طاهر العدوان
٢٠١٧ عام اسرائيل وإيران
بوجود ترامب تستكمل اسرائيل تهويد القدس وضم الضفة ، وبوجود بوتين تستكمل ايران هلالها الفارسيطباعة
0inShareسقوط حلب بيد اتباع ايران يمثل تحولا استراتيجيا ليس في سوريا فقط انما في مجمل المشرق العربي والخليج واليمن ، فالحرب التي بدأها الأمريكيون والانجليز باحتلال بغداد في ٢٠٠٣ تقترب من مرحلة " تقسيم وتهجير الشعوب واعادة ترسيم الحدود " بعد ان تحولت حروب الداخل العربية ( الاثنية والطائفية ) التي أشعلها احتلال العراق الى نقطة استقطاب للدول الكبرى بالاضافة الى ايران وتركيا واسرائيل .
سقوط حلب هزيمة للثورة السورية وبهذا لن يكون هناك دور مؤثر لمن يمثلها ( الهيئة العليا للمفاوضات ) في تقرير مستقبل البلاد التي تحولت الى رقعة شطرنج تتقاسمها روسيا وامريكا وإيران وتركيا ، اما الدور الاسرائيلي وان كان رئيسيا ، فلن يكون ظاهرا الا عبر الوكلاء وهم هنا ( الأمريكيون والروس ) . لقد نجحت اسرائيل في تدمير ثورة الشعب السوري عندما احتوت التعاطف الدولي الذي كان قائما في البداية مع هذه الثورة ، وحولت جهود ال( ٥٢ دولة الصديقة الى الشعب السوري ) الى صفر ، عندما فرضت بضغوطاتها حضرا ( اوروبيا وامريكيا وعربيا) على تزويد المعارضة المعتدلة بالسلاح النوعي المضاد للطيران والدبابات فتُركت والمدن السورية ساحة سهلة للتدمير والتهجير والقتل بالصواريخ والبراميل المتفجرة .
اما سر سكوت تل أبيب وواشنطن على القواعد الصاروخية الروسية في سوريا وعلى التواجد العسكري الاستراتيجي الضخم فيها فهو للقناعة المشتركة بين بوتين ونتنياهو بان وجود الأسد ضمانة لامن اسرائيل ، فالنظام الذي لم يطلق رصاصة واحدة في الجولان لمدة ٤٠ عاما ، افضل من اي نظام قد يأتي في دمشق وتكون أهدافه تجاه اسرائيل في علم الغيب . لقد نشرت الصحافة العبرية اكثر من مرة تصريحات منقولة عن بوتين حول هذه النقطة . ولو كان النظام في دمشق نظام مقاومة وممانعة ضد اسرائيل وامريكا لحدثت ازمة عالمية بنصب الصواريخ الروسية الاستراتيجية في الساحل السوري . لكن ما حدث ويحدث وسيحدث في ظل هذه الصواريخ هو رسم خرائط جديدة للشرق الاوسط تكرس هزائم العرب ، وتجمع موسكو وواشنطن واسرائيل وإيران في ساحة معركة " تدمير الخطر الاسلامي السني " .
هذا الأسبوع ، نشرت الواشنطن بوست تحليلا لكبير المحللين السياسيين فيها جاء : ان حرب ترامب المقبلة ستكون ضد الاسلام حيث سيتبنى نهجا قوامه الصراع الحضاري وغايته عزل وإخضاع منطقة الشرق الاوسط والعقيدة التي يؤمن بها ، وتطلق الصحيفة على هذه الحرب التي بدأت منذ ١٥ عاما وصف ( المرحلة الثالثة الاشد حلكة في الشرق الاوسط) . المرحلة الاولى : كانت حرب بوش التي رافقتها مبادرة نشر الديموقراطية او " الشرق الاوسط الجديد ". المرحلة الثانية : أطلقها اوباما من القاهرة داعيا فيها الى الحوار واحترام الاسلام وحل قضية فلسطين . وتضيف الصحيفة بان الفشل كان من نصيب هاتين المرحلتين (بوش واوباما) .
وتستند الواشنطن بوست الى مقدمات المرحلة الثالثة ( حرب ترامب المقبلة ) من مواقف وتصريحات الفريق الذي اختاره الرئيس المنتخب ليعاونه في البيت الأبيض . .. ستيفن بانون ، الذي اختاره لمنصب كبير المستشارين والمخططين الاستراتيجيين ، دأب على الحديث " عن التاريخ الطويل من صراع الغرب اليهودي المسيحي مع الاسلام " وهو يستخدم نظرية المؤامرة لاستهداف المسلمين . وكانت وسائل الاعلام الامريكية قد اطلقت على بانون عدة أوصاف مثل ( غوبلز ) مشبهة إياه بوزير الدعاية النازي في عهد هتلر و بصوت العنصرية .
اما (مايكل فين )الذي اختاره ترامب ليكون مستشارا للامن القومي فقد وصف الاسلام "بانه سرطان وحركة سياسية تتنكر في ثوب دين " . وتختتم الواشنطن بوست " بان اسوأ ما يمكن تصوره ان ينجح ترامب في إشعال هذه الحرب ".
وآخر هذه التعيينات التي اتخذها ترامب في ادارته الجديدة تعزز ما ذهبت اليه الصحيفة الامريكية عن حربه المقبلة في الشرق الاوسط تسميته لرئيس شركة أكسيون موبل (ريكس تيلارسون ) وزيرا للخارجية وهو المقرب من الرئيس الروسي .
والسؤال : هل ستنجح هذه الحرب التي تتحدث عنها الصحيفة في اخضاع الاسلام ومعه الشرق الاوسط ؟.
سأحاول ان أتصور سيناريو لما ستكون عليه الأوضاع في العام الجديد الذي نقف على ابوابه .
١- سيزداد التعاون بين واشنطن وموسكو في سوريا ، من اجل استكمال الحرب على داعش وانهاء دولتها الإرهابية في الرقة والمناطق الشمالية الشرقية في سوريا . ٢- سيتعزز الوجود العسكري والسياسي لإيران في العراق وسوريا بالاضافة الى لبنان ، فالتحالف الجوي الامريكي الذي سيحسم معركة الموصل سيترك الارض العراقية لإيران وميليشياتها واتباعها بينما سيحتفظ الأمريكيون بسماء تلك البلاد !. ٣- ومثلما سيؤمن التحالف الجوي الامريكي لإيران السيطرة على ارض العراق فان التحالف الجوي الامريكي الروسي سيعزز الوجود العسكري الايراني على الارض في سوريا من خلال ما تبقى من جيش الأسد وحزب الله والميليشيات التابعة لطهران القادمة من العراق وافغانستان . ٤- ستعزز تركيا وجودها العسكري في شمالي سوريا بهدف منع قيام اقليم كردي يهدد وحدتها في المستقبل الا ان هذا سيصطدم بأهداف حرب ترامب المتوقعة ضد الاسلام السني وبحقيقة قيام امريكا بتقديم دعم عسكري وأسلحة للأكراد السوريين وآخره قرار الكونغرس تزويد قوات الحماية الكردية في سوريا بالسلاح النوعي . ٥- لان الارض السورية والعراقية ستكون تحت سيطرة ايران واتباعها تاركة السماء للطيران الروسي والأمريكي فان نصيب ايران من المرحلة الثالثة هو كما قالت الواشنطن بوست " بان ادارة ترامب ستبحث عن اساليب استعراضية للتصدي لإيران لكنها لن تفعل ذلك على الأرجح في المكان الأكثر اهمية الا وهو سوريا" .
٦- اما موقع اسرائيل من هذا السيناريو الذي أتصور حدوثه هو : ضمان استمرار وجود نظام في دمشق لا يطلق رصاصة في الجولان ل ٤٠ عاما اخرى . اعادة إنعاش خطط اسرائيل في احتواء ايران من خلال ادارة ترامب المعادية للاتفاق النووي مع طهران وتوجيه ضغوط امريكية قوية لدفع ايران على ضبط واحتواء سلاح حزب الله مقابل السكوت على نفوذها في بغداد ودمشق وبيروت وربما صنعاء . اما المكاسب الاخرى الأكثر اهمية ، فهي (١) استغلال مخاوف الدول العربية من التوسع الايراني للتركيز على ان الخطر الأكبر الذي يهدد العرب هو ايران وليست اسرائيل ، وهي المخاوف التي تلاشت بعد الاتفاق النووي . هذه المخاوف ستستغلها اسرائيل ايضا لاقامة علاقات تطبيع أوسع مع الدول العربية وعزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي (٢) تصعيد عمليات الاستيطان في القدس والضفة المحتلتين ، واستغلال نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة - اذا تم - لاضفاء شرعية دولية على تهويد القدس ، كخطوة لانتزاع هذه الشرعية على مستوطنات الضفة ، على طريق مخطط إلحاق الضفة الغربية المحتلة بإسرائيل في عام ٢.٢٠ وهو ما يتم التمهيد له بقرار الكنيست الأخير الذي أضفى الشرعية على المستوطنات .
بسقوط حلب يكون الوجود والنفوذ الفعلي على الارض هو لإيران ، من بغداد الى الضاحية الجنوبية في بيروت . فالعبادي والاسد ونصر الله والحوثي في صنعاء ليسوا الا مجرد( فيلة ) في التوسع الجديد لإمبراطورية كسرى المقبلة بهلالها الفارسي و عاصمتها بغداد . كما سبق واعلن (علي يونسي) مستشار الرئيس روحاني بان " ايران اليوم امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد مركز حضارتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي ".
بالتأكيد الصورة سيئة وهي نتاج تدهور سياسي وعسكري لم يتوقف عن الانحدار منذ سقوط بغداد بغطاء عربي ، لكن هذا ليس نهاية المطاف ، فحرب ترامب ومرحلته الثالثة ان حدثت سيكون مصيرها نفس مصير المرحلتين السابقتين ، إشعال المزيد من نيران الحروب التي ستعمل ايران على تأجيجها بما يخلق صفوفا جديدة من الإرهابيين ، وكما تتنبأ الواشنطن بوست فان الخاسرين من هذه الحرب على الاسلام لن يكون الإرهابيون السنة ولا ميليشيات ايران ، انما المواطنون العرب والمسلمون العاديين . وانه لمن سوء طالع شعوب الشرق الاوسط بل شعوب العالم كله ان يصل الى البيت الأبيض حاكم متعطش لاثارة الفتن والحروب لينضم بذلك الى القيصر الجديد في موسكو ، الذي أشعل نارا في أوكرانياالشرقية والقرم وجورجيا وسوريا ، فيما يتراجع دور الامم المتحدة في القدرة على الحفاظ على سيادة الدول والوقوف مع حق الشعوب في تقرير مصيرها الى جانب الفشل الذريع لمجلس الامن في اقرار الامن والسلم الدوليين .
هذه هي الصورة الكارثية لما تحتويه الملفات الامريكية والروسية والايرانية والاسرائيلية تجاه مستقبل العرب أمة وارضاً ، اما ما يتبقى في ملف هذه الامة من إمكانات وقدرات لمواجهة هذه المخططات ، فلا غير الاستنجاد بقدرات التاريخ ودروسه وعبره ، التي اكدت بان الأحداث الكبرى والتحديات الخطيرة التي تمثلت بالغزوات والمؤامرات والخيانات لم تستطع ان تُخضع هذه الامة للغزاة والمحتلين والمستوطنين . التحديات التاريخية التي واجهتها من الأعداء والمحتلين خلقت دائماً بين صفوفها حالة من الاستجابة والنهوض والانتصار عليها . لقد تكسرت على هذه الارض سيوف وجيوش لامّم وامبراطوريات سعت بكل جبروتها الى القضاء على اللسان العربي والهوية العربية ، فالهوية الإيرانية مكانها ليس في بغداد انما في طهران حتى لو اجتمعت كل فيلة كسرى على قصعة العرب ومعها زحف قبائل اسرائيل المزيفة والمندثرة .