بنكيران.. "إسلامي جديد" يتقن لعبة السير بين الأشواك
التاريخ:12/10/2016
إسلامي يجيد دهاليز السياسة الحديثة وتعرجاتها، ويخوض معاركها بخفة ورشاقة يحسده عليها خصومه قبل محبيه.
يكاد خصومه من الإسلاميين أن يتجاوزوا نظرائهم من باقي التيارات المنافسة، فهو مفرط ومهادن في وجه السلطة حسب وجهة نظرهم.
في نظر إسلاميي المغرب هو رجل محنك يعرف من أين تؤكل الكتف، وهو رجل الدولة المتوج برئاسة الحكومة مرتين عن جدارة واستحقاق، وهي نظرية قد لا تعجب كثيرا إسلاميي المشرق العربي.
ولد عبد الإله بنكيران عام 1954 لأسرة صوفية في حي العكاري الشعبي في العاصمة الرباط، حيث يحظى التيار الصوفي بحضور بارز في المغرب، وعلى عكس والده الصوفي الذي لم تحل صوفيته دون براعته في التجارة، لم تزهد أمه بالسياسة والعمل العام ولم تنكفئ بزاويتها الصوفية بل كانت أحد الناشطات في حزب الاستقلال اليساري.
انضم بتشجيع من أمه إلى شبيبة الحزب قبل أن ينتقل لاحقا إلى شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أيام دراسته الإعدادية، لكن وبحكم أن الفتى المراهق يميل إلى تحديد خياراته المستقبلية بشكل واضح اختار الخط الديني المحافظ بتأثير من والده.
سرعان ما شب وبدأ دراسته الجامعية في الفيزياء التي حصل درجة البكالوريوس فيها عام 1979، وتم تعيينه بعدها أستاذا في المدرسة العليا للمعلمين في الرباط، وخلال عمله في سلك التعليم كان بنكيران ناشطا بتنظيم الشبيبة الإسلامية الذي تدرج فيه وأصبح من قياداته لكنه قرر مع شباب جيله الانفصال عن الشبيبة عام 1981 احتجاجاً على طريقة إدارة المرشد العام لها حيث أسس الشباب المنفصلون عن التنظيم ما عرف باسم الجماعة الإسلامية التي كانت تنتهج العمل السري وانتخب ابن كيران رئيسا للحركة عام 1986 لتتوجه سهام الدولة للجماعة الوليدة فشنت حملة اعتقالات في صفوفها بذريعة إنشاء تنظيم سري ما دفع بنكيران لدعوة شباب التنظيم للانتقال للعلنية.
عاد التنظيم للعمل ولكن السلطات واصلت مضايقاتها له بدعوى أن اسمه لا يجوز أن يستمر في ظل وجود دولة بها "أمير المؤمنين" الذي يمثل الشرعية الدينية في البلاد، فأظهر بنكيران براغماتية شديدة بتغيير الاسم لــ"حركة الإصلاح والتجديد" عام 1988.
كانت اللحظة الأكثر قوة في مسلسل المراجعات والتحولات التي قام بها الرجل مع رفاقه بالتنظيم يوم أن وضع مع نائبه عبد الله بها عام 1990 وثيقة تقبل فيها الحركة بالنظام الملكي وتقر فيها بإمارة المؤمنين فيما أعتبر أنه المحاولة الرسمية للإقرار بالوطني على حساب العمل الأممي.
وسعيا منه لمواصلة نهجه نحو التصالح مع النظام الحاكم والعمل من داخله عبر الإصلاح المتدرج قرر الرجل دمج تنظيمه مع رابطة المستقبل الإسلامي بقيادة أحمد الريسوني وجمعية الشروق الإسلامية وجمعية الدعوة الإسلامية تحت اسم جديد هو "حركة الإصلاح والتوحيد" عام 1996، وبعد عام واحد طرح نفسه مرشحا للبرلمان ففاز عن مدينة سلا وبعدها فاز عدة مرات في عام 2002 و2007 و2016.
وفي ظل سعيه لتطوير أدواته ودخول حلبة التنافس السياسي من أوسع أبوابها، طرق الرجل أبواب النظام المحاط بطبقة سياسية توصف بأنها تمثل الدولة العميقة والمعروفة باسم "المخزن"، وناور لدخول الملعب السياسي عبر شخصية وطنية تحظى بقبول النظام هو عبد الكريم الخطيب الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، حيث عمل على دمج شباب حركته فيها وتغيير اسم الحزب إلى "حزب العدالة والتنمية".
بقي الرجل يترقى في صفوف الحزب حتى تولى رئاسته عام 2008، وانتهج نفسا تصالحيا قاد الحزب للتمدد والانتشار في البلاد، حتى جاء الربيع العربي عام 2011 واندلعت احتجاجات في المغرب تطالب بالإصلاح أسفرت عن إصلاحات دستورية سمحت بتشكيل حكومة برلمانية ترأسها بنكيران.
لم يشعر الرجل خلال وجوده بسدة الرئاسة أن عليه أن يجامل أيا من خصومه ففتح النار على حزب الأصالة الذي شكله صديق الملك واعتبر أنه يمثل المخزن وبذات الوقت لم يسع لكسب شعبية على حساب المنجز الاقتصادي فاتخذ قرارات وصفت بالصعبة وتمثلت برفع الأسعار حتى "لا يضطر لرفع المديونية" حسب تعبيره، لكنه نجح بتحقيق انجازات اقتصادية واجتماعية في مجالات أخرى إلا أن النجاح الأبرز تمثل بالمحافظة على استقرار البلاد والعمل تحت مظلة النظام للإصلاح من الداخل دون اللجوء لمعارك جانبية، وهو ما جعله يحوز على ثقة الناخبين المغاربة والعودة لسدة الرئاسة مرة أخرى قبل أيام.
يمثل بن كيران نموذجا لتيار "الإسلاميين الجدد" القائم على المزاوجة بين الحداثة والإسلام وخوض المجال السياسي ببراغماتية كبيرة جعلته وغيره من أنصار هذا التيار مدار نقد شديد من كثير من التيارات الإسلامية.
كان بن كيران إسلاميا لا يكترث كثيرا بخوض جدالات مع الإسلاميين الناقمين عليه لسلوكيات يعتبرونها غير إسلامية فهو لا يتحرج من الترنم على أنغام المطربة المصرية أم كلثوم أو الرقص في احتفال شعبي عام أو التحالف مع أحزاب يسارية أو علمانية في معادلة جديدة برع في تركيبها الفيزيائي المحنك لكن ليس في محراب العلم بل في محراب السياسة.