[rtl]ردا للجدل.. من هم أهل السنة والجماعة؟[/rtl]
[rtl]التاريخ:7/9/2016 [/rtl]
سعيد الناصر
كثر الحديث في الآونة الأخير حول مصطلح أهل السنة والجماعة، وخاصة بعد مؤتمر "أهل السنة والجماعة" في الشيشان، ورأينا أن كثيرا من الطرح كان طرحا سياسيا لا غير، وبعض الأطروحات حتى من علماء دين كبار ركزت على الأسماء وهل الجماعة الفلانية تدخل في أهل السنة أم لا والبعض الآخر بدأ بالحديث عن وحدة الصف وكأن العالم الإسلامي كان متوحدا وجاءت هذه الفكرة ومزقته.
ومن أعجب ما قرأنا في هذه الفوضى من الكتابات؛ بعض من يقول أن هذه مسائل علمية فلماذا تتكلمون فيها في غير الجامعات والأكاديميات، وكأن الموضوع طرح في الشارع أو تكلم فيه غير الأكاديميين، والصحيح أن من تكلم في الموضوع من الكتاب الذين ليس لهم حظ من العلم الشرعي كانوا متسلقين على موائد الغير من دون مبرر إلا التنطع وبعض المآرب السياسية.
في هذا المقال سنحاول الحديث عن أهل السنة والجماعة؛ من هم ولكن من الناحية العلمية ومن ناحية طرح الفكرة دون التعرض للأسماء، فلا يهمنا كثيرا طرح الأسماء وادخال الجماعة الفلانية واتباع فلان في أهل السنة أو إخراجهم، ولكنا نضع قانونا وقاعدة فكرية عقدية توضح وتحدد من هم أهل السنة والجماعة، ثم بعد ذلك ليدخل من يدخل وليخرج من يخرج فهذا أمر لا يعنينا بل الله يحاسب كل قوم بما اعتقدوا فمن خرج من هذه الدائرة فقد أخرج نفسه باعتقاد عقائد مخالفة لأهل الحق.
وقبل الخوض في بيان من هم أهل السنة والجماعة؛ فإننا نريد التعريج على تعريف صدر في هذه المعمعة عن اتحاد لعماء المسلمين يقولون فيه :"وإن أمة الإسلام- وهم أهل السنة- هم كل من يؤمن بالله وكتابه ورسوله .. من لا يقر ببدعة تكفيرية، ولا يخرج عن القرآن الكريم وعن السنة الصحيحة. وهم كل المسلمين إلا فئات قليلة، صدت عن سبيل الله".
وهم بهذا التعريف قد خلطوا بين أهل القبلة أي الأمة الإسلامية وبين أهل السنة والجماعة وهما مصطلحان بينهما عموم وخصوص، فليس كل من ينتسب إلى أمة الإسلام ـــ وهم أهل القبلة ــــ هم من أهل السنة والجماعة، أما "من لم يقر ببدعة تكفيرية"، فالبدع مختلف فيها فالتعريف غير ضابط.
فهم بهذا التعريف يدخلون المعتزلة على سبيل المثال في أهل السنة ويدخل في تعريفهم من فرق الشيعة الزيدية وربما دخل في تعريفهم كثير من الفرق الضالة التي حكم عليها علماء أهل السنة بالضلال وذلك في كتب الفرق ومقالات الإسلاميين، والذي أوقع هذا الاتحاد ــــــ لعلماء المسلمين كما يسمون أنفسهم ــــــــ في الخطأ هو الخطاب السياسي العاطفي ومحاولة كسب جمهور عريض.
أما أهل السنة والجماعة بالمفهوم العلمي كما يورده علماء الفرق والمذاهب من أهل السنة؛ فهم طائفة محددة لها اعتقادها ومنهجها في العلوم الشرعية، ولكي لا نطيل نذكر مجمل عقائد أهل السنة كما أوردها الإمام أبو منصور، عبد القاهر البغدادي رحمه الله في كتابه الفَرق بين الفِرق وما بين شرطتين فهو توضيح، فيقول:" قد اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين، كل ركن منها يجب على كل عاقل بالغ معرفة حقيقته، ولكل ركن منها شعب وفي شعبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد وضللوا من خالفهم فيها".
ثم قال :"وقالوا في الركن الثالث: وهو الكلام فى صانع العالم وصفاته الذاتية التي استحقها لذاته، أن الحوادث كلها لا بد لها من محدث صانع، وكفّروا ثمامة واتباعه من القدرية في قولهم إن الأفعال المتولدة لا فاعل لها، وقالوا إن صانع العالم خالق الأجسام والأعراض ــــ أي الصفات ــــــ وكفّروا معمرا واتباعه من القدرية في قولهم إن الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض وإنما خلق الأجسام، وإن الأجسام هي الخالقة للأعراض في أنفسها".
