تطبيع ملزم بأموال عربية
دكتورة ميساء المصري
على الرغم من مرور أكثر من سبعين عاما على تأسيس كيان الإحتلال ، ما زالت مشروعيته غير مكتملة على المستوى الإقليمي والدولي , لكن قديما كان لدى الصهاينة الأوائل الكثير من الإرادة والقليل من الوسائل والأدوات لتحقيق أهدافهم ، ومع ذلك فقد غيروا مسار التاريخ الصهيوني. واليوم يمتلك الكيان وسائل إغتنام الفرص، وكذلك الوسائل المتاحة التي وصلت الى تجار البشر وتجار الديانات وتجار الأوطان وقيادات مطيعة , فما الممكن حصوله وتحقيقه؟؟.
في كتابه الشهير “الشرق الأوسط الجديد” تحدث شمعون بيريز عن إقامة تعاون صهيوني مع كل دول الشرق الأوسط، وتحدث كذلك الملك المغربي الراحل الحسن الثاني عن “تعاون العبقرية اليهودية مع المال العربي”، بالمقابل مهد بعض الحكام العرب الطريق لسيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة بطريقة ناعمة جدا، وبتعبير آخر إعادة تكرار التقسيم والإستعمار من جديد .
ومن هنا ياتي (اتفاق ابراهيم ) في ظل تداخل الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بل في ظل فوضى سياسية , جائحة كورونا ليس سوى غيض من فيض, والأزمة التركية اليونانية ,الضعف الدستوري والفشل الأقتصادي في لبنان وأزمة إنفجار بيروت , تصعيد الصراع الإيديولوجي مع الاخوان المسلمين , والقتل المستمر لليمن , تزايد الإحتراب الداخلي في العراق . أزمة السلطة في الرياض , وركود سوريا كدولة فاشلة , صناعة العدو البديل الإيراني , وإفتعال الحرب الليبية الطويلة الأمد, وصراع أجندات في تونس , ناهيك عن المشاكل الإقتصادية المستفحلة والتي ستصل ببعض الدول العربية الى حد الإفلاس .ومن يمارس دور البطولة في هذه الفوضى هو فاعل واحد .
وبعيدا عن أصحاب السلام الدافئ في مصر والأردن وموريتانيا . نأتي الى متاهات تفاصيل السلام الوهمي الذي لم يتضمن أي تنازل إسرائيلي مقابل التطبيع الكامل ، وفضح نتن ياهو للاتفاق فيما يخص ضم الضفة الغربية بأنه عملية (تأجيل) وليس (إلغاء ) بمعنى اللعب على وتر الوقت والإستفزاز والإستغلال السياسي للأطراف المعنية بالضم ..وبذلك أسقط لأول مرة في تاريخ الإتفاقيات العربية الإسرائيلية مبدأ الأرض مقابل السلام . ليصبح الأمر في مقصده التنازل عن الأرض والحقوق مقابل السلام الوهمي بمعنى أن معالم الشرق الأوسط الصهيوأمريكي الجديد بدأت تتضح ..
وربما هنا نصدق ان انفجارات بيروت نقطة مركزية لخضوع لبنان ، ونزع سلاح حزب الله ، والقبول بإتفاقيات ترسيم الحدود المعدة سلفاً داخل الإدارة الأمريكية لصالح كيان إسرائيل من ضمن هذه المعادلة السلامية .
المؤلم أجماع الشارع العربي العاجز فاقد الصلاحية ان“اتفاق السلام” هو بإختصار فرصة لإستثمار إنتخابي متبادل بين نتنياهو وترامب وبوليصة تأمين حياة للطرف الأخر وتغيير القيادة الفلسطينية وهو بوابة لتصعيد العنف القادم في غزة , ويأتي كحسم لتنافس عربي-عربي للهرولة نحو تل أبيب , ولتبرير ردود أفعال القيادات العربية أمام شعوبها على قرار الضم المزمع .وبذلك أصبح كيان الاحتلال يوظف ويستثمر في التنافس العربي-العربي لصالحه ، وعلى أرضية أن هذه القيادات العربية هي من تحتاج إلى علاقة قوية وتحالف صلب وعلني مع الكيان , ثمنه تنحية القضية الفلسطينية و مواجهة وهمية ضد إيران ومؤخراً تركيا.
وحسب بعض المراقبين فإن خمسة عشر نظاماً عربياً لهم علاقات كاملة مع كيان إسرائيل، هذه الأنظمة التي أصبحت ترى في القضية الفلسطينية عبئاً يجب إنهاء ملفه بأي شكل كان , ولا نعرف من أعطاهم الحق والأهلية في تقرير هذا المصير .
وخلال هذه المهزلة التطبيعية سنجد أنفسنا أمام سيناريوهات ثلاث:
السيناريو الأول: دول التطبيع المعلن
يفترض هذ السيناريو إقدام بعض القيادات العربية على إعلان التطبيع الكامل علنا وبصورة متتابعة وسريعة ، امتثالاً للضغوط الصهيونية والأمريكية ، وهي في غالبيتها دول خليجية وستدفع في إتجاه تغيير المبادرة العربية للسلام ومقاربتها مع المبادرة الصهيوأمريكية وهذا معناه تسليم قيادة المنطقة للكيان الصهيوني، والسيطرة الإسرائيلية سياسياً على المنطقة على حساب الدول العربية وهو السيناريو الاكثر ترجيحا.
السيناريو الثاني: دول افشال التطبيع
هذا السيناريو يعتمد على دول قد تستغل شعوبها كأدة ضغط ضمن اللعبة أو على صحوة الشعوب العربية ورفضها للاحتلال والتطبيع؛ خاصة وهو يفتقد الشرعية الشعبية والإعتراف الشعبي لكونها ترى في كيان إسرائيل العدو الأول وفي القضية الفلسطينية القضية الأولى، كما هو خيار حركات المقاومة في الدول العربية فهل ستثور الشوارع العربية وتتحرك المقاومة أم ان السيناريو ضعيف لإنشغال الشعوب العربية بقضاياها الداخلية وممارسة القمع وتكميم الافواه من قبل السلطات الحكومية مما يجعل السيناريو ضعيف الأثر، لكن هذا الخيار سيلقى تأييداً إسلامياً كبيراً، على مستوى كثير من القيادات والشعوب الإسلامية غير العربية والتي قد تكون لها ردود مفاجئة.
السيناريو الثالث: دول التطبيع الكامل
وهي الدول العربية الحليفة للكيان والتي يتوقع أن تدفع قياداتها إلى إقرار شرعية التطبيع عبر الجامعة العربية، وتحت مظلة تحميها و تلزم الدول بالتطبيع .و لكن خيار التطبيع من كل الدول العربية يبدو مستحيلاً.
ومع كل ما تحمله هذه السيناريوهات يبقى العامل الأخطر في عملية التطبيع العلنية هو ان التحالف الإسلامي السني- الصهيوني معناه أيضا تصعيد دخول دول المنطقة كلها في حرب طائفية كبيرة جدا بين الشيعة والسنة من جديد، وإحداث فوضى، وربما تنظيمات ارهابية جديدة ستظهر, وستتفتت دول إلى دويلات صغيرة بسبب هذه الحرب الاهلية، ثم سيتم بعد ذلك إعادة الإستقرار بعد تفكيك المنطقة كلها إلى دويلات صغيرة تابعة للكيان الصهيوني الذي سيصبح هو الدولة الأقوى في المنطقة . وهو يذكرنا بإستراتيجات مشابهة لعبتها امريكا في افغانستان والاتحاد السوفياتي في خمسينيات القرن الماضي.
خلاصة القول بينما كان بارون إدموند روتشيلد يمول بذور الاستيطان بملايين الدولارات ، كانت السيادة – من أجل إنشاء – دولة الإحتلال – هي التي مكّنت القرى التي كفلها من أن تصبح مراكز إستيطانية كما هي اليوم.بمعنى كان بسط السيادة أهم من التمويل المالي . ويبدو ان ما واجهته الحركة الصهيونية قبل مائة عام أصبح سراب الآن خاصة مع توفر الأموال العربية التي سيترتب عليها هذا القرار. ومن هنا على أهل فلسطين الحذر من ملف التهويد وبيع العقارات ومباركة الوسطاء.