بُشرى
أ.د. محمد عبده حتاملة
قال ياقوت: «بشرى بوزن حُبلى، اسم قرية» ولم يزد على ذلك. وأكد الدباغ ما قاله ياقوت، وأضاف أن بشرى تقع في ظاهر إربد الشرقي، وترتفع عن سطح البحر 560 متراً. وبُشرى بمعنى بشارة، ومن بشرى – بهذا المعنى- أخذت البلدة اسمها؛ إذ يُروى أن القائد المسلم خالد بن الوليد كان فى موقعها عندما جاءه البشير بالنصر في إحدى معاركه فقال:هي بشرى، وظل المكان يسمى كذلك.
تقع بشرى فى محافظة إربد، وتبعد عن المدينة شرقاً ثلاثة كيلومترات، وتتبع إدارياً لواء قصبة إربد أحد ألوية المحافظة، وهى ضمن بلدية إربد الكبرى،ويحد بلدة بشرى من الشمال: بلدتا حكما وبيت راس، ومن الجنوب بلدة حوارة، ومن الشرق بلدة سال، ومن الغرب مدينة إربد. وتعبرها طريق إربد- الرمثا. وتقع البلدة فلكياً على خط الطول 35 درجة و 54 دقيقة شرقاً، ودائرة العرض 32 درجة و 34 دقيقة شمالاً.
وتعتبر بلدة بشرى جزءاً من سهل حوران، وتربتها سهلية حمراء تميل إلى اللون البني، وهي خصبة جداً. وفى البلدة تلة صغيرة تسمى: تلة محرز، وفي جنوبها وادٍ يفصلها عن حوارة، يعرف بوادي الرويسة،وينتهي هذا الوادى إلى وادى راحوب الذي يصب فى نهر اليرموك.
ويمتد الشارع الرئيس للبلدة في وسطها من الشرق إلى الغرب، ويعرف وسط البلدة بالبلدة القديمة التى كانت تشكل محور الحياة،وهي منطقة مرتفعة، وذات طبيعة مختلفة، حيث تحتوي على بعض الكهوف، التى يمتد عدد منها حول المسجد الكبير، بينما أزيل عدد آخر عندما بنيت المدرسة الثانوية للذكور فى عام 1986م،وتربة هذه المنطقة ذات لون أبيض ورمادي.
كانت بلدة بشرى مهجورة في مطلع القرن العاشر الهجري /السادس عشر الميلادي، ثم سكنها بعض الأشراف في منتصف القرن، وكانوا يتكونون من اثنتي عشرة أسرة، وقد انضمت إلى هؤلاء فى بشرى مجموعات من أعراب منظور، وأعراب عمور. غير أن هذه المجموعات لم تقم إقامة دائمة في بشرى، فقد كانت من العرب الرحل الذين ينتقلون من منطقة إلى أخرى.
لقد كان السكان فى بلدة بشرى حسب دفتر الطابو العثمانى رقم (401)الذي يرجع تاريخه إلى عام 950هـ/ 1543م تسع أسر جميعهم من الأشراف، وازداد عددالسكان إلى اثنتي عشرة أسرة وخمسة أفراد جميعهم من الأشراف أيضا، وذلك حسب دفتر الطابورقم (99) الذي يرجع تاريخه إلى عام 1005هـ1596م.
وكان سكان بشرى يعتمدون على زراعة المحاصيل الزراعية، ويزرعون بعض الأشجار المثمرة، ولكن بشكل محدود، وهذا ما يستنتج من دفاتر الطابوالعثمانية، فقد ورد في الدفتر رقم (430) تاريخ930ه/ 1523م مايلي «قرية بشرى تابع بني جهمة، تشتت شمل أهلها وتفرقوافلم يوجد سبيل لكتابة أساميهم، ولكنهم ما يزالون يأتون فيزرعون أراضيهم. وحاصل قسم من الربع؛ من الحنطة:عشرون غرارة قيمتها ألفا أقجة. من الشعير: عشر غرارات قيمتها سبعمائة أقجة. العشرعن مال الوقف مائة وثلاث وعشرون أقجة. رسم المعزة: مائة وخمسون أقجة».
وورد في الدفتر رقم (401) تاريخ 950هـ/ 1543م «قرية بشرى تابع بني جهمة فيها تسع خانات جميعهم من الأشراف، وحاصل قسم من الربع: ثلاثة آلاف ومائة وسبعون أقجة. من الحنطة تسع عشرة غرارة قيمتها ألفان واربعمائة وسبعون أقجة. من الشعير: عشر غرارات قيمتها سبعمائة أقجة. العشر عن مال الملك مائة وخمس وأربعون أقجة. رسم المعزة النحل: مائة وأقجتان..».
وورد في الدفتر رقم (99) تاريخ1005هـ 1596م «قرية بشرى عن زعامة قاسم مروم حسن باشا تابع ناحية بني جهمة فيها اثنتا عشرة خانة وخمسة مجردين، ويدّعي هؤلاء أنهم أشراف فأحيلت قضية شرافتهم إلى نقيب الأشراف، وحاصلهافي قسم من الربع: أربعة آلاف وخمسمائة وست وأربعون أقجة. من الحنطة: إحدىوعشرون غرارة قيمتها ثلاثة آلاف ومائة وخمسون أقجة. من الشعير: ثلاث عشرةغرارة قيمتها ألف ومائة وسبعون أقجة. من المال الصيفي مائتان وست وعشرونأقجة. العشر عن مال الوقف مائتان وثمان أقجات، ورسم المعزة والنحل: مائة وواحد وخمسون أقجة».
وقد ازداد عدد سكان بشرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي بشكل لافت، ففي عام 1961م لم يكن يتجاوز ( 1560) نسمة، وأصبح هذا العدد في أواخر القرن بالآلاف، ووصل فى أوائل القرن الحادي والعشرين الميلادي إلى (11645) نسمة ينتمى معظمهم إلى عشيرتي العبابنة والجرادات، حيث تشكل هاتان العشيرتان ثلثى السكان. أما السكان الآخرون فينتمون إلى عشيرة الخرابشة وعشائر أخرى.
وأصل العبابنة من الحجاز، من قبيلة جهينة، وقال نزحوا إلى الأردن – على الأرجح – في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، واستوطنوا الكرك، وما لبثوا أن تركوها الى أنحاء مختلفة من البلاد، ومنها بشرى. ويروى أيضاً أن العبابنة من قبيلة عنزة، وقد سكنوا في الكرك ثم نزحوا الى عبلين ثم استقروا في بشرى وسال وغيرهما من قرى الأردن.
والجرادات أصلهم أيضاً من الحجاز، ويلتقون مع العبابنة في جدهم عون، وقد سكنوا أول نزوحهم إلى الأردن في منطقة الكرك، ثم رحلوا عنها إلى عبين، ثم إلى ناطفة والحصن وكفررحتا وغيرها، ثم استقروا فى بشرى وسال.وأما الخرابشة الذين يسكنون بشرى فهم من أقارب الخرابشة فى السلط.
ويعمل هؤلاء السكان في الزراعة، حيث تجود في أراضي بشرى زراعة الحبوب والأشجار المثمرة اعتماداً على مياه الأمطار، ومياه بركة الجحش التي تقع في الجهة الغربية من البلدة. كما يعمل أهلها في الوظائف المدنية والعسكرية المختلفة.
وتتوفر البلدة – باعتبارها جزءاً من بلدية إربد الكبرى– على البنية التحتية، والمرافق الضرورية في مجالات التعليم والصحة وغيرهما.
تليلات الغسول
حضارة متميزة ظهرت في نهاية عصور ما قبل التاريخ، وقد سميت بـ (الحضارة الغسولية)
تمثل هذه المدينة الأثرية إضافة إلى موقع آخر في بئر السبع حضارة متميزة ظهرت في نهاية عصور ما قبل التاريخ، وقد سميت بـ (الحضارة الغسولية) Ghassoulian، وقد امتد موطن هذه الحضارة من سوريا ولبنان شمالاً، واشتمل على جنوبي بلادالشام (الأردن وفلسطين).
وتعتبر عادات الدفن إحدى مميزات الحضارة الغسولية، فقد عرفت بعادات خاصة في دفن الاطفال؛ إذ كانت جثثهم توضع داخل جرار فخارية، أو بوضع قرفصائي داخل حفرة في إحدى زوايا المنزل. وقد ظلت هذه الحضارة مزدهرة حتى النصف الثاني من الألف الربع قبل الميلاد.
