كيف يُطالَب الأردني برفع رأسه واغلاق فمه بنفس الوقت؟
بسام البدارين
هل ثمة طريقة لإقناع المسؤولين في الدولة الأردنية اليوم بان السماح لمدير مخابرات سابق بالإعلان في جلسة انفعال عن طبيعة الخدمات التي قدمها لبعض أعضاء البرلمان بالتزوير، كان الخطأ الأفدح؟
هل ثمة طريقة للتفاهم مع نفس مسؤولي اليوم على أن التغيير الحقيقي والإصلاح الجذري لن يبدءا بكل الأحوال قبل الإقرار بمثل هذا الخطأ لأن القواعد العلمية الأساسية تقول بأن تشخيص المشكلة هو نصف الحل لمعالجتها.
لا أعرف أحدا يستطيع إعداد طبق العجة بدون بيض او زيت أو بدون تكسير البيض… فقط في الأردن يدعي بعض المسؤولين انهم يستطيعون فعل ذلك وتكون النتيجة لا علاقة لها بالبيض او بعالم العجة.
تماما على مثل هذه المزاعم والأفلام الإدارية ان تتوقف في الأردن وتمضي بغير رجعة إذا أرادت الحكومة الولوج للمستقبل بقلب مطئمن وإذا أراد القرار المضي قدما فيما يسير الشعب إلى جانبه خطوة بخطوة.
بناء مصداقية الانتخابات فعلا يتطلب المصداقية نفسها وقبل ذلك الإقرار بأخطاء الماضي كما حصلت، وتجنب دفنها والتعامل معها وكأنها لم تحصل اصلا.
نعود للمسؤول الذي قال علنا بأنه زوّر الانتخابات لصالح أسماء محددة. نفس الجنرال تحدث عن أنه من يصنع الوزراء… أريد استعمال حقي كمواطن أردني في القول بان «الظروف» التي سمحت لمسؤول ما في يوم ما بتعيين نواب برلمان وتزوير مقاعدهم هي المتهمة والإصلاح الحقيقي يبدأ عند الاعتراف بأن الظروف التي سمحت بذلك هي التي ينبغي التوقف عندها لاستنباط النتائج وتجنب مطبات المستقبل والبدء من جديد وتحت عنوان صفحة جديدة.
النخب الأردنية ينبغي أن لا تتحدث عن مشكلات الإدارة العليا في الدولة.. سمعت هذا القول التقليدي من شخصية محترمة بوزن عبد الرؤوف الروابدة وهو رجل تقلد كل المناصب الرفيعة في الدولة، سمعت القول عدة مرات ولا زلت أتمسك برأيي على أساس أن الدولة الفتية الحقيقية القادرة على معالجة مشكلاتها لا تخجل من الأخطاء ولا تداري عليها بل وتتحدث عنها وتسمح للمواطنين بمناقشتها.
هذا ما تفعله المجتمعات المتحضرة والشعوب الديمقراطية والمؤسسات الدولية.
فقط الدول التي تثق بنفسها تتحدث عن مشكلاتها وتؤشر على الأخطاء، وفقط الأنظمة الشمولية تفعل العكس وتحيل البلاد والعباد إلى صحراء من الصمت والإيهام والأفواه المغلقة.
مجددا كيف يطالب الأردني بان يرفع رأسه ويغلق فمه بنفس الوقت؟ بأمانة وصدق لا أرى شخصيا اي وسيلة لمعالجة اي مشكلة مهما صغرت أو كبرت بدون الإقرار بوجودها أصلا.
عندما كنا نتحدث عن مخاطر العبث بالانتخابات ونسب المشاركة الضئيلة وشعور الشعب بأنه يقيم في «الترانزيت»..عندما كنا نقول بأن من يزوّر الانتخابات اليوم سيندم غدا أشد الندم كانت تنهال علينا كل الإتهامات المعلبة والمودعة في صندوق خاص يلوك سمعة الناس وأصحاب الرأي الآخر ويتهمهم بتعطيل المسيرة وكشف ستر الوطن وفي بعض الأحيان وعند الرحمة يصبح إلصاق تهمة الدعوة للوطن البديل والتعاون مع العدو الإسرائيلي التهمة الأصغر التي يمكنها ملاقاة من يتجرأ ليقول بان تزوير الانتخابات خطأ وغير مبرر اصلا.
المشرف على الانتخابات اليوم الدكتور خالد كلالدة يعلن بشفافية بأن ممارسات الماضي ضربت سمعة ومصداقية العملية الإنتخابية وسط الناس.
المؤسف أن الرأي العام لا يشعر بان المشاركة في الانتخابات واجبة ترشيحا او إقتراعا. والمؤسف اكثر ان إقناع المواطن الأردني نفسه بمصداقية العملية الانتخابية اصبح مهمة مستحيلة في الأردن بعد سلسلة طويلة من الممارسات العابثة التي انتهت بان يتم إبلاغ ممثلي الشعب علنا وعلى رؤوس الأشهاد بعدد الأصوات التي تم إضافتها في صناديقهم ومن قبل مسؤولين كبار جدا.
اذا كان إقناع الشعب الأردني صعبا فكيف سيتم إقناع السفارات وكيف سيتعامل الجميع مع مؤسسة برلمانية وليدة لا تمثل إلا حلقة الإنتهازيين المشاركين فيها؟.
ادرك حساسية المرحلة وضرورة التخفف من حدة النقد الذاتي في المرحلة الحرجة.
لكن أدرك بالمقابل بان الحرص الوطني على تجاوز أي مشكلة يتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى وبصراحة متناهية تقديم ضمانات حقيقية وليست لفظية للشعب الأردني بأن لا تتكرر تلك الأخطاء التي يدفع النظام والشعب ثمنها اليوم وحتى لا تتكرر لابد من الإقرار أولا بما حصل في الماضي ولا بد ان تبدأ المعالجة من مواجهة أزمة الأدوات ورموز الحكم والإدارة وتغيير الظروف التي أقنعت أحد المسؤولين في الماضي «وهو بالمناسبة بالسجن بتهمة فساد» بأنه يستطيع إعلان من زور لهم الانتخابات ومن حجب النجاح والأصوات عنهم أو يستطيع توزير فلان وإقصاء علان.
الخطأ ليس عند الرجل الفرد نفسه فهو «ضحية» لظروف ملتبسة ولعملية تردد متواصلة في إتخاذ القرارات الصحيحة وفي الوقت المناسب..الخطأ في الظروف وإدارة العملية وعدم تفعيل الدستور والقانون والمحاصصة المقيتة لكل شيء والصلاحيات غير الدستورية التي تنداح او تنزاح على بعضها البعض مرة تلو المرة بدون أن يدري المواطن ولا حتى المسؤول من فعل ماذا ولماذا ومتى وعلى أي أساس.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
كيف يُطالَب الأردني برفع رأسه واغلاق فمه بنفس الوقت؟
بسام البدارين
هل ثمة طريقة لإقناع المسؤولين في الدولة الأردنية اليوم بان السماح لمدير مخابرات سابق بالإعلان في جلسة انفعال عن طبيعة الخدمات التي قدمها لبعض أعضاء البرلمان بالتزوير، كان الخطأ الأفدح؟
هل ثمة طريقة للتفاهم مع نفس مسؤولي اليوم على أن التغيير الحقيقي والإصلاح الجذري لن يبدءا بكل الأحوال قبل الإقرار بمثل هذا الخطأ لأن القواعد العلمية الأساسية تقول بأن تشخيص المشكلة هو نصف الحل لمعالجتها.
لا أعرف أحدا يستطيع إعداد طبق العجة بدون بيض او زيت أو بدون تكسير البيض… فقط في الأردن يدعي بعض المسؤولين انهم يستطيعون فعل ذلك وتكون النتيجة لا علاقة لها بالبيض او بعالم العجة.
تماما على مثل هذه المزاعم والأفلام الإدارية ان تتوقف في الأردن وتمضي بغير رجعة إذا أرادت الحكومة الولوج للمستقبل بقلب مطئمن وإذا أراد القرار المضي قدما فيما يسير الشعب إلى جانبه خطوة بخطوة.
بناء مصداقية الانتخابات فعلا يتطلب المصداقية نفسها وقبل ذلك الإقرار بأخطاء الماضي كما حصلت، وتجنب دفنها والتعامل معها وكأنها لم تحصل اصلا.
نعود للمسؤول الذي قال علنا بأنه زوّر الانتخابات لصالح أسماء محددة. نفس الجنرال تحدث عن أنه من يصنع الوزراء… أريد استعمال حقي كمواطن أردني في القول بان «الظروف» التي سمحت لمسؤول ما في يوم ما بتعيين نواب برلمان وتزوير مقاعدهم هي المتهمة والإصلاح الحقيقي يبدأ عند الاعتراف بأن الظروف التي سمحت بذلك هي التي ينبغي التوقف عندها لاستنباط النتائج وتجنب مطبات المستقبل والبدء من جديد وتحت عنوان صفحة جديدة.
النخب الأردنية ينبغي أن لا تتحدث عن مشكلات الإدارة العليا في الدولة.. سمعت هذا القول التقليدي من شخصية محترمة بوزن عبد الرؤوف الروابدة وهو رجل تقلد كل المناصب الرفيعة في الدولة، سمعت القول عدة مرات ولا زلت أتمسك برأيي على أساس أن الدولة الفتية الحقيقية القادرة على معالجة مشكلاتها لا تخجل من الأخطاء ولا تداري عليها بل وتتحدث عنها وتسمح للمواطنين بمناقشتها.
هذا ما تفعله المجتمعات المتحضرة والشعوب الديمقراطية والمؤسسات الدولية.
فقط الدول التي تثق بنفسها تتحدث عن مشكلاتها وتؤشر على الأخطاء، وفقط الأنظمة الشمولية تفعل العكس وتحيل البلاد والعباد إلى صحراء من الصمت والإيهام والأفواه المغلقة.
مجددا كيف يطالب الأردني بان يرفع رأسه ويغلق فمه بنفس الوقت؟ بأمانة وصدق لا أرى شخصيا اي وسيلة لمعالجة اي مشكلة مهما صغرت أو كبرت بدون الإقرار بوجودها أصلا.
عندما كنا نتحدث عن مخاطر العبث بالانتخابات ونسب المشاركة الضئيلة وشعور الشعب بأنه يقيم في «الترانزيت»..عندما كنا نقول بأن من يزوّر الانتخابات اليوم سيندم غدا أشد الندم كانت تنهال علينا كل الإتهامات المعلبة والمودعة في صندوق خاص يلوك سمعة الناس وأصحاب الرأي الآخر ويتهمهم بتعطيل المسيرة وكشف ستر الوطن وفي بعض الأحيان وعند الرحمة يصبح إلصاق تهمة الدعوة للوطن البديل والتعاون مع العدو الإسرائيلي التهمة الأصغر التي يمكنها ملاقاة من يتجرأ ليقول بان تزوير الانتخابات خطأ وغير مبرر اصلا.
المشرف على الانتخابات اليوم الدكتور خالد كلالدة يعلن بشفافية بأن ممارسات الماضي ضربت سمعة ومصداقية العملية الإنتخابية وسط الناس.
المؤسف أن الرأي العام لا يشعر بان المشاركة في الانتخابات واجبة ترشيحا او إقتراعا. والمؤسف اكثر ان إقناع المواطن الأردني نفسه بمصداقية العملية الانتخابية اصبح مهمة مستحيلة في الأردن بعد سلسلة طويلة من الممارسات العابثة التي انتهت بان يتم إبلاغ ممثلي الشعب علنا وعلى رؤوس الأشهاد بعدد الأصوات التي تم إضافتها في صناديقهم ومن قبل مسؤولين كبار جدا.
اذا كان إقناع الشعب الأردني صعبا فكيف سيتم إقناع السفارات وكيف سيتعامل الجميع مع مؤسسة برلمانية وليدة لا تمثل إلا حلقة الإنتهازيين المشاركين فيها؟.
ادرك حساسية المرحلة وضرورة التخفف من حدة النقد الذاتي في المرحلة الحرجة.
لكن أدرك بالمقابل بان الحرص الوطني على تجاوز أي مشكلة يتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى وبصراحة متناهية تقديم ضمانات حقيقية وليست لفظية للشعب الأردني بأن لا تتكرر تلك الأخطاء التي يدفع النظام والشعب ثمنها اليوم وحتى لا تتكرر لابد من الإقرار أولا بما حصل في الماضي ولا بد ان تبدأ المعالجة من مواجهة أزمة الأدوات ورموز الحكم والإدارة وتغيير الظروف التي أقنعت أحد المسؤولين في الماضي «وهو بالمناسبة بالسجن بتهمة فساد» بأنه يستطيع إعلان من زور لهم الانتخابات ومن حجب النجاح والأصوات عنهم أو يستطيع توزير فلان وإقصاء علان.
الخطأ ليس عند الرجل الفرد نفسه فهو «ضحية» لظروف ملتبسة ولعملية تردد متواصلة في إتخاذ القرارات الصحيحة وفي الوقت المناسب..الخطأ في الظروف وإدارة العملية وعدم تفعيل الدستور والقانون والمحاصصة المقيتة لكل شيء والصلاحيات غير الدستورية التي تنداح او تنزاح على بعضها البعض مرة تلو المرة بدون أن يدري المواطن ولا حتى المسؤول من فعل ماذا ولماذا ومتى وعلى أي أساس.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»