ثم أضاف :"وقالوا إن الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا أعيانا ولا جواهر ولا أعراضا خلاف قول القدرية في دعواهم أن المعدومات في حال عدمها أشياء، وقد زعم البصريون منهم أن الجواهر والأعراض كانت قبل حدوثها جواهر وأعراضا، وقول هؤلاء يؤدي إلى القول بقدم ــــ أي أنه لا بداية له فيشارك الله في صفته ـــــ العالم، والقول الذي يؤدي إلى الكفر كفر في نفسه".
وهذا خلاف قول القائل بقدم العالم النوعي، أو بقدم العرش أو الكرسي وهو ينسب نفسه لأهل السنة والجماعة.
ثم قال :"وقالوا إن صانع العالم قديم لم يزل موجودا خلاف قول المجوس في قولهم بصانعين أحدهما شيطان محدث، وخلاف قول الغلاة من الروافض الذين قالوا في علي جوهر مخلوق محدث بأنه صار إلها صانعا بحلول روح الإله فيه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا".
ثم قال :"وقالوا بنفي النهاية والحد عن صانع العالم، خلاف قول هشام بن الحكم الرافضي في دعواه إن معبوده سبعة أشبار بشبر نفسه، وخلاف قول من زعم من الكرامية إنه ذو نهاية من الجهة التي تلاقى منها العرش ولا نهاية له من خمس جهات سواها".
فكيف ينتسب للسنة من يقول بأن الله محدود وله نهاية ويؤلف الكتب في ذلك هو واتباعه.
وقال الإمام البغدادي :"واجمعوا على إحالة وصفه بالصورة والأعضاء، خلاف قول من زعم من غلاة الروافض ومن اتباع داوود الحوالي أنه على صورة الإنسان".
فكيف ينتسب إلى أهل السنة من يزعم أن لله صورة، ويفسر حديث النبي خلق آدم على صورته بأن لله صورة بنص الحديث تعالى الله عما يقول الظالمون.
ويقول البغدادي :"واجمعوا على أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، خلاف قول من زعم من الهشامية والكرامية أنه مماس لعرشه، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته، وقال أيضا قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان".
ثم يأتي من ينتسب إلى أهل السنة ويقول أن الله في مكان هو العلو وأن الله على عرشه لا يخلو منه.
ثم يضيف الإمام :"واجمعوا على نفي الآفات والغموم والآلام واللذات عنه وعلى نفي الحركة والسكون عنه خلاف قول الهشامية من الرافضة في قولها بجواز الحركة عليه".
وينتسب البعض إلى أهل السنة ثم يقول إن الله يتحرك وينزل ويصعد ويجيء ويذهب!
ويقول البغدادي رحمه الله :"واجمعوا على أن صانع العالم واحد خلاف قول الثنوية بصانعين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة، وخلاف قول المجوس بصانعين أحدهما إله قديم اسمه عندهم بزدان والآخر شيطان رجيم اسمه أهرمن، وخلاف قول المفوضة من غلاة الروافض في أن الله تعالى فوض تدبير العالم إلى علي فهو الخالق الثاني".
وأضاف الإمام:"وقالوا في الركن الرابع وهو الكلام في الصفات القائمة بالله عز وجل، أن علم الله تعالى وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه، صفات له أزلية ونعوت له أبدية، وقد نفت المعتزلة عنه جميع الصفات الأزلية وقالوا ليس له قدرة ولا علم ولا حياة ولا رؤية ولا إدراك للمسموعات، واثبتوا له كلاما محدثا ونفى البغداديون ــــ أي من المعتزلة ـــــ عنه الإرادة وأثبت البصريون منهم له إرادة حادثة لا في محل".
ويرد الإمام على هذه الأقوال :"وقلنا لهم في نفي الصفة نفي الموصوف كما أن في نفي الفعل نفي الفاعل وفي نفي الكلام نفي المتكلم".
وليراجع قول بعض من ينتسب إلى أهل السنة في الإرادة فإنه قول مخالف لما عليه اجماع العلماء.
وقال رحمه الله :"واجمع أهل السنة على أن قدرة الله تعالى على المقدورات كلها قدرة واحدة يقدر بها على جميع القدورات، على طريق الاختراع دون الاكتساب، خلاف قول الكرامية في دعواهم أن الله تعالى إنما يقدر بقدرته على الحوادث التي تحدث في ذاته، فأما الحوادث الموجودة في العالم فإنما خلقها الله تعالى بأقواله لا بقدرته، وخلاف قول البصريين من القدرية في دعواهم أن الله سبحانه لا يقدر على مقدورات عباده ولا على مقدورات سائر الحيوانات".
