العيديات .. ما غايتها؟ والى أين تذهب؟
-A
A
+A
انسخ الرابط
يوم وقفة عرفة .. صعدت ربة المنزل «أم أسعد» سيارتها لتغطية ما ينقص ابنتها من حاجيات العيد من السوق، ولكن كل ما بحوزتها 11 ديناراً، أخذت تحدث نفسها معددة اللوازم التي تريد شراءها «بنطالا، و..» على اصابعها، ولكن ضوء مؤشر قرب نفاذ السيارة من البنزين قطع عليها حبل أفكارها، أزعجها ذلك، ولكنها تمتمت:»لا بأس، ساغطي المسافة التي سأقطعها بالسيارة».
وصلت المحل الذي قصدته ولكن سعر البنطال الذي تريده فاق المبلغ الذي معها، فعادت الى سيارتها مرة أخرى ووضعت ذراعيها على مقود السيارة ودفنت رأسها بينهما وسمحت لدموعها من الانهمار كي ترتاح قليلا.
وعندما هدأت قصدت متجراً آخر في منطقة شعبية لتجد نفس البنطال ب 5 دنانير فقط وعبأت ب5 دنانير أخرى بنزيناً للسيارة وبالدينار المتبقي اشترت به اكسسوارا لتفرّح به ابنتها بالعيد، ومن ثم عادت الى بيتها فرحة بما تحمله من جهة، ومن جهة أخرى غيمة الهم تغطيها لعدم توفر المال معها.
ولكن ما أطل فجر يوم العيد، وسادت أجواء الابتهال والفرح المكان، وأخذت العائلات تتبادل العيديات فيما بينها حتى تبدد هم «أم أسعد» فقد كان مجموع عيدياتها 80 ديناراً، وهذا المبلغ كان كفيلاً ليمسك بيدها وينهضها ويحمل معها قليلاً من مصاريف أسرتها القادمة الى حين استلام الراتب الشهري.
عادة تبادل العيديات بين الأقارب، عادة تتباين آراء العائلات حولها فمنهم من يقول بأنها عادة ثقيلة وتضغط الأسرة مادياً فهم لا ينقصهم مصاريفاً اضافية، وهناك من يقول انها عادة للتقارب بين الأسر، وتوصل الأرحام، بالاضافة الى انها تعد وسيلة لمساعدة الآخرين بها بشكل غير مباشر.
الأرملة والدة 3 أبناء «أم محمد» تبين: «ان أقاربي يعايدونني بتقديم مبالغ مادية لأبنائي مما يسبب لي الاحراج لعدم مقدرتي على ردها إليهم الا أن هذه المبالغ تعينني على النفقات، فلم تعد الحياة رخيصة كما في السابق، وبالوقت ذاته رب الأسرة رحل وترك الحمل الثقيل على كتفي».
يقول الموظف الثلاثيني «زياد محمد»: «انني احرص على معايدة أطفال العائلة لأرى الوهج المنبعث من أعينهم الصغيرة، ولأستعيد ذكريات عزيزة علي عشتها بأيام طفولتي، كما انني أعايد مادياً اختي برغم عدم حاجتها لذلك المبلغ، ولكن لتقوية التواصل الاجتماعي والتماسك الأسري فيما بيننا، والذي نشعر به في الفترة الحالية أكثر من السابق نظراً لحدوث التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتي تؤدي الى تفكك اجتماعي ذي مساوئ كبيرة».
وأكمل «زياد»: «بالاضافة الى تعزيز دور المرأة كقيمة اجتماعية ونحن كأردنيين نعتز بذلك، كما أن المتزوجة تشعر بالدعم والاعتزاز عند معايدة أهلها واخوتها لها أمام زوجها وأهله».
ومن جهة أخرى يرى رب الأسرة «مصطفى أمين» أن عادة تبادل العيديات مرهقة نوعاً ما سواء المادية أو العينية نظراً للتعب الجسدي من خلال التسوق وانتقاء الهدايا من المتاجر، ومن الناحية الأخرى مكلفة مادياً فالدخل لا يكفي المصاريف اليومية ومصاريف العيد حتى تمتد النفقات الى العيديات.
استشاري اجتماعي «د. فيصل غرايبة» يرى بأن ظاهرة اعطاء ما يسمى بالعيدية ظاهرة اجتماعية حميدة في المجتمع الأردني ومعروفة منذ زمن، وقد اعتاد الناس على تقديمها لمن لهم صلة رحم بهم أي ما يطلق عليه بالعامية «العنايا» كالبنات المتزوجات والعمات والخالات والأرامل وكذلك الأطفال من الأبناء والأحفاد.
وتابع «غرايبة»: «وهذه الظاهرة ما زالت قائمة الى اليوم وتزداد قيمتها حسب ارتفاع تكاليف المعيشة وحسب مستوى الأسعار في البلاد، ولذلك أصبح تقديم هذه العيديات يشكل تكلفة على مقدميها ولكنهم يضغطون على أنفسهم مادياً ويقدمونها ويعتبرونها التزاماً منهم الى هؤلاء الذين يقدمون لهم تلك العيديات، وبالوقت ذاته تشكل مساهمة في تغطية تكاليف المتطلبات المعيشية لمن تقدم لهم هذه العيديات».
أما بالنسبة للأطفال فبين «غرايبة»: «أصبحت هذه العيديات تقدم أيضاً لتغطية جوانب من المستلزمات المدرسية ولوازم الملبوسات بحكم تغير أو الانتقال من فصل الى آخر كشراء الملابس الشتوية قبل حلول فصل الشتاء عندما تقدم العيديات لمن هم بحاجة، أما العائلات ميسورة الحال فيتركون هذه المبالغ بأيدي أبنائهم لشراء الحلوى وللترفيه والتسلية».
وأشار «غرايبة» الى انه لا يرى في هذه الظاهرة ظواهر سلبية ولكنه يرى بأنها تشكل عبئاً على غير المقتدرين اذ يلتزمون بتقديمها ويشعرون بأنها واجبة عليهم، كما من المهم أن تصرف هذه العيديات على أوجه من الانفاق المفيدة والرشيدة ولا تنفق عبثاً أي بمعنى أن تبعثر وتفقد قيمتها بأمور تافهة أو التمادي في شراء المأكولات غير صحية وغير مطلوبة خاصة لهؤلاء الأطفال.
كما لفت الى ضرورة احتكام العقل لمن يقوم بهذه العيديات ويعطيها لمن هم بحاجتها كالفقراء، وان يراقب أوجه الصرف لدى الأبناء حتى لا تكون قد انفقت في أوجه لا لزوم لها وتعتبر في بعض الأحيان ضارة.