تقاعد المرأة ... وماذا بعد؟
هل يمثل التقاعد بالنسبة للمرأة نهاية مرحلة والعودة إلى قواعدها المنزلية سالمة، أم هي بداية مرحلة جديدة لها تحدياتها والتزاماتها والتي تجد المرأة نفسها مضطرة لتقديمها من جديد. كثيرات ممن يطالبن بتقاعد مبكر للمرأة بسبب استعادة الاهتمام بالأبناء والزوج وشؤون الأسرة، يجدن أنفسهن بعد فترة أسرى للفراغ والملل أو حبيسات المسلسلات التركية وأخواتها.. هؤلاء أو بعض منهن يقررن العودة للعمل مرة أخرى، لكن هذه المرة ليس العمل العام، لكنه العمل الخاص، وهناك الكثير من المشروعات الناجحة الآن والتي أقامتها نساء بعد أن تقاعدن عن الوظيفة، آخريات ربما يستعدن رغبة قديمة في مواصلة ما فات من مراحل التعليم المختلفة، فمن حصلت على الثانوية تقرر خوض التعليم الجامعي، وصاحبة الشهادة الجامعية يغريها لقب «دكتورة»، فتبدأ في دراسات جامعية عليا.
هذه جوانب إيجابية للتقاعد، إلا أن الحياة ليست كلها وردية، فهناك من تستغل تفرغها بعد التقاعد لمراقبة تصرفات الزوج ومطاردته، لتتحول المشاحنات الزوجية إلى الدوام يوميا، هذا النوع من النساء تحديداً تقاعدهن ربما يكون مفيداً لهن وضاراً بالأسرة.
يردد البعض بأن المرأة أكثر تخطيطاً وتنظيماً لمسار التقاعد، في وقت يسلم البعض الآخر باستهانة المرأة بالتقاعد وعدم التخطيط له، بما يضعها في مطب تداعيات نفسية واجتماعية تنعكس مشكلات في واقعها الأسري وفي نظرتها لنفسها.
بين المرأة والتقاعد، علاقة ود تؤطرها الوظائف المتعددة للمرأة داخل وخارج المنزل حيث لا تتقاعد النساء من أمومتهن. على الرغم من ذلك، تجد بعض النساء في التقاعد منفذاً لتفاقم الخلافات مع الزوج المتقاعد ربما والأبناء بعد أن استقر بهن الوضع «عاطلات عن العمل ومتقاعدات من الحياة». في المقابل، ثمة نساء تقاعدن وانخرطن في مجال المشاريع وتحولن إلى سيدات أعمال من الدرجة الأولى واستثمرن نوافذ جديدة للعطاء.
بين الإطلالة على حياة جديدة وإقامة مشاريع وغيرها وبين التفرغ للمشاحنات مع الخادمة أو الزوج، تطل بعض التجارب النسوية التي تخطط للتقاعد وتنوي استثماره بالشكل الإيجابي.
التقاعد فرصة للتأمل!
بعد عشرين عاماً من العمل، تدرس أمل عواد خيار التقاعد بحجة أن يلتفت الفرد إلى حياته الخاصة كون التقاعد «حياة ثانية للمرأة تكتشف فيها نفسها أكثر وتعطي من حولها وتثري حياتها الاجتماعية بعد أن يكون قد استهلكها الدوام». منذ تلك اللحظة وعواد تخطط لمشروع ما بعد التقاعد كفرصة للتجديد والخروج من روتين العمل اليومي، بـ»تأسيس مشروع في مجال الإعلام والتفرغ لكتابة القصص والروايات».
تجد أمل في التقاعد «ملاذاً للتحليق في فضاءات أكثر حرية: «التحرر من العمل اليومي قد يتيح لها الاستمتاع أكثر بالسفر والتصوير والكتابة. لا ينصب هدفها على التقاعد بجانبه المالي البحت، بقدر استيفاء البعد النفسي والاجتماعي: «فالتقاعد فرصة للمرأة لتعزيز علاقتها مع عائلتها والمحيط الاجتماعي من أهل وجيران في ظل وقت أكبر يتيح لها التحرك أكبر».
تتلمس أمل وعي المرأة في الوقت الراهن إلى تخطيط شامل لكل مناحي حياتها بعد التقاعد: «لم تعد المسألة قاصرة على تربية الأبناء، بل تعدتها إلى الإلمام بقيمة الوقت والعمل وأهمية استثمارهما»، داعية النساء إلى وضع برنامج عمل قبل التقاعد يجمع بين مشروع استثماري والاهتمام بنفسها ومن حولها لدرء الانعكاسات النفسية للفراغ.
لا تجد نوال زيدان علاقة بين التقاعد المبكر وقدرة المرأة على الوصول إلى مناصب قيادية: «خلال هذه الفترة، بإمكان المرأة الراغبة بتحقيق ذاتها، أن تصل إلى مركز مرموق».تجد في التقاعد الاختياري مجالاً للمرأة للقيام بدورها الأسري: «التقاعد يفسح الفرصة أمام المرأة لتزويد أسرتها بطاقة إيجابية وللتفرغ لشؤون أسرتها مقابل ما تراكم من خبرة وقدرة على اتخاذ القرار خلال العمل». ثمة توازن بين الأسرة والأدوار القيادية: «يمكن للمرأة أن تتجه إلى نشاط شخصي وتمارس دورها القيادي سواء على صعيد العمل الخاص أو داخل أسرتها كأُمّ ومربية». تعمل السويدي منذ 14 عاماً في القطاع الحكومي ولا تنوي التقاعد: «أهدف إلى منصب قيادي أمثل سواء على المستوى المحلي أو الاتحادي».
الحياة لا تتوقف بالتقاعد
سلطانة - موظفة حكومية متقاعدة - تقول : منذ سنوات طويلة وأنا أحلم بالتأسيس لمشروعي الخاص، لكن الوقت والمهام التي كانت على عاتقي لم تساعدني على القيام بذلك، خاصة مع وجود أطفال ومسؤوليات منزلية أخرى. لهذا فقد وجدت في مسألة التقاعد فرصة لتنفيذ مشروعي التدريبي الخاص، والحقيقة أنني اكتشفت من خلال هذا العمل قدرات كثيرة لم أكن أتوقع أنني أتمتع بها من قبل. والحمد لله، هأنا أستمتع بوقتي مع أبنائي في إدارة هذا المشروع والاهتمام بتطويره، وأعتقد أيضاً أنني أصبحت أترجم هذه القناعة من خلال تفرغي لعملي الخاص بعد أن أديت واجبي نحو الوطن وأبنائه ممن هم الآن في عمر أبنائي.
الهروب من شبح الفراغ
بسمة طلال - متقاعدة -: أجمل ما في الوظيفة الحكومية أن لها فترة زمنية محددة لا تزيد عن 35 عاماً ، وهذا يعني أن يكون للإنسان مصدر دخل ملائم ولائق بمكانته الاجتماعية وحجم مسؤولياته الأسرية بعد التقاعد، لكن كلنا يعلم أن المعاش التقاعدي يخضع للتعديل إلى الأقل لأسباب وظيفية وقانونية، لهذا لا مفر من العمل على إيجاد مشروع صغير أو متوسط لضمان تحسين الدخل فيما بعد. وبما أن خدمة المرأة في مجال الوظيفة الحكومية تقل عن الرجل، فمن الطبيعي أن تسعى للهروب من شبح الفراغ الذي ستعانيه فيما بعد، وهذا ما نفعله تماماً.
خيارات التقاعد وتنمية الذات!
لانا علاء موظفة في القطاع الحكومة -ممرضة- تقاعدت لفترة من العمل وعادت إليه أكثر حماسة. كان التقاعد مبكراً من أجل الأسرة التي «تحتاج لوجود الأُم في وقت نفسح أمام غيرنا المجال للعمل. ترى أن التحصيل العلمي يحدد مسار تقاعد المرأة ووصولها إلى منصب قيادي في عملها: «فالعمل يبعد المرأة عن جو الأسرة ولا يشعرها بطفولة أبنائها حيث تهرع دوماً لتحقيق التوازن بين مستلزماتهم وواجبها المهني.
وتحدد لانا خيارات ما بعد التقاعد إذ تبين يمكن أن أقوم بمشروع أو أضع برنامجاً لتمضية يومي بعيداً عن الروتين،لافتة إلى أن كثيرات استكملن دراستهن بعد التقاعد واستثمرن أوقاتهن في أمور مفيدة.
الأدوار البديلة للمتقاعدة!
كثيراً ما تتفاقم مشاحنات المرأة المتقاعدة داخل أسرتها، في حال لم يسد الفراغ بأنشطة حياتية يومية.
يعزو محمد بلال، مستشار أسري، مشاحنات المرأة المتقاعدة مع الزوج والخادمة والأبناء إلى غياب التخطيط المسبق لتلك الفترة: «كثيرات يتقاعدن بلا تحديد هدف، ما يوقعهن في إشكالات مع الزوج والأبناء وحتى الخادمة بحيث إن الفراغ هو العامل الرئيسي لتلك النزاعات وعملاً بالمثل القائل «الفاضي يعمل قاضي»، تبدأ المرأة المتقاعدة بالتدخل في كل شاردة وواردة وافتعال المشكلات بلا سبب». تشعر المتقاعدة بالضغط النفسي الذي يقودها إلى النظرة السلبية للتقاعد بعيداً عن أي خطة لتمضية الوقت الضائع. ويرى ثمة أدوار بديلة يمكن أن تقوم بها المرأة المتقاعدة بناءً على وضعها العائلي سواء أكانت متزوجة أم أرملة وأماً لأبناء أم مطلقة وغيرها من المعطيات التي تحكم مسار التقاعد عند المرأة.
يقول: «قد يكون المجال مفتوحاً أمامها للقيام بمشروع تجاري خاص بالنساء أو تشارك كعضو متطوع في جمعيات نسوية أو تحضر حلقات تحفيظ القرآن وهذه النشاطات كفيلة بتزويدها براحة نفسية كبيرة وقد تلجأ لممارسة هواياتها في الخياطة والزراعة وغيرهما».
لا يحكم على النساء المتقاعدات بالتقصير: «الخلل يكمن في غياب التخطيط لما بعد التقاعد. نساء يعتقدن أن التقاعد يفتح أمامهن المجال لتفادي أعباء الوظيفة والراحة في البيت فيما تفتعل مشكلات أكثر، في وقت تبحث أخريات عن مدخول مالي مستمر لما بعد التقاعد». حالات طلاق ما بعد التقاعد قائمة ولكن سببها الرئيسي هو الزوج المتقاعد الذي «يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويفتعل المشكلات مع الزوجة، في حين أن الزوجة المتقاعدة تتفرغ بدورها لمراقبة الزوج ومتابعة تحركاته والضغط على الأبناء، ما يجعل الزوج يتمنى عودة الزوجة للعمل».