الدفاع عن تعديل الكتب المدرسية: بين نبل الرسالة وتخبط المرسل
الدكتور ذوقان عبيدات
لم يعد هناك مجال للحديث عن تديّن الكتب المدرسية، وولائها للقدس وفلسطين، فقد حسمت وزارة التربية والتعليم أمرها، بعد أن مهد لها من وصفهم وزير التربية والتعليم بالمطالبين بإبعاد الإسلام عن المناهج، الطريق، وأوضحوا عدم وجود نصوص مخالفة لديننا لحنيف، ولا لقضيتنا الفلسطينية.
وبذلك يُتوقع انكفاء الهجمة التحريضية، لمن يقفون وراء نقابة المعلمين- وليس النقابة- وممن حرضوا على حرق الكتب، وهم ليسوا المعلمين ولا الطلاب ولا أولياء الأمور، بل من أثارهم لتحقيق مكاسب ليست تربوية، فالفتنة والكراهية والعنف والتطرف والقتل صار جزءاً من حياتنا اليومية.
نعم نجحت وزارة التربية بالدفاع عن منتجها، بعد ان امتلكت شجاعة كانت مكبوتة لديها، ربما بسبب عدم رغبة مسؤوليها، وأعتقد أن الحملة ستنجح بشرط واحد، وهو ان البسطاء الذين تم تحريضهم لهم عيون تشاهد وآذان تسمع وقلوب وعقول، فما قدمته الوزارة مقنع الى درجة كبيرة، لعلهم يسمعون، فرسالة الوزارة التي تحدث فيها الوزير بمؤتمر صحفي في دار رئاسة الوزراء الأربعاء، كانت من وجهة نظري ناجحة.
ولكن المشكلة ليست في رسالة الوزارة، فوزارة التربية غالباً ما كانت واعية ودقيقة، فالمشكلة كانت في من قدم رسالة الوزارة، وليست الرسالة نفسها.
ويهمني في هذا الصدد أن أبدي الملاحظات الآتية:
1 - بدأت أزمة الكتب المدرسية عام 2015، حين طور معالي الوزير كتبا امتلأت بأخطاء، وربما خطايا، واعتمد في ذلك على مجموعة - ربما خذلته- فبعضهم لا علاقة له بأي فنيات تربوية، لا في تأليف الكتب، ولا في الإشراف عليها.
تعرضت كتب 2015 الى نقد تحليلي، فتم إلغاء بعضها في نفس العام، وتعديل بعضها في عام 2016، فالمشكلة تلخص في أن من وضع كتب عام 2015 تراجع عنها في 2016، أي عاد إلى حيث بدأ.
2 - ومع أهمية تعديلات 2016، وقد كتبت عنها الكثير، وقلت انها تشكل بدايات او نقلات من:
- غياب الهوية الوطنية العربية الانسانية الى وجودها ولو بشكل خجول.
- غياب المواطنة إلى مواطنة تعترف بكل مكونات المجتمع.
- غياب صورة مهزوزة للمرأة إلى صورة أكثر قبولا.
ولكنها لم تذهب الى اكثر من ذلك، فالذي حصل تجميل جيد جدا، لكنه ليس تطويرا لكتب ومناهج.
3 - وإيمانا مني بأن النقد، الذي وجه لكتب 2016 هو ضربة استباقية لتعديلات أساسية في تطوير التعليم كانت مطلوبة، ونفذها (الضربة الاستباقية) محرضون ثبت زيف ضلالاتهم في التصوير والاخراج والتحشيد والتهديد والحرق وأمور غيرها.. فإن الوقوف الى جانب هذه التعديلات هو امر منطقي، فالدولة تريد تطوير التعليم، والمحرضون يريدون وقف التطوير، ولعل هناك من المسؤولين من يتمنى سراً وقف التطوير، ولكننا لا نحكم على النوايا، فطريق التطوير الحقيقي لم يبدأ بعد!
فما زالت الكتب سردية، وما زالت الاسئلة ساذجة تبحث عن معالم لا ثبات لها، ومازالت عمليات التدريس تلقينية، وان ما قدمته كتب 2016 من صور للمعلمين توضح بشكل دقيق ان معلمنا ما زال يقف امام الطلبة ملقناً وشارحاً، كما ان انشطة "فكر وما رأيك"، التي كانت سائدة قبل 2015، حيث تم حذفها بقيت غائبة ايضاً عن كتب 2016.
4 - فإذا حاولنا فصل رسالة الوزارة في المؤتمر الصحفي في 10/5 عن مرسل الرسالة، فإنني اقول "كانت الرسالة ايجابية"، وما ان انتهت الرسالة، وبدأ المرسل يتحدث بما عنده، لا بما أعدته له الوزارة، بات ممكنا أن نلاحظ ما يأتي:
اولاً: إن أعداء المرسل لم يكونوا كبار المحرضين، بل مجموعة من "الموتورين"، مثل من أحالهم إلى الاستيداع أو التقاعد، او من لم يستجب لوسطائهم في التعيين او النقل، وقبلها لجأ من طلب منه وظيفة ورفض طلبه، الى مهاجمة الكتب المدرسية.
اذن، قد لا يرغب المرسل بمهاجمة المحرضين الحقيقيين، وهذا حق له، ولكن لم يسمع احد ان موظفاً او اكثر لهم ملفات سلبية هم من كانوا خلف حملة التحريض.
ثانياً: ان المرسل اشترك مع المحرضين، على الأقل في تصنيف الناس الى قامات وطنية، وبعضهم ليسوا كذلك، وإلى من يريدون إبعاد الإسلام عن مناهجنا وكتبنا، وأوضح انه لم يسمح، ولن يسمح لمن يريدون إبعاد الإسلام عن المناهج بمراجعة الكتب، مع ان بعضهم يقول انه وعد بأن يمرر عليهم الكتب لمراجعتها قبل طباعتها. واختلاف الكلام ليس مشكلة، لكن المشكلة ان مسؤولاً رسمياً في الدولة "الحكومة" يستخدم جملة "من يريدون إبعاد الإسلام" في رسالته، في حكومة تدعي المواطنة ومحاربة خطاب الكراهية!
فما معنى أن يقول مسؤول رسمي للمجتمع، ان من نقد مناهج 2015 هم "معادون لوجود القيم الإسلامية في الكتب"؟، وما الفرق بينه وبين المحرضين؟ وما الهدف من التشهير؟ أليس ذلك تحريضا وتجييشا ايضا ضد الآخر؟
وهل يجوز ان يستخدم هذا المصطلح في هذه البنية المجتمعية، التي تعج بخطابات التهديد بالقتل؟ خاصة ان المسؤول تحدث عنهم بصراحة غامضة!
3- وأطال المرسل في تعداد إنجازات وهمية، وقدم نسبا للتحسن التربوي، وغمز من قناة المدارس الخاصة، وكأنها منافس وخصم، واستشهد بنسب من مؤسسة لها صلة قوية بنفوذه، ولو صدقنا نسب التحسن فكيف نوفق بينها وبين:
120 ألف طالب لا يتقنون القراءة والمهارات الأساسية، وآلاف آخرين يحصلون على معدلات ضعيفة في الاختبارات الدولية. وعشرات آلاف الراسبين في التوجيهي، وعشرات الآلاف يعيدون صفوفهم سنوياً ....؟ يحرقون كتبهم مع معلميهم!
ليدلّنا احد على هذا التحسن؟، وكيف يمكن ان يحدث التحسن في ظل بيئة لم يستطع التواصل معها، ولم تتفهم سياساته وخططه، بل اعلنت مقاومتها له، ظالمة أو مظلومة!
كيف يتحسن التعليم مع انقطاع الحوار مع الميدان؟ ومع اتهام تربويين بالحقد عليه، او بأنهم موتورون مع أنهم ينشرون آراء تربوية، ويتحدثون علناً عن افكار تربوية تجدر مناقشتها.
كيف يتحسن التعلم حين يكون الآخرون موتورين او "ضد القيم الاسلامية في المناهج"، او مروجي وساطة، وان المسؤول فقط هو العادل النزيه الأمين، الحافظ المطور!؟
اعتقد ان احداً لم يأخذ مسألة اصلاحاته مأخذ الجد، حتى أن تقييماً رفيعا لها قال: "انشغلنا عن جوهر التعليم واصلاحه بعمليات أمنية لضبط التوجيهي!".
4- ومن الملفت ان الثقة اساس العمل، فالموثوق عادة لا يواجه حملات تشكيك، وان ابسط بديهيات التغيير، ان يمهد للتغيير، كي لا يفاجئ احداً، وان تضمن انصارك قبل خصومك، فما حدث في 2016، ان الخصوم هم من تصدوا لشرح التغيير والدفاع عن بعض جوانبه، في حين ان الاصدقاء هم من حرقوا الكتب! اذن اين الخلل؟
ان سلوكاً واحداً قلب الخصوم الى اصدقاء، وحول الاصدقاء الى سدنة للحريق. أي مهارة هذه؟ وهل سنشهد تغييرات مفاجئة اخرى تحول الجميع الى اصدقاء وداعمين؟
ان الصدق أساس المسؤولية، والتلاعب والإخفاء والتمويه يضعف سلطة المسؤول، وعلينا مواجهة الحقيقة دائماً وعدم اخفائها، أما انا، فدفاعاً مستحقا عن التغيير، لن اعطي اعداء التغيير وحارقي الكتب مبررات اضافية!
(2)
الضربة الاستباقية
ان احباط التغيير يتم عادة بوسائل متعددة، ليس أهمها تشويه التغيير وتعذيبه حرقاً بالنار، بل بوسائل استباقية قد تقضي على أي أمل في التغيير، فما حدث مع كتب 2016 قد يكون كارثة تربوية، تمنع التطوير عشرات السنوات، خاصة وان من قاد التغيير إداري لم يطبق اي قاعدة من قواعد التغيير.
نزلت كتب 2016 الى السوق، وواجهت - رغم خلوها مما يدعون- حملة تشكيك دينية ووطنية مفادها معاداة الدين والتطبيع مع العدو، وقد نفيت انا ذلك مراراً، في الوقت الذي كان المسؤول التربوي يصمت على أمل إنهاء الازمة، ومع انني آمل ان يكون المؤتمر الصحفي الاخير كافياً لوقف اندفاع الازمة، الا ان معرفتي بالمحرضين واهدافهم تجعلني اشك بتراجعهم، لأن هدفهم ليست كتب 2016، فقد ثبت بوضوح ان هذه الكتب، وطنية عربية دينية دون أي لبس، ولو لم يكن هناك خوف من القادم لما اعترض أحد، فما هو القادم؟
القادم هو: مناهج جديدة وليست مجرد كتب، مناهج بخطة دراسية جديدة، هذه الخطة ستكون مواكبة لتغيرات عالمية واقليمية ومحلية، ولذلك ستشمل:
- علوم الاتصال والحوار والشراكة.
- علوم فهم الآخر وعلوم توضيح انفسنا.
- علوم الحق والخير والجمال، بما في ذلك من منطق وعلم واخلاق وفنون.
- علوم الفكر والفلسفة والكلام ومهارات الحياة والتأمل والشك والتجريب.
- علوم البحث العلمي والتحليل.
- علوم الابداع والتجديد والتغيير.
- علوم كلكم مسؤول وصاحب سلطة.
- علوم المستقبل والتنبؤ والتقدير والقرار.
- علوم البيئة وحقوق الانسان.
ليس شرطاً ان تكون هذه موضوعات منفصلة ومستقلة، بل يمكن دمجها في اية مادة دراسية، ولن تقود هذه الخطة الى حرق الكتب وتبادل الاتهامات، لأن معايير تقييم المناهج لن تكون حرباً وحرقاً، فالمعايير العلمية لتقويم المناهج هي:
- معيار الحداثة وتقديم اكثر المعلومات جدة.
- معيار النفعية والعملية وتقديم مهارات عملية.
- معيار الانفتاح على الحضارة الانسانية.
- معيار بناء الذات او الشخصية.
- معيار الهوية بمستوياتها كافة.
- معيار حاجات الطالب.
- معيار حاجات المجتمع.
- معيار الصدق العلمي.
- معيار الموضوعية الدقيقة.
فأين نحن من هذه المعايير؟ وهل من حرق الكتب حرقها لمخالفتها هذه المعايير؟ او لأحدها؟
علينا ان نخرج من دائرة الاتهام والاتهام المتبادل، ونبدأ رحلة البحث عن الأمل، كي لا تنجح الضربة الاستباقية.
(3)
المرسل والرسالة معاً
اذا كانت الرسالة تقتصر على الدفاع عن صورة محجبات، والرد على تلفيق المحرضين، فقد قلت إنها ناجحة، اما إذا كانت تهدف الى التطوير والاصرار عليه، وعدم المشاركة في الضربة الاستباقية لإجهاض خطة لجنة تنمية الموارد البشرية فلم تصل الرسالة لأي نجاحات.
فالمرسل اتحد مع الرسالة في الأمور الآتية:
1 - الغاء خطة تطوير التعليم او تغييبها وعدم الاشارة اليها: لقد كنا نتوقع التركيز على خطة لجنة تنمية الموارد البشرية، وانطلاق المؤتمر الصحفي "الرسالة" من هذه الخطة، لكن يبدو ان تواري صاحب الخطة عن الانظار، وتعيينه في مجلس الاعيان قد جعل خطته، وهي خطة وطنية ليست فردية، كسائر عشرات الخطط مثل الاجندة الوطنية وخطة اصلاح التعليم (د. مروان كمال)، حبرا على ورق. ففي بلادي فقط تتلاشى الخطط الوطنية ليطفو افراد لا علاقة لهم بموضوع!!
2 - لم تكشف رسالة المؤتمر الصحفي، ولا رسالة المرسل عن أي خطط مستقبلية، واكتفت بالدفاع عن دعاء لم يحذف أو صورة مزيفة دون وضع خطوط مستقبلية!، قد نعذر الرسالة لأن هدفها دفاعي، ولكن ما دور المرسل، وقد اتيحت له فرص الإجابة عن اسئلة كانت تقوده في بعضها نحو المستقبل.
3 - الرسالة كانت دفاعية، والمرسل كان هجومياً، وفي كرة القدم يعلو سعر المهاجم على المدافع، وعلى اية حال من يقبل في القرن الحادي والعشرين، عصر التنوع والتعددية ان يسود منطق "خصومي هم حاقدون موتورون، ذوو ملفات غير مشرفة"، مبعدون، بينما أنا هو التقي النقي الطاهر العليم، الرسالة تغلق ابواباً، والمرسل يهوى الحرب "الدون كيشوتية" وفتح الجبهات.
4 - الرسالة عقلانية، تظهر اعتدالاً ووعوداً وآمالاً وتفهما، والمرسل بدا إقصائياً رافضاً، فعلى سبيل المثال قوله: "لقد قلت انا شخصياً"، "انني لا اريد داعش في المناهج"، "فأي فكرة قد يستغلها معلمون للفتنة والكراهية"، و"لم أبدِ أي ضيق بالإسلام".
هل وحد المرسل بين مفهومين لم يوحد بينهما غيره؟ وكل العلماء قالوا ان "داعش" لا تمثل الاسلام وهذا صحيح جداً، فكيف بالمرسل يقول: "انا لن اسمح لمن لا يريدون الاسلام ان يراجعوا المناهج!؟"، ومن اوحى له بأن لا يميز بين الاسلام والتطرف؟.
ملاحظة:
الحكومة تقبل جميع مواطنيها، وتعاقب الخارجين عن القانون فقط، لكنها لا تسمح لأي مسؤول بأن يصنف على هواه!
(4)
فرض حالة الطوارئ التربوية
اصدرت وزارة التربية كتاباً موجهاً الى المؤسسات التعليمية الخاصة، برقم 4714/11/7 تاريخ 2015/9/5، ينص في الفقرة الرابعة على ما يأتي:
"اعداد الطلبة للتقدم لأي امتحان تحصيلي، لأي مبحث دراسي قد تعقده الوزارة خلال العام الدراسي وفقاً لمناهجها".
ومهما كانت دوافع اصدار هذا الكتاب فإن:
1 - الوزارة ليس لديها خطط، فقط تعقد امتحاناً. والمدارس بموجب ذلك يجب أن تبقى تحت حالة الطوارئ، والكل يعرف ان الامتحان حالة طوارئ وخطر داهم جداً.
2 - الوزارة لا تريد التركيز على التعلم او حفز التعليم بل الإعداد لامتحان قد يحصل وقد لا يحصل.
3 - ماذا لو لم تعقد الوزارة الامتحان! من سيثق بها مرة ثانية؟
اي عبقرية هذه؟؟ هل هي لعبة "الغماوة التربوية"؟
اوكازيونات تربوية، والدفاع بالوكالة.
ما هو اخطر مما سبق، ان المرسل اعلن بمؤتمره الصحفي موسم "الاوكازيون" مبكراً قبل أوانه! ماذا تريدون؟ هذه نحذفها! تكرموا...
سافرت الى لبنان؟ نغيرها ونجعلها تسافر الى مكة، بهذه البساطة تعالج امور المناهج!
لماذا غيرت سنة 2015،؟ ثم غيرت 2016؟ ثم وعدت بالتغيير؟ إننا في موسم التخفيضات للبضاعة، سواء أكانت فاسدة أم لا! كما ان ظاهرة الاستعانة بشهود من الخارج، يشهدون علناً كما يريد مسؤول، يدافعون عن الوزارة وكتبها، تشكل فتحاً تربوياً جديداً، فلم نسمع مسؤولاً في الوزارة يدافع عنها، فالشهود من الخارج لن يقنعوا رأياً عاماً، علماً بأن جهاز التربية مليء بالكفاءات.
عجباً! كيف يظهر شخص يدافع عن تغييرات لم يسمع بها، جرت على كتب أشرف عليها؟ والأكثر من ذلك انه نفسه من ملأ كتب العام 2015 بما حذف منها، هو الذي يدافع عن تغييرات شطبت الاخطاء التي وضعها!
إنه زمن تربوي لا يمكن وصفه بكلمات ايجابية.