دول الخليج : العمق والجدار والاخوة والجوار
طاهر العدوان [ 2017\01\25 ]
الشيخ هليل اجتهد ولم يسئ اما النائب الصفدي فاساء ولم يجتهد طبا
0inShareلاتزال ( خطبة الشيخ احمد هليل واستقالته ) تتفاعل على صفحات التواصل الاجتماعي ، لم تغادر بعد احاديث الاردنيين في منازلهم وفي الشارع والدواوين . قليلون هم الذين تمادوا بالاساءة اليه ، وكثير هم الذين ( لم تأخذهم الهوجة ) في فهم ما قاله بخطبة الجمعة ، ولا فهموا الاسباب التي دعت البعض للتشفي به بعد استقالته ، وهو الشيخ الجليل الذي عرف بعفة لسانه ووطنيته وتواضعه في علمه وخلقه وتفانيه في خدمة العرش الهاشمي . لم تُفهم الاسباب ، خاصة بعد ما صدر من اقوال عن النائب احمد الصفدي ، هي الاغرب والاسوأ ( على هامش خطبة هليل ) عندما تحدث بما لم يسبق وان صدر عن اي مسؤول اردني تجاه دول الخليج منذ ان كانت المملكة الاردنية وحتى خلال تدهور العلاقات بين الاردن ودول الخليج خلال ازمة عام ١٩٩٠ ( غزو العراق للكويت ) .
خطبة الشيخ تفاعلت وأدت الى ما أدت اليه لانها تعرضت للعلاقات الاردنية الخليجية انطلاقا من الازمة المالية التي يواجهها الاردن . لقد اجتهد عندما استخدم المنبر ليذكّر دول الخليج باهمية العلاقة التاريخية والحاضرة مع بلاده ، داعيا إياها الى مساعدة وطنه من منطلق الاخوة والجوار والشراكة والمودة والمصير الواحد . لم يكن التحذير الذي وجهه من باب التهديد والوعيد انما من باب الإشارة الى ان الاردن والدول الخليجية هي كالجسد الواحد ففي الحديث الشريف " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ". ومن يستمع الى خطبته بموضوعية وانصاف سيجد ان ما قاله لا يندرج تحت لغة التوسل والاستجداء ، انما من قناعاته بانه يخاطب "اولو الامر " كما ذكر ذلك صراحة ، وأولو الامر يخاطبون من قبل أئمة المساجد ، ومن على منابرها ، في كل صلاة جمعة بجميع مساجدالدول الاسلامية ابتداء من الحرم المكي الشريف .
كما ان في تحذير الشيخ ، كما جاء في سياق خطبته ، ما ينفي بانه جاء من باب التهديد والوعيد . بكل الاحوال لم يقل ما قاله في مؤتمر صحفي حتى يختار العبارات الدبلوماسية ، انه ليس رجل سياسي ، انما امام وخطيب قال ما قال من على منبر مسجد ، وفي خطبة يوم جمعة ، وهي خطب تصاغ عادة بعبارات ممزوجة بعواطف شخصية مباشرة من الامام .
اما ما قاله النائب احمد الصفدي ( في الفيديو المتداول على اليوتيوب ) فقد غاب عنه حصافة السياسي والمشرع ، فيه من الاساءة لمصالح الاردن ما يحتاج الى الاستدراك والاعتذار ، وانا هنا لا اتحدث نيابة عن دول الخليج مجتمعة ولا منفردة ، انما لشعوري كمواطن وكصحفي عايش لعقود مسيرة العلاقات بين الجهتين وخاصة بين الاردن والسعودية ، متابع لأجواء ربيعها الطويل و غيوم خريفها القصير جداً ، يجد من الظلم ، للاردن ولدول الخليج ، ان تُقيّم العلاقات الأخوية والتاريخية بينهما من منطلق الازمة الماليه التي تعيشها بلادنا ، اومن توقف المعونات المالية المباشرة اليها من السعودية ودول الخليج مثل الكويت والإمارات العربية ، والظلم يكون اشد للاشقاء في الخليج عندما يتم تجاهل ما قدمته للاردن ، ولموازنته العامة من مساعدات ومنح ، انطلاقا من توقعات بتوقفها ، بسبب ما تواجهه دول الخليج من اوضاع مالية بعد الحرب في اليمن وتراجع أسعار النفط الى النصف .
على مدى ٦ عقود قدمت السعودية والكويت والإمارات الاف المليارات الى الاردن كمنح ومساعدات في الوقت الذي استوعبت فيه اسواق العمل في الخليج حوالي مليون اردني ، وكان الرقم اكبر خلال ال ٦٠ عاما السابقة . العلاقة الاردنية السياسية والاقتصادية مع الخليج كانت دائماً قوة استقرار ومحرك قوي لتنمية لبلادنا . وعندما كان المراقبون يتابعون تطور وازدهار الاقتصاد الوطني في النمو والتنمية ، فانهم كانوا يصفون الاردن بانه دولة خليجية بدون نفط . لقد قدمت السعودية ( على سبيل المثال ) المليارات للاردن كمنح ومساعدات بلغت في احدى السنوات الماضية اكثر من مليار دولار ... وقبل اشهر فقط انتهت السنوات الثلاث التي قدمت خلالها دول الخليج اكثر من ٤ مليارات دولار للإنفاق على مشاريع تضعها الحكومة ( المبلغ المرصود ٥ مليارات لكن قطر لم تدفع حصتها ).
جميع المنح والمساعدات المالية السعودية والخليجية كانت تأتي الى الخزينة بشيكات بدون توقيع اتفاقيات مسبقة مليئة بالشروط ، كما يتم في المنح الأوروبية والأمريكية التي تضع شروطا وتحدد جهة الصرف ، وتتم بعد زيارات واتصالات وتعهدات للدولة المانحة . الخليجيون وفي مقدمتهم الشقيقة الكبرى السعودية ، كانوا يرسلون التحويلات بمئات الملايين الى الخزينة الاردنية دون ان يسألوا او يشترطوا على اي بنود من الموازنة يجب ان تصرف . لم يتحدثوا عن زمن للسداد ، او اعتبار ما يقدم مديونية ، ولم يطالبوا بفوائد ، او بضرورة فرض ضرائب تجبى من جيوب المواطنين ، اوعن دعم يجب ان يرفع كما يفعل صندوق النقد الدولي الذي يضع شروطا مذلة على الدول لانه يتدخل في صلب سيادتها الوطنية ، عندما يفرض عليها ، ان تجبي وترفع ، على حساب الشعب وطبقاته المتوسطة قبل أغنياءه . ( قبل ايام قدمت الإمارات منحة للخدمات الطبية ب ٢٠٠ مليون دولار ).
انها اوهام ، لا تمت الى مصالح الدولة تلك التي تظن بان علاقات اردنية مع امريكا او روسيا تشكل بديلا عن علاقات الاردن مع دول الخليج ، علاقاتنا مع الغرب والشرق ضرورة سياسية وامنية وتساعدنا في الحصول على القروض او في التوسط عند الصندوق الدولي ليعطينا قروضا جديدة تُعظم ارقام المديونية ، لكن علاقاتنامع دول الخليج هي علاقة الديموغرافيا والمصالح الباقية دوما . هي عمقنا الاستراتيجي والجدار الذي نستند اليه والسوق الذي نجد فيه الوظائف لأبنائنا ولتجارتنا . بعد انهيار الجدار العراقي ، لم يتبقى للاردن في المنطقة غير العمق والجدار الخليجي ( الم تسمعوا تصريحات المالكي قبل ايام الذي تعهد بتمزيق كل اتفاقيات بغداد مع عمان لان الاردن عدو حسب زعمه ، صحيح ان المالكي خارج الحكم لكن حزبه هو الذي يحكم ) .
من يهمه مصالح الاردن الحيوية والاستراتيجية لا يتخذ من خطبة الشيخ ، ولا من الضائقة المالية فرصة للردح والشتم وارسال الكلام على غير عواهنه وبما يمس هذه المصالح بالصميم ، عدم وجود مساعدات مالية خليجية بالحجم الذي يتخيله البعض يجب ان لا يمثل عقبة من اي نوع في طريق الحفاظ على هذه العلاقات الاستراتيجية وتنميتها .. وكفى ترديد المقولة التي يستخدمها البعض للمس بهذه العلاقات بالزعم ( بان الاردن يحمي حدود السعودية ) هذا كلام غير صحيح ويجب التوقف عن ترديده ، حدودنا مع السعودية التي تبلغ ٧٥٠ كم ، تحميها العلاقات الأخوية والمصالح المتبادلة والوشائج الوثيقة بين الشعبين ، لا تحميها طائرات ولا صواريخ ولا فرق عسكرية .
الشيخ الدكتور احمد هليل اجتهد وفي الحديث الشريف " من اجتهد ولم يصب فله أجر ومن اجتهد وأصاب فله أجران " هو لم بسئ ولا يستحق هذه الهجمة الظالمة عليه ، كما ان خدمته الطويلة في الحضرة الهاشمية ، وفي الدولة ، تضاعف الاستغراب من حالة الصمت الرسمي على ما يتعرض له .. من اساء هو النائب الصفدي بما قاله عن العلاقات مع الخليج ، لقد استخدم مفردات لم يُعرف عن الدبلوماسية الاردنية قول مثلها تجاه اي بلد ، وهي في كل التقييمات ضارة بصالح البلاد وسمعته ومكانته في الوقت الذي تستعد فيه عمان لاستضافة القمة العربية . ليس من شيم الاردنيين التنكر للاشقاء ومقابلة الحسنة بالسيئة ، بل في عمق تقاليدهم وتقاليد الاسرة الهاشمية ان تظل عمان كما كانت عليه عندما استضافت قمة عربية سابقة عاصمة للاتفاق والوفاق .
اخيرا ، للمملكة العربية السعودية كل المحبة والتقدير والاحترام وكذلك لدول الخليج مجتمعة ومنفردة ونأمل ان يكون ما حدث من تأويلات غير موزونة وكلام غير مسؤول يمس هذه العلاقات الأخوية الراسخة ، هو مجرد كلام عابر في انفعالات عابرة لا قيمة لها امام قوة العلاقة الاردنية الخليجية .