بيان حزب الاستقلال العربي سنة 1931
"ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 539 - 540"
بيان حزب الاستقلال العربي
سنة 1931
"لم يبق أحد لم يشعر بما طرأ على الحكومة الوطنية الاستقلالية في هذه البلاد من ضعف وفتور، وما وقعت فيه من اضطراب وانحلال وفوضى وما تسلط عليها من أهواء ونزعات زعزعت أساسها وبدلت أغراضها ومراميها. فبعد أن كانت قضية استقلالية تحمل خواص القضية العربية الكبرى وتحتفظ بمزاياها الشريفة وتكافح الاستعمار وجها لوجه، أصبحت قضية محلية تتأئر بالنزعات الشخصية والأهواء العائلية والقوى الإنتاجية إلى حد كبير. وإذا كانت الحركة الوطنية قد وقفت في أدوارها الأخيرة موقف الكفاح فلم يكن ذلك منها في الأعم الأغلب موقفا صريحا لا مواربة فيه، وإنما كان موقف عجز ومسكنة، محصورا بمقاومة القضية المصطنعة التي نكبنا بها الاستعمار ليلهينا عن أغراضنا المقدسة العليا، بل لقد أصبحنا وليس لنا في هذه البلاد قضية استقلالية نكافح دونها ونرد الأطماع الاستعمارية عنها، وصرنا إلى حالة نستسيغ معها وطأة المستعمر ونستمرئ أساليبه ونتهافت على نيل رضاه بالتقرب والزلفى ونتبادل به ليغلب فريق منا فريقا سعى وراء قضايا الأشخاص والأهواء".
ولما كان من الجريمة الوطنية أن تصبح قضيتنا الاستقلالية التي أسس بنيانها على هامات شهداء العرب في جميع الأقطار العربية ورفعت قواعدها على مناكب المجاهدين الأبرار رهن القضايا الشخصية - وفريسة تلك النزعات والحزبيات المحلية، وألا يكون لفريق الاستقلاليين الذي عمل مع الجماعات العربية في ميدان القضية العربية الاستقلالية الكبرى ولمن يجري على مبادئهم وينحو نحو غاياتهم كيان مستقل ينضمون تحت لوائه لاستئناف الجهاد الوطني وفقا للمبادئ التي اعتنقت وبشر بها تبشيرا خالصا لوجه الله والأمة والوطن فإن موقعي هذا البيان اعتقدوا أنه آن الأوان لإقامة مثل هذا الكيان والقيام بحركة وطنية خالصة على يد حزب سياسي استقلالي يكافح الاستعمار وما جره من نكبات كفاحا شريفا بلا مداورة ولا مواربة، ويعمل على نيل حقوق الأمة الاستقلالية وإنهاضها حاذيا حذو الأحزاب الوطنية التي تعتز بالمبادئ الشريفة وتستمد منها الرشد والهدى. وسيكون الأساس الذي يبني عليه هذا الكيان الحزبي الاستقلالي، التجانس في المبادئ الصحيحة والإخلاص الشريف وحب العمل النزيه والابتعاد كل الابتعاد عن الجري في طريق السياسات المحلية والشخصية والعائلية، وجعل المصلحة العامة فوق كل مصلحة، وعدم الاهتمام البتة لفكرة أكثرية أو أقلية وما يتبعها من سياسات انتخابية لا يراد بها وجه الله والوطن - وعدم الموالاة أو المعاداة لأي كان إلا بما يكون له من موقف أو عمل يتسق أو يتعارض مع مبادئ
الحزب وغاياته وخططه وقد أجمع القائمون أمرهم ووضعوا قانون حزبهم الذي ينشرونه مع هذا البيان واثقين كل الثقة أن في البلاد فريقا كبيرا من الأحرار المخلصين، يشعرون بالحاجة التي شعر بها القائمون بهذا الحزب، ويألمون مثل ألمهم، فيمدون إليهم يد المؤازرة والتأييد في هذه الحركة التي يرجون من ورائها الخير والخدمة الخالصة المنزهة عن كل شائبة وشين سائلين الله عز وجل أن يثبت أقدامهم ويهديهم السبيل الأقوم لخدمة القضية الوطنية الاستقلالية وللخروج بها من هذه الدوائر الضيقة التي حصرت فيها وتخليصها من تلك الأهواء والنزعات التي ذهبت بنضارتها وقللت من كرامتها، والله ولي التوفيق" (1).
