[size=32]مرصع.. حكايات البشر وذاكرة الشجر! (1)[/size]
[size=32]كتابة وتصوير: مفلح العدوان[/size]
هَيّأت نفسي للمسير، والطريق أمامي يترقب وِجْهَتي، وفي القلب شوق معتق للبشر والشجر في منطقة تُلَوِّح لي بخضرتها وجبالها وذاكرتها، كلما اتجهت شمالا، فأرد لها التحية بالنبض والحب والشوق والوعد بأن أكون ضيفا عند أهلها الطيبين.
وها قد آن أوان تحقق هذا الوعد، وهمست للطريق أني سأيمم وجهي شمالا، حيث قرية مرصع، فهناك، وما أروع بوصلة الروح إذ تشير الى هناك حيث ينتظرني الصديق الدمث موفق يوسف خليفة الخوالدة (أبو أرجوان)، الذي سيكون دليلي الى دروب الجغرافية، ومسالك التاريخ، وملامح الذاكرة، في قرية مرصع، فكان اللقاء قريبا من مكتب بريد القرية، وبدأنا تفاصيل البوح، محبة، وصدقا، وطيب حضور، فكل من ألتقيهم في أحياء ودروب القرية، يكون سلامهم تابعاً من سويداء القلب، وألسنتهم تلثغ بالكلام الدافئ، والدعوات الكريمة، وهذا دأب الأهل بأصالة أخلاقهم، وحسن استقبالهم دائما.
الطريق إلى مرصع
قبل أن ألتقي موفق الخوالدة، كانت الطريق التي سلكتها، هي أسهل الدروب للقادم إليها من عمان، عبر شارع الاردن، مرورا من أبو نصير، ثم يكون متابعة المسير على شارع الأردن، حتى الوصول الى جسر قرية سلحوب، يكون هناك الالتفاف يمينا الى سلحوب، واختراقها، ليكون بعدها الدخول في رحاب قرية مرصع.
كما أن هناك طريقاً آخر من صويلح، نزولا الى البقعة، ثم سلحوب وبعدها الى مرصع. أما الوصول اليها من الزرقاء فيكون عبر شارع بيرين، الى الكمشة، فالناصرية، فالعالوك، ثم مرصع. والقدوم الى القرية من جرش يكون عبر الشارع الدولي عمان - اربد، مخترقا المصطبة، وَجُبّة، وبعدها يكون الوصول الى مرصع.
كل تلك الطرق تؤدي الى قرية مرصع، في موقعها الجغرافي المتوسط بين عدة محافظات، مع تميزها بطبيعتها الجميلة، حيث أشجار الزيتون والتين والرمان والبلوط والسنديان، وجبالها الرائعة المطلة على السلط، وعمان، والاغوار، وتصل اطلالتها في الأجواء الصافية الى مناطق الضفة الغربية. وهي بكل جمالياتها، وخضرتها، وغاباتها، تعتبر متنزه طبيعي للسياحة الداخلية، خاصة مع قربها من أماكن جميلة مثلها كقرية العالوك، وَجُبّهْ، وتلعة الرز، والمصطبة، وتل الرمان .
تداعيات الإسم
نمشي أنا وموفق الخوالدة في دروب مرصع، وأثناء المسير، كان الحديث متشعب بيننا حول هذه القرية، وكان صديقي ودليلي «موفق» عاشقاً للمكان، باحثاً في تاريخه، مُلمّاً بتفاصيل ذاكرته، وأحاديث الكبار عنه، فكان يحفظ كثيرا من معالم وقصص وأحداث تدور في مرصع، أو عنها، ورأيت أنه قد وثّق بعضها كتابة ينشرها بين فينة وأخرى في الصحافة، أو المواقع الالكترونية، أو على صفحته الخاصة، وكان أول حديث له عن الرواية الشعبية حول اسم قرية مرصع، وتداعيات تلك التسمية، حيث قال بأنه «في احدى الروايات يقال بأن اسم مرصع نسبة الى كونها مرصعة بالذهب والكنوز والدفائن فيها، وهناك رواية أخرى ترجع التسمية الى أن الرومان القدماء كانوا يَرْصَعون الزيتون فيها، ولذا فهناك كثير من بقايا المعاصر الحجرية القديمة في حقولها وخربها، كما أنه يوجد في حي أم المعارك، غرب مرصع، آثار أقدم معصرة زيتون في الأردن. والبعض يعزو كلمة مرصع الى اللغات السامية القديمة، بمعنى الشيء الثمين والجواهر الفريدة النادرة النفيسة».
هذه بعض الروايات المتداولة في القرية عن سبب تسمية مرصع بهذا الاسم، ولكن عند تصفح بعض الكتب والمراجع، نجد أن الباحث محمود سالم رحال في كتابه (المشترك السامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردنية) يقول عن اسم مرصع التالي: «مَرْصع: وبالسامي المشترك بمعنى مكان (ثُقوب. فتحات. حُفر). تقع قرب جرش. مَرصع: مثقب. مخرز. والجذر رَصَع، خرق، ثقب. حفر. وبالعربية رَصَع: رَصَعَه بالرمح: طعنه شديداً». ويورد ذات التفسير الدكتور محمد عبده حتاملة في الجزء الرابع من (موسوعة الديار الأردنية)، قائلا: «ومرصع (بفتح الميم والصاد)، معناها في اللغات السامية: ثقوب أو فتحات، وكذلك: مثقب أو مخرز».
ويكتب الباحث ركاد نصير في كتابه (المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية)، عن اسم مرصع التالي: «مرصع: رصع رصعاً: ضرب بيده، ورصع بالمكان رصوعا: أقام به. والمرصاع: دُوَّمة الصبي، كل خشبة يُدحى بها كرة، والمرصعان: صلاءة عظيمة من الحجارة وفهر مدوّرة تملأ الكف».
أحواض القرية
أتوقف في وسط القرية، فأرى الغابات تحيطها، والأشجار تكسو جوانبها، وتربتها حمراء خصبة، والهواء فيها عليل نقي.. أتأمل ما حولي، فيشير لي دليلي موفق الخوالدة الى غابة وصفي التل التي تطل من بعيد، وبدأنا بعد تلك الإطلالة بتقليب صفحات موقع القرية، وحدودها، ومناطقها، وهنا يمكن الإشارة الى موقع وحدود قرية مرصع على النحو التالي: « تقع مرصع على خط الطول 35 درجة و52 ثانية شرقا، والعرض 32 درجة و8 ثوان شمالا، وهي على بعد (30 كم) الى الجنوب من مدينة جرش. ويحد القرية من الغرب بلدية عين الباشا وغابة الشهيد وصفي التل، وشارع الأردن، ومن الشرق بلدية الزرقاء، ومن الشمال سيل الزرقاء والمصطبة، ومن الجنوب سلحوب». وتقدر مساحة مرصع بـ 8 كم مربع، وهي عبارة عن تكوين من ثلاث قرى هي مرصع، والراية (المنط)، والرحمانية.
وفي إطار جغرافية القرية، يشار هنا الى أن أحواض مرصع، بحسب ما هو متعارف عليها شعبيا، تشتمل على كل قرية مرصع القديمة، حيث حوض البلد الذي يسمونه بـ»حوض الجرية» (ومقصود هنا القرية، حيث أن الكبار من المسنين يلفظون حرف القاف جيم)، وهو يأتي بالقرب من أو اسفل حدود مدرسة مرصع الثانوية الشاملة للبنين، و»حوض صنمة» وهو على سفوح وروابي قرية الراية والدهامشة ويكاد يقترب ويتلاحم مع منطقة العالوك بالحد والوتد. وكذلك حوض الراية أو «المنط « وهو أقرب إلى منطقة سمرة، و»حوض شلاش» نسبة إلى نبعة عين شلاش وهي بالقرب من قرية الرجم العالي وحي شختر ومزرعة دجاج الفر الشهيرة. و»حوض العين» والمقصود بالعين هي عين مرصع أشهر وابرز معالم القرية. وحوض عذمة الذي يأتي على أعلى قمم جبال مرصع، محاذي نوعا ما إلى سلحوب ويضم حوض عذمة أراضي الشعريات ومرج أبو عويس وقرية عذمة القديمة (وهي انقاض وآثار لقلعة ومدينة بيزنطية أثرية). وحوض النقرة، الذي يقع على مشارف جبل أو حرش التويم، وسمي بالنقرة أي العلامة، لأنه تؤخذ منه إحداثيات وقياسات المساحة والمخططات لمنطقة مرصع وما حولها. وهناك «حوض ياسين»، وموقعه هو مقابل غابة الشهيد وصفي التل، وبالقرب من مشارف قرية سلحوب، المجاورة في حدودها لقرية مرصع، وسمي بحوض ياسين نسبة إلى الحاج ياسين الذي خلفت ذريته السكنى في ذلك الحوض، ومن أبرز معالم الحوض منطقة سوح ثابت وتلعة ياسين، واخيرا «حوض الزعرور»، وذلك نسبة إلى كثرة شجر الزعرور المنتشرة فيه بشكل كبير وملفت للإنتباه.
هذه الأحواض، وتسمياتها، ومعناها اللغوي، يورد بعضها الباحث الباحث ركاد نصير في كتابه (المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية)، وهي على النحو التالي: «حوض صنمة: الصنمة: الصورة تُعْبَد، أو قصبة الريش. حوض عدمة: العُدْم والعُدُم والعَدَم: الفقدان والذهاب، وغلب على فقدان المال، والعدماء من الأرض: البيضاء. حوض النُقرة: الوهدة المستديرة في الأرض ليست بكبيرة يُستنقع فيها الماء؛ ويكنّى بها عن البلد المستوى المنخفض. حوض الزُّعرور: ثمر شجر أحمر وأصفر له نوى صلب مستدير، ضرب من الخوخ. حوض المنط: مكان النط وهو القفز (عامية). حوض شلاش: اسم شخص.. شلش: هي الآلهة الحورية، ضمت الى آلهة بابل في عهد الأسرة البابلية الأولى، وهي أم جيرو إله النار. حوض العين: ينبوع ماء. حوض ياسين: اسم شخص».
سيرة قرية مرصع
تقع مرصع الى الجنوب من مدينة جرش، وهي تابعة لها إداريا وتنظيميا، وهي من ضمن بلدية باب عمان/ جرش.
الديموغرافيا
يبلغ عدد سكان مرصع حوالي 9200 نسمة.
التربية والتعليم
يوجد في مرصع المدارس التالية: مدرسة العالوك الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة مرصع الأساسية للبنين، ومدرسة مرصع الثانوية للبنات، ومدرسة مرصع الأساسية للبنات. كما وان هناك مدارس ورياض خاصة وهي مدرسة وروضة مؤمن الخاصة، ومدرسة وروضة فايزة الخاصة.
المجتمع المدني
يوجد في القرية جمعية مرصع التعاونية، ونادي مرصع الرياضي، ونادي شباب مرصع، ومنتدى مرصع الثقافي، ومركز تحفيظ القرآن الكريم، وقاعة المرحوم الشيخ نهار العيد للمناسبات، ومكتب منطقة البلدية (باب عمان)، ومكتبة البلدية، ومحطة تكنولوجيا معلومات.
الصحة
يوجد في القرية مركز صحي أولي متكامل لمنطقة بلدية باب عمان، وهناك نية تتجه لجعله مركزا صحيا شاملا.
*يوجد في مرصع شعبة بريد، وسوق تابع للمؤسسة الاستهلاكية العسكرية، ومحطة لتعبئة المياه الصحية، والكثير من أسواق السوبرماركت التموينية، ومحلات القهوة، والانترنت، ونادي بلياردو وتنس، وغيرها من المرافق.
*يوجد في القرية عدد كبير من المساجد يتعدى الـ 15 مسجدا، وأشهرها مسجد مرصع الكبير وهو مسجد «ابو بكر الصديق».