منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الحداثة.. مفهومها ...تاريخها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Empty
مُساهمةموضوع: الحداثة.. مفهومها ...تاريخها    الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Emptyالثلاثاء 09 أغسطس 2016, 9:55 am

الحداثة.. مفهومها (1)

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  13090263_455575721305370_1282346748_n


حديثنا في هذه السلسلة عن الحداثة لأن هذا الموضوع أصبح من أهم المواضيع في هذا العصر، بل لخبث القائلين به أو جهل بعضهم أو تأثر البعض في هذا الفكر وهو ينتسب إلى الدين وإلى الدعوة إليه، فهم يخرجون على كل ما استقر عليه الفكر الإسلامي في تاريخه الطويل بحجة الفكر والتفكير وأحيانا تمشيا مع الغرب، فهو يبحث في مسلمات الدين وفي أمور اتفق عليها المسلمون فهذا مثلا، يدعوا إلى تجديد الفكر الديني ويطرح أمورا هي من المسلمات عند علماء المسلمين ويقول يجب إعادة النظر فيها وإعادة النظر فيها يفضي إلى مخالفتها دائما!!
ومنهم من لم يبق للإسلام باسم التجديد أي اعتبار أمام الإديان الأخرى فالكل ناجٍ  يوم القيامة عند الله.
وذاك الذي يدعوا إلى وضع كل فكرة تحت المناقشة الحرة التي ليس لها قيد حتى المسلمات في الدين ولا ننسى الذي خرج على كل المسلمات, والذي يجمع كل هؤلاء هو الفكر الحر الذي لا ينضبط بضابط من الضوابط التي أصّلها علماؤنا المسلمون.
ومن هنا تأتي أهمية هذه المقالات التي تطرح فكر الحداثيين, ومنها فكرة أرخنة النص والهيرمينوطيقا وتجديد الفكر الإسلامي إلى العلمانية وما أسميه أنا عند ـــــ بعض الدعاة إلى الإسلام ـــــ بكل صراحة "العلمانية الناعمة" فهم يريدون دولة عادلة لا دولة إسلامية دولة مدنية بمفهومها الحديث ولكن بصبغة إسلامية صبغة فقط أي شكلا أو دعوة فقط كما يصرح بذلك البعض منطلقين من مقولة لابن تيمية إن الله لينصر الدولة العادلة الكافرة على الدولة المسلمة الظالمة وهي مقولة مبنية على فهم خطأ للعدل وليس المجال هنا لنقاشها.
الحداثة هي نظرية فكرية تقوم على رفض أي فكر قديم وأي وصاية أو حتى قواعد تضبط الفكر، وإحداث تغير في المفاهيم السائدة بسبب تغير الزمن والظروف الاجتماعية وهي حركة ثورية ضد "التراث"، بل هي تريد فهم التراث بحيث يتوافق مع ما يريدون من تغيير في المفاهيم الدينية بالذات بحيث تكون ملائمة للتغير والتطور الاجتماعي المنشود عندهم.
وهم يهدفون إلى تغيير فهم الدين ذلك الفهم المتوارث عبر القرون والأجيال الماضية بحيث يتوافق مع ما يريدون من تغيير. لذلك عرفها البعض بأنها حركة دينية تهدف إلى تفسير جديد للدين والمذاهب "التراثية" لتتماشى مع اكتشافات العلم الحديث, فهي إذاً تريد إحداث تغيير جذري في المفاهيم التي تمس الكون والحياة والإنسان من منطلق ديني جديد, وهي فكرة تريد أن تجعل المركزية في التفكير والنقد والفهم للعقل ـــــ أيَّ عقلٍ ـــــ وتجعله الحاكم على الدين، حيث يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط هي "خروج الإنسان من حالة الوصاية التي تتمثل في عجزه عن استخدام فكره دون توجيه من أحد"، وهو يقصد وصاية الدين على الفكر وهو بالتالي يريد جعل العقل حاكما على الدين وليس بالعكس كما يُفهم من قوله.
بل إن مفهوم الحداثة يمضي إلى أبعد من ذلك يقول الأديب والناقد المغربي أحمد المديني الحداثة "ذلك التصور الجديد للحياة"، ويقول الكاتب البروفيسور كمال أبو ديب "الحداثة انقطاع؛ لأن مصادرها المعرفية هي اللغة البكر والفكر العلماني وكون الإنسان مركز الوجود" فهو يريد انقاع عن الفكر الديني وجعل الإنسان مركز الوجود بدلا من الله لأنهم يعتقدون أن الظروف الاجتماعية والتاريخية هي التي أنتجت هذا الفكر الديني، يقول الدكتور حسن حنفي "الفكر الديني الذي يجعل الله موضوعا في قضايا ... يعبر عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع، الذي تطلق فيه أمثال هذه القضايا"، هو يقصد القضايا التي تجعل الله عالما قادرا مريدا فهو يريد أن يجعل الإنسان هو المحور بدلا عن الله فالإنسان هو قادر ومريد وعالم في هذا المجتمع الحداثي الذي يريده الحداثيون، هم يعتقدون أن الإنسان كان في حالة ضعف فينسب القوة والإرادة والعلم لله وهذا كان قديما أما الآن في المجتمع الحديث فإن الإنسان كمل علمه وهو قادر على فعل ما يشاء فإذن يجب عليه التخلص من فكرة "الله" .
إذن علينا أن نشك في كل شيء في كل الموروث الثقافي لنا في كل المسلمات الدينية ونعيد التفكير من جديد في كل شيء بمنطلق عقلاني حتى يحصل لدينا انقطاع عن الماضي بكل ما فيه ثم ننشئ مجتمعا حداثيا يجعل العقل والإنسان هما محور الحياة كلها يقول الدكتور جابر عصفور وزير ثقافة مصر الأسبق "إنها حالة وعي متغير يبدأ بالشك فيما هو قائم ويعيد التساؤل فيما هو مسلم به ويتجاوز ذلك إلى صياغة إبداعية جذرية"، ليصوغ مجتمعا جديدا يتجاوز الأعراف الأدبية للماضي.
تقول الباحثة الدكتورة كفاح أبو هنود، الحداثة "هي فكر ذو مفاهيم فلسفية يقوم على رفض الماضي تراثا وقيما ومبادئً ليبني مرجعية جديدة ترتكز على العقل وتقديس الإنسان في عملية التحديث التي ينتهجها وذلك في تمحور حول الذاتية الفردية والقيم النفعية".
أقول مما سبق نفهم أن الفكر الحداثي يريد تجديد الدين بحيث يتماشى مع نظم الحياة العلمانية فهو في الحقيقة يريد هدم الدين من داخل الدين هو لا يريد الهجوم من الخارج بل يريد تفكيك الفكر الديني من داخله بحيث نقوم بفهم الدين فهما جديدا خارجا عن كل الضوابط والقواعد، فهم يؤمنون أن للنص "القرآن" فهوماً بعدد قرائه وهذا يعني أن النص سوف ينتهي لا يعود له معنى بمعنى أنه سينحل المعنى المقصود منه.
ولا ننسى أن ننبه أن علمائنا قد وضعوا قواعد وضوابط استخرجوها من فهمهم للقرآن والسنة عن طريق اللغة العربية وقواعدها وعن طريق علمي أصول الفقه وأصول الدين بذلك انضبط الفكر الإسلامي طوال القرون الماضية ولا تكاد تجد فيه الشذوذ الذي تجده في أفكار "المفكرين" في هذا العصر ومن هنا ـــــ أي بسبب هذه الضوابط ـــــ ظهرت فكرة الإجماع عند علماء المسلمين بل عدوه من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن والسنة ولولا القواعد والضوابط التي كانت تضبط فكرنا الإسلامي لما وجدت فكرة الإجماع أصلا.
هذا الكلام لا يعني الحجر على الفكر ولا وضع العقل المسلم داخل غرفة محصورة بل هو يعني انطلاقا في التفكير ولكن ضمن أسس هي مأخوذة من العقل السليم ومن أسس الدين نفسه فالإسلام له مصدران أساسيان للتشريع وهما القرآن والسنة وهذان المصدران جاءا باللغة العربية التي تكلم بها العرب في الجاهلية والإسلام وهذه اللغة كأي لغة لها قواعد وضوابط، وإلا لما صح لأحد أن يفهم كلام أحد ولو تكلم بنفس لغته، فقام علماؤنا باستخراج واستنباط هذه القواعد التي نزل القرآن بها كي نفهم هذا القرآن ثم نظروا في القرآن نفسه واستخرجوا منه القواعد العامة التي وضعها للفكر لكي يُفهم بها ومن هنا نشأ علم الأصول الذي انضبط به الأوائل.
ولكن الفكر الحداثي يريد الخروج عن كل هذه القواعد لكي يفهم القرآن كما يريد هو بل كما يريد كل شخص بفهمه دون حجر عليه كما يدعون، وفتح المجال للعقل كي يفهم كما يشاء ولكنهم غفلوا أو تغافلوا أن للعقل قواعد أيضا يتفق عليها كل العقلاء فلا يجوز بالعقل والنظر العقلي أن تخرج عن هذه القواعد وإلا أصبح كلامك لا معنى له في نظر العقل وأصبح من قبيل اللغو الذي لا طائل تحته أو أصبح "سفسطة" كما هو مفهوم العقلاء لذلك.
ولكن الحداثيين رفضوا القواعد العقلية جملة وقالوا حتى هذه القواعد هي حجر على العقل وهم بذالك يريدون أن يتوصلوا إلى الانفلات من كل ضابط كي يهدموا الدين متعللين بحرية الفكر وما دروا أن ذلك يجعل كلامهم لا معنى له أصلا إن أردنا إجراء هذه الحرية على كتاباتهم.
ولكن الغريب أن يأتي أناس من أبناء الإسلام المنتسبين له وللدعوة إليه أو للدفاع عنه أو عن الفهم الصحيح كما يدعون أو لنقل عن الفهم "الوسطي للإسلام" ويؤمنون بأفكار كهذه الأفكار حتى أن بعضهم لم يفهم هذه الأفكار فهما صحيحا ولكنه ينادي بها وبعضهم فهمه وتعامل معه بخبث، إما لأنه يريد مصلحة نفسه أو لأنه مدفوع من قبل أناس أو لجهله.
ولنا وقفات مع الفكر الحداثي نحلله بعمق ونطرح أهم ما فيه ليكون المسلم على وعي مما يقال وسوف نقف مع بعض هؤلاء الإسلاميين الذين يرددون أفكار الحداثيين ونضع أقوالهم على الميزان ونرى السليم من السقيم وإلى لقاء.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 09 أغسطس 2016, 9:56 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحداثة.. مفهومها ...تاريخها    الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Emptyالثلاثاء 09 أغسطس 2016, 9:56 am

الحداثة.. تاريخها (2)


إن تاريخ الحداثة تاريخ قديم قدم الفكر البشري. يعتقد البعض بأن الحداثة كما يدل عليها المعنى اللغوي للكلمة حديثة التاريخ مع التطور البشري في القرون الماضية منذ عصر التنوير عند الغرب كما يسمونه، ولكن الناظر إلى فكرة الحداثة الرئيسة وهي قراءة النص قراءة جديدة تعطيه معنى جديدا، أو إحلال الدلالة والمغزى محل المعنى هي فكرة ترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد وأساس هذه الفكرة أن كثيرا من النصوص المقدسة والتي لها سلطة على أتباعها هي مخالفة للعقل، بل هي مناقضة لقطعيات العقل فمن أجل التوفيق بين العقل وهذا النص المقدس علينا أن نقوم بقراءة جديدة للنص تعطيه معنى ودلالات رمزية؛ هذه هي الحداثة.
ووراء هذه الفكرة دوافع متعددة؛ إما أن يكون الدافع وراءها المحافظة على النص وقداسته عند أتباعه مقابل الهجمات عليه من قبل المخالفين، أو هي أهداف سياسية تهدف إلى تأطير الفكر السياسي داخل النص المقدس، أو هي تقصد إلى هدم النص المقدس بطريقة ذكية وذلك بإخراجه عن المعنى الذي أراده منه صاحبه.
ففي القرن التاسع قبل الميلاد ظهر تلميذ سقراط "انتسناس" وأنصار مدرسته التي يطلق عليها "المدرسة الكلبية" بدأ انتسناس وأنصاره بتأويل شعر "هوميروس" وهما ملحمتي الألياذه والأوديسّـه اللتين كان لهما سلطة مقدسة بين اليونانيين، ليتوافق مع العقل لأن شعر هوميروس كان مجرد خرافات لا تنسجم مع العقل.
وفي اليهودية والعهد القديم (التوراة) بدأ منهج التأويل على يد فِيلون (20ق.م ــــــ 54م ) ولقد دفعه لذلك الحملة الفلسفية اليونانية على ما في التوراة من أساطير غير معقولة فاضطر إلى تأويل النص بما يتوافق مع العقل.
وفي النصرانية بدأ منهج التأويل أمام هجمات الأفلاطونية المحدثة على النصوص الدينية النصرانية فقام يوسطينوس (100 ـــــــ 165م ) بتأويل عبارات سفر التكوين، حيث يقول المفكر الدكتور محمد عمارة "لقد برز في التأويل النصراني أوريجانس ( 185 ــــــ 254م ) ... والذي بلور لقراءة الكتاب المقدس منهاجا يقول: إن قراءة الكتاب إنما تحكمها مستويات القراء:
[list defaultattr=]
[*]فالرجل البسيط يكفيه "جسد" الكتاب المقدس.
[*]والرجل المتقدم في الفهم يدرك "روح" هذا الكتاب.
[*]والرجل الكامل هو الذي يفهمه بالناموس النفساني الذي يطّلع على الغيب.
[/list]

وكان أوريجانس واقعا تحت ضغط الفلسفة اليونانية التي هاجمت الأساطير والقصص في الكتاب المقدس والتي لا تتوافق مع العقل".
ولقد وصل الأمر في الديانة النصرانية إلى الغلو في التأويل الذي لا ضابط يحكمه ولا منطق له ويمثل ذلك هيرونيموس (348 ــــــ 420م) ومنذ ذلك التاريخ لجأت كل تيارات الفكر النصراني إلى التأويل، والذي زاد من الجنوح إلى التأويل في الفكر النصراني هو ما حدث في الغرب من إرهاصات ثم انقلابات أدت إلى دخول أوروبا في عصر التنوير والنهضة وهذه الإنقلابات سببها احتكاك الغرب بالمسلمين بعد فتح القسطنطينية وسقوط الدولة البيزنطية واحتكاك الغرب بمسلمي الأندلس وصقلية والحملات الصليبية إلى العالم الإسلامي وجامعات المسلمين التي درس فيها الكثير من أبناء الغرب.
وبسبب هذا التفاعل الغربي مع الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي وجد الغرب نفسه أمام دين متوافق مع العقل لا تناقض فيه ولا أساطير فاضطر ذلك كثير من القديسين إلى تأويل النص المقدس أمثال القديس برنار ( 923 ـــــــ 1009م ) الذي أول "نشيد الإنشاد" تأويلا رمزيا بل إن الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك فظهر مارتن لوثر ( 1483 ــــــ 1546م ) الذي دعا إلى الإصلاح الديني وأول كثيرا من نصوص الكتاب المقدس.
وكل هذا التاريخ من التأويل في الديانة النصرانية لأنها غير متوافقة مع العقل وفيها الكثير من الخرافات وأمور مستحيلة عقلا مثل التثليث والعشاء المقدس والصلب والخطيئة وغيرها الكثير، وخاصة في القصص الواردة عن الأنبياء والقصص الواردة في سفر التكوين وبعض صفات الله التي لا تتوافق مع صفات الإله.
وكانت قمة التأويل في الديانة النصرانية كما يقول الدكتور عمارة "عند توما الإكويني ( 1225 ـــــ 1274م) فأصبح هناك :
[list defaultattr=]
[*]الدلالة الحرفية ـــــ أي للنص المقدس ــــــ (الظاهر).
[*]والدلالة المجازية (الأليجورية).
[*]الدلالة الأخلاقية (التروبولوجية)
[*]والدلالة الباطنية (الأناجوجية)".
[/list]

وهي مستويات للقارئ للكتاب المقدس أي ترجع هذه المستويات لنفس القارئ وطبيعته وثقافته.
وقد تبلورت الحداثة كفكر منظم له أهدافه واستراتيجياته عند إمانويل كانت ثم بعد ذلك عند فريدريش نيتشه الذي نظر لفكرة الحداثة وأعلن عن موت الإله في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، وهما اللذين نظرا لفكرة الحداثة كنظرية مستقلة عن الدين لقراءة أي نص مقدس أو غير مقدس.
وأما عند المسلمين فقد ظهر تأويل النص عندهم ــــــ ونقصد التأويل الباطني ــــــ ولكن الأسباب كانت مختلفة فلم يظهر هذا الاتجاه إلا عند الحركات الشعوبية كالشيعة من قرامطة إسماعيلة وغير ذلك والتي ظهرت بسبب ذهاب الحضارة الفارسية ثم تبلورت كمذهب إسلامي للحفاظ على وجودها داخل المجتمع المسلم، أو عند بعض الفرق الباطنية التي يكفرها المسلمون أو بعض الزنادقة.
أما المسلمون وأعني غالبية المسلمين من أهل السنة أو غيرهم من الفرق الإسلامية كالمعتزلة أو الخوارج أو غيرهم من الفرق الإسلامية التي لم تخرج عن دائرة الدين إلى الزندقة رفضت التأويل الباطني للنص وجعلته كفرا مخرجا عن الملة بل وضعوا ضوابط في تفسير النص ــــ القرآن والسنة ـــــ متفق عليها جملة وهي ترجع إلى اللغة العربية وما يسمى عند علماء المسلمين بعلم أصول الفقة وأخذوا بظواهر النصوص إلا ما دلهم نفس النص على أن له معنى آخر ولكنه معنى متوافق مع اللغة فهم لم يخرجوا عن مدلول الكلمة في اللغة العربية التي نزل بها القرآن.
أما الفرق الباطنية والحداثيون فقد جعلوا نص القرآن مجرد رمز يدل على معاني يفهمها القارئ حسب زمانه وعصره وثقافته فهنالك فهوما للنص القرآني بقدر عدد القراء؛ أي أنهم أخرجوا لفظ الكلمة القرآنية عن مدلولها اللغوي في اللغة العربية التي نزل بها القرآن وما ذلك إلا ليتوصلوا إلى إعادة صياغة المفاهيم الدينية لتتماشى مع ما يريده الحداثيون من مواكبة الحضارة الغربية أو بمعنى أدق لتتوافق مع الفكر الغربي، وأما الفرق الباطنية فهي تريد انحلال الدين وتهدف إلى الزندقة والخروج من الأحكام وهذه بعض أهداف الحداثيين.
ولنعد إلى السرد التاريخي، ففي العصر الحديث ظهرت الحداثة عند المنتسبين إلى الإسلام ولكن قبل أن تظهر كان هناك أفكار مهدت لظهور الحداثة وجعلتها مقبولة عند العوام أو عند من يسمى بــ"المفكريين"، أما أول هذه الأفكار التي مهدت للحداثة بل كانت تملك جزءا من الحداثة وهي أفكار ما يسمى بالتنويريين أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو واتباعهم فقد أنكروا أمورا غيبية وذلك لضغط الحضارة الغربية على أفكارهم فبدؤوا بتأويل النصوص القرآنية التي تتكلم عن أمور غيبية مثل تفسيرهم الطير الأبابيل بالجراثيم والميكروبات إلى غير ذلك.
فكانت هذه الأفكار ممهدة للفكر الحداثي ولتأويل النص بطريقة تخرج الكلمة القرآنية عن مدلولها اللغوي إلى مدلول رمزي للكلمة لا علاقة له بالمدلول اللغوي.
أما الفكر الآخر الذي مهد للحداثة بل جعل للحداثة رواجا عند عوام المسلمين هو الفكر "الوهابي" الذي نادى إلى القطيعة التاريخية بين العلوم التي دونها علماء المسلمون في فهم النص والعلوم التي استخرجوها من فهمهم للنص ودعوا إلى العودة لفهم النص مباشرة من غير ضابط بل فتحوا المجال للمتأهل وغير المتأهل ليفهم النص، وهكذا أصبح النص من غير ضابط في فهمه والجميع يحق له فهمه كما يريد بحسب هذا الفكر الوهابي.
وهكذا جاء الفكر الحداثي ودعا إلى فهم النص فهما من غير ضوابط، وبذلك أدخل الحداثيون أفكارهم وراجت عند العوام بسبب قولهم هذا ما يقوله القرآن والسنة، ويروج كلامهم على العوام. وأنكر الفكر الحداثي كثيرا مما أجمع عليه العلماء وكثيرا من الأمور الغيبية بنفس الحجة التي أظهرها الفكر الوهابي وهي الرجوع للقرآن والسنة في الفهم وفتح المجال للمتأهل وغيره ليفهم النص دون أي ضابط.
وبقي أن نذكر أعلام الفكر الحداثي في هذا العصر ممن ينتسب إلى الإسلام وهم:
[list defaultattr=]
[*]محمد أركون ولد في عام 1928م في الجزائر ودرس الفلسفة وحصل على الدكتوراة من جامعة السوربون الفرنسية عام 1968م وعمل فيها كأستاذ لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة.
[*]حسن حنفي ولد في القاهرة عام 1935م وحصل على الدكتوراة من جامعة السوربون في باريس وعمل أستاذا بقسم الفلسفة بالقاهرة.
[*]الطيب التيزيني ولد عام 1934م بحمص حصل على الدكتوراة في الفلسفة من ألمانيا وعمل بالتدريس في جامعة دمشق وعضوا في جمعية البحوث والدراسات.       
[*]أدونيس واسمه علي أحمد سعيد إسبر وأدونيس لقب اتخذه ويعني إله الخصب عند اليونان ولد في اللاذقية في سوريا عام 1930م ودرس الفلسفة في سوريا بمنحة من رئيس الجمهورية شكري القوتي.
[*]نصر حامد أبو زيد ولد في طنطا محافظة الغربية بمصر في عام 1943م حصل على الدكتوراة في الدراسات الإسلامية في القاهرة.
[/list]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحداثة.. مفهومها ...تاريخها    الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Emptyالثلاثاء 09 أغسطس 2016, 9:59 am

الحداثة .. الهيرمينوطيقا (3)


الهيرمينوطيقا؛ كلمة في الأصل يونانية تعني التفسير والتأويل أو الترجمة، وهي مشتقة من اسم الإله اليوناني هيرميز، والذي نسبت له الإغريق أصل اللغة والكتابة، واعتبروه راعي الاتصال والتفاهم بين البشر, ثم تطور هذا المصطلح عبر العصور ليدل على علم تأويل النص بطريقة رمزية لفهم النص كما يريد القارئ متوافقا مع المنطق والعقل غير متعارض معهما.
ثم بقي يتطور حتى أصبحت الهيرمينوطيقا في القرن الثامن عشر الميلادي علم تأويل النص الذي أحل الدلالة والرمز محل المعنى، وجعل قصد القارئ محل قصد المؤلف وجعل هذا القارئ هو منتج النص، بل الهيرمينوطيقا هي علم موت المؤلف!
يقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور:"أحيانا يطيب لي أن أقول إن قراءة كتاب ما، هي النظر إلى مؤلفه كأنه قد مات (...) وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب". 
ومن ثم تحولت علوم التفسير والتأويل من علوم تبحث في الدلالة والمعنى إلى علم الهيرمينوطيقا الذي يبحث في آليات الفهم، وهذا التحول جعل القارئ موضع البحث بدلا من المتكلم، فنحن في الهيرمينوطيقا لا نبحث في قصد المتكلم وما الذي أراده من الكلام بل نبحث في فهم القارئ وما الدلالة التي يأخذها القارئ من النص حسب فهم القارئ لا حسب قصد المتكلم.
فهيرمينوطيقا النص؛ هو الاعتقاد بوجود معنى خفي في النص وراء المعنى السطحي والاعتقاد بأن النص هو عبارة عن رموز لا معنى لها إلا ما يضفيه القارئ على النص من معاني، وهذا هو ما يسمى بموت المؤلف، فالمؤلف وضع رموز لا معنى لها إلا ما يفهمه القارئ حسب ثقافته وفهمه ومستوى تفكيره.
وقد أشرنا في مقال سابق أن الذي ساق العقل البشري إلى الهيرمينوطيقا هو الخرافات في النص الديني من زمن هوميروس وقصيدتاه ‏الإلياذة والأوديسا وهي ملاحم شعرية تتكلم عن صراع الآلهة عند اليونان، وهي مجرد خرافات لا تتوافق مع العقل والمنطق السليم، ثم مرورا بالتوراة المحرفة التي ملئت بالأساطير في حق الله والأنبياء، وأخيرا في الإنجيل المحرف وهو أيضا غير متوافق مع العقل.
ولكن كيف يصلح للـــ"هيرمينوطيقا" أن تصل إلى الفكر الإسلامي وإلى القرآن الذي لا يوجد فيه ما ينافي أو يصادم العقل، بل إن عقائد الإسلام مبنية على العقل والمنطق السليم، ولكنها العدوى التي تسري إلى المنهزم أو إلى أصحاب الأغراض الشخصية، على كل فقد قام الحداثيون العرب بالمناداة إلى تفسير القرآن تفسيرا هيرمينوطيقيا، حيث يقول المفكر والباحث الأكاديمي محمد أركون الحداثي؛ أنه يطمح بأن يُخضع الإسلام للدراسة و"الأشكلة"، بالاعتماد على نتاج العلوم الإنسانية، على غرار ما حدث للمسيحية في أوروبا.
يقول المفكر والفيلسوف اللبناني علي حرب :"وإذا كان النص لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله، بل بما تخفيه وتستبعده"، ويقول أيضا:"القراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله وإنما تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه أي هي لا تفسر المراد بقدر ما تكشف عن إزالة الحجب في الكلام".
ويقول المفكر والفيلسوف المغربي محمد المصباحي :"إن الحداثة تسمح بالتعامل مع التراث، لكن لا على الوجه التقليدي، بل على طريقة اختراق التراث وتأويل النص بعد التسليم بقتل صاحبه، أي لا يعود القارئ متقيدا بمراد مؤلف النص وصاحبه بل يسمح لنفسه أن ينسب إلى النص ما يشاء من المعاني".
والخلاصة من كل هذا الكلام أن الحداثيون العرب يريدون أن يصنعوا قطيعة بين "التراث" أي بين علوم المسلمين التي تنضبط بأصول وقواعد في تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية، والهدف من وراء كل هذا هو الخروج عن كل المسلمات في الدين الإسلامي وفهم الدين من جديد ليسمح لهم هذا الفهم الجديد بإدخال ما يريدون من الأفكار التي تخالف بمضمونها ومنطوقها الدين مخالفة صريحة.
إن الناظر إلى فكرة "الهيرمينوطيقا" يعلم أنها مجرد سفسطة لا توصل إلى مطلوب من النص بل هي تعطي النص الفكرة المراد إلصاقها به، وما ذلك إلا للوصول إلى الانحلال من التكاليف الدينية والخروج من المسلمات والنقلاب على الدين ولكن من داخله.
فالهيرمينوطيقا؛ التفسير الرمزي.. وموت الكاتب.. وتعطيل المعنى الظاهر للنص.. فالهيرمينوطيقا؛ أن يقول القائل شيئا ويُفهم منه شيء آخر في آن واحد، هذا أقل ما يمكن ان يقال عنه أنه تناقض واضح، بل هي سفسطة بلا نزاع، فكيف سيتم التفاهم بين البشر في مراسلاتهم المكتوبة وكيف يمكن للحضارات أن تستفيد من علوم بعضها البعض إذا كان القارئ للكتاب أي كتاب سيعتبره رموزا يقوم هو بإضفاء المعاني عليها حسب ثقافته هو وحسب مخزونه المعرفي، فهذا يعني القطيعة لا مجرد القطيعة بيننا وبين التراث بل القطيعة بين كل الأمم والحضارات والمعارف، وانتهاء العلم وعدم القدرة على نقل أو نشر أي فكرة.
وهذا الكلام ينطبق على كتابات الحاداثيين أنفسهم فكيف سيقومون بإيصال أفكارهم إلى القارئ ما دام القارئ سيقوم بإماتت الكاتب الحداثي وإحلال المعاني التي في مخزونه الثقافي على الرموز التي كتبها الكاتب الحداثي، فما هذا الكلام إلا مجرد سفسطة يأباها العقل السليم ويأباها كل العقلاء في العالم قديما وحديثا.
ولكننا نعلم ما الذي يراد لهذه السفسطة أن تعمل في الإسلام، يراد لها أن تجعل الدين الإسلامي مجرد تراث يُقرأ ولا يكون له واقع حي في حياة الأمة، يريدون من المسلم أن ينخلع عن كل ما يطلبه منه الدين بحجة أن هذه الرموز الموجودة في النص الديني يجب إعادة تفسيرها بما يتوافق مع المخزون الثقافي لهذا الحداثي أو ذاك، ونحن نعلم أن مخزونه الثقافي هو مستورد من أفكار غربية غريبة عن الدين والأمة وعن تاريخها، أما نحن فمخزوننا الثقافي وما سنطبقه على النص هو ما كتبه علماء الإسلام من ضوابط وقواعد لفهم النص المقدس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحداثة.. مفهومها ...تاريخها    الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Emptyالثلاثاء 09 أغسطس 2016, 10:00 am

الحداثة.. أرخنة النص (4)


فكرة أرخنة النص أو تاريخية النص أو التاريخانية؛ هي فكرة أن النص جاء في زمان معين ونشأ ضمن أحوال ذلك الزمن وجاء ليتحدث عن ملابسات وظروف في ذلك الزمن الذي نشأ فيه، فهو متأثر بأوضاع وظروف وحالة ذلك الزمن وبالتالي لا نستطيع نقله إلى الزمن الحاضر، وللتاريخ قوانين وأن كل شيء محكوم بتلك القوانين ومحكوم بظروفه التاريخية الزمانية والمكانية التي يظهر فيها، فكل شيء مشروط بلحظته التاريخية التي ظهر فيها.
يقول الباحث الأكاديمي الدكتور علي محمود العمري التاريخانية؛ هي تفسير النصوص والظواهر ضمن السياق التاريخي الذي وجدت فيه، وترى أن التاريخ محكوم بقوانين موضوعية تسير مسبقا نحو غاية محددة فيه، تصنعها أمة أو طبقة أو عرق، فالبشر هم من يصنعون التاريخ وكل شيء محكوم به.
يقول المفكر والفيلسوف اللبناني علي حرب :"التاريخية تعني أن للأحداث والممارسات والخطابات أصلها الواقعي وحيثياتها الزمانية والمكانية وشروطها المادية والدنيوية، كما تعني خضوع البنى والمؤسسات والمفاهيم للتطور والتغير، أي قابليتها للتحليل والصرف وإعادة التوظيف".
وهذا ما يريده الحداثيون من الأرخنة؛ التطور والتغير وقابلية النص للتحليل والصرف وإعادة التوظيف؛ أي إعادة قراءة النص بطريقة جديدة متوافقة مع الزمن الحاضر وهذه الطريقة تحدثنا عنها في مقال سابق كان تحت عنوان "الهيرمينوطيقا"، إذن الهدف من أرخنة النص إلغاء فكرة أن الدين صالح لكل زمان ومكان.
ولنضرب لذلك مثالا، فالمرأة عندما جاء الإسلام كانت مضطهدة وليس لها حقوق، فجاء الإسلام وطالب لها ببعض الحقوق فهي مثلا لا ترث وإذا قتلت لا دية لها، فجاء الإسلام وطالب لها بالميراث وأن يكون لها من الميراث نصف ما للرجل وتكون ديتها نصف دية الرجل وكذا باقي الحقوق المالية فهي لها نصف حقوق الرجل، وكان ذلك بمثابة قفزة عالية ونقلة نوعية في ذلك الزمان أما الآن في عصر الحداثة فالمرأة لها كامل حقوقها وهي تعيش حالة المساواة مع الرجل فكيف تعطى نصف حق الرجل المالي بل يجب مساوتها مع الرجل فالنص غير صالح لتطبيقه في هذا الزمن ولكنه كان صالحا لتطبيقه في الزمن الماضي وإعطاء المرأة نصف ما للرجل في الحقوق المالية هو ظلم لها، كما يقول الحداثيون في زماننا.
وهذا التفكير جاء بسبب ضعف عقول الحداثيين، فنظر الإسلام للحقوق المالية جاءت حسب التبعات المترتبة على كل من الطرفين (المرأة والرجل)، فالتبعات المالية على الرجل هي أكثر من التبعات المالية على المرأة، لذلك أعطاها الإسلام نصف ما للرجل على أنه في بعض المواطن في الميراث تعطى المرأة مثل ما يعطى الرجل وربما أكثر.
نعود فنقول إن فكرة الأرخنة هو منهج بل مذهب للتعامل مع النصوص، لتفقد هذه النصوص صلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان، وليقوم القارئ بتطبيق النظريات والمناهج المختلفة لدراسة النص مثل نظرية هيرمينوطيقا النص، يقول الفيلسوف والمفكر الجزائري الدكتور محمد أركون :"عملي يقوم على إخضاع القرآن لمحك النقد التاريخي المقارن".
وبالجملة ففكرة الأرخنة تقصد إلى أن النص ساعد في ظهوره ظروف تاريخية معينة فلا يمكن تفسير النص بدون هذه الظروف، فالظروف هي التي كونت وأنشأت النص، فيقول العالم والمتكلم الدكتور سعيد عبد اللطيف فودة؛ أرخنة النص "يقصدون بها العوامل التاريخية التي ساعدت على نشوء النص وتكوينه".
يقول الفيلسوف علي حرب :"هي محاولة رد كل نص إلى اشتراطات وجوده التاريخي في الأساس"، وتأمل قوله "اشتراطات"؛ فلا وجود للمشروط بدون شرطه أي لا وجود للنص بدون ظروفه التاريخية وبالتالي لا يمكن نزع النص من هذه الظروف وجعله نصا مطلقا يصلح لكل زمان ومكان وجعله قانونا للبشر يسيرون عليه مهما تغير الزمان أو المكان أو الظروف التاريخية التي وجد فيها النص والتي أثرت على وجود النص بل أظهرته إلى الواقع.
وبذلك يفقد النص قداسته ومعناه وصلاحيته لكل زمان ومكان ويصبح مجرد نص أدبي تاريخي نقوم بدراسته وتحليله وإعادة الصرف وإعادة التوظيف ويكون النص قابلا للتغير والتحليل، وبذلك نتحرر من الأحكام الشرعية وسلطتها بل هذا المنهج يبطل الأحكام الشرعية من أساسها، ولقد دعا الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى:"التحرر من سلطة النص والقراءة الحرفية، وإلى التأويل بمقتضى المنهج التاريخي في ضوء مبدأ التطور والتغير في الأزمنة والأحوال".
وبهذا المنهج فالأحكام الشرعية ليست قوانين إلزامية بل هي مجرد مواعظ ممكن أن يأخذ بها الإنسان في مجال الأخلاق الباطنية، وهذه الأحكام جاءت لتناسب جيل معين وتاريخ معين وظروف معينة وهي غير تاريخنا الحاضر الحديث وظروفنا فهي نصوص تاريخية لا أكثر. 
بقي فكرة وهي أن الحداثيين قاموا بمهاجمة أهل السنة وتفاسيرهم التي كتبوها لشرح القرآن، لأن أهل السنة هم الذين كانوا ظاهرين طوال العصور والقرون الماضية، ومنهجهم هو المنهج الذي قام بتفسير القرآن وبقي إلى الآن وهو المنهج المعتمد في التفسير ــــ وهو المنهج الذي يعتمد على معنى الكلمة في اللغة ودلالتها ولا يخرج عن هذا المعنى ــــ، وكان الهجوم موجها إلى فكرة التفسير وأنه لا يلزمنا أن نسير على هذا المنهج في تفسير القرآن ولا يلزمنا الأفكار التي يستنبطها فلان وعلان من النص القرآني لأنه هو أيضا موجود في تاريخ وظروف معينة.
ثم إن علماء أهل السنة جعلوا القرآن نصا حاكما له قداسة ومفهوم واضح ودلالات واضحة مطردة في كل زمان ومكان، وجعلوا النص القرآني نصا مطلقا غير خاضع للزمان والمكان ولا للظروف المحيطة به في حال نزوله، ونادوا بقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب التي تجعل من القرآن قواعد يمكن تطبقها على كل حالة في أي زمان توجد فيها نفس العلة التي وجدت في الحالة الأولى التي نزل القرآن لعلاجها.
واستنبط أهل السنة عللا للأحكام مضردة تصلح للقياس عليها في أي زمان وقاموا باستخراج علم أصول الفقه الذي يجعل القرآن صالحا للتطبيق في أي زمان بالرجوع إلى هذه القواعد الأصولية المطلقة عن الزمان والمكان والظروف المحيطة بنزول النص القرآني.
فقام الحداثيون بشن حملة ممنهجة في نقد أهل السنة وعلوم أهل السنة التي دارت حول القرآن والسنة النبوية، وجعلت منهما قانونا وضابطا للعقل المسلم في التفكير والتحليل لكل ظرف وحادثة تنزل بهم، وسورا منيعا يحمي المسلمين وعقائدهم من زيغ الزائغين وتشكيك المبطلين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحداثة.. مفهومها ...تاريخها    الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Emptyالثلاثاء 09 أغسطس 2016, 10:01 am

الحداثة والعلمانية (5)


هناك صلات وثيقة بين الحداثة والعلمانية راجعة إلى مفهوم دور النص المقدس؛ فالنص المقدس عند الحداثيين هو نص تاريخي يفهم حسب سياقه التاريخي، وإذا تغير السياق التاريخي يصبح النص غير صالح للتطبيق بشكله التاريخي؛ وإذن فعلينا أن نقوم بفهم جديد للنص متوافق مع الحياة الحديثة، ولا يوجد خير من أن نقول في الفهم الجديد للنص من أن الدين هو في الضمير والروح وليس له دخل في الحياة العملية.
بل يذهب الحداثيون إلى أبعد من ذلك حينما يقولون أن النص هو مجرد نص تاريخي أدبي يجب دراسته كأي نص أدبي آخر وتُطَبَّقُ عليه كل الأدوات الحديثة في دراسة النص من علم الأنثروبولوجيا الدينية إلى علم الابستمولوجيا المعرفية ونهايةً علم النقد اللاهوتي الهرمونيطيقيا؛ أي استخدام مناهج النقد الغربية للنص وبذلك يصبح النص ليس له سلطة على الواقع المعاش فهو مجرد نص يُدرَس ويُنقد بمناهج النقد الغربية الحديثة.
وهناك حداثيون يقولون أن الدين الإسلامي علماني والفهم التاريخي للدين الإسلامي على أنه حاكم ومسيطر هو فكر جاء من خارج الإسلام وهو فكر دخيل، فالعلمانية عند الباحث والأكاديمي الدكتور نصر حامد أبو زيد ليست مروقاً أو كفراً أو إلحاداً وإنما هي "التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين، وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع والحياة".
ويذهب المفكر المصري الأستاذ الدكتور حسن حنفي إلى أن الوحي علماني أصلا، والذي وجد في التاريخ من جعل الوحي حاكما هو إفتراء وكذب وتبديل للوحي وجعل الوحي دوني، حيث يقول حنفي في هذا السياق:"فإن قيل إن التراث والتجديد سيؤدي حتماً إلى حركة علمانية وفي العلمانية قضاء على تراثنا القديم وموروثاتنا الروحية وآثارنا الدينية، قيل قد نشأت العلمانية في الغرب إستجابة لدعوة طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية وقسمة الحياة إلى قسمين واستغلال المؤسسات الدينية للجماهير وتوطينها مع السلطة وحفاظها على الأنظمة القائمة، نشأت العلمانية استرداداً للإنسان لحريته في السلوك والتعبير وحريته في الفهم والإدراك ورفضه لكل أشكال الوصاية عليه ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة العقل والضمير، العلمانية إذن رجوع إلى المضمون دون الشكل وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق، وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته وإلى الإنسان دون غيره. العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره والدونية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحاظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور، وما شأننا بالكهنوت والعلمانية ماهي إلا رفض له؟ العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واتهامها باللادونية تبعية لفكر غريب وتراث مغاير وحضارة أخرى".      
وبهذا تصبح العلمانية هي الأساس الذي يجب التعامل به في المجتمعات الحديثة، وقبل المضي في كلام الحداثيين عن العلمانية ونظرتهم لها لنتكلم عن العلمانية وهي كما عرّفتها موسوعة إنكارتا (بالإنجليزية: Encarta) "رفض أن يكون للدين أو أي أمر آخر مقدس مدخل في الحكم على الأشياء وفي أي قرار من الأمور المدنية". وهذا تعريف يجعل العلمانية تأخذ بالحريات إلى أبعد مستوى، بحيث تعطي الحرية حتى للمثليين جنسيا، فالعلمانية هي عدم تدخل الدين في الأمور الحياتية اجتماعية كانت أو اقتصادية أو سياسية.
ويمكن القول إن العلمانية هي عدم تدخل أي شيء مقدس في الحياة العملية؛ فنستبعد حتى الأخلاق وبذلك يصبح المجتمع مكيافيلي، والأساس الذي يحكم الناس هو القانون الوضعي الذي ينتج عن طرق الديمقراطية وهي حكم الشعب نفسه بنفسه أو سلطة الشعب وذلك عن طرق الانتخابات الحرة.
والعلمانية تنقسم إلى قسمين:
[list defaultattr=]
[*]العلمانية المحايدة وهي التي لا تعادي الدين بل تجعله من قبيل الحريات الشخصية فيحق لمن أراد أن يتدين بالتدين ويحق لمن أراد أن يلحد بالإلحاد.
[*]العلمانية المتطرفة وهي المعادية للدين والتي تحاول محو الدين وانهاؤه بشتى الوسائل.
[/list]

والعلمانية التي يطالب بها الحداثيون هي العلمانية المحايدة؛ حيث يقول الفيلسوف والباحث الأكاديمي محمد أركون "المهمة الملقاة على عاتق المسلمين هي أن يكونوا مستقبَلِيّين تنويريين فيفصلون بين الذروة الدينية والذروة السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية على غرار ما حصل في أوروبا، لأنه ينبغي تحقيق الاستقلالية للذروة الدينية وعدم الخلط بينها وبين بقية الذرى من الآن فصاعدا فهذا أفضل للدين وللسياسة وللجميع".
ويعد الحداثيون أن هذا الفصل لا بد منه؛ لأن الدولة في كل العصور كانت تستخدم الدين لتأصيل مشروعيتها ولتأصيل استبدادها، فالدولة استعانت في الدين لتحقيق مصالحها لا لجعل الدين حاكما بل لتقديس حكم الحاكم وجعل استبداده مشروعا، ونحن نقول إن هذا صحيح بالنسبة للغرب ولكن الحال مختلف بالنسبة للمسلمين، ففي التاريخ الإسلامي تحقق العدل بين الحاكم والمحكوم وتحققت المساواة بين الرعية حتى بين المسلمين وغيرهم من أهل الذمة وقصة القبطي وابن عمرو بن العاص مشهورة في التاريخ الإسلامي.
ولكن المشكلة في التفكير الحداثي هو "الإسقاط" ونقصد به أنهم يقرؤون الأفكار الغربية ويحاولون إسقاطها على المسلمين وعلى الدين الإسلامي وعلى التاريخ الإسلامي، نحن لا ننكر أنه كان هناك ظلم واستبداد في بعض فترات التاريخ الإسلامي ولكن هذا لم يكن بسبب الدين بل كان بسبب البعد عن الدين، ففي تاريخنا الإسلامي كلما طُبق الدين وجدنا العدل والخير في البلاد وزال الظلم والاستبداد، وكلما ابتعد الدين عن التطبيق رجع الظلم والاستبداد، ونرى ذلك واضحا في الدولة الأموية مثلا فزمن عمر بن عبد العزيز كان مختلفا عن زمن يزيد بن معاوية، وهكذا فالعدل مرتبط بمدى تطبيق الدين أو البعد عن تطبيقه وكلما ابتعدنا أكثر عنه كلما كان الظلم أكبر.
ولكن الحداثيين بفكرهم الإسقاطي لا يستطيعون فهم المعادلة فهما صحيحا، فهم مجرد أتباع لا يأتون بالجديد وإن جاؤوا بالجديد كان مشوها لتشوه أفكارهم وتصوراتهم التي بنوا عليها هذه الأفكار الجديد التي لم يأخذوها من الغرب والمستشرقين.
ويقول الباحث والمتكلم الدكتور سعيد فودة:"يتفق كل من أركون والجابري على أن الديمقراطية سابقة على المجتمع المدني وهو قرين الحداثة".
إذن لا يمكن وجود الحداثة بغير الديمقراطية والمجتمع المدني أي العلماني الحديث، فالحداثيون مُصرُّون على قرن الحداثة بالعلمانية والديمقراطية وهذا من أجل اسقاط التجربة الأوروبية على عالمنا الإسلامي ونسيَ هؤلاء أو تناسوا أن العلمانية وجدت منفكة عن الديمقراطية فأدولف هتلر كان علمانيا ولم يكن ديمقراطيا، وحتى لو قلنا أن العلمانية والديمقراطية كانت مجتمعة ولا توجد هذه إلا بوجود تلك فنحن نرى جورج واشنطن العلماني والديمقراطي مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية الذي أباد الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، والديمقراطية والعلمانية هي من صنعت القنبلة التي محت مدينتين في اليابان والعلمانية في الدول العربية لم تنجب سوى القمع والاستبداد والدكتاتوريات.
ونحن نرى الغرب الآن أو بعض العقلاء في الغرب يرمي العلمانية بسهامه؛ فهذا البروفسور جون كين يصيغ مفهوم "ما بعد العلمانية"، حيث يرى أن العلمانية لم تف بوعودها ويقول:"تنتشر العنصرية والجريمة في جميع الدول العلمانية"، ويشير إلى أن العلمانية أخفقت في العالم الثالث بقوله "حيث تحالفت الأنظمة العلمانية الغربية مع الاستبداد والقوى العسكرية في العالم الثالث". ولكن هذه الصرعة الفكرية لم تصل إلى الحداثيين بعد كي يقوموا بإسقاطها على عالمنا الإسلامي فهم دائما متأخرون في فهم وأخذ الأفكار من الغرب.
الحداثيون ينقسمون إلى قسمين؛ البعض يرى أن الدين في الأصل علماني كالدكتور حنفي والدكتور أبو زيد والبعض الآخر يرى أن الحق هو ما تراه أنت حقا فالدين في نظرك حق وفي نظر غيرك باطل وكلا النظرتين صحيحة ــــــ وهذه هي السفسطة العندية التي حللها العلماء المتكلمون من علماء الإسلام ـــــــ وبناء على هذه الفكرة عند الفيلسوف أركون فالعلمانية المحايدة  هي الحل لكي تطبق وتحكم في الدول الحديثة.
وهكذا يتضح لنا أن كل الحداثيين يطالبون بالعلمانية ومؤمنون بهذه الفكرة ويريدون أن تطبق في عالمنا العربي ولكنني ألفت نظر القارئ إلى أن الدول العربية كلها دول علمانية فهي لا تطبق الإسلام فهو "دين الدولة" فقط، ولكن الحداثيين يريدون أن تمحى حتى هذه العبارة من الدساتير ويريدون أن تتحول الشعوب المسلمة إلى شعوب علمانية لا الحكومات فقط.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحداثة.. مفهومها ...تاريخها    الحداثة.. مفهومها ...تاريخها  Emptyالثلاثاء 09 أغسطس 2016, 10:02 am

الحداثة والإله والنبوة.. الأنسنة (5)

في هذه المقالة نريد أن نبحث في مفهوم الإله عند الحداثيين، وهل الحداثيون يؤمنون بوجود الله؟ وما مفهوم النبوة عندهم بناء على مفهوم الإله؟ هذه القضية تبين لنا بوضوح من هم الحداثيون وكيف أنهم يتبعون الغرب والمفاهيم الغربية ويحاولون اسقاطها على الإسلام.
وأنهم لا ينتمون إلى هذه الأمة ولا إلى تراثها وماضيها فهم مجرد مقلدة للفكر الغربي، حيث يعملون على إسقاط المفاهيم والأفكار الغربية على مجتمعاتنا الإسلامية، متناسين ما لنا من حضارة وتاريخ وغاضين الطرف عن كل أفكار الأمة ومعتقداتها والعلة في ذلك كله التقليد والإسقاط.
يرى الحداثيون أن النقص البشري هو الذي أوجد مفهوم الإله؛ فالإنسان فيه الضعف والألم ثم ينتقل أحياناً إلى الفرح وهو في هذه الحالات يشعر بضعف فيعلل هذه الحالات بعلة خفية هي من تسبب له كل هذا الشعور وهي التي ينشأ عنها هذ الشعور ويطلق عليها لفظ الله!
فالإله عند الحداثيين هو فكرة في ذهن الإنسان لا وجود لها في الواقع، حيث يقول الدكتور حسن حنفي:"إن الله لفظ نعبر بها عن صرخات الألم وصيحات الفرح، أي أنه تعبير أدبي أكثر منه وصفا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفا خبريا.. إنه لا يعبر عن معنى معين، إنه صرخة وجودية أكثر منه معنى يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة، أو بتصور من اللغة، إنه رد فعل على حالة نفسية، أو تعبير عن إحساس أكثر منه تعبيرا عن قصد أو إيصالا لمعنى معين، فكل ما نعتقده ثم نعظمه تعويضا عن فقد يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما نصبوا إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضا في الشهود الجماهيري هو الله".
إذن من منظور حسن حنفي؛ الله هو حالة نفسية تصيب الشعور الشعبي فقط، أما المثقفون والمفكرون والفلاسفة فهم على وعي أكبر بهذه الحالة النفسية التي تعبر عن الألم والأشواق والطموحات، فكلمة (الله) لا وجود لها بل هي لفظ أدبي لغوي لا وجود له في الواقع!
وإذا تغلب الإنسان على ضعفه وصمد في مواجهة المتاعب وثابر من أجل تحقيق أحلامه وطموحاته فلا داعي وقتئذ بأن يكون الإله موجودا؛ أي أن علينا أن نصنع الإنسان المتعالى "الرجل السوبرمان" كما في فلسفة نتشيه، فهذا الإنسان وهذا الرجل هو الذي سيحل محل الإله وسيموت الإله بعد ذلك في الضمير الإنساني وتنتهي الفكرة في الحس الشعبي، كما يقولون.
هذا هو ما يطمح له حسن حنفي، فقد جاء بفكرة نتشيه ويريد إسقاطها على عالمنا الإسلامي حتى أنه لم يكلف نفسه بأن يأتي بأفكار جديدة تبين عمق فكره، حيث يقول الدكتور حنفي:"والإلهيات في الحقيقة وإن بدت نظرية في الله ذاتا وصفات وأفعالا هي وصف للإنسان الكامل ذاتا وصفات وأفعالا .. فالإنسان يخلق جزءا من ذاته ويؤلهه أي إنه يخلق المؤله على صورته ومثاله، فهو يؤله أحلامه ورغباته ثم يشخصها ويعبدها، فالمعبود دليل على العجز والمقدس قرينة على عدم القدرة. القادر لا يعبد ولا يقدس بل يعمل ويحقق خططه وأهدافه".
إذن فهكذا (القادر لا يَعبد ولا يقدس) إنه الإنسان الكامل الرجل السوبرمان، وهكذا يضيف الدكتور حنفي:"الصفات السبع هي في حقيقة الأمر صفات إنسانية خالصة، فالإنسان هو العالم القادر الحي السميع البصير المريد المتكلم، وهذه الصفات في الإنسان ومنه على الحقيقة، وفي الله وإليه على المجاز".
وهكذا يعلن الدكتور حنفي موت الإله الذي نادى بها نتشيه في "هكذا تكلم زاردشت"، ولكن هذه المرة على طريقة حسن حنفي في مجتمع ليس فيه الملابسات التي حصلت في المجتمع الغربي والتي دعت نتشيه إلى المناداة بموت الإله، ولكن هل سيقول الدكتور حسن حنفي كما قال نتشيه عندما أصيب بمرض شديد وشارف على الموت، طلب من أخته أن لا تدعوا قسيسا ليقول التراهات على قبره وقال لها:"أريد أن أموت وثنيا شريفا".   
بل إن بعض الحداثيين يصرح بإلحاده ويرى أن الدين والإيمان بوجود إله لهذا الكون لا يتوافق مع العقل والمنطق ولا يتوافق مع الفلسفة والفهم الفلسفي للأمور.
وانطلاقا من هذا المفهوم عن الإله؛ يرى الحداثيون أن النبوة هي مستوى من مستويات الترقي البشري وسعة المخيلة عند الإنسان، وهي كمال إنساني مكتسب، فالأمر عندهم ليس اصطفاء من الله وليست معارف وعلوم جاءت من عند إله، ولكن غاية الأمر أن النبي شخصية متفوقة حسيا وروحيا فقط.
وهذه الفكرة موجودة منذ القديم عند بعض الفلاسفة القائلين بأن النبوة أمر مكتسب يتحصل عليه الإنسان عن طريق رياضات روحية؛ فالصوفي والكاهن والشاعر والعراف والنبي مراتب للنفس الإنسانية تترقى فيها النفس عن طريق الرياضات الروحية.
ويقول البرفسور محمد عمارة بأن النبوة عند الحداثيين:"حالة من حالات الفعالية الخلاقة للمخيلة الإنسانية وليست ظاهرة فوقية مفارقة للواقع وقوانينه المادية، والفارق بين النبي وبين الشاعر والصوفي والكاهن هو فقط في الدرجة ـــــ درجة قوة المخيلة ــــــ وليس في الكيف والنوع".
يقول الدكتور حنفي في هذه الفكرة بأن "النبوة ليست غيبية بل حسية تؤكد على رعاية مصالح العباد والغيبيات اغتراب عنها والمعارف النبوية دنيوية حسية".
أما الدكتور نصر حامد أبو زيد فيقول:" إذا كانت فاعلية الخيال عند البشر العاديين لا تتبدى إلا في حالة النوم وسكون الحواس عن الانشغال بنقل الانطباعات من العالم الخارجي إلى الداخل، فإن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء".
ويضيف "وليس معنى ذلك التسوية بين هذه المستويات من حيث قدرة المخيلة وفاعليتها فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب ويليه الصوفي العارف ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب".
وعلى هذا التفسير لا تكون النبوة اصطفاء من الله ولا تكون وحيا ولكن هي قوة داخل النفس البشرية إما عن طريق الرياضات الروحية يقوم بتحصيلها أو هي قوة مغروسة في النفس عند بعض البشر.
وهذا كله ما يسمى عند الحداثيين بالأنسنة؛ فالإله غير موجود وإنما هي أحوال نفسية للإنسان ومشاعر وطموحات يخلع عليها العقل الشعبي صفة القداسة ويجعلها في عقله "الله"، والنبوة أمر بشري بحت فهي أيضا صفات بشرية لأناس غير عاديين وصلوا لدرجة من الكمال الإنساني عالية بالنسبة لغيرهم.
والهدف من وراء كل هذا إلغاء مفهوم الدين الذي يقول به المتكلمون من علماء المسلمين، والعمل على دفع الشعوب الإسلامية إلى الإلحاد وجعل الدين مجرد تراث يُطلع عليه ويدرس فقط لا غير بحيث لا يصبح للدين أي تأثير واقعي في الحياة العملية للمجتعات المسلمة.
ويقول أبو زيد:"إن مهمتنا أن ننتقل بحضارتنا من الطور الإلهي القديم إلى طور إنساني جديد، فبدلا من أن تكون حضارتنا متمركزة على الله تكون متمركزة على الإنسان، وتحويل قطبها من علم الله إلى علم الإنسان، وإن تقدم البشرية مرهون بتطورها من الدين إلى الفلسفة ومن الإيمان إلى العقل ومن مركزية الله إلى مركزية الإنسان؛ حتى تصل الإنسانية إلى طور الكمال وينشأ المجتمع العقلي المستنير".
إذن هذا ما تريده الحداثة إنهاء الدين تماما من الوجود البشري، ونحن سعينا في هذه المقالات إلى تبيين حقيقة الحداثة وأهم الأفكار المطروحة فيها وأهم رجالاتها من أجل أن يصبح العقل المسلم على وعي مما يراد به ولكي يفهم ما يراد به.
 ثم إن بعض هذه الأفكار تطرح بصيغة جذابه غير مخالفة في ظاهرها للإسلام وتتستر وراء من يتسمى بالمفكرين، ومن أمثال ذلك فكرة الدعوة إلى تفسير القرآن بما يتوافق مع العصر دون ضوابط وقيود وضعها الأوائل، وهل علي التقيد بتفسير الطبري والقرطبي وغيره، فعصره مخالف لعصرنا والقيود الموضعة على التفسير والمفسر هي قيود لا داعي لها أو فكرة الدعوة إلى الاجتهاد في كل شيء حتى مسلمات الدين ودون قيود علم أصول الفقه.
فعلينا الحذر من هذه الأفكار وغيرها لأنها ستؤدي إلى الحداثة (الإلحاد) وإن كان المنادي بها صالح النية وليس لديه أي خبث تجاه الدين بل ربما كان من المتحمسين للدين ولكن خانته الفكرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الحداثة.. مفهومها ...تاريخها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: