أطفال الروضة.. ليس بالأكل والشرب فقط ينمون
التعامل مع البراعم من أصعب الأمور التي يتعامل معها المزارع.. فكيف بالآباء والمعلمين عندما يتعلق بالاطفال دون عمر السادسة؟
في مشهد يتكرر كثيراً.. تقوم أم عمران بمحاولة ابعاد طفلها عمران عنها لحظة تسليمه لمعلمته في روضة الأطفال.. متشبثاً بها يبكي لكن قرار الانتقال به إلى مرحلة اخرى قد صدر.
مرحلة رياض الاطفال ليست بالسهلة، فيجب التعامل مع هؤلاء الاطفال بمنتهى الدقة ومراعاة نفسياتهم وظروفهم، فرعاية الطفل أصبحت علما وفنا وليست رعاية بيت فقط، انها رعاية تعتمد على دراسات وتقنيات.
إقناع الطفل.. يحتاج صبراً وعلماً
والدة طفلتين «أم ساندرا» تبين لـ»أبوب-الرأي» : «لقد سجلت ابني بالروضة وادخلته في آخر شهرين في نهاية الفصل الدراسي الثاني كي يتأقلم ويعتاد على الجو قبل الالتحاق بها بشكل رسمي، وكي لا تتأثر نفسيته ويرفضها عندما يرى الأطفال الآخرين يذرفون دموع الرهبة والخوف ولا يريدون الالتحاق بالروضة، فهذه المرحلة تحديداً حساسة وتحتاج منا الكثير من الدراية والوقت وحسن التعامل».
ويشاركها القول «أبو كريم»: «بالرغم من ان ابني كان متشجعاً كثيراً على الروضة لرؤيته اخوته الأكبر يذهبون الى المدرسة، الا ان ملامح الخوف والرهبة كانت بادية بوضوح على محياه، فهذه المرحلة ليست بسهلة».
يضيف»عندما نغير مكان عملنا نحن البالغون الراشدون نشعر برهبة المكان، وما أن نعتاد عليه حتى يتلاشى القلق والتوتر، وهذا ما يحصل مع ابنائنا الصغار ولكن بنسبة أكبر نظراً لأعمارهم الصغيرة».
من ناحية أخرى .. تقول الموظفة الثلاثينية «سحر زاهر»: « لم يتأثر ابني كثيراً حينما التحق بالروضة، فهو معتاد منذ أشهره الأولى على المكوث في الحضانة نظراً لذهابي الى عملي وتركه هناك، ولكن جو الروضة اختلف عليه من ناحية تغير المدرسات اللواتي يعلمنه، والتعرف على أصدقاء وصديقات جدد».
البيت داعم أساسي للروضة
التعامل مع أطفال الروضة تحديداً يختلف عن باقي المراحل العمرية.. ويوضح مستشار في شؤون التربية والاسرة وخبير بالمناهج التربوية «د. قيمر القيمري» بالقول: «فئة أطفال الروضة تختلف من حيث السمات الشخصية والنفسية التي تميزها عن فئات عمرية أخرى، وبالتالي هي تحتاج الى فهم من كل من البيت والروضة، وتحتاج كذلك الى أسلوب وطريقة تعليم معينة وغير ذلك نتوقع من أطفال الروضة كره الروضة بل كره التعليم أيضاً».
وعن خصائص أطفال الروضة، يقول «القيمري»: «اولاً: أطفال الروضة تقع ضمن فئة عمر (4-6) سنوات وهي ضمن فئة ما يسمى «الفترة الحرجة» من النمو وهذه الفترة تحتاج الى متطلبات نمو تشبع حاجاتهم، والا تتعرقل مراحل النمو اللاحقة بل وقد يصل بهم الحال الى وضع مَرَضي».
أما من متطلبات النمو المتنوعة والتي تهم الأسرة في هذا المجال، فقد ذكرها «القيمري» بالقول: «ضرورة اشباع الحالة النفسية بالتعامل الحبي الودي الجميل و بوجه بشوش ومرح، وتغذية مفيدة تتضمن العناصر الغذائية من كلس وصوديوم وبروتين وكربوهيدرات وفيتامينات وغيرها من العناصر الرئيسية للجسم. بالاضافة الى اشباع حركي يلبي حاجاتهم النشطة من حيث النمو الجسمي والحركي والعضلي السريع».
يضيف: «الاجابة عن تساؤلات تبدو للوهلة الأولى أنها غريبة ولكنها للطفل هامة تلبي حاجاته الادراكية واللغوية والعقلية، كما أن من خصائص الفئة العمرية أيضاً (التمركز حول الذات) أي ابداء الاهتمام بها وخاصة أمام جمع من الناس وهنا فهي تحتاج الى أسلوب قائم على التعزيز».
وتابع القول: «كأن حال هذه الفئة العمرية يؤكد العبارة (ليس بالأكل والشرب فقط ينمو الأطفال)، وان لم تشبع هذه الحاجات أو لم تُلَبَ فإن الكره للروضة حاصل وكذلك الكره للبيت بمن فيهم الوالدين والمعلمة».
وحول معايير الروضة الناجحة، يبين «القيمري» بالقول: « لا يكون لليوم الدراسي جدول حصص بل ساعات أو مجالات للنشاطات، يسمى في كثير من الروضات بالأركان ويتضمن أركان اللعب، وركن الرسم، وركن الموسيقى، وركن الليجو والتركيب وركن الأناشيد وركن الغناء. وبين هذه النشاطات يتم تعليم الرياضيات والعلوم واللغات والتربية الدينية والتربية الاجتماعية».
ويتابع القول: «التعليم للمواد المختلفة يلزمه وسائل تعليمية مفيدة ومسلية مثل اللوح الذكي وI-pad والتلفاز. وضرورة مراعاة التعليم من حيث الأسهل فالأصعب،والسابق ثم اللاحق. وللتغذية (الفطور) يجب أن يأخذ جزءاً من عمل وأداء الطلبة وهو يلبي حاجاتهم الغذائية، بالاضافة الى التدريب على مهارات حياتية لازمة ليس فقط كسلوك ولكن أيضاً تلبية لحاجات جسمية وأعني بذلك مهارات استخدام المرافق الصحية والنظافة والملابس».
ويكمل حديثه: «اعطاء أهمية للرحلات فهي جزء من التعليم الحسي والذي يتطور داخل الصف الى تعليم تصوري (ذهني) ثم تعلم رمزي/ مجرد إضافة الى أهمية الرحلات من حيث النمو الاجتماعي والترويحي والجسمي وكسر مشكلات على رأسها الخجل والعدوانية».
وبالنسبة للواجبات المدرسية، فيذكر «القيمري»، يجب ان تكون قليلة وغير طويلة هدفها بالدرجة الأولى تنمية عضلات الأصابع والتأكد من حصول التعلم الأساسي في المواد الرئيسية: الرياضيات واللغات والعلوم.»
ووفقاً للقيمري .. لانتقاء معلمة الروضة أهمية بالغة اذ يجب أن تكون ذات وجه بشوش وسمحة وضحوكة، وأن تكون قادرة على تحمل الأطفال وأخطائهم، ولها قدرة على استخدام الوسائل التعليمية والحياتية اللازمة، وأن تؤمن بأهمية استخدام وسائل التعزيز بأنواعه.
وشدد «القيمري» على أن تكون بيئة تعلم طفل الروضة مريحة من حيث: الاضاءة، التهوية، المقاعد، الوسائل، الأركان، النشاطات، الحمامات، ساحة اللعب.
البيت لا يقل أهميته في دعم الروضة ونمو الطفل بشكل سليم، ويقول غن ذلك «القيمري»: «يجب وداع الطفل وداعاً حبيّاً، واستقباله ودياً أيضاً، وعدم ازعاجه بالتساؤلات المتكررة عن يومه المدرسي بل استخدام أسلوب الاكتشاف عن مدى رضاه عن الروضة وأسلوب التعليم، بالاضافة الى تعزيز مواقف العمل والأداء وتجنب التوبيخ والعقاب».
وفي النهاية لا بد من مشاركة كل من البيت والروضة لاخراج طفل اجتماعي نشيط متعلم ويتحلّى بالثقة بالنفس .. ويبقى السؤال الأهم.. هل جميع رياض الأطفال تتوفربها هذه الشروط والتجهيزات اللازمة لبيئة نمو صحية وتربوية لأولادنا؟