوة: هند بنت المهلّب، وهند بنت أسماء بن خارجة، وأم الجلاس بنت عبدالرحمن، وأمة الله بنت عبدالرحمن بن جرير البجلي. فأما ليلتي عند هند بنت المهلب فَلَيْلَةُ فتى بين فتيان يلعب ويلعبون، وأما ليلتي عند هند بنت أسماء فَلَيْلَةُ ملك بين الملوك، وأمّا ليلتي عند أم الجُلاس فَلَيْلَةُ أعرابي مع أعراب في حديثهم وأشعارهم، وأما ليلتي عند أمة الله فَلَيْلَةُ عالم بين العلماء والفقهاء.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:19 pm

أولاً: البنات بين المدح والذّم

اختلفت النظرة إلى البنات، في البيئة العربية، بين المدح والذم، وإن كان الوأد نصيب كثيرات في الجاهلية، إلاّ أنه لم يكن ظاهرة عامة. والدليل على ذلك أن بعض العرب رفض هذه الظاهرة، وفدى الكثيرات وأنقذهن من المصير المحتوم. أمّا في الإسلام فلنا في رسول الله r الأسوة الحسنة، فقد روي أنه لمّا بُشِّر بفاطمة قال: ريحانة أشمها، ورزقها على الله. وكانت محبته لبناته مضرب المثل. ويروي ابن عباس أن أوس بن ساعدة الأنصاري، دخل على الرسول r، فرأى الرسول في وجه أوسٍ الكراهية، فقال: يا ابن ساعدة، ما هذه الكراهية التي أراها  في وجهك؟ قال: يا رسول الله إن لي بنات، هن المُجْملات عند النعمة، والمنيعات عند المصيبة، ثقلهن على الأرض ورزقهن على الله.

ودخل عمرو بن العاص، على معاوية وبين يديه ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه تفاحة القلب؛ فقال: انبذها عنك: فوالله إنهن ليلِدَّن الأعداء، ويقرّبن البعداء، ويورّثن الضغائن. فقال معاوية: لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مرّض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان مثلهن. ورب ابن أخت قد نفع خاله. فقال عمرو: ما أراك إلاّ حبّبتهن إليَّ.

وفي رقعة تهنئة للصاحب بن عباد بالبنت يقول: أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء، وأم الأبناء وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون. ويقول الشاعر المتنبي يمدح أم سيف الدولة:

فلو كان النِّسَاءُ كَمَنْ وَجَدْنَا                           لَفُضِّلِتِ النِّسَاء على الرَّجِالِ

وما التَّأنيث لاسْم الشَّمْسَ عَيْب                       ولا التذكير فخر للهلال

فالدنيا مؤنثة والرجال يخدمونها ويلهثون وراء نعيمها الزائل، والأرض مؤنثة ومنها خُلقت البرية، والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب وحلّيت بالنجم الثاقب، والنفس مؤنثة وهي قوام الأبدان وملاك الحيوان، والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام، والجنة مؤنثة وبها وُعِد المتقون، وفيها ينعم المرسلون.

ونزعة الغضب على البنت، كثيراً ما تعتري الآباء لمواقف عارضة، وكل أب يُصْدِرُ مثل هذا الحكم الجائر، وكانت له بنت، فإن لها في قلبه نصيباً من الحب، إلاّ أن يكون الله قد نزع الرحمة من قلبه. وإن كان عمرو بن العاص ينعي على النساء أنهن يلدن الأعداء، فمن التي تلد الأنصار إذاً؟ في الواقع ليس في الذُرّية أحبُ من البنت؛ فهي الأم والأخت والزوجة والجَّدة والعمة والخالة، عطفاً وبرِّاً، وحناناً وخدمة، ورعاية وطاعة، ولا يعين على الحياة مثلها.

والذين يفضّلون البنت ويميلون إليها، يصدرون عن تجارب خاصة. قال أحدهم: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة، فتبرز كفّاً كأنها طَلْعة، في ذراع كأنها جُمّارة (شحمة النخل)، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة، إلاّ خصَّتني بها. فزوّجتها وصُرت أُجلِسُ معي على المائدة ابناً لي، فيبرز كفّاً كأنّها كُرْنَافة في ذراع كأنها كَرَبة، فوالله، ما إن تسبق عيني إلى لقمة طيبة، إلاّ سبقتْ يَدُه إليها.

فهذه القصة على بساطة عباراتها، فإن مغزاها كيير، وفيها إشارة إلى بِرّ البنت، وحسن رعايتها، وتلك هي وظيفتها في الحياة، وهو مجال اختصاصها، الذي لا تُنافس فيه، وينبغي أن تهتم به، وأن تتفرغ له؛ سواء أكان ذلك للوالد، أو للإخوة أو لأبنائها وزوجها، في المستقبل؛ لذلك قال عليّ  إذا لم تكن في منزل المرء حرةٌ مدبّرة ضاعت مروءة داره.

وإذا كان العيال عموماً مَجْبَنَة، فالبنت أدخل في ذلك، وأَدْعَى لأن يكون أبوها شديد الخوف عليها. ومن هنا كثر اعتذارهم عن الضرب في أكناف الأرض، في طلب الرزق بسبب البنات. قال حطان بن المعلى الطائي، وهو شاعر إسلامي:

أَنْزَلنِي الدَّهرُ على حُكْمِهِ                        من شَاِمخٍ عالٍ إلى خَفْضِ

وغَالَني الدهر بِوَفْرِ الغِنَى                       فليس لي مالٌ سوى عِرْضِي

أبكانيَ الدهرُ ويا رُبّما                           أضحكني الدهرُ بما يُرْضي

لولا بُنَيَّات كزُغْبِ القَطَا                         حُمّلن من بعض إلى بَعْضِ

لكان لي مُضطرَبٌ واسع                        في الأرض ذات الطول والعَرْضِ

وإنمـا أولادنـا بيننـا                          أكبادُنا تَمْشِيِ على الأرض

لو هبَّتِ الريحُ على بعضهم                      لا امتنعت عَيْنَيَّ من الغمضِ

وأبو البنات يفكّر في مصيرهن ما عاش، حباً لهن وخوفاً عليهن، من المصير المظلم. وهو ما يؤيده قول الشاعر، وهو أبو خالد القناني:

لَقَدْ زَادَ الحَيَـــاَة إِليّ حُبّاً                       بَنَاتِـي إِنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَاف

مخافة أنْ يَرَيْنَ البؤسَ بَعْدي                       وأن يَشْرَبْنَ رنقاً بعدّ صافٍ

وأن يَعْرَيْنَ إن كُسِي الجَوَاري                      فَتَنْبُو العينُ عن كَرَم عِجَافِ

ولولا ذَاكَ قد سَوَّمْتُ مُهْـري                      وفي الرَّحْمنِ للضُّعَفاءِ كَافِ

ومن جميل التعليل في حبّ البنات وإكرامهن، قول أحد الشعراء

أُحِبَّ البَناتَ فحُب البناتِ                           فرْضٌ على كل نفس كريمهْ

لأن شُعَيْباً لأجـل البناتِ                          أَخْدَمــَهُ اللهُ موسى كليمَهْ

وهذا تعليل لطيف لخبر ابنَتَي شعيب، اللتين سقى لهما موسى، ثم زوجّه أبوهما إحداهن على أن يخدمه موسى ثماني سنوات، على نحو ما ورد في القرآن الكريم.

وربما كان لبعض الرجال عناية بالبنات زائفة مغلّفة بالغرض، فهو يَحْبسهن ضَنّاً (بُخلاً) بهن، لا حُبّاً ولا كرامة، ولكن يريد من ورائهن ثروة باقية، ومالاً وفيراً، فيغالي في مهورهن ويبالغ في المطالب، وربما صرف ذلك الخطاب عنهن.

يروى أن مَعْنَ بن أوس، وهو علم من أعلام التابعين من سادات مُزَيْنة، كانت له ثماني بنات، وكان يقول: ما أُحب أن يكون لي بهن رجال. وفيهن قال:

رأيتُ رِجَالاً يَكْرَهُون بَنَاتِهِمْ                       وفِيهْنَّ لا كذباً نَسِاءٌ صوالحُ

وفيِهِنَّ والأَيَام يَعْثُرنَ بالفتى                        عوائــدُ لا يَمْلَلْنَهُ ونوائحُ

فهذا الأب يريد بناته ذُخراً للأيام وجورها، وتَقَلُب حالها، لا يريدهن رأس مال، حتى إذا خطبهنّ الرجال أغلى مهورهن، وَبَغّض الناس فيهن فيعنّسن من جهة، ويساعد صنيعه ذلك في عزوف الشباب عن الزواج من جهة أخرى. فليست البنت تجارة، وإنما هي أمانة، متى حان الوقت لاستردادها ونقلها لآخر، وهو الزوج، كان على الوالد، إن كان منصفاً، أن يُهَيِّئَها لذلك بأقل مؤونة، فعواقب المغالاة والاعتساف وخيمة.

ولَبِنْتٌ مطيعةٌ أَحْسَنَ أبوها تربيتها، خير من غلامُ يُعَنِّي والديه بالعقوق والعصيان. والعرب يدركون ذلك بالتجربة والمشاهدة، لذلك قالوا في بعض حِكَمِهم: (خَبْأَةٌ خيرٌ من غلام سوء)، أي بنت لا تفارق دارها، خير من غُلاَمٍ سيِّئ النّشأة.

ولكنّ البنتَ لا تَجدُ مثل هذا الرضا دائماً، بين الناس كلّهم؛ ففيهم من يُبْغِضُها، ولا يرى فيها إلاّ باباً لجلب العار والهّم الثقيل. وهؤلاء النّفرُ هم الذين وجه لهم القرآن العتاب الشديد في قوله تعالى: ]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ[(سورة النحل: الآيتان 58، 59) وقد رفض القرآن ذلك، لأنه موروث الجاهلية الجائر؛ ولأن خالق المرأة وخالق الرجل واحد. وإذا كَمُلَ إيمان المرء رضي بما يرزقه الله، فإن خاف الفقر وثقل الحمل، فرزقُها ورِزْقُه على الله، وإن خاف العار، فقد مكّنه الله من أساليب التربية الفاضلة. وإذا أراد أبو البنت أن ينظر إلى عظيم فضل الله عليه، فلينظر إلى من لم يرزق ذرية، لا ذكوراً ولا إناثاً! ولكن من شيم بعض الناس الطغيان. وهذه الطائفة الأخيرة، هي التي تذم البنت ولا تريدها، وكأنما الدُنيا خلقت من الذكور وحدهم.

قالوا، بُشّر أَعرابيٌ بمولودة، فقيل له: "نعم المولدة مولودتك" فقال: والله ما هي بنعم المولودة؛ نُصْرَتُها بكاء، وبِرُّها سرقة"، أراد أنها لا حيلة لها، ولاشيء تحت يدها، وليس لها سلاح في الشدائد سوى دموعها، وهي تسرق من بيت زوجها ـ إذا كان لئيماً ـ لتبرّ والديها. ولكن قد تستطيع البنت المعاصرة أن تَبِّرَ والديها من كسب يدها، وأن تنتصر بغير الدموع.

ومازال في أكثر الرجال جَزَعٌ من البنت، ومن النفقة عليها، ويرون أنها تُثقل الكاهل بمؤونة أكثر من الولد. وتحتاج مصروفاً على ثيابها وزينتها، أكثر مما يحتاجه الولد، وتجهيز زفافها على أبيها، بينما يتولى الولد ـ غالباً ـ أمر نفسه، وغير ذلك. وهذا الجزع قديم. قالوا رأى زياد بن أبيه على مائدته رجلاً قبيح الوجه، كثير الأكل، فقال: كم عيالك؟ قال تسع بنات. قال وأين هنّ منك؟ قال: أنا أجمل منهن وهنّ آكل مني. فقال له زياد: ما أحسن ما تلطَّفتَ في السؤال! وفرض له، وأعطاه.

وسُئل آخر: كم لك من الولد؟ فقال: قليل خبيث. قيل وكيف؟ فقال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من بنت! يعني له بنت واحدة؛ فالقلة كونها واحدة، والخبث كونها أنثى!

وكان بعضهم يبالغ في الرغبة في التخلص من البنت، حتى إن أحدهم عزّى صاحباً له في ابنة له ماتت قائلاً:

وَلَمْ أَرَ نعْمَةً شَمَلَتْ كِريماً                          كنعمة عَوْرَةٍ سُتِرَتْ بَقْبْر

وكان عقيل بن علّفة المرّي، يُضْرب به المثل في الغيرة والخوف من العار، واختلاط الأعراق؛ ولمّا طلب عبدالملك بن مروان، الخليفة الأموي، إحدى بنات عقيل زوجة لأحد أولاده، قال عقيل: نعم يا أمير المؤمنين ولكن جَنِّبني هُجناء أبنائك. وهو الذي لمّا سمع ابنته تضحك ضحكة في آخرها شهيق، حمل عليها بالسيف، وهو يقول:

فَرِقْتُ، إني رجل فَرُوقُ                            من ضحكة آخرُها شهيقُ

فاستجارت البنت بإخوتها، فحالوا بينه وبينها.

وهو الذي يقول:

إني وإن سيق إليّ المَهْرُ                           ذَوْدٌ وعُبْدانٌ ومالٌ حُرُّ

                                            أحبُّ أصهاري إليّ القَبْرُ.

فَعَقيلٌ من وسوسته وخشيته على بناته، يرى الموت خيراً لهن من الزّواج، وأن القبر الذي يأوي بناته أحب أصهاره إلى قلبه، وهي نظرة جاهلية مُنْكَرةٌ.

وتُعد العربُ الزّواج سِتْراً، وتقول: "ليس للمرأة سترٌ إلاّ ستران: زوجها وقبرها". وهذا أشبه بقول الآخر:

لكل أبي بِنْتٍ إذا ما تَرَعْرَعَتْ                     ثَلاَثَةُ أصْهَارٍ إذا كَرُمَ الصِّهرُ

فزوجٌ يُرْاعيها وبيتٌ يُكِنُّها                         وقَبْرٌ يواريها، وخيرهم القبر

وأسوأ من ذلك قول الآخر:

جُعِلْتُ فداك من النَّائِباتِ                           ومُتِّعْتَ ماعِشْتَ بالطَّيْبَاتِ

سروران مَاَلهُمَا ثالثَّ                              حياةُ البِنينِ وُمْوُت البنات

وأصدقُ من ذَيْنِ قُوْلُ الحكيم                       دفنُ البناتِ من المُكْرَماتِ

وقصة أبي حمزة الذي كان لا ينجب إلاّ البنات، مشهورة في التراث العربي؛ فقد هجر بيته وأقام في دار مجاورة لأن زوجته لا تلد إلاّ البنات، حتى عاتبته زوجته وواجهته بالحقيقة في قولها:

ما لأبي حمزة لا يأتينا                             يظل في البيت الذي يلينا

غضبان ألاّ نَلِدَ البنين                              ونحن كالأرض لزارعينا

نُنْبِت ما قد زرعوه فينا

قيل فرجع ورضي بما قُسم الله له.

وقال بعضهم متذمراً:

لا يَزْجُرُ الدَّهْرُ عنّا المنونا                         يُبَقّي البناتَ ويُفْنِي البَنِيَنا

ولو تدبر هؤلاء النفر، ممن يُفُضِّلون البنين على البنات، سورة الشورى، لوجدوا الحكمة مجتمعة والعبرة ماثلة، في قوله تعالى: ]لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ[ (سورة الشورى: الآيتان 49، 50).

فالإيمان بالله وحده، بقدرته وعلمه ومشيئته، هو الحلّ لقضية تفضيل الذكر على الأنثى، لأن الذرية هبة منه ـ تعالى شأنه ـ يعطيها من يشاء، بعلمه وقدرته، ويَحْرِم منها من يشاء، وسر ذلك عنده. وقد جمعت الآية جميع أنواع الذرية والعقب: هبة الذكور، أو هبة الإناث، أو المزاوجة بين الجنسين، أو فقد الجنسين مَعاً. وفي كل ما قدّر الله خير، حتى في القسم الرابع والأخير، لأنه ربما كان سابقاً في علم الله أن ذلك المحروم، لو رُزق ذرية لأصبحوا وبالاً عليه، لأن الله تعالى يقول: ]أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلأَدُكُمْ فِتْنَة[.(سورة الأنفال: الآية 28) فالسعيد من رضي بما قُسِم له، ثم عَمِلَ على إصلاحه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:20 pm

ثانياً: أفضل النّساء وأسوؤهن

عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ]مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ[. (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 1847) وقال عبدالله بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في زوجته:

لها خُلُقُّ سَهْلَ وحُسْنُ ومَنْصِبٌ                   وخَلْقٌ سَويٌّ ما يُعَابُ ومَنْطقُ

فمدحها أول ما مدحها بالأخلاق الحسنة، وذكر بعد ذلك الجمال والمكانة واستواء الخلقة وحلاوة الكلام. وقال آخر:

حَوْرَاءُ إِنْ نَظَرِتْ إليـ                            ـك سَقَتْكَ بالعَيْنَين خَمْراً

وكَأَنَّ رَجْعَ حَدِيثِهـَا                               قِطَعُ الرِّياض كُسِينَ زَهْرَاً

وَكَأَن تَحْتَ لِسَانِهـا                               هارُوتُ يَنْفُثُ فيه سِحْرَاً

وَتَخال مَا جَمَعَت عليـ                            ـه ثِيَابها ذَهَباً وعِطْرَاً

وَكَأَنَّهاَ بَرَدُ الشَّراَ                                  ب صَفَا وَوَافَقَ منْك فِطْراً

جِنّيَّةَ إِنْسِيّـــَة أو                                بَيْنَ ذَاكَ أَجَلُ أَمْراً

وقال ثالث:

وَحَوْرَاءُ المَحَاجِر منْ مَعَدِّ                         كَأَنَّ حَدِيثَها ثَمَرُ الجِنَان

إذا قامَـتْ لِمِشْيَتِهَا تَثَنَّتْ                           كَأَنَّ عِظَامَها مَنْ خَيْزُرَانِ

ومن صفات الجمال عند العرب الصَّباحة في الوجه، والوضاءة في البشرة، والجمال في الأنف، والحلاوة في العينين، والملاحة في الفم، والظّرْف في اللسان، والرشاقة في القدّ، واللباقة في الشمائل، وكمال الحُسْنِ في الشَّعر. ومع مدحهم المرأة بالجمال في الخِلْقَة، وحلاوة الحديث، كانوا يُعَوِّلون كثيراً على جمال الروح، الذي هو ماء الحياة وإدامها.

أمّا في جمال الخِلْقَة، فهم يريدونها:

كحلاء: وهي ذات العيون سود المحاجر، وإِن لم تَكْتَحِل.

عيناء: واسعة العيون، وهي الدعجاء أيضاً.

زَجَّاء: مقرونة الحواجب، دقيقتهما، طويلتهما خِلْقَةً، دون استعمال المساحيق.

بلجاء: والبلج هو تباعد ما بين الحاجبين، ونقاوته من الشعر

بيضاء: والبياض معروف، وإن خالطه صفار الطِّيب فلا بأس من ذلك، وهي الرُّعْبُوبة.

شمّاء: والشَّمم هو دقة الأنف، مع استوائه، وعلوّه المعتدل.

مأشورة: والتأشير هو دقة الأسنان، ما بين الثنايا والرُّباعيات.

لمياء: واللَّمى، هو ميل لون الشفاة إلى السُّمرة، وهو لَعَسٌ وهي لعساء.

جيداء: والجَيَدُ، هو طول العنق، في حسن ودقة، وهي العطبول أيضاً.

غيداء: وهي الناعمة الملساء.

ويصفون الشَّعْرَ بالأثيث، ويريدون كثافته، وأن يكون أسود فاحماً. ويريدونها أيضاً مشرقة النحر (أعلى الصدر)، مُهَفْهَة مهْضُومة الخَصْرِ(ضامرة البطن)، ممشوقة القوام (معتدلة ورشيقة). واجتماع كل هذه الصفات في وقت واحد نادر، ولكن لله الخَلْقُ والأمر.

ويُحْكى أنّ خالد بن صفوان، نَظَرَ إلى جماعة في المسجد فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا يجتمعون على امرأة تُدل على النساء (خاطبة)، فأتاها فقال: أبغي امرأة، قالت صفها لي، قال: أريدها بِكْراً كَثَيِّب وثَيِّباً كَبِكْرٍ، حلوة من قريب، فخمة من بعيد. كانت في نعمة فأصابتها فاقة (فقر)، فمعها أدب النعمة وذلّ الحاجة، فإذا اجتمعنا كنا أهل دنيا، وإذا افترقنا كنا أهل آخره. قالت: قد أصبتها لك. قال: وأين هي؟ قالت: في الرفيق الأعلى من الجنة، فاعمل لها. وهذه كناية عن استحالة الكمال المُطْلق.

وسئُل أعرابي عن النساء فقال: أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت تبسّمت، وإذا صنعت شيئاً جوّدت (أحسنت صنع)، التي تطيع زوجها، وتلزم بيتها، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الودود الولود، وكل أمْرِها محمود.

