ميراث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
بيان أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يترك ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمةً، ولا شاةً، ولا بعيراً، ولا شيئاً يورث عنه، بل أرضاً جعلها كلها صدقة لله عز وجل.
فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده كما هي عند الله من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثاً صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النَّبيّين والمرسلين، وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدِّين.
قال البخاري: حدثنا قتيبة، ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمةً، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة.
انفرد به البخاري دون مسلم، فرواه في أماكن من صحيحه من طرق متعددة عن أبي الأحوص، وسفيان الثوري، وزهير بن معاوية. (ج/ص:5/304)
ورواه التِّرمذي من حديث إسرائيل، والنسائي أيضاً من حديث يونس ابن أبي إسحاق، كلهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عمرو بن الحارث بن المصطلق ابن أبي ضرار أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما به.
وقد رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش وابن نمير عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ديناراً، ولا درهماً، ولا شاةً، ولا بعيراً، ولا أوصى بشيء.
وهكذا رواه مسلم منفرداً به عن البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش، عن شقيق بن سلمة أبي وائل، عن مسروق بن الأجدع، عن أم المؤمنين عائشة الصدِّيقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها وأرضاها.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف عن سفيان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ديناراً، ولا درهماً، ولا أمةً، ولا عبداً، ولا شاةً، ولا بعيراً.
وحدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عائشة: ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ديناراً، ولا درهماً، ولا شاةً، ولا بعيراً.
قال سفيان: وأكثر علمي وأشك في العبد والأمة.
وهكذا رواه التِّرمذي في (الشمائل) عن بندار، عن عبد الرحمن بن مهدي به.
قال الإمام أحمد: وحدثنا وكيع، ثنا مسعر عن عاصم ابن أبي النجود، عن زر، عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمةً، ولا شاةً، ولا بعيراً.
هكذا رواه الإمام أحمد من غير شك.
وقد رواه البيهقي عن أبي زكريا ابن أبي إسحاق المزكي، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا مسعر عن عاصم، عن زر قال: قالت عائشة: تسألوني عن ميراث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا وليدةً.
قال مسعر: أراه قال: ولا شاةً ولا بعيراً.
قال: وأنبأنا مسعر عن عدي بن ثابت، عن علي بن الحسين قال: ما ترك رسول الله صل الله عليه وسلم ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا وليدةً.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل، ورهنه درعاً من حديد.
وفي لفظ للبخاري رواه عن قبيصة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين.
ورواه البيهقي من حديث يزيد بن هارون عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود عنها قالت: توفي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعاً من شعير.
ثم قال: رواه البخاري عن محمد بن كثير، عن سفيان. (ج/ص:5/305)
ثم قال البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أبو بكر محمد بن حمويه العسكري، ثنا جعفر بن محمد القلانسي، ثنا آدم، ثنا شيبان عن قتادة، عن أنس قال: لقد دعي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على خبز شعير، وإهالة سنخة.
قال أنس: ولقد سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((والذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع بر، ولا صاع تمر)).
وإن له يومئذ تسع نسوة، ولقد رهن درعاً له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه طعاماً فما وجد ما يفتكها به حتَّى مات صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد روى ابن ماجه بعضه من حديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا ثابت، ثنا هلال عن عكرمة، عن ابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم نظر إلى أحد فقال: ((والذي نفسي بيده ما يسرني أُحداً لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين)).
قال: فمات فما ترك ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا وليدةً، فترك درعه رهناً عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.
وقد روى آخره ابن ماجه عن عبد الله بن معاوية الجمحي، عن ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب العبدي الكوفي به، ولأوله شاهد في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، وأبو سعيد، وعفان قالوا: حدثنا ثابت - هو ابن يزيد - ثنا هلال - هو ابن خباب - عن عكرمة، عن ابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا.
فقال: ((مالي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها)).
تفرد به أحمد وإسناده جيد، وله شاهد من حديث ابن عبَّاس عن عمر في المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقصة الإيلاء، وسيأتي الحديث مع غيره مما شاكله في بيان زهده عليه السلام، وتركه الدنيا وإعراضه عنها، وإطراحه لها، وهو مما يدل على ما قلناه من أنه عليه السلام لم تكن الدنيا عنده ببال.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، ثنا عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عبَّاس فقال ابن عبَّاس: ما ترك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا ما بين هذين اللوحين.