ويضيف :"واجمع أهل السنة على أن علم الله تعالى واحد يعلم به جميع المعلومات على تفصيلها من غير حس ولا بديهة ولا استدلال عليه، وزعم قوم من الرافضة أن الله تعالى لا يعلم الشيء قبل كونه، وزعم زرارة بن أعين واتباعه من الرافضة أن علم الله تعالى وقدرته وحياته وسائر صفاته حوادث ــــــ أي مخلوقة ـــــــ، وأنه لم يكن حيا ولا قادرا ولا عالما حتى خلق لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا، وأجمعوا على أن سمعه وبصره محيطان بجميع المسموعات والمرئيات وأن الله تعالى لم يزل رائيا لنفسه وسامعا لكلام نفسه، وهذا خلاف قول القدرية البغدادية في دعواهم أن الله تعالى ليس براءٍ ولا سامع على الحقيقة، وإنما يقال يرى ويسمع على معنى أنه يعلم المرئي والمسموع، وخلاف قول المعتزلة في دعواهم أن الله تعالى يرى غيره ولا يرى نفسه".
وقال رحمه الله :"وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئيا للمؤمنين في الآخرة وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل، ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة من طريق الخبر، وهذا خلاف قول من أحال رؤيته من القدرية والجهمية".
وقال البغدادي :"وأجمع أهل السنة على أن إرادة الله تعالى مشيئته واختياره وعلى أن إرادته للشيء كراهة لعدمه، كما قالوا أن أمره بالشيء نهى عن تركه، وقالوا أيضا أن إرادته نافذة في جميع مراداته على حسب علمه بها، فما علم كونه منها أراد كونه في الوقت الذي علم أنه يكون فيه وما علم أنه لا يكون أراد ألا يكون، وقالوا إنه لا يحدث في العالم شيء إلا بإرادته ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وزعمت القدرية البصرية أن الله تعالى قد شاء ما لم يكن وقد كان ما لم يشأ وهذا القول يؤدي إلى أن يكون مقهورا مكرها على حدوث ما كره حدوثه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا".
وأضاف الإمام :"وأجمعوا على أن كلام الله عز وجل صفة له أزلية وأنه غير مخلوق ولا محدث ولا حادث، خلاف قول القدرية في دعواهم أن الله تعالى خلق كلامه في جسم من الأجسام، وخلاف قول الكرامية في دعواهم أن أقواله حادثة في ذاته".
ويرد هذه الدعوى الإمام بقوله :"وقلنا لا يجوز حدوث كلامه فيه لأنه ليس بمحل للحوادث ولا في غيره لأنه يوجب أن يكون غيره به متكلما آمرا ناهيا، ولا في غير محل لأن الصفة لا تقوم بنفسها فبطل حدوث كلامه وصح أنه صفة له أزلية".
وانظر قول الإمام أن الله ليس محلا للحوادث، ثم يأتي من ينتسب إلى أهل السنة زورا وبهتانا ويقول أن الله محل للحوادث.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين :" وقال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء".
وانظر إلى من ينتسب إلى أهل السنة ويقبع في أطهر أرض الله وهو يقول أن هنالك وجه شبه بين الخالق والمخلوق، وأن ما من شيئين إلا وبينهما وجه شبه، ثم يزعم أنه من أهل السنة.
وقال الإمام أيضا في مقالات الإسلاميين :"وأجمع أهل الإسلام جميعا إلا الجهم أن نعيم أهل الجنة دائم لا انقطاع له وكذلك عذاب الكفار في النار، وقال جهم بن صفوان أن الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى من فيهما حتى لا يبقى إلا الله وحده كما كان وحده لا شيء معه".
ومع هذا الإجماع نجد بعض من ينتسب إلى أهل السنة يقول بفناء النار، بل ويناصره في ذلك علماء من هذا العصر ويزعمون أن النار تفنى خلافا لقول جمهور المسلمين وليس خلافا لأهل السنة فقط، ثم ينصبون أنفسهم ناطقين باسم علماء المسلمين.
فهذه مجمل عقائد أهل السنة والجماعة في الله تعالى وصفاته، كما نص عليها علماء الفرق ومقالات الإسلاميين، ولكن في هذا العصر هناك تشويه مقصود لأهل السنة، وحرب ضد مدارسهم العريقة وتخريب لهذه المدارس، ويوسد الأمر إلى غير أهله فيها قصدا لألا ينتشر ويقوى مذهب أهل السنة والجماعة القائلين بوجوب تنصيب خليفة للمسلمين والقائلين بأن لا حاكم إلا الله.
(البوصلة)