الدولة السعودية الثالثة
معركة الدلم
نجح عبدالعزيز آل سعود في ربيع الأول
1320هـ-
يونيو 1902م في إنهاك جيش ابن رشيد بالمناورة والتحرك السريع في كل الإتجاهات، مما أوقع ابن رشيد في أزمات على جميع الأصعدة مما أنهك قواة وبالتالي أنزل به هزيمة في السليمة فرحل ابن رشيد لعدم قدرته لمواجهة الهجمات التي كان يقوم بها عبدالعزيز إلى الشمال، هذا الإنتصار حفز الملك عبدالعزيز إلى توسيع إستراتيجيته وهي الإنتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم وقد أخذ هذه الإستراتيجية بعد أزمة العلاقات بين ابن رشيد وأمير الكويت التي أدت بابن رشيد لمحاصرة الكويت، فاستنجد الشيخ مبارك الصباح بالملك عبدالعزيز فسار إليه على رأس جيش كبير ولكنهما لم يلتحما مع ابن رشيد الذي لجأ إلى المناورة والزحف على الرياض التي صمدت لهجومه.
كان هذا الانتصار لابن سعود مشجعاً لأهالي المناطق، الواقعة شمال الرياض على التمرد على ابن رشيد، مما سهل على الأمير عبدالعزيز بن سعود ضمها إلى حكمه. فانتفضت شقراء ضد أميرها من قبل ابن رشيد، عبدالله الصويغ. وأخرجه أهلها إلى ثرمداء، وأعلنوا ولاءهم للرياض. وحاول عبدالعزيز بن رشيد، أن يستميل أهل شقراء، فلم يفلح. ولجأ إلى إخضاعها، بالقوة، وحاصرها، فلم يتمكن من دخولها، ثم رحل عنها إلى الغاط.
وتوجه الأمير عبدالعزيز بن سعود إلى شقراء ودخلها. وبعث سرية إلى ثرمداء، بقيادة عبدالله بن جلوي، سيطرت عليها. ونجحت سرية أخرى، أرسلت إلى روضة سدير، بقيادة أحمد السديري، خال الأمير عبدالعزيز، في السيطرة عليها، وأخرجت حامية ابن رشيد منها. وتوالى دخول بلدان سدير تحت حكم آل سعود، إلاّ المجمعة، قاعدة ذاك الإقليم، التي بقيت تابعة لابن رشيد وموالية له.
وبحلول شهر ربيع الأول من سنة
1321هـ -
يونيو 1903م، كان الأمير عبد العزيز آل سعود، قد تمكن من توحيد أقاليم الوشم، وسدير، والمحمل، والشعيب. وقد كانت الأعمال العسكرية في تلك المناطق، موجهة، في الأساس، ضد حاميات ابن رشيد لأن أهلها، كانوا ميالين إلى حكم آل سعود.
الاستيلاء على القصيم
القصيم هي البوابة، التي عبرت منها قوات محمد علي باشا، إلى قلب
نجد، وقضت على
الدولة السعودية الأولى. وكانت ممراً للقوات، التي قدمت للقضاء على الدولة الثانية.
كان الأمير عبدالعزيز بن سعود، يدرك مدى أهمية
القصيم، الجغرافية والاقتصادية والسياسية. وكان يدرك، أيضاً، أن عدم السيطرة على القصيم، يعني عدم استقرار الحكم في نجد. ويعلم الأمير عبدالعزيز، أن له أتباعاً وأنصاراً في هذه المنطقة، وبخاصة أمراء
عنيزة، آل سُلَيم، وأمراء
بريدة، آل مهنا السابقون، الذين اضطروا إلى الهجرة إلى الكويت، بعد معركة المليداء الشهيرة، سنة
1308هـ -
1891م، ويتطلعون إلى العودة إلى بلادهم، وتسلم الأمور فيها. لذلك، قرر الأمير عبدالعزيز بن سعود ضم هذه المنطقة الحيوية إلى حكمه، فأرسل إلى قادة آل سُلَيم وآل مهنا، طالباً قدومهم من
الكويت، والتعاون معه على تخليص القصيم من حكم ابن رشيد. فلبوا طلبه، وقدموا من الكويت، وقد زودهم الشيخ مبارك الصباح بمائتَي مقاتل.
خارطة توضح أهم مناطق
القصيموأخذ ابن رشيد يعزز دفاعاته في الإقليم؛ فعزز الحامية الموجودة في
بريدة، بسرية من قواته، بقيادة عبدالرحمن بن ضبعان. وبعث سرية أخرى إلى عنيزة، قوامها خمسون رجلاً، بقيادة فهيد بن سبهان. كما رابطت، بالقرب من هذه البلدة، سرية مكونة من أربعمائة رجل، يقودها ماجد الحمود ابن رشيد. وأرسل سرية مكونة من أربعمائة رجل، أيضاً، إلى منطقة السر، على الحدود الجنوبية للقصيم، لترابط فيها، بقيادة حسين بن جراد. وأخذ عبدالعزيز بن رشيد يظهر الود لأهل
القصيم ويكسب رضاهم. وبعد أن اطمأن إلى ترتيباته، توجه نحو
العراق، ليؤمن لجيشه الطعام، ويستنهض عشائر شمر هناك، لتهب معه، من هناك، اتصل بالمسؤولين العثمانيين، طالباً منهم تزويده بالمؤن والسلاح والمال، ونجدته على غريمه، ابن سعود.
وفي صيف
1904 [13] حاول إبن سعود الاعتماد على الإنجليز في صراعه ضد
الأتراك وصنيعتهم فأقام اتصالات مع الميجر
بيرسي كوكس الذي كان قد صار قبل حين معتمدا سياسيا لبريطانيا في منطقة الخليج . وقبل ذلك كان كوكس مساعدا للمعتمد
البريطاني في الصومال خلال الفترة من
1892 حتى
1901 وقنصلا في مسقط للفترة من
1901 حتى
1904 . وقدر له أن يلعب دورا هاما في العلاقات الأنكلوسعودية حتى إحالته على التقاعد في
1923 . وبإشرافه عمل المستعربون المعروفون ولسن وبيلي
وفيلبي . وكانوا يمثلون جيل الموظفين والمخبرين والعسكريين الاستعماريين البريطانيين الذي يعتبر كيبلنغ أميرا لهم . وكانوا يعتقدون ، بهذا القدر أو ذلك من الإخلاص ، بأنهم يتحملون (عبء الإنسان الأبيض) عندما يدافعون عن المصالح الاستعمارية البريطانية ، إلا أن الكثيرين منهم كانوا يقومون بدراسات عميقة ، وكانوا ، على سبيل المثال ، مطلعين جيدا على شئون
الجزيرة العربية [14].
لقد اعتبرت
بريطانيا ظهور القوات التركية في نجد خرقا لاتفاقية
1901 بشأن المحافظة على الأوضاع القائمة . وبعثت
لندن إلى الباب العالي احتجاجا شديد اللهجة . وبعد أن رأى
العثمانيون وإبن متعب استحالة إقناع عبد العزيز بالرضوخ لمطالبهم قرروا البدء بالعمليات الحربية . كان لدى الأتراك حوالي ألفين من المشاة أو ثماني كتائب (11 كتيبة حسب رواية أخرى) من القوات النظامية وستة مدافع خفيفة وكمية كبيرة من النقود والذخيرة والأسلحة والأغذية
[15].
وبالإضافة إلى الشمريين التحق بقوات
جبل شمر أبناء قبيلتي هتيم وحرب ، وكذلك سكان
حائل . وعندما علم عبد العزيز باقتراب العدو قرر مواجهته في معركة مكشوفة . وخرجت من بريدة نحو الغرب قواته المكونة من أبناء الرياض والقصيم والخرج وقبائل مطير . على هذا النحو نشأ الموقف قبيل معركتي الشنانة والبكيرية اللتين اتسمتا بأهمية كبيرة لتقرير مستقبل أواسط الجزيرة كأهمية استيلاء عبد العزيز على
الرياض .
فتح عنيزة:خرج الأمير عبدالعزيز بن سعود، بجموعه، من
الرياض، في أواخر
ذو الحجة عام
1321هـ -
مارس 1904م [7]. وانضم إليه أمراء عنيزة، وأمراء
بريدة السابقون. وفي
5 محرم سنة
1322 هـ -
23 مارس 1904م، اقترب الأمير عبدالعزيز بن سعود من
عنيزة، وحاصر أسوارها الجنوبية. وأمر آل سُليم، وآل مهنا، وأتباعهما، أن يدخلوا عنيزة، ليستولوا عليها. فدخلوها، من دون مقاومة، وكمنوا لرئيس الحامية الرشيدية فيها، فهيد بن سبهان، وتمكنوا من قتله، وحاصروا قصر الإمارة، الذي تحصنت به السرية الرشيدية، ثم استسلم أفرادها، وطلبوا الأمان. ولم تتمكن السرية، الموجودة خارج البلدة، بقيادة ماجد الحمود بن رشيد، من تقديم أي عون إلى مَن هم في داخلها، وبخاصة بعد أن علموا بتعاون أهلها مع أمرائهم السابقين. ودخل الأمير عبدالعزيز بن سعود
عنيزة، وعين عبدالعزيز بن عبدالله بن سليم، أميراً عليها، وصالح بن زامل، قائداً للغزو بها.
وعين إبن سعود أحد أبناء الوجهاء أميرا لعنيزة ، وهو عبد العزيز آل سليم الذي عاد من منفاه في
الكويت مع أتباعه المسلحين . وبعد سقود
عنيزة بعث أهالي بريدة وفدا إلى إبن سعود طالبين السماح لهم بمهاجمة الحصن في مدينتهم ، والذي تمركزت فيه حامية من الشمريين . فإن الاستيلاء على عنيزة أقنع أهالي بريدة بأن الأحداث في تلك اللحظة تتطور لصالح أمير
الرياض . زد على ذلك أن آل مهنا (وهم من أبرزم بطون
بريدة الذين كانوا في السابق في المهجر الكويتي) قد وصلوا إلى عنيزة مع فصيل غير كبير ، منتظرين فرصة استلام مقاليد السلطة مجددا
[14].
احتلال بريدة:أما
بريدة، فإن أمرها كان هيناً، بعد أن تشجع أهلها بأنباء دخول الأمير عبدالعزيز بن سعود عنيزة؛ فقدم عليه وفد منهم، يبدون وقوفهم معه. فسيّر إليها أمراءها السابقين، آل مهنا، فاستقبلهم الأهالي بحماسة. وحاصر آل مهنا قائد حامية
بريدة، عبدالرحمن بن ضبعان، في القصر. وبعد أن استمر الحصار شهراً ونصف الشهر، استسلم أفراد الحامية، وخرجوا بسلاحهم، وأعطاهم الأمير عبدالعزيز بن سعود الأمان على أرواحهم، ليرحلوا إلى بلادهم.
وكان الطريق إلى
بريدة مفتوحا ، فبعث إبن سعود إلى المدينة فصيلا بقيادة صالح آل مهنا أبا الخيل . وفيما بعد ، عندما دخل عبدالعزيز بريدة أقسم له سكانها يمين الولاء . وسلمت الحامية الشمرية المكونة من 150 شخصا الحصن في حزيران (يونيو)
1904 [16]، نصب إبن متعب معسكرا في قصيبة – في منتصف الطريق تقريبا بين حائل وبريدة ، وهناك استقبل الحامية الشمرية التي سمح لها إبن سعود بمغادرة بريدة . وقبيل العمليات الحربية الحاسمة بعث حسن شكري برسالة إلى عبدالعزيز عندما كان هذا الأخير لايزال في عنيزة وحذره من العواقب الوخيمة للعمليات الحربية ذد حاكم حائل . وكتب العقيد التركي يقول : (إن جلالة الخليفة الأعظم بلغة اضطراب الفتنة في بلاد نجد ، وأن يدا أجنبية محركة لها . فلهذا السبب بعثني إليكم حقنا للدماء ولمنع التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين) . ثم تشكى كاتب الرسالة من تعاون عبدالعزيز مع مبارك الذي يتعاون مع بريطانيا الدولة الأجنبية الكافرة ، واقترح بلهجة متعالية على عبدالعزيز بأن يعرض شكاواه على السلطت العثمانية وليس على مبارك الذي أعلن العصيان على الخليفة . وأشار شكري إلى أنه حليف ليس فقط لأل الرشيد ، بل ولجميع الذين ينشدون المعونة والدعم من الإمبراطورية العثمانية ، وقال بأنه إذا رغب إبن سعود أيضا في هذه المساعدة فبوسعه أن يتمتع بنفس النعم التي يتمتع بها آل الرشيد من الحكومة العثمانية .
شعر حاكم الرياض بالقلق ، ولكنه كان متصلبا في موقفه . ورد على تلك الرسالة بجواب جاء فيه : (وأما الآن ، فلا نقبل لكم نصيحة ولانعترف لكم بسيادة ، والأحسن أنك ترجع من هذا المكان إذا كنت لا تود سفك الدماء . فإن تعديت مكانك هذا ، مقبلا إلينا ، فلا شك أننا نعاملك معاملة المعتدين علينا ... فإن كنت حرا منصفا فلا يخفاك أن سبب عدم إطاعتي هو عدم ثقتي بكم ... وخلاصة القول أن كل العمال الذين رأينا أنهم خائنون منافقون . فلا طاعة لكم علينا ، بل نراكم كسائر الدول الأجنبية) . ثم يستشهد عبدالعزيز بالوضع في اليمن والبصرة والحجاز وبسلوك الأتراك هناك لتوضيح أعماله . وأعاد إلى الأذهان نهب سلطات الحجاز للحجاج أمام الكعبة . وحذر الأمير في ختام رسالته العقيد بأنه إذا تحرك الأتراك نحو المنطقة الخاضعة له فإنه سيعاملهم معاملة المعتدين .
وفي صيف
1904 حاول إبن سعود الاعتماد على الإنجليز في صراعه ضد الأتراك وصنيعتهم فأقام اتصالات مع الميجر بيرسي كوكس الذي كان قد صار قبل حين معتمدا سياسيا لبريطانيا في منطقة الخليج . وقبل ذلك كان كوكس مساعدا للمعتمد البريطاني في الصومال خلال الفترة من
1892 حتى
1901 وقنصلا في مسقط للفترة من
1901 حتى
1904 . وقدر له أن يلعب دورا هاما في العلاقات الأنكلوسعودية حتى إحالته على التقاعد في
1923 [16]. وبإشرافه عمل المستعربون المعروفون ولسن وبيلي
وفيلبي . وكانوا يمثلون جيل الموظفين والمخبرين والعسكريين الاستعماريين البريطانيين الذي يعتبر كيبلنغ أميرا لهم . وكانوا يعتقدون ، بهذا القدر أو ذلك من الإخلاص ، بأنهم يتحملون (عبء الإنسان الأبيض) عندما يدافعون عن المصالح الاستعمارية البريطانية ، إلا أن الكثيرين منهم كانوا يقومون بدراسات عميقة ، وكانوا ، على سبيل المثال ، مطلعين جيدا على شئون
الجزيرة العربية [16].
لقد اعتبرت
بريطانيا ظهور القوات
التركية في نجد خرقا لاتفاقية
1901 بشأن المحافظة على الأوضاع القائمة . وبعثت لندن إلى الباب العالي احتجاجا شديد اللهجة . وبعد أن رأى العثمانيون وإبن متعب استحالة إقناع عبدالعزيز بالرضوخ لمطالبهم قرروا البدء بالعمليات الحربية . كان لدى الأتراك حوالي ألفين من المشاة أو ثماني كتائب (11 كتيبة حسب رواية أخرى) من القوات النظامية وستة مدافع خفيفة وكمية كبيرة من النقود والذخيرة والأسلحة والأغذية . وبالإضافة إلى الشمريين التحق بقوات جبل شمر أبناء قبيلتي هتيم وحرب ، وكذلك سكان حائل . وعندما علم عبدالعزيز باقتراب العدو قرر مواجهته في معركة مكشوفة . وخرجت من بريدة نحو الغرب قواته المكونة من أبناء الرياض والقصيم والخرج وقبائل مطير . على هذا النحو نشأ الموقف قبيل معركتي الشنانة
والبكيرية اللتين اتسمتا بأهمية كبيرة لتقرير مستقبل أواسط الجزيرة كأهمية استيلاء عبد العزيز على
الرياض [16].
ودخل الأمير عبد العزيز بن سعود
بريدة، وبايعه أهلها. وعين صالح الحسن المهنا أميراً عليها. وبخضوع
عنيزة وبريدة، يكون إقليم
القصيم، قد خضع للحكم السعودي.
معركة البكيرية
علم
الإمارة الرشيدية 1825-
1920الصراع مع الأتراك والشمريين من أجل القصيم (
1904-
1906) لم تكن معركة البكيرية معركة فاصلة واحدة بل سلسلة من الصدامات الكبيرة والصغيرة . حدثت الموقعة في أواسط تموز (يوليو)
1904 على وجه التقريب . وتؤكد مراجع الجزيرة أن عدد القتلى من القوات النظامية التركية بلغ ما بين ألف وألف وخمسمائة شخص ، ومن حائل 300-500 شخص ، أما القوات السعودية فقد فقدت حوالي 1000 شخص ، يبدو أن هذه الأرقام مبالغ فيها جدا . وعلى أية حال فهي تشمل الخسائر بسبب وباء
الكوليرا والقيظ والأمراض . ومن شهود العيان على هذه المعركة المؤرخ ضاري بن فهيد بن الرشيد الذي أكد أن متعب فقد مائة محارب ، بينما فقد عبدالعزيز مائتين . وهكذا اتسع نطاق الصدامات والصراع لأن احتلال
الرياض مثلا ، أسفر عن مقتل بضعة أشخاص لاغير . وفي معركة البكيرية أصيب عبدالعزيز بجراح ثخينة كان يفقد حياته بسببها
[17].
علم عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، بانتصارات ابن سعود في
القصيم، وهو في العراق، يستمد العون من
الدولة العثمانية، ويستثير قبيلة شمر لنجدته. فاشتد غضبه، خاصة على أهل القصيم، الذين ساعدوا الأمير عبدالعزيز بن سعود. وقد أمدته الدولة العثمانية بعدد كبير من الجند النظامين، بأسلحتهم الحديثة، خاصة المدافع، وكميات كبيرة من المؤن. وقدّر عدد الجنود المدد بنحو ألف وخمسمائة جندي، على اختلاف روايات المصادر، أغلبهم من الشام والعراق، يعملون في الجيش العثماني. وقام عبدالعزيز بن رشيد بمصادرة ما وجد من إبل العقيلات القصيميين، الذين كانوا يجوبون البلاد، للتجارة بين العراق والشام ومصر وشبه الجزيرة العربية، وحمل عليها قسماً كبيراً مما حصل عليه من أطعمة ومؤن وأسلحة، ونقلها من العراق إلى
نجد.
وأسرع عبدالعزيز بن رشيد إلى
القصيم، بمن اجتمع لديه من البدو، خاصة من قبيلة شمر، وفئات من الحضر والجيش النظامي العثماني، يريد القضاء على ابن سعود، أو على الأقل إخراجه من القصيم. والتحق به ماجد الحمود بن رشيد، ومن معه، ووصلوا إلى بلدة القصيباء، ومنها إلى الشيحية، بالقرب من البكيرية
أخذت المعركة تتحول لصالح أمير
الرياض . ويفيد لوريمير بأن أحد القادة العسكريين الأتراك قتل ، كما قتل عدد كبير من الجنود . واستولى ابن جلوى على كل المدافع التركية وأخذ كثيرا من الأسرى . وانهمك إبن متعب في نهب قرى
القصيم وترك كل مؤنه ومعداته الثقيلة تحت حراسة مفرزة صغيرة عند البكيرية . وعندما سمع باقتراب قوات عبدالعزيز التي استلمت إمدادات أرسل على الفور قسما من قواته لنجدة مفرزة الحراسة ، ولكن بعد فوات الأوان . فقد استولى عبدالعزيز على كل مستودعاته وعلى مدينة البكيرية . وتوجه إبن متعب إلى منطقة الرس والشنانة في القسم الغربي من
القصيم ، فوصلها في آب (
أغسطس) من العام نفسه مؤملا ، على مايبدو ، في الحصول على مساعدة الأتراك من الحجاز . إلا أن مدينة الرس التي كانت خاضعة له في السابق قررت هذه المرة الانضمام إلى أمير الرياض ، ولذا نصب الشمريون معسكرهم في الشنانة . ووصل إلى نفس المنطقة عبدالعزيز مع قواته الأساسية ، إلا أن كلا الخصمين لم يدخلا في قتال ، وربما كان ذلك بسبب حر الصيف . وتفشي وباء
الكوليرا في معسكر إبن متعب ، بينما أخذ البدو من كلا الطرفين يتفرقون لأنهم لم يجدوا الغنائم المنشودة . وظلت عند إبن متعب وحدات تركية من
العراق وأفراد من
جبل شمر فقط ، كما ظل في المعسكر السعودي أبناء المدن المخلصين لعبد العزيز
[17].
سار عبدالعزيز ابن رشيد متجها من
حائل في
15 يونيو 1904 ومعه شمر والحجلان وإزاء هذه الجموع استنهض
عبد العزيز آل سعود أهالي
رياض الخبراء وكان أشهر من خرجوا معه الفريجي و النويصر من عفالق
قحطان كما أن تواجد عبدالعزيز في
بريدة جعله يستنهض أهل
البادية والحاضرة فيها ليجتمعوا عنده، وبلغ عدد الوافدين عليه عدة آلاف من المحاربين خرج بهم من
رياض الخبراء و
بريدة ونزل إلى
البكيرية في مواجهة خصمه، وكان ذلك في أول شهر ربيع الثاني
1322هـ -
يونيه 1904م, حيث كان أمرائها السويلم من العرينات. وكانت خطة
الملك عبد العزيز أن يقسم جيشه إلى قسمَين.. قسم بقيادته يضم أهل
العارض وجنوبي
القصيم خصصه لملاقاة جموع
قبيلة شمر وابن رشيد، والقسم الثاني يضم أهل
القصيم.
بعد أن علم بانسحاب أهل
القصيم منها حيث كان رجالها آنذاك مع
ابن سعود، وصل الأمير عبدالعزيز، مع أتباعه، إلى ما بعد بلدة المِذْنَب. وإذ وصلته الأخبار بانتصار أهل القصيم على جيش ابن رشيد، قدم إلى عنيزة، في اليوم التالي للمعركة. واستعاد قوته، وتوافدت عليه جموع من بوادي عتيبة ومطير، فتجمع لديه، في ستة أيام، اثنا عشر ألف مقاتل. في هذا الوقت قدم من بقي من أهل
البكيرية من عجائز ونساء وأطفال المؤونة للحامية الرشيدية , ومن
البكيرية انطلق
ابن رشيد إلى بلدة الخَبْراء، ولكن أبى أهلها أن يعلنوا له الطاعة فأمر بقطع النخيل وقذف البلدة بالمدافع، وعمد الأمير عبد العزيز للعودة إلى
البكيرية للسيطرة عليها خصوصا أن رجالها قد خرجوا معه، إلا أن
ابن رشيد سارع إلى إرسال سرية بقيادة
سلطان الحمود الرشيد اصطدمت بخيالة
ابن سعود عند الفجر فانهزمت ودخل الأمير عبد العزيز ومن معه من أهل البلدة إلى
البكيرية وفتك بالحامية الرشيدية فيها واستولى على المستودعات التي رتبها
ابن رشيد، وكانت الخسائر البشرية كبيرة، لدى الطرفَين، خاصة بين الجنود النظاميين. فقد خسر ابن سعود 900 رجل من قواته
[7]، منهم أربعة من آل سعود. وقُتل من جيش الأتراك نحو ألف جندي، بينهم أربعة ضباط كبار. وقُتل من أهل حائل، أيضاً، 300 فرد، بينهم اثنان من آل رشيد. ثم تعقب جيش
ابن رشيد الذي ارتحل من بلدة الخَبْراء إلى
الشنانة واتخذ منها معسكراً له، وتمركزت قوات
عبد العزيز آل سعود بن سعود في
الرس.
معركة الشنانة
على الرغم من أهمية معركة البكيرية، إلاّ أنها لم تكن حاسمة. فقد خسر الأمير عبدالعزيز بن سعود كثيراً من جنده ومعداته. ولكنه، بخبرته وحسن قيادته، أراد أن يضمَ بلدان
القصيم إلى دولته الناشئة، واستطاع أن يعوض هذا النقص، وجمع حوالي عشرة آلاف مقاتل، في خلال عشرة أيام.
عزم على إنهاء الوجود الرشيدي في منطقة القصيم، وقد أعد العدة لذلك بمساعدة الأسر التي كانت تحكم البلاد قبل استيلاء آل رشيد عليها. فتوجه بقواته صوب
عنيزة ودخل القصر المعروف
بقصر الحميدية، وهو يبعد عن
عنيزة مسافة أربع ساعات مشياً على الأقدام أو ركوباً على
الإبل. وبعد ذلك حاصر حامية
ابن رشيد في
عنيزة، وكانت تحت قيادة فهيد السبهان، ولما رفض فهيد السبهان الاستسلام هاجمت قوات
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود حاميته، وقتلته ودخلت قوات عبدالعزيز آل سعود
عنيزة في
5 محرم عام
1322هـ، الموافق
13 مارس 1904مبقي الطرفان في موقعيهما مدة شهرَين؛ ابن رشيد في الشنانة، يقابله ابن سعود في الرس. كانت المناوشات الخفيفة، تجري بينهما، من دون قتال حاسم، مما أصاب المحاربين، في الطرفين، بالضجر، وتناقصت الإمدادات والإبل، وتفرقت جموع البادية، ولم يبق مع ابن الرشيد سوى الجنود النظاميين، وأهل الجبل. كذلك، لم يثبت مع ابن سعود سوى أهل الحاضرة. ورحل عبدالعزيز بن رشيد بجنوده الجياع إلى قصر ابن عقيّل، وفيه سرية لابن سعود، وبعد ذلك حاصر حامية
ابن رشيد في
عنيزة، وكانت تحت قيادة فهيد السبهان، ولما رفض فهيد السبهان الاستسلام هاجمت قوات
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود حاميته، وقتلته ودخلت قوات عبدالعزيز آل سعود
عنيزة في
5 محرم عام
1322هـ، الموافق
13 مارس 1904م، فضربه بالمدافع. وقبل أن يهجم على القصر، في الصباح، كان الأمير عبدالعزيز بن سعود، قد سبقه إلى داخله، وثبت فيه. وفي الصباح، صب ابن رشيد نيران مدافعه على القصر. فخرج له ابن سعود، واقتتلوا قتالاً شديداً، انهزمت على أثره قوات الترك النظاميين، وفروا هاربين. فلم يجد عبدالعزيز بن رشيد بداً من الهرب، أيضاً، تاركاً وراءه غنائم كثيرة، منها الذخائر والسلاح والأموال، ظلت قوات ابن سعود تجمعها طيلة عشرة أيام. وحملت صناديق الذهب العثماني إلى عنيزة. وكانت معركة الشنانة في 18 رجب
1322هـ -
29 سبتمبر 1904م.
لم يقف عبدالعزيز آل رشيد موقف المتفرج على ما أحرزه
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود من انتصارات في القصيم. فجهز قواته مدعوماً بقوات
عثمانية تركية وعتاد تركي ومعونات مالية تركية وقابل قوات عبدالعزيز آل سعود في سهل البكيرية في بلدة البكيريّة من بلدان
القصيم. ونشبت المعركة بين الطرفين في
1 ربيع الآخر عام
1322هـ،
15 يونيو 1904م). ولظروف فنية وتخطيطية ضاعت بعض قوات
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وأخطأت هدفها وخطتها العسكرية في الهجوم على القوات
العثمانية التركية، ووجدت نفسها وراء خيام شمّر، ودارت بينهم وبين قوات ابن رشيد اشتباكات، مما أربك؛ موقف عبدالعزيز آل سعود الذي انسل من الوقعة مع بعض فرسانه بعد أن أصيب بشظايا قنبلة، فانهزمت قوات عبدالعزيز آل سعود وقتل منها في تلك الوقعة حوالي 1,000 رجل، وقتل من الجند العثمانيّ النظامي حوالي 1,000 رجل، وقتل من الشمرّيين حوالي 300 رجل بينهم اثنان من آل رشيد حكام الجبل. ولكن عبدالعزيز آل سعود على الرغم من تشتت شمل قواته، وضياع فريق منها، تمكن من جمع قوات قدرت بعشرة آلاف مقاتل في غضون عشرة أيام فقط، وزحف صوب قوات ابن رشيد لقتالها، وكانت تلك القوات في بلدة
الشنانة. فتقدم عبدالعزيز آل سعود بقواته إلى بلدة
الرس، ومنها أخذ يهاجم قوات ابن رشيد على شكل متقطع لمعرفة مدى قوتها وتحصينها وإعدادها، وهو أسلوب من أساليب إضعاف العدو مادام هذا العدو في وضع المدافع، وقد طالت تلك المناوشات دون أن يلتقي الجيشان في وقعة مباشرة كبيرة.
قرر ابن رشيد التراجع إلى المواقع الخلفية ففاجأته قوات
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود بكل إمكاناتها، فانتصرت عليه في وقعة الشنانة في
18 رجب عام
1322هـ ، الموافق
29 سبتمبر 1904م [7]. وتعد وقعة
الشنانة من المعارك الحاسمة والفاصلة بين قوات
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وقوات آل رشيد، إذ تمكن عبدالعزيز آل سعود من تركيز سلطته في بلاد
نجد، وأظهر للجميع أنه الحاكم الفعلي لنجد، خاصة بالنسبة للدولة
العثمانية التركية التي فتحت باب المحادثات معه، والدولة
البريطانية التي ظلت تراقب الحوادث في قلب الجزيرة العربية وهي في الوقت نفسه تعرف تاريخ الدولة السعودية ولها معها أكثر من اتصال حول مسائل كثيرة تهم المناطق الخليجية.
وتعد وقعة
الشنانة بداية النهاية للوجود العسكري
العثماني التركي في
نجد. كما تُعد بداية النهاية للإمارة الرشيدية في
نجد، إذ بعد هذه الوقعة امتدت الدولة السعودية الثالثة لتشمل كل بلدان
القصيم، وتراجعت قوات
ابن رشيد باتجاه
جبل شمر، فتكون بذلك قد انحصرت في منطقة محدودة الاتساع والسكان والطاقات الاقتصادية.
كما وطدت معركة الشنانة حكم
آل سعود، ليس في
القصيم، بل في نجد بأسرها. كما أنها قضت على النفوذ العثماني في نجد "وانهارت بها الصخرة الأولى من صرح ابن رشيد". وقد وصف بعض الكتاب العرب وغيرهم أهميتها؛ فقال أمين الريحاني: "وقعة الشنانة، والأحرى أن تدعى بوقعة وادي الرمة، هي القسم الثاني من مذبحة البكيرية، التي قضت على عساكر الدولة، وأغنت أهل
نجد". وأضاف: "تشتت ما تبقى من جنود الدولة، بعد هذه الوقعة. فكانت حالتهم محزنة، فقد فر بعضهم مع ابن رشيد، وهام الآخرون في الفيافي، كالسائمة. ومنهم من لجأ إلى ابن سعود، فآواهم وكساهم وأعطاهم الأمان". أما كنت وليمز، فقال: "كانت هزيمة الأتراك، في سبتمبر سنة
1904م، شنيعة حقاً، فاستسلم بعضهم للوهابيين، ولجأ آخرون إلى قبائل شمر، وذهب كثيرون ضحايا الجوع والعطش".