قال: ودخلنا على محمد بن علي فقال مثل ذلك.
وهكذا رواه البخاري عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة به.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، ثنا مالك بن مغول عن طلحة قال: سألت عبد الله ابن أبي أوفى أأوصى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فقال: لا!
فقلت: كيف كتب على النَّاس الوصية أو أُمروا بها؟
قال: أوصى بكتاب الله عز وجل.
وقد رواه البخاري أيضاً، ومسلم، وأهل السنن إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به.
وقال التِّرمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول.
تنبيه: قد ورد أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ومساكن نسائه، وإماء، وعبيد، وخيول، وإبل، وغنم، وسلاح، وبغلة، وحمار، وثياب، وأثاث، وخاتم، وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله، فلعله عليه السلام تصدَّق بكثير منها في حياته منجزا، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده، وأرصد ما أرصده من أمتعته مع ما خصَّه الله به من الأرضين من بني النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين، على ما سنبينه إن شاء الله، إلا أنه لم يخلِّف من ذلك شيئاً يورث عنه قطعاً، لما سنذكره قريباً، وبالله المستعان. (ج/ص:5/306)
باب بيان أنه عليه السلام قال: ((لا نورث))
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلِّغ به وقال مرة: قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يقتسم ورثتي ديناراً، ولا درهماً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عامي فهو صدقة)).
وقد رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، من طرق، عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله ابن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يقتسم ورثتي ديناراً ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي فهو صدقة)).
لفظ البخاري، ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثهن فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا نوِّرث ما تركنا صدقة؟))
وهكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، كلهم عن مالك به، فهذه إحدى النساء الوارثات إن لو قدر ميراث - قد اعترفت أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعل ما تركه صدقة لا ميراثاً، والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت، وتذكرن ما قالت لهن من ذلك، فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن، والله أعلم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة)).
وقال البخاري - باب قول رسول الله: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة)): حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام، أنبأنا معمر عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة والعبَّاس أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر.
فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا نورّث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال)).
قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصنعه فيه إلا صنعته.
قال: فهجرته فاطمة فلم تكلِّمه حتَّى ماتت.
وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق، عن معمر.
ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه.
فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتَّى توفيت.
قال: وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ستة أشهر، وذكر تمام الحديث هكذا قال الإمام أحمد. (ج/ص: 5/307)
وقد روى البخاري هذا الحديث في كتاب (المغازي) من صحيحه عن ابن أبي بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة كما تقدم، وزاد: فلما توفيت دفنها علي ليلاً، ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من النَّاس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر عليٌ وجوه النَّاس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر: إيتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر، فقال عمر: والله لا تدخل عليهم وحدك.
قال أبو بكر: وما عسى أن يصنعوا بي؟ والله لآتينهم.
فانطلق أبو بكر رضي الله عنه وقال: إنا قد عرفنا فضلك، وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك، ولكنكم استبددتم بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن لنا في هذا الأمر نصيباً.
فلم يزل علي يذكر حتَّى بكى أبو بكر رضي الله عنه.
وقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بينكم في هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمراً صنعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا صنعته، فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه الظهر رقي على المنبر فتشهَّد، وذكر شأن علي وتخلُّفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر به، وتشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر، وذكر فضيلته وسابقته، وحدَّث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ثم قام إلى أبي بكر رضي الله عنهما فبايعه، فأقبل النَّاس على علي فقالوا: أحسنت وكان النَّاس إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف.
وقد رواه البخاري أيضاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي من طرق متعددة عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة بنحوه.
فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولاً يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة، وصحَّحه مسلم بن الحجاج، ولم يكن علي مجانباً لأبي بكر هذه الستة الأشهر بل كان يصلي وراءه، ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصة، كما سيأتي.
وفي صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بليال، ثم خرج من المسجد، فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان فاحتمله على كاهله وجعل يقول: يا بأبي شبه النَّبيّ ليس شبيهاً بعلي، وعلي يضحك، ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن علياً لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما تقدم وكما تقرر، والله أعلم.
وأما تغضُّب فاطمة رضي الله عنها وأرضاها على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فما أدري ما وجهه، فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أخبرتهن عائشة بذلك ووافقنها عليه، وليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به، حاشاها وحاشاه من ذلك كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، والعبَّاس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد ابن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين كما سنبينه قريباً، ولو تفرَّد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته، والانقياد له في ذلك. (ج/ص:5/308)
وإن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثاً، أن يكون زوجها ينظر فيها، فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهو يرى أن فرضاً عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويلي ما كان يليه رسول الله، ولهذا قال: وإني والله لا أدع أمراً كان يصنعه فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا صنعته قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتَّى ماتت، وهذا الهجران والحالة هذه فتح على الفرقة الرافضة شراً عريضاً وجهلاً طويلاً، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم، ولو تفهَّموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله.
بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن خبير بن مطعم ذكر لي ذكراً من حديثه ذلك فانطلقت حتَّى دخلت عليه فسألته فقال: انطلقت حتَّى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفا.
فقال: هل لك في عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد؟
قال: نعم!فأذن لهم.
ثم قال: هل لك في علي وعبَّاس؟
قال: نعم!
قال عبَّاس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا.
قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعملون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة؟)) يريد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نفسه؟
قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل على علي، وعبَّاس فقال: هل تعلمان أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال ذلك؟
قالا: قد قال ذلك.
قال عمر بن الخطاب: فإني أحدِّثكم عن هذا الأمر، إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره قال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 6] إلى قوله {قَدِيرٌ} فكانت خالصة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والله ما احتازها دونكم، ولا استأثرها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتَّى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟
قالوا: نعم.
ثم قال لعلي وعبَّاس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟
قالا: نعم!فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبضها، فعمل بما عمل به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي ولي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر، ثم جئتماني كلمتكما واحدة وأمركما جميع حتَّى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا ليسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما بذلك فتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاءً غير ذلك حتَّى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إلي، فأنا أكفيكماها. (ج/ص:5/309)
وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، ومسلم، وأهل السنن من طرق عن الزُّهري به.
وفي رواية في الصحيحين فقال عمر: فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والله يعلم أنه صادق بار، راشد، تابع للحق، ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر، والله يعلم إني صادق، بار، راشد، تابع للحق، ثم جئتماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله، وأبو بكر، وعملت فيها أنا أنشدكم بالله أدفعتها إليهم بذلك؟
قالوا: نعم!
ثم قال لهما: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟
قالا: نعم.
قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك!لا والذي بإذنه تقوم السماء والأرض.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو، عن الزُّهري، عن مالك بن أوس قال: سمعت عمر يقول لعبد الرحمن، وطلحة، والزبير، وسعد: نشدتكم بالله الذي تقوم السماء والأرض بأمره أعلمتم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة؟))
قالوا: نعم.
على شرط الصحيحين.
قلت: وكان الذي سألاه - بعد تفويض النظر إليهم والله أعلم - هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالأرض لو قدر أنه كان وارثاً، وكأنهما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة، منهم: عثمان، وابن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد، وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما.
فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهما: يا أمير المؤمنين إقض بينهما، أو أرح أحدهما من الآخر، فكأن عمر رضي الله عنه تحرَّج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة)) فامتنع عليهم كلهم وأبى ذلك أشد الإباء رضي الله عنه وأرضاه ثم إن علياً، والعبَّاس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعاً إلى زمان عثمان بن عفان، فغلبه عليها علي وتركها له العبَّاس بإشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان.
كما رواه أحمد في مسنده، فاستمرت في أيدي العلويين، وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإني ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلداً ضخماً مما رواه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبته على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم، وقد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولاً بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النَّبيّ، وأنها سلمت له ما قال، وهذا هو المظنون بها رضي الله عنها. (ج/ص:5/310)
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟
قال: ولدي وأهلي.
قالت: فما لنا لا نرث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فقال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إن النَّبيّ لا يورث)) ولكني أعول من كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعول، وأنفق على من كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينفق.
وقد رواه التِّرمذي في جامعه عن محمد بن المثنى، عن أبو الوليد الطيالسي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره بوصل الحديث.
وقال التِّرمذي: حسن صحيح غريب.
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أأنت ورثت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أم أهله؟
فقال: لا بل أهله.