(1) محمد عزة دروزة، "حول الحركة العربية" الجزء الثالث. ص 99 - 101
رد اللجنة التنفيذية العربية
على بلاغ المندوب السامي (*)
كل هذه الحقائق لم يكن أحد من العرب يتوقع إغفالها في منشور صادر على عجل وسابق لأوانه، وتعلمون فخامتكم أن عرب فلسطين قد تكبدوا أكثر من ذلك. وكانت الجنود البريطانية تجدهم عزلا من السلاح عند أية ضربة تنزل بهم. فإذا لم يزل ثمة عدالة يحق للعرب أن يطلبوا نصيبهم منها فهم يلحون بطلب إجراء تحقيق نزيه، من أشخاص من خارج فلسطين لا يتأثرون أثناء قيامهم بواجبهم نحو العدالة بالنفوذ الصهيوني.
وإن التحقيقين اللذين أجريا في فلسطين في ظروف مماثلة سابقة من قبل لجان بريطانية، قد أظهرا مطالب العرب الحقة ومقاصدهم القومية النبيلة كما أظهرا مصائبهم السياسية
إن العرب يعتقدون كل الاعتقاد أن تحقيقات نزيهة كتلك ستروي للعالم حكاية حالهم الآن في هذه الاضطرابات الحاضرة رواية أكثر صدقا مما صورتموه للعالم في منشوركم الصادر قبل إعطاء العرب فرصة ليسمع صوته فلو كان ذلك لرأى العالم أن اليهود الذين تجاوزوا التعديات السياسية إلى الدينية، والذين أصبحت تعدياتهم في المدة الأخيرة لا تحتمل كما صرحت بهذا الحكومة، والذين كانت أعمالهم الفظيعة في هذه الاضطرابات ينطبق عليها كلام فخامتكم في منشوركم بحق العرب، كانوا هم المسئولون أولا عن الاضطرابات الحالية، وكانت السياسة التي تؤيدهم ثانيا.
وإن مثل هذا المنشور كان ينبغى إصداره بعد إجراء التحقيقات التي ينشدها العرب وليس قبل إجرائها.
(=) نقلا عن كتاب "مشكلة فلسطين والاتجاهات الدولية" الدكتور جلال يحيى.
بيان حزب الاستقلال العربي
في 2 نوفمبر سنة 1931
"لقد سلخت هذه البلاد أربعة عشر عاما وهي تحت سلطة الاستعمار الإنجليزي تتدهور عاما بعد عام من حضيض إلى حضيض وتبتعد يوما بعد يوم عن الغاية المقدسة العليا التي رمى إليها العرب حينما اشتركوا وقاسوا أنواع المظالم والإرهاق: وهي الاستقلال والوحدة العربية، التي أخذت الأقطار الأخرى تقترب منها يوما بعد يوم، محطمة في سبيل الوصول إليها القيود واحدا بعد آخر. وأنه على الرغم من الصرخات الداوية التي بعثتها الأمة ولا تزال تبعثها استنكارا للسياسة الغاشمة المسلطة عليها واحتجاجا على الظلم الفادح النازل بها بحرمانها من حقها الصريح في الحرية والاستقلال وباستهدافها للأخطار القومية والاجتماعية والاقتصادية المنبعثة عن سياستها الاستعمارية والغزوة الصهيونية لإرهاق البلاد، تحت عبء هذه السياسة ونتائجها الفظيعة ظل الإنجليز يستمرون في سياستهم دون رادع من عهد أو شرف أو ضمير.