ولعلّ قصة عمرو بن حِجْر الكِنْدي، ملك كندة، مع عصام الخاطبة، مشهورة، وهي من أجمع صفات الجمال في امرأة. ذكر حديثها صاحب العقد الفريد، قال: ... قالت: رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالك، كأذناب الخيل المضفورة، إن أرسلته، خِلْتَهُ السلاسل، وإن مشَّطته، قلت عناقيد كَرْم جَلاَهُ الوابل (أي المطر)، ومع ذلك، حاجبان كأنهما خُطّا بقلم، وسُوِّدا بحمم، قد قوسا على مثل عين العَبْهَرة (الظبية)، التي لم يَرُعها قانص، ولم يُذْعِرْها قَسْوَرَةَّ (أسد)، بينهما أنف كحد السيف المصقول، لم يَخْنَسْ به قِصَر، ولم يُمْعِن به طول، حَفَّتْ به وجنتان كالأرجوان، في بياض مَحْض كالجمان، شُقَّ فيه فم كالخاتم، لذيذ المبتسم، فيه ثنايا غُر (بيض)، ذوات أشر، وأسنان تُعّد كالدُّر، وريق تنمّ إليك منه ريح الخمر، أو نَشر الروض بالسَّحَر، يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان، يُقَلّبه عقل وافر، وجواب حاضر، يلتقي دونه شفتان حمراوان كالورد، يحلبان ريقاً كالشهد، تحت ذاك عُنق كإبريق الفضة، رُكِّب في صدر كتمثال دُمية، يتصل به عَضُدَان مُمْتَلئان لحماً، مُكْتَنِزَان شحماً، وذراعان ليس فيهما عَظْمَّ يُحَس، ولا عْرِقَّ يُجس، رُكِّبت فيهما كَفَّان رقيقٌ قصُّبهما لَيِّن عَصَبُهما، تعقد إن شئت منهما الأنامل... وقد تربّع في صدرها حُقَّان، كأنهما رمّانتان. من تحت ذلك بطن طُوِىَ كَطَيِّ القَبَاطِي المدمجة، كُسي عُكَنا كالقراطيس المُدرجة. تُحيط تلك العكن بسُرة كمُدهِن العاج المجلو، خلف ذلك ظهر كالجدول، ينتهي إلى خَصر، لولا رحمة الله لانخزل، تحته كفل يُقعدها إذا نهضت، ويُنهضها إذا قعدت، كأنه دَعْصُ رمل، لَبّده سقوط الطَّل، يحمله فخذان لفّاوان، كأنهما نضيد الجُمَّار، تحملهما ساقان خَدَلَّجَتَان كالبردي وُشِّيتاً بشعر أسود، كأنه حلق الورد، ويحمل ذلك قدمان، كحد السنان، تبارك الله في صغرهما، كيف تطيقان حمل ما فوقهما، فأما ما سوى ذلك فتركت أن أصفه، غير أنه أحسنُ ما وصفه واصف بنظم أو نثر. قال: فأرسل إلى أبيها يخطبها.

وسأل الحجاج الثقفي ابن القِرِّية: أي النساء أحمد؟ قال: التي في بطنها غلام، وفي حجرها غلام، ويسعى لها مع الغلمان غلام. قال: فأيّ النساء شر؟ قال: الشديدة الأذى، الكثيرة الشَّكوى، المخالفة لما تهوى. فقال: أي النساء أعجب إليك؟ قال: الشِّفاء العطبول (الطويلة العنق)، المِغْنَاج الكسول، التي لم يُشِنْهَا قِصَرٌ ولا طول.

أمّا أسوأ النساء، فأقبحهن خِلْقَةً ومنظراً، أسوأهن أخلاقاً. ومن حِكَم داود u المرأة السوء مثل شرك الصياد، لا ينجو منها إلاّ من رضي الله عنه.

وقيل لأعرابي عالم بالنساء: صف لنا شرَّ النساء. قال: شرُّهن النحيفة الجسم، القليلة اللحم، الطويلة السقم، المحياض، الصفراء، المشؤمة العسراء، السليطة الذفراء، السريعة الوثبة، كأن لسانها حَرْبة، تضحك من غير عجب، وتقول الكذب، وتدعو على زوجها بالحرب. أنف في السماء وإست في الماء.

وقال آخر: إياك وكلَّ امرأة مُذَكَّرة مُنَكَّرة، حديدة العرقوب، بادية الظنبوب، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، وصوتها شديد؛ تدفن الحسنات، وتفشي السيئات؛ تعين الزمان على بعلها، ولا تعين بعلها على الزمان؛ ليس في قلبها له رأفة، ولا عليها منه مخافة؛ إن دخل خرجت، وإن خرج دخلت، وإن ضَحِكَ بكت، وإن بكى ضَحِكتَ؛ وإن طلقها كانت حريبته، وإن أمسكها كانت مصيبته، سفعاء ورهاء ، كثيرة الدعاء، قليلة الإرعاء؛ تأكل لمَّا (أي كثيراً)، وتُوسِع ذَمّا؛ صخوب غضوب، بذية دنية؛ ليس تطفأ نارها، ولا يهدأ إعصارها، ضيّقة الباع، مهتوكة القناع؛ صبيها مهزول، وبيتها مزبول؛ إذا حدّثت تشير بالأصابع، وتبكي في المجامع؛ بادية من حجابها، نبّاحة على بابها، تبكي وهي ظالمة، وتشهد وهي غائبة؛ قد ذلّ لسانها بالزور، وسال دمعها بالفُجور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:21 pm

ثالثا: المرأة بين الحجاب والسفور

يراد بالحجاب أحد أمرين: إمّا احتجاب المرأة في بيتها لا تخرج منه، أو إرخاء القناع على وجهها إذا خرجت من دارها. وقد كانت المرأة العربية قديماً، تحتجب وتُسْفِّر على ما تقتضيه الظروف. ولكن السِّفور عندهن كان أشيع، حتى ذهب الإمامان الطبري والرازي، إلى أن نساء العرب كن يخرجن مكشوفات متبذّلات، سواء من الحرائر والإماء، حتّى جاء الإسلام فأمر بالتردّي والستر. فنزل قوله تعالى في سورة النور، مخاطباً النساء ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة النور: الآية 31).

وحجاب المرأة في الإسلام، معناه الحقيقي، هو صون أنوثتها وكرامتها عن الانحلال والتفسّخ والابتذال. وهو الأساس الذي ينبغي التمسك به، ولا خلاف فيه. أمّا الحجاب الحسّي من ستر الوجه أو عدمه، فذلك موضع خلاف بين الفقهاء، وإن كان إبداء الزينة، أو إبداء ما يفتن، ضرر لا بُدّ من درئه، خصوصاً بعد تبدّل الزمان والنّاس.

والثابت أن نساء العرب، سَفَرْنّ واخْتَمَرن. قال الأصمعي: قد تُلقِي المرأة خمارها لحسنها، وهي على عفَّة، وأنشد قول أبي النجم:

من كلِّ غرّاءَ سَقُوطِ البُرْقُع                        بلهاءَ لم تَحْفَظْ ولم تُضَيّعِ

فهي لم تغطّ الوجه، ولكنها لم تُضيّع الفضيلة والشرف. فالنيّة سليمة، وليست مثل نية بعض المعجبات بأنفسهن، واللائي يَرَيْن، أن جمالهن لا ينبغي له أن يُسْتَر! فالأولى بريئة، والأخرى عارضة بِضَاعة، والبون شاسع بينهما.

وطائفة منهن لا يُفارقها القناع، حتى أصبحت أهلاً للمداح بذلك:

لقد أعجبتني لا سَقُوطاً قِنَاعُها                      إذا ما مشت ليست بذات تَلَفُّتِ

قيل لأعرابي: ما تقول في نساء بني فلان؟ فقال: بَرْقِعْ وانظر. يريد أن عيونهن أحسن ما فيهن. ويُروي أن رجلاً قبيحاً خطب امرأة قبيحة، فقيل لها: إنه قبيح، وقد تعمّم لك. فقالت: إن كان قد تعمّم لنا، فإنا قد تبرقعنا له.

وربما وضعت المرأة الحجاب، وكشفت عن وجهها، عند الثكل والمصيبة وهو إشعار بأنّ عزّتها ومِنْعَتها إلى زوال بسبب ما أصابها من الفقد، وتلك حالة خاصة. قال الربيع بن زياد الفزاري:

مَنْ كَان مُسْروراً بِمَقْتَل مالك                      فليأت نِسْوَتَنا بِوجْهِ نَهَارِ

يجد النِّساءَ حواسِراً يَنْدُبْنَهُ                         يَلْطُمْنَ بين عوانسٍ وعَذَاري

قد كُنَّ يَخَبْأْنَ الوجوهَ تَسَتُّراً                        فالآن حين بَدَوْنّ للنُّظّارٍ

وحديث العرب وشعرهم عن البراقع لا يكاد يُحْصَر. وهم يُسَمُونها بأسماء كثيرة، حسب الهيئة؛ فالخِمَارُ والقِنَاع، يُطْرحان على الرأس ويسدلان على الوجه.

والبُرْقُعُ غطاء الوجه كلّه، وفيه فتحتان للعينين، فإن كانتا نجلاوين واسعتين، سُمِّي البرقع "المنجول"، وإن كانتا ضَيَّقَتَيْن سمي "الوصواص"، وربما سمّوه "البُرْشُم".

ومن ثياب العرب النَّصيف، وهو ثوب رقيق النسج، يكون فوق الثياب، وربما تقنعت المرأة بما زاد منه. أمّا اللثّام فقناع الوجه من طرف الأنف، إلى ما دونها، فإن نزل إلى الفم فهو اللّفام. والنقاب أشبه بهذين الأخيرين.

وللبراقع في تراث العرب نصيب من الذِكْر غير يسير. فهم يمدحونه أحياناً، ويذّمونه دائماً، يمدحونه إذا كان على حريمهم ونسائهم، ويذمونه على غيرهن. عَبَثَ أبو نؤاس بامرأة متبرقعة، ترنو بطرف مريض الجفن، وسَنْانِ النظر، فقال لها:

إذا بَاَرَك الله في مَلْبَسٍ                             فلا بارك الله في البُرْقًع

يُريكَ عُيونُ الدُّمى غِرَّةً                            ويَكْشِفُ عن مَنْظَرٍ أشنَعِ

يريد أنّ البُرْقع خادِعُ، لأنه يُظهر العيون جميلةً، حتى على الوجوه القبيحة.

قال: فَدَخَلَتْ ثم خَرَجَتْ وقد نزعت البرقع، ولبست خِماراً أسودَ خفيفاً، قال، فذهلت من جمالها حتى خفضت رأسي، فقالت: ارفع رأسك غير مأجور، ولا تذم من بعدها بُرْقعاً، فلربما انصرف عمّا يصرف الكرى، ويحل القوى، ويطيل الجوى، من غير بلوغ إرادة ولا قضاء وَطّر، ليس إلاّ للحَيْنِ (الهلاك) المجلوب، والقدر المكتوب، والأمل الكذوب. قال فبقيت والله معقول اللسان عن الجواب.

وذَمُ البراقع عندهم كثير مستفيض. قال بعضهم:

ليتَ النقابَ على النِّساءِ مُحَرَّم                      كي لا تَغُرَّ قبيحةٌ إنْسَانَا

وقال آخر:

جَزَى الله البَرَاقِعَ من ثياب                         عن الفتيان شراً ما بقينا

يُوارِين الملاح فلا نراها                           وَيزْهَيْنَ القِبَاحَُ فَيَزَّهِينَا

وهذا أشبه بقصة رجل وامرأته، احتكما إلى الوالي، وكانت المرأة حسنة المنتقب، قبيحة المسفر ـ يعني جمالها في عيونها فقط ـ وكان لها لسان (أي فصاحة) فكأنَّ الوالي مال معها، فقال لزوجها: يَعْمدُ أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها، ثم يُسيء إليها؛ فغضب زوجها فنزع النقاب عن وجهها، فلما رأى الوالي قبحها قال لها: عليكِ اللّعنة، كلامُ مَظْلُومٍ ووجه ظالمٍ.

ومرّت أعرابية على قوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها فقالت: يابني نمير، ما أخذتم بواحدة من اثنتين: لا بقول الله ]قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم[ (سورة النور: الآية 30) ولا بقول جرير:

فُغَضَّ الطَّرْفَ إنَّك من نُمَيْرٍ                       فلا كعباً بَلَغْتَ ولا كِلاَبِا

فأطرقوا خجلاً.

فالذي يرى قبيحاً، أو يسمع ردّاً يلقمه حجراً، كردّ هذه الأعرابية، فإنه يرتدع قطعاً، ولكن الذي يرى جمالاً، ربما فُتن به، ولهذا تأتي الحكمة في الأمر بغض البصر، قال الشاعر:

وكنتَ متى أرْسَلْتَ طَرْفَك رَائداً                    لقلبك يوماً أَتْعَبَتْك المَنَاظــرُ

رأيت الذي لا كُلّهُ أنت قَاِدر                       عليه، ولا عن بعضه أنت صابرُ

وربما عزا الناس التشدّد في الحجاب إلى الفرس، الذين تعودوا حجز نسائهم في الخدور، وفي تشديد الحجاب عليهن. ولكن على كل حال، فإن الرجل الغيور لا يرضى لامرأته أن تكون سافرة على كل حال. وهذا ما عبر عنه الشاعر الحديث:

أنا لا أَقُولُ دَعُوا النِّسَاء سَوَافراً                    بين الرجالِ يَجُلْنَ في الأَسْواقِ

ولا شيء أضر على المرأة من السوق، وهو مجلس إبليس، ولا من السفور، القائد إلى كثير من الشرور. ومع ذلك فقد تحتشم السافرة، وذلك قليل، وقد تَتَهَتْك المحتجبة، وهو قليل أيضاً.

ومن أعظم ما روي عن غيرة رجل على امرأته المُنَقّبة، ومن إكبار المرأة لغيرة رجلها عليها وكرهه لرؤية الناس لوجهها ما ورد في هذه القصة، قالوا: جلس موسى بن إسحاق، قاضي الرِّيّ والأهواز، ينظر في قضايا الناس. وكان بين المتقاضين امرأة، ادعت على زوجها، أن لها عليه خمسمائة دينار مهراً، فأنكر الزوج أن لها في ذمته شيئاً. فقال له القاضي: هات شهودك ليشيروا إليها في الشهادة، فأحضرهم. فاستدعى القاضي أحد الشهود وقال له: انظر إلى الزوجة لتشير إليها في الشهادة، فقام الشاهد وقال للزوجة: قومي. فقال الزوج: ماذا تريدون منها؟ فقيل له: لابد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك، وهي مُسْفِّرة لتصح معرفته بها، فكره زوجها أن تُضْطر زوجته إلى الكشف عن وجهها للشهود أمام الناس، فصاح: إني أُشْهِدُ القاضي، على أن لزوجتي في ذمتي هذا المَهْر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها! فلمّا سمعت الزوجة ذلك، أكبرت في زوجها أنه يضن بوجهها على رؤية الشهود، وأنه يصونه عن أعين الناس، فصاحت تقول للقاضي: إني أُشْهِدك على أني قد وهبت له هذا المَهْر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.

وخلاصة القول، أَن الإسلام لم يأمر بسجن المرأة وحَجْرها، بل أمر بملازمتها لبيتها، بالسكينة والوقار لتقيم واجبات الحياة العائلية. أمّا إن كان بها حاجة للخروج فلا مانع، بشرط أن تخرج راعية كرامتها وحافظة حياءها، وذلك بلبس زيّ المسلمة المشروع في الكتاب والسنة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:21 pm

رابعاً: المرأة والغيرة

الغَيْرَةُ من طبيعة الحياة الزوجية، ولكنها ينبغي أن تكون بمقدار الملح في الطعام؛ إذا نقصت بردت الحياة ومسخت، وإذا زادت كانت مفتاحاً للنكد والكدر ثم الطلاق. ومن وصية بعض الحكماء: لا تكثر الغيرة على زوجتك من غير ريبة، فَتُرْمَى بالسوء من أجلك وإن كانت بريئة. وللعرب في الغَيّرة دررٌ ونفائس. وكان الشاعر الأموي مسكين الدَّارمي، من أحسن الشعراء تعبيراً عن الغيرة والاحتياط، وفيها يقول:

ألاّ أيَّها الغائرُ المستشيـ                              ـطُ علام تُغَارُ إذا لم تُغَرْ

فما خيرُ عُرسٍ إذا خِفْتَهَا                             وما خيرُ بيتٍ إذا لم يُزَرْ

تَغَارُ على النَّاس أن يَنْظُرُوا                          وهل يفتنُ الصَّالحاتِ النظرْ

فإني سَأُخْلِي لها بَيْتَها                                 فتحفظُ لي نفسَهَا، أو تذَرْ

إذا اللهُ لم يُعْطِهِ وُدَّهَا                                 فَلَنْ يُعْطِيَ الوُدَّ سوطٌ مُمَرْ

أي إن لم يكن للمرأة خُلُقٌ ودين وعفاف يحفظها، مع حُب وتقدير للزوج، فلن يحفظها حبسٌ في البيت ولا إرهاب بالسوط؛ وهذه ثقة من الشاعر في امرأته لا تدانيها ثقة، اعتمد فيها على صلاح المرأة في نفسها، وذلك شيء إذا وجد وقف سدّاً منيعاً أمام كل تيّار. لذلك فهو يركّز على هذا المعنى في أشعاره، فيقول في قصيدة أخرى:

إذا هي لم تُحْصِن أَمام قِبَابِها                          فليس بِمُنْجِيها بِنائِي لها قَصْرا

وقال أيضاً:

ما أحسن الغيّرة في حينها                            وأقبح الغيّرة في كل حين

من لم يزلْ مُتّهما عُرْسَه                              مُتّبَعا فيها لرجم الظنون

أوشك أن يُغْرِيهـا بالذي                             يخاف، أو ينصبها للعيون

حَسْبُك من تَحْصِّينها ضمّها                           فيك إلى عرض نقي ودين

لا تَطْلَع منك على ريبةٍ                               فيتبع المقرون حبل القرين

ومسكين الدارمي، شاعر هذه الأبيات، من مشاهير الغيورين في التراث العربي، وهو القائل:

لا آخذ الصبيان ألثمهم                                والأمر قد يُغْرِي به الأمر

يعني إذا وجد إحدى نساء الحيّ يصحبها طفل فإنه، لا يحمل ذلك الطفل ويقبِّله؛ لأنه يرى في هذا التصرف إغراءً للأم، وهذه غاية الحيطة والصِّيانة. ونجد في قصيدته الرائية هذه كثيراً من المعاني السامية في حسن الجوار، حيث يقول:

ما ضر جاري إذ أُجاوره                             أَلاّ يكون لبيته سِتْرُ

أعمى إذا ما جارتي خرجت                          حتى يواري جارتي الخِدرُ

وقد ذمّت العرب الرجلَ الديّوث، وهو الذي لا يغار على حريمه، وقد ورد لَعْنه في الحديث الشريف: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]ثَلاَثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ، مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ، الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخُبْث[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 5839). أمّا الغيرة على الحُرَمِ فمن صفات الرجولة، وهي صفة مُمَدّحة منذ القِدم.

والرِّجال أُشدُ غَيْرَة من النساء، ولكن احتكامهم إلى العقل يَكْبَح جِمَاح الاندفاع، ويقلل من الحدة. ومع ذلك فإن العرب يذمون الداعين إلى الاعتدال في الغيرة، حتى عابوا معاوية بن أبي سفيان لمّا قال: ثلاث خصال من السؤدد: الصلع واندماج البطن وترك الإفراط في الغيرة.

ومن فرط غيرة بعض الرجال على نسائهم، أنهم يوصون الزوجة، ويلحّون في الوصية، بألاّ تتزوّج بعده إذا توفي، وربما تعاهدا على ذلك. ولكن كثيراً ما يقع القدر، وسرعان ما ترى بَعْلاً مكان بَعْل، والحيُّ أبقى من الميت.

والمتتبع لأخبار الغيرة عند المرأة العربية لا يكاد يصل إلى حدّ، فإن قصصها في التراث غزيرة مستفيضة.

وقد تُصبح غيرة المرأة سلاحاً ذا حَدّين، فإذا رُزقت المرأة الحكمة وحسن التصرّف حفظت بيتها ودافعت عن كيانها؛ وإذا فقدت ذلك، كانت الغّيَّرةُ سبباً في هدم سعادتها. ولا يزيد في خراب البيوت سوى الغيرة الشديدة والوسوسة.

ربما دفعت الغَيْرَة الرّجل إلى الاعتداء على المرأة بالضّرب، وهو سلوك مهين، يأباه الشـرع  ـ إلاّ بحقـه ـ وتمّجه النفس. وقد روي عن الرسول r أنه قال: ]لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّه[ِ (رواه أبو داود، الحديث الرقم 1834). وقالت عائشة، رضي الله عنها، ما ضرب رسول الله r امرأة قط، ولا ضرب خادماً قط. وهو القائل: ]اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 1841).

وعادة ضرب النّساء ـ الزّوجات ـ لا تَخُصّ أُمة دون غيرها، وهي عادة ذميمة قديمة. فقد حدّث جماعة من جلساء أمير المؤمنين، الخليفة المهدي العباسي، فيهم سعيد بن سلم الباهلِّي، وابن دأب، وعبدالله بن مسلم العزيزي ـ وكان جريئاً على الخليفة ـ قالوا: خرج علينا المهدي مَغِيظاً متغيّراً ، فسأله العزيزي عن خبره، فقال: لم أر كصاحب الدنيا أكثر آفات، ولا أدوم هموماً! قد عرفتم موضع لُبانة بنت جعفر بن أبي جعفر مني (زوجته)، وأَثَرَتَها (تفضيلها) عندي، وأنها أغلظت لي بإدلالها في شيء فلم أجد صبراً، فنِلْتُها بيدي (ضربتها) فَنَدِّمتُ على ذلك. قالوا فسكتنا خوفاً من تعنيفه، أو تصويب رأيه، فيبلغها ذلك، فقال ابن دأب: وما في ذلك يا أمير المؤمنين؟ هذا الزبير بن العوام، حواريُّ رسول الله r وابن عمته، ضرب امرأته أسماء بنت أبي بكر ـ وهي من أفضل نساء زمانها ـ حتى كسر يَدَها، وكان ذلك سبب مفارقته إياها؛ لأنه قال لها: أنت طالق إن حال عبدالله بيني وبينك ـ يعني عبدالله ابنه ـ فلم يخلّه عبدالله، وخلَّصه منها. وهذا عمر t يقول: لا يُسألُ الرجلُ فيم يضرب امرأته. وهذا كعب بن مالك الأنصاري عتب على امرأته ـ وهي من المهاجرات ـ في شيء فضربها حتى حال بنوها بينهما، فقال:

ولولا بنُوها حولَها لَخَبَطْتُها                           ولكنَّهم حالوا بمنعيَ دونَها

فمالت وفيها حائشٌ من عَبِيطِها                       إلى أن تُداني الموت غيرَ مُذَمَّمِ

فلا تَعْدَمِيهم بين ناهٍ ومُقْسِمِ                            كحاشيةِ البُرْدِ اليماني المُسَهَّمِ

فضحك المهدي وسُرّي عنه، وأمر بالطعام، وأمر لابن دأب بخمسين ألف درهم وخمسين ثوباً.

هؤلاء ثلاثة من الصحابة، وخليفتان من الخلفاء، ثبت عندهم هذا التصرف بالفعل أو بالإقرار، وهو أمر قبيح مُسْتَهْجَنٌ إلاّ بحق. وسببه في الغالب إدلال المرأة وتجاوزها الحد. والمرأة نفسها ـ وهي أدرى بطبائع أخواتها ـ تخشى عاقبة التَّدليل، فقد أوصت إحدى نساء العرب زوج ابنتها فقالت: والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المُدلّلة، فإن رَابَك رَيْبٌ فعليك بالسَّوط. ومعلوم أن طبع المرأة الرّقة، فإن فارقتها فَقَدَتْ أهم أركان جاذبيتها. والحياة الزوجية قوامها الرفق بين الزوجين، فهو إِدامُ العُشْرة. وقد وضع أبو الدرداء، ميثاقاً للتعايش السِّلمي، حين قال لامرأته: إذا رأيتني غضبت فَتَرَضِّيِني، وإذا رأيتك غضبتِ تَرَضَّيْتُكِ، وإلاّ لم نَصْطَحب.

فالغيرة غريزة في الطرفين، ولو وجد الرجل سبيلاً إلى ألاّ تَرَى زوجته غيره لسلكه، ولو وجدته المرأة لكانت أسعد الناس بذلك. ألم يقل أبو تمام:

ولو أني قَدْرتُ طَمَسْتُ عنه                          عيونَ النّاسِ من حَذَرِي عَلَيْهِ

وقال آخر:

ولو أَنيّ خَبَأْتُكَ في عيوني                            إلى يوم القيامةِ ما كَفَاِني

ولكن لا سبيل إلى الخيال. قيل كان لأحد العرب جارية يحبها، فكان إذا خرج بها عَصَبَ عينيها بعِصابة، (لَفَّها بقطعة) حتى لا تنظر إلى غيره، فقيل له فإن الناس يرونها، فقال: إنما أخشى من نَظِرها إلى الناس!! وهذا الأعرابي أكثر واقعية من أبي تمام لأنه طمس ما يقدر عليه.

ولولا أن هذا ضَرْبٌ من الوسوسة، لقيل إن الرجل مُحِقّ، فقد ينظر إلى المرأة ألف رجل فلا يضيرونها ولا يأخذون منها شيئاً، ولكنها إذا نظرت أُعْجِبَتْ، وإذا أُعْجِبَتْ فُتَنِتْ ثم تقع الواقعة، ومن هنا كانت حكمة الإسلام في ستر المفاتن، وغضّ البصر، فتكون نقطة الانطلاق إذن من الدواخل، فهي التي إذا سَلِمَتْ، سَلِمَتْ الصِّلاتُ والعلائق، وإن كانت الثانية فعلى الدنيا السلام.

كان عقيل بن عُلّفة المُرِّي من أغير العرب، قيل له ألا تخاف على بناتك وقد عَنَّسْنَ، ولم تُزَوِّجْهُن؟ قال: كلا أُجَوِّعُهُنَّ فلا يَأْشَرْنَ (يبطرن)، وأعرِّيهن فلا يُنْظَرْنَ. وقد وافقت إحدى كلمتيه قول الرسول r ]الصَّوْمَ وَجَاءَ[،(رواه أبو داود، الحديث الرقم 427) والأخرى كلمة عمر بن الخطاب: (اضربوهنّ بالعُرْي).

وقصص الغيرة في التراث العربي كثيرة مستفيضة، ولكن أغربها التي تصل إلى درجة القتل. فقد حُكِيَ أن الشاعر العباسي دِيك الجِنّ (عبدالسلام بن رَغْبَان) قتل جاريته غَيْرةً، ثم تبيّن له عفافها بعد موتها، فما نفعته الحياة بعد ذلك.

وقيل، كانت لعبدالعزيز بن أبي دُلَف جارية، كان يرى الدنيا بعينيها، وكانت كل شيء في حياته، فدعا بها، فَضَرَب عنقها، فقيل له: لم صنعت هذا؟ قال: مخافةَ أن أموت من حُبِّها فتصير هي من بعدي لغيري.وهذا جنون وأنانية بغيضة، وليس من الغيرة في شيء.

وربما كان سبب الكدر الذي يقود إلى الضرب، بعض أمور المعيشة، وتَقَلُّب حالتَّي اليسر والعسر. وامرأة لا تُقدِّر هذا، ولا تعايشه وتعيشه مع زوجها، هي امرأة غير جديرة بكرامة الحياة الزوجية، ولكن النفس البشرية تضعُف أحياناً. وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله قال: ]دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ r جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا قَالَ فَقَالَ لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ r فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ r وَقَالَ هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلاَهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ r مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ وَاللَّهِ لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ r شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ حَتَّى بَلَغَ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا قَالَ فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لاَ تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَلاَ عَلَيْهَا الآيَةَ قَالَتْ أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ وَأَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ قَالَ لاَ تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلاَّ أَخْبَرْتُهَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 2703)

فالعبرة هنا غير خافية، والقدوة ماثلة لمن يتأمّل؛ وهل يحتاج رسول الله r تذكيراً بواجبه نحو أهل بيته، وهو أحسن الناس عشرة وحُبَّاً لأهل بيته؟! ولكن حكمة الله ماضية، في أن تقوم الأسوة في شخصه r، حتى لا نضيق إذا رأينا أو سمعنا برجل، تحبسه امرأته في الدار، تريد ثياباً أو نفقة أو زينة.

وكان معاوية بن أبي سفيان، على ما اشتهر به من دهاء وعقل، ربما اتُهم بسيطرة بعض نسائه عليه، حتى قال له صَعْصَعَةُ بن صَوْحَان: كيف نَنْسِبُك إلى العقل، وقد غلب عليك نصف إنسان؟ يريد غلبة امرأته (فاخِتَة) عليه. فقال معاوية: إنهن يَغْلِبْنَ، الكِرام ويغلبُهُنّ اللِّئام. وكما قالوا طاعة النساء ندامة، قالوا أيضاً: "شَاوِرُوهُنَّ وخالِفُوهن"، وليس هذا عبثاً ولا استهتاراً، ولكنه إقرار لمبدأ المشاورة وتطييب الخواطر. فإن صدرت المرأة عن رأي صواب فلا عيب في الأخذ به، وإن لم يكن في رأيها ما ينفع فقد أرضتها المشاورة. وقد أخذ الرسول rبرأي أم سلمة ـ وكانت عاقلة مدبرة ـ في نَحْرِ الهَدْي في صُلح الحديبية.

ولا ينبغي أن يؤخذ قول عمر، t "لا يُسْأَل الرجل فيم يَضْرِبُ امرأته" على إطلاقه، لأنه ليس رُخْصَةً شرعية في ذلك؛ فهو لا يريد بالرّجل كلّ الرّجاَل، فالرجال فيهم الجاهل والطّائش، والأحمق. ثم إن قول عمر هذا جزء من حديث شريف، قال عنه بعض أهل العلم: الحكمة في عدم السؤال لأنه قد يضرِبُها لأجل الفِراش، فإن أخبر بذلك استحيا، وإن أخبر بغيره كذب. ومع ذلك فإن عمر t هو القائل: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصّبيّ، فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً. وهو صاحب العبارة الشهيرة الشجاعة (أصابت امرأة وأخطأ عمر)، وكان ذلك على المنبر وبين الملأ. وقد كان يضع ثقته بالنساء حتى وَلَّى إحداهن ـ وهي الشّفَّاء بنت عبدالله ـ حِسْبة أسواق المدينة، على كثرة الرجال فيها. وهو مع كل ذلك خبير بالنساء، فقد صنّفهن مرةً في قوله: النساء ثلاث: هيّنة، عفيفة مسلمة، تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وثالثة غُلُّ قَمِل (قَيْدٌ محكم القفل) يلقيه الله في عنق من يشاء من عباده.

وعلى كل، فإن المرأة قد تحتمل الضَّرب وكل شيء، إلاّ الضُرَّة (أي الزوجة الثانية). والمرأة السوية السليمة الفطرة لا يسوؤها أن يكون زوجها قوياً حازماً في غير غلظة، فذلك يوفر لها الأمان والحماية، أمّا غير السّوية فهي التي تحب من الرّجال من كان دُمْيَةً أو أُلعوبة في يدها. هذا إذا توفر لها الاختيار، أما إذا كانت مضطرة فقد قالت العرب (زوج من عُود خيرٌ من القُعُود).

وقد تدرَّج الشرعُ في قضية الضرب هذه، بعد أن جعلها علاجاً في ذيل القائمة لحالات خاصة. يقول الله تعالى: ]وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا[ (سورة النساء: الآية 34) وهو تدرُّج منطقي، يبدأ بالمراجعة بالحسنى، ثم تجفيف الجو من الحنان، فلا يُبَايِتُها في فراش واحد، وأخيراً الضرب، وهو ضرب تخويف فقط، لأن الفقهاء اشترطوا ألا يكون مُبَرِّحاً، فلا يكسر ولا يجرح ويتجنب الوجه.

والنُّشُوز، الذي تُضْرَبُ عليه المرأة هو العصيان، وعدم اطمئنانها لزوجها بغير مُسَوِّغ، أو خروجها دون إذن منه، أو رفع الصوت في وجهه، واختلال الأدب معه، أو التَغافُل والرفض إذا دعاها، وما إلى ذلك. وربما ظّنَّ بعض الناس أن الضرب لا يكون إلا في أمور الشرف، وهذا وَهْمٌ مَحْضٌ؛ لأن الأمر إذا وصل إلى الشرف فعلاجه غير ذلك.

والرّجل العاقل الحازم يستطيع تقدير الأمور، وتسيير دَفَّة الحياة، وهو يستحق الولاية بالفّضْل لا بالقهر، وما أسوأ السطوة والجبروت، فربما ولّدت الكبت وهو وخيم العاقبة، وللسطوة أماكنها. وما أروع الرجل الذي يكون أَسَداً في الجِّد، فإذا عاد إلى حياته الخاصة رأيته حملاً، أو كالحمل في الوداعة والدُّعابة والدَّماثة ولين الجانب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:22 pm

خامساً: المرأة وتعدُّد الزوجات

لا تَضِيقُ المرأة بشيء في الدنيا أكثر من ضيقها بالضُّرّ، وقد ضاقت به أم المؤمنين، السيدة عائشة، خير نساء البشر. ولا تطيق المرأة سماع ذلك ولو مَزْحاً؛ لأن الضُّر مرّ، ومرارته مأخوذة من اسمه، فالضَّرَّاء نقيض السَّرَّاء. ويكفيه ذماً أنه نقيض السرور وضِدّه. وما الحياة وما قيمتها إذا افتقدت السرور؟ ويندر أن يجتمع السرور في بيت فيه ضرائر. ولأمر ما كُرِهَ في الإسلام أن يقال للزوجة الأخرى (ضّرة). ولكن العامة درجت على ذلك، حتى أصبحت الضّرّة مثالاً للتنافس والاختلاف، وحتى سموا الأمور المختلفة "ضرائر"، بل سموا مكة والمدينة (الضَّرَّتين) لتنافسهما في الفضل.

قال الأصمعي: قلت للرشيد: بلغني يا أمير المؤمنين، أن رجلاً من العرب طلّق في يوم خمس نسوة. قال: إنما يجوز مِلك الرجل على أربع نِسْوة، فكيف طلّق خمساً؟ قلت: كان لرجل أربع نسوة فدخل عليهن يوماً فوجدهنَّ متلاحيات متنازعات، وكان شنظيراً (أحمق) فقال: إلى متى هذا التنازع؟ ما إخال (أظن) هذا الأمر إلاّ من قبلك، يقول ذلك لامرأة منهن، اذهبي فأنت طالق. فقالت له صاحبتها: عَجَّلت عليها بالطلاق، ولو أدَبتها بغير ذلك لكنت حقيقاً. قال لها: وأنت أيضاً طالق: فقالت له الثالثة: قَبَحك الله، فوالله لقد كانتا إليك مُحسنتين، وعليك مفضلتين. فقال: وأنت أيتها المُعدِّدة أياديهما طالق أيضاً. فقالت له الرابعة، وكانت هِلاَلّية وفيها أناة شديدة: ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق. فقال لها: وأنت طالق أيضا. وكان ذلك بمسمع جارة له، فأشرفت عليه وقد سمعت كلامه، فقالت: والله ما شهدت العربُ عليك، وعلى قومك بالضعف، إلاّ لِما بلَوْه منكم ووجدوه فيكم، أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة. قال: وأنت أيضاً أيّتها المؤنبة المُتَكَلِّفة، طالق إن أجاز زوجك. فأجابه الزوج مِن داخل بيته: هِيهِ، قد أجزتُ ، قد أجزت.

وتعدّد الزوجات قديم، وكان قبل ظهور الإسلام ظلماً وفوضى. والذي أضافه الإسلام، بعد أن أقره، أنه نظّمه ولم يَفْرِضه، بل فرض فيه العدل في النفقة، والمسكن والمبيت، وواجبات الزوجية كلها.

ومن القصص الطريفة أن أبا العباس السفاح، الخليفة العباسي، كان قنوعاً، مشغولاً بأمور الدولة، رضي من الدنيا بامرأة واحدة، فدخل عليه خالد بن صفوان (ت 132هـ) وقال: يا أمير المؤمنين، إني فكرت في أمرك، فلم أر من هو في مثل قَدْرِك، أقلّ استمتاعاً بالنساء، وقد ملَّكْتَ نفسك امرأة واحدة... إن مرضتْ مرضتَ، وإن غابت غبتَ، وإن غضبتْ حُرِمْتَ! وإنما التلذذ باستطراف الجواري... فلو رأيت الطويلة البيضاء، والسمراء اللفّاء، والصفراء العجزاء، والغَنِجِة الكحلاء، والمولدات من المدنيات ... ذوات الألسن العذبة، والقدود المهفهفة، والثُدِيّ المُحَقَّقة ...! فلما خرج منه بقي السّفاح عامة نهاره ساهياً مفكراً، فدخلت عليه زوجته، فأنكرت حاله، وأَلَحَّتْ لمعرفة السّبب، فلما أعاد عليها ما قاله ابن صفوان، قالت له وما قلت لابن الفاعلة؟ ثم خرجت من عنده غيرانة غاضبة، وأرسلت جماعة من غلمانها فأوسعوه ضرباً، حتى أغلق باب داره دونهم. وانقطع عن الخليفة وقتاً، فبعث إليه السفّاح مرةٍ، قال فوالله أيقنت بالهلاك. فلما دخل عليه، لاحظ خالد حركة خلف بعض الستور، ففطن لزوجة الخليفة. وطلب منه السّفاح بعد أن طَمْأنه أن يعيد عليه ذلك الكلام الحلو، الذي قاله له آخر مرة كان عنده. فقال خالد: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمتُك أن العرب اشتقَّت اسم الضّرَّتين من الضُّر، وأن أحدهم إذا كان عنده من النساء أكثر من واحدة، عاش في جُهد وكدّ. قال السفاح: ويحك! لم يكن هذا في كلامك. قال بلى، وأخبرتك أن الثلاث من النساء، كأثافي القِدْرِ يغلي فوقهن الزوج. قال السفاح برئت من قرابتي من رسول الله r، إن كنت سمعت هذا منك. قال: بلى، وأخبرتك أن الأربع من النساء، شر مجموع لمن كُنَّ عنده، يُهْرِمْنَهُ، وينغِّصْن عيشه، ويشيّبنه قبل حينه. فغضب السفاح وقال له: أتكذبني؟! فقال خالد: يا أمير المؤمنين، أتريد قتلي؟. فسمع خالد ضحكاً شديداً من خلف الستور فقال: وأعلمتك يا أمير المؤمنين أن عندك ريحانة قريش، وأنه لا يجب أن تطمع نفسك إلى غيرها من النساء! فقالت زوجة الخليفة من وراء السِّتر: صدقت يا عماه، ولكن أمير المؤمنين غيّر وبدّل. وخرج خالد إلى منزله، فلم يصل إليه، حتى وجّهت إليه زوجة الخليفة أنواعاً من الثياب، والعطر، وخمسة آلاف درهم.

ومع أن الضُّر يقيم دنيا المرأة ولا يُقْعِدُهَا، إلاّ أنك ترى بعض النساء يُكَابِرْنَ، ويظهرن عدم اكتراث، وتجلُّداً زائفاً لزواج الزوج من أخرى، وهن في الحقيقة تغلي دَوَاخِلُهُنَّ وتفور، وتتقطَّع أكبادُهن حُرْقةً وغيظاً، وتذهب أربعة أرباع عقولهن.

وهذا الأمر قديم، قال عمر بن أبي ربيعة مُخْبِراً عن زوجته:

أخبروها بأنني قد تزوَّجتُ                            فظلَّت تكافحُ الغيظَ سرّا

ثم قالت لأُختها ولأخرى                              جَزَعاً: ليته تزوَّج عشرا

وأشارت إلى نساء لديها                              لا ترى دونهن للسرِّ ستْرا

ما لِقَلْبي كأَنَّه ليس مني                               وعظامي أَخالُ فيهن فتْرا

من حديثٍ نما إليَّ فظيعٍ                              خِلْتُ في القلب من تَلَظِّيه جمرا

وتبدو غريزة المكر في هذه المرأة واضحة لا تخفى! قالت لعامة النساء: ليته تزوج عشراً، ثم باحت لصويحباتها والمقرَّبات منها بِسِرها، ومعاناتها الحقيقية وآلامها، والنّار التي انطلقت في عظامها.

والضيق بهذا الشيء أمر مركوز في طبع البشر، ولو وقع على الرجال ـ مع جلدهم وقوتهم ـ ما تحمّلوه، ولا تَحْتَمله النساء إلاّ على مَضَضٍ. وليس منبع الضيق مادياً، فقد يكون الزوج غنياً مُوْسِراً، يُوَسِّعُ على كل نسائه وعياله في النَّفقة، ويُلَبِّي جميع حاجاتهن وحاجات أولادهن المادية، ولكن تبقى أشياء محدودة أصلاً، والتّوسِعَةُ فيها غير ممكنة، والشّركة فيها لا تقبلها النفس البشرية ـ حُبّاً وأنانية ـ إلاّ من رحم ربك. ومن هذا ينبُع الضيق، ويقع التنافس ويَدبُّ الخلاف.

والمنافسة بين الضَّرَّتين حادة، والحرب بينهما سِجَال. قالوا تزوج رجل امرأة حديثة على امرأة قديمة فكانت جارية الجديدة تمر على باب القديمة وتقول:

وما يَسْتَوِي الثَّوبانِ: ثوبٌ به البِلَى                    وثَوبٌ بأيدي البائعين جَدِيدُ

فمرت جارية القديمة، على باب الجديدة، وهي تقول:

نقِّلْ فؤادَكَ حيثُ شْئتَ من الهوى                     ما القَلْبُ إلا للحبِيب الأَوَّلِ

كم منزلٍ في الأرض يَأْلَفُهُ الفتى                      وحَنِيْنهُ أَبداً لأَولِ منزِلِ

وأسباب التعدد والطلاق واحدة، وقد تكون المرأة سبباً فيها، وقد أجملها بعضهم في قوله: إن السبب في تعدد الزوجات والطلاق، هو: إذا ذهب جمال المرأة، أو خَبُثَتْ أخلاقها، أو ساءت معاشرتها، مع زوجها، وكثر خصامها مع أمه، وإخوانه، إن كنّ في بيتها، أو كثر إنفاقها، فأفقرت زوجها، أو أهملت واجبها في البيت وتربية الأولاد، أو أهملت العِّلم والسَّير مع الزمان، أو أثرى الزوج وكان ضعيف الأخلاق.

ولا تنبني العلاقة الزوجية على الجمال والحب فقط. وذهاب الجمال أمر طبيعي، لا ينبغي أن يقوم عليه كيان الأسرة، فتنهَّدمُ أركانها بذهابه. فأين العشرة إذن! وهل يَجْمل في خلق ودين أن يستمتع الرجل بالمرأة صغيرةً شابة ويرميها كبيرة هَرِمة!!. وأمّا الحب فقد أجاب عنه أمير المؤمنين عمر، حين قال: الرجل يهم بطلاق امرأته: لم تُطَلِّقها؟ فأجابه لا أحبها. فقال عمر: أَفَكُلُّ البيوت بنيت على الحب؟ وأين الرعاية والتّذُمم.

وقد يتزوج الرّجالُ الزوجة الثانية أو الثالثة لأسباب أخرى كثيرة، بعضها إنساني معقول، كالعقم والمرض المُقْعِد، وبعضها شرعي مقبول مثل قلة الرّجال بسبب الحروب. قالت أستاذة جامعية ألمانية ـ وقد ذاقت النساء في ألمانيا ويلات الحرب، التي دفعت بهن إلى البغاء ـ: "إن حل مشكلة المرأة الألمانية، هو إباحة تعدد الزوجات. إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء، لرجل ناجح، على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه". وقد تكون بعض الأسباب اجتماعية، تمليها حاجة الزعماء، ورجال القبائل للأولاد، ليكونوا عوناً وسنداً لآبائهم في مهماتهم؛ كما أن بعض دوافع الزواج الثاني قد يكون طيشاً ونزوة ومباهاة. وأما زواج النزوة فمثاله ما يروى أنّ أحدهم أرسل رجلاً يخطب له، فلما رأى جمال المرأة خطبها لنفسه وتزوجها. وزواج النزوة والطيش يقع أيضاً نتيجة المغاضبة، فيدفع التّعجل والحمق بعض الرجال إلى الزواج من أخرى تشفّياً وانتقاماً. وقلّ أن تستمر مثل هذه الزّواجات، وتنتهي عادة بطلاق الثانية وإفساد حياتها، وتكون الأولى قد تكدرت من جراء ذلك. فإن راجعها الزوج لم يأمن أن تبقى حرازات النفوس كما هي، فيكون حاله كحال التي نقضت غَزْلَها من بعد قوة أنكاثا. وربما تمنعت المرأة الأولى من الرجوع، فتتبعها نفسه فيعيش في ندامة طيلة عمره.

وفي جميع الأحوال يحلم الزوج بالسعادة، لأنها غاية الزواج، ولكن كثيراً ما يُصْبِح حاله كحال المستجير من الرمضاء بالنّار. قيل لأعرابي: من لم يتزوج اثنتين، لم يَذُقْ حلاوة العيش. فتزوج امرأتين، فذاق منهما الَويْل، وسهر الليل. فندم، وأنشأ يقول:

تزوّجت اثنتين لفرطِ جَهْلي                           بما يَشْقَى به زوجُ اثنتيـنِ

فقلت أصيرُ بَيْنهما خروفـاً                           يُنَعَّــمُ بين أَكْرمِ نعجتيـنِ

فصرتُ كنعجةٍ تُضْحي وتُمْسي                       تُدَاوَلُ بين أخبثِ ذِئْبَتَيْـنِ

رِضا هذي يُهيِّج سخطَ هذي                          فما أخلو من إِحدى السَّخْطَين

لهذي ليلة ولتلك أخـرى                            عتابٌ دائم في اللّيلتيــن

فإنْ أحْبَبتَ، أن تبقى كريمـاً                         من الخيرات، مملوءَ اليدين

فعشْ عَزَباً فإن لم تَسْتَطِعْـهُ                          فَضَرْباً في عراضِ الجحْفَلينِ

أي إن لم تصبرْ على حياة العُزبة، فأقذف بنفسك في التهلكة، فسواء ألقيت نفسك بين جيشين متقاتلين أو بين زوجتين، فكلا الأَمرين موت وهلاك مُحقق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:23 pm

سادسا: المرأة أُمّا وحَمَاةً وكَنَّة

1. المرأة أُمّاً

قال الشاعر أحمد شوقي:

الأمُّ مدرسةَّ إذا أَعْدَدْتَها                               أَعْدَدْتَ شَعْباً طَيِّبَ الأَعْراَقِ

بيت مُلهم، قاله شاعر ملهم، فأصبح مثلاً حوى عبر الماضي ودروس الحاضر، وبصائر المستقبل. والأم مدرسة الأجيال، وهي التي غذتهم من دمها، ثم أرضعتهم لبنها. وقد أنصفها الإسلام، ورفع خسيستها وأعلى شأنها. تطالع ذلك في آيات القرآن الباهرة ]وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير[ (سورة لقمان: الآية 14) فالخطاب التفت من العموم، وهو ذكر الوالدين، إلى الخصوص، وهو ذكر الأُم، إشارة إلى عظيم أثرها، وبليغ ما عانته في سبيل ابنها حملاً ووضعاً ورعاية. ثم قرن الله سبحانه شكره بشكرها، فالله يستحق الشّكر لنعمة الحياة، وكذلك يستحق الوالدان الشكر لأنهما أيضاً السّبب في ذلك.

ومن هنا كانت عناية الإسلام واهتمامه باختيار الزوجة، التي هي أم المستقبل، وكثرت في ذلك الأخبار والآثار؛ وأحاديث المرأة الصالحة، الودود الولود كثيرة في السنة. ومن هنا أيضاً، لحظ العرب القيمة الكامنة في نقاء العرق، لأن في ذلك صيانة لمكارم الأخلاق، وللِّسان وللأعراق. جاء في كتاب المرأة العربية: "وما رأينا أمراً أجمع عليه قَالَةُ العرب، ومن إليهم من أئمة اللغة، ورواة الأدب، وأعيان البيان، كإجماعهم على أن أول لوثة (فساد) أصابت اللغة العربية لم يقذف بها إلا ألسنة الهُجَناء، (أي من كان أبوه عربياً وأمه غير عربية). وذلك أن الأم تُلَقِن أبناءها لسان قومها، وتنشئهم وتشكلهم حسب بيئتها".

ولم يذهب حرص العرب على حسن اختيار الزوجة عبثاً، فما عُرف نجيب من العرب، إلاّ كان من بطن مُنْجِبة. وما أصدق شاعرهم حين قال:

ولو كُنْتُمْ لِمُكْيِسَةٍ لَكِسْتُم                               وَكيْسُ الأُمِّ يُعْرَفُ في البَنْينَا

والكَياسة رجاحة العقل والحلم والفضل والمرؤة، أي لو كانت أمكم ذات عقلٍ وحلم وفضل، لبلغتم الفضل من ذلك كله، لأن نجابة الأُم تظهر في الأبناء. والمُكْيِسَةُ هي التي تلد الكَيِّسين، أي الحلماء العقلاء.

ومن المنجبات قبل الإسلام، فاطمة بنت الخُرْشُب الأنماريَّة، أنجبت لزياد العبسي الكَمَلَة: ربيع الكامل، وقيس الحفاظ، وعمارة الوهّاب، وأنس الفوارس. وهي التي قيل لها أي بنيك أفضل؟ فقالت: هم كالحلقة المفرغة، لا يُدْرى أين طرفاها. ومنهن أم البنين ابنة عامر، أنجبت لمالك بن جعفر: ملاعب الأسنة، وطفيل الخيل، وربيع المُقْتِريَن، ومعوّذ الحكماء، ونزال المضيف.

ومنهن عاتكة السّلَميْة، أم هاشم، والمطلب، وعبد شمس، أرومة قريش وأصلها. وريحانة بنت معديكرب، أم دريد بن الصِّمة، وإخوانه عبدالله، وعبد يغوث، وقيس، وخالد. وكلهم أبطال عظماء وسادة كرماء.

أمّا في الإسلام فعلى رأس المنجبات آمنة بنت وهب، التي أنجبت خير البرية محمداً بن عبد الله r ثم فاطمة رضي الله عنها ابنته، أنجبت الحسنين سَيِّدَيْ شباب أهل الجنة، وفاطمة بنت أسد، أنجبت علياً بن أبي طالب t،. وصفية بنت عبدالمطلب أنجبت الزبير بن العوام t، الفارس الشّجاع، و أسماء بنت عميس أنجبت سيد الأجواد عبدالله بن جعفر، t. وهند بنت عتبة أنجبت حكيم العرب وداهيتها معاوية بن أبي سفيان t، وأسماء بنت أبي بكر أنجبت عبدالله بن الزبير t، وغيرهم وغيرهم.

فلا عجب بعد ذلك، إذا وجدنا العرب تفخر، بالأمهات وتَنْتّسِب إليهن. وكان يقال للحَسَنيَنْ أبناء علي: (ابنا الفواطم) وهن فاطمة بنت رسول الله r سيدة النساء، وفاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت عبدالله جَدَّة الرسول r.

وانتسب العرب إلى الأمهات كانتسابهم إلى الآباء، بل كانوا يعتزون بالأمهات اعتزازهم بالآباء ويمدحون الرجل بأنه: مُعِمَمٌ مُخْوِلُ: أي كريم الأعمام والأخوال، معتزاً بنسب أبيه وأُمه.

وكانت لبعض الأمهات تضحيات جليلة، في سبيل الأبناء، فما أكثر ما نسمع عن امرأة، ذات شباب وجمال، يموت عنها زوجها فيتزاحم الخطاب على بابها، فتردهم واحداً واحداً، مُفَضِّلة حياة الوحدة، تفرغاً لتربية الأبناء. فقد مات مالك بن النضر، وابنه أنس رضيع، وزوجته أم سليم شابة حدثة، فكثر خطابها فقالت: لا أتزوج حتى يأمرني أنس ـ أي حتى يكبر وَيْعقل ـ فوفَت بوعدها وبرّت. وكان ذلك مما أرضى رسول الله عنها.

2. المرأة حَمَاةً وكَنَّة

الحماة أم الزّوج وأم الزّوجة، وهي في بعض البيئات العربية مغضوبٌ عليها، مُشَهَّرٌ بها. وليس كل حَمَاة تستحق هذا الجحود والنكران. فقد تكون العلاقة أحياناً بين الحماة، وهي أم الزوج، وبين الكَنَّة، وهي زوجة الابن، كعلاقة (الضّرَّات)، بسبب التنافس بينهما على قلب الابن، خصوصاً إذا كانتا تعيشان في بيت واحد. فقد ترى الحماة، أن زوجة ابنها انتزعته منها، واستأثرت به من دونها، وهي التي حملته في بطنها ورَبَّتْه وتعبت عليه، فجاءت الكَنّة، لتحصد الثمار دون تعب. وترى الزوجة أن رَجُلها مِلْكُها، وَهَبَتْهُ نَفْسَها، وينبغي ألاّ يُنافسها أحدٌ على قلبه. ولو حُمِل الأمر على وجهه، لكان في كلْتيهما، الأم والزّوجة امتداد طبيعي للأخرى. فالزوجة تتولى بقية المشوار في العناية بالزوج، وتكون له أمّاً وزوجة، وتتولى أيضاً العناية بأم الزوج (الحماة) وتعطيها الجزء الذي افتقدته من عناية ابنها. وأم الزوج تصبح أُمّاً للطرفين، فتعوض زوجة ابنها ما افتقدته من عناية أهلها بها. أمّا الابن، فواجبه رعايتهما معاً، فتكتمل الرسالة على أحسن وجه، أو هكذا يقتضي حسن الظن، ومنطق العقل.

وكانت الملاحاة (الخصام) والمشاحنة، والتباغض، بين الحماة والكَّنة، مضرب المثل عند العرب، حتى قالوا: يَحْرُمُ على السامع تكذيب القائل إلاّ في ثلاث: صبر الجاهل على المصيبة، وعاقل أبغض من يُحْسن إليه، وحماة أحبّت كَنَّة.

وهذا الأمر في التراث العربي من الثوابت، وليس ما نراه الآن جديداً. قال شاعرهم:

إن الحماةَ أُوْلِعَت بالكَنَّهْ                               وأبت الكنة إلاّ الضّنة

أي صارت أمّ الزّوج مشغولة بزوجة ابنها، تُغْريه بها، وتتظلّم منها، بينما الزّوجة متمسكة بزوجها، لا تُفرط فيه. تَضِنَّ به، وتتّهم أمّه ولا تثق بها.

وما يقال عن أمّ الزوج، يمكن أن يقال عن أمّ الزّوجة، فالأخيرة تدفعها غيرتها على ابنتها إلى المطالبة ببعض الحقوق، أو التّدخل بطريقة أو أخرى بين ابنتها وزوجها. ولكن أمّ الزّوجة قد تبدو أضعف موقفاً من أمّ الزّوج، فالأخيرة بيدها القرار، وهي في موضع قوة، لأن ابنها إذا فارق هذه الزوجة فلن يصعب عليه الزواج بأخرى. أمّا أُم الزّوجة فيطاردها شبح الطلاق، وهي قطعاً يعزّ عليها خراب بيت ابنتها. لذلك، فالفارق بينهما، أن أم الزّوج يمكنها التّصرف في العلن، أمّا أم الزّوجة فليس أمامها سوى تحريض ابنتها. وهذا ما يجعل بعض الأزواج يبدو سعيداً إذا اختفت أم الزّوجة من حياتهما. وقد يتصاعد الأمر أحياناً حتَّى تنقلب الموازين، ويتفاقم الأمر، ويتعذّر التأليف بين الحماة والكَنَّة، ويصبح الجمع بينهما في عشّ واحدٍ مستحيلاً. فمن الحمق، وقلة العقل، ترجيح كفة إحداهما على الأخرى، لأن الزوج مسؤول عن كلتيهما. ولكنّ حق الأم ـ في الواقع ـ أكبر، فالزوج قد يستبدل بزوجته أخرى، إذا تأزمت الأمور، لكن لا بديل لأمه. وهذا لا ينقص أو يُقلِّل، قطعاً، من حق الزوجة، فهي الحبيبة، وشريكة الحياة، وأُمّ الولد. والعاقل هو الذي يستطيع تسيير زوجته وأُمه في خطين متوازيين، ويجتهد في حفظ المسافة بينهما، فتختفي بذلك نقاط التماس والالتماس.

ومن النماذج السّيئة حين يَنصْر الزوج زوجته على أُمه، ما قالته أم ثوّاب، وهي امرأة من بني هَزَّان، في ابن لها كان عاقاً:

رَبَّيْتُه، وَهْوَ مثلُ الفرْخِ أُطْعِمُهُ                        أمُّ الطَّعام تَرى في جلده زَغَباً

حتى إذا آضَ كالفُحّالِ شذُبة                          أَبَّارُهُ  ونَفَى عن مَتْنه الكَرَبَا

أمْسَى يُمَزِّقُ أثوابي يؤدِّبُني                           أبعد شَيْبيَ عِنْدِي يَبْتَغِي الأَدَبَا

قالت له عُرْسُه يوماً لتُسْمِعَني                         مهلاً فإن لنا في أمنا أَرَباَ

ولو رَأتني وفِيَّ النارُ مُسْعَرَةٌ                         ثم اسْتَطَاعَتْ لَزَادَتْ فَوْقَها حَطَبَا

فالأُمّ هنا تشكو صنيع ابنها، الذي ربته صغيراً وأطعمته أم الطعام (الحِنْطة)، أي أغلاه، حتى إذا كَبُرَ وعاد فتىً جلداً، لم تَجِد فيه إلاّ العقوق والضرب وتمزيق الثياب. تقول يريد تأديبي بعد شيبتي، بينما يطيع زوجته ويأتمر بأمرها.

وليس كل العرب تُغْرِي الكَنَّةَ بالحماة، فمن أمثالهم (لا تهدي إلى حماتك الكَتِف)، فتَحُضُّ هذه العربية الأصيلة ابنتها على ألا تُقَدِّم إلى أم زوجها سَيِّء الطعام، لأن الكتف تحتاج إلى عناية في أكلها؛ فقد كانوا أكثر أكلهم (المسلوق) والكتف بعد (السَّلق) تحتفظ ببعض المرق في تجاويفها، فإذا لم يكن الذي تقدم إليه حريصاً في تناولها سال المرق على ساعديه حتى يبلغ الكوع، وسال على ثيابه أيضاً، لذلك تقول العرب في أمثالها: (فلان يَعْرِفُ من أين تُؤْكَلُ الكتف)، إذا كان خبيراً بالأمور، بصيراً بمعالجتها.

وعلى كل حال، فالحموات أشْكال، وإذا حَسُنَ الظّنّ فالحماة أمٌّ ثانية، وسعيد الحظ، هو مَنْ يُرْزَق حماةً ينسى كثيراً أَنَّها أم زوجته، كناية عن رفع الكُلفة. وسعيدة الحال هي التي تُرْزَقُ حَمَاةً تكاد تُنْسيها أُمَّها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:24 pm

سابعاً: مقومات شخصية المرأة

المرأة بطبيعتها وأصل تكوينها، تجد راحة وسكوناً في ركونها إلى الرجل، زوجاً كان أو وليّاً. وهذه طبيعة الأنوثة الفطرية في البشر، ومع ذلك كانت للمرأة مواقف، برزت فيها مواهبها، وتبلورت شخصيتها المستقلة في حدود تكوينها؛ فاشتُهرت نساء كثيرات، بوفورة العقل والشجاعة والجرأة في الحق، والحلم وضبط النفس. وتقدمن في العلم حتى فَضَلَتْ كثيرات منهن على كثير من الرجال. وتفوقت بعض النساء كثيراً في عدد من الصفات، سواء صفة فطرية أو مكتسبة، كالوفاء والصبر. وتجاوز بعضهن الصورة المرسومة في ذهن العربي للمرأة، بلطفها وحنانها، فّعَرِفت بعض النساء السطوة وحب السيطرة، وذهبت طائفة منهن إلى أبعد من ذلك وقمن بأدوار يتقاعس عنها كثير من الرجال. وكل أمر تجاوز القوام وحدّ الاعتدال فسد. والقصص والأخبار التالية، تحدثنا عن أحوال المرأة العربية الدالة على شخصيتها، سلباً أو إيجاباً.

1. العقل

لا يشك منصف، في قدرة المرأة العقلية، وجودة ذهنها، ومقدار ذكائها. وما يقال من حديث العاطفة، التي تشوب عقل الأنثى بشيء من الرقة، دلت الوقائع على أنه ليس أمراً عاماً، ولا هو حاجز لعقل المرأة عن مضاهاة عقل الرجل. وفي المأثور من أدب العرب وثقافتهم شواهد كثيرة تدل على الحكمة، والحنكة، وما اكتسبه عقل المرأة العربية من ركام التجارب. ينعكس ذلك في الوصايا والأقوال الخالدة، التي صدرت عن عددٍ من النساء. فهذه زوجة عوف بن محلّم الشِّيباني، حين خطب الملك عمرو بن حِجر بنتها، خلت بها ليلة زواجها، ولقّتنها كلمات هنَّ العقل كله، وميثاق التعايش، الذي لو اتبعته المرأة في كل زمان، سعدت وأسعدت. قالت لها: "أي بنيّة، إنك فارقت بيتك الذي فيه خَرَجْتِ، وعُشّك الذي فيه دَرَجْتِ، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه فكوني له أّمَةً، يكن لك عَبْدا. واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً: أمّا الأولى والثانية فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع والطاعة، وأمّا الثالثة والرابعة: فالتفقُّد لموضع عينه وأنفه؛ فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلاّ أطيب ريح. وأمّا الخامسة والسادسة فالتفقُّد لوقت منامه وطعامه، فإنَّ تَوَاتُرَ الجوعِ مَلْهَبَةٌ وتنغيصَ النّوَمِ مَغْضَبَةٌ. وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حَشَمهِ وعياله، وملاك الأمر في المال، حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير، وأمّا التاسعة والعاشرة: فلا تَعْصِينَ له أمراً، ولا تُفْشِينَ له سرّا. فإنك إن خالفت أمره، أوْغَرْتِ صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. ثم إيّاك والفرح بين يديه، إذا كان مهتماً، والكآبة بين يديه إذا كان فَرِحاً .

فهذه الوصايا العشر لا مزيد عليها، ومهما اجتهدت مدارس التربية الحديثة في إيجاد ما يفوقها فستبقى عاجزة عن ذلك.

وما كانت العرب لتستهين بعقل المرأة، ولا تُجّهل رأيها، وقد أُثر عن الرسول r أنه أخذ برأي أم هانئ في حادثة العمرة، ونَحَر الهدي يوم الحديبية. وكان كثيراً ما يَصْدُر عن رأي خديجة، رضي الله عنها. وكانت لعمر بن الخطاب،  مواقف مع النساء، على الرغم مما عُرف عنه من الشدة في الحق. وقد صدر عبدالله بن الزبير عن رأي أمه أسماء. وكان الوليد بن عبدالملك يصدر عن رأي زوجته أم البنين؛ وكان السفّاح يصدر عن رأي زوجته أم سلمة، وكان هارون الرشيد يصدر عن رأي زوجته زبيدة؛ وأمثالهن كثيرات.

أمّا المأثور من قول العرب: (طاعة النساء ندامة)، و(شاوروهن وخالفوهن)، فالمقصود به حدوث الندامة عند طاعة النساء في كل شيء، بالحق أو بالباطل؛ أمّا الطاعة في الحق فمُقَدّرة ومقبولة، لأن الحق مطاع حين يصدر عن كائن من كان. وأمّا المشاورة والمخالفة فليس هذا عبثاً واستهتاراً ولكنه إقرار  لمبدأ المشاورة، وتطييب الخاطر. فإن صدر عن المرأة رأي صواب، فلا عيب في الأخذ به، وإن لم يكن في رأيها ما ينفع، فقد أرضتها المشاورة، وهذه غاية الإنصاف.

وإن كان قد ورد في الحديث الصحيح: ]‏مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ ‏ ‏لِلُبِّ ‏ ‏الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا[ (أخرجه البخاري، الحديث الرقم 293) فإن نقص العقل أو الدين محدّدان بظروف خاصة، وهما ليس نقصاً على إطلاقه يقلل من مكانة المرأة.

فنقص العقل، أن شهادتها لا تقبل إلا إذا آزرتها أخرى وذلك أن المرأة تتميز بعاطفة قوية وبإرادة أقل قوة. ولذا، تجد فيها سرعة التقليد والانجذاب والانبهار، بما يصدر عن غيرها، وهذا يؤثر في بعض أحكامها العقلية قطعاً. أما نقص الدين، فقد قال العلماء: أن المرأة إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي وهذا مما أمر الله به. وليس النقص الفطري عيباً تؤاخذ به المرأة، ولكنه نقص من حيث أنها لم تؤمر بالعبادة، في هذه الحالة، وعبادة الرجل كاملة، لأنه لم يؤمر بتركها على حال. فدل هذا على أن من أُمر بطاعة يفعلها، كان أفضل ممن لم يؤمر بها، وإن لم يكن عاصياً. فهذا، أفضل ديناً وإيماناً وهذا المفضول ليس بمعاقب ولا مذموم. ومع ذلك، فالمرأة على نقص تكاليفها، ربما أتت بالعبادة على وجه أكمل، مما يأتي به كثير من الرجال. ولكن، اعتبار القاعدة يكون بالعموم لا بالخصوص.

وبسبب عقل المرأة، يقولون (وراء كل عظيم امرأة)، وربما كانت كثيرات من النساء، سبباً في تقدم الأزواج أو الأبناء في مراتب المجد والشرف. فأيّ رجل يسمع كلام هذه الأعرابية، التي تُغْري زوجها بالمغامرة، ونبذ التقاعس، ولا تتحرك همته وتقوى عزيمته. قال أحدهم معبّراً عن عزيمة زوجته:

قالت تماضر إذْ رأتْ مالي خَوَى                      وجَفَا الأقاربُ فالفؤاد قَرِيـحُ

مالي رأيتُك في النَّدِيّ مُنكِّساً                           وَصِباً كأنك في النَّدِيِّ طريحُ

خاطر بنفسك كي تُصِيبَ غنيمةً                        إن القُعُودَ مع العيال قبيــحُ

وأي امرأة ترى ابنها مقبلاً على الموت المحقق، فتدفعه إليه دفعاً، كما فعلت أسماء بنت أبي بكر الصديق، حين دخل عليها ابنها عبدالله بن الزبير، وقال لها: يا أمّه، خذلني الناس، حتى أهلي وولدي.. فقالت له: الله الله يا بني، إن كنت تعلم أنك على حق فامض عليه .

وقالت أم البراء بنت صفوان في زوجها:

يا ليتني أصبحتُ لستُ بِعَوْرةٍ                         فَأَذُبّ عنهُ عساكرَ الفُجّار

فأي عُلُوِّ همّة أكبر من أن تتمنى امرأةٌ أن تصبح رجلاً، لتتمكن من الدفاع عن زوجها.

2. العلم

زاحمت المرأة الرجل منذ القدم، في حقول العلم والمعرفة المختلفة، حسب الأزمنة والأمكنة، وما كان شأنها فيه قليلاً، ولا كان تحصيلها منه ضئيلاً. فالمرأة إذا خاضت في ميدان الجد، عن رضا وقناعة، وأعانتها رقة الإحساس، ونبل العواطف، أتت بالعجب. قال الإمام الذهبي في راويات الحديث والمشتغلات به، بعد أن اتّهم أربعة آلاف محدّث: "وما علمت من النساء من اتُّهِمَتْ أو تركوها".  فهذه شهادة كبيرة من عالم ناقد، للمرأة حين تَصْدُق وتجدّ في الطلب.

والعلم أحد أسلحة المرأة في هذا العصر. وقد كَفَلَ الإسلام للمرأة حق التّعلّم، والفرص أمامها واسعة، والمجالات مفتوحة. وفي الساحة، الآن، آلاف النساء، من ذوات القلم الرشيق، والعلم الوثيق، والبحث الأنيق. والذي يريده الإسلام من المرأة، هو تعلّم العلم الذي يناسب طبيعتها. وأول ذلك، أن تتعلم أحكام دينها، وأركانه، وواجباته، وعباداته، من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وغيرها. فذلك ما تحتاجه في بيتها، وهو مكانها الأول، فتستعين بذلك على تربية أولادها، وتدبير شؤون بيتها. فأولاد الأم المُتّعلمة يُتَوَخّى أن يتوفّر فيهم الذكاء، والصحة، ومكارم الأخلاق، لأنهم يعيشون مع أُمّ تستطيع أن تعطيهم كل ذلك وأكثر. ثم إنها تستطيع إدارة شؤون بيتها، بوعي وإدراك، فتوفر للرجل الجو الصالح لمزاولة عمله، والتفرغ له. وتتكامل بذلك حلقات الأسرة السليمة، وهي النواة لكل مجتمع سليم.

وبعد أن تُعطي المرأة بيتها ـ وهو الكيان المهم ـ ذلك القدر من العناية، فلا مانع من استغلال تعليمها فيما ينفع بنات جنسها والمجتمع، ويملأ بعض وقتها، ويعود عليها بعائد اقتصادي نافع، كأن تعمل في مجال الطّب النسائي، وطب الأطفال، والتَّعليم النسوي، وإدارته، والتّمريض، والتوليد، فتؤدي بذلك خدمة إنسانية، ووظائف نافعة اجتماعياً واقتصادياً.

وقد طلبت المرأة العلم منذ القدم، وكان نساء الصحابة، يتعلّمن أمور الدين من الرسول r أو من أزواجهن، أو مثيلاتهن، ممن تَصَدَّيْنَ لذلك، كالسيدة عائشة رضي الله عنها. فقد كانت مُعلّمة، للنساء والرجال، معاً، فكم قصدها الصحابة، في أمور وقضايا شائكة، لا يجدون جوابها إلاّ عندها، سواء في الدين، أو في الأدب، أو في التاريخ. وكذلك كانت بقية أمهات المؤمنين، وبعض نساء الصحابة. وفي كتاب الطبقات، يذكر ابن سعد، أكثر من سبعمائة امرأة، روت الحديث عن رسول الله.

ومارست المرأة دور المعلمة في البيئة العربية، بجدارة ومهارة. ولم يكنّ معلمات للنساء فقط، بل كُنَّ معلمات للرجال أيضاً. ونظرة سريعة في تراجم علماء الأمة، تكشف عدداً، لا يحصى، ممن كان بعض أساتذته من النساء. فهذا الحافظ بن عساكر (ت 571هـ) ـ حافظ الأمة كما كان يلقّب ـ عدّ له صاحب طبقات الشافعية، نحواً من ثمانين امرأة من شيوخه.

وحدثوا أن عائشة بنت طلحة ـ وكانت سيدة نساء عصرها، جمالاً وعلماً، وأدباً وحسباً ـ وفدت على هشام بن عبدالملك، فقال لها: ما أوفدك؟ قالت حَبَسَتِ السماءُ المطرَ، ومَنَعَ السلطان الحق. قال إني سأعرف حقّك. ثم بعث إلى مشايخ بني أمية فقال: إن عائشة عندي الليلة، فحضروا، فما ذكروا شيئاً من أخبار العرب، وأشعارها، وأيامها إلاّ أفاضت معهم فيه. وما طلع نجم، ولا أغار، إلاّ سَمَّتْهُ. فقال لها هشام: أمّا الأول فلا أنكره (يعني حديثها في الأدب والشعر والتاريخ)، وأمّا النجوم فمن أين لك؟ قالت: أخذتها عن خالتي، عائشة. فأمر لها بمائة ألف درهم، وردّها إلى المدينة.

3. الصَّبر

يُعرف الصَّبر عند وقوع الابتلاء، وأَشّدّ الابتلاء بالموت، وهو مَحَكُ اختبار الصّابرين. والنّساء، عموماً، يِغْلِب علَيهن الجزع عند الموت، والفزع من الفقد. وقد عُرِف ذلك عن نساء العرب إلاّ قلة. أمّا بعد الإسلام، فقد صقل الإيمان النّفوس، وردها عن كثير مما كانت تعتقده، وتخشاه. فبلغت المرأة، بعد ذلك، مدى بعيداً في جلال الصَّبر، وقوة الإيمان؛ فالخنساء مثلاً، قضت شطراً كبيراً من حياتها ترثي أخاها صخراً حتى سارت الركبان بأشعارها، وكانت حينذاك في قوتها وعنفوان شبابها. ولمّا جاء الإسلام، أدركته على ضعف وكبر، فآمنت وحسن إيمانها. وعِندما استشهد أبناؤها الأربعة، في يوم واحد، ووافاها الناعون بخبرهم، ما زادت على أن قالت: الحمد الله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

فالفرق واضح بين حالتيها، في الجاهلية والإسلام، وبين موقفها من موت الأخ على صغر العمر، وموت الأبناء مع تقدم العمر. ولكن للإيمان عمله في النفوس.

وقد نقل ابن سعد، صاحب الطبقات الكبرى، حادثة تدلّ على عظيم صبر المرأة، وقوة إيمانها. حَدّث أنس بن مالك، عن أمه، أم سليم بنت ملحان الأنصارية، زوج أبي طلحة زيد بن سهل، قال: مرض أخٌ لي من أبي طلحة، يُدعى أبا عُمَيْر. فبينما أبو طلحة في المسجد، مات الصّبي. فهيأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه. فرجع من المسجد، وقد تطيبت له، وتصنّعت. فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن مما كان. وقدمت له عشاءه. فتعشَّى هو وأصحابه الذين قدموا معه. ثم أتمَّا ليلتهما على أتم وأوفق ما يكون الزوجان. فلمّا كان آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عارية، فتمتعوا بها، فلمّا طُلبت إليهم، شقَّ عليهم؟ قال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك فلاناً كان عارية من الله، فقبضه إليه.. فاسْتَرْجَعَ وحَمِدَ الله وقال: والله لا أدعك تغلبينني على الصبر. حتى إذا أصبح غدا إلى رسول الله r. فلمّا رآه قال: بارك الله لكما في ليلتكما. فاشتملت (أي حَمِلت) منذ تلك الليلة، وولدت عبدالله بن أبي طلحة. ولم يمت عبدالله، حتى رزق عشرة بنين كلهم حَفِظَ القرآن وأبلى في سبيل الله.

وقصة أسماء بنت أبي بكر، مع ابنها عبدالله بن الزبير، أصبحت مثلاً في الصبر والاحتساب، وتقبّل البلاء، واجتياز الاختبار بالنجاح الباهر. ذلك أن عبدالله لبث على إمرة المؤمنين، ودانت له العراق والحجاز واليمن ثماني سنين، ثم أخذ عبدالملك بن مروان يقارعه، فانتقص منه العراق، ورماه بعد ذلك بالحجاج بن يوسف، فأخذ يطوي بلاده عنه، حتى انتهى إلى مكة فَطَوَّقَها، ونصب المجانيق على الكعبة وأهوى بالحجارة عليها، وفي الكعبة يومئذ أسماء بنت أبي بكر. وكان عبدالله يقاتل جند الحجاج مُسْنداً ظهره إلى الكعبة، فيعيث فيهم ويروع أبطالهم، وليس حوله إلاّ القوم الأقلون عدداً، والحجاج بين ذلك كله يرسل إليه، يُمَنِّيه الخير، ويَعِدَه بالإمارة في ظل بني أمية، لو أغمد سيفه وبسط للبيعة يده.

دخل عبدالله، على أثر ذلك على أمه، فقال: يا أمَّه! خذلني الناس حتى أهلي وولدي. ولم يبق معي إلاّ اليسير، ومن لا دفع له أكثر من صبر ساعة من النهار، وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: اللهَ اللهَ يا بني! إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه، فامض عليه، ولا تُمَكِّنْ من رقبتك غلمان بني أمية فيلعبوا بك. وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت. أهلكت نفسك ومن معك. وأن قلت إِني كنتُ على حق، فلمّا وهن أصحابي ضعفتُ نيتي، فليس هذا فعل الأحرار، كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن ما يقع بك يا ابن الزبير. والله لضربة بالسيف في عِزٍّ أحب إليَّ من ضربة السوط في ذُلّ. فقال: يا أماه، أخاف إن قتلني أهل الشام أن يُمَثّلوا، بي ويَصّلبوني، قالت: يا بُني، إن الشاة لا يَضُرّها السلخ بعد الذبح، فامض على بصيرتك، واستعن بالله، فقبَّل رأسها وقال لها: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعياً إلى الله. والله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله عز وجل، أن تُهتك محارمه، ولكني أحببت أن أطّلع على رأيك، فيزيدني قوة وبصيرة، مع قوتي وبصيرتي؛ والله ما تعمدت إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم أَجُرْ في حكم، ولم أغدر في أمان، ولم يبلغني عن عمالي حَيْفٌ فرضيت به، بل أنكرت ذلك، ولم يكن شيء عندي آثر من رضاء ربي. اللهم إني لا أقول ذلك تزكية لنفسي، ولكن أقوله تعزيةً لأمي، لِتَسْلُوَ عني. فقالت، والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلا، إن تقدمتني احتسبتُك، وإن ظفرتَ سُرِرِتُ بظفرك، أخرج حتى اُنظر إلامَ يصير أمرك. ثم قالت: اللهمّ ارحم طول ذلك القيام بالليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر مكة والمدينة، وبِرَه بأمه، اللهم إني قد سلّمتُ فيه لأمرك، ورضيت فيه بقضائك، فأثبني في عبداالله ثواب الشاكرين. قال: يا أُمَّه لا تَدَعي الدعاء لي قبل قتلي، ولا بَعْده. فقالت: لن أدعه. فمن قُتل على باطلٍ، فقد قُتلت على حق. فتناول يدها ليقبلها فقالت: هذا وداع فلا تُبْعِد. فقال لها جئت مودِّعاً، لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا، قالت: امض على بصيرتك، وادن مني حتى أودعك. فدنا منها فعانقته وقبلته، فوقعت يدها على الدرع فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! فقال: ما لبستها إلاّ لأشد متنك، قالت إنها لا تشد متني، فنزعها، ثم درج لُمَّته، وشد قمصيه وجبته، وخرج. ولمّا مرت به وهو مصلوب، قالت قولتها المشهورة، (أمّا آن لهذا الفارس أن يترجَّل؟!). وعندما أمر الحجاج بإنزاله بعد مدة، غَسَّلَتْه وصلت عليه ثم دفنته، وهي أًبر ما تكون!!.

4. ضبط النفس

على الرغم من أن طبيعة المرأة، عموماً،  سرعة الانفعال وجيشان العاطفة، أكثر من العقل والتروي، إلاّ أن نساء العرب الأوليات، كانت فيهن أناة، وحسن إتيان للأمور بصورة تندر، أحياناً، عند الرجال. والعجيب أن يقع ذلك في الأمور، التي تثير المرأة عادة، ولها تأثير على نفسها، كأمور الزّواج والطّلاق، والتّعدد، وغيره. قالوا: أمر الحجاج بن يوسف ابن القَرِّية ـ وكان فصيحاً بليغاً يُضرب به المثل ـ أن يأتي هنداً بنت أسماء ـ زوجة الحجاج ـ فيطلقها بكلمتين، ويمتّعها بعشرة آلاف درهم، فأتاها فقال ابن القرِّية لها: إن الحجاج يقول لك: كُنْتِ فبنتِ (أي بَعُدت)، وهذه عشرة آلاف درهم متعةً لك. فقالت: قل له كنّا فما حمدنا وبنّا فما ندمنا، وهذه العشرة آلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي. لقد تقبلت الخبر برحابة صدر وردت ببلاغة نادرة. وكان المتوقع أن تثور وتغضب، أو ترسل الدمع وتنكسر، فذلك مثال على قوة شخصية المرأة التي انطبع في أذهان الناس أنها ضعيفة، لا تحتمل الصدمات.

بل إن فارعة الثقفية، أم الحجاج نفسه، ضربت مثلاً رائعاً في ضبط النفس؛ فقد دخل عليها زوجها المغيرة بن شعبة ـ وكان مِزْواجاً مبالغاً في ذلك ـ فوجدها تتخلل (تنظف أسنانها)، حين فرغت من صلاة الغداة، فقال لها: إن كنت تتخللين من طعام اليوم، إنك لجشعة، وإن كنت تتخللين من طعام البارحة إنك لبشعة، كنتِ فبنتِ (أي طُلِّقت). فقالت: والله ما اغتبطنا إذ كنا، ولا أسفنا إذ بِنّا، وما هو لشيء مما ذكرت، ولكني اسَتَكْتُ فتخللت للسِّواك. فخرج المغيرة نادماً على ما كان منه. فلقيه يوسف بن أبي عقيل الثقفي (والد الحجاج) فقال له: إني نزلت الآن عن سيدة نساء ثقيف، فتزوجْها فإنها ستنجب؛ فتزوجها فولدت له الحجاج.

5. الوفاء

الوفاء من الصفات الأثيرة عند العرب، عرفوا قيمتها، وذاقوا حلاوتها، فتمثلوها في حياتهم وتأملوها حتى في الطيور والحيوان. فالكلب على نجاسته مضرب المثل في الوفاء عندهم، خبروا ذلك بالتجربة. ومن أمثالهم: (فلانة أوفى من قُمْرِية)، وذلك أنها إذا مات ذكرها لم تقرب ذكراً طيلة حياتها، ومع صعوبة ملاحظة ذلك في الطائر، إلاّ أنهم بخبرتهم الطويلة عرفوا ذلك، وتتبّعوه، حتى بانت لهم حقيقته. فإذا كانت هذه الصفة تُعْجِبهم في الطير وفي الحيوان، فهي في الإنسان أعجب لهم، وأحب إلى نفوسهم. وهي في المرأة خصوصاً عالية القيمة عندهم، لا سيما وهم أهل حروب، وغارات، وأسفار، وغياب قد يطول في كثير من الأحيان. فإذا توافرت هذه الصفة، كانت مبعث الأمان، والاطمئنان في نفوسهم، فتفرغوا لمهامهم، لا يشغلهم أمر ما خلفوه وراء ظهورهم، من أهل ومال. فكان أحدهم يغيب بسبب القحط، وشح الموارد، أو بسبب الأسر، فيمكث زماناً لا يُعرَفُ له أثر، ولا يُسْمّعُ له خبر، ثم يؤوب فيجد امرأته على حالها، لم تتبدل به حليلاً ولا خليلاً. وربما يموت زوج إحداهن فتُحرّم على نفسها الرجال من بعده. وقد عقد ابن الجوزي في كتابه (أخبار النساء) فصلاً صالحاً، جمع فيه أخباراً من وفاء النساء.

لمّا قَتَلَ عبدالملك بن مروان عبدالله بن الزبير، طمع في زوجته، وكانت جميلة بارعة، وكان ثغرها (أي فمها). أجمل ما فيها، فلما عَرِفت بِنِيَّتِهِ، هَتَمَتْ أسنانها الأمامية حتى تقطع طمعه فيها. عندما بلغه أمرها قال: إنما أردتها لحسن ثغرها، الذي قيل لي، وأما الآن فلا حاجة لي فيها.

ومنهن زوجة هُدْبَة بن الخشرم العذري، أخذ عليها زوجها، وهو يُقاد إلى القتل، ألاّ تتزوج بعده أحمق أو لئيماً، فعمدت إلى سكين فقطعت أنفها وقالت: أفيّ مطمع لما تقول بعد ذلك؟ فقال: الآن طاب ورود الموت.

وممن عرفن بالوفاء، وحسن العشرة في حياة الزوج، وبعد موته، نائلة بنت الفرافصة الكلبية، زوجة عثمان بن عفان t يقول ابن عبد ربه، في كتاب العقد الفريد: قالت تماضر، امرأة عبدالرحمن بن عوف، لعثمان بن عفان: هل لك في ابنة عم لي بِكْرٌ، جميلة ممتلئة الخلق، أسيلة الخد، أصيلة الرأي، تتزوجها؟ قال: نعم. فذكرت له نائلة بنت الفرافصة الكلبية، فتزوجها، وهي نصرانية فتحنفت، وحُملت إليه من بلاد كلب، فلما دخلت عليه، قال لها: لعلك تكرهين ما ترين من شيبي؟ قالت: والله يا أمير المؤمنين إني من نسوة أحب أزواجهن إليهن الكّهْل. قال: إني قد جزت الكهول، وأنا شيخ، قالت: أذهبت شبابك مع رسول الله في خير ما ذهبت فيه الأعمار. قال: أتقومين إلينا، أم نقوم إليك؟ قالت: ما قطعت إليك أرض السَّماوة وأريد أن أنثني إلى عرض البيت، وقامت إليه.

قالوا: فلم تزل نائلة عند عثمان حتى قُتل، فلما دُخِلَ إِليه وَقَتْهُ بيدها، فجُذِمَتْ أناملها، فأرسل إليها معاوية بعد حين يخطبها، فأرسلت إليه: ما ترجو من امرأة جذماء؟ وقيل: إنها قالت لمّا قُتل عثمان: إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب، وقد خشيت أن يبلى حُزْن عثمان من قلبي، فدعت بفهر (حجر) فهتمت فاها، وقالت: والله لا قَعَدَ أحدٌ مني مقعد عثمان أبدا.

تلك نماذج من صفحات الوفاء المشرَّقة، التي فيها من العبر ما لا يخفى. ولم يُحَرِّم الإسلام على المرأة أن تتزوج بعد زوجها فقد تزوجت بعض النساء أكثر من خمسة أزواج، إذا مات زوج كان زوج مكانه. ومن حق المرأة أن تأوي إلى ركن تستند إليه في الحياة، يعينها على العيش، وعلى تربية الأبناء. ولا تقف دورة الحياة بموت الزوج الأول، ولكن المُرتجى، أن يبقى الأمر في حدود العُرف بما لا يثير المشاعر أو يستثير الأحاسيس، ولا يكون استهتاراً وتلذذاً من باب:

إذا ماتَ بَعْلٌّ كان بَعْلٌّ مَكَانَهٌ                          فَلاَبُدَّ من آتٍ وآخَرُ ذاهِبُ

6. الشجاعة والجرأة

كانت البيئة العربية ممهِّدة للشجاعة، مُعينة عليها، لِما فيها من جفاء العيش، وقسوة الطبيعة، وغياب النّظام الشامل. ثم جاء الإسلام، فجعل الكرم والشجاعة مكملين للدين. فأصبحت الشجاعة في العرب فِطْرة وتديَّناً. وبيئة تكون على هذه الصفة، يصعب أن نتصور الشّجاعة في رجالها، دون نسائها. فقد كانت المرأة لا تخشى العدو الغادر، ولا سباع الفلاة وهوامها، وهذه هي الشجاعة الحسية، وقد كان للمرأة فيها نصيب لا ينكر، كما كان لها نصيبها من شجاعة المواقف، وإبداء الرأي والجهر به.

فلم يمنع الحياء الصحابيات من سؤال الرسول rعن أدق أمور الدين. فقد كانت لديهن الشّجاعة، التي لا تشوبها الجرأة، أو سوء الأدب، في الاستفسار عن جهادهن وأجرهن وفضلهن وحقوقهن، حتى تقدمت أسماء بنت عميس، على أربعة وثمانين رجلاً ممن هاجر إلى الحبشة تسأل رسول الله عن هجرة الحبشة حين غمز بعض الناس في هجرتهم، فطمأنها الرسول r بـأن لهم هجرتين لا هجرة واحدة.

وهذه الخنساء بنت حذيم الأنصارية، قالت للنبي r إن أبي زوّجني من ابن أخيه، ليرفع بي خسيسته (أي هوانة وحقارته)، ومالي رغبة فيما صنع أبي، فقال الرسول r اذهبي فلا نكاح له، أنكحي من شئت. فقالت: أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء.

وكانت للنساء شجاعة أدبية نادرة، وأخبارهن مع الخلفاء والقواد، وردودهن المُسْكتة، لا تكاد تُحْصر. فهذه دارمية الحجونية، لمّا استدعاها معاوية بن أبي سفيان، وهو أمير المؤمنين، كان مما قالت له: وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى. فقال لها ـ وكانت كثيرة اللحم ـ فكذلك انتفخ بطنك، وعظم ثدياك، وربت عجيزتك، فقالت: يا هذا، بهند والله كان يُضْرب المثل في ذلك، وليس بي.، تعني هند بنت عتبة، أم معاوية، فتراجع معاوية بدهائه وحنكته وسكَّن ثورتها.

وكانت للمرأة مواقف، يأتي الرجال معها في ذيل قائمة الشجاعة. فتلك نُسَيْبة بنت كعب، خرجت في جيش المسلمين يوم أُحد، تسقي المقاتلين  وتأسو الجرحى، فلما نالت سيوف المشركين قومها، انتضت سيفها، واحتملت قوسها وغدت تصول وتجول، بين يدي رسول الله r حتى خرجت من تلك المعركة بثلاثة عشر جرحاً، غار أحدها في عاتقها، حتى كاد يقضي عليها. فلما رأى الرسول r صنيعها، دعا لها ولآلها، قائلاً: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة.

وذَكَرَ الرواة أخبار نسوة لا يُحْصَيْنَ، كانت لهن في الشجاعة مواقف مشهودة، منهن خولة بنت الأزور، واستبسالها في وقعة أجنادين، وقد أُسر أخوها ضرار بن الأزور. فتزيت بزي الفرسان، وشقت صفوف العدو، حتى أذهلت المسلمين قبل الروم، وظلت تناضل حتى استُنْقِذَ أخوها من الأسر.

وممن وصفن بالشجاعة من النساء، غَزَالة الحرورية، وكانت من الخوارج، وقد دوخت الحجاج بن يوسف، وملأت قلوب أتباعه خوفاً، وهي على ذلك كانت شاعرة.

وبلغ من جَسَارتها أنها أقسمت، لتُصَلِّيَنْ في مسجد الكوفة ـ معقل الحجاج ـ ركعتين تقرأ في الأولى سورة البقرة، وفي الثانية آل عمران. وقد بَرَّت غزالة بقسمها، ودخلت مسجد الكوفة هي وزوجها ولبثت تصلي ركعتين تستنفدان نصف النهار، ولمّا علم الحجاج بها تحصّن في قصره واستوثق من رتاج داره.

وعلى الرغم مما أوقعه الخوارج في قلب الحجاج، من الرعب والفزع، إلاّ أنه كان متى استمكن منهم، استأصل شأفتهم، ولم تكن تأخذه بهم رحمة. فعندما أُسِرَتْ أم علقمة الخارجية، وأُتِيَ بها إلى الحجاج، قِيل لها وافقيه في المذهب، حتى تَسْلَمي فقالت: قد ضَلَلْتُ إذن، وما أنا من المهتدين. فقال لها الحجاج: قد خبطت الناس بسيفك يا عدوة الله خبط العشواء. فقالت: لقد خِفْتُ الله خوفاً صيّرك في عيني أصغر من ذباب ـ وكانت منكّسة رأسها ـ فقال: ارفعي رأسك وانظري إليّ، فقالت أكره أن اُنظر إلى من لا ينظر الله إليه، فقتلها.

وقد بلغت بعض النساء في الشجاعة حداً بعيداً. فمنهن من عُذِّبن بقطع أطرافهن عضواً عضواً، كما فعل عبيد الله بن زياد بالبلجاء، (وهي امرأة خارجية من بني تميم، كانت تثير الخوارج في العراق). فعندما  ظفر بها عُبيدالله، قطع يديها، ورجليها، وأمر بإلقائها جُثةً في السوق، فلبثت ما شاء الله لها أن تلبث، لم تُسْمع لها آهة ولا أنّة، إلاّ أن تذكر الله وتشكره.

وقد ساق الجاحظ من أخبارهن ما يذهل العقول، ويُظْهِر أثر الإسلام واحتكامه في نفوس النساء، حتى كانت هذه الاستهانة النادرة بالدم والروح في سبيله.

7. السطوة والنفوذ

عرف التاريخ العربي في الإسلام، وقبله، نسوة كانت لهن أدوار أعظم من أدوار الرجال. واشتهرت ملكات عظيمات، مثل الزّباء، وبلقيس، وغيرهن. ولئن تخلفت المرأة عن اعتلاء دست الملك علناً، بعد الإسلام، إلاّ أن ذلك ما كان يمنع أن تكون هي صاحبة القرار، ولو من وراء حجاب، سواء أكان ذلك بحسن التدبير، وصواب الرأي، أم بالتأثير والسيطرة. وقد برزت أسماء نساء كثيرات، كانت لهن إحدى الصفتين، منهن أم سلمة زوجة السفّاح، التي استطاعت بنفوذها وقوة شخصيتها، أن تدير كثيراً من شؤون المُلْك، ولم يتزوج السفاح قبلها ولا عليها، في زمان كان الإكثار فيه من النساء، يُعد من مظاهر الأبهة والسلطان. وزبيدة زوجة الرشيد، التي كان لها تأثير كبير عليه، ولمّا رأت جلال الرشيد، وعظم دولته لم تتضاءل أمامه، بل بادرت بأعمال ما تزال آثارها باقية. فقد أجرت العيون بمكة في طريق الحج، وشيّدت المساجد، وأقامت الملاجئ للغرباء، وأحسنت إلى أهل العلم والأدب، حتى كان قصرها دولة داخل دولة. وأم البنين، زوجة الوليد بن عبدالملك، وست الملك، أخت الحاكم بأمر الله، وغيرهن من الحرائر والمحررات، من أمثال الخيزران زوجة المهدي، وأم الرشيد التي كان لها نفوذ وثراء عريضان. وقد تصل السطوة والسيطرة أحياناً، إلى حدّ الهيمنة، حتى عدّوا ذلك مغمزاً على الرجل.

وخبر الشاعر الأموي الفرزدق مع زوجته النوار، وخصومتهما عند ابن الزبير، ودور زوجته بنت منظور بن ذبّان، يُظهر تأثير المرأة وغلبة رأيها أحياناً. وكانت النَّوار بنت عبدالله، قد خطبها رجل رضيته، وكان وليّها غائباً. وكان الفرزدق وليّها، إلاّ أنه أبعد من الغائب، فجلعت أمرها إلى الفرزدق، وأشهدت له بالتفويض إليه. فلما توثق منها بالشهود أشهدهم أنه قد زوجها من نفسه، فأبت منه، ونافرته إلى عبدالله بن الزبير، فنزل الفرزدق على حمزة بن عبدالله بن الزبير، ونزلت النوار على زوجة عبدالله بن الزبير، وهي بنت منظور بن زبّان. فكان كلما أصلح حمزة من شأن الفرزدق نهاراً، أفسدته المرأة ليلاً، حتى غلبت المرأة وقضى ابن الزبير على الفرزدق. فقال:

أمّا البنون فلم تقبل شفاعتهم                          وشُفِّعَتْ بنت منظور بن زبّانا

ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزراً                       مثل الشّفيع الذي يأتيك عُرْيَانَا

أي أن شفاعة الابن (حمزة) لم تُقبل عند أبيه عبدالله، ولكن عبدالله قبل شفاعة زوجته بنت منظور. وقال الفرزدق في مجلس ابن الزبير:

وما خَاصَمَ الأقوامُ من ذي خصومة                   كَوَرْهَاَء مَشْنُوءٌّ إليها خِليلُها

فَدُوَنَكَهَا يا بـن الزبـير فإنـهـا                    مُلَعَّنَةٌ يُوهِي الحجارةَ قيلُها

فقال ابن الزبير للنّوار: إن هذا شاعر وسيهجوني، فإن شئت ضربت عنقه، وإن كرهت ذلك فاختاري نكاحه وقري. فقرَّت واختارت نكاحه، ومكثت عنده زمانا. ثم طلقها وندم على طلاقها.

وبهذه المنظومة الأخلاقية، وبغيرها من الصفات، التي حلَّت جيد المرأة العربية قديماً وحديثاً، أخذت النساء مواقعهن في النفوس، وفي القلوب، وفي المجتمع. فشاركن في بناء الكيان العربي الإسلامي، الكبير، وهن في الأصل أساسه، وقاعدته التي يقوم عليها. ومتى ما تمثلت المرأة أدوار الصالحات من النساء بقيت محافظة على مكانتها، وفرضت وجودها، وبرهنت على أنها النّصف الذي لا غنىً عنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:25 pm

ثامناً: أسلحة وحقوق المرأة

1. أسلحة المرأة

من طبيعة الكائنات الحية الحفاظ على نفسها، وللمرأة وسائل متعددة وأسلحة غريزية ومكتسبة، تعينها في المحافظة على ذاتها وكينونتها؛ منها الغَيْرَةَ والدموع، والجمال، والذكاء، والمكر، والأبناء، واللسان، والعلم.

وأمضى هذه الأسلحة، هو العِلْم، الذي به تبني المرأة شخصية قوية، تَصْمد أمام كل التّحديات. أما الجمال فهو سلاح مؤثر وفتاك، ولكنه سلاح معرض للزوال. ومع ذلك فنصف ديوان الشّعر العربي يكاد يكون غزلاً. وقد مضى الحديث عن الغيرة وأثرها الفعّال، وفاعليتها التي لا تُنكر، إن كانت في حدود المعقول، ولم تكن جنوناً وطيشاً. والدّموع سلاح ذو قيمة إلاّ أنه ينبئ غالباً عن ضعف الشخصية. وأمّا الأبناء فهم سلاح المرأة، الذي تُعَوّل عليه كثيراً، فهم الذين ينفعونها إذا تأزمت الأمور، ويسكّنون الثورة، ويدفعون الطرفين للمحافظة، على بيت الزّوجية، وكيان الأسرة.

ومن أسلحة المرأة الفعّالة أيضاً استغلال الذكاء والمكر والكيد، في الحفاظ على الذات وتحقيق الأغراض. والمكر في النساء لا يُدفْع وقد شهد به القرآن، في قصة يوسف u والخبر الذي يقوم شاهداً عليه هو ما رواه ابن الجوزي في كتاب أخبار النساء: قال: كانت لرجل من الأهواز ضيعة بالبصرة، وكان يتعاهدها (أي يذهب إليها) في حين الانتفاع بالثمار. فتزوج بالبصرة امرأة، وانتهى الخبر إلى امرأته الأهوازية، فأرسلت كتاباً على لسان بعض إخوانه بالبْصرة، يعزيه في زوجته البصرية ويقول: الحق المال الذي خلَّفت ولا تتأخر. وأعطت الكتاب لبعض الملاحين، وجعلت له جُعْلاً (أي مكافأة). فلمّا وصل الكتاب إلى زوجها وَجَد (تألم وحزن) لموتها وَجْداً عظيماً، وقال للأهوازية: أصلحي لي سُفْرتي، فإني راكب إلى البصرة. ففعلت، فلما أصبح من الغد ركب فرسه، وأعطته السُّفْرة، ثم قبضت على عنان فرسه، وقالت له: ما تكثر اختلافك إلى البصرة إلا ولك بها امرأة تزوجتها؟ فقال لها: والله مالي بالبصرة امرأة. للذي وقف عليه من الكتاب. فقالت له. لا أدري ما تقول؛ ولكن تحلف وتقول كل امرأة لي غيرك طالق ثلاثاً بقول جميع المسلمين؟ فللذي وقف عليه الرجل من موت البصرية قال في نفسه: تلك ماتت، فلم أُغِير صَدْر هذه: فقال لها: كل امرأة لي غيرك في جميع الأقاليم فهي طالق ثلاثاً بقول جميع المسلمين. فقالت له: لا تتعبن فقد طلقت الحبيبة فندم الرجل، وأسقط ما في يديه.

وأخبار المكر والكيد، لا يأتي عليها الإحصاء، فكم زُلزلت عروش وهُدت ممالك، وخُربت بيوت بالحق أو التلفيق. وربما كان نصيب الرجال من ذلك مثل نصيب النساء. ولكن تبقى المرأة، في أغلب الحالات، هي مصدر الفتنة المحرك للأحداث.

ربما عمدت المرأة إلى السلاح المشترك، وهو اللسان، وهو سلاح ذو حدين، أحد وجهيه موافق لطبيعة المرأة وهو رسول عقلها، وسفير مشاعرها، وآية دلِّها ووسيلة جذبها، فرُبَّ كلمة من امرأة أمالت قلب رجل لا يميل. وحديث المرأة أحد فنون سحرها ومنه قول الشاعر:

وكأن تحت لسانها                                    هاروت ينفث فيه سحرا

وأمّا الوجه الثاني فلا يوافق طبيعة المرأة ولا هو منها، وهو سلاطة اللسان والبذاءة، وهما يقبّحان صورة المرأة ويُنفرِّان منها.

2. حقوق المرأة

المرأة في الإسلام مساوية للرجل فيما يحقق كرامتها وإنسانيتها، لها من الحق ما له وعليها ما عليه. ولا فضل لرجل على أُنْثى إلاّ أن يقوم بما أوتي من القوة، والجلد، وبسطة اليد، واتساع الحيلة، فيتولى قِوامتها، ويحوطها بقوته، ويدافع عنها بدمه، وينفق عليها من كسبه. أمّا ما سوى ذلك فهما في السّراء والبأساء سواء، ذلك ما أجمله الله وضم أطرافه، وجمع حواشيه، بقوله تباركت آياته: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (سورة البقرة: الآية 228)

وأول حقوق المرأة في البيئة العربية، أن الإسلام احترم حقها في الحياة، فحرّم وأدها، واستبشعه، ونعى على مرتكبيه في قوله تعالى: ]وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (Cool بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[(سورة التكوير: الآيتان 8، 9) بل حاول الإسلام اقتلاع كراهية البنت من النّفوس، حين وجه اللَوم لنَفَرٍ من الآباء يجزعون من ولادة البنات في قوله تعالى: ]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)[(سورة النحل: الآية 58) فبدأ حرص الإسلام على المرأة، وهي وليدة فحرّم وأدها، ثم صان بعد ذلك كرامتها زوجة وحفظ حقوقها، ثم أوصى بالرفق بها أُماً، وجعل حسن معاملتها حافزاً لنيل الدرجات العلى في الجنة.

ومن أمثلة إكرام المرأة وتنفيذ رغبتها، وإمضاء عزيمتها، ما كان من خبر أم هانئ بنت أبي طالب حين أجارت رجلين من أحمائها، كُتب عليهما القتل يوم فتح مكة. قالت أم هانئ: لمّا نزل رسول الله r بأعلى مكة فرّ إليّ رجلان من أحمائي، من بني مخزوم. فدخل عليّ عليٌّ بن أبي طالب، أخي فقال: والله لأقتلنّهما، فأغلقتُ عليهما باب بيتي، ثم جئت رسول الله r فقال: مرحباً بك يا أم هانئ ما جاء بك، فأخبرته خبر الرّجلين، وخبر عليّ، فقال: قد أجرنا من أجرت، يا أم هانئ وأمنّا من أمَّنت فلا يقتلهما.

وأطلقت زينب، بنت رسول الله r، إسار زوجها عندما أُسر مع المشركين في بدر، بعد أن فَصَمَ الإسلام عروة زواجهما.

ومن مظاهر حفظ الكرامة، أن الإسلام يُسْقط شهادة من يقذف محصنة، بعد أن يُعاقب بالجلد. ولعن الإسلام الذين يرمون المحصنات الغافلات، وشدد في النكير، وبالغ في الاحتياط من ذلك.

وساوى الإسلام بين المرأة والرجل، في الحساب، ثواباً وعقاباً، قال عزّ من قائل: ]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[.(سورة المدثر: الآية 38) وقال تعالى: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة[ (سورة النحل: الآية 97).

وفي الزّواج، نالت المرأة بالإسلام، ما لم تنله نساء الجّاهليات، ولا نساء هذا العصر من غير المسلمات، من الحرية. فقد أعطاها الإسلام، الحق في القبول والرفض، لشريك الحياة. والزواج شَرِكة قوامها المودة والتفاهم، ولا تقوم شّركة إلاّ على المساواة بين أطرافها في الحقوق والواجبات، بعد اعتراف كل طرف بالآخر، وإعطاء كل طرف ما يستحقه، حسب رأس المال والجهد المبذول.

فالمرأة في الإسلام لا تُكره على الزواج، وفي الحديث الذي رواه الستة: ]لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَن[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 6453) فهذه قريبة أخت أبي سفيان خطبها أربعة عشر خاطباً، فردّتهم وتزوجت من أرادت. والخنساء بنت حذيم الأنصارية، التي ذكرت للرسول r أن أباها زوجها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته، فجعل الرسول أمرها بيدها، فقالت الآن أجيز ما أجاز أبي ولكني أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء من أمور بناتهن شيء (تعني في التزويج) فما أنكر الرسول كلامها.

ومع ذلك فلا يُترك الحَبْلُ للمرأة على الغَارِب، فربما كانت صغيرة فَيُغَرَّر بها، وهنا يأتي دور وليّها، في مساعدتها على معرفة الزوج الصالح الجاد. وقد روى أحمد، وأبوداود، قول الرسول r ]أَيُّمَا امْرَأَةٍ لَمْ يُنْكِحْهَا الْوَلِيُّ فَنِكَاحُهَا بَاطِل[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 1869)

كما أعطى الإسلام المرأة الحق، في مفارقة الزوج، الذي تستحيل الحياة معه لأسباب وجيهة مقبولة، في حين يبقى الزواج غُلاً في أعناق النساء في الغرب، وهن دعاة التمدن والحضارة، لا يَقْوَيْنَ على الفكاك من الزّواج إلاّ بالمحاكم والقضايا التي تستغرق سنوات طِوال؛ بينما في الإسلام الأمرٌ خلاف ذلك، وقصة بريرة جارية عائشة ـ رضي الله عنها ـ خير دليل على ذلك. فقد زوّجها سيّدها عتبة بن أبي لهب، من أحد العبيد، مكرهةً على ذلك، فاشترتها ـ عائشة رضي الله عنها ـ وأعتقتها. فقال لها رسول الله r ملكت نفسك فاختاري. وكان زوجها يمشي خلفها ويبكي وهي تأباه. فقال النبي r لأصحابه: ألاّ تعجبون من شدة حبه لها، وبغضها له، ثم قال لها: اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك. فقالت للرسول r: أتأمرني، فقال: لا، إنما أنا شافع. قالت: إذن فلا حاجة لي إليه.

وقد كانت المرأة قبل الإسلام، ربما أكرهت على الزواج من شيخ، أو رجل من بني قرابتها، فلا تقوى على الفكاك منه، حتى قالت إحداهن:

أيا عجباً للخود يجري وشاحها                        تزف إلى شيخ من القوم تَنْبال

دعاها إليه أنـه ذو قرابـة                           فويل الغواني من بني العم والخال

ولكنها بالإسلام تتزوج من ترضى، إلاّ أن يكون في وليّها طمع أو ضعف دين، فيرغمها على من لا تريد.

ومن إكرام الإسلام للمرأة إبطاله الزنا، وزواج المتعة، وكان معروفاً في الجاهلية، واستمر شيء منه في صدر الإسلام. فليست المرأة سلعة يُحتاج إليها في وقت دون وقت. فقد روى مسلم وابن ماجة والنسائي، عن علي ابن أبي طالب أن النبي r: ]نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَر[.(رواه البخاري، الحديث الرقم 3894)

وقد كفل الإسلام للمرأة حق التعلُّم، لا فرق بينها وبين الرجل، تتعلم أمور دينها، وتتعلم العلم النافع، الموافق لتكوينها الأنثوي، فتفيد نفسها، وبنات جنسها، وأبناءها، وزوجها، والمجتمع.

وأباح الإسلام، تبعاً لذلك، حق الاكتساب والعمل للمرأة ]لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن[ (سورة النساء: الآية 32) شريطة أن يكون عملها في المجال، الذي تصلح له وتفيد فيه وأن يكون ذلك بين بنات جنسها، منعاً للاختلاط والفتنة. وفي الحياة وظائف كثيرة هي أقرب إلى اختصاص المرأة وقد مارستها النساء منذ القدم. ومن ذلك مهنة الطب، التي برزت فيها نساء، كانت لهن شهرة وسمعة طيبة، منهن أخت الحفيد بن زهر الأندلسي وابنتها. فقد حدّث صاحب طبقات الأطباء، عن نفاذهن في فروع الطب جميعاً وفي أمراض النساء خاصة، حتى كان المنصور بن أبي عامر، وارث الخلافة الأموية بالأندلس، لا يدعو لنسائه وعامة أهله غيرهن. ومنهن أيضاً زينب طبيبة بني أود، وكانت بارعة في علاج العين بالجراحة.

ومجال التعليم، أيضاً، من أوسع المجالات، التي تستطيع استيعاب كوادر النساء، تعليماً وإدارة. وهو مضمار المرأة المفتوح، الذي تستطيع المنافسة فيه، والإفادة منه. وفي وسعها أن تأتي فيه بمثل ما يأتيه الرجال وأكثر خاصة في الأمور التي تتعلق بكيان المرأة وشؤونها وشخصيتها.

وهكذا يصل البحث إلى ختامه، عَقب هذه السياحة العلمية الطريفة حول المرأة العربية، التي هي ولا شك قسيم الرجل وشريكه، زهرة حياته ونور بيته، وعماد أمره ومخبأ سره. هي عينه الثانية التي يرى بها مالا يراه بالأولى، ويده الثانية التي تعينه على نوائب الدهر وشدائده، فليس عنها غِنى، وليس لرجل عنها بديل؛ لا تحلو الحياة إلاّ بها، ولا حياة للرجل إلاّ بها؛ هي مدار الكون، ومركز ثِقَلِه، ومنبت سلالاته، وشمس ضيائه. وقد حررها الإسلام، ودفع عنها المهانة، وسوّي بينها وبين الرجل في كل شئ، إلاّ أنه جعل للرجل القَوَامة، بإنفاقه وتحمل مسؤوليات بيته، فهي صِنوه (مِثْله) في العبادة، وقرينه في الأجر، وشقيقه في المسؤولية والمعاشرة، ومستشاره في المهمات، ووزيره في الإنفاق، وحارس ماله في الغياب، ومحط سروره إذ نظر، والمطيعة إذ أمر، ولمسة الحب والحنان إذا غضب، والخليفة في السفر، وراعية لأولاده إذا قُبِر.

هي الأم حناناً والزوجة مودة، والأخت عطفاً، والابنة، شفقةً،  أرضه إذا زرع، ونهره إذا ربى، وملاذه إذا قُهِر، وممرضته إذا مرض، وحبيبته إذا أنفض الناس عنه، وصديقته في الملمات وغطاؤه إذا نام، وملهمته إذا كتب، ومُلْهِبته إذا خنع (أي خضع لأِمرها)، جميلة في الهناء، لذيذة في السرور، شديدة الهبوب، قريبة المأخذ سهلة إذا أحبت، قوية إذا بغضت، منها الصالح ومنها الطالح، وليس بدعاً في ذلك، فالرجل أيضاً كذلك.

والناس يقولون: المرأة الجميلة دمية، والمرأة المتعلمة فاكهة، والمرأة الفاضلة غذاء. فهذه الصفات إذا اجتمعت ثلاثتها في المرأة فهي الغاية التي ليست بعدها غاية؛ وهي المرأة الصالحة، متاع الدنيا بل هي الدنيا بتمامها. ولكن تبقى الفضيلة هي سيدة خصال المرأة، لأن الجمال، وإن كان مرغوباً فيه، فإنه إلى زوال. وأمّا التعليم فإنّه يفتح آفاق المرأة فتفيد نفسها وزوجها وأطفالها والمجتمع من حولها. غير أن التعليم إذا لم يُوَظْف في وجهته الصحيحة أو تعالت به الزوجة على زوجها ومن حولها تعطلت وظيفتها وفقد التعليم دوره. فصلاح المرأة إذن في فضيلتها. وعلى كُلٍ فالعالم مُكَونٌ من رجل وامرأة، وهما معاً أساس الأسرة ونواتها، وإذا صلحت الأسر صلحت المجتمعات، وصلح العالم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:25 pm

ثبت الأعلام

أبو الدرداء (... ـ 32هـ = … ـ 652م)

عوَيمِر بن مالِك بن قَيْس بن أُمَيّة الأنصاري الخزرجي، أبو الدّرداء. صحابيّ من الحكماء الفِرسان القُضاة. اشتُهِر بالشجاعة والنُّسك والزهد. آخى الرسول بينه وبين سلمان الفارسي. ولاّه معاوية قضاء دِمَشق، بأمر عمر بن الخطاب، وهو أول قاض بها. وفي الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرتهم مباهج الدنيا، كان من العُلماء الحُكماء، وأحد الذّين جمَعوا القرآن حِفظاً على عهد النّبي. ورَوى 179 حديثاً. توفي بالشام ودفن بدمشق.

أبو تمام (188 ـ 231هـ = 804 ـ 846م)

حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، من حوران، من قرية جاسم، في بلاد الشام. ولد في أيام الرشيد، وقيل اسم والده تَدْرَس، وكان نصرانيـاً فأسلم وتسمي أوس، وانتمي لقبيلة طيء. نشـأ أبو تمام فقيراً، فكان يعمل عند حائك ثياب في دمشق، ثم رحل إلي مصر. فكان وهو صغير يسقي الماء في جامع عمرو بن العاص، ويتردد علي مجالس الأدباء والعلماء، ويأخذ عنهم. وكان يتوقد ذكاء، ونظم الشعر في فترة مبكرة من حياته. ثم عاد من مصر إلي الشام. ويُعد أبوتمام من أعلام الشعر العربي في العصر العباسي. عُرِف بخياله الواسع، ويمتاز عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جديد في الشعر يغوص علي المعاني البعيدة، التي لا تُدرك إلاّ بإعمال الذهن والاعتماد على الفلسفة والمنطق في عرض الأفكار. يعدُّ أول شاعر عربي عني بالتأليف، فقد جمع مختارات من أجمل القصائد في كتاب سماه (الحماسة). أكثر شعره في الوصف والمدح والرثاء، له ديوان شعر مطبوع.

ومن مشهور شعره قصيدته في فتح عمورية، التي مدح فيها الخليفة المعتصم، ومطلعها:

السيف أصدق أنباء من الكتب                        في حدّه الحدّ بين الجِّد واللِّعب.

أحمد شوقي (1258 ـ 1351هـ، 1842 ـ 1932م)

      من أعلام الشعر العربي في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ولد في القاهرة، من عائلة تلتقي فيها الدماء العربية والكردية والتركية والشركسية واليونانية. وتعلم في الكُتّاب، ثم في المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية، ثم التحق في مدرسة الحقوق قسم الترجمة. وعيّنه الخديوي توفيق في خدمته، ثم أرسله في بعثة دراسية إلي مونبليه في فرنسا، فتابع دراسة الحقوق، واطّلع علي الأدب الفرنسي. وكان أثناء دراسته الحقوق في مصر وفرنسا، مكباً علي دراسة الشعر العربي، وكان يُرسِل قصائده من فرنسا في مديح الخديوي توفيق، وكانت تلقى صدى من القرّاء والأدباء في مصر. وعاد أحمد شوقي إلي مصر سنة 1891م، فعُين رئيساً للقلم الأفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وفي سنة 1896م نُدِب لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين في جنيف، وعاد بعد ذلك لمصر، وعاش مرحلة في حياته كان فيها شاعر القصر. وكان في سعة من العيش بسبب صلته بالخديوي، ومن جاء بعده. وأصبح بيته مقصداً لذوي الحاجات بسبب موقعه في القصر، وكان فخوراً بذلك. واستمرت العلاقة قوية بينه وبين الخديوي عباس حلمي حتى عُزل الخديوي سنة 1914م، فنُفي أحمد شوقي إلي الأندلس، عام 1915م، بسبب علاقته بالخديوي. ثم عاد إلي مصر عام 1919م، وعُين عضواً في مجلس الشيوخ، وأصبح أشد التصاقاً بالشعب، وأكثر تعبيراً عن آرائه وآماله، بعد أن تحرر من قيود القصر. وتُعد مرحلة ما بعد النفي، أغزر فترات حياته إنتاجاً. فقد كثرت فيها قصائد المناسبات الاجتماعية والوطنية، كما اتجه إلي كتابة المسرحيات المستمدة من التاريخ. وفي عام 1927 اجتمع شعراء الأمة العربية في القاهرة وبايعوه بإمارة الشعر، فلُقّب "أمير الشعراء"، وسمي منزله "كرمة ابن هاني". ترك أحمد شوقي آثاراً أدبية كثيرة، منها ديوانه (الشوقيات)، في أربعة مجلدات، ومُؤَلَف "دول العرب وعظماء الإسلام" في تاريخ الإسلام وعظمائه منذ عهد النبوة إلي عهد الفاطميين، وعدداً من المسرحيات الشعرية، منها "مصرع كليوباترا" و"مجنون ليلي" و"عنترة". وله في النثر كتاب (أسواق الذهب). ولعل من أشهر قصائده "أندلسياته"، هذا فضلاً عن همزيته في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم التي مطلعها:

وُلد الهدى فالكائنات ضياء                            وفم الزمان تبُّسم وثناءُ

توفي في القاهرة عام 1932.

أم هانئ بنت أبي طالب (... ـ بعد 40هـ = … بعد 661م)

اسمها فاختة وهي بنت أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمية القرشية، المشهورة بأم هانئ، أخت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لأبويه، وبنت عمّ النبي  . اختلف المؤرخون في اسمها: فاختة، أو عاتكة، أو فاطمة أو هند. أسلمت عام الفتح بمكة في السنة الثامنة للهجرة، وهرب زوجها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي إلى نجران؛ ففرق الإسلام بينهما، وعاشت أيماً إلى أن توفيت. روت عن النبي  46 حديثاً.

آمنة بنت وهب (... ـ 45ق.هـ = … ـ 575م)

آمنة بنت وهب بنت عبد مناف، من قريش؛ أم النّبي  كانت أفضل امرأة في قريش نسباً ومكانة. امتازت بالذكاء وحسن البيان، تزوجها عبدالله بن عبدالمطلب، وفي إحدى رحلاته التجارية إلى غزّة، مرض في المدينة وهو في طريق عودته إلى مكة، وتوفي في المدينة، وولدت آمنة محمداً بعد وفاة أبيه عبدالله. فكانت تخرج كل عام من مكة إلى المدينة فتزور قبر زوجها. فمرضت في إحدى رحلاتها هذه، وتوفيت بموضع يقال له (الأبواء)، بين مكة والمدينة، ولابنها من العمر ست سنوات وقيل أربع.

الأصمعي (122 ـ 215هـ = 740 ـ 830م)

عبدالملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي الأصمعي، ولد في البصرة، ونشأ فيها، وينتمي إلي مدرسة البصرة. أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وعيسي بن عمر، وخلف الأحمر، وغيرهم. أحد أئمة العلم باللغة والشعر والرواية والبلدان، وقد اشتهر بروايته المحفوظ من أشعار العرب ونوادرهم. كان كثير التطّواف في البوادي، يقتبس علومها، ويتلقى أخبارها، ويجمع أشعارها ونوادرها. وكان لِما جمعه من مادة لغوية دور كبير في تأليف المعاجم العربية القديمة، واستفاضت شهرته في خلافة هارون الرشيد فاستقدمه إلي بغداد وعهد إليه تأديب ابنه المأمون. من مؤلفاته: غريب القرآن، ونوادر العرب، والقلب والإبدال، والإبل، والخيل، وغيرها. ولد وتوفي في (خراسان).

الربيع بن زياد الفزاريّ (... ـ 30ق.هـ = … ـ 590م)

الربيع بن زياد بن عبدالله بن سفيان بن ناشب العبْسيّ، وكان يقال له الكامل, أحد دهاة العرب وشجعانهم ورؤسائهم في الجاهلية. يُروى له شعر جيد. اتصل بالنعمان بن المنذر ونادمه، ثم أفسد لبيد الشاعر بينهما. فارتحل الربيع وأقام في ديار عبس إلى أن ثارت حرب داحس والغبراء فحضرها.

السفّاح أبو العباس، (104 ـ 136هـ = 722 ـ 754م)

عبدالله بن محمد بن علي بن العباس بن عبدالمطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، القرشي، أبو العباس، أول خلفاء الدولة العبّاسية، وأحد الجّبارين الدُّهاة من حكام العرب. ولد بالشّراة وهي بين الشام والمدينة. هرب السّفاح وأهله من جيش مروان الحمار، وأتو الكوفة، لمّا استفحل لهم الأمر بخراسان. بويع بالخلافة سنة 132هـ، جَهَزّه عمه عبدالله (بن علي) في جيش، فالتقى السّفاح ومروان علي كُشاف، فكانت وقعة عظيمة، هُزم فيها مروان. وصفا المُلك للسّفاح بعد مقتل مروان بن محمد، آخر ملوك الأمويين بالشام. وكان السّفاح شديد البطش عظيم الانتقام، فتتبع بقايا الأمويين بالقتل والصّلب والإحراق، حتى لم يبقَ منهم غير الأطفال، والفارين إلي الأندلس، ولقب "السّفاح" لكثرة ما سفح من دماء الأمويين. وهو أول من أحدث الوزارة في الإسلام، وأول من وصل (أي دفع عطاءً أو جائزة) بمليوني درهم من خلفاء المسلمين. يُوصف بالفصاحة والعلم والأدب، مرض بالجّدري فتوفي شاباً بالأنبار بالعراق.

الطّبري، محمد بن جرير (224 ـ 310هـ = 839 - 923م)

محمد بن جرير بن يزيد الطّبري، أبو جعفر، المؤرخ المفسر الإمام. ولد في طبرستان، واستوطن بغداد. وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، عُرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى. كان من كبار أئمة الاجتهاد في أحكام الدين. وكان حافظا لكتاب الله، وعارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، عالماً بالسُّنن وطرائقها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، من ثقات المؤرخين وفصائحهم. من آثاره "أخبار الرسل والملوك"، ويعرف بتاريخ الطبري في أحد عشر جزءا؛ و"جامع البيان في تفسير القرآن" ويعرف بتفسير الطبري في 30 جزءاً، وغيرهما من المؤلفات. توفي في بغداد.

المغيرة بن شعبة (20ق . هـ ـ 50هـ = 600 ـ 670م)

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر ابن مسعود الثقفي أبو عبدالله. صحابي يُقال له: "مغيرة الرأي". أحد دُهاة العرب وقادتهم وولاتهم. ولد في الطائف، ورحل ـ في الجاهلية ـ مع جماعة من بني مالِك فدخَل الإسكندرية وافِداً على المقوقَس (حاكم مصر مِن قِبَل البيزنطيين)، وعاد إلى الحجاز. أسلم في السنة الخامسة للهجرة، وشهد الحُديبية واليمامة وفتوح الشام، وذهبَت عينه في موقعة اليرموك (في الأردن الآن). وشهد القادسية ونهاوند وهمدان وغيرها. ولاّه عُمر بن الخطاب البصرة، ففتح عدة بلدان، ثم عزله، ثم ولاّه الكوفة. وأقرّه عثمان بن عفّان على الكوفة ثم عزله. ولمّا حدثَت الفِتنة بين على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، اعتزلها المغيرة. ثم ولاّه معاوية الكوفة فلم يزَل فيها إلى أن توفي. روى 136 حديثاً.

المنصور بن أبي عامر (326 ـ 392هـ = 938 ـ 1002م)

محمد بن عبدالله بن عامر بن محمد أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبدالملك المعافري القحطاني، أبو عامر، المعروف بالمنصور بن أبي عامر، أمير الأندلس أو "الحاجب المنصور"، في دولة المؤيد الأموي. كان أحد الشجعان الدهاة، أصله من الجزيرة الخضراء، وقَدِم قرطبة شاباً يطلب العلم فبرع فيه. ولي الشرطة والمواريث وأضيف إليه القضاء بأشبيلية. ولمّا مات المستنصر الأموي، كان المؤيد صغيراً ابن تسع سنين، وخيف الاضطراب، فتولى المنصور شؤون الدولة، ولم يضطرب عليه شئ، لحسن سياسته وعظم هيبته. وكان معه المؤيد صورة بلا معنى، بل كان المؤيد محجوباً لا يجتمع به أمير ولا كبير. ودامت الإمرة علي هذا النحو 26 سنة. جاست خيول المنصور في أماكن لم يكن خفق فيها علم إسلامي من قبل، فغزا فيها بلاد الإفرنج 56 غزوة لم ينهزم له فيها جيش. ومات في إحدى غزواته بمدينة سالم (ينطقها الأسبانيون "سالي" أو "ثالي" بالثاء) وما زال قبره معروفاً فيها.

المهديّ العباسي (127 ـ 169هـ = 744 ـ 785م)

محمد بن عبدالله المنصور بن محمد بن علي العباسي، أبو عبدالله، المهدي بالله. من خلفاء الدولة العباسية. ولد في إيذج من بلاد فارس، وولي بعد وفاة أبيه وبعهد منه (سنة 158هـ) وأقام في الخلافة عشر سنين وشهراً. كان محمود العهد والسيرة، محبباً إلى الرعية، حسن الخِلقة والخُلق، جواداً. وكان يجلس للمظالم ويقول: ادخلوا عليّ القضاة، فلو لم يكن ردي للمظالم إلاّ حياءً منهم لكفى. وهو أول من مشي بين يديه بالسيوف المصلتة والقسي والنشاب والعمد، وأول من لعب بالصُّوالجة  في الإسلام. وهو الذي بنى جامع الرصّافة، في سورية. وكان يتتبع الزنادقة والملحدين ويُضَيّق عليهم. مات صريعاً عندما وقع عن دابته في الصيد، وقيل مات مسموماً ودفن بالرصافة (مدينة سورية قديمة في بادية تدمر).

خالد بن صفوان، ابن الأهتم (... ـ نحو 123هـ = … ـ نحو 750م)

خالد بن صفوان بن عبدالله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقريّ؛ من فصحاء العرب المشهورين. ولد ونشأ بالبصرة، وكان أيسر أهلها مالاً، ولم يتزوج. له كلمات سائرة؛ قيل له: أي إخوانك أحب إليك؟ فقال: الذي يغفر زللي، ويقبل عِلَلَي، ويسُدّ خَلَلَي، وهو كذلك القائل: ثلاثة يُعْرَفُوَن عند ثلاثة: الحليمُ عند الغَضَب، والشجاع عند اللِّقاء، والصديق عِند النَّائبة. وكان لفصاحته أقدر الناس على مدح الشيء وذمه. كان يجالس عمر بن عبدالعزيز وهشام بن عبدالملك. عاش إلى أن أدرك خلافة السّفاح العّباسي وحظي عنده بمكانة عظيمة.

خولة بنت الأزور (... ـ 35هـ … 655م)

خولة بنت الأزور الأسدي، شاعرة. كانت من أشجع النساء في عصرها، وهي أخت ضرار بن الأزور. لها أخبار كثيرة في فتوح الشام. في شعرها جزالة وفخر. توفيت في عهد عثمان بن عفان، رَضِيّ الله عنه.

زياد ابن أبيه (8 ـ 57هـ، 629 ـ 676م)

زياد بن أبي سفيان. من أشهر ولاة بني أمية على العراق. ألحقه أبو سفيان بنسبه ولم يكن مُقرّاً بأبوته أول الأمر. من أهل الطائف، واختلف في اسم أبيه، فقيل عبيد الثقفي وقيل أبو سفيان، أَمه سمية (جارية الحارث بن كلدة الثقفي)، وتبناه عبيد الثقفي (مولي الحارث بن كلدة)، يُكنى أبو المغيرة، أدرك النبي صلي الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، عمل كاتباً للمغيرة بن أبي شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري، ثم ولاه علي بن أبي طالب إمرة فارس. ولمّا علم معاوية بن أبي سفيان أن زياداً أخوه من أبيه، ألحقه معاوية بنسبه، وولاه البصرة والكوفة، وسائر العراق، فلم يزل في ولايته إلى أن توفي. كان من الدهاة القادة الفاتحين، وعُرف عنه الذكاء والفطنة ورجاحة العقل والفصاحة. خطب في مسجد البصرة ـ أول قدومه إليها ـ خطبة من روائع الأدب العربي تسمى (البتراء)، لأنه لم يبدأها باسم الله على عادة خطباء الإسلام. وقيل عنه إنه أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم "الله"، ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم، وأول من اتخذ العسس (الحراسة الليلية) والحرس في الإسلام.  توفي بالطّاعون في الكوفة.

عائشة بنت طلحة (... 101هـ = … 719م)

عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية، أم عمران. أُمها أُمّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق، تابعية محدّثة روت عن خالتها عائشة (أم المؤمنين)، وكانت أشبه الناس بها. كانت أديبة فصيحة، عالمة بأخبار العرب. كانت أجمل نساء زمانها وأرأسهن، تزوجها ابن خالها عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، ثم تزوجها بعد موته مصعب بن الزبير. ولّما قُتل مصعب عنها، تزوجها عمر بن عبيد الله التيمي، ومات عنها سنة 22هـ فتأيمت بعده، وخطبها جماعة فردتهم. كانت تقيم في مكة عاماً، وفي المدينة عاماً آخر، وتخرج إلى الطائف تتفقد أموالها، وكان لها قصر فيه.

عبدالملك بن مروان (26 ـ 86هـ = 646 ـ 705م)

عبدالملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الأموي القرشي، أبو الوليد. من كبار خلفاء بني أمية ودهاتهم . ولد في المدينة ، وكان أديباً عالِماً فقيهاً يحفظ القرآن، ويُجالِس العُلماء والصالحين. بويِع بالخِلافة سنة 65 هـ (685م) في حياة أبيه. وبقِيَ خليفة على الشام ومصر سبع سنين، وعبدالله بن الزبير خليفة على باقي البلاد،فلم تصح خلافته. ثم انتقلت الخلافة إلي عبدالملك بن مروان بعد مقتل عبدالله بن الزبير سنة 73 هـ ـ 692 م. وهو الخليفة الأموي الخامس. استخدم اللغة العربية في كتابة الدواوين، وضبط الحروف بالنقط والحركات. نشَر الإسلام على نطاق واسِع بين البربر في المغرِب العربيّ. وهو أول من صَكّ الدنانير في الإسلام، وأول من نقش بالعربية على الدراهم، وانشأ البريد. كان نقش خاتمه (آمنت بالله مخلصاً). توفي في دمشق.

عبدالله بن الزُّبير (1.هـ ـ 73هـ = … 692م)

عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن عبدالعزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة القرشي الأسدي، أبو خُبيب، وقيل أبو بكر. صحابي جليل، وأول مولود للمسلمين في المدينة بعد الهجرة. أبوه الزُّبير بن العّوام أحد المبشرين بالجنة، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وخالته عائشة أم المؤمنين. كان عبدالله عالِماً تقياً، جريئاً لا يهاب إلاّ الله. بدأ جهاده مع أبيه في موقعة اليرموك، واشترك في فتح أفريقية (المغرب العربي)، كما اشترك في معركة الجمل إلى جانب خالته، عائشة رضي الله عنها، وجرح في تلك المعركة. دافع عن الخليفة عثمان بن عفان، يوم حوصر في داره، وكان معه عدد من أبناء الصحابة. رفض عبدالله بن الزّبير، مبايعة يزيد بن معاوية، ثم نادى لنفسه بالخلافة عام 64هـ، ودانت له الحجاز واليمن والعراق ومصر وخراسان، وَقِسْم من بلاد الشام، واتخذ المدينة المنورة عاصمة لخلافته، التي دامت تسع سنوات. التجأ عبدالله بن الزّبير  إلى مكة، عندما أرسل عبدالملك بن مروان جيشاً لقتاله، بقيادة الحجاج بن يوسف. وقد استبسل عبدالله في قِتال الحجاج، الذي رمى الكعبة بالمنجنيق، وقد استشهد عبدالله داخل الحرم. وَمثّل الحجاج بجثته، وعلقه مصلوباً مجزور الرأس؛ وفيه قالت والدته أسماء قولها المشهور: "أما آن لهذا الفارس أن يترجل!

عروة بن الورد (... ـ 30 ق.هـ = … ـ 592م)

عروة بن الورد بن زيد العبسيّ من شعراء الجاهلية وفرسانها وأجوادها. وكان أشهر صعاليك العرب، لأنه تميز عنهم بنبله وروحه الإنسانية العالية. وظل عروة مقيماً في قبيلته بني عبس، فهو لم يكن من الصعاليك الذين خلعتهم العشيرة، وقد سمي "عروة الصعاليك" لأنه كان يجمع الفقراء فيعطيهم مما يَغْنَمه. كما كان يقوم علي أمر الصعاليك إذا أخفقوا في غزواتهم. ومما اشتُهر به عروة أنه لم يكن يغير على الأغنياء الأجواد، بل كانت غاراته على اللئام البخلاء. له ديوان شعر مطبوع.

عمرو بن العاص (50ق.هـ ـ 43هـ = 574 ـ 664م)

عمرو بن العاص بن وائل السّهمي القرشي، أبو عبدالله. صحابي جليل كان ممّن يُضرَب به المثَل في الفِطنة والدّهاء والحزْم. كان في الجاهلية من فرسان قريش، ومن الأشدّاء على الإسلام. أسلَم قبل فتح مكة، وقيل أسلم في هدنة الحُديبية. ولاّه النبي إمرَة جيش ذات السلاسل (في العراق) سنة 12 هـ. ثم ولاّه على عُمان، وكان من أمراء الجيوش بالشام زمن عُمر بن الخطاب. فتَح مصر، وكان أول ما فعله عند فتحها أن اختطّ مدينة الفسطاط (مصر القديمة الآن)، وبنى بها مسجِداً عُرِف بجامع عمرو بن العاص. ولاّه عمر بن الخطاب فلسطين ثم مصر، وعزَله عثمان. شهد صِّفين إلى جانِب معاوية، وولاّه معاوية على مصر سنة 38 هـ، وأطلق له خراجها ست سنين، فجمع أمولاً طائلة، وعندما أراد رجل من الخوارج قتله، ضَرَبَ الخارجيُ أحد رجال عمرو ويدعي خارجة، يظنه عمراً، فمات خارجة، فلما جيئ بالقاتل قال لعمرو:أردت عمراً، وأراد الله خارجة. وبقِيَ عمرو والياً علي مصر حتى وفاته، وله من العمر تسعون سنة. وله في كتُب الحديث 39 حديثاً.

قيس بن عاصم (… ـ نحو 20هـ = … نحو 640م)

قيس بن عاصم بن سنان المَنْقُري السعدي التميمي، أبو علي. أحد أمراء العرب وعقلائهم. كان شاعراً موصوفاً بالشجاعة، ومشهوراً بالحلم، وروي أنه كان يوماً جالساً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه، يحدث قومه، إذ أُتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قَتل ابنك، فلا حل قيس حبوته، ولا قطع كلامه. فلمّا أتم كلامه التفت إلي ابن أخيه فقال: يا ابن أخي، بئسما فعلت، أَثِمت بربك، وقطعت رَحِمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، وقللت عددك. ثم قال لابن آخر له،: قم يا بني إلي ابن عمك، فَحُلّ كتافه، ووار أخاك، وسق إلي أمك مائة من الإبل دية ابنها، فإنها غريبة. وهو ممن حرّم على نفسه الخمر، وكان سبب ذلك أنه غمز عُكْنة ابنته وهو سكران، وسبّ أبويها، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمّار كثيراً من ماله، فلما أفاق أُخبر بذلك، فحّرمها علي نفسه. وفد على النبي في وفد تميم في السنة التاسعة للهجرة، فأسلم. وروي عنه أنه قال للنبي: إني وأدت اثنتى عشرة بنتاً، أو ثلاث عشرة بنتاً. فقال له النبي: أعتق عن كل واحدة منهن نَسَمَة (أي رقبة). وقال عنه النبي لمّا رآه: هذا سيد أهل الوبر! (البادية)، واستعمله على صدقات قومه، ثم نزل البصرة وتوفي بها. وهو الذي رثاه الشاعر عبده بن الطبيب بقوله:

وما كان قيس هلكه هلك واحدٍ                        ولكنه بنيان قوم تهدّما

كعب بن مالك الأنصاري (... ـ 50هـ = ... ـ 670م)

كعب بن مالك بن عَمرو بن القين، الأنصاريّ السَّلَميّ (بفتح السين واللام). صحابي أنصاري خزرجي من أهل المدينة. كان مشهوراً في الجاهلية. شهد بيعة العقبة الثانية وكان من المبايعين. وعندما هاجر النّبي إلى المدينة آخى بين كعب وطَلحة بن عبيد الله. كان كعب من الشجعان، حرص على أن يخوض أكثر المواقع مع الرسول. ولكنّه كان أحد الثلاثة الذين  تخلفوا عن موقعة تبوك، وأقروا بأنهم لا عذر لهم في ذلك التّخلف، وشعروا بخطئهم. فأمر الرسول باعتزالهم، فصبروا واحتسبوا، حتى نزل العفو عنهم من الله تعالي في سورة التوبة. وكان كعب أحَد الشعراء المجودين الذين تصدّوا للمشركين. وعندما حدثَت الفِتنة في أواخِر خِلافة عثمان، وقَف إلى جانبه وأنْجدَه، وحرّض الأنصار على نصرته. كُفَّ بصَر كعب في أواخِر عمره، وتوفي في خِلافة معاوية. روى 80 حديثاً عن رسول الله، وله ديوان شِعر مطبوع.

معاوية بن أبي سفيان (20ق.هـ ـ 60هـ = 603 ـ 680م)

معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي. مؤسس الدولة الأموية في الشام، وأحد دهاة العرب المتميزين، اشتُهر بالحلم والحكمة والفصاحة والسياسة. وهو أحد كبار الفاتحين في الإسلام.

ولد في مكة وأسلم يوم فتحها في السنة الثامنة للهجرة، وأسلم معه أبوه وأخوه يزيد، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. قيل إِنه أسلم قبل أبيه وقت عُمرة القضاء، وكان يريد اللحاق بالنّبي ولكنه كان يخشى أباه. كان عارفاً بالكتابة والحساب؛ فجعله الرسول  من كتابه. شهد مع رسول الله حُنيناً. ولاّه أبو بكر الصديق  قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فكان على مقدمته في فتح صيدا وعرقة وجبيل وبيروت. ولاه عمر بن الخطاب الأردن، وضم إليه دمشق بعد موت أميرها أخيه زيد. ولاه عثمان بن عفان جميع الديار الشامية. عزله عليّ بن أبي طالب بعد مقتل عثمان، فلم ينفذ الأمر، واتهم علياً بقتل عثمان، ونادى بدم عثمان، ونشبت بينه وبين عليّ حروب طاحنة، انتهت بأن يتولى معاوية الخلافة في الشام ويتولاها عليّ في العراق. وعندما قُتل عليّ وبويع ابنه الحسن، سار معاوية إلي العراق. فلمّا رأي الحسن الفتنة وأن الأمر عظيم تراق فيه الدماء، ورأى اختلاف أهل العراق، تنازل الحسن عن الخلافة إلى معاوية سنة 41هـ. وعاد إلي المدينة، وتسلم معاوية العراق، وأتى الكوفة فبايعه الناس، واجتمعوا عليه، فَسُمّي عام الجماعة. وبقي معاوية خليفة عشرين سنة. بلغت فتوحاته المحيط الأطلسي. وافتتح عامله بمصر بلاد السودان،. أمر ببناء أول أسطول بحري إسلامي ليحمى به ثغور دولته، فكان أول مسلم ركب بحر الروم، وحاصر جيشه القسطنطينية براً وبحراً عام 48هـ. وفي أيامه فتح كثير من جزر اليونان والدردنيل. وغزت جيوشه السِّند وباكستان وبخارى وسمرقند وبلاد الغرب، واهتم بدعوة البربر إلي الإسلام.

وكان معاوية أول من جعل دمشق مقراً للخلافة، وأول من اتخذ الحرس والحُجّاب في الإسلام، وأول من نصب المحراب في المسجد. ولمّا حضرته الوفاة أوصي أن يُكَفَّن في قميص كان رسول الله قد كساه إياه، ولمّا نزل به الموت قال: ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طُوّى، وأني لم أنال من هذا الأمر شيئاً. روى 130 حديثاً. توفي في دمشق.

نائلة بنت الفرافِصَة (... ـ … = … ـ …)

نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبية؛ زوجة أمير المؤمنين عثمان بن عفان. كانت خطيبة وشاعرة، من ذوات الرأي والشجاعة. شهدت مقتل عثمان وألقت بنفسها عليه، فُقِطَعت أصابعها وهي تدافع عنه. وانصرفت إلى المسجد فخطبت في الناس خطبة طويلة. ثم كتبت إلى معاوية ـ وهو في الشام ـ تصف دخول القوم على عثمان، وأرسلت إليه قميصه مضرجاً بالدم وبعض أصابعها المقطوعة. ولمّا سكنت الفتنة خطبها معاوية لنفسه فأبت وحطمت أسنانها، وقالت: إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب، وأخاف أن يبلى حزني على عثمان، فيطّلع مني رجل على ما اطّلع عليه عثمان.

هارون الرشيد (149 ـ 193هـ = 766 ـ 809م)

هارون (الرشيد) بن محمد (المهدي) بن المنصور العباسي، أبو جعفر. خامس خلفاء الدولة العباسية وأشهرهم. ولد بالري عندما كان والده أميراً عليها وعلى خراسان، ونشأ في دار الخلافة ببغداد، هو والد الخلفاء الأمين، والمأمون والمعتصم. ولاّه أبوه غزو الروم في القسطنطينية، فصالحته الملكة إيريني وافتدت ملكها بسبعين ألف دينار، تبعث بها إلى خِزانة الخلافة كل عام. بويع هارون بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي سنة 170هـ. وكان شجاعاً كثير الغزوات، قيل: كان يحج سنة ويغزو سنة، لُقب جبار بني العباس، وازدهرت الدولة في أيامه. ويعتبر عهده في رأي كثير من المؤرخين، أزهي عصور التاريخ الإسلامي علي الإطلاق. فقد حكم إمبراطورية واسعة امتدت من سواحل البحر الأبيض المتوسط الغربية إلي الهند، باستثناء بيزنطة التي كانت تدفع الجزية. شهد عصره بعض الثورات التي قضى عليها، مثل ثورة الوليد بن طريف الشَّاري الشّيباني وثوران بن يوسف، والخرمية، والبربر. تبادل  السفراء والهدايا مع إمبراطور الغرب شارلمان، وكان الرشّيد عالماً بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه وله شعر، حازماً كريماً متواضعاً. اجتمع على بابه من العلماء والشّعراء والكتّاب والندماء ما لم يجتمع لغيره، وكان يطوف أكثر الليالي متنكراً يتفقد الرعية. بلغت مدة ولايته 23 سنة وشهرين وأيام. وعندما أعيت علته الأطباء عهد بالخلافة إلي أبنائه الأمين، ثم المأمون، ثم المؤتمن. توفي في سناباذ في بلاد فارس، وبها قبره.

هند بنت عتبة (... ـ 14هـ = … ـ 635م)

هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف؛ صحابية قرشية، عالية الشهرة. وهي أم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. تزوجت أباه بعد مفارقتها لزوجها الفاكه بن المغيرة المخزومي. كانت فصيحة جريئة شاعرة، صاحبة رأي وحزم وأنفة. شهدت موقعة بدر مع المشركين. وأكثر ما عرف من شعرها مراثيها لقتلى بدر من مشركي قريش، قبل أن تُسْلم. ووقفت عقب معركة أحد، ومعها بعض النسوة، يمثلن بقتلى المسلمين، وفعلت ما فعلت بحمزة عم الرسول، واستخرجت كبده فلاكتها، فلم تطق إساغتها. وكانت ممن أهدر النّبي دمهم، يوم فتح مكة، وأمر بقتلهم، ولو وجدوا تحت أستار الكعبة. فجاءت النّبي مع بعض النسوة في الأبطح، فأعلنت إسلامها، فرحب الرسول بهن، وأخذ البيعة عليهن. وكانت لها تجارة في خلافة عمر t. وشهدت اليرموك وحرّضت على قتال الروم مع زوجها أبي سفيان. توفيت هند في خلافة عمر بن الخطاب في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة، والد أبي بكر الصديق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 74186
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

النساء في البيئة العربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: النساء في البيئة العربية   النساء في البيئة العربية Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 11:26 pm

المصادر والمراجع

1.      القرآن الكريم

2.   ابن سعد الزُهرُّي، "الطبقات الكبرى"، دار صادر، بيروت، 1960.

3.   أبو بكر محمد بن احمد السرخسي، "المبسوط"، مطبعة السعادة، القاهرة، 1331هـ.

4.   أحمد بن طاهر، أبوالفضل، ابن طيفور، "بلاغات النساء"، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1987.

5.   أحمد بن محمد عبد ربه أبو عمر، "العقد الفريد"، تحقيق محمد سعيد العريان، القاهرة، 1953.

6.   أحمد محمد جمال، "مكانك تحمدي"، تهامة للنشر، جدة،  ط 4، 1981.

7.   تاج الدين عبدالوهاب السُبكي، "طبقات الشافعية"، تحقيق عبدالله الحبوري، رئاسة الأوقاف، بغداد، 1931.

8.   جلال الدين السيوطي، "تاريخ الخلفاء"، دار المعرفة، بيروت، 1417هـ/ 1996م.

9.   الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، "الإصابة في تمييز الصحابة"، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1415هـ/ 1995م.

10. الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، "فتح الباري"، بشرح صحيح البخاري، المكتبة السلفية، مصر، د. ت.

11. خالد محمد خالد، "رجال حول الرسول"، دار ثابت، د. ت، ص 195.

12. خير الدين الزركلي، "الأعلام"، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2، 1989.

13. الراغب الأصبهاني، "محاضرات الأدباء"، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961.

14. زغلول السنوسي، "المرأة بين الحجاب والسفور"، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1978م.

15. شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، "ميزان الاعتدال"، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر، بيروت، د.ت.

16. شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، "سير أعلام النبلاء"، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 11، 1417هـ/ 1996.

17. عبد مهنّا، "معجم النساء الشاعرات"، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990.

18. عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي، "أخبار النساء"، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1982.

19. عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري، "عيون الأخبار"، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1974.

20. عبدالله عفيفي، "المرأة العربية"، دار الرائد العربي، بيروت، ط 2، 1982.

21. عبدالملك بن محمد بن إسماعيل، أبو منصور الثعالبي، "اللطائف والظرائف"، مكتبة دار العروبة، الكويت، 1984.

22. عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، ابن هشام، "السيرة النبوية"، مكتبة الكليات الأزهرية، د.ت.

23. عبدالوهاب الكيلالي، "موسوعة السياسة"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 3، 1990.

24. عزالدين أبو الحسن على بن محمد الجزري، أبن الأثير، "أسد الغابة في معرفة الصحابة"، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1415هـ/ 1995م.

25. علي بن الحسين، أبوالفرج الأصفهاني، "الأغاني"، مطبعة الإيمان، بغداد،  1969م

26. علي بن حسين المسعودي، أبوالحسن، "مروج الذهب"، الجامعة اللبنانية، بيروت، 1974.

27. عمرو بن بحر الجاحظ، أبوعثمان، "البيان والتبيين"، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1947.

28. محمد بن مكرم بن منظور، "لسان العرب"، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1417هـ/ 1997م.

29. محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس، "الكامل في اللغة والأدب"، تحقيق شاكر، الحلبي، القاهرة، 1973.

30. محمد جميل بيهم، "المرأة في حضارة العرب"، دار النشر للجامعيين، القاهرة، 1962.

31. مصطفى نجيب، "موسوعة أعلام مصر في القرن العشرين"، وكالة أنباء الشرق الأوسط ـ مصر، ط 1، فبراير 1996.

32. منير البعلبكي، "موسوعة المورد"، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2، 1994.

33. منير الشريف، "مستقبل المرأة العربية"، دار اليقظة، دمشق، 1953.

34. الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1416هـ ـ 1996م.

35. يوسف بن عبدالله بن محمد بن البر، ابن عمر، "الاستيعاب في معرفة الأصحاب"، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1412هـ/ 1992.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
النساء في البيئة العربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» " الرجال قوّامون على النساء ..." سورة النساء اية 34
» البيئة
» ابحاث البيئة
»  أثر الحروب في تدمير البيئة
»  أثر الحروب في تدمير البيئة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الحياة الاسريه والامومة والطفولة :: الحياة الزوجية-
انتقل الى: