قصة أقدم ساحات بغداد....
صادق الازدي:بغداد اليوم، الممتدة الضواحي شرقاً وغرباً..شمالاً وجنوباً..
بغداد هذه لم تكن تمتد الى ما هو اكثر من باب المعظم حتى الباب الشرقي، ومن نهر دجلة الى باب الشيخ حتى الشيخ عمر، هذا في جانب الرصافة، اما كرخ بغداد فكان يمتد من الجعيفر حتى الشواكة طولاً.. ولايزيد العرض على العلاوي ، وما جاورها!
وبغداد العشرينيات والثلاثينيات عرفت بعض الساحات ذات الاشجار واقدم تلك الساحات ذات الاشجار، كانت تقوم في منطقة الميدان مقابل جامع الاحمدي، فقد كان الميدان من اشهر معالم بغداد في اواخر العهد العثماني واوائل العهد الملكي..
وقد اقيمت في الميدان نافورة ماء يتجمع الماء المندفع منها في حوض اسمنتي اسفلها، وكان ذلك الحوض يقع مقابل مدرسة المأمونية الابتدائية، «وكانت تقع في مدخل محلة البقجة»...
ويقع خلفها مباشرة المدفع العثماني القديم المشهور باسم «طوب ابو خزامة» وكانت النسوة البغداديات يزرنه ومعهن اطفالهن المرضى، ويوقدن الشموع عنده، ويعلقن قطع القماش به. فقد كان الاعتقاد السائد يومذاك ان المدفع له «كرامات»، وقد نقل فيما بعد الى الباب الوسطاني في الشيخ عمر عندما اقيم المتحف العسكري هناك، ونقل مرة ثانية ليوضع في الحديقة التي قامت مقام الحوض السابق ذكره عندما نقل المتحف الحربي الى المبنى الذي يحتله اليوم قصر الثقافة والفنون، وقد وضعت لوحة تنبه الناس الى مكان المتحف، ونقل مرة ثالثة بعد ان نقل المتحف الى مكان جديد، وتقوم اليوم حديقة وسطية صغيرة في المكان الذي كان فيه المدفع – طوب ابو خزامة-!
منطقة الميدان..
وكانت منطقة الميدان معروفة جدا بالنسبة لسكان بغداد.. ومعظم الذين يزورونها من سكان المحافظات ، ذلك ان جميع الملاهي البغدادية كانت تقوم في المنطقة.
وكذلك «البارات» والمقاهي والفنادق، قبل ان تنشب الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، صارت الملاهي تنتقل سلفاً الى اماكن اعدتها لها امانة العاصمة، وهي من المحلات الصيفية المكشوفة، وكانت تقوم في «حديقة المعرض» بباب المعظم، وقد حلت بمكانها بنايات بعض الدوائر، وظلت الملاهي تحل فيها صيفاً وتعود الى اماكنها شتاء بعضها في الميدان وبعضها الاخر صارت تحتل اماكنها الجديدة في الباب الشرقي.
وقد صارت كلها في ذلك الجزء من بغداد وبعضها انتقلت ابعد من ذلك! ولكن ذلك تم خلال سنوات.
حديقة ثانية!
وبعد ان أزيلت بعض الدور وقامت مكانها محطات بدايات انطلاق حافلات نقل الركاب العامة، قامت امامها من ناحية شارع الرشيد حديقة وسطية، استقرت على وضعها الراهن بعد تغييرات جمة..
حديقة جسر الاحرار
ويقوم هذا الجسر الحديدي حيث كان يقوم «جسر مود».. وهو الجسر الذي انشأه الانكليز في بغداد بعد احتلالهم لها، وكان في بغداد كلها جسرها الذي كنا نسميه «جسر العتيك» تمييزاً له عن الجديد، ولما تم بناء الجسر الحديدي قبيل الحرب العالمية الثانية، انشأوا حديقة صغيرة امام مدخله لغرض تنظيم مرور وسائط النقل المقبلة من الكرخ الى الرصافة عبرذ لك الجسر.. وقد تم زرع نخلتين فيها شاهدناهما وهما ليستا غير فسيلتين وهما الآن من النخيل العائطة!!
ساحة الباب الشرقي
وكما ان ساحة الميدان تعود الى بداية القرن الحالي فكذلك ساحة الباب الشرقي التي تعود الى اوائل الثلاثينيات وقد اقيمت بعد ان انشأت امانة العاصمة يومذاك «حديقة غازي» التي صار اسمها فيما بعد «حديقة الامة»، وقد قامت الحديقة على ارض منخفضة كانت عربات «الزبل» تلقى فيها حمولتها!..
مقابل تلك الحديقة كانت تقوم «الكنيسة الانكليكية» في بناية قديمة هي من اجزاء سور بغداد. فتم هدمها عند فتح شارع غازي الذي اسمه اليوم شارع الخلفاء فاقامت حديقة وسطية –ساحة – وبعد اجراء التغيرات التي تلت اقامة جسر الباب الشرقي الحديدي حصلنا على ساحة ، ما لبثت ان تحولت الى نفق للسيارات.
أقدم عمارة!
وكانت عمارة مرجان هي اول عمارة تقام في الباب الشرقي وتقابل حديقة الامة وتطل عليها كما تطل على تمثال عبد المحسن السعدون الذي نقل الى مكانه الحالي من مكانه الاول الذي صار شارعا تقف على جانبيه حافلات نقل الركاب العامة.
ساحة باب المعظم /1918
كانت بغداد في اواخر القرن التاسع عشر شحيحه بالطرق ولم يكن فيها شارع بمعنى الكلمه عدا ما اصابها في مطلع القرن العشرين من جادة خليل باشا( شارع الرشيد ) وتطويره لاحقا بعد الاحتلال الانكليزي..
وفي جانب الكرخ لم يكن هناك سوى طريق السكه الذي يحتوي على سكة حديد ( الكاري) التي تربط منطقة جسر الكطعه ( جسر الشهداء حاليا ) ومدينة الكاظميه وعندما بدأت حملة الاعمار الشحيحه في بداية الربع الاول للقرن العشرين...
اي بعد اعلان الحكومه العراقيه وتنصيب فيصل الاول ملكا على العراق بدأت بوادر نهضه عمرانيه استمرت الى القرن الحادي والعشرين مع الكثير من التوقفات والاخفاقات نتيجة التغيرات السياسيه ..
ومما يستحق القول فأن مجلس الاعمار الذي انبثق في 25 نيسان 1950 وباشر اعماله في عام 1952 - 1953 وتخصيص ميزانيه تعد الاكبر في تاريخ العراق في حينه وهي 70% من واردات النفط لغرض الاعمارو 30% للاغراض العامه للدوله ووضع هدف ان تكون بغداد الرابعه عالميا في عام 2000 ضمن (مشروع بغداد 2000 ) ...
ولم يتحقق الهدف لاسباب ليس هنا مجال بحثها ومن هذه المشاريع الكثيره التي انجزت في حينها مثل جسر الملكه عاليه ( جسر الجمهوريه ) وشارع الملكه عاليه ( شارع الجمهوريه )...
وقد انجز الجسر عام 1957 وافتتح من قبل الملك الراحل فيصل الثانيوتبعه شارع الملكه عاليه الذي سمي لاحقا بالجمهوريه ثم تم تعديل الاسم في مطلع السبعينات الى اسم شارع الخلفاء وسبب ذلك وجود اقدم جامع للخلفاء العباسيين فيه وهو جامع الخلفاء الذي شيد في عام 908 م ويعد من اقدم الجوامع في بغداد ..
ظهرت الحاجه ملحه بعد الحرب العالميه الثانيه وتطور الاقتصاد العراقي والحركة التجاريه النشطه الى توسيع المنطاق التجاريه وكانت الفكره شق طريق موازي لشارع الرشيد الذي ازدحم تجاريا واصبح مختنقا وغير قادر على الاستيعاب ووضعت التصاميم من التصميم الاصلي لمدينة بغداد الذي وضعته الشركات البولونيه التي كانت مشهوره في مجال تخطيط المدن ..
