منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالسبت 25 مارس 2017, 10:07 am

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله
مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله 1_53521_1_6

جدول أعمال مؤتمر ديربان
لم ينل مؤتمر عالمي منذ عشر سنوات اهتماماً كالذي ناله مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية في ديربان، جنوب أفريقيا والذي بدأ رسمياً في 1/9/2001 وحتى 8/9/2001 (كان يجب أن ينتهي في 7/9)، وقد استهل أعماله عملياً قبل ذلك بثلاثة أيام استمراراً للاجتماعات التحضيرية التي تواصلت لأكثر من أسبوعين خلال شهر أغسطس/آب في جنيف.

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله 1_53538_1_4
مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (يسار) بجانب وزيرة خارجية جنوب أفريقيا رئيسة المؤتمر

منذ الاجتماعات التحضيرية في جنيف فشلت الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية والدولة العبرية، وبيروقراطيو الأمم المتحدة وفي مقدمتهم مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ماري روبنسون، في فرض جدول أعمال المؤتمر وذلك من خلال رفع بحث موضوع الصهيونية والسياسات الإسرائيلية، وموضوع الرق.
وهذا ما اقتضى مواصلة الاجتماعات التحضيرية قبيل انعقاد المؤتمر في ديربان تحت التهديد بانسحاب الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل منه. وبالفعل أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش رسمياً ذلك. ولكن عادت الإدارة الأميركية والدولة العبرية فأرسلتا ممثلين على مستوى متدن تحت التهديد بالانسحاب الذي نفذ فعلاً في اليوم الثالث من انعقاد المؤتمر.
يتضح بداية من واقعة الصراع على جدول الأعمال أن الدول الغربية لم تستطع، ولأول مرة، منذ التسعينيات أن تحدد جدول أعمال مؤتمر عالمي تابع للأمم المتحدة كما سبق وفعلت، على سبيل المثال، في مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة، أو مؤتمر المرأة في بيجنع (بكين)، أو مؤتمر الانكتاد في بانكوك. فقد ذهبت هذه المرة إلى مؤتمر فرضت بلدان العالم الثالث، ومنظمة المؤتمر الإسلامي أجندته.
وجاء ذلك بإدراج موضوع الرق والاعتذار الأوروبي - الأميركي عنه لأفريقيا إلى جانب التعويضات، وموضوع الصهيونية ومساواتها بالعنصرية وإدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية باعتبارها عنصرية. وشكل ذلك تطوراً جديداً مهماً في المعادلة الدولية العالمية.
فالفشل الأميركي - الإسرائيلي وحتى الأوروبي في منع مناقشة الموضوعين ما كان ليحدث لولا نشوء متغيرات جديدة في الوضع العالمي تختلف عن تلك المتغيرات التي حدثت بعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية.
ويكفي دلالة على ذلك أن يقارن بين طلب جورج بوش الأب في 1991 اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة لإلغاء قرارها لعام 1975 والقاضي باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وطلب جورج بوش الابن، في 2001 عدم إدراج الموضوعين المتعلقين بالصهيونية والدولة العبرية وبالرق والتعويضات والاعتذار عنه في جدول أعمال مؤتمر ديربان.
فقد سمحت معادلة الوضع الدولي للرئيس الأميركي الأب، أن يفرض على الجمعية العمومية قراراً وفقاً للنص الذي يريده، وبلا معارضة تذكر، وربما مع استنكافات قليلة العدد في حين لم تسمح معادلة الوضع الدولي الراهن، كما دلت تجربة مؤتمر هيئة الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية، حتى برفع الموضوعين عن جدول الأعمال ناهيك عن إملاء منطوق البيان الختامي كما تريد الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، والدول الأوروبية.
فمؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية عكس صورة للوضع الدولي الراهن لاسيما من ناحية ميزان القوى السياسي والثقافي (وليس العسكري والاقتصادي بالطبع)، كما عكس اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1991 - والمنوه عنه أعلاه - صورة للوضع الدولي في حينه.
تتعزز هذه المقولة كلما أوغلنا في متابعة الصراعات التي جرت في جلسات المؤتمر نفسه، وفي شوارع ديربان ووراء الكواليس، والتي أظهرت أن ثمة انقساماً عالمياً حاداً بين دول الشمال (أغنياء العالم) ودول الجنوب (فقراء العالم). مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Up
صراعات وانقسامات داخل المؤتمر
فمن يتابع مواقف ممثلي الولايات المتحدة الأميركية وكندا والدول الأوروبية ومعهم ممثلو أستراليا ونيوزيلندا والدولة العبرية يلحظ صوتاً واحداً مشتركاً مع بعض التلوين المختلف يرفض الاعتراف بالمسؤولية عما لحق بأفريقيا وبمن استرقوا وهجروا إلى العالم الجديد من ويلات وكوارث بشرية ومعنوية واقتصادية.
يجب أن يذكر هنا أن الاسترقاق الذي مورس لأكثر من 250 عاماً بين 1600 و1865 ومازالت آثاره مستمرة على الأجيال اللاحقة حتى يومنا هذا، وستبقى لأمد أطول، ما لم يعمد إلى تضميد الجراح النازفة من خلال الاعتراف بالمسؤولية، والاعتذار الذي لا التواء فيه عن الرق. إضافة إلى تقديم التعويضات الكافية لإعادة إنهاض أفريقيا وجامايكا ومجموعة الكاريبي وإعادة تحسين الأوضاع المزرية التي مازال يعاني منها السود والسكان الأصليون في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والأميركتين الوسطى والجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وعدد من جزر المحيط الهادي. علماً أن ما من تعويضات يمكن أن تعادل ما لحق بأفريقيا، خصوصاً غربها، وبمن وقع عليهم نير العبودية وأجيالهم اللاحقة.
أما في المقابل فقد واجهت دول أفريقيا وآلاف المنظمات غير الحكومية من 170 بلداً ومعهم عشرات من دول العالم الثالث الدول الغربية بقضية لا تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية ومعنوية فحسب وإنما أيضاً تحمل أبعاداً أخلاقية وثقافية وإنسانية كذلك.
وهنا سقطت الإدارة الأميركية والدولة العبرية في الامتحان حول موضوع الرق حين انسحبتا وأصرتا على إسقاطه، وعدم البحث حتى عن صيغة وسط، كما حاولت الدول الأوروبية وكندا وأستراليا أن تفعل إذ راحت هذه الأخيرة تدور وتلف للخروج ببيان باهت يعفيها من تحمل المسؤولية الكاملة والاعتذار الصريح وتقديم التعويضات. وجاء ذلك من خلال الحديث عن تقديم مساعدات لأفريقيا لا تعويضات، أو الإشارة إلى أن الرق شيء سيئ ولكن اعتباره من الماضي وعدم الاعتذار عن المسؤولية حوله. ومن هنا يمكن القول إن العالم انقسم إزاء معالجة موضوع الرق إلى عالم مازال يشكل استمراراً لعالم الاسترقاق والاستعباد ويفتقر إلى الأخلاقية وعالم يتطلع إلى علاقات دولية أكثر عدالة ويتسم بالأخلاقية.
أما ورقة الضغط الأساسية التي استخدمت هنا لمعارضة غالبية كاسحة داخل المؤتمر وللضرب عرض الحائط بوثيقة تقدمت بها أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية أدانت الصهيونية بالعنصرية والدولة العبرية بالفصل العنصري (الأبارتايد) فكانت ورقة الانسحاب وتخريب المؤتمر أو ورقة المحافظة على وحدة المؤتمر ونجاحه. وهذه مسألة كانت حساسة جداً بالنسبة إلى الدولة المضيفة - جنوب أفريقيا.
فبينما تصرفت كل من الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بعنجهية وصلف في مواجهة تلك الأغلبية والرأي العام العالمي الذي مثلته وثيقة المنظمات غير الحكومية حاولت أوروبا أن تضرب تلك الأغلبية بقفاز من حرير واللعب من خلال الدولة المضيفة، والمفوضة العامة السيدة ماري روبنسون الموعودة بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد انتهاء ولاية كوفي عنان الثانية.
الأمر نفسه، ثانياً، حدث عند مناقشة الموضوع الذي دار حوله صراع أشد وهو المتعلق بعنصرية الصهيونية والسياسات والممارسات الإسرائيلية حيث كان الانقسام داخل المؤتمر يحمل القسمات نفسها وإن كانت المواقف المقابلة لمواقف ممثلي الإدارة الأميركية والدولة العبرية والدول الغربية عموماً تراوحت بين مواقف تنازلت عن مناقشة عنصرية الصهيونية من أجل التركيز على عنصرية السياسات والممارسات الإسرائيلية ومواقف وجدت أنه يكفي إدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية من دون وصفها بالعنصرية.
ولكن الذي أبقى الانقسام واضحاً بين الجبهتين أو على الأصح العالمين إنما هو الرفض القاطع الأميركي - الإسرائيلي لأية إدانة للسياسات الإسرائيلية بما في ذلك مساومة الأوروبيين على التعاطف مع الفلسطينيين وبعض مطالبهم مثل حقهم في وطن ودولة هرباً من إدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية حتى على مستوى استخدام العنف الزائد أو قصف المدنيين والاغتيالات. وهنا جاءت اقتراحات جنوب أفريقيا، ويبدو بالتفاهم مع الأوروبيين، لتضمين البيان تعاطفاً مع بعض حقوق الفلسطينيين بدلاً من الإدانة المباشرة للدولة العبرية وسياساتها وممارستها بما في ذلك الاحتلال والمستوطنات.
وهنا مرة أخرى لعبت دورها ورقة المحافظة على وحدة المؤتمر وعدم تعطيله ولو على حساب الحق والعدالة والحقيقة كما حدث بالنسبة إلى موضوع الرق كذلك.مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Up
تقويم النتائج والبيان الختامي
على أن التقويم الدقيق لمؤتمر هيئة الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية يجب ألا يقتصر على قراءة ما اتفق عليه في البيان الختامي. لأن البيان لم يعبر عن اتجاه الأغلبية الساحقة في المؤتمر وإنما على مساومة تجاوزت الديمقراطية العددية التي خسرتها تماماً، في المؤتمر، كل من الصهيونية والدولة العبرية وأميركا والدول الأوروبية وكندا وأستراليا في الموضوعين على حد سواء.
وهذه المساومة جاءت حصيلة ضغوط وابتزازات هائلة تعرض لها المؤتمر من الكتلة الغربية كما صرح رئيس الوفد الفلسطيني. ولكن دون أن يصل إلى ما تريده أميركا والدولة العبرية اللتين ظلتا متحفظتين على البيان الختامي أما من جهة أخرى فإن البيان لم يأت نتاج محصلة ديمقراطية تعبر عن الأغلبية والأقلية في المجال الدولي أو داخله ولم يقترب من وثيقة المنظمات غير الحكومية وهي التي طالما ادعت الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية احترامها لها وتشجيعها للمجتمع المدني والاستماع إلى أرائه ومطالبه وأخذ مواقفه بعين الاعتبار.

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله 1_52150_1_4
وبهذا يمكن أن يضاف من خلال قراءة البيان وكيفية التوصل إليه أن الدول الغربية لم تواظب على حماية سياسات العبودية والاستعمار وفرض المشروع الصهيوني العنصري على فلسطين والعرب والمسلمين فحسب ولم تفتقر إلى الموقف الأخلاقي والحس بالعدالة إزاء قضية الرق والاعتذار والتعويضات وقضية فلسطين فحسب وإنما أيضاً ضربت عرض الحائط في العلاقات الدولية بمبادئ الديمقراطية، واتبعت سياسات القوة وفرض حكم الأقلية على الأكثرية.
أما من جهة أخرى فإذا كان البيان في محصلته ونصه النهائي لم يعبر عن موازين القوى العددية والسياسية والثقافية والأخلاقية داخل المؤتمر فإن تقويم المؤتمر يجب أن يتعدى بيانه لقراءة صورة العالم الراهن من خلال ما جرى داخله وصولاً إلى المساومة على البيان نفسه. وهنا يمكن إبداء الملحوظات التالية:
1 - لم تستطع أميركا والدولة العبرية والصهيونية العالمية والدول الأوروبية وأستراليا وكندا ونيوزيلندا فرض أجندة المؤتمر بداية، ولم تستطع أن تمتلك غالبية عالمية داخله لتملي نصها على نقاشاته وبيانه.
بل عبر انسحاب الوفدين الأميركي والإسرائيلي عن هزيمة وعدم قدرة ليس على الإملاء فحسب وإنما أيضاً على الحوار والمفاوضات ومقارعة الحجة بالحجة فجاء الانسحاب تعبيراً عن الإفلاس من هذه الزوايا كما هو تعبير عن نقل الصراع إلى مجالات أخرى. وكانت بدايتها التعليقات التي راحت تصف ما وجه من نقد للسياسات والممارسات الإسرائيلية ومن قبل غالبية ساحقة في المؤتمر كما من قبل أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية، بأنه دعوة للكراهية وضد السامية بلا إقامة دليل واحد من قريب أو بعيد على هذه التهمة.
فكأن الصهيونية والدولة العبرية يجب أن تكونا فوق النقد، أو بمنزلة المقدس الذي لا يمس حتى لو كان المس غير صادر عن كراهية أو من قبل ساميين وسود وصفر لا علاقة لهم بالتاريخ الأوروبي المعادي للسامية فوصف المؤتمر بأنه دعوة للكراهية وضد السامية يحمل تفسيراً واحداً هو إغلاق كل باب أمام السياسة والنقد مهما ابتعدا عما يسمى بالكراهية أو معاداة السامية. فإما أن يقبل العالم كل ما يفعله شارون وكل ما فعله أسلافه بالشعب الفلسطيني من قبل وإما أن يتهم بإثارة الكراهية ومعاداة السامية.

2 - إن الموقف الغربي لم يراع مبادئ الديمقراطية في العلاقات الدولية فحسب وإنما أيضاً استهزأ بالرأي العالمي الذي مثلته أكثر من ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية ووصل الأمر بالسيدة ماري روبنسون المفوضة العامة لشؤون حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة والمفترض بها أن تعبر عن حصيلة مواقف المنظمات غير الحكومية إلى رفض تسلم وثيقة بيان ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية الأمر الذي شكل فضيحة مدوية في نظر تلك المنظمات.
3 - من يتابع الانقسام الذي عبرت عنه مناقشات المؤتمر والمواقف من وثيقة المنظمات غير الحكومية، وما جرى وراء الكواليس أو تظاهرات شوارع ديربان يلمس وهمية المقولة التي راجت منذ عشر سنوات والتي تتحدث عن أن العالم أصبح قرية صغيرة أو عن وجود قيم كونية أو عن انتهاء عصر الأيديولوجية.
فصورة العالم داخل مؤتمر ديربان تؤكد أنه عوالم متباعدة وذات اتجاهات متضاربة فهنالك عالم الأغنياء، وعالم الفقراء، وعالم يشكل استمراراً بحلة جديدة لعالم العبودية والاستعمار وعالم يشكل استمراراً لكفاح العبيد من أجل انعتاقهم والشعوب من أجل تحررها كما يؤكد أن الحديث عن القيم الكونية، إنما هو حديث وهمي لا علاقة له بالقيم المتصارعة واقعياً.

اقتباس :
”المؤتمر كان مسرحاً لصراع الأيديولوجيات ولم يقتصر على أن يكون مسرحاً لصراعات سياسية أو اقتصادية”
فصراع القيم الأخلاقية والسياسية حول الرق والقضية الفلسطينية وحول العلاقات الدولية وقضايا حقوق الإنسان ومسائل العنصرية كانت على أشدها في مؤتمر ديربان. فنحن لسنا أمام قيم كونية واحدة وإنما أمام تعددية قيمية مثلت نتوءاتها السمة الأساسية في المؤتمر كلما اقترب من قضايا حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والعلاقات الدولية. وهذا يعود بدوره إلى نسف نظرية (انتهاء عصر الأيدولوجية) لأن الحديث عن القيم هو حديث عن الأيديولوجية مما يعني أن المؤتمر كان مسرحاً لصراع الأيديولوجيات ولم يقتصر على أن يكون مسرحاً لصراعات سياسية أو اقتصادية.
4 - على العرب أن يستنتجوا من خلال دروس مؤتمر ديربان أن عليهم بذل المزيد من الاهتمام بدول العالم الثالث وشعوبه وللمنظمات الأهلية وغير الحكومية في الغرب والعالم بأسره.
فإذا كانت تجربة مؤتمر ديربان كشفت عن الخلل الذي يصيب وحدة الموقف العربي والإسلامي فيما يخص قضايا مشتركة ومركزية فإنه كشف عن خلل في الإستراتيجيات التي ركزت على التوجه غرباً بدلاً من التوجه جنوباً وشرقاً أفريقياً وآسيوياً فضلاً عن التوجه إلى دول أميركا الوسطى والجنوبية، كما ركزت على الرأي العام الغربي الرسمي الجانح إلى تأييد حكوماته وأحزابه الرئيسة بدلاً من التركيز على القوى الشعبية والمنظمات غير الحكومية في الغرب ومن هنا فإن مؤتمر ديربان يمكن أن يعلم الإستراتيجية العربية والفلسطينية في كيفية تحديد أولوياتها لتجميع نقاط القوة ولكسب الأصدقاء وحيث الأرض ممهدة أولاً وقبل كل شيء ثم كيفية مخاطبة الطرف الثابت في انحيازاته وكيفية التأثير عليه ثانياً. وذلك من خلال القيام بحشد عالمي يفرض عليه إعادة النظر في انحيازاته.

5 - إن ما حصل عليه الموقف العربي الإسلامي من نجاح في المؤتمر وبداية، من جهة إعادة موضوع الصهيونية والسياسات والممارسات الإسرائيلية إلى الأجندة وإلى السجال العالمي وكسب أولاً الرأي العام من خلال وثيقة المنظمات غير الحكومية وثانياً من جهة وقوف الكثير من الدول إلى جانب القضية الفلسطينية والتجرؤ على نقد السياسات الإسرائيلية وبعضها إلى عودة الحديث عن العنصرية الصهيونية والإسرائيلية تصريحاً أو تلميحاً لم يأت نتاج جهود عربية وإسلامية سابقة وإعداد مواظب على مدى سنتين وإنما جاء أساساً نتاج تطورات عالمية لم تلحظ جيداً خلال السنوات الثلاثة الماضية.
وهذه التطورات هي التي جرّأت دول أفريقيا على طرح موضوع الرق وشجعت دول كثيرة على الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية ونقد السياسات الإسرائيلية وعدم الانصياع للموقف الأميركي والأوروبي برغم الضغوط الهائلة والإغراءات الكثيرة.
وهذا ما جعل الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي يحصل على مكاسب لم يتوقعها ناهيك عن أن يكون قد بذل جهوداً مسبقة للحصول عليها.
ولكن الأسوأ أنه كان سبباً في الهبوط في البيان الختامي إي دون ما كان من الممكن انتزاعه، وهو ما سمح للموقف الأوروبي ولرئاسة المؤتمر المشكلة أساساً من جنوب أفريقيا الحريصة على نجاحه بأي ثمن ومفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (ماري روبنسون) المتواطئة بلا حذر بأن يخرج البيان دون المستوى المطلوب وإن بقي إيجابياً إذا اتخذ بمجمله وبما كان يراد له أن يكون عليه أميركياً وإسرائيلياً.

ومن هنا هل يذهب العرب والمسلمون إلى الجولة القادمة مستعدين بصورة أفضل وموحدين وقد حشدوا من ورائهم قوى عالمية أكثر ثباتاً حين يكونون هم أكثر ثباتاً وأكثر إصراراً على ما يريدون الوصول إليه من دون مغالاة وتطرف أي من خلال فرض الاعتدال القوي وليس تبني الاعتدال الضعيف القابل للاختراق والتمييع بلا سبب من موازين القوى أو المناخ العام كما حدث في مؤتمر ديربان.
وأخيراً يمكن لفت انتباه الذين أشرفوا على المساومة التي حصلت في البيان الأخير بأن أميركا والدولة العبرية كانتا خارجها أي أخذوا منها ما يريدون أخذه ولم يوافقوا على مازالوا يرفضون الموافقة عليه. فقد كانت مساومة مع الأوروبيين وحدهم، وهي نقطة ضعف أخرى يمكن أن تسجل على ما حدث من تنازل عربي وإسلامي وعالمي في الوصول إلى الصيغة النهائية للبيان حيث كان يجب أن يشترط انتزاع موافقة أميركية عليه في الأقل في أثناء المساومة مع الأوروبيين.
______________
* كاتب ومفكر فلسطيني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالثلاثاء 21 سبتمبر 2021, 8:01 am

مؤتمر ديربان الأممي الذي تقاطعه دول غربية خشية “تشويه” صورة إسرائيل؟

إلى جانب أمريكا وكندا وبريطانيا وألمانيا ودول غربية أخرى، أعلنت الرئاسة الفرنسية، الجمعة 13 آب/أغسطس 2021، عدم مشاركة فرنسا في مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية، والذي تعقده الأمم المتحدة في 22 سبتمبر/أيلول المقبل، مشيرة إلى ما سمتها "مخاوف تتعلق بمعاداة السامية" والخطابات "المعادية لإسرائيل". فما قصة هذا المؤتمر الذي يثار الجدل حوله في كل دورة مرة؟ ولماذا تكرر معظم الدول الغربية مقاطعتها له؟

ما هو مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية؟
قبل 20 عاماً، عقد المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في ديربان بجنوب إفريقيا، والذي تنظمه الأمم المتحدة، حيث يتيح المؤتمر الذي أطلق عليه اسم "مؤتمر ديربان" دراسة التدابير الدولية لمكافحة العنصرية، وتقييم الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري والخوف من الأجانب والتعصب المتصل بذلك.

وتقول اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي انطلقت فكرته عام 2001، إنه كان "حدثاً بارزاً في النضال لتحسين حياة ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم من ضحايا التمييز والتعصب".

ويقول المؤتمر إن من ضمن أهدافه اتخاذ تدابير بعيدة المدى لمكافحة العنصرية بجميع مظاهرها، بما في ذلك تعزيز التعليم ومكافحة الفقر وتحقيق التنمية وتحسين سبل العلاج والموارد لضحايا العنصرية، ودعم احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.


مؤتمر ديربان عقد أول مرة عام 2001 في جنوب إفريقيا/ UN
لماذا تقاطع معظم الدول الغربية مؤتمر ديربان في كل دورة؟
منذ المؤتمر الأول الذي عقد عام 2001 في ديربان بجنوب إفريقيا، والثاني الذي عقد عام 2009 بجنيف السويسرية، والثالث الذي عقد عام 2011 في نيويورك الأمريكية، تقاطع إسرائيل وأكبر الدول الداعمة لها مؤتمر ديربان لتعرضها لانتقادات شديدة فيه، ولتبني المؤتمر ودعم القضايا الإنسانية الخاصة بالفلسطينيين والدول العربية الأخرى.

حيث اتسم المؤتمر الأول الذي عقد قبل أيام قليلة من هجمات 11 سبتمبر عام 2001، بجدل واسع وانقسامات عميقة حول قضايا معاداة السامية والاستعمار والعبودية، حيث غادرت الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى المؤتمر احتجاجاً على "نبرة الاجتماع المعادية لإسرائيل" في ذلك الحين.

ففي ذلك الوقت، هاجم الفلسطينيون والسوريون إسرائيل بشدة خلال المؤتمر الأول لمناهضة العنصرية في عام 2001، ووصفوها بأنها دولة عنصرية تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني، فيما قرر المؤتمر دعم قضية الفلسطينيين والعرب الداعمين لها.


مقاعد فارغة لممثلي دول غربية أوروبية قاطعوا جلسات مؤتمر ديربان الأممي لمناهضة العنصرية في جنيف بعد انتقادات حادة لإسرائيل 2009، أرشيفية/ EPA
وفي عام 2009، خلال مؤتمر ديبران الثاني الذي عقد في جنيف، شن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد هجوماً كبيراً على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لها، ووصف نجاد إسرائيل بأنها "دولة عنصرية"، ما دفع ممثلي الدول الأوروبية إلى الانسحاب.

وقال أحمدي نجاد: "بعد الحرب العالمية الثانية لجأ (الحلفاء) إلى العدوان العسكري لحرمان أمة بأسرها من أراضيها بذريعة المعاناة اليهودية". وأضاف: "أرسلوا مهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة ومن عالم المحرقة لإقامة حكومة عنصرية في فلسطين المحتلة".

وتابع الرئيس الايراني متسبباً في انسحاب 23 ممثلاً للاتحاد الأوروبي الحاضرين في القاعة وسط صخب الحضور: "لا بد من بذل جهود لوضع حد لتجاوزات الصهاينة وداعميهم".

الدول الغربية تكرر مقاطعتها للمؤتمر الرابع خشية "تشويه صورة إسرائيل"
بعد حادثة خطاب نجاد عام 2009 التي أثارت جدلاً واسعاً في الغرب، أصبحت الدول الغربية تخشى تحول المؤتمر الأممي إلى منصة لمهاجمة إسرائيل، لذا أصبحت تفضل تكرار المقاطعة على الحضور.

فبعد خطاب نجاد الشهير، قال سفير فرنسا الأممي السابق، جان باتيست ماتيي: "يجب أن نكون يقظين حيال أي تجاوز، ويجب أن لا يتحول هذا المؤتمر إلى منصة مناهضة لإسرائيل".

وفي المؤتمر الرابع الذي تنظمه الأمم المتحدة بمناسبة مرور 20 عاماً على انعقاد المؤتمر الأول، أعلنت دول غربية عديدة عدم مشاركتها فيه، مبررةً ذلك ذلك بمخاوف من "تجديد تشويه صورة إسرائيل". ومن أبرز الدول التي أعلنت إلغاء حضورها حتى اللحظة: الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وأستراليا وبريطانيا وكندا وهولندا والنمسا.


أمريكا وإسرائيل صوتتا ضد ميزانية الأمم المتحدة لعام 2021 بسبب تمويل مؤتمر ديربان الرابع الذي سيعقد في سبتمبر 2021/ الأناضول
وكانت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، قد صوتتا في يناير/كانون الثاني الماضي، ضد قرار بشأن الميزانية العادية للأمم المتحدة لعام 2021 الذي يحظى سنوياً على الإجماع، والبالغة 3.231 مليار دولار.

وقالت المندوبة الأمريكية حينها، كيلي كرافت، إن "الولايات المتحدة وهي أكبر ممول للأمم المتحدة، أرادت بهذا التصويت أن توضح تمسكها بمبادئها ودفاعها عن الصواب، ولا نقبل أبداً التصويت بالإجماع من أجل الإجماع فحسب". موضحة أن واشنطن "اعترضت على قرار الميزانية بسبب تخصيص جزء منها لتمويل مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية بمناسبة الذكرى الـ20 لانعقاده".

فيما وصف مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان تصويت واشنطن "جاء ردا على تحيز الأمم المتحدة المستمر ضد إسرائيل، وعزمها على تخصيص الأموال لحدث يحتفي بمناسبة الذكرى الـ20 لمؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية". وأضاف: "نعلم جميعاً أن هذه الأموال لن تستخدم لدعم حقوق الإنسان ولكن لنشر المزيد من معاداة السامية والكراهية تجاه إسرائيل". 

وتعتبر إسرائيل أن مؤتمر ديربان يدينها، ويصنفها كدولة تمارس نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في أرضهم المحتلة منذ عام 1967
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالثلاثاء 21 سبتمبر 2021, 8:02 am

المقاطعة نجحت مع جنوب إفريقيا.. هل حان وقت معاقبة إسرائيل بسبب ممارسات "الفصل العنصري"؟

لم يكن إصدار منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية تقريراً خلص إلى أن إسرائيل تمارس جريمتي "الفصل العنصري والاضطهاد" حدثاً عادياً، ولا يجب أن يكون، وللعالم في تجربة جنوب إفريقيا عبرة وعظة.

ولم يكن تقرير هيومان رايتس ووتش – الصادر في أبريل/نيسان الماضي – يمثل المرة الأولى التي تواجه فيها إسرائيل اتهامات بارتكاب انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، لكن تفاصيل التقرير وطبيعته القانونية والتحول العالمي الواضح خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة تضيف زخماً غير مسبوق لهذا التصنيف.

فقد خلص تقرير هيومان رايتس إلى أن الحكومة الإسرائيلية "تجاوزت الحد القانوني"، ويجب أن تواجه عواقب نتيجة انتهاجها سياسة "فصل عنصري" ضد الفلسطينيين.

هل حان وقت فرض العقوبات؟
وتناولت صحيفة The Guardian البريطانية هذه القضية في تقرير عقد مقارنة تفصيلية بين نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وكيفية تعامل المجتمع الدولي معه ونتائج تلك السياسة، وبين ما يجب أن يكون عليه التعامل مع إسرائيل الآن.

بعد مرور 27 عاماً على نهاية حكم البيض في جنوب إفريقيا، يرى البعض في حملة مقاطعة جنوب إفريقيا دليلاً استرشادياً لتعبئة الدعم الشعبي ضد ما ينظر إليه كثيرون على أنه النسخة الإسرائيلية من الفصل العنصري.

ومثلما أظهرت تجربة جنوب إفريقيا، يستغرق بناء الدعم الشعبي والتحرك سنوات، ومن يدعمون هذه الحملة يواجهون خصماً أشد بأساً في الدولة الإسرائيلية، ورغم ذلك، فالتحولات الكبرى في المواقف تجاه إسرائيل، لا سيما في الولايات المتحدة وبين اليهود في الشتات، قدمت للناشطين أفضل الفرص حتى الآن لبناء حركة مقاطعة والاحتذاء بنموذج الحركة المناهضة للفصل العنصري.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالثلاثاء 21 سبتمبر 2021, 8:02 am

مظاهرة مؤيدة لفلسطين في العاصمة البريطانية لندن – رويترز
وأحد أهم هذه التحولات يتمثل في إسقاط تحريم تشبيه الممارسات الإسرائيلية بالنظام العنصري في جنوب إفريقيا، إذ أصدرت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية الرائدة (بتسيلم) تقريراً في يناير/كانون الثاني بعنوان: "نظام سيادة يهودية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط: هذا فصل عنصري". وحذت منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية حذوها في أبريل/نيسان، باتهامها إسرائيل بارتكاب "جرائم فصل عنصري".

ولسنوات، رفضت إسرائيل وأنصارها هذه المقارنات ووصفوها بأنها معادية للسامية على أساس أنها توحي بأن الدولة اليهودية مشروع عنصري. وتستمر إسرائيل في مزاعمها للعالم الخارجي بأن هذا الاحتلال مؤقت، حتى وهي تزيد من ترسيخ سيطرتها بدرجة لم يسبق لها مثيل، وأن الفلسطينيين وحدهم يتحملون اللوم لفشلهم في التفاوض على طريقهم لإنشاء دولة مستقلة.

لكن التركيز المتزايد على حملات العدالة العرقية في الولايات المتحدة ساهم في تحول التركيز من الجدل حول إقامة دولتين إلى انتهاكات حقوق الإنسان بحق الأفراد.

تجربة جنوب إفريقيا الناجحة
وتجدر الإشارة إلى أن حركة المقاطعة المناهضة للفصل العنصري كانت تتمتع بمصداقية في جزء كبير منها، لأن من دعا إليها جنوب إفريقيون حتى لو لم تحظَ بدعم كامل بين السكان السود في البلاد، ويعود ذلك جزئياً للخوف من فقدان الوظائف.

وكان رئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ألبرت لوتولي، قد أعلن عن دعوة المقاطعة عام 1958، وفي العام التالي، بدأت "حركة المقاطعة"، التي تغير اسمها فيما بعد إلى "الحركة المناهضة للفصل العنصري"، في لندن، وكان من بين المتحدثين جوليوس نيريري، الذي أصبح رئيساً لتنزانيا.

نيلسون مانديلا
نيلسون مانديلا
وكان مما قاله: "نحن لا نطلب منكم شيئاً مميزاً أيها الشعب البريطاني. كل ما نطلبه منكم التوقف عن دعم نظام الفصل العنصري بالامتناع عن شراء بضائع جنوب إفريقيا"، وقال أيضاً: "حكومة جنوب إفريقيا تحارب التاريخ ومحكوم عليها بالخسارة. نحن نعلم أن نضال التحرير سينتصر في جنوب إفريقيا. وإن كانت لديكم ثقة، فسننتصر!". وكان نيريري محقاً. لكن هذا النصر استغرق 30 عاماً أخرى.

دور جيل الشباب الفلسطيني
أما الحملة الفلسطينية، حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، فلا يقودها زعماء سياسيون وإنما المجتمع المدني، الذي لا يحظى بالمكانة نفسها التي يحظى بها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في المنتديات الدولية.

وتبدو هذه نقطة ضعف في ظاهر الأمر. لكن غياب قيادة السلطة الفلسطينية قد أفسح المجال لجيل من الشباب هو في العادة أفضل كثيراً في توضيح كيف أن التجربة الفلسطينية تتوافق مع المطالب العالمية المتزايدة للعدالة العرقية، إضافة إلى موجة الاحتجاجات التي شنها جيل جديد من الفلسطينيين داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، وحدّه الغضب من نظامين مبنيين على التمييز.

شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة
إسرائيل تواصل الانتهاكات بحق الأقصى (رويترز)
والمدافعون عن جنوب إفريقيا البيضاء، ومن بينهم ساسة محافظون على جانبي المحيط الأطلسي، كانوا قد وصفوا حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأنه حركة عنيفة مناهضة للديمقراطية وجبهة للاتحاد السوفييتي. أما الصحف الشعبية البريطانية اليمينية فتحدثت عن أجزاء أخرى من القارة الإفريقية وتساءلت عن سبب اختيار جنوب إفريقيا في الوقت الذي كانت فيه أوغندا بقيادة عيدي أمين أسوأ حالاً بكثير.

لكن الملايين من الناس العاديين رأوا في ذلك، ما كان عليه الفصل العنصري، جريمة بحق إنسانية كل جنوب إفريقي خاضع لقوانينه وممارساته العنصرية.

إسرائيل خسرت الحرب الإعلامية أخيراً
وقد عملت إسرائيل جاهدة لتركيز الانتباه على حماس والحط من قدر المنتقدين من حين لآخر بسؤالهم عن سبب "خص" الدولة اليهودية بانتقاداتهم في حين أن جيرانها العرب أقل ديمقراطية وأكثر قمعية. لكن الأحداث التي وقعت في الأسابيع الأخيرة أظهرت مدى فشل هذا الأسلوب، لا سيما وسط انتقادات دولية للتهجير القسري الفلسطينيين من منازلهم لإفساح المجال أمام اليهود في القدس الشرقية.

وفي الوقت الذي تزعم فيه إسرائيل أن حركة المقاطعة لا تتمتع بمصداقية ولا تحظى سوى بقليل من الدعم، تشير تصرفاتها إلى أنها ترى شيئاً آخر.

فقد عملت الجماعات الموالية لإسرائيل جاهدة لإقناع الولايات الأمريكية بتمرير قوانين مناهضة للمقاطعة وتقنين تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمصطلح "معاداة السامية"، بأمثلته الغامضة عن الظروف التي لا يكون فيها انتقاد إسرائيل مقبولاً.

تظاهر مئات من البوسنيين في العاصمة سراييفو دعماً لصمود الشعب الفلسطيني
تظاهر مئات من البوسنيين في العاصمة سراييفو دعماً لصمود الشعب الفلسطيني/ الأناضول
والتاريخ الطويل والمريع لمقاطعات اليهود، خاصة في أوروبا، يضيف بُعداً للحملة لم يكن على مواطني جنوب إفريقيا مراعاته، لكنه وحده لم يعد كافياً لرفض العقوبات بشكل قاطع لأنها تذكرنا بثلاثينيات القرن الماضي.

وردت مجموعة مكونة من أكثر من 200 من الباحثين في الهولوكوست حول العالم بـ "إعلان القدس" الذي قال إن المقارنات بين إسرائيل والفصل العنصري، والدعوات إلى المقاطعة، ليست في حد ذاتها معادية للسامية.

ونتنياهو لم يساعد نفسه بتحالفه مع دونالد ترامب أو اليمين المتطرف في أوروبا مثل الرئيس المجري، فيكتور أوربان، الذي يتاجر منذ فترة طويلة بنظريات المؤامرة المعادية للسامية.

تحديات تواجه فرض عقوبات على إسرائيل
على أن التحديات التي تواجه حركة المقاطعة لا تزال واضحة. إذ رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) -الهيئة الحاكمة لكرة القدم على مستوى العالم- المطالب باتخاذ إجراءات بحق ستة فرق في الدوري الإسرائيلي في المستوطنات اليهودية على أساس أن هذه المشكلة "سياسية بحتة". 

وعلى غرار المقاطعة الثقافية لجنوب إفريقيا، رفض ممثلون ومخرجون التصوير في إسرائيل، ودعا البعض إلى سحب مسابقة الأغنية الأوروبية من تل أبيب عام 2019. وألغت المغنية النيوزيلندية لورد حفلاً موسيقياً في المدينة قبل ثلاث سنوات بعد أن حثها محبوها على الانضمام إلى المقاطعة الفنية لإسرائيل. ونشرت جماعة مؤيدة لإسرائيل إعلاناً في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية وصفتها فيه بـ"المتعصبة".

وقبل ثلاث سنوات، ألغت الأرجنتين مباراة ودية لكأس العالم مع إسرائيل بعد أن صوت اللاعبون لصالح مقاطعة المباراة، ويشير ظهور الأعلام الفلسطينية في مباريات الدوري الإنجليزي وكأس الاتحاد الإنجليزي مؤخراً إلى دعم مثل هذه الإجراءات.

نتنياهو طائرة مسيرة
رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية الألماني/ تويتر
وإقناع الشركات الكبرى بإظهار رفضها للسياسات الإسرائيلية يمثل تحدياً أكبر. ومع ذلك، وحتى في مواجهة ضغوط ترامب، وقفت أجزاء من القطاع الخاص الأمريكي ضد فرض المزيد من القيود على حقوق التصويت في الولايات المتحدة وسحبت التمويل عن الجمهوريين الذين دعموا الغوغاء الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في يناير/كانون الثاني.

ولحركة المقاطعة أصدقاء مهمون أيضاً، من بينهم السود في جنوب إفريقيا الذين كانوا في طليعة النضال ضد الفصل العنصري. فيوم الأربعاء، قال الرئيس سيريل رامافوزا، وهو زعيم نقابي قاد مفاوضات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مع النظام الأبيض، إن الترحيل القسري للفلسطينيين لإفساح المجال أمام المستوطنين الإسرائيليين وتدمير المنازل في غزة "يعيد إلى أذهاننا ذكريات مروعة من تاريخنا والفصل العنصري"، وأضاف: "ونرى أن ما يحدث شديد الشبه بمعاناتنا في ظل نظام الفصل العنصري. وحين نرى هذه الصور، فلا يسعنا إلا الانحياز إلى جانب الفلسطينيين".

نعم الطريق نحو اصطفاف دولي خلف فرض عقوبات على