من أعظم الخير في العشر الأواخر ليلة القدر، ليلة الشرف والرفعة والعطاء والفضل ،الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم قال تعالى:[ حَم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] سورة الدخان (1-6)
قال إبن كثير : قله: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ] أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة ، ومايكون فيها من الآجال والأرزاق .
وقال العلامة السعدي في تفسيره:أي يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به ،وهذه الكتابة والفرقان الذي يكون في ليلة القدر أحد الكتابات التي تكتب وتميز ، فتطابق الكتاب الأول الذي كتب الله به مقادير الخلائق ، وآجالهم ، وأرزاقهم ،وأعمالهم، وأحوالهم ، ثم إن الله تعالى قدوكل ملائكة تكتب ماسيجري على العبد وهو في بطن أمه، ثم وكلهم به بعد خروجه إلى الدنيا ، وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه أعماله، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر مايكون في السنة، وكل هذا من تمام عمله، وكمال حكمته، وإتقان حفظه،واعتنائه تعالى بخلقه)
وعن إبن عباس رضي الله عنهما في قوله :[فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ] قال:”يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر مايكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحجاج يكتبون يحج فلان ويحج فلان”.
وكلمة (القدر) في لسان العرب تدور على معان منها :الشرف وعظم الشأن ومنها تقدير الشيء وتحديده وضبط صفاته وأحواله،ويظل معنى (ليلة القدر)أوسع وأكبر من تحديدلغوي وسواه،فهي ليلة الشرف والسمو وعظم الشأن ورفعة المكانة وهي ليلة البر ،والخير والعطاء والفضل والرحمة والغفران والتوبة والعفو والسلام والبركة قال النبي صل الله عليه وسلم (ومن قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه)
وفي قول الله تعالى؛[إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (*) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (*) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (*) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (*) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (*)سورة القدر(1-5) إعجاز دال على علم الله تعالى المحيط بكل شيء فسبحانه من احاط بكل شيء علما . فنزول القران لايتكرر فعبر عنه بصيغة الماضي [انزلناه] اماليلة القدر فهي متكرره في كل رمضان ،ويتكرر فيها نزول الملائكة والروح عليهم السلام بإذن الله ولذلك ناسب التعبير عن ذلك بصيغة الفعل المضارع [تنزل] التي تفيد تكرار الفعل .وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:[مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (*) سَلَامٌ ] قال:”في تلك اليلة تصفد مردة الشياطين وتغل عفاريت الجن وتفتح فيها ابواب السماء كلها ،ويقبل الله فيها التوبة من كل تائب ،فلذالك قال:[سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ] وذلك من غروب الشمس الى مطلع الفجر.قول مجاهد في قوله تعالى[سَلَامٌ هِيَ] اي هي سالمة لايستطيع الشيطان ان يعمل فيها سوءاً او يعمل فيها أذى” وعن قتادة وغيره :[خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ]:اي خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ،وعن مجاهد “صيامها وقيامها أفضل من صيام ألف شهر وقيامه ليس فيها ليلة القدر ” لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مَن حُرم خير هذه الليلة فقد “حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم”وقد أخفى الله عز وجل علمها عن العباد ، ليكثروا من العبادة ، وليجتهدوا في العمل،وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟”، قَالَ: “قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.وقد ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها ، وكان أبي بن كعب يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين ويستدل بهذه العلامة ، والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها ، وأوتارها أحرى ، وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك ، ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدربلا شك وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيمانا واحتسابا .
**نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا وأن يعتق رقابنا ورقاب أبائنا وأمهاتنامن النار …آميين