ثالثاً: السرايا والغزوات (السنة الهجرية الثانية)
1. غزوة وَدَّان (الأبْواء) (صفر)
2. غزوة بواط (ربيع الأول)
3. غزوة ذي العشيرة (الجُمادَيان)
4. غزوة بدر الأولى (سفوان) (جمادى الآخرة)
5. سرية عبدالله بن جحش (رجب)
6. غزوة بدر الكبرى (رمضان)
7. حِصار بني قينقاع (شوال)
8. غزوة بني سليم (شوال)
9. غزوة السويق (ذو الحجة)
10. غزوة ذي أمر (المحرم)
11. غزوة بحران (ربيع الآخر)
1. غزوة وَدَّان (الأبْواء) (صفر)
أ. أسباب الغزوة
تهديد تجارة قريش، في الطريق الواصل بين مكة والشام، والسعي إلى محالفة القبائل المسيطرة عليه.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
دورية مقاتلة، عدتها مائتا راكب وراجل، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
قوة غير معلومة، من قريش وبني ضَمْرة.
ج. سير أعمال القتال
وصلت الدورية إلى وَدّان[3]، إلا أنها لم تلتقِ قريش؛ وإنما التقت سيد بني ضمْرة، مخشبي بن عمرو الضمري، في منطقة بني، فحالفته، ووادعته. وكاتبه رسول الله على ألا يغزوه ولا يغزوهم، ولا يعينوا عليه عدوّاً، ولا يكثروا عليه جمعاً.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
لا قتال، ولا خسائر. تحالُف الرسول وبني ضمرة.
[3] وهى قرية قريبة من الجحفة.
2. غزوة بواط (ربيع الأول)
أ. أسباب الغزوة
تهديد تجارة قريش، في الطريق الواصل بين مكة والشام.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
دورية مقاتلة عددها مائتا راكب وراجل، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
قافلة تجارية لقريش، تضم ألْفين وخمسمائة بعير، يحميها مائة راكب وراجل، يقودهم أمية بن خلف الجُمحي.
ج. سير أعمال القتال
وصل النبي إلى بواط[4]، إلا أن القافلة قد سارعت إلى طريق آخر، بعد علم قائدها بتحرك المسلمين؛ فأفلتت. وظل الرسول في بواط قرابة الشهر.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
لا قتال ولا خسائر.
[4] وهو جبل من جبال جهينة بناحية جبل رضوى.
3. غزوة ذي العشيرة (الجُمادَيان)
أ. أسباب الغزوة
تهديد طريق تجارة قريش، في الطريق الواصل بين مكة والشام. وانتظار قافلة أبى سفيان الذاهبة إلى الشام. وهي القافلة عينها، التي ستسبب غزوة بدر الكبرى، حين عودتها.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
دورية مقاتلة، عمادها مائتا راكب وراجل، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
قافلة تجارية لقريش، يقودها أبو سفيان.
ج. سير أعمال القتال
استعمل رسول الله على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وخرج إلى العشيرة[5]؛ إلا أن قافلة قريش فاتته، فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة. وادع خلالها بني مُدْلج وحلفاءهم من بني ضمرة.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
لا قتال، ولا خسائر. توادُع الرسول وبني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة.
[5] وهي حصن صغير بين "ينبع" وذي المروة
4. غزوة بدر الأولى (سفوان) (جمادى الآخرة)
أ. أسباب الغزوة
مطاردة قوات المشركين كُرز بن جابر الفهري، واستعادة الغنم والإبل، التي استولوا عليها.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
دورية مقاتلة، عدتها مائتا راكب وراجل، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
قوات خفيفة، وسريعة، غير معلوم عددها، يقودها كرز بن جابر الفهري.
ج. سير أعمال القتال
ما كاد الرسول يرجع من غزوة ذي العشيرة إلى المدينة، ليقيم بها عشر ليالٍ، حتى أغار كُرز بن جابر الفهري، أحد المؤيدين لقريش في مكة، على غنم المدينة وإبلها. فاستعمل النبي عليها زيد بن حارثة، وخرج في طلبه، متقدماً نحو وادي سَفَوَان[6]؛ إلا أنه لم يدرك الغزاة.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
لا قتال، ولا خسائر. في القوات من الجانبين.
[6] وهو وادي من ناحية بدر.
5. سرية عبدالله بن جحش (رجب)
أ. أسباب خروج السرية
تسقّط أخبار قريش، من دون قتال؛ لحرمته في هذا الشهر.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
دورية استطلاع مكونة من اثنَي عشر رجلاً من المهاجرين، يقودهم عبدالله بن جحش الأَسَدي.
(2) المشركون
قافلة تجارية لقريش، يحرسها أربعة رجال، يقودهم عمرو بن الحضرمي.
ج. سير أعمال القتال
زوّد رسول الله قائد دورية الاستطلاع برسالة مغلقة، وأمره بعدم فتحها إلا بعد مسيرة يومَين، وأن ينفَّذ محتواها فور قراءتها، وألا يُكرِه أحداً من رجاله على مرافقته. قد جاء فيها: "إذا نظرت في كتابي هذا، فامضِ حتى تنزل نَخْلة، بين مكة والطائف؛ فترصد قريش، وتعلم لنا أخبارها". بعد مسيرة يومَين، فتح ابن جحش الرسالة، وعلم فحواها. وأخبر رهْطه بالمهمة، وبأمر النبي ألا يكرِه أحداً منهم على مرافقته. بيد أنهم لم يتخلفوا عنه، عدا سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، اللذَين ذهبا يبحثان عن ضالتهما، فأسرتهما قريش.
تقدمت دورية الاستطلاع إلى أرض نخلة، حيث مرت قافلة قريش فهجم عليها عبدالله بن جحش ورجاله، فقتلوا واحداً، وأسروا آخرَين، ثم عادوا إلى المدينة بالمغانم، التي اقتطعوا خمْسها لرسول الله؛ ولكنه قال لهم: "ما أمرتكم بقتال، في الشهر الحرام"، وأبى أن يأخذ شيئاً من العير والأسيرَين. وأسقط في يد عبدالله بن جحش وأصحابه. وعنفهم مسلمو المدينة.
انتهزت قريش ما حدث، فشهّرت بالمسلمين، أنهم استباحوا سفك الدماء، وأخذ الأموال، في الشهر الحرام. وحاول اليهود إشعال نيران الفتنة، فنزل قول الله ـ عز وجل ـ
يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ( (البقرة: الآية 217).
سُرَّ المسلمون بهذه الآية. وأخذ الرسول العير والأسيرَين. وافتدتهما قريش بسعد وعتبة. غير أن أحد الأسيرَين المشركَين، الحكم بن كيسان، أسلم، وأقام بالمدينة.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
(1) المسلمون
أُسِر منهم اثنان: سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان.
(2) المشركون
قُتل "عمرو بن الحضرمى". وأُسِر اثنان: عثمان بن عبدالله بن المغيرة والحكم بن كيسان. وتمكن الرابع، نوفل بن عبدالله، من الفرار.
تمثل سرية عبدالله بن جحش فيصلاً بين ما كان وما سيكون؛ فما حدث فيها، يخالف كلّ المخالفة ما حدث في السرايا والغزوات السابقة. إنها إيذان بقتل المشركين وأسْرهم؛ وظهور نظام جديد في سياسة الإسلام نحو الآخرين، نظام إنساني قوي، ينظم الحياة، المادية والمعنوية والروحانية، بقوة ورفعة وسمو نحو الكمال. فالقرآن الكريم يجيب المشركين عن القتال في الشهر الحرام، فيقر بأنه أمر كبير؛ ولكن الصد عن سبيل الله والكفر به، أكبر منه؛ وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله؛ وفتنة المسلمين وتهديدهم بترك هذا الدين، هما أكبر من القتل في الشهر الحرام.
6. غزوة بدر الكبرى (رمضان)
أ. خلفية تاريخية، ومواقف الجانبَين قبل الغزوة
ازداد المسلمون عدداً وقوة، إلا أن موقفهم الاقتصادي، كان حرجاً جداً؛ فقد ترك المهاجرون أموالهم في مكة، وهم يشاركون الأنصار في أرزاقهم القليلة؛ وكان ذلك حافزاً قوياً لهم إلى محاولة استعادتها. أمّا قريش، فقد سعت إلى الثأر بقتل عمرو بن الحضرمي من المسلمين، وتحاول استعادة هيبتها وكرامتها بين العرب، وتجنيب طريق التجارة بين مكة والشام تهديد المسلمين، الذي يسهم في تردي وضعها الاقتصادي، فيؤثر في موقفها العسكري.
ب. أسباب الغزوة
بعد أن أفلتت قافلة أبي سفيان من المسلمين، في غزوة ذي العُشَيرة، أثناء ذهابها إلى الشام، والتي بذلت فيها قريش معظم أموالها، عزم المسلمون على انتظار عودتها للاستيلاء عليها. ولما علم أبو سفيان بعزم الرسول وأصحابه على التربص بالقافلة، بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة، لاستنفار قريش؛ فلم تلبث أن حشدت كلّ رجالاتها وأموالها، وأجمعت على الخروج، للدفاع عن أبي سفيان وقافلته.
ج. حجم القوات المتضادة وتشكيلات القتال
(1) المسلمون
قيل ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً، من المهاجرين والأنصار، قليلو العدة والعتاد، كما جاء في حديث عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي ثَلَاثِ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْقَلَبُوا حِينَ انْقَلَبُوا وَمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلا وَقَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أَوْ جَمَلَيْنِ وَاكْتَسَوْا وَشَبِعُوا" (سنن أبي داود، 2367، كتاب الجهاد). وقيل ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، يقودهم رسول الله، ومعهم فَرَسَان وسبعون بعيراً، كلّ ثلاثة أو أربعة منهم، يتعاقبون بعيراً واحداً. وكان تشكيل القتال كالآتي:
(أ) دورية استطلاع أمامية، تتحرك في اتجاه القافلة، للحصول على معلومات عنها.
(ب) القوة الرئيسية، وتتكون من كتيبتَين: كتيبة المهاجرين) ذات الراية السوداء، ويقودها علي بن أبي طالب، وعمير بن هاشم؛ وكتيبة الأنصار ورايتها سوداء كذلك، ويقودها سعد بن معاذ.
(ج) المؤخرة، يقودها قيس بن أبي صعصعة.
(د) القيادة العامة، بإمرة مصعب بن عمير بن هاشم"؛ ورايتها بيضاء.
(2) المشركون
بين تسعمائة وألْف (950 رجلاً)، معهم مائتا فرس، وعدد كبير من الإبل. ويقودهم عدد من رجالات قريش، ولا سيما أبي جهل، عمرو بن هشام. وغير معلوم تشكيل قتالهم، عدا دوريات استطلاع متقدمة.
د. فكرة تنفيذ العملية
(1) المسلمون
دفع دورية متقدمة، تراقب طريق عودة قافلة أبي سفيان من الشام، وتستطلع أخبارها، وتبلغ القوة الرئيسية الوقت الملائم للتحرك، واعتراض القافلة، والاستيلاء عليها.
(2) المشركون
الإسراع إلى حماية القافلة العائدة من الشام، والقضاء على قوات المسلمين، قبل الاستيلاء عليها.
هـ. سير أعمال القتال
بعث الرسول طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد إلى الحوراء[7]. فلما مرت قافلة قريش بهما، أسرعا في إخباره باقترابها. ولكنه لم ينتظر خبرهما، فقد خشي أن تفوته العير، كما فاتته في رحلة الذهاب إلى الشام؛ وهي صيد ثمين، يقدر بخمسين ألْفاً من الدنانير؛ بل ندب المسلمين إلى الخروج، قائلاً: "هذه عير قريش، فاخرجوا إليها؛ لعل الله ينفلكموها". فخف بعضهم، وتثاقل الآخرون.
وكان ضمضم بن عمرو الغفاري، قد استنفر قريش، لنجدة قافلة أبي سفيان؛ إذ شق قميصه، من قُبُل ومن دُبُر، وصاح: "اللطيمة، اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان، تَعرَّض لها محمد. الغوث، الغوث!". وتردد بعض قريش في الخروج، إلا أن أبا جهل، المتسلط، دعاهم للقتال؛ فلم يتخلف منهم سوى أبي لهب، الذي أناب عنه العاص بن هشام بن المغيرة.
وخرج الرسول، لثمانٍ خلون من رمضان؛ جاعلاً عمرو بن أم مكتوم على الصلاة بالناس، واستعمل أبا لبابة على المدينة. وإذ أتى المسلمون وادي ذفيران، فوجئوا بأن قريش خرجت من مكة، للدفاع عن القافلة؛ وهم لم يخرجوا إلا لغنيمة، يحميها عدد قليل من رجالات قريش، يراوح عددهم بين ثلاثين وأربعين رجلاً. عندئذٍ، قرر الرسول حشد المسلمين للحرب؛ فأصبح الهدف، مقاتلة صناديد قريش، وليس الاستيلاء على القافلة.
استشار الرسول أصحابه، فأشار عليه أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ، ثم قال المقداد بن عمرو: "امضِ لما أراك الله؛ فنحن معك. والله، لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا؛ إنا هاهنا قاعدون؛ ولكن، اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون".
وسرعان ما أحس الأنصار أن الرسول يريدهم أن يقاتلوا معه، خارج المدينة، وهو ما لم تنص عليه بيعة العقبة؛ فبادر سعد بن مُعَاذ، صاحب رايتهم، إلى القول: "امضِ لما أردت؛ فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته، لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد. وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غداً. وإنا لصُبُر في الحرب، صُدُق في اللقاء؛ لعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك. فسر بنا على بركة الله".
وسُرّ المصطفى بذلك، وأشرق وجهه، وقال: "سِيروا، وابشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتَين. والله! لكأني، الآن، أنظر إلى مصارع القوم". وعمد إلى استطلاع المنطقة القريبة من بدر، فعلم أن عير قريش قريبة منها، فبعث إليها على بن أبى طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، ليستطلعوا من كثب، فعرفوا أن قريش قد وصلت إلى العدوة القصوى. وعادوا ومعهم غلامان، استجوبهما الرسول، فعَلِم منهما أن قريش تنحر من الإبل تسعاً، ثم عشراً، يوما بعد يوم، فاستنتج أن قوّتها تراوح بين تسعمائة وألْف؛ وأن فيهم أشرافها، قد خرجوا جميعاً لمنعه، فقال: "هذه مكة، قد ألقت أفلاذ كبدها"، وعددهم ثلاثة أمثال المسلمين؛ فالمعركة ستكون حامية الوطيس. ثم دفع بجماعة استطلاع أخرى إلى ماء بدر، قدرت أن عير قريش ستبلغه في الغد.
وسعى أبو سفيان إلى استطلاع أخبار المسلمين، عند ماء بدر، خشية أن يكونوا قد سبقوه إلى طريق القافلة. فوجد مجدي بن عمرو، الذي أفاد بأن راكبَين قد أناخا بتلّ قريب، أشار إليه. فعجل أبو سفيان إلى مناخهما، حيث فتّ بعْراً، وجد فيه نوى، فعَلِم أنه من علائف يثرب. وقرر تعديل طريق القافلة، لتسير بمحاذاة البحر، وزيادة سرعة حركتها؛ فنجت من المسلمين.
رأى المسلمون، بعد أن أفلتت القافلة، أنهم سيخوضون معركة حامية، غير متكافئة، بينهم وبين قريش؛ حتى إن بعضهم جادلوا النبي في أن يعودوا إلى المدينة؛ إذ كانوا يطمعون في "غير ذات الشوكة"، قافلة أبي سفيان، على أمل الغنيمة. وفي ذلك نزل قول الله: ]وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ[ (الأنفال: الآية 7).
ارتأى أبو سفيان أن لا حاجة إلى القتال، بعد نجاة القافلة. وخالفه أبو جهل، بقوله: "والله! لا نرجع حتى نرد بدراً، فنقيم عليه ثلاثاً، ننحر الجُزُر، ونُطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسايرنا وجمعنا؛ فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها". وانقسمت قريش، فرجع بنو زُهرة، واتبع معظمها أبا جهل، فمضوا حتى نزلوا بالعدوة القصوى.
توجه الرسول إلى أدنى ماء من بدر، حيث نزل. فبادره الحُباب بن المُنِذر بن الجموح، قائلاً: "يا رسول الله، أمنزلاً أنزلكه الله؛ فليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه؛ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟". فأجابه: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". فقال الحُباب: "يا رسول الله، ليس هذا بمنزل. فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فتنزل. ثم نُغَّور ما وراءه من القلب[8]، ثم نبني عليه حوضاً، فنملأه ماء. ثم نقاتل القوم، فنشرب، ولا يشربون". فأخذ الرسول برأي الحُباب، وبنى المسلمون الحوض.
ثم أشار سعد بن مُعاذ على الرسول ببناء عريش، لحمايته، قائلاً: "نبي الله، نبني لك عريشاً، تكون فيه، وتعد عندك ركائبك. ثم نلقى عدوّنا؛ فإن أعزنا الله، وأظهرنا على عدوّنا، كان ذلك ما أحببنا؛ وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا؛ فقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشد لك حباً منهم. ولو ظنوا أنك تلقى حرباً، ما تخلفوا عنك؛ يمنعك الله بهم، يناصحونك، ويجاهدون معك". فأثنى الرسول على هذه المشورة. وبنى سعد له العريش.
تسقطت قريش أخبار المسلمين، فعلمت أنهم يناهزون الثلاثمائة، ولا مكمن لهم، ولا مورد؛ غير أنهم لا يموت الرجل منهم قبل أن يقتل مثله. وكان عُتبة بن ربيعة متردداً في قبول رأي أبي جهل في شأن قتال المسلمين؛ إلا أن الأخير استثار عامر بن الحضرمي، الذي قتل أخاه عبدالله بن جحش، إذ صرخ: "وَاعَمْراه!". فلم يبقَ بعدها سوى الحرب.
وقد عجِل بالقتال الأسود بن عبد الأسد، حين اندفع نحو المسلمين، يريد هدم الحوض الذي بنوه، فعاجله حمزة بن عبد المطلب بضربة من سيفه، أطاحت ساقه، وأتبعها بضربة أخرى، قضت عليه دون الحوض. ثم خرج عُتبة بن ربيعة وابنه الوليد، وأخوه شَيْبة بن عتبة؛ فانبرى لهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعُبيدة بن الحارث. فقتل حمزة شيبة. وقتل علي الوليد. وأعان المنتصران عُبيدة على عُتبة، وقد ثبت له.
والتقى الجمعان صباح الجمعة، في السابع عشر من رمضان. ولما رأى الرسول كثرة قريش، وقِلة المسلمين وضعف عُدتهم، دعا ربه بالنصر، وجهد في تضرعه، حتى سقط رداؤه: "اللهم، هذه قريش قد أتت بخُيلائها، تحاول أن تكذب رسولك. اللهم، فنصرك الذي وعدتني. اللهم، إن تهلك هذه العصابة، اليوم، لا تعبد". وكان أبو بكر يرد عليه رداءه، ويقول: "يا نبي الله، إن الله منجز لك ما وعدك". ثم خفق الرسول خفقة من نعاس، رأى خلالها النصر، وخرج إلى الناس مستبشراً، ويقول محرضاً على قتال قريش: "والذي نفس محمد بيده! لا يقاتلهم، اليوم، رجل، فيقتل صابراً محتسباً، مقبل غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة". فقاتل المسلمون بقوة فكان الرجل منهم بعشرة، وفي هذا نزل قول الله عز وجل: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ(65) الآن خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(66)[ (الأنفال).
حمي الوطيس، وركز المسلمون هجومهم سادة قريش وزعمائها، وثأر بلال من أمية بن خلف، الذي كان يعذبه في مكة، فقتله. وقتل معاذ بن عمرو بن الجموح أبا جهل، عمرو بن هشام. وخاض حمزة وعلي والصحابة غمار المعركة، ببسالة وقوة. وأمدهم الله بالملائكة، يبشرونهم بالنصر، ويثبتونهم على أعدائهم، وأخذ الرسول حفنة من الحصباء ألقاها في وجه قريش، قائلاً: "شاهت الوجوه". ثم قال لرجاله: "شدوا عليهم". فشدوا على المشركين، وأدخل الله في قلوبهم الرعب؛ وفي هذا نزل قوله: ]إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ[ (الأنفال: الآية12)؛ وقوله: ]فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (الأنفال: الآية17).
و. نتائج أعمال القتال
انتصار المسلمين وهزيمة قريش وفرارها. ومطاردتهم فلولها. وكان أول من دخل مكة هو الحيسمان بن عبدالله الخُزاعى، ليخبر بهزيمة قريش ومصابها. ولم يتحمل أبو لهب الخبر، فمات بعد سبعة أيام. واصطبرت قريش على محنتها، حتى سنحت فرصة افتداء أسراها. وراوح فداء الأسير بين أربعة آلاف وألف درهم. أمّا المعسر، فقد منَّ عليه رسول الله بحريته.
أقام المسلمون ببدر، إلى آخر النهار. وحفروا قَليِباً، دفنوا فيه قتلى قريش. وشغلوا، ليلاً، بجمع الغنيمة. وبعث محمد إلى المدينة عبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة، بشيرَين لأهلها بالنصر. وكان زيد بن حارثة ممتطياً القصواء، ناقة النبي. وتلقى سكانها أخبار النصر بالأفراح والسرور. وعاد إليها المسلمون بالأسرى والغنائم. وأمر الرسول بقتل أسيرَين، كانا من أشد المشركين قسوة على المسلمين في مكة، هما النضر بن الحارث وعُقبة بن أبي معيط. ووزع الغنائم على أصحابها.
ز. الخسائر
(1) المسلمون
استشهاد 14 رجلاً (ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار) .
(2) المشركون
مقتل 70 رجلاً، وأسر 70 آخرين.
ح. الدروس المستفادة
(1) وحدة القيادة: تجلت في العمل تحت قيادة واحدة، تمثلت في رسول الله؛ وانعكاس ذلك على روح الانضباط بين الصحابة، وتنفيذ المهامّ بدقة، طبقاً لأوامر القائد الأعلى.
(2) القضاء على قوة العدوّ الاقتصادية، للتأثير في قوّته العسكرية: وتمثل ذلك في محاولة النبي التربص بقوافل قريش التجارية، وتهديده طريقها بين مكة والشام.
(3) مبدأ الشورى، وخاصة وقت الحرب: وقد تمثل ذلك في الأخذ برأي الحُباب بن المنذر، الذي ارتأى استبدال موقع المسلمين، قبل المعركة؛ والأخذ بمشورة سعد بن مُعاذ بناء عريش للقيادة.
(4) رفع الروح المعنوية للمقاتلين: من خلال تحريض الرسول المسلمين على القتال، وبشارتهم بوعد الله إياهم بالنصر، على قِلة عددهم وعدتهم.
(5) دفع دوريات الاستطلاع، لمعرفة نيات العدوّ وتحركاته: وكان الرسول نفسه يضطلع بتلك المهامّ، أحياناً. وقد استشف قوة قريش من خلال الإبل، التي تنحرها كلَّ يوم.
(6) السِّرِّية في الحرب: طالما أمر الرسول صحابته بعدم لفت أنظار عدوّهم إليهم، قبل بدء القتال؛ وأن يظلوا في أماكنهم، حتى يصبح في مرمى النبال، على مقربة منهم، فتثير المفاجأة فزعاً في صفوفه.
(7) التمييز بين قوات المسلمين والمشركين، عند القتال المتلاحم: وضع الرسول كلمة للتعارف بين المسلمين، أثناء القتال، وهي: "أحد، أحد".
(
الإحسان إلى جثث القتلى من الأعداء: فقد أمر الرسول بجمع قتلى المشركين، ودفنهم في قليب.
(9) الإحسان إلى الأسرى: قبل الرسول فداء الأسرى يما يراوح بين ألْف و4 آلاف درهم، نظير الأسير الواحد؛ ولكنه أطلق فقراءهم، من دون فداء. كما كان المسلمون يضمدون جراح المشركين أسوة بالمسلمين، من دون تمييز بينهم.
(10) عدم تأثير رابطة الدم في العقيدة: كان الرجل من المسلمين المهاجرين، يقتل أباه وأقاربه في الحرب، من دون أن يتأثر بِصِلة القربى.
(11) تنظيم تشكيلات القتال: نظّم الرسول المسلمين صفوفاً، فجعل مقدمة وقوة رئيسية ومؤخرة، ولكل منها لواؤها المميز؛ فاستطاع السيطرة على قواته، طوال المعركة. بينما قاتلت قريش بأسلوب غير نظامي (أسلوب الكر والفر). (انظر شكل موقعة بدر)
[7] وهى مرفأ سفن مصر إلى المدينة على البحر الأحمر، في أخر حدودها من جهة الحجاز.
[8] القلب: جمع قليب وهو البئر، وتغويرها أي كبسها بالتراب حتى ينضب ماؤها.
7. غزوة بني قينقاع (الأول من شوال)
أ. أسباب الغزوة
(1) أسباب غير مباشرة
تجسُّس اليهود من المسلمين، ونقل المعلومات عن نياتهم وتحركاتهم إلى المشركين؛ فضلاً عن نبذهم ما عاهدوا عليه المسلمين.
(2) أسباب مباشرة
تعرض اليهود لامرأة مسلمة، تبيع حلى في سوق بني قينقاع، فاستغاثت. واستجاب لها أحد المسلمين، فقتل الصائغ اليهودي. وانتصر له قومه، فقتلوا المسلم، ثم لاذوا بحصونهم.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
مسلمو المدينة كافة، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
بنو قينقاع في حصونهم.
ج. سير أعمال القتال
طلب الرسول من بني قينقاع الحفاظ على عهد الموادعة؛ فهُم أول من غدر من اليهود. وأمرهم بعدم إيذاء المسلمين في المدينة، وإلا لحق بهم ما لحق بقريش يوم بدر. ولكنهم استخفوا بتهديده وقالوا: "لا يغرنك، يا محمد، أنك لقيت قوماً، لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة. إنا، والله! لئن حاربنا، لتعلمن أنا نحن الناس". فبادروا إلى محاصرتهم داخل قلاعهم، خمسة عشر يوماً، بعد أن استخلف أبا لبابة على المدينة؛ إلا أنهم لم يستطيعوا المقاومة، فاستسلموا، ورضوا بما يفعله الرسول في رقابهم ونسائهم وذريتهم وأموالهم.
قرر محمد قتلهم جميعاً؛ ولكن عبدالله بن أبي بن سلول، سارع إلى طلب العفو عنهم، قائلاً: "يا محمد، أحسن في مواليّ". فأبطأ عليه النبي، فكرر الطلب، وأدخل يده في جيب درع الرسول، فتغير وجهه الكريم، وقال: "أرسلني، ويحك". فقال عبدالله، رأس المنافقين: "لا، والله! لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ. أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة! إني والله! امرؤ أخشى الدوائر". فرأى الرسول في إلحاحه ما يجعله يعود إلى سكينته، وخاصة بعد أن جاءه عبادة بن الصامت، يحدثه بما تحدث به عبدالله بن أبي. ورأى أن يتركوا المدينة، تاركين وراءهم السلاح والمال، والذهب الذي كانوا يصوغون. فتركوها وتوجهوا إلى وادي القرى، حيث أقاموا زمناً، ثم ساروا نحو الشام حتى بلغوا أذريعات[9]، فأقاموا بها.
د. نتائج أعمال القتال والخسائر
بجلاء بني قينقاع، ضعفت شوكة اليهود في المدينة، حيث كان أكثرهم في خيبر وأم القرى. واستولى المسلمون على ديارهم وسلاحهم وأموالهم. وبسطوا هيبتهم على سائر سكان المدينة.
[9] أذريعات: موضع في منطقة شرق الأردن حالياً بين أجنادين والشام.
8. غزوة بنى سُليم(آخر شوال)
أ. أسباب الغزوة
القضاء على بني سُليم وغطفان، القبيلتَين الواقعتَين على طريق التجارة الحيوي، بين مكة والشام؛ إذ بلغ الرسول اعتزامهما الاعتداء على المسلمين.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
دورية مقاتلة، قوامها مائتا راكب وراجل، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
بنو سُليم وغطفان.
ج. سير أعمال القتال
خرج الرسول إلى قرقرة الكدر[10]، حيث لم يجد أحداً من بني سُليم وغطفان؛ وإنما وجد إبلهم، فقسمها بين المسلمين. وأقام بمنازلهم ثلاثة أيام، لإظهار قوة المسلمين. ثم عاد إلى المدينة بالغنائم. وكان بنو سُليم وغطفان قد فروا، حين سمعوا بقدوم الرسول، تاركين أنعامهم.
د. نتائج أعمال القتال والخسائر
استولى المسلمون، من دون قتال، على غنائم، تقدر بخمسمائة بعير؛ قسمها الرسول بينهم، بعد أن أخذ الخمس، فأصاب كلٌّ منهم بعيرَين. ولم تحدث أيّ خسائر في الجانبَين.
[10] قرقرة الكدر: هي أرض ملساء بناحية المعدن وقريبة من المدينة، وقيل هي ماء لبنى سليم.
9. غزوة السويق (ذو الحجة)
أ. أسباب الغزوة
محاولة أبي سفيان الإغارة على المدينة، بهجوم خاطف؛ عَلَّه يعيد إلى قريش بعض هيبتها.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
قوات مطاردة خفيفة، يقودها رسول الله.
(2) المشركون
مائتا فارس من قريش، يقودهم أبو سفيان.
ج. سير أعمال القتال
قرر أبو سفيان مباغتة المدينة بغارة خاطفة؛ ليرد لقريش بعض سمعتها المتردية في بدر. وأراد أن يحدث خسائر في المسلمين، ويبر بقسَمه الذي قطعه على نفسه، "ألا يمس رأسه ماء من جنابة، حتى يغزو محمداً". وتحرك حتى وصل إلى بني النضير، ليلاً. ونزل على سلام بن مشكم، من سادة اليهود. وعلم منه أخبار المسلمين. وشاوره في أشد الطرائق أذى بالمسلمين، وطريقة الإفلات منهم، من دون خسائر. ثم هجم أبو سفيان على العريض، وهي منطقة قريبة من المدينة، حيث حرّق بيتَين وعدداً من النخيل، وقتل مزارعَين. ثم فر هارباً.
تولّى رسول الله مطاردته بقوة خفيفة من المسلمين. إلا أن أبا سفيان أسرع بقواته، وتخفف من حمولته، وأكثرها من السويق[11]، حتى تمكن من الهرب. وحصل المسلمون على ذاك السويق، وسميت الغزوة بغزوة السويق لهذا السبب.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
عاد المسلمون إلى المدينة، من دون قتال، بعد الاستيلاء على الأحمال، التي تركها أبو سفيان. ولم تحدث أيّ خسائر في قوات المشركين. أمّا خسائر المسلمين، فكانت تحريق بيتَين وعدد من النخيل، وقتل مُزارع من الأنصار وحليفه، وهما يحرثان أرضهما.
[11] السويق: هو حنطة أو شعير محمص ومطحون، ثم يمزج باللبن والعسل والسمن.
10. غزوة ذي أمَرَّ (المحرم)
أ. أسباب الغزوة
علم الرسول أن جمعاً من بني ثعلبة ومحارب، بذي أمَرَّ، يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
أربعمائة وخمسون مقاتلاً، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
بنو ثعلبة ومحارب.
ج. سير أعمال القتال
خرج الرسول لملاقاة بني ثعلبة ومحارب، بعد أن استخلف على المدينة عثمان بن عفان. فلقيه رجل من بني ثعلبة، يقال له جُبار، فسأله عن القوم، فدله على مكانهم، وقال: "إن القوم إذا علموا بمسيرك، هربوا إلى الجبال. وأنا سائر معك، ودالك على عورتهم". وقد حدث ما قال، فما لبثوا أن هربوا إلى الجبال، حين سمعوا باقتراب محمد وأصحابه. وعاد المسلمون إلى المدينة، من دون قتال.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
مكث المسلمون بديار القبيلتَين صفراً كله، من سنة 3هـ.
11. غزوة بَحْرَان (ربيع الآخر)
أ. أسباب الغزوة
علم الرسول أن جمعاً من بني سُليم، يتهيؤون لقتال المسلمين، فقرر القضاء عليهم، قبل إنجاز استعداداتهم.
ب. حجم القوات المتضادة
(1) المسلمون
ثلاثمائة راكب وراجل، يقودهم رسول الله.
(2) المشركون
بنو سُليم.
ج. سير أعمال القتال
حرص الرسول على مباغتة بني سُليم في عقر دارهم، حتى يحبط استعداداتهم للهجوم على المسلمين. وقبل ليلة من وصوله إلى بحران[12]، لقي رجلاً منهم، فسأله عنهم، فأفاده بأنهم قد عادوا أدراجهم، حين سمعوا بخروجه إليهم. وعاد الرسول، من دون قتال، بعد أن مكث بديارهم نحو شهرَين.
د. نتائج أعمال القتال، والخسائر
عاد الرسول إلى المدينة، بعد أن مكث بديارهم ما يقرب من شهر. ولم تحدث أيّ خسائر في الجانبَين.
[12] بحران، معدن بالحجاز من ناحية الفُرع.