تقع تليلات الغسول، أو تل الغزول، كما ترد تسميتها عند بيك إلى الشمال الشرقي من البحر الميت، وتبعد عنه نحو خمسة كيلومترات. وتبعد عن جسرالأمير عبدالله (سويمة سابقا) شرقاً ستة كيلومترات، وعن وادي (أبو غروبة) جنوباً ثلاثة كيلومترات. وتنخفض عن سطح البحر نحو ثلاثمائة متر.
ويذكر هاردنج عن تليلات الغسول، وهى مجموعة تلال صغيرة، أنها كانت قرية متوسطة ذات منازل حسنة البناء، بعضها بنى من الأجر المجفف بفعل حرارة الشمسفوق أساس من الحجر، وبعضها الآخر بني كلياً من الآجر الترابي. أما السقوففيحتمل أنها كانت من الخشب وأعواد القصيب والطين». وكانت جدران بعض المنازل فى تليلات الغسول قد طليت بالكلس، ودهنت بألوان فاتحة مع رسوم تمثل الإنسان والنجوم، وأحيانا بعض الاشكال الهندسية.
وقد اكتشف موقع تليلات الغسول عام 1928م ثم أجريت فيه تنقيبات خلال االفترة 1929 - 1938م، ومن ثم استمرت التنقيبات فى أوقات مختلفة كان آخرها في عام 1994م. وقد أظهرت التنقيبات أن الموقع قد سُكن خلال الفترة. 4600 – 3600ق.م تقريباً، وكشفت فيه بقايا معمارية مهمة بينها بيوت دائرية صغيرة، على شكل حفر فى السويات الأقدم،ثم ظهرت في السويات الأحدث بيوت كبيرة مستطيلة، بنيت من اللبن فوق أساسات حجرية عميقة، أرضها من الطين المرصوص، وسقوفها من الطين والقصب، ترتفع على أعمدة، تحيط بهذه البيوت مساحات مكشوفة عُثرفيها على دلائل مختلف فعاليات الطبخ والمواقد والتنانير ومخازن بعدة غرف ومشاغل مختلفة. وهناك بيوت صغيرة على شكل حفر دائرية مبنية من الأحجار، يُعتقد أنها لعمليات دباغة الجلود. كما وجد نمط آخر من المنازل المستطيلة ذات الجدار الواحد المنحني. كما كُشف عن المعابد التى مورست فيها شعائر دينية مختلفة، أحدها مستطيل الشكل مدخله من جداره الطويل الذي يفتح على باحة فيهامصطبة، يقوم عليها بناء المعبد الرئيس، ولقد حمل جدار أحد المعابد رسوما تجميلة من أشكال هندسية ونجوم وأقنعة وأشكال بشرية وحيوانية محورة ذات ألوان متناسقة، دلت كلها على القدرة العالية لفناني ذلك العصر، الذين نحتوا من الأحجار المختلفة أشكالاً بشرية محورة أيضاً وقد نحتوا دمى حيوانية تمثل الثور خاصة.
ومن المكتشفات المهمة فى تليلات الغسول، الأدوات الحجرية المنوعة، كالرحى والأجران للطحن والنصال والمناجل والمكاشط ذات الشكل المروحي والأدوات المسننة والأدوات العظمية وأدوات صناعة الأخشاب ومختلف أنواع الخرز ورؤوس الهراوات والثقالات وحجارة المغازل والطبعات الطينية التي تدل على صناعة السلال والمنسوجات، إضافة إلى أحجار دائرية الأشكال يُعتقد أنها استخدمت لوضع الأصواف المصبوغة عليها، كما وجد القليل من الأواني النحاسية كالبلطات والفؤوس.
وتُعد الأوانى الفخارية من أهم مكتشفات هذاالموقع، وكانت عادية وبسيطة في السويات الأقدم، ثم صارت أفضل إتقاناً في السويات الأحدث، وغدت ملونة ومزخرفة بخطوط وأشكال هندسية متنوعة، بينها أواني تخزين ضخمة مزخرفة بالحزوآثار الحبال أوالطبع بالأصابع. وهناك أوان فخارية لها رقاب عالية وأخرى على شكل مضخة، استخدمت لاستخراج الزبدة من الحليب. كما وجدت مزهريات حجرية على شكل صحن عميق يرتكز على قاعدة تتخللها مجموعة من الفتحات، يُظن أنهااستخدمت كمباخر، إضافة إلى الأقماع والصحون والأكواب وغيرها. لقد عُثر في الموقع على بقايا نباتية وحيوانية، تدل على أن سكان الموقع قد عاشوا من الزراعة،ولاسيما القمح والشعير والبقول بأنواعها، إضافة إلى ثمار التمر والزيتون، كما دجنوا الغنم والماعز والبقر والخنازير والحمير.
وهكذا يلاحظ أن صناعة الفخار فى تليلات الغسول قد أحرزت تقدماً ملحوظاً؛ إذ كانت تشوى جيداً فى النار، وصارت تصنع على أشكال عديدة وزخارف مختلفة. وكانت هذه الزخارف غالبا تمثل رسوماً هندسية متقنة لونها أحمر أو بني. وهناك مايشير إلى أن أهالي تليلاتا لغسول تمكنوا من غزل الخيوط، ومن صناعة الحصروالسلال. وقد كانت النساء يتزين بقلائد من الصدف بينما كان الرجال يستعملون الوشم، ينتعلون أحذية مزينة.
ويرى بيك أن في تليلات الغسول علائم مدنية سومرية، تلك المدنية التي غزت شرقى الأردن أثناء فتوحات الملك سرجون العظيم الذي وصلت جيوشه إلى شواطىءالبحر الأبيض المتوسط.
ثغرة الجب
يرجع تاريخها إلى العهد العثماني ويمر منها خط سكة حديد الحجاز
بضم الثاء، وقد ورد في لسان العرب أن الثغرة (بالضم: نقرة النحر، وفي المحكم: والثغرة من النحر الهزمة التي بين الترقوتين، وقيل التي في المنحر).
والثغرة بالعربية تعني أيضاً: الفرجة فى الجبل أوالوادي، وهى بالعبرية: شعر، بالفتح، وبالآرامية ترع، بكسر التاء. والجب بالعربية: البئر، وبالعبرية تلفظ جفي بالضم ثم الكسر، وبالآرامية جف بالضم، والكلمة الآرامية والعبرية: جف(جب) معناها: جب أو حفرة. وفي القرآن الكريم (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين). والجذر السامي المشترك لكلمة (جب) يعنى التجويف والتقعر.
وربما أخذت قرية ثغرة الجب اسمها من موقعها؛ فهى على هضبة تحيطها الهضاب والتلال والجبال، وكأنها ثغرة فيها. ويرتفع بعض هذه المرتفعات المحيطة نحو خمسمائة متر عن سطح البحر. والجب – كماهو معروف – البئر العميقة، وقد سميت ثغرة الجب باسم إحدى الآبار القديمة المنتشرة فيها.
تقع ثغرة الجب في لواء البادية الشمالية الغربية أحد ألوية محافظة المفرق، وهي جنوب المفرق على الطريق الرئيسية بين شمالي الأردن وجنوبيه، وتقع فلكياً على خط الطول 36 درجة و14 دقيقة شرقاً، ودائرة العرض 32 درجة و 16 دقيقة شمالاً. ومن أشهر الجبال التى تحيط بالقرية من جهتي الغرب والجنوب جبل المبرومة، وهو الأعلى بين سلسلة الجبال، وقد سمي بذلك لأن قمته محاطة بشكل دائري بسلسلة من الصخور ذات المنظر الأخاذ، وجبل ظهرة المدفع، ويبدو أنه سمي بذلك لأن قمته كانت موقعاً لمدفع في عهد العثمانيين.
ويرجع تاريخ ثغرة الجب إلى العهد العثماني، ويمر منها خط سكة حديد الحجازالذي أنشأه العثمانيون، وربط بين دمشق والمدينة المنورة فى الحجاز، وتم افتتاحه رسمياً عام1908م. ويدل على قدم هذه القرية؛ ما فيها من آثار وكهوف لم تتم دراستها بعد، غير أنها تؤشر إلى استيطانها خلال عصور قديمة.
وتضم قرية ثغرة الجب التى أصبحت إحدى مناطق بلدية المفرق الكبرى عدداً من المساجد، لعل أهمها هو مسجد عمر بن الخطاب الذي أصبح يعرف باسم(مسجد ثغرة الجب الكبير)، ويقع هذا المسجد في وسط القرية، وقد تم بناؤه عام1952م، وتم تحديثه منذ ذلك التاريخ أكثر من مرة، ولكن الظروف استدعت هدمه عام 2008م لإنشاء مسجد حديث مكانه، وهذا المسجد الجديد أصبح متعددالأغراض، ويتسع لحوالي ثلاثة آلاف مصلٍ. وإضافة إلى مسجد ثغرة الجب الكبيريوجد فى القرية مسجدان آخران حديثان هما مسجد زيد بن حارثة، ومسجد أبي بكر الصديق، وقد تم بناؤهما في أواخر التسعينيات من القرن العشرين الميلادي،ويقع أولهما في الجهة الشمالية الشرقية من القرية، بينما يقع الثاني في الحي الغربي.
وتتوفر قرية ثغرة الجب على مدرستين ثانويتين للبنين والبنات، ومدرسة أساسية مختلطة، كما تتوفر على مركز صحي أولي، وجمعية خيرية، ومكتبة عامة تتبع البلدية.
وقد بلغ عدد سكان ثغرة الجب حسب إحصاء عام 2004م ( 1893) نسمة، يرجع نسب معظمهم إلى عشيرة البدارين، ومن فروعها في القرية: الحموان،والزامل، والروضان، والزويمل، وغيرها. وقد كان الاعتماد الرئيسي للسكان على الزراعة، وخاصة زراعة القمح والشعير والزيتون، ثم اتجهوا إلى العمل فى القطاعين العام والخاص، بما في ذلك العمل في المصانع المنتشرة في محافظة المفرق.
بصيرا
كانت عاصمة مملكة أدوم التى امتدت من وادي الحسا شمالاً حتى خليج العقبة جنوباً
تلفظ أيضا (بصيرة) بالتاء المربوطة، والبصيرة: الترس أو الدرع وكل ما لُبس جُنة. وربما سميت بذلك لموقعها المتحصن بالجبال، فهى معقل طبيعى محمي بالجبال من حولها، وقد زاد فى منعتها وتحصينها أن لها مدخلاً ومخرجاً واحداً.
وقد ذكر العبادي أنها تقع على جبل يمتد كالظهر من الشرق إلى الغرب محاط من جميع الجهات بحواف جروف وديانية عميقة ما عدا من جهة الشرق حيث ترتبط بمدخل ضيق كالعنق يربطها ببقية جبال الطفيلة.
تقع بصيرا على بعد 22 كم جنوب الطفيلة، وهي على خط الطول 35 درجة و37 دقيقة شرقاً، ودائرة العرض 30 درجة و 44 دقيقة شمالاً، ويحدهامن الشرق قريتا غرندل وأم السرب، ومن الغرب وادي فينان وسيل النخيل، ومن الشمال العين البيضا، ومن الجنوب الرشادية.
وقد كانت بصيرا عاصمة مملكة أدوم التى امتدت من وادي الحسا شمالاً حتى خليج العقبة جنوباً، وهى مملكة نشأت خلال العصر البرونزي المتأخر والعصرالحديدي الأول 1550- 1000 ق.م، وقد عثر في بصيرا على مجمع بنائى يعتقد أنه قصر أو مركز إداري، كما عثر فيها على العديد من القصور والمعابد التي ترجع إلى عهد الأدوميين.
وقد منع بعض ملوك الأدوميين النبي موسى عليه السلام من المرور بأراضيهم بينما كان عائدا من مصر. كما أن النبي داوود عليه السلام لجأ إلى ملوك الأدوميين أثناء فراره من شاؤول باتجاه وادي عربة، غير أن داوود عندما صار ملكاً هاجم أدوم رغم عون أهلها له أثناء محنته. وقد فر أحد ملوك بصيرا وهو (هدد) من وجه داوود إلى مصر، حيث ا ستقبله فرعونها وأكرمه وزوجه من أخت زوجته،ثم عاد بعد وفاة داوود إلى بصيرا، وجلب معه هدايا كثيرة. وقد نهضت مملكة أدوم فى عهده من جديد.
وخضعت بصيرا بعد الأدوميين لحكم الأنباط، ثم الرومان. وفي أثناء الحكم الروماني خضعت للغساسنة، واعتنق أهلها النصرانية، وكانوا يقيمون شعائرهم في جنوب بصيرا حيث توجد خربة تسمى خربة النصرانية كانت فيها كنائس مبنية بحجارة تم نقلها من بصير الأدومية القديمة. ويلاحظ من الحفريات التي قامت بها السيدة كريستال بينيت أن الحضارة الآشورية كان لها تأثير واضح عليها، وذلك في القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، كما أنها كانت مأهولة فى العصرين الروماني والبيزنطي. كما يلاحظ أن منطقة بصيرا كانت مكتظة بالسكان، ففيها أكثر من 144 خربة لم يتم التنقيب فيها، وقد ظلت مدينة بصيرا عاصمة للأدوميين لمدة سبعة قرون، وانتشر حولها هذا العدد الكبير من القرى، وخاصة أنها كانت وافرةالمياه،إذ كان فيها أكثر من ثلاثين عين ماء جميعها نبع.
وكانت بصيرا محرك الجيوش الإسلامية لفتح بلاد الشام بدءاً بمعركة مؤتة، فقد بعث رسول الله (ص) الحارث بن عمير الأزدي «بكتابه إلى الشام، إلى ملك الروم،وقيل إلى ملك بصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فأوثقه رباطً، ثم قدم فضربت عنقه صبرا، ولم يقتل لرسول الله (ص)، رسول غيره، فلما اتصل خبره برسول الله ، بعث البعث الذي سيره إلى مؤتة، وأمر عليهم زيد بن حارثة في نحو ثلاثة آلاف، فلقيهم الروم في نحو مائة ألف».
وللحارث بن عمير الأزدي مقام على أطراف بصيرا، وتبلغ المساحة المسقوفة للمقام1200 متر مربع، وقد روعي في تصميمه النمط المعماري الإسلامي والزخارف الإسلامية. وهو مشروع حديث أصبح يشهد حركة سياحية نشطة؛ إذي جدب نحو عشرين ألف سائح سنوياً.
وكانت بصيرا فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي قرية صغيرة تتألف من حوالي خمسين بيتاً. وقد وصف بيركهارت بصيرا وموقعها فقال:»وهي تقوم على مرتفع بنيت على قمته قلعة صغيرة يضع فيها الفلاحون مؤنهم عند وقوع غارة عدوانية. وهى عبارة عن بناء حجري مربع له أسوار متينة... ونساء البصيرة هن أول من شاهدتهن من النساء يضعن البرقع أو الحجاب المصري على وجوههن».
وقد تم تأسيس أول بلدية في بصيرا عام 1972م، ثم أصبحت مركز قضاء عام 1985م، وكان فيها حينئذ مدرسة ثانوية للذكور وأخرى للبنات، وكان فيها سبعمائة بيت، ومسجدان.
وتتبع بلدة بصيرا إداريا فى الوقت الحاضر (2009 م) لواء بصيرا، وهي مركزه. ولواء بصيرا هو أحد ألوية محافظة الطفيلة. وتضمها بلدية الحارث بن عميرالتي تضم أيضاً قرية غرندل.ويبلغ عدد سكان بصيرا نحو سبعة آلاف نسمة حسب إحصاء عام 2004 م وينتمي معظم السكان إلى عشائر السعوديين. والسعوديون فرع من قبيلة النعيماتالموزعة فى الجولان والبلقاء والكرك، ويقال انهم قدموا إلى بصيرا من خربة(شمخ) الواقعة بين البترا والشوبك. وجد السعوديين الأول هو: سعود بن خليفة بن منصور الأعمى، وقد عقب خليفة أربعة أبناء هم: سعود جد السعوديين، وملحام جد الملاحيم بالشوبك، ونول جد النعيمات بالشراة، ورفيع جد الرفوع الذين يشكلون مع السعوديين غالبية سكان بصيرا.
ويعمل سكان بصيرا فى الوظائف المختلفة العسكرية والمدنية، وفى شركة اسمنت الجنوب وشركة الفوسفات، ويعمل كثيرون منهم في الزراعة، وخاصة زراعة العنب والزيتون والمشمش والدراق والخضروات، كما يزرعون الحمضيات في الأودية.وتوجد في البلدة ثماني مدارس حكومية للبنين والبنات أنشئت أولاها عام1921م. ويوجد فيها أيضا مركز صحي شامل، وعدد من الجمعيات والنوادي والمراكز الشبابية.
*قسم التاريخ- كلية الآداب
الجامعة الأردنية