ماهر أبو طير
لماذا لايسترد العرب تركيا؟!
التاريخ:27/8/2016
يبدو لافتا الموقف العربي عموما من تركيا، خلال السنوات الخمس الفائتة، فلا محاولات حقيقية لتثبيت تركيا في المعسكر العربي، او منع اختطافها او انزلاقها لمعسكرات اخرى.
هذا الامر شاهدناه في محطتين، الاولى دعم تركيا لجماعة الاخوان المسلمين، والربيع العربي، في دول عربية عديدة، مما ولد نفورا سياسيا شديدا من تركيا، لكن في السياسة، لاتقاس الامور بردود الفعل، ولم تحاول اي دولة عربية، او مجموعة دول عربية، فتح ثغرة في الجدار مع الاتراك، سواء لمنعهم من هذا الخط، او اقناعهم ان هذا يؤذي بعض الدول، او حتى يتضارب مع مصالحها وامنها واستقرارها.
فالدول العربية استسلمت للخط التركي، ولم تحاول بأي شكل عميق، الوصول الى تسوية مع الاتراك في هذا الملف، ولو من باب حفظ التوازنات، او التخفيف من حدة الموقف التركي.
بل على العكس تم شن حملة سياسية ضد الاتراك، على مستويات مختلفة، وقد نفهم غضبة السوريين والمصريين، باعتبارهما يتضرران بشكل مباشر من الخط التركي آنذاك، لكننا لم نفهم موقف بقية الدول العربية.
في فترة محدودة برزت مؤشرات جيدة، على اعادة استقطاب تركيا، كان ابرزها زيارة عاهل السعودية الى تركيا، التي استمرت ثلاثة ايام، وهذه جاءت بعد فترة ليست سهلة، وفي ظل الحسابات التي تتعلق بدور ايران وتمددها في المنطقة، والزيارة ذاتها، اقلقت دولا عربية اخرى، تريد معاقبة الاتراك بزيادة الجفاء معهم، وليس الانفتاح عليهم.
قد نفهم إذاً، ان العرب لم يكونوا قادرين على الانفتاح على تركيا، خلال أوج سنين الربيع العربي، من باب اعتبار انقرة انها سبب هذا الخراب، او ترعاه او تموله او تتحالف مع احدى الدول العربية، من اجل زيادة رقعة النار في هذه المنطقة.
نقطة التحول التي تثبت اننا امام عجز سياسي كبير، تتعلق بالانقلاب الذي حدث في تركيا، فقد كان بوابة انقلابية لتحسين العلاقات، لكن المثير ان العرب عموما، لم يكونوا قادرين على اخفاء شماتتهم بما حدث في تركيا، والتصريحات العربية السياسية المنددة بالانقلاب مجرد حبر على ورق، والاتراك لايشترون سمكا في بحر، وكأن الانقلاب هنا، وتقييماته ادت لمزيد من التدهور العربي التركي.
آفة الافات تلك التي نراها اليوم، وذات الموقف العربي يتجدد، برغم انهم يدفعون الثمن كل مرة بشكل مختلف، لكن هذه المرة، يبدو الثمن مختلفا تماما، وكبيرا جدا، فالانفتاح التركي على روسيا وايران، ودخول شمال سورية، والاقتراب من هذا المعسكر، يعني بكل بساطة ان الدولة التي كان من الممكن ان تشارك العرب في التوازن مع ايران في المنطقة، اقتربت من المعسكر الاخر، ان لم يكن انتظمت فيه، والذي يحلل الموقف العربي، يكتشف بكل بساطة عجزا غريبا، فلا احد يبذل اي جهد للانفتاح على تركيا، ويتركونها لتذهب وتنام في حضن ايران، وهي الدولة الاقليمية الكبيرة المسلمة السنية، التي توازي الدولة الاقليمية الكبيرة المسلمة الشيعية.
من غرائب العرب انهم مازالوا يثقون بواشنطن، التي خذلتهم الف مرة، وهم في عدم سعيهم لاسترداد تركيا للمنطقة، بعد ان فترت قصة الربيع العربي، يتطابقون مع موقف الاميركان الذين يريدون تحجيم تركيا، ولايهمهم حتى لو تحالفت مع جهنم، فالمهم تحجيمها، ومانراه اليوم، خسارة عربية كبيرة جدا، ان يتم ترك تركيا، ليتم الاستفراد بها، من ايران وروسيا، وبقية عواصم هذا المعسكر.
كان الاولى، ان يركض العرب، بعد الانقلاب، ويصلحوا العلاقة مع الاتراك، فقد كانت محطة مابعد الانقلاب فاصلة ومهمة وقابلة لاعادة التشكيل في العلاقة مع الاتراك، وهذا مافهمه الروس حقا، واستثمروا في اللحظة، واستقبلوا اردوغان، واصلحوا العلاقات، وهي ذات رغبات اردوغان الذي لم يجد اصلا اي بديل جاهز عن الروس، لا الغرب، ولا العرب، فيما الفاتورة النهائية سوف تتنزل على امن المنطقة العربية، التي تجد دولها اليوم نفسها في مرحلة اللاتوازن، فمن هو حليف العرب، اذا كان الاتراك والايرانيون والروس والغرب، بمن فيهم الاميركان، لديهم حساباتهم، البعيدة تماما عن حسابات المنطقة.
يبقى السؤال: الى متى تبقى السياسة العربية تابعة، او متأثرة، وفي اغلب الحالات، تؤشر على ضعف البصيرة، وعلى عدم القدرة على قراءة المستقبل؟!.