طلاق المرأة .. دوافع نفسية.. ومبررات عائلية محيرة
ياسين الجيلاني - جاءت الأديان السماوية بتشريعات ووصايا عن الحلال والحرام، فإرتفعت بالانسان من مستوى بهيمي إلى مستوى إنساني كريم، ولكنها كانت في بعض ما أحلـّت وحرمت مناسبة لعصرها وبيئتها، متطورة بتطور الإنسان، وتغير الأحوال والأزمان.
وديننا الحنيف شرّع الطلاق عند حدوث الشقاق والنزاع بين الزوجين، وعند فشل كل مساعي الخير والرأي في إصلاح ذات البين، أو لم الشعث وإصلاح الفاسد، أو اتمام الصلح بين الزوجين، فيباح للزوج إستجابة لنداء الواقع، وتلبيته لداعي الضرورة، وحلاً لمشكلات لا يحلها إلا الفراق بالمعروف، لقوله سبحانه: (وإن يتفرّقا يغنِّ اللهُ كُلاً من سعته). سورة النساء: الآية (13).
للطلاق خطورته على الأسرة وتفككها، وتشريد أطفالها، فإنه «محظور في نفسه مباح للضرورة» ورسولنا الكريم يقول: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ويقول: «ولا تطلقوا النساء إلا من ريبة، إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات»، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه عرش الرحمن».
فالطلاق بغير ضرورة تقتضيه، هو طلاق محرم محظور، وهو ضرر للزوج بنفسه وبزوجته وأولاده، وإعدام للمصلحة الحاصلة بينهما من غير حاجة إليه، فكأنه حرامٌ كإتلاف المال العام لقول رسولنا «لا ضرر ولا ضرار».
تلك هي جوانب الإباحة الدينية في الطلاق، أما دوافعه النفسية ومبرراته الأخرى عند الرجل، -سواء أكانت شعورية أم لا شعورية- فتتضح إذا تتبعنا الزوجين مع حفل الزواج، لتحليل نفسيهما، ووصف موقف كل منهما من الآخر، وما أحاط بعقد الزواج من ضمانات قانونية وشرعية، وتأييدات إجتماعية... فبعد أن قدم الأهل والأصدقاء إلى الحفل، وقدموا التهاني والتبريكات ، وسلات الورود، وأخذوا ينصرفون الواحد تلو الآخر، بعد تناول العشاء... يدخل الزوجان عهداً جديداً، وطلباً للراحة والاستجمام، بعد متاعب الحفل وتحضيراته، فيقوم العروسان عادة برحلة لتمضية شهر العسل، وبعد عودتهما سرعان ما تظهر المشكلات، التي تهدد الزوجين، لاعتبارات عدة، أهمها التكاليف المادية الباهظة.
مجرد وظيفة
قد لا تكمن صعوبة الزواج ومشكلاته، في أنه:
- وظيفة «غرامية» و»وظيفة اجتماعية» معاً، وإنما الصعوبة فيه، أنه عملية «توافق» ومن ثم فإنه ليس «منحة» بل «كسباً» بطيئاً، يتم بتضافر جهود الزوجين معاً... أما حين يعمد الزوج إلى حل مشكلاته الزوجية بالطلاق، فإنما يعبر بذلك عن فشله التام في تحقيق هذا «التوافق». وفي هذه الحالة قد تكون أسبابه، هي بعينها أسباب «إنعدام التكامل في الشخصية». فالزوج الذي يقدم عليه، ظاناً منه بأنه فيه علاجاً لمشكلاته، كثيراً ما يصاب بخيبة أمل جديدة، في زواجه الثاني أو الثالث!
والتوافق المنشود بين الزوجين، لا بد أن يتم في ميادين أو أقطاب ثلاثة هي: ميدان العلاقات الجنسية، وميدان العلاقات النفسية، وميدان العلاقات الترابطية، ولكن؛ حين يقع في ظن الزوج أن كل علاقته بزوجته، لا يجب أن تتعدى الميدان الأول، وأن زوجته ليست سوى وسيلة للمتعة الجسنية، فإنه يضحي بنقطتين مهمتين من أقطاب الزواج، في سبيل قطب واحد فقط.. وحين يفهم الزوج أن «فن الحب» هو ثمرة سيكولوجية طويلة الأمد، وأن التوافق لا يتم في سنة أو سنتين، فإنه قد يأخذ بيد زوجته، في سبيل مساعدتها إلى الوصول بحياتهما الزوجية، إلى مستوى التناغم الجنسي والنفسي والاجتماعي.
الخيال وأحلام الرومانسية
حين لا ينظر الزوج إلى زوجته نظرة واقعية، بعيدة عن الخيال وأحلام الرومانسية، فإن العلاقة معها، تأخذ صوراً جديدة من عدم التفاهم، وقد تقود إلى العنف والتوتر، لأسباب عديدة منها: اختلاف الثقافة بينهما، أو بخل الزوج ونزقه، وأحياناً للشذوذ والضعف الجنسي لديه، ناهيك عن عوامل الغيرة والملل والجفاف العاطفي، والمظاهر العدوانية التي يلجأ إليها الزوج، وجميعاً؛ تقود إلى الصراع وتصدع حياته الزوجية، أو انهيارها، التي تأخذ في البداية القطيعة والهجران، ثم الطلاق في نهاية المطاف...!!.
وبالتحليل النفسي، وجد أن من يقوم بهذه الأساليب، قد يكون إنساناً أنانياً، يفتقر الى الثقة بنفسه، فهو يخشى تحمل مسؤولياته الجديدة نحو أسرته، خاصة عند ولادة الطفل الأول له، أنه يميل إلى حب التملك والسيطرة لتعويض ما يعانيه من نقص في جوانب شخصية، وأحياناً تصل به هذه الاتجاهات النفسية، إلى السلوك الخاطئ، إلى حد المرض النفسي الخفي... فهو كثير الشكوى والتذمر، من أن زوجته لا تحترم أهله وذويه، فيكثر من الشجار معها ويثور لأتفه الأسباب بلا مبرر، ناهيك أنه دائم القلق والتوتر والانفعال، لاعتقاده أن زوجته هي السبب الوحيد في شقائه وبؤسه، وأن الوسيلة الوحيدة لينال قسطه من الراحة والسعادة، هي أن تتاح له فرصة أخرى، ليبدأ حياته مع زوجة ثانية.
الزوج المنحرف
عيادات الطب النفسي الحديث، تؤكد؛ أن مثل هذا الزوج المنحرف بطبعه، قد لا يجد ما ينشده من سعادة في حياته، مهما تغيرت فيها الزوجات، لأن أسباب الداء كامنة فيه، وهو يحملها معه باستمرار، إلا إذا كانت الزوجة الجديدة منحرفة نفسياً، أو شاذة بنوع من الانحراف، بما يتلاءم مع إنحرافه، فيكوّنان معاً وحدة شاذة، لا يمكن أن تستمر إلى حين، إلا في جو من الشذوذ والانحراف والانفعال!؟.
في أحدث دراسة سيكولوجية عن دوافع الطلاق النفسية وأسبابها، مع هذا النوع من الرجال، تبين أن الطلاق لا يصلح ليكون علاجاً ناجحاً لحل مشكلاته وأزماته المفتعلة.. فالعلاج المثمر والفاعل، هو أن يفهم الزوج دوافعه النفسية التي تجعله يفكر في هذا الحل، وعليه أولاً؛ أن يعالج نفسه من أدرانها وعقدها ووسواسها، ثم التخلص من هيمنة الوالدين أو الأهل عليه – إن وجدت – وإن يتخذ قراراته وفقاً لرغباته وقناعته، لا إيذاناً بإسترضاء الآخرين، وإلا سيظل يدور في حلقة مفرغة في كل حياته الزوجية.
صبر وتضحية
وبعيداً عما يقوله الطب النفسي، وتحليلاته، وما يذهب إليه الشرع، فإن في استطاعة الرجل قبل أن يطلق زوجته أن يضحي ويصبر عليها، فإذا وجد منها ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها إلى جانب أخطائها
، ومزاياها إلى جوار عيوبها.