"عجينة العروس" .. إحدى عادات الزواج في التراث الفلسطيني
اعتاد الناس قديماً أن يقدموا للعروس ليلة زفافها، "عجينة" على طبق مزيّن بغصن من الزيتون أو الريحان، لتلصقها على باب منزلها قبل الدخول إليه.وكثيراً ما سمعنا لذلك علاقة بديمومة الزواج، فإن بقيت تلك العجينة ثابتة ملتصقة لمدة أسبوع، فهذا فأل طيّب، أما إن وقعت ما قبل نهاية الأسبوع، فتعيس حظ تلك العروس، التي لن يدوم زواجها طويلاً وفقاً للمعتقدات السائدة.
عندما سألتُ الحاجّة افتخار التميمي (70 عاماً) من مدينة الخليل عن هذه العادة، قالت إن أم العريس تقوم بعجن العجينة، ثم تقدّمها في يوم الزفاف لعروس ابنها مع بعض الوردات، ثم تُلصقها على الحائط.
وتُضيف أنها قامت بعمل ذلك لمعظم "كناينها" (زوجات أبنائها)، وعندما سألناها عن سبب هذه العادة الفلسطينية قالت وهي تضحك "لا أعلم .. هي عادة توارثناها عن أمهاتنا وكانوا يقولون لنا علشان تلزّق العروس بدار زوجها".
وبعد البحث الدقيق حول الموضوع، لم نجد أن تلك العادة الفلسطينية التي ورثناها حتى اليوم جاءت من فراغ، وإنما للعجينة دلالة على عدّة أمور منها؛ الديمومة، النسل، والحياة.
ويقول الناشط الفلسطيني أو كما ينادونه "الحكواتي" حمزة العقرباوي، إن هناك جملة من المعتقدات والممارسات المرتبطة بالزواج في الموروث الشعبي الفلسطيني والتي تهدف للحفاظ على علاقة دائمة بين الزوجين، لافتاً إلى أن "أجدادنا كانوا يعتقدون بأن هذه الممارسات تساعد الزوجين على بناء علاقة دائمة ومستقرة".
ويوضح لـ"قدس برس"، أن هذه الممارسات المتوارثة، نابعة من جملة معتقدات قديمة وموروث قديم جداً، مرتبط بعلاقة الإنسان بالظواهر المحيطة به، ولعلّ كثيراً من "طقوس الأعراس" ما زالت حاضرة لاستمرار الفعل (أي الزواج) ولأن الحاجة لإدامة العلاقة ونجاح الزواج لا تتوقف.
وإن أكثر ما كان يشغل تفكير أجدادنا قديماً هو "الإنجاب" وحفظ النّسل، وهذا ما كانوا يفخرون به ويقولون عنه "العِزوة"، فهم يسعدون عندما ينجبون الذكور ويحملون أسماءهم إلى ما شاء الله أن يكون.
ويضيف العقرباوي: "نعم إن أحد أسباب الزواج هو حفظ النسل وكثرة الإنجاب، وتحديداً الذكور، لذلك كانوا عندما يحضّرون العجينة للعروس، يتم اختيار امرأة قد أنجبت ذكوراً وذلك من باب سحر المحاكاة، وإسقاط فألها الطيّب على العروس الجديدة".
وكان يُمنع قديماً أن تحضر العجينة امرأة عاقر أو فتاة عزباء، وقد يتم توكيل تلك المهمة لأم العريس "الحماة" ذاتها، وليس تحديد من يحضّر العجينة فحسب.
ويتابع العقرباوي: "إن ليلة الزواج أيضاً يتم تحديدها بحيث تكون ليلة مُقمرة أو ليلة نجوم، لأن أجدادنا كانوا يعتقدون بأن ذلك يساعد على استقرار الحياة الزوجية كاستقرار وثبات النجوم والقمر في السماء".
عجين القمح
ويشير العقرباوي إلى أن القمح يحظى بقداسة كبيرة في المجتمع الفلسطيني، وكذلك لدى الشعوب البدائية، فالقمح "سبب البركات، حيث يتم زرع حبة قمح، فتعطيك سبع سنابل، وفي كل سنبلة 100 حبة، وبالتالي فإن القمح هو مصدر التكاثر والزيادة الكبيرة".
ولذلك تُجبل عجينة القمح دون غيرها، ويُطلب من العروس إلصاقها على الباب، في دلالة على "الإثمار" والإنجاب والذريّة، فكما أن القمح يثمر ويكثر ويزيد بشكل كبير، فإن هذه العروس ستُنجب وتكثّر من عدد أفراد البيت، وفقاً لما قاله "الحكواتي".
ماذا كنّ النسوة يقلن عند وضع تلك العجينة؟
عندما تُعطى العروس تلك العجينة، فإن أهل العريس من النسوة يبدأن بالغناء لها قائلات: "أول حضورك ، عجينة عطولك .. تجيبي الصبيان، ونيجي نزورك"، وعندما تنفّذ العروس المهمة، ترتفع أصوات الزغاريد.
ثم تبدأ النسوة بالـ"مهاهاة" لأم العريس ويقلْن:
يا ريتك مباركة علينا علينا
وتبكّري بالصبي يلعبْ حوالينا
يا ريتك مباركة على (اسم العريس) لحاله
وتبكرّي بالصبي وتكثّري عياله
يا ريتك مباركة عَ السلف والسلفة
وتبكّري بالصبي وتكثري الخلفة
يا ريتك مباركة علينا يا زينة
وتبكّري بالصبي وتكثّري العيلة
لماذا يكون مع العجينة زرع أخضر؟
عندما يتم إلصاق العجينة على يمين الباب أو فوقه، يتم إلصاقها مع غضن أخضر، قد يكون زيتونا، أو ورق عنب أو نوعا من أنواع الورود.
ويختتم العقرباوي حديثه معنا قائلاً: "إن والدته تقول بأن ما يتم وضعه مع العجينة يجب أن يكون أخضراً لا يابساً، كناية عن العطاء، والإقبال على الحياة، والأخضر بشكل عام يدل على الشجر المُثمر".
ربّما تكون هذه العادة حاضرة حتى يومنا هذا، خاصة في الأراضي المحتلة عام 1948، لكنها لم تعد منتشرة كسابق عهدها، إلّا أنها عادة تراثية يفخر الفلسطينيون بها، كونها تعرّف عمّا كان يجول في خواطر أجدادنا حينما قاموا بفعلها أول مرّة، لتصبح بعدها ضمن الموروث الشعبي الفلسطيني.