وإذا أردنا أن نستعرض نتائج هذه السياسة وأخطارها رأينا منظرا من أفظع المناظر وشهدنا رواية من أشد الروايات هولا تمثل في هذه البلاد ضد مصالح أصحابها العرب وقوميتهم وكيانهم لم يشهد التاريخ أشد فظاعة وهولا منها:
1 -
إن الموازنة المالية في هذه البلاد جعلت لتشكيلات واسعة لا تتحملها طبيعة البلاد بوجه، والمبالغ التي تنفق على هذه الموازنة هي أضعاف ما ينفق على مثيلاتها من البلاد العربية الأخرى، والموظفون الإنجليز ثم الموظفون الغرباء ثم الموظفون اليهود يبتلعون جزءا كبيرا من هذه الميزانية على غير ما حاجة فنية أو علمية، وثلث هذه الميزانية تقريبا ينفق على الحراب التي تحمي المشروع الصهيوني. الذي يعتبر بحق أفظع مشروع سجله التاريخ في أعظم حوادثه وظروفه
2 -
وعلى الرغم من أن الخبراء الإنجليز قد أثبتوا بالأرقام التي تدحض أن الأراضي العربية لا تكفي الآن أهل البلاد العرب لمعيشتهم وحاجاتهم وعلى الرغم من زيادة التناسل العظيمة زيادة جعلت تتحول إلى مشكلة خطيرة هائلة في المستقبل القريب بسبب عدم كفاية الأرض للعرب وعلى الرغم من تعالي الصرخات بوجوب وضع تشريع يمنع انتقال أراضي العرب لليهود، حماية للكيان العربي من الانهدام والفناء لا تزال السلطة الإنجليزية لاهية عن ملاقاة هذا الخطر ولا يزال اليهود يغتنمون فرصة الإملاق الذي أصيب به العرب، من جراء سياسة الاستعمار فيقتطعون المساحات الواسعة من الأراضي العربية حتى أحدق الخطر الهائل بكيان العرب إحداقا شديدا.
3 -
وإنه فوق البطالة الضاربة أطنابها في البلاد وانسداد الرزق أمام آلاف العرب الراحلين لا تزال السلطة الإنجليزية فاتحة باب الهجرة على مصراعيه لدخول شذاذ الآفاق اليهود، مما أدى إلى استفحال أمر البطالة ودفع العرب إلى كسب قوتهم، هذا إلى ما تسرب إلى هذه البلاد من المبادئ الاجتماعية الخطيرة كالشيوعية والإباحية والإلحاد مما يحمله أولئك الشذاذ وبدت آثاره وظهرت شروره.
4 -
ولقد كان من جراء هذه السياسة الاستعمارية أن أرهق الأهلون، بالضرائب الفادحة، فأصبح يصيب النفس ضعف ما يصيب أختها في البلاد العربية الأخرى أو أضعافه. ولقد كان قانون الويركو أسوأ مثل قدمته هذه السياسة. بتطبيقه على ما قبله، ولجعل الضريبة خمسة عشر بالمائة. وقد كانت ضرائب العشر وضرائب المواد الغذائية والحاجات الضرورية من أكبر الضربات التي رفعت أسعار المعيشة وجعلت الأهالي على حافة الإفلاس، وكانت عاملا من عوامل الإضرار للخروج على الأراضي لليهود، هذا إلى الأزمات الاقتصادية الخانقة، التي لم تتقدم هذه السلطات إلى معالجتها وتفريجها بوسيلة من الوسائل الناجحة.
5 -
وها هي البلاد تقاسي اليوم أزمة شديدة في التعليم، وها هم أبناؤها يتسكعون في الأزقة محرومين من دور العلم، بينما إدارة المعارف وغيرها مكتظة بذوي الرواتب الكبيرة الذين ليس للبلاد من حاجة إليهم إلا رغبتهم في استدرار الوظائف والمرتبات من الإنجليز ومحسوبيهم، وذلك من عرق جبين الأهالي البائسين. وقد كان من جراء هذا الإهمال أن حرم خمسة أسداس الأولاد الذين هم في سن الدراسة من المدارس، الأمر الذي يسجل به أكبر عار على السلطة الإنجليزية القائمة في البلاد.
6 -
وقد عمدت هذه السلطة إلى وضع مشروع لقانون المعارف تريد به أن يتشرب أبناء الأمة روح الولاء لسلطة صبت على بلادهم أنواع العذاب وحكمتهم بالحديد والنار وهيأت لهم أسباب الفناء والدمار.
7 -
وكذلك وضعت مشروع قانون للمطبوعات أرادت به كم الأفواه وتحطيم الأقلام والتهديد بالجزاء الصارم لكل من تحدث له نفسه أن يرفع الصوت بالدفاع عن حقوق الأمة والبلاد عن طريق الصحافة .
8 -
وقد سيطر على التشريع والإدارة في هذه البلاد أناس غرباء عنها لا يفهمون روحها ولا احتياجاتها وتقاليدها فأمعنوا في سن القوانين الغريبة المتناقضة مع مصلحة الأمة واحتياجاتها وروحها.
كل ذلك وهناك من أبناء الأمة من لا يزال يتطوع لتوطئة مناكبها للاستعمار وترويضها على الأساليب الاستعمارية وبث روح الاستخذاء للسلطة واعتبارها ذات الصفة الشرعية في البلاد، وهناك أيضا من لا يزال يتزلف إلى السلطات الاستعمارية فيشترك في لجانها ويتنعم بحفلاتها ومآدبها ويساعد على الحفاوة بممثليها وهذا إلى أولئك الأبناء العاقين الآخرين الذين هم حرب على أمتهم وبلادهم باجترامهم جرائم السمسرة والجاسوسية ومساعدة السياسة الاستعمارية والغزوة الصهيونية على بلوغ الوطن والتضييق على خناق الأمة والقضاء الأخير عليها.
إن حزب الاستقلال العربي الذي يرى كله هذا بعين تقطر دما وقلب يتقطع أسى يبتغى أن تجدد الأمة أملها وألا تستسلم إلى القنوط، لأنه يعتقد بقوة روح هذه
الأمة الجبارة وعقيدتها الاستقلالية ومقتها للأساليب الاستعمارية وأعوانها. وأنه استمدادا من هذه الروح القروية الفياضة يعلن أن البلاد لم تعد تطيق هذه السياسة الاستعمارية الناشئة التي فشلت فشلا شائنا وأفلست إفلاسا يسجل به أكبر الإثم والعار على القائمين بها وإن من حق هذه الأمة العربية أن تتمتع بحريتها واستقلالها في بلادها وأنها لن ترضى عن ذلك بديلا.
وأنه وهو مؤمن كل الإيمان بهذا الحق ويعتقد كل الاعتقاد في اعتصام الأمة بعقيدتها الاستقلالية يدعو كل عربي في هذه البلاد إلى تجديد العهد للكفاح ضد الاستعمار وأساليبه وضد الصهيونية وغزوها وضد الخائنين من أبنائها بكل قوة وثبات وعزم وإيمان. ويدعو كل عربي ليعلن معه أن هذه البلاد لن تطمئن على حياتها وكيانها إلا إذا منع بيع الأراضي لليهود منعا باتا واقفل باب الهجرة اليهودية أقفالا تاما واستلم أبناء البلاد الحكم ونالت استقلالها التام، متحدة مع البلاد العربية الأخرى. يا أهل فلسطين لقد جد الجد وسارت الركبان. فأين أنتم من إخوانكم أبناء البلاد العربية كنتم في المقدمة فما بالكم تأخرتم؟ أين قضيتكم من قضاياها؟ ارجعوا بها على الأعقاب فابدءوها قضية فلسطينية استقلالية لا لين فيها ولا هوادة. الوطن وطنكم وشرف الأمة العربية بين أيديكم. فاحفظوا الأمانة وصونوا الكرامة وليستشر كل عربي قلبه وليعمل واجبه. أما الوطن فباق وأما الأفراد فزائلون فلنتعاهد على الجهاد في سبيل الحرية والوحدة العربية. يوم 2 نوفمبر عار أبدي. ويجب على كل عربي أن يجاهد ليمحوه من سجل التاريخ والسنين. ولتحيى سوريا الجنوبية عربية حرة مستقلة".