خمسون عاماً، سبعون عاماً...كفى للإحتلال
د. مصطفى البرغوثي
بحلول عام 2017، تقترب فلسطين من الذكرى الخمسين لإحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان. وفي العام التالي سيكون قد مر سبعون عاماً على حلول النكبة التي ترافقت مع هدم 400 قرية فلسطينية وتهجير ثلثي الشعب الفلسطيني عن مدنهم وقراهم.
خلال تسعة عشر عاماً بين عامي 1948 و 1967 إحتلت اسرائيل كامل أراضي فلسطين. وكرست نظام الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، وبنت منظومة الأبارتهايد (التمييز العنصري) الأسوأ في تاريخ البشرية.
وخلال هذه السنوات خاض الفلسطينيون المعركة تلو الاخرى وصنعوا أسطورتي مقاومة وصمود وتعلموا من تجربة 1948 فأتقنوا التجذر في أرض وطنهم خالقين عنصر الفشل الرئيسي للمشروع الصهيوني الرامي لنهب الأرض وطرد أصحابها.
من ثورات الخمسينات، وإسقاط حلف بغداد الى مقاومة احتلال غزة عام 1956،الى إنطلاق الثورة الفلسطينية الى معركة الكرامة مروراً بأحداث أيلول الى الصمود المتواصل في وجه غزوات اسارئيل على لبنان الى هبات السبعينات في وجه الاحتلال إلى الإنتفاضة الكبرى عام 1987 مروراً بالإنتفاضة الثانية وتباشير الثالثة، صنع الشعب الفلسطيني مآثر كفاحية جعلت قضيته قبلة الأحرار والمناضلين والمظلومين في العالم كله.
ساند الفلسطينيون ثورة الجزائر، وكانوا الى جانب الشعب الاردني والسوري والمصري واللبناني في وجه اسرائيل، ودعموا نضال شعب جنوب افريقيا بقيادة مانديلا، وحاولوا ان يتعلموا من تجربة فيتنام.
وكثير من الشعوب ظنت أن إنتصارنا سيسبق إنتصارهم.
ومنذ عام 1967 نفذت اسرائيل ما يقارب من مليون اعتقال وأسر ضد الفلسطينيين والفلسطينيات وقتلت وجرحت عشرات الآلاف، وهجرت مئات الآلاف المرة تلو الأخرى. ولم تبق عائلة لم تقدم شهيداً أو جريحاً أو أسيراً أو أكثر.
صان اللاجئون مفاتيح بيوتهم التي هجروا منها كأنها أثمن ما يملكون، ولم يتركوا شبر تراب في مخيمات لجوئهم إلا وزرعوه بدالية أو شجرة رمان أو زيتونة تذكرهم بالأرض التي فقدوها.
وجاب الشباب الفلسطيني كل العالم، بنوا مدارس ومستشفيات وعيادات ووزارات في بلدان أشقائهم على أمل أن يبنوا يوماً مثلها في بلدهم.
وفروا القرش فوق القرش ليعلموا أبناءهم وبناتهم في أحسن الجامعات وجعلوا من التعليم وطنهم المتنقل بدل وطنهم المفقود.
عانوا وما زالون الأمرين في المطارات والمعابر وعلى الحدود، وتحملوا ما لا تحتمله الجبال من ظلم وقسوة، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، لكنهم لم يفقدوا إيمانهم بقدرتهم على الصمود والانتصار.
بالغوا في ثقتهم بالعالم، وبالسياسيين فخدعوا بمفاوضات وإتفاقات بائسة حاولت أن تسلب منهم بالحيلة ما فشلت القوة في سلبه لسنوات.
عانوا من صراعات وخلافات قادتهم المرة تلو الأخرى، فصبروا عليهم، حتى صار للصبر مرارة العلقم.
ومع كل ذلك لما يطأطؤا رؤوسهم، ولا حنوا هاماتهم، ولا فقدوا إصرارهم على نيل حريتهم الحقيقية وصون كرامتهم وتحقيق عودتهم واستقلالهم.
واليوم مع اقتراب ذكرى خمسين عاماً على الاحتلال وسبعين عاماً على النكبة ،وقبل أيام من نهاية العام حققت فلسطين انتصارا مدويا في مجلس الأمن رغم أنف نتنياهو و ترامب وكل من تعاون معهم. و أثبت قرار مجلس الأمن ما قاله نيلسون مانديلا مرارا و تكرارا بأن فلسطين هي قضية الإنسانية الأولى في عصرنا ولا إكتمال لحرية أحد الا بحرية الفلسطينيين.
ولم يكن نتنياهو هو المهزوم فقط بل هزم كل ما حاولت الحركة الصهيونية زرعه من يأس و احباط في صفوف الشعب الفلسطيني.
واذا كان هناك من عبرة تلهمها كل هذه السنوات، فلعلها حكمة الانتفاضة الأولى التي تقول "ما حك جلدك مثل ظفرك". ولا حل سوى الإعتماد على النفس وتغيير ميزان القوى بالمقاومة والصمود والإرادة والوحدة، وبتجاوز كل من، وكل ما، يعيقنا عن الوصول بدرب النضال الى نهايته الطبيعية التي حققتها شعوب العالم المناضلة من أجل الحرية.
أحد الأصدقاء الأجانب قال لي ان من سوء حظ الحركة الصهيونية انها استهدفت واصطدمت بالشعب الفلسطيني دون الشعوب الأخرى.
ولعله كان يشير إلى عنادنا كشعب في الإصرار على حقوقنا رغم المعاناة.
لكن 50 عاماً تكفي و 70 عاماً أكثر من أن تكفي.
وقد آن الآوان لنقلب المسار.