فقالت: فأين سهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إن الله إذا أطعم نبياً طعمة، ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده)) فرأيت أن أرده على المسلمين.
قالت: فأنت وما سمعت من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهكذا رواه أبو داود عن عثمان ابن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل به، ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك، وأحسن ما فيه قولها: أنت وما سمعت من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا هو الصواب والمظنون بها واللائق بأمرها وسيادتها، وعلمها، ودينها رضي الله عنها.
وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الصدقة، فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه، فتعتبت عليه بسبب ذلك وهي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون، وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومخالفة أبي بكر الصديق رضي الله عنها.
وقد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه تـَرَضَّا فاطمة وتلاينها قبل موتها، فرضيت رضي الله عنها.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور، أنبأنا أبو حمزة عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟
فقالت: أتحب أن آذن له؟
قال: نعم!
فأذنت له فدخل عليها يترضّاها فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل، والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضّاها حتَّى رضيت.
وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي، وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا محمد ابن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الصفار، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا نصر بن علي، ثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك. (ج/ص:5/ 311)
فصل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يورث.
وقد تكلَّمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لا علم لهم به، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم، وحاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر رضي الله عنه فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} الآية [النمل: 16].
وحيث قال تعالى: إخباراً عن زكريا أنَّه قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} [مريم: 5-6].
واستدلالهم بهذا باطل من وجوه:
أحدها: أن قوله: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} إنما يعني بذلك في الملك والنبوة أي: جعلناه قائماً بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا، والحكم بين بني إسرائيل، وجعلناه نبياً كريماً كأبيه، وكما جمع لأبيه الملك والنبوة، كذلك جعل ولده بعده، وليس المراد بهذا وراثة المال، لأن داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال: مائة، فلم اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال، إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك، ولهذا قال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}.
وقال {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16] وما بعدها من الآيات.
وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا (التفسير) بما فيه الكفاية، ولله الحمد والمنة كثيراً.
وأما قصة زكريا فإنه عليه السلام من الأنبياء الكرام، والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولداً ليرثه في ماله كيف؟ وإنما كان نجاراً يأكل من كسب يده كما رواه البخاري، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتَّى يسأل الله ولداً يرث عنه ماله أن لو كان له مال وإنما سأل ولداً صالحاً يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني إسرائيل، وحملهم على السداد.
ولهذا قال تعالى: {كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} القصة بتمامها. [مريم: 1-5].
فقال: {وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} يعني: النبوة، كما قررنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة.
وقد تقدم في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، عن أبي بكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((النَّبيّ لا يورث)).
وهذا اسم جنس يعم كل الأنبياء.
وقد حسنه التِّرمذي.
وفي الحديث الآخر: ((نحن معشر الأنبياء لا نورث)).
والوجه الثاني: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد خُصَّ من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها، كما سنعقد له باباً مفرداً في آخر السيرة إن شاء الله، فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون وليس الأمر كذلك لكان ما رواه من ذكرنا من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مبيناً لتخصيصه بهذا الحكم دون ما سواه. (ج/ص:5/312)
والثالث: أنه يجب العمل بهذا الحديث، والحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء، واعترف بصحته العلماء سواء كان من خصائصه أم لا.
فإنه قال: ((لا نورِّث ما تركناه صدقة)) إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام: ((ما تركنا صدقة)) أن يكون خبراً عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه، على ما تقدم وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون إنشاء وصيته كأنه يقول: لا نورث لأن جميع ما تركناه صدقة، ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة، والاحتمال الأول أظهر وهو الذي سلكه الجمهور.
وقد يقوِّي المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)).
وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين، وهو يرد تحريف من قال من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث: ما تركنا صدقة بالنصب، جعل - ما - نافية، فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله: لا نورث؟ !.
وبهذه الرواية: ((ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)) وما شأن هذا إلا كما حكي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة ((وكلَّم الله موسى تكليماً)) بنصب الجلالة فقال له الشيخ: ويحك كيف تصنع بقوله تعالى: ((فلما جاء موسى لميقاتنا فكلَّمه ربه)).
والمقصود: أنه يجب العمل بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة)) على كل تقدير احتمله اللفظ، والمعنى فإنه مخصص لعموم آية الميراث، ومخرج له عليه السلام منها، إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام