المغتربون في ضوء التطورات الإقليمية
الإغتراب ليس جديدا ً في تاريخ الشعوب ، فمنذ القدم هاجرت جماعات إلى دول مختلفة ، و الأسباب مختلفة ايضا ً، بعضها اختياري و الآخر قسري ، بعضها سياسي ، ديني ، اقتصادي ، وربما يكون الاغتراب له معنى غير اللجوء الذي يكون بسبب الكوارث ، و هنا نحن في الأردن نلمس ذلك في بنية مجتمعنا ضمن فسيفساء كونت هذا الواقع المندمج و المتجانس لغة و عقيدة و تاريخا ً و عادات.
ما أتحدث عنه اليوم هو ابناؤنا الذين اغتربوا في العالم ومنه دول الخليج ، بحثا ً عن الرزق ، و ساهموا في قطاعات التعليم و الصحة و البنية التحتية ، ما لا ينكره اهل تلك البلاد.
كانت سنينا ً فيها الضرع مليء بالحليب ، و الكل قادر على ان يشرب منه و البلاد بحاجة ، الظروف الدولية و الإقليمية الآن تغيرت و اجتمعت ضاغطة على اقتصاد تلك الدول ، ناهيك عن تعليم ابنائنا ومن حقهم ان تكون لهم فرص عمل في بلادهم.
نحن هنا في الأردن وربما كما هو في مصر و سوريا و لبنان و بنسبة أقل المغرب العربي ، تأثرنا اكثر من غيرنا بالنتائج مقارنة بعدد السكان ، لدينا في السعودية و حسب الأرقام المعلنة ( 400 ) اربع مئة الف فرصة عمل في القطاعات المختلفة يتم تحويل ما مجموعه مليار و اربعمئة مليون دولار سنويا ً إلى الأردن كحوالات مغتربين و ايضا ًحسب الأرقام المعلنة.
وفي نفس السياق لدنيا ما يقارب هذا العدد في كل من الإمارات و البحرين و قطر و عُمان ، و أحيانا تكون الأرقام أقل و في العموم لدينا اكثر من ستمئة الف فرصة عمل يعيلون كما ً من الأسر ، تقول التقارير إن كثيرا ً منهم لم يستلموا رواتبهم لمدة تزيد على ستة شهور في القطاع الخاص ، و أن عملية الإحلال مستمرة في القطاعات الحكومية.
لدينا وزارة تتبعها تسمية ( شؤون المغتربين ) ، وكنت قد طالبت بإنشاء وزارة خاصة للمغتربين، لإن اعدادهم و ثقلهم الإقتصادي و مشاكلهم يحتاج الى تفرغ و استراتيجية و متابعة.
من المفروض ان سفاراتنا تقوم بمهمة المتابعة و المراقبة و تقديم صورة كماهي عن الواقع وسيناريوهات المستقبل، و من المفروض ايضا ً ان لا تكون إدارة الازمات فقط خاصة بلون معين من الأزمات فالقادم الكبير بالنسبة لنا، ما هي الخطط المستقبلية لهؤلاء الناس في ظل بطالة و فقر هما عنوان الرحلة منذ عقود ، ما هي الإجراءات الحكومية الاستباقية أولا ً لحل مشكلة هؤلاء الناس في مناطقهم ، و ثانيا ً في حالة حركتهم باتجاه موطنهم وهو أمر وارد في أي وقت ، ربما يقول قائل ( اللي فينا مكفينا ) ، هذا صحيح ولكن المشكلة تفرض نفسها و تحتاج إلى بحث و تقديم مقترحات للحلول في كل الإتجاهات ، نحن هنا نتحدث عن الاردنيين في منطقة الخليج تحديدا ً اما في باقي مناطق العالم فالأمر مختلف لأن نوعية العمالة و طبيعة العمل و الشركات و القطاعات الحكومية فيها استقرار لا يسمح باتخاذ قرارات خارج مؤسسة القانون.
نحن نقدم الشكر لاخوتنا في الخليج على استيعاب العمالة الأردنية التي اثبتت انها مخلصة و كفؤه و قادرة على التحمل و النهوض بالمهمات الموكلة اليها بشهادة اهل الإختصاص هناك ، و في الوقت نفسه ندعو إلى النظر ايضا ً في الواقع الإقتصادي في الأردن و دوره في تحمل الأعباء السياسية في ظل لهيب المنطقة مما يستدعي نظرة خاصة إلى العمالة الأردنية الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا ً.