رفسنجاني.. ثعلب السياسة وزعيم البراغماتية الإيرانية
ثوري برجوازي في الشباب، إصلاحي بعد المشيب، مخلص لأفكار الخميني حتى الممات.
كان أستاذا في البراغماتية وقائدا لمعسكر الإصلاحيين الإيرانيين، لكن من داخل "السيستيم" فقد رأى ما حل برفيق الصبا مير حسين موسوي في إقامته الجبرية، فاكتفى بالإصلاح من الداخل لكن الوقت لم يسعفه فباغته الأجل وسط معركة كسر العظم مع المحافظين.
ولد الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، عام 1934 في بلدة رفسنجان، بمحافظة كرمان الإيرانية لعائلة ثرية تعمل في تجارة الفستق، وبدأ دراسته في مدرسة محلية في رفسنجان، ثم غادر قريته في سن الرابعة عشر لمتابعة تعليمه الديني في مدينة قم، حيث تشرب فكر الخميني بمجرد وصوله لقم وحضوره دروس التعبئة الدينية فيها.
بدأت أفكاره السياسية بالتبلور مع دخوله مرحلة الشباب إذ تخرج من قم برتبة "حجة الإسلام" وهي رتبة أقل بدرجة من رتبة "آية الله" لدى التصنيف الشيعي لفقهاء المذهب.
مع نفي الخميني لباريس عام 1962، شب الرجل على مواجهة السلطة القائمة حينها وأعلن عداوته الصريحة لزعيمها الشاه ما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، إذ قضى ما يقرب من ثلاث سنوات في السجن منتصف السبعينات.
بعد خروجه من السجن واصل رفسنجاني خدمته لأفكار الخميني وخدمها بالمال تبعا لوضعه المالي الثري، ونشط في حشد الأتباع لهذه الأفكار ما تجلى أخيرا بقيام ما عرف حينها بـ"الثورة الإسلامية"؛ بقيادة الخميني الذي كان ينشر أفكاره عبر أشرطة "الكاسيت" التي كانت توزع سرا في طهران.
عاد الخميني إلى إيران عودة المنتصر محمولا على أكتاف أتباعه وظهر بجانيه حينها الشاب رفسنجاني الذي أصبح أحد مساعديه المقربين، وشارك في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي ومكافأة له على خدماته تم تعيينه مساعدا لوزير الداخلية في أول حكومة تم تشكيلها في عهد الخميني.
ما أن اندلعت الحرب مع الجارة العراق عام 1980 حتى انتخب رفسنجاني رئيسا للبرلمان، وخلال تلك الفترة كان الرجل يبرز بشكل أكبر كأحد أقوى صانعي القرار في إيران وأحد مجيدي لعبة السياسية الدولية القائمة على المكر والخداع والمصالح، فلقب بثعلب السياسية الإيرانية، إذ قيل إنه كان وراء إقناع الخميني بتجرع "كأس السم" لوقف الحرب مع العراق.
كما لعب دورا كبيرا في حصول بلاده على أسلحة من "إسرائيل" لمواجهة صدام حسين بعلم إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان فيما عرف حينها بصفقة "إيران غيت".
برز نجم رفسنجاني مع طي صفحة الحرب مع العراق وكانت البلاد على موعد مع الانتخابات الرئاسية فترشح لها وفاز باكتساح عام 1989.
استلم الرجل البلاد وهي لم تداوي جراحها بعد، حيث كان النظام يعاني عزلة شديدة إقليميا ودوليا وبدأ بفك العزلة عن بلاده وأعلن انتهاج سياسة تقوم على السوق الحرة والخصخصة وتحرير الاقتصاد ودمجه في السوق العالمي، لكن عرف عنه أيضا في تلك الفترة انتهاج قبضة حديدية ضد المعارضين في الداخل الذين وصفوا موته بأنه انهيار لإحدى دعامتي "الفاشية الدينية" في إيران.
فاز الرجل بفترة رئاسية ثانية عام 1993، وشهد حكمه استمرارا لذات السياسات القائمة على الانفتاح، لكن المرشد كانت له طريقة أخرى في الانفتاح قائمة على "تصدير الثورة" وهو الاسم الحركي لتصدير المذهب ونشره في دول الجوار حتى لو بالقوة وبالمليشيات المسلحة.
توفي الخميني عام 1995 وحل مكانه علي خامنئي الذي أبدى شراسة أكبر في دعم ما سيعرف لاحقا بتيار المحافظين الذي يقوده بنفسه في مواجهة بضع شخصيات من بينها رفسنجاني الذي كان يسعى لتعزيز الاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين والتركيز على الداخل أكثر من الخارج.
بعد انقضاء فترته الرئاسية الثانية طبقا للدستور لم يترشح الرجل لــ4 سنوات لكنه بقي في مراكز القرار وبدا أن النظام بدأ يضيق ذرعا به وبسياساته إذ ترشح للرئاسة مجددا إلا أنه خسر بفارق كبير وحل في المرتبة 30 إذ فهم الرسالة حينها وعرف أن عليه الرحيل فاستقال من البرلمان.
تولى رفسنجاني رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام عدة مرات، كما انتخب عام 2007 رئيسا لمجلس الخبراء الذي يناط به اختيار المرشد الأعلى، مع بقائه رئيسا لهيئة تشخيص النظام.
لم يتخذ رفسنجاني طريق المفاصلة مع النظام كما فعل المعارض مير حسين موسوي الذي تفرض عليه السلطات الإيرانية الإقامة الجبرية في منزله لقيادة التظاهرات عام 2009 احتجاجا على فوز المحافظ أحمدي نجاد بالانتخابات، لكن رفسنجاني واجه بعض الأذى من السلطة.
وتعرضت ابنته ونجله للاعتقال بتهمة "ترويج دعاية معادية للحكومة"، في سياق ضغط المحافظين على والدهم الذي دعم موسوي في مواجهة نجاد.
وفي عام 2013، قرر مجلس صيانة الدستور إقصائه عن الترشح للانتخابات الرئاسية، فرد الرجل بدعم وصول حسن روحاني المحسوب على الإصلاحيين في انتخابات 2014، وكان مؤيدا للاتفاق النووي مع القوى الكبرى ما أدى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده.
ورغم التباين السياسي بينه وبين المرشد خامنئي إلا أنه بقي يحتفظ بمكانة جيدة في النظام الإيراني ما جعله محط إشادة من خامنئي الذي وصفه في نعيه بأنه "رفيق نضال"
ثوري برجوازي في الشباب، إصلاحي بعد المشيب، مخلص لأفكار الخميني حتى الممات.
كان أستاذا في البراغماتية وقائدا لمعسكر الإصلاحيين الإيرانيين، لكن من داخل "السيستيم" فقد رأى ما حل برفيق الصبا مير حسين موسوي في إقامته الجبرية، فاكتفى بالإصلاح من الداخل لكن الوقت لم يسعفه فباغته الأجل وسط معركة كسر العظم مع المحافظين.
ولد الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، عام 1934 في بلدة رفسنجان، بمحافظة كرمان الإيرانية لعائلة ثرية تعمل في تجارة الفستق، وبدأ دراسته في مدرسة محلية في رفسنجان، ثم غادر قريته في سن الرابعة عشر لمتابعة تعليمه الديني في مدينة قم، حيث تشرب فكر الخميني بمجرد وصوله لقم وحضوره دروس التعبئة الدينية فيها.
بدأت أفكاره السياسية بالتبلور مع دخوله مرحلة الشباب إذ تخرج من قم برتبة "حجة الإسلام" وهي رتبة أقل بدرجة من رتبة "آية الله" لدى التصنيف الشيعي لفقهاء المذهب.
مع نفي الخميني لباريس عام 1962، شب الرجل على مواجهة السلطة القائمة حينها وأعلن عداوته الصريحة لزعيمها الشاه ما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، إذ قضى ما يقرب من ثلاث سنوات في السجن منتصف السبعينات.
بعد خروجه من السجن واصل رفسنجاني خدمته لأفكار الخميني وخدمها بالمال تبعا لوضعه المالي الثري، ونشط في حشد الأتباع لهذه الأفكار ما تجلى أخيرا بقيام ما عرف حينها بـ"الثورة الإسلامية"؛ بقيادة الخميني الذي كان ينشر أفكاره عبر أشرطة "الكاسيت" التي كانت توزع سرا في طهران.
عاد الخميني إلى إيران عودة المنتصر محمولا على أكتاف أتباعه وظهر بجانيه حينها الشاب رفسنجاني الذي أصبح أحد مساعديه المقربين، وشارك في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي ومكافأة له على خدماته تم تعيينه مساعدا لوزير الداخلية في أول حكومة تم تشكيلها في عهد الخميني.
ما أن اندلعت الحرب مع الجارة العراق عام 1980 حتى انتخب رفسنجاني رئيسا للبرلمان، وخلال تلك الفترة كان الرجل يبرز بشكل أكبر كأحد أقوى صانعي القرار في إيران وأحد مجيدي لعبة السياسية الدولية القائمة على المكر والخداع والمصالح، فلقب بثعلب السياسية الإيرانية، إذ قيل إنه كان وراء إقناع الخميني بتجرع "كأس السم" لوقف الحرب مع العراق.
كما لعب دورا كبيرا في حصول بلاده على أسلحة من "إسرائيل" لمواجهة صدام حسين بعلم إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان فيما عرف حينها بصفقة "إيران غيت".
برز نجم رفسنجاني مع طي صفحة الحرب مع العراق وكانت البلاد على موعد مع الانتخابات الرئاسية فترشح لها وفاز باكتساح عام 1989.
استلم الرجل البلاد وهي لم تداوي جراحها بعد، حيث كان النظام يعاني عزلة شديدة إقليميا ودوليا وبدأ بفك العزلة عن بلاده وأعلن انتهاج سياسة تقوم على السوق الحرة والخصخصة وتحرير الاقتصاد ودمجه في السوق العالمي، لكن عرف عنه أيضا في تلك الفترة انتهاج قبضة حديدية ضد المعارضين في الداخل الذين وصفوا موته بأنه انهيار لإحدى دعامتي "الفاشية الدينية" في إيران.
فاز الرجل بفترة رئاسية ثانية عام 1993، وشهد حكمه استمرارا لذات السياسات القائمة على الانفتاح، لكن المرشد كانت له طريقة أخرى في الانفتاح قائمة على "تصدير الثورة" وهو الاسم الحركي لتصدير المذهب ونشره في دول الجوار حتى لو بالقوة وبالمليشيات المسلحة.
توفي الخميني عام 1995 وحل مكانه علي خامنئي الذي أبدى شراسة أكبر في دعم ما سيعرف لاحقا بتيار المحافظين الذي يقوده بنفسه في مواجهة بضع شخصيات من بينها رفسنجاني الذي كان يسعى لتعزيز الاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين والتركيز على الداخل أكثر من الخارج.
بعد انقضاء فترته الرئاسية الثانية طبقا للدستور لم يترشح الرجل لــ4 سنوات لكنه بقي في مراكز القرار وبدا أن النظام بدأ يضيق ذرعا به وبسياساته إذ ترشح للرئاسة مجددا إلا أنه خسر بفارق كبير وحل في المرتبة 30 إذ فهم الرسالة حينها وعرف أن عليه الرحيل فاستقال من البرلمان.
تولى رفسنجاني رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام عدة مرات، كما انتخب عام 2007 رئيسا لمجلس الخبراء الذي يناط به اختيار المرشد الأعلى، مع بقائه رئيسا لهيئة تشخيص النظام.
لم يتخذ رفسنجاني طريق المفاصلة مع النظام كما فعل المعارض مير حسين موسوي الذي تفرض عليه السلطات الإيرانية الإقامة الجبرية في منزله لقيادة التظاهرات عام 2009 احتجاجا على فوز المحافظ أحمدي نجاد بالانتخابات، لكن رفسنجاني واجه بعض الأذى من السلطة.
وتعرضت ابنته ونجله للاعتقال بتهمة "ترويج دعاية معادية للحكومة"، في سياق ضغط المحافظين على والدهم الذي دعم موسوي في مواجهة نجاد.
وفي عام 2013، قرر مجلس صيانة الدستور إقصائه عن الترشح للانتخابات الرئاسية، فرد الرجل بدعم وصول حسن روحاني المحسوب على الإصلاحيين في انتخابات 2014، وكان مؤيدا للاتفاق النووي مع القوى الكبرى ما أدى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده.
ورغم التباين السياسي بينه وبين المرشد خامنئي إلا أنه بقي يحتفظ بمكانة جيدة في النظام الإيراني ما جعله محط إشادة من خامنئي الذي وصفه في نعيه بأنه "رفيق نضال"