يبدأ الشارع من الباب المعظم ويسير بموازات شارع الرشيد من بدايته الى نهايته ويلتقي مع شارع الرشيد في ساحة الميدان بطريق رابط يقع بجانب وزارة الدفاع وسوق الهرج ويستمر الى ساحة الامين ومنها متفرع الى شارع الرشيد ثم متفرع آخر الى منطقة الفضل والعوينه...
ويخترق سوق الشورجه حيث شطرها الى قسمين على اليمين سوق العطارين وعلى اليسار سوق الغذائيه والبعض يسميه سوق البسكت وفيه علاوي الخضروات والفواكه قبل نقلها الى جميله ,, ويستمر الى ساحة الخلاني ومنها فرع يربط مع شارع الرشيد ...
وفرع آخر مع مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله ومن هذه الساحه يستمر الشارع الى ساحة الملكه عاليه والتي سميت باسمها عندما اقيمت مراسم العزاء بوفاتها حيث نصبت السرادق الخاصه بالمعزين وهنا ينتهي شارع الخلفاء امام شبكه من الطرق حيث يرتبط مع شارع الرشيد عن طريق متفرع يؤدي الى شارع الرشيد وعلى اليسار الى شارع ابو نواس عند محلات جقمقجي .
ومن الجهه الاخرى الى شارع سينما دار السلام المؤدي الى شارع الشيخ عبد القادر الكيلاني ثم افتتح شارع فرعي يؤدي من ساحة ( الحصان ) الى ساحة الخلاني ..
اعتبر شارع الجمهوريه من اكثر الشوارع اهمية من الناحيه التجاريه وتحولت الكثير من الفعاليات التجاريه اليه من شارع الرشيد وساعد في ذلك لاحقا افتتاح شارع السعدون واشغاله بالنشاط التجاري ايضا ,,
اسم الشارع تغير كما ذكرنا والمفارقه ان اسم شارع الجمهوريه موجود في جميع محافظات العراق وتحمل الشوارع اسم شارع الجمهوريه ,,
الشارع بعد ان نال حظه من التخريب والاهمال اصبح اليوم لايسر الناظرين وتتكاثر فيه البسطيات العشوائيه والتجاوزات على ارصفته وحدائقه القليله ولم يسلم حتى جسر المشاة من هذه التجاوزات والنفايات لها قصه اخرى وهي لايمكن وصفها لان الشارع ينتج نفايات تعادل اكثر من عشرين منطقه سكنيه وخاصة من الورق والكارتون والاكياس والزجاجات وغيرها اضافة الى الازدحامات المروريه للمشاة والسيارات والصور التي يلتقطها البعض تشير الى ذلك بشكل واضح ..
لايعتبر شارع الخلفاء استثناء من العام الذي يشمل كل بغداد ومرافقها وشوارعها ومنتزهاتها والتي وصلت الى حد من البشاعه تبكي من احبها وعاش ايام عزها وجمالها ..
دَمعٌ لـبـغـــداد .. دَمعٌ بالـمَـلايـيــن ِمَن لي بـبـغــداد أبـكـيـها وتـبـكيـني ؟
مَن لي ببغداد؟..روحي بَعدَها يَبـسَـتْ وَصَوَّحـتْ بَعـدَها أبـهـى ســناديـني
عـدْ بي إلـيهـا.. فـقـيرٌ بَعـدَها وَجـعي فـقـيـرَة ٌأحـرُفي .. خـرْسٌ دَواويـني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِـذ َتي وَعـشـشَ الحُزنُ حتى في رَوازيـني
والشـعرُبغـداد, والأوجاعُ أجمَعـها فانظـرْ بأيِّ سـهـام ِالمَوتِ تـرميني ؟!
عبد الكريم الحسيني