مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله
جدول أعمال مؤتمر ديربان
لم ينل مؤتمر عالمي منذ عشر سنوات اهتماماً كالذي ناله مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية في ديربان، جنوب أفريقيا والذي بدأ رسمياً في 1/9/2001 وحتى 8/9/2001 (كان يجب أن ينتهي في 7/9)، وقد استهل أعماله عملياً قبل ذلك بثلاثة أيام استمراراً للاجتماعات التحضيرية التي تواصلت لأكثر من أسبوعين خلال شهر أغسطس/آب في جنيف.
منذ الاجتماعات التحضيرية في جنيف فشلت الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية والدولة العبرية، وبيروقراطيو الأمم المتحدة وفي مقدمتهم مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ماري روبنسون، في فرض جدول أعمال المؤتمر وذلك من خلال رفع بحث موضوع الصهيونية والسياسات الإسرائيلية، وموضوع الرق. وهذا ما اقتضى مواصلة الاجتماعات التحضيرية قبيل انعقاد المؤتمر في ديربان تحت التهديد بانسحاب الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل منه. وبالفعل أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش رسمياً ذلك. ولكن عادت الإدارة الأميركية والدولة العبرية فأرسلتا ممثلين على مستوى متدن تحت التهديد بالانسحاب الذي نفذ فعلاً في اليوم الثالث من انعقاد المؤتمر.يتضح بداية من واقعة الصراع على جدول الأعمال أن الدول الغربية لم تستطع، ولأول مرة، منذ التسعينيات أن تحدد جدول أعمال مؤتمر عالمي تابع للأمم المتحدة كما سبق وفعلت، على سبيل المثال، في مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة، أو مؤتمر المرأة في بيجنع (بكين)، أو مؤتمر الانكتاد في بانكوك. فقد ذهبت هذه المرة إلى مؤتمر فرضت بلدان العالم الثالث، ومنظمة المؤتمر الإسلامي أجندته. وجاء ذلك بإدراج موضوع الرق والاعتذار الأوروبي - الأميركي عنه لأفريقيا إلى جانب التعويضات، وموضوع الصهيونية ومساواتها بالعنصرية وإدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية باعتبارها عنصرية. وشكل ذلك تطوراً جديداً مهماً في المعادلة الدولية العالمية. فالفشل الأميركي - الإسرائيلي وحتى الأوروبي في منع مناقشة الموضوعين ما كان ليحدث لولا نشوء متغيرات جديدة في الوضع العالمي تختلف عن تلك المتغيرات التي حدثت بعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية. ويكفي دلالة على ذلك أن يقارن بين طلب جورج بوش الأب في 1991 اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة لإلغاء قرارها لعام 1975 والقاضي باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وطلب جورج بوش الابن، في 2001 عدم إدراج الموضوعين المتعلقين بالصهيونية والدولة العبرية وبالرق والتعويضات والاعتذار عنه في جدول أعمال مؤتمر ديربان. فقد سمحت معادلة الوضع الدولي للرئيس الأميركي الأب، أن يفرض على الجمعية العمومية قراراً وفقاً للنص الذي يريده، وبلا معارضة تذكر، وربما مع استنكافات قليلة العدد في حين لم تسمح معادلة الوضع الدولي الراهن، كما دلت تجربة مؤتمر هيئة الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية، حتى برفع الموضوعين عن جدول الأعمال ناهيك عن إملاء منطوق البيان الختامي كما تريد الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، والدول الأوروبية. فمؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية عكس صورة للوضع الدولي الراهن لاسيما من ناحية ميزان القوى السياسي والثقافي (وليس العسكري والاقتصادي بالطبع)، كما عكس اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1991 - والمنوه عنه أعلاه - صورة للوضع الدولي في حينه.تتعزز هذه المقولة كلما أوغلنا في متابعة الصراعات التي جرت في جلسات المؤتمر نفسه، وفي شوارع ديربان ووراء الكواليس، والتي أظهرت أن ثمة انقساماً عالمياً حاداً بين دول الشمال (أغنياء العالم) ودول الجنوب (فقراء العالم). صراعات وانقسامات داخل المؤتمر
فمن يتابع مواقف ممثلي الولايات المتحدة الأميركية وكندا والدول الأوروبية ومعهم ممثلو أستراليا ونيوزيلندا والدولة العبرية يلحظ صوتاً واحداً مشتركاً مع بعض التلوين المختلف يرفض الاعتراف بالمسؤولية عما لحق بأفريقيا وبمن استرقوا وهجروا إلى العالم الجديد من ويلات وكوارث بشرية ومعنوية واقتصادية.
يجب أن يذكر هنا أن الاسترقاق الذي مورس لأكثر من 250 عاماً بين 1600 و1865 ومازالت آثاره مستمرة على الأجيال اللاحقة حتى يومنا هذا، وستبقى لأمد أطول، ما لم يعمد إلى تضميد الجراح النازفة من خلال الاعتراف بالمسؤولية، والاعتذار الذي لا التواء فيه عن الرق. إضافة إلى تقديم التعويضات الكافية لإعادة إنهاض أفريقيا وجامايكا ومجموعة الكاريبي وإعادة تحسين الأوضاع المزرية التي مازال يعاني منها السود والسكان الأصليون في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والأميركتين الوسطى والجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وعدد من جزر المحيط الهادي. علماً أن ما من تعويضات يمكن أن تعادل ما لحق بأفريقيا، خصوصاً غربها، وبمن وقع عليهم نير العبودية وأجيالهم اللاحقة.
أما في المقابل فقد واجهت دول أفريقيا وآلاف المنظمات غير الحكومية من 170 بلداً ومعهم عشرات من دول العالم الثالث الدول الغربية بقضية لا تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية ومعنوية فحسب وإنما أيضاً تحمل أبعاداً أخلاقية وثقافية وإنسانية كذلك. وهنا سقطت الإدارة الأميركية والدولة العبرية في الامتحان حول موضوع الرق حين انسحبتا وأصرتا على إسقاطه، وعدم البحث حتى عن صيغة وسط، كما حاولت الدول الأوروبية وكندا وأستراليا أن تفعل إذ راحت هذه الأخيرة تدور وتلف للخروج ببيان باهت يعفيها من تحمل المسؤولية الكاملة والاعتذار الصريح وتقديم التعويضات. وجاء ذلك من خلال الحديث عن تقديم مساعدات لأفريقيا لا تعويضات، أو الإشارة إلى أن الرق شيء سيئ ولكن اعتباره من الماضي وعدم الاعتذار عن المسؤولية حوله. ومن هنا يمكن القول إن العالم انقسم إزاء معالجة موضوع الرق إلى عالم مازال يشكل استمراراً لعالم الاسترقاق والاستعباد ويفتقر إلى الأخلاقية وعالم يتطلع إلى علاقات دولية أكثر عدالة ويتسم بالأخلاقية.أما ورقة الضغط الأساسية التي استخدمت هنا لمعارضة غالبية كاسحة داخل المؤتمر وللضرب عرض الحائط بوثيقة تقدمت بها أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية أدانت الصهيونية بالعنصرية والدولة العبرية بالفصل العنصري (الأبارتايد) فكانت ورقة الانسحاب وتخريب المؤتمر أو ورقة المحافظة على وحدة المؤتمر ونجاحه. وهذه مسألة كانت حساسة جداً بالنسبة إلى الدولة المضيفة - جنوب أفريقيا. فبينما تصرفت كل من الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بعنجهية وصلف في مواجهة تلك الأغلبية والرأي العام العالمي الذي مثلته وثيقة المنظمات غير الحكومية حاولت أوروبا أن تضرب تلك الأغلبية بقفاز من حرير واللعب من خلال الدولة المضيفة، والمفوضة العامة السيدة ماري روبنسون الموعودة بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد انتهاء ولاية كوفي عنان الثانية.الأمر نفسه، ثانياً، حدث عند مناقشة الموضوع الذي دار حوله صراع أشد وهو المتعلق بعنصرية الصهيونية والسياسات والممارسات الإسرائيلية حيث كان الانقسام داخل المؤتمر يحمل القسمات نفسها وإن كانت المواقف المقابلة لمواقف ممثلي الإدارة الأميركية والدولة العبرية والدول الغربية عموماً تراوحت بين مواقف تنازلت عن مناقشة عنصرية الصهيونية من أجل التركيز على عنصرية السياسات والممارسات الإسرائيلية ومواقف وجدت أنه يكفي إدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية من دون وصفها بالعنصرية. ولكن الذي أبقى الانقسام واضحاً بين الجبهتين أو على الأصح العالمين إنما هو الرفض القاطع الأميركي - الإسرائيلي لأية إدانة للسياسات الإسرائيلية بما في ذلك مساومة الأوروبيين على التعاطف مع الفلسطينيين وبعض مطالبهم مثل حقهم في وطن ودولة هرباً من إدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية حتى على مستوى استخدام العنف الزائد أو قصف المدنيين والاغتيالات. وهنا جاءت اقتراحات جنوب أفريقيا، ويبدو بالتفاهم مع الأوروبيين، لتضمين البيان تعاطفاً مع بعض حقوق الفلسطينيين بدلاً من الإدانة المباشرة للدولة العبرية وسياساتها وممارستها بما في ذلك الاحتلال والمستوطنات.وهنا مرة أخرى لعبت دورها ورقة المحافظة على وحدة المؤتمر وعدم تعطيله ولو على حساب الحق والعدالة والحقيقة كما حدث بالنسبة إلى موضوع الرق كذلك.تقويم النتائج والبيان الختامي
على أن التقويم الدقيق لمؤتمر هيئة الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية يجب ألا يقتصر على قراءة ما اتفق عليه في البيان الختامي. لأن البيان لم يعبر عن اتجاه الأغلبية الساحقة في المؤتمر وإنما على مساومة تجاوزت الديمقراطية العددية التي خسرتها تماماً، في المؤتمر، كل من الصهيونية والدولة العبرية وأميركا والدول الأوروبية وكندا وأستراليا في الموضوعين على حد سواء.
وهذه المساومة جاءت حصيلة ضغوط وابتزازات هائلة تعرض لها المؤتمر من الكتلة الغربية كما صرح رئيس الوفد الفلسطيني. ولكن دون أن يصل إلى ما تريده أميركا والدولة العبرية اللتين ظلتا متحفظتين على البيان الختامي أما من جهة أخرى فإن البيان لم يأت نتاج محصلة ديمقراطية تعبر عن الأغلبية والأقلية في المجال الدولي أو داخله ولم يقترب من وثيقة المنظمات غير الحكومية وهي التي طالما ادعت الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية احترامها لها وتشجيعها للمجتمع المدني والاستماع إلى أرائه ومطالبه وأخذ مواقفه بعين الاعتبار. وبهذا يمكن أن يضاف من خلال قراءة البيان وكيفية التوصل إليه أن الدول الغربية لم تواظب على حماية سياسات العبودية والاستعمار وفرض المشروع الصهيوني العنصري على فلسطين والعرب والمسلمين فحسب ولم تفتقر إلى الموقف الأخلاقي والحس بالعدالة إزاء قضية الرق والاعتذار والتعويضات وقضية فلسطين فحسب وإنما أيضاً ضربت عرض الحائط في العلاقات الدولية بمبادئ الديمقراطية، واتبعت سياسات القوة وفرض حكم الأقلية على الأكثرية.أما من جهة أخرى فإذا كان البيان في محصلته ونصه النهائي لم يعبر عن موازين القوى العددية والسياسية والثقافية والأخلاقية داخل المؤتمر فإن تقويم المؤتمر يجب أن يتعدى بيانه لقراءة صورة العالم الراهن من خلال ما جرى داخله وصولاً إلى المساومة على البيان نفسه. وهنا يمكن إبداء الملحوظات التالية:1 - لم تستطع أميركا والدولة العبرية والصهيونية العالمية والدول الأوروبية وأستراليا وكندا ونيوزيلندا فرض أجندة المؤتمر بداية، ولم تستطع أن تمتلك غالبية عالمية داخله لتملي نصها على نقاشاته وبيانه.
بل عبر انسحاب الوفدين الأميركي والإسرائيلي عن هزيمة وعدم قدرة ليس على الإملاء فحسب وإنما أيضاً على الحوار والمفاوضات ومقارعة الحجة بالحجة فجاء الانسحاب تعبيراً عن الإفلاس من هذه الزوايا كما هو تعبير عن نقل الصراع إلى مجالات أخرى. وكانت بدايتها التعليقات التي راحت تصف ما وجه من نقد للسياسات والممارسات الإسرائيلية ومن قبل غالبية ساحقة في المؤتمر كما من قبل أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية، بأنه دعوة للكراهية وضد السامية بلا إقامة دليل واحد من قريب أو بعيد على هذه التهمة.
فكأن الصهيونية والدولة العبرية يجب أن تكونا فوق النقد، أو بمنزلة المقدس الذي لا يمس حتى لو كان المس غير صادر عن كراهية أو من قبل ساميين وسود وصفر لا علاقة لهم بالتاريخ الأوروبي المعادي للسامية فوصف المؤتمر بأنه دعوة للكراهية وضد السامية يحمل تفسيراً واحداً هو إغلاق كل باب أمام السياسة والنقد مهما ابتعدا عما يسمى بالكراهية أو معاداة السامية. فإما أن يقبل العالم كل ما يفعله شارون وكل ما فعله أسلافه بالشعب الفلسطيني من قبل وإما أن يتهم بإثارة الكراهية ومعاداة السامية.2 - إن الموقف الغربي لم يراع مبادئ الديمقراطية في العلاقات الدولية فحسب وإنما أيضاً استهزأ بالرأي العالمي الذي مثلته أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية ووصل الأمر بالسيدة ماري روبنسون المفوضة العامة لشؤون حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة والمفترض بها أن تعبر عن حصيلة مواقف المنظمات غير الحكومية إلى رفض تسلم وثيقة بيان ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية الأمر الذي شكل فضيحة مدوية في نظر تلك المنظمات.3 - من يتابع الانقسام الذي عبرت عنه مناقشات المؤتمر والمواقف من وثيقة المنظمات غير الحكومية، وما جرى وراء الكواليس أو تظاهرات شوارع ديربان يلمس وهمية المقولة التي راجت منذ عشر سنوات والتي تتحدث عن أن العالم أصبح قرية صغيرة أو عن وجود قيم كونية أو عن انتهاء عصر الأيديولوجية.
فصورة العالم داخل مؤتمر ديربان تؤكد أنه عوالم متباعدة وذات اتجاهات متضاربة فهنالك عالم الأغنياء، وعالم الفقراء، وعالم يشكل استمراراً بحلة جديدة لعالم العبودية والاستعمار وعالم يشكل استمراراً لكفاح العبيد من أجل انعتاقهم والشعوب من أجل تحررها كما يؤكد أن الحديث عن القيم الكونية، إنما هو حديث وهمي لا علاقة له بالقيم المتصارعة واقعياً.
- اقتباس :
- ”المؤتمر كان مسرحاً لصراع الأيديولوجيات ولم يقتصر على أن يكون مسرحاً لصراعات سياسية أو اقتصادية”
فصراع القيم الأخلاقية والسياسية حول الرق والقضية الفلسطينية وحول العلاقات الدولية وقضايا حقوق الإنسان ومسائل العنصرية كانت على أشدها في مؤتمر ديربان. فنحن لسنا أمام قيم كونية واحدة وإنما أمام تعددية قيمية مثلت نتوءاتها السمة الأساسية في المؤتمر كلما اقترب من قضايا حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والعلاقات الدولية. وهذا يعود بدوره إلى نسف نظرية (انتهاء عصر الأيدولوجية) لأن الحديث عن القيم هو حديث عن الأيديولوجية مما يعني أن المؤتمر كان مسرحاً لصراع الأيديولوجيات ولم يقتصر على أن يكون مسرحاً لصراعات سياسية أو اقتصادية.4 - على العرب أن يستنتجوا من خلال دروس مؤتمر ديربان أن عليهم بذل المزيد من الاهتمام بدول العالم الثالث وشعوبه وللمنظمات الأهلية وغير الحكومية في الغرب والعالم بأسره.
فإذا كانت تجربة مؤتمر ديربان كشفت عن الخلل الذي يصيب وحدة الموقف العربي والإسلامي فيما يخص قضايا مشتركة ومركزية فإنه كشف عن خلل في الإستراتيجيات التي ركزت على التوجه غرباً بدلاً من التوجه جنوباً وشرقاً أفريقياً وآسيوياً فضلاً عن التوجه إلى دول أميركا الوسطى والجنوبية، كما ركزت على الرأي العام الغربي الرسمي الجانح إلى تأييد حكوماته وأحزابه الرئيسة بدلاً من التركيز على القوى الشعبية والمنظمات غير الحكومية في الغرب ومن هنا فإن مؤتمر ديربان يمكن أن يعلم الإستراتيجية العربية والفلسطينية في كيفية تحديد أولوياتها لتجميع نقاط القوة ولكسب الأصدقاء وحيث الأرض ممهدة أولاً وقبل كل شيء ثم كيفية مخاطبة الطرف الثابت في انحيازاته وكيفية التأثير عليه ثانياً. وذلك من خلال القيام بحشد عالمي يفرض عليه إعادة النظر في انحيازاته.5 - إن ما حصل عليه الموقف العربي الإسلامي من نجاح في المؤتمر وبداية، من جهة إعادة موضوع الصهيونية والسياسات والممارسات الإسرائيلية إلى الأجندة وإلى السجال العالمي وكسب أولاً الرأي العام من خلال وثيقة المنظمات غير الحكومية وثانياً من جهة وقوف الكثير من الدول إلى جانب القضية الفلسطينية والتجرؤ على نقد السياسات الإسرائيلية وبعضها إلى عودة الحديث عن العنصرية الصهيونية والإسرائيلية تصريحاً أو تلميحاً لم يأت نتاج جهود عربية وإسلامية سابقة وإعداد مواظب على مدى سنتين وإنما جاء أساساً نتاج تطورات عالمية لم تلحظ جيداً خلال السنوات الثلاثة الماضية.
وهذه التطورات هي التي جرّأت دول أفريقيا على طرح موضوع الرق وشجعت دول كثيرة على الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية ونقد السياسات الإسرائيلية وعدم الانصياع للموقف الأميركي والأوروبي برغم الضغوط الهائلة والإغراءات الكثيرة.
وهذا ما جعل الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي يحصل على مكاسب لم يتوقعها ناهيك عن أن يكون قد بذل جهوداً مسبقة للحصول عليها.
ولكن الأسوأ أنه كان سبباً في الهبوط في البيان الختامي إي دون ما كان من الممكن انتزاعه، وهو ما سمح للموقف الأوروبي ولرئاسة المؤتمر المشكلة أساساً من جنوب أفريقيا الحريصة على نجاحه بأي ثمن ومفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (ماري روبنسون) المتواطئة بلا حذر بأن يخرج البيان دون المستوى المطلوب وإن بقي إيجابياً إذا اتخذ بمجمله وبما كان يراد له أن يكون عليه أميركياً وإسرائيلياً. ومن هنا هل يذهب العرب والمسلمون إلى الجولة القادمة مستعدين بصورة أفضل وموحدين وقد حشدوا من ورائهم قوى عالمية أكثر ثباتاً حين يكونون هم أكثر ثباتاً وأكثر إصراراً على ما يريدون الوصول إليه من دون مغالاة وتطرف أي من خلال فرض الاعتدال القوي وليس تبني الاعتدال الضعيف القابل للاختراق والتمييع بلا سبب من موازين القوى أو المناخ العام كما حدث في مؤتمر ديربان.وأخيراً يمكن لفت انتباه الذين أشرفوا على المساومة التي حصلت في البيان الأخير بأن أميركا والدولة العبرية كانتا خارجها أي أخذوا منها ما يريدون أخذه ولم يوافقوا على مازالوا يرفضون الموافقة عليه. فقد كانت مساومة مع الأوروبيين وحدهم، وهي نقطة ضعف أخرى يمكن أن تسجل على ما حدث من تنازل عربي وإسلامي وعالمي في الوصول إلى الصيغة النهائية للبيان حيث كان يجب أن يشترط انتزاع موافقة أميركية عليه في الأقل في أثناء المساومة مع الأوروبيين.______________
* كاتب ومفكر فلسطيني