ختان الإناث في روسيا: جريمة لم يلتفت إليها القانون
فالح الحمراني
موسكو ـ «القدس العربي»: أثار الكشف عن معطيات باستمرار ممارسة ختان الاناث في بعض مناطق جمهورية داغستان الواقعة شمال القوقاز ضجة واسعة وردو فعل متباينة، في روسيا. وراح الوضع يتطور بسرعة بعد 15 آب/أغسطس، حين قدمت منظمة حقوق الإنسان «المبادرة القانونية لروسيا» في هذا اليوم تقريراً بحوالي 60 صفحة عن « عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث». واعتمدت فيها على نتائج بحوث أُجريت في داغستان.
تقول الوثيقة: إن العمليات تجري في كثير من الأحيان بعيداً عن عيون الجهات المسؤولة، وخفية في المنازل، وفي حالات نادره في المستشفيات، ولكن مقابل أسعار فاحشة، دون التقيد بالمعايير المطلوبة، والناس الذين يقومن بها – ليس لديهم الخبرة ولا التأهيل الطبي. وفي الأساس تتخذ الوالدة أو أقاربها الكبار من جهة الإناث – العمة أو الجدة قرار إجراء عملية جراحية للفتاة
ويجري الختان للفتيات دون سن ثلاث سنوات، وفي حالات نادرة يصل إلى 12 سنة تحت بادعاء ان الغرض الرئيسي من إجراء العملية هو خفض الحساسية الجنسية. ومنذ فترة طويلة ثمة تصور خاطئ بأن الرغبة الجنسية لدى الفتاة تنخفض بعد الختان وتكون أقل درجة.
فعلى حد قول «الكسندرا سيراجالدينوفا» التي شاركت في إعداد التقرير فإن تقاليد ختان الإناث في داغستان بدأت في 2010 وانتشرت في المناطق الجلبية النائية بالجمهورية القوقازية. وعلى حد معطيات سيراجالينوفا فالمرء لا يصادف عادات ختان النساء في مناطق روسيا الاخرى، فقط تجدها في جماعات مغلقة وفي حالة منفردة بالشيشان. وتؤكد سيراجالدينوفا أن هذه العادة كانت منتشرة في بعض مناطق شمال القفقاز حتى في عهد الاتحاد السوفياتي السابق للفترة من ثمانينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي. وتربط انتشارها بانتعاش التيارات السلفية الغريبة التي غزت المنطقة.
ومن الضروري التوضيح أن ختان الإناث منتشر في بعض البلدان الأفريقية والشرق أوسطية، وهذا التقليد غريب جداً على روسيا ولم تلتفت له قوانينها، وحسب البيانات المتوفرة تجري تلك العمليات بشكل رئيسي في داغستان والشيشان شمال القوقاز.
تباين في التأويل
وعلى خلفية جذب هذه القضية إهتمام الرأي العام، تحدثت عنها العديد من الشخصيات الشهيرة في مختلف المجالات، فيما برز تباين حاد في المواقف منها حتى بين الدوائر الاسلامية الروسية، وتفاعل معها رجال دين مسيحيون وفعاليات اخرى. وعلى وجه الخصوص قدم رئيس مركز «التنسيق لمسلمي شمال القوقاز» – المفتي إسماعيل بيردييف داعماً ختان الإناث، وشدد على أن الإسلام لم يقضِ بختان الإناث، بيد انه مطلوب لضمان «تصفية اشكال الفسوق كافة من على الارض، ولكي تنخفض الممارسة الجنسية» علاوة على ذلك، دعا الى ختان « النساء كافة «. بيد انه وعلى خلفية الضجة التي اثارها تصريحه تراجع عن كلامه، مشيراً الى استحالة ختان كافة النساء على الكوكب الارضي. واضاف «ان هذا غير ممكن».
وتفاعل رجال دين من الكنيسة الروسية مع المشكلة. ودعم الشخصية الاجتماعية المعروفة القس «فسيفولد تشابلين» المفتي. وأشار الى أن هذا التقليد متواصل على مدى قرون، وتعترف به النساء في العديد من الدول ويحق للمسلمين ممارسته. وفيما قارن ختان الإناث بختان الذكور اعتبر تشابلين «ان الامر لا يتطلب ختان النساء كافة، لأن النساء المسيحيات المؤمنات فعلاً في روسيا، لا يمارسن الفسوق».
من ناحيته اكد مجلس افتاء مسلمي روسيا ان ختان الإناث غريب تماماً عن التقاليد الاسلامية. وقال نائب رئيس مجلس الافتاء الشيخ «روشان عباسوف»: «ان الله سبحانه وتعالى يحرم ممارسة أية عملية تلحق الضرر ببدن عبده»، وليس هناك اي أساس للقول الذي يدعي بان ختان الإناث يساعد على ترويض الشهوات البدنية. وقالت «يوليا انتونوفنا» التي شاركت في وضع التقرير المشار اليه الى أنها وزملاءها كانوا يتوقعون انطلاق أصوات بين رجال الدين لصالح الختان. واضافت: بيد ان الكثيرين منهم لم يتمكنوا من العثور على آيات صريحة في القرآن الكريم وفي النصوص الاخرى توجب وتحلل مثل هذه العملية، وان الخبراء يشيرون الى ان هذه الممارسات تجري في مناطق داغستان الجبلية النائية، وليس لها أثر في السهول.
و أصبح معروفاً أن مكتب المدعي العام سوف يحقق بمعطيات التقرير عن ختان الإناث. وناقش الرأي العام على نطاق واسع كشف الحقائق، كما تساءل كثيرون عن لماذا لا تزال في القرن ال21 في بلد مثل روسيا، تقاليد تعود جذورها الى العصور القديمة. واندلع الجدل بقوة من جديد في المشهد الإعلامي الروسي حول هذه الطقوس تلك الغريبة القاضية بتشويه الأعضاء التناسلية بصورة بشعة، وتزايدت نتيجة لهذا تعليقات الأشخاص الرافضين والذين يحاولون اقناع العام بعدم التهويل بتداعيات تلك العمليات رغم تنافيها مع القيم الدينية والطبية. وتصاعدت الانفعالات الساخنة حول اجراءات ختان الاناث، بعد ان كشف صحافي غير معروف بقايا ممارسات هذه العادة. واثارت تقاريره صخباً واسعاً، وصل صداها الى أروقة الامم المتحدة التي طالبت بالتحقيق بها. والتقطها كتاب الرأي والمغردون في الانترنت، وواصلت منظمة حقوق الإنسان «المبادرة القانونية لروسيا» التحقيق حول الموضوع ونشرت تقريراً مثيراً بشأنه.
تقييمات أولية
ورغم الصعوبات التي واجهت دعاة حقوق الانسان في جمع المعلومات عن حقيقة مدى انتشار الظاهرة اللانسانية، واستطلاع رأي سكان المناطق التي تمارسه وتحفظات الخبراء في الادلاء ببيناتهم، فان التقرير، وبعد المسح الذي قام به واضعوه، خرج باستنتاج مفاده ان 25 ألفاً من النساء في المناطق التي جرى فيها الاستطلاع تعرضن لمثل تلك العمليات وان ممارستها فعلاً تجري في بعض المناطق السكنية في أعالي الجبال والقرى «المتنقلة» في سهول داغستان.
وتنتشر ظاهرة ختان الإناث على الأغلب وسط سكان شرق داغستان، ولاسيما بين ابناء القومية «الافارية» التي تشكل المكون الاساسي لسكان الجمهورية، وبدرجة رئيسية من مناطق «تلياراتين ـ 30» و « تسومادينسك» وبين الاقليات القومية التي تقيم في كنفها. ومن الصعوبة الان حصر عدد النساء اللواتي تعرضن لمثل هذه العمليات. وحسب البيانات الشحيحة المتاحة، يمكن الاستنتاج بان عشرات الاف النساء تعرض لعمليات ختان الاناث. واظهرت التحقيات ان تقليد ختان الاناث مورس في وقت سابق ايضاً، في مناطق «آفارية» اخرى بتاثير من سكان مناطق «اندياسك». وكممارسة الزامية مورست في مناطق «جومبيتفسك» و«اونتسكولسك» حتى عام 1990.
واعتماداً على آراء النساء من المناطق الجبلية النائية اللواتي شاركن في الاستطلاع يمكن القول ان السكان المحليين يدعمون تماماً ممارسة ختان الاناث في مناطقهم. ويعتبر في الوقت الحالي طقساً ملزماً يتوجب على كل فتاة المرور من خلاله، وينبغي الحفاظ عليه مستقبلاً. وافادت غالبية النساء المشاركات في الاستطلاع: ان بناتهن اجرين الختان او انهن سيجرين العملية. ولسان حالهن يقول « على كافة المسلمات القيام بذلك، فمن دونه لا يمكن ان تكون المراة مسلمة. هذا واجب، وسنة، لقد اجري لي وسأجريه لبناتي وحفيداتي».
وأشارت نساء خلال المحادثات الى أن الخوف يسيطر على الفتيات قبيل العملية ولا يفهمن معناها. وذكرن أيضاً ان الفتيات وبعد أن يجري لهن الختان يثرن مخاوف بعضهن البعض الآخر من هذه العملية ويتبادلن مع أخواتهن مشاعر المعاناة عما «فعلوا بهن». بيد ان اللواتي شاركن في الاستطلاع لم يعرن الاهتمام للجانب الانفعالي من الممارسة ولا للجانب الطبي، نظراً لانهن يرين ان «العملية كانت في السابق صحيحة أكثر، اما اليوم فيقومون بالوخز وحسب».
وفي تفسير اجتماعي للقضية يرى الخبراء أن الفضاء المعلوماتي في المجتمع القروي، يمنح، كما هو معروف، فرصاً طيبة للفتاة التي تطمح للزواج، قائمة على سمعة العائلة. ويمكن الاستنتاج بأن الختان، بالنسبة لمن شاركن في الاستطلاع، يعني البرهنة والاعتراف بانتمائهن التام لمجتمعهن، وارسال الإبنة او الحفيدة او القريبة للختان، يعني التعبير عن التضامن مع المجتمع، ودعم سمعة العائلة الكبيرة فيه، وبالتالي ضمان استمرار سلالة العائلة. ولا يعني ذلك عدم وجود حالات من النساء اللوائي يتهربن من الختان ولا يرين فيهم تقليداً الزامياً كما كان في الماضي، وخاصة بين بنات العوائل النازحة التي لا تتقيد بطقوس وعادات سكان المنطقة.
خبراء ومحتجون
وأثارت البيانات عن ممارسات ختان الإناث في بعض مناطق داغستان صدمة في الدوائر الاجتماعية الروسية. وطلبت رئيسة اللجنة الاجتماعية لدعم الطفولة والاسرة والامومة «ديانا جورتسكايا» من الادعاء العام التحقق من أنباء ممارسات ختان الاطفال في داغستان. وحسب قولها فإن مثل هذه الانباء «قد تجرح المجتمع» و«تعتبر محاولة لاغتيال السلام والاستقرار بين الأديان في شمال القوقاز». ووعدت النيابة العامة لروسيا الاتحادية بالتحقيق في الانباء حال استلام طلب ديانا جورتسكايا.
ويرى مدافعون عن حقوق الإنسان في روسيا وجوب أن يصنف ختان الإناث في روسيا، كجريمة جنائية تتهم القائم بها بإلحاق الضرر بصحة من يتعرض لها، كونها عملية عنف جنسي، بحق القاصرات.
ويرى أولئك الدعاة أن ردود الأفعال العاصفة التي أثارها تقرير لجنة منظمة حقوق الإنسان «المبادرة القانونية لروسيا» يعود إلى أن حالات ختان الإناث تجري عادة في بلدان إفريقيا «ولكن اتضح أن هذه العمليات تجري قريباً جداً منا، في روسيا المعاصرة».
ويرى دعاة حقوق الانسان أن هناك فرصاً لتغيير الوضع في داغستان. ويحثون على الإفادة من خبرات الدول الافريقية في هذا المجال: «ففي بعض دول افريقيا اضيف الى القانون الجنائي والإداري مادة تقضي بحظر إجراء عمليات ختان الاناث، ولعبت الحملة التنويرية دوراً ايجابياً في هذا الاتجاه». ويعتقدون أن مثل تلك التعديلات على القانون الجنائي ضرورية ايضاً في روسيا. وتجد تلك الدعوات دعماً لها على مستوى أجهزة الوصاية والمسؤولين المدنيين» كما اعرب مفوض حقوق الطفل في جمهورية داغستان ايضاً عن دعمه لفرض الحظر قانونياً على ممارسات ختان الاناث، وتقدم للنيابة العامة بطلب لشرعنة هذا الاقتراح. فضلاً عن ان ليس كل رجال الدين يدعمون ختان الاناث. ومثال على ذلك رئيس الادارة الدينية في جمهورية تتارستان الذي اكد غياب مثل هذه الممارسات في الجمهورية الاسلامية ولا يمكن ان تحصل.
وإلى جانب ذلك أعرب عضو المجلس الرئاسي لحقوق الانسان الكسندر برود عن استعداده لبحث المشكلة مع المسؤولين ورجال الدين في داغستان خلال زيارته المرتقبه للجمهورية القوقازية، وأضاف: «ان هذا تقليد عتيق ورجعي ولا حاجة له بتاتاً». معرباً عن الاسف «لتنامي النزعات الدينية المتشددة في داغستان على خلفية الصعوبات الاقتصادية والتناقضات الاجتماعية التي تمر بها الجمهورية». واضاف: «ان التفسيرات بأن هذه العمليات تساعد على ترويض وكبح الغرائز وتحصن المرأة من الفواحش، لا أساس لها من الصحة ولا إنسانية».