القضية الفلسطينية والمساعي الدولية: إدارة أزمة وإعادة تمركز
لطفي العبيدي
لم تجد القضية الفلسطينية من يتبنّاها دعما، مثلما وجد باقي قضايا النضال المختلفة في العالم، والغرب الذي تسبّب في المشكلة الفلسطينية هو من راهن على فنّ إدارة الأزمة، دون العمل على حلّها، ليصل الأمر بأن يقوم الإسرائيلي بتشغيل الفلسطينيين في بناء وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزّة في مرحلة ما، وهي واحدة من أغرب المفارقات على الإطلاق.
كما يعمل الفلسطينيون في المطاعم داخل إسرائيل، وفي أماكن مثل العاصمة تل أبيب والقدس الغربية وحيفا وفي الضفة الغربية وغيرها.
هناك كلام مهم جدّا كثيرا ما أكّده ادوارد سعيد بشأن الفلسطينيين وحاجة المجتمع الاسرائيلي إلى معرفة وفهم ما اقترفوه ضد الشعب الفلسطيني، فالكثير من تاريخ فلسطين جرى طمسه، الأمر الذي جعل الفلسطينيين أناسا غير مرئيين وتعود قوة وهيمنة الرواية الاسرائيلية «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» إلى كونها تعتمد كلّية تقريبا على نوع من الرؤية البطولية للرّواد الذين قدموا إلى صحراء ولم يتعاملوا مع سكّان محلّيين ذوي وجود راسخ ومتجذّر ويعيشون في البلدات والمدن ويمتلكون بنيتهم الاجتماعية الخاصة. لقد جرى اعداد الرواية على أنّ الأرض الفلسطينية إنّما هي مجرّد صحراء يقطنها بدو هائمون على وجوههم، بحيث يسهل طردهم.
«إنّ قيام الصهيونية برسم صورة البدوي الهائم كان اجراء في منتهى التعقيد» بتعبير إدوارد سعيد وهي رواية جرى تثقيف الإسرائيليين وتشكيلهم على أساسها.
لقد استقدم الصهاينة الارهاب إلى فلسطين والمنطقة ككلّ، وإن كنّا اليوم أمام قوّة احتلال في فلسطين تفتكّ الأراضي وتُقيم في مناطق ليست لها، والجميع يشاهد ذلك ويساهم في إطالة أمد هذا الاحتلال الذي يقاومه الفلسطينيون لوحدهم، وفي الأثناء تعاني الحالة العربية عموما من كمّ كبير من التقوقع الدفاعي، ومن إحساس مفرط بالاضطهاد والسّخط، منتظرين أي رئيس أمريكي يفوز، وهل سيكون رحيما بالعرب؟ وهل سيغيّر من سياسة أمريكا تجاه فلسطين؟ والغريب أن هذا الافتقار إلى الإحساس بالمواطنة لدى مثقّفينا متواصل بشكل فاضح للذات العربية، التي لا تريد مكاشفة الحقيقة، وهي أن جزءا كبيرا من وجود اسرائيل، كما أمريكا، في هذا المكان أو ذاك قائم على حساب شخص آخر حلّوا محلّه أو قتلوه أو شرّدوه أو أقصوه. إنّه التاريخ المشترك الذي سبق وفصّلنا القول فيه في مقال سابق.
إنّ بنية الاحتلال الاسرائيلي التي تطيل أمد الاستعمار تشبه كثيرا ترسيمة الاحتلال الفرنسي للجزائر أو البريطاني للهند، وما فعلته المجموعات الصهيونية المتطرّفة في العشرينيات ضد الفلسطينيين، وتعمّدها القيام بعمليات إرهابية ضد القوات البريطانية في فترة الثلاثينيات والأربعينيات لتعجيل انسحابها من فلسطين تُواصله اليوم بشكل متواتر، والغريب أنّها ترغب في أن يُفسح لها المجال اقليميا، وهو ما يُبرّر قلقها من التّواجد الروسي بقوّة في المنطقة، انطلاقا من سوريا، وتجاهل الروس مخاوف اسرائيل من العلاقات الروسية الايرانية الاستراتيجية، أو تقديراتها بديمومة التواجد الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وأن تكون مثل هذه القوة العظمى التي تريد استرجاع المجد السوفييتي غطاء حمائيّا ودفاعيا يُحيط بدول الممانعة التي ترغب في تحجيم إسرائيل وتمقت وجودها.
في الأثناء يجري تصوير إسرائيل على أنّها دولة ضحية تُدافع عن نفسها، ديمقراطية، متعاطفة ومتسامحة. وقد عمل التيار الليبرالي في الغرب في تصدير مثل هذه البانوراما وتناسى العالم جرائم إسرائيل ومجاهرة قادتها بالغزو والهيمنة. وجميعهم يتمنّون كما تمنّى اسحاق رابين أن تغرق غزّة في البحر فهي، على حدّ قوله، «مثل حجر الطاحون حول أعناقنا، إنّها مكتظّة بالسكّان.. سنحتفظ بأفضل الأراضي ونعطي البقية للفلسطينيين».
إنّ أشكال الغطرسة والاستعمار والاضطهاد اليومي، والقوّة المفرطة التي تمارسها إسرائيل، تجعل مشاعر الغيظ والحقد تتعاظم لدى الفلسطينيين، في حين مثل تلك الوسائل تبحث من خلالها اسرائيل عن الاعتراف بها كدولة، وتتمنّى أن تلتحق بقية الدول العربية بالأردن ومصر اللتين وقّعتا اتفاقية سلام مع الكيان الإسرائيلي، ولكنّها تدرك جيّدا أنّها مع ذلك تظلّ دولة منبوذة مهما فعلت، ومشاعر الكراهية والعداء تتزايد تجاهها من جهة الشعوب العربية والمسلمة.
كاتب تونسي