هل النكد جينات في تكوين الإنسان أم مكتسب من المحيط؟
تغريد السعايدةعمان- “أنكد إنسان يمر عليّ.. زوجي بنكد عليّ حياتي.. شقيقي هوايته ينكد على البيت كله.. مديري بجيب النكد من تحت الأرض”.. كثيرة هي العبارات، التي تتحدث عن عادة “النكد” عند الكثيرين، مبتعدين عن حس الفكاهة أو الفرح، لتكون السمة الغالبة في شخصيتهم “المزاج السلبي واختلاق كل أسباب النكد”.
وأثبتت دراسة حديثة أن “صفة النكد أو المزاج السيئ هي عبارة عن جينات تتدخل في تكوين نفسية الإنسان وليس طبعا يكتسبه من الظروف الخارجية”.
وتعتقد ميساء أيوب أن في تلك الدراسة الكثير من الحقيقة. فهي تتحدث عن زوجها الذي يعتمد كلياً على مزاجه في العمل والضغوطات اليومية، ليحمل كل مشاكله الخارجية للبيت، ويبدأ بتوزيع “النكد” على كل أفراد المنزل.
ورغم محاولتها الدائمة لتغيير تلك الصفة فيه، لم تستطع، لأنه برأيها “الطبع غلب التطبع”، مبينة أن الزوج أحيانا لا يقدر الضغوط اليومية التي قد تجعل الزوجة بأسوأ مزاج لها، لكنها لا تظهره مثل الرجل.
أم سارة، موظفة في القطاع الحكومي، تشتكي أيضا من “نكد” زوجها الشديد، كونه لا يبتسم كثيراً ولا يجامل ضيوفه ويتعامل بسلبية مع أهل بيته، وهي تنتقد فيه هذه الصفة كثيراً، وتحاول جاهدة أن تغير من طباعه، لكن “هباءً منثورا”، كما تقول.
لذلك ترى أم سارة أن تلك الدراسة واقعية وحقيقية، كون الإنسان قد تكون ظروفة المعيشية والاجتماعية صعبة، ولكنه يسعى لأن يكون إنسانا سعيدا ويُسعد من حوله، لذلك لا يمكن أن تغير الظروف السلبية في طبع الإنسان الإيجابي والمتفائل والبعيد عن النكد، وقد يكون “نكده ومزاجه السيئ” عابر ولا يتحكم في كل يومياته، على العكس من الأشخاص “النكديين”، وهذا أكبر دليل عن أن الجينات تتحكم في شخصيته.
بيد أن نضال أبو عيد يجزم بأن الرجل لا يتوقف كثيراً عند تفاصيل الأمور، لذلك لا يغضب ولا “ينكد” كما تفعل المرأة، فالمرأة تدقق كثيراً في أبسط التفاصيل، وقد يقوم عليها نقاش طويل، ومن هنا قد يلجأ الرجل إلى التوقف عن الكلام والنقاش ويصمت لفترة طويلة قد تجعل منه إنسانا “نكديا” وهو في حقيقة الأمر ليس كذلك.
أما وأن النكد والسلبية في حياة الإنسان تتحكم فيها الجينات، فيرى أن ذلك قد يتعلق بتكوين الشخصية العامة بالطباع العامة وأسلوب الحياة، فهو من خلال خبرته في الحياة يرى أن الظروف الخارجية والضغوط اليومية لها الدور الكبير في تحديد سعادة أو نكد الشخص خاصة إذا كانت كل الظروف “القاسية والضغوط” على المدى الطويل، وتؤرق الرجل أكثر من المرأة، لذلك يعتقد الكثيرون أن الرجل هو الشخص النكد في حياة الأسرة.
وفيما يتعلق بالمجتمع الأردني وما يتسم به من “جمود وكشرة”، فقد كان خبير التراث نايف النوايسة بين أن الثقافة التربوية لها دور في هذا التكوين، والتي تتطلب من الشخص أن يقلل من ضحكة وأن يكون “ثقيلاً” سواء للرجل أو المرأة، كون الثقافة أثرت على أجيال مختلفة ومتتابعة، وأصبحت “كشرتها أو الرزانة في التصرف هي الصفة المطلوبة وفي أغلب المواقف”.
كما يبين النوايسة أن التكوين الجغرافي للمناطق له تأثير، وقد تختلف طباع الناس في الصحراء أو الجبال أو الريف والبادية عن بعضهم بعضا، فقساوة البيئة لها دور في تشكيل شخصية الإنسان بحيث يكون قاسيا وشديدا في التعامل مع الظروف البيئية، كما أن الحروب والدمار لهما أثر في مزاج الإنسان و”نكده”.
وتعلق سناء عيسى أن تلك الدراسات غير دقيقة ولا يمكن أن نطبقها ونسقطها على حياتنا اليومية، فالظروف من عائلة لأخرى تختلف ومن مجتمع لآخر، وكذلك من دولة لأخرى، فالإنسان متقلب بحسب تقلبات حياته.
وتعتقد سناء أن لكل إنسان مدخلا يمكن أن يساعده على الخروج من حالات النكد والمزاج السيئ التي يمكن أن يتعرض لها بين الحين والآخر، من خلال مساعدته على تخطي اللحظات السلبية في حياته، وتقدير ظروفه.
وتعتقد الأخصائية التربوية والأسرية رولا خلف، أن النكد له سلبياته على الحياة الأسرية بشكل عام وليس فقط بين الزوجين، لذلك على الإنسان أن يكون متوازنا ويراعي الآخرين في تعاملاته معهم؛ إذ إن هذه الصفة قد ترافق الشخص طيلة حياته وتنعكس على تعاملاته.
وتعتقد خلف أن التمسك بهذه الصفة بحجة أنها تجعل الإنسان أكثر هيبة واحتراما في عيون الآخرين هي فكرة خاطئة، فيجب على الشخص أن يكون على قدر كاف من الوعي ليساعد نفسه على الخروج من هذه الأجواء التي قد تنطبع صفة للأسرة بأكملها.
ولا تنفي خلف أن ضغوط الحياة لها أثر كبير في تغير مزاج الإنسان من وقت لآخر، وقد تكون الظروف أقوى من الإنسان، لذلك يجب أن يحاول كل شخص التخفيف من حدة “النكد عند المحيطين” حتى لا تؤثر على علاقاته.