أولاً: المرأة قبل الإسلام
لم تكن القبائل العربية كلها تنظر للمرأة نظرة واحدة، فلكل قبيلة أو مجموعة من القبائل عاداتها وتقاليدها ونظرتها الخاصة بالمرأة. وقد حققت بعض النساء لأنفسهن وضعاً مميزاً، فهناك المرأة البرزة "التي تبرز للرجال ولا تحتجب عنهم"، كأم معبد، التي ورد ذكرها في خبر هجرة الرسول r والمرأة التاجرة، كالسيدة خديجة بنت خويلد، والمرأة المنجبة، التي تلد الكرام من الذكور كفاطمة بنت الخُرْشُب الأنماريَّة.
وقد صور القرآن كراهية الجاهلي لولادة الأنُثى، وكيف أنه لا يستقبلها بحبور، وإنما بحزن وغيظ: ]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُون[ (سورة النحل: الآيتان 58، 59). ومن أقوالهم المشهورة عند ولادة الأنُثى: "والله ما هي بنعم الولد". وقد يلجأ بعضهم إلى طلاق زوجته، أو الزواج من أخرى إذا ما تواترت ولادتها للبنات. ويحكى أن أعرابياً غاضب زوجته لمّا ولدت بنتاً، ومكث عند ضَرَّتِها، فسمعها يوماً ترقص بنتها وتقول:
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألاّ نلد البنينا تالله ما ذلك فـي أيديـنا
فقال: صدقت، وعاد فصالحها.
1. الوأد
وأسوأ ما لقيته المرأة في المجتمع الجاهلي الوأد ـ وهو دفنها حية في القبر ـ واليه أشار القرآن في قوله تعالى؛ ]وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[ (سورة التكوير: الآيتان 8، 9). والقبائل التي اشتهرت عن العرب بوأد البنات، هي: تميم وقيس وأسد وهذيل وبكر بن وائل، وربيعة وكندة وطيء.
ويُحكى في سبب الوأد أن قبيلة تميم منعت النعمان بن المنذر الإتاوة، التي كانت تؤديها له سنة من السنين. فوجه إليهم أخاه الرّيان فاستاق النعم (الإبل)، وسبي الذراري (النساء والأطفال). فوفد بنو تميم إلى النعمان يستعطفونه لرد السّبي، فجعل الخيار بيد النساء فقال: "كل امرأة اختارت أباها ردت إليه، وإن اختارت صاحبها تركت عليه. فاختار جميع النساء آباءهن، إلاّ ابنة قيس بن عاصم المنقري، فإنها اختارت من سباها فتُركت عنده. فغضب قيس ونذر ألا يولد له بنت إلاّ وأدها".
ومن صور الوأد عندهم أن الرجل كان يترك بنته حتى تبلغ السادسة من عمرها، ثم يقول لأمها طيبيها وزينيها، فيأخذها إلى الصحراء، فيحفر لها حفرة، ويقول لها: انظري فيها: ثم يدفعها ويهيل عليها التراب حتى تموت. ومنهم من كان يذبحها ساعة الولادة، ومنهم من يصعد بها فوق جبل شاهق فيرديها، وأحياناً تجلس الأم ساعة الولادة إلى حفرة في الأرض، فإن ولدت أنثى ألقتها في الحفرة وطمرتها، وإن ولدت ذكراً حملته إلى أبيه قريرة العين.
2. الإرث
كان عرب الجاهلية لا يورّثون النساء، بل يعدّون المرأة نفسها سلعة تورّث، فإذا مات الرجل وخلّف امرأة فإن أكبر ولده يلقي عليها ثوبه، فإن شاءت تزوجها إرثاً أو حبسها لتفتدي منه، أو ينتفـع بمالهـا. فأنـزل الله تعالـى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ[ (سورة النساء: الآية 19). قال ابن كثير: "نزلت في امرأة ابن قيس بن الأسلت، توفي عنها زوجها فجنح عليها ابنه. فجاءت رسول الله r، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ورثت زوجي، ولا تركت فأنكح" فانزل الله الآية.
وكانوا يجعلون جميع الميراث، للذكور، فلمّا نزلت الآية: ]يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[ (سورة النساء: الآية 11). كرهها بعض الناس، وقالوا: تُعطى المرأة الربع أو الثمن وتُعطى البنت النصف، ويُعطى الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم أو يحوز الغنيمة! اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول r، ينساه، أو نقول له فيُغيّره. وهذا يدل على مبلغ كراهيتهم لتوريث الإناث.
وكذلك كانت الديانة اليهودية، لا تورّث البنت من أبيها إن كان له ولد ذكر. جاء في سِفْر التّكوين في الإصحاح الخامس والعشرين: "وأعطى إبراهيم إِسحق كل ما كان له. وأمّا بنو السَّراري اللواتي كانت لإبراهيم، فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إِسحق ابنه شرقاً إلى أراضي المشرق وهو بعد حيٌّ".
ويقرر تشريع اليهود أن اليهودي إذا تزوج بغير اليهودية ثم ماتت فإن يرثها، وإذا مات هو قبلها لا ترثه. أمّا الإسلام فيمنع التوارث لاختلاف الدين، فإذا تزوج المسلم اليهودية أو النصرانية فانه لا يرثها ولا ترثه؛ لأن الإرث أساسه التناصر والتعاون، وهذا منتفٍ بين المسلم وغير المسلم.
3. الزواج
تُظْهِر أنواع الزواج قبل الإسلام، الفرق الكبير بينها وبين الزواج في الإسلام، الذي حفظ للمرأة حقوقها وإنسانيتها معاً. فمن أمثلة الأنكحة قبل الإسلام:
أ. نكاح البدل: أن يتنازل الرجل عن زوجته لآخر، مقابل أن يتنازل له الآخر عن زوجته أيضاً.
ب. نكاح الرهط: أن يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها فإذا وضعت أرسلت إليهم لا يمتنع أحدهم عن المجيء، فتختار الرجل الذي تحبه وتلحق الولد به.
ج. نكاح الشّغار: هو نكاح المرأة بالمرأة دون صداق، كأن يزوج الرجل ابنته أو أخته بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته.
د. نكاح الاستبضاع: وهو أن يقول الرجل لزوجته، إذا طَهُرت من طمثها: "اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه". ويكون فلان هذا من المشهورين بالشجاعة والكرم أو غيرهما من الصفات العليا، فإذا أصابها اجتنبها زوجها حتى يتبيّن حملها، وذلك رغبة منهم في نجابة الولد. وكانت هذه العادة معروفة عند العرب كما كانت معروفة عند الجرمانيين القدماء، واليونان القدماء من سكان أسبرطة. فكان الهرم منهم إذا رأى من نفسه عدم القدرة، يأتي بزوجته إلى أحد أصحابه من الأحداث ليواقعها، فإذا ولدت ولداً تبناه وجعله وارثاً له.
هـ. نكاح البغايا: وهو أن يدخل مجموعة من الناس على إحدى النساء ممن شُهِرن بالبِغاء ـ وكن ينصبن الرايات لذلك ـ فيواقعونها. فإذا وضعت حضروا جميعاً، وأتى القافة، و(هم خبراء الشّبه)، فيُلحقون المولود بمن يشبهه.
و. نكاح الخِدَانِ والصداقة: (وهو اتخاذ العشيقة والخليلة)، وكانت العرب تقول: ما استتر منه فلا بأس به، وما ظهر فهو لؤم.
ز. نكاح المتعة: وهو الزواج إلى أجل مسمى، فإذا انقضى الأجل حرمت عليه، كأن يتزوجها يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً، وسمي كذلك لأن الغرض منه التمتع دون التوالد، وكان مباحاً ثم حرّمه رسول الله r ]فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r "نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ[(رواه مسلم، الحديث الرقم 2510) والسبب في تحريم زواج المتعة أن غرضه مجرد قضاء الشهوة. فإذا قضى الرجل وطره من المرأة قذف بها خارج بيته لأنه لا يعنيه من هذا الزواج التناسل، ولا المحافظة على كرامة المرأة وحفظ شرفها، ولا الإنفاق عليها، ولا المحافظة على الأولاد وتربيتهم، وتلك هي مقاصد الشريعة من الزواج.
ح. نكاح المقت: وهو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه، وكان من عادتهم إذا مات الرجل قام أكبر أولاده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها.
وأغلب هذه الأنواع من الأنكحة تجعل المرأة سلعة مشاعة بين الرجال، وهي ممارسة معروفة لدى عدد من الأمم. ففي إقليم "مالابار" في الهند كانت الفتاة البكر تقدم إلى رجل يفض بكارتها حتى تستطيع الزواج من أحد أبناء عشيرتها إذ لا يحل من العشيرة أن يسفك منها أي دم. وفي كمبوديا يزيل بكارتها الكاهن الديني نظير مكافأة مجزية.
وفي أوروبا المسيحية أصدر ملك اسكتلندا "أفانوس" قانوناً، يعطيه الحق في الدخول بكل امرأة قبل أن يدخل بها زوجها. وكان من حق النبلاء والبارونات في إنجلترا قضاء الليلة الأولى مع زوجـة أي فلاح من أرضهم. وذلك على مرأى ومسمع من الكنيسة، ولم يلغ هذا الحق إلاّ في سنة 1486م.