كارنيغي: الدول العربية بحاجة لعقد اجتماعي جديد
التاريخ:23/1/2017
عمان- قسم الترجمة
أطلق مركز كارنيغي للشرق الأوسط تقريراً جديدا بعنوان "انكسارات عربية: مواطنون، دول، وعقود اجتماعية"، بهدف البحث في جذور الأوضاع السياسية التي وصلت لها الدول العربية والطبيعة المتغيّرة للنظام الإقليمي العربي.
وقال التقرير إن " أركان النظام العربي القائمة منذ أمد بعيد، وهي المساومات السلطوية وعائدات الموارد الهيدروكربونية، آخذة بالانهيار، فيما تواجه المؤسسات السياسية المطالب المتعاظمة لجماهير السكان المتزايدة. وكان من نتائج ذلك انتشار العجز والقصور والقمع على نطاق واسع في المجالات الاقتصادية الاجتماعية، ما أدى إلى تفكّك الدولة على نحو غير مسبوق، بخاصة في العراق، وليبيا، وسورية، واليمن".
وأضاف،" ثمة أزمة بين الحكومات والمواطنين. كما تداعت المساومات السلطوية التي تقوم بموجبها الأنظمة بتقديم الخدمات الاجتماعية والوظائف الحكومية على سبيل المقايضة، لاسترضاء المواطنين. وقد أخذت هذه العقود الاجتماعية بالتآكل، في الوقت الذي لم تعد فيه الميزانيات المتضخمة والإدارات البيروقراطية المنتفخة قادرة على تلبية احتياجات التكاثر السكاني."
وحول مستقبل الأوضاع السياسية في الوطن العربي لفت التقرير إلى لجوء كثير من الدول العربية بصورة متزايدة، إلى استخدام الوسائل القسرية لإعادة تأكيد قدرتها على السيطرة. "غير أن المواطنين لن يتخلّوا عن مطالبتهم بالمزيد من المساءلة والمحاسبة، والشفافية، والفعالية السياسة، بينما تتناقص خدمات الرفاه الاجتماعي، مما يرجّح تصاعد التوتر بين المواطنين والدولة".
وتابع " إن انهيار النظام الإقليمي، مثّل في جوهره أزمة ثقة بين الحكومات والمواطنين. ففي العام 2011، اتضح أن ما يسمى عقوداً اجتماعية إنما كان من طرف واحد، لأن المواطنين في المنطقة رفضوا بشكل صريح الأسس التي أقيمت عليها المساومات السلطوية".
وحول أزمة اللاجئين التي تعاني منها دول المنطقة قال التقرير: " إن مع ارتفاع حدّة الصراع، قد يتواصل تدفق السكان النازحين على جانبي الحدود في البلدان العربية، دخولاً وخروجاً. وسيولّد هذا التوسع تحوّلات أكثر إثارة في النسيج الاجتماعي والنظرة الاقتصادية للمنطقة. وعودة هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين ستعتمد، إلى حد بعيد، على شكل تسويات السلام التي ستضع حدّاً للنزاعات الحالية، وعلى قدرتها على ضمان السلامة والأمن لمن استطاع أن ينجو من أهوالها. وسيسهم توفير بنية تحتية نشطة اقتصادياً وموجّهة نحو قطاع الخدمات، وأوضاع إعادة الإعمار، واحتمال مشاركتهم في حكم أنفسهم بأنفسهم، في تسهيل عودة اللاجئين إلى أوطانهم بصورة آمنة."
ولفت التقرير إلى أن استمرار الحروب في الدول العربية يحتم على باقي الدول القيام بجهود حقيقية لانهاء الصراعات لان شررها سيمتد إليهم وأضاف، " على الحكام العرب أن يعملوا على إنهاء القتال في الأقطار المجاورة، لا على تسعيره، وأن يحرصوا على حماية وحدتها وسلامة أراضيها بدعم الديمقراطية على أساس المواطنة المتساوية وحماية الحقوق الثقافية والدينية للجميع. ولا بد من تجنب اتفاقيات "تقاسم السلطة" على أسس طائفية وعرقية، فهي وإن ساعدت على وقف الحروب غالباً ما تفتّت المجتمعات."
متغيرات جديدة تفرض واقعا جديدا
اعتبر المركز أن الواقع الجديد الذي تعيشه دول عربية كثيرة جاء بعد تحولات عدة فوفقا للتقرير، "لقد بدأت العقود الاجتماعية العربية بالتآكل في مطلع القرن الواحد والعشرين؛ إذ لم تعد الميزانيات المتضخمة قادرة على تغطية نفقات المستويات المناسبة من التحصيل العلمي، والرعاية الصحية والخدمات الأخرى، كما أخفقت في خلق بيئة سليمة لنمو القطاع الخاص واستحداث فرص العمل48 وعندما تتوقف العقود الاجتماعية عن أداء تلك الأدوار بشكل سليم، ينزل الناس إلى الشوارع".
وتابع " والأرجح أن المحاولات لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل العام 2011 ستبوء بالفشل لأن مشاعر الإحباط التي أدت إلى الانتفاضات لازالت ماثلة للعيان. وتُعتبر المنطقة بحاجة ماسة إلى عقود اجتماعية جديدة مُتفق عليها لتلبية مطالب المواطنين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. لكننا لم نشهد حتى الآن دليلاً على أن أغلب البلدان العربية، باستثناء تونس، تخطط للتحرك في هذا الاتجاه."
ومن أهم أسباب الاحتجاجات في البلدان العربية وفقا للتقرير " فساد النخب" حيث أشار التقرير إلى أن " النخب السياسية والاقتصادية في البلدان المنتجة للنفط وغيرها، مثل مصر والأردن وتونس، أفادت من الامتيازات التي قدمتها الأنظمة لقاء ما تقدمه من مشاعر الولاء. ومع مرور الوقت، أسفرت مظاهر الترف التي تتمتع بها تلك النخب ودلائل الجور والفساد في توزيع الموارد إلى تعاظم الإحساس بالاغتراب في أوساط الجماهير".
وانتقد التقرير نظام الاقتصاد الريعي المطبق في عدد من الدول العربية وقال، "لقد وصل النموذج الريعي، الذي انتشر على نطاق واسع في المنطقة حتى الآن، إلى مرحلة التشبّع. كما بلغت الحكومات الحدود القصوى من قدرتها على المحافظة على فرص العمل في القطاع العام، وعلى زيادة مديونيتها العامة، والمحافظة على القروض الخارجية. غير أن المحاولات الرامية إلى تغيير هذه الأنظمة ستواجه مقاومة كبيرة من النخب السياسية والاقتصادية التي لاتريد أن تخسر ماتتمتع به من امتيازات. ومن المتوقع أن تبرز المعارضة في أوساط أجهزة الدولة البيروقراطية التي تفتقر إلى رؤية لكيفية الانتقال إلى نظام من النمو الشامل المُستدام".
واقع الاقتصاد في البلدان غير النفطية والحلول الممكنة
إن البلدان غير المنتجة للنفط في المنطقة، بما فيها مصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس، قد تكون في المدى القريب أكثر تعرّضاً إلى الصدمات المالية. ذلك أن مستوردي النفط في المنطقة يفيدون ظاهرياً بسبب الانخفاض الكبير في تكاليف الإنتاج ونفقات دعم المحروقات. غير أن الكثير من هذه البلدان تفتقر إلى احتياطيات النقد الأجنبي، كما أنها غدت تعتمد على واردات نفط الخليج على هيئة مساعدات مالية، واستثمارات وفرص عمل، وتحويلات نقدية، ما أدّى إلى إعاقة التنمية السياسية والاقتصادية مع الزمن.
و حول الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها كثير من البلدان العربية ومنها الأردن أشار التقرير إلى أن " البلدان المستوردة للنفط، التي تعتمد منذ أمد بعيد على التحويلات النقدية، والمساعدات والاستثمارات الخارجية، ستواجه ضغوطاً متزايدة جرّاء انهيار أسعار النفط"
وحول الحلول المطروحة لمواجهة هذا الواقع قدم التقرير عددا من الحلول من أبرزها:
1- فك الروابط بين أنظمة السيطرة السياسية والاقتصادية نماذج سياسية اقتصادية جديدة.
2- بناء ثقافة للتشاور والحوار تتمحور فيها الائتلافات السياسية حول أهداف محدّدة تجري متابعتها من خلال سياسات متماسكة.
3- إعطاء المواطنين مزيداً من الحرية في تحديد خياراتهم السياسية عن طريق البرلمانات المنتخبة، ومجالس الشورى، والمجالس الاستشارية المحلّية؛ ومع مرور الوقت، ستكون هذه الحكومات أقرب إلى الملكيات الدستورية.
4- توفّر التزام حازم بالتعددية بجميع جوانبها.
5- إصلاح وحوكمة القطاع الأمني والقوات المسلحة على الأجندة العامة.
6- التعاون الوثيق لتصميم إطار مفاهيمي جديد للتكيف مع التغيرات التكنولوجية المضطردة بسرعة وفاعلية عالية، وإلا فإن العالم العربي سيتخلّف عن مواكبة العالم الرقمي وسيخسر فرصة ثمينة للتنمية وإعادة صياغة المجتمع.
وفي خلاصة التقرير أشار إلى أنه لن يكون بمقدور الدول العربية تنمية مجتمعات مزدهرة إلا إذا اقتدت بنماذج سياسية واقتصادية جديدة. وبما أنه يُطلب من المواطنين أن يُضحّوا بمزايا المعونة الاجتماعية التي اعتادوا عليها منذ عهد بعيد بدعوى التقشف المالي، فإن قبولهم بالأنظمة القديمة التي ستوجّه فيها السلطة أوامرها من القمة إلى القاعدة سيتوقف، وسيطالبون بالمساءلة، والعدل، وبدور أكبر في القرارات المتعلقة بالقضايا الوطنية.