«السحوة» في المجتمع الموريتاني: الزوجة لا تذكر اسم زوجها وزوجها لا يشرب ولا يأكل أمام صهريه
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»: «السحوة» كلمة مشتقة من الحياء والإستحياء تندمج فيها عادات كثيرة متأصلة في عمق المجتمع الموريتاني. هذه العادات تأبى أن تتلاشى رغم التنور المعرفي والتمدن والتحضر، وبالرغم من تمرد الشباب من الجيل الصاعد على الكثير منها.
من هذه العادات أن الزوجة لا تذكر اسم زوجها أبدا أمام الناس، وإذا هي اضطرت لمخاطبته فإنها تعبر عنه بكلمة «الراجل» وإذا كانت من الجريئات اللائي يتظاهرن بأسماء أزواجهن تعرضت للسب وقيل إنها «وقحة».
ومن هذه العادات الغريبة أن الزوجة لا تنطق باسم ولدها البكر وبخاصة إذا سماه والده على جده، لأن التقاليد تمنع على المرأة النطق باسم زوجها أو اسم والده.
وإذا اضطرت المرأة للنطق باسم ابنها البكر عبرت عنه بحياء كبير بمسمى «أطفل».
وكثيرا ما وجهت انتقادات لاذعة لنساء ينطقن بأسماء أزواجهن، وهذه الفئة من النساء تسمى «متينات العين»، ومصطلح «متن العين» يعني فيما يعنيه الوقاحة وحب الرجال.
وتفرض هذه التقاليد على الرجل الموريتاني أمورا كثيرة منها عدم الدخول في منزل أصهاره إلا لحاجة قصوى، ومنها أنه ممنوع من الأكل والشرب والتدخين أمام صهره وحماته، وإذا هو تجرأ وفعل إحدى هذه الفعلات فسر الأمر بأنه احتقار للأصهار، وربما أدت هذه التصرفات لمشاكل بين الزوج وزوجته المحتجة على احتقار زوجها لأبويها.
وتمنع عادة «السحوة» الزوجين من مداعبة وملاعبة أطفالهما أمام الناس وبخاصة أمام صهريهما.
وتمنع السحوة كذلك إظهار أي علاقة حب أو ود بين الزوج وزوجته أمام الناس فلا يمكنهما مثلا، الجلوس أمام الكبار، متجاورين على طاولة واحدة في أحد المطاعم، ومتى تجرءا على ذلك وصفا بأنهما «وقحان» وبأنهما «متطبعان بطباع النصارى».
تفرض «السحوة» على الزوج تحاشي أي لقاء مباشر مع صهريه أو القدوم عليهما في مكان خارج منزلهما، وإذا لزمه ذلك كان عليه أن يضع على رأسه ووجهه لثاما محيطا وأن يتكلم بهدوء وأدب تام.
وفي المجتمع البدوي حيث لا تتوفر الحمامات تفرض تقاليد السحوة على الرجل قطع مسافات بعيدة لقضاء حاجته، أما إذا لزمه الإغتسال من الجنابة الدالة على معاشرته لزوجته، فإنه قد يضطر للسفر لمنطقة نائية لغرض الإستحمام.
وتفرض السحوة على المرأة التمنع من الذهاب إلى زوجها طيلة مرحلة ما قبل انتقالها النهائي إلى بيته، وإذا هي لم تظهر الإمتناع والتمنع، تعرضت للنقد الشديد ووصفت بأنها «محبة للرجال» وبأن عينها «متينة» وهذه أعلى درجات الذم في سلم النقد الاجتماعي.
ومن تقاليد «السحوة» أن الصغير لا يسلم على الكبير بيده وإنما يضع الصغير يده على رأس الكبير على سبيل الإحترام والتبرك. لم تؤد الحياة المعاصرة والإنتقال من حيادة البادية إلى حياة الحضر، إلى اختفاء «السحوة» فالكثيرون يعتبرونها آدابا مهمة لا غنى عنها، ويجب المحافظة عليها.
ويختلف الباحثون الاجتماعيون في تحديد أصول عادة «السحوة» ويجمع غالب من تناولوا هذه الظاهرة بأنها «عادات بربرية قديمة هدفها المحافظة على تراتبية وحدود تنظم العلاقة بين الكبار والصغار».
ويرفض باحثون موريتانيون أي علاقة لتقاليد «السحوة» بالدين الإسلامي فهم يؤكدون في بحوث لهم أن «السحوة خارجة عن الأخلاق الإسلامية فلا علاقة لها بالدين، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يدخل على ابنته فاطمة وزوجها، وكان يتناول الطعام مع علي كرم الله وجهه، وكان علي يحمل أبناءه الحسن والحسين أمام الرسول عليه الصلاة والسلام».
رغم كل ذلك يتمسك الموريتانيون بل ورجال الصحراء الكبرى بتقاليد «السحوة» الغريبة التي تحرم الإنسان من اجتماعيته ووشائج قرباه ومن التمتع بحياة حرة لا منغص فيها.