سلوك مَحافظ البنوك التجارية والسياسة النقدية في الأردن
د. محمد عبدالله الخطايبة*
عمد البنك المركزي الأردني، كغيره من البنوك المركزية في العالم، إلى تخفيض أسعار الفائدة على أدوات الدينار الأردني؛ لدعم وتيرة النمو الاقتصادي التي تأثرت بأحداث عدة، من أهمها مشكلة انقطاع الغاز المصري، واللجوء السوري، وانخفاض أسعار الطاقة العالمية وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني؛ من خلال حوالات العاملين والسياحة العربية والاستثمار العربي المباشر وغير المباشر. هذا علاوة على الهواجس والمخاوف من مخاطر محيطنا الملتهب.
وإذا أمعنا النظر إلى واقع الاقتصاد الأردني، نجد أن تلك التخفيضات على أسعار الفائدة لم تساهم في تحقيق الزيادة المرجوة للنمو الاقتصادي. وألفت هنا أنظار القائمين على إدارة البنك المركزي إلى عدم استجابة السوق الأردنية، بكل أركانها، للسبب الذي قد يساعد صانعي السياسة النقدية في الوصول إلى الأهداف المنشودة من تخفيض سعر الفائدة. فذلك لن يتحقق إلا إذا فسرنا آليات ومحددات سلوك محافظ البنوك التجارية الأردنية، والتي هي بدورها "عمود للاقتصاد"، والذراع التي من خلالها ينفذ صانعو السياسة سياستهم. إذ إن عمليات إدارة المحافظ لدى البنوك التجارية لا تعتمد في تكوينها على تغير أسعار الفوائد (العوائد)؛ فمحافظ البنوك الأردنية لا تعتبر التغير في أسعار الفوائد عاملا مهما لتكوين تركيبة المحافظ أو ضبط تشكيل محافظها (تشكيلها) عن طريق زيادة أو خفض حجم بعض الأصول تبعا لتغير أسعار العوائد. بمعنى آخر: إن سلوك محافظ البنوك التجارية الأردنية لا يقدم أي دعم لأسعار الفائدة كعامل مهم في تحديد التكوين العام لمحافظ البنوك. وعليه، فإن التغيرات في أسعار فائدة السلطة النقدية لن تؤثر على نوعية تكوين الأصول للبنوك التجارية في الأردن، وهو ما يعكسه الواقع الاقتصادي الذي قد يعزى لعدم فاعلية السياسة النقدية.
وأشير هنا إلى أنه إن لم تكن العوائد هي المحدد لتكوين تركيبة المحافظ، فقد نجد أن رأس المال والالتزامات (وأهمها الودائع) هي المحدد الأهم لتكوين المحافظ الأردنية. وتشير الأرقام إلى أن الودائع (تحت الطلب) تمثل ثلث الودائع في المملكة، والتي تستفيد من خلالها البنوك للحصول على عوائد من استثمارات كانت سابقا على شكل استثمارات في نافذة الإيداع، وحاليا في شهادات الإيداع، وقد تصل إلى أذونات خزينة من دون أي تكاليف تدفع للمودعين.
من هنا، يجب على صانعي القرار النقدي الأردني إعادة النظر في إجبار البنوك على دفع عوائد للمودعين (تحت الطلب) لتحفيزها على تنويع الأصول وإعادة تكوين المحافظ بناء على أسعار العوائد، كي يستطيع صانعو القرار النقدي تنفيذ السياسات النقدية عبر إعادة بريق أسعار العوائد كعامل مهم في تحديد تركيبة المحافظ، لدفع عجلة النمو المرجو وعدم السماح للبنوك بالتمتع باستثمارات من دون تكاليف نتج عنها نوع من الكسل المصرفي، كما حرمت نفسها من ابتكار منتجات أو استثمارات تليق بدور البنوك، وتلبي احتياجات الاقتصاد الوطني.
*رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية - الجامعة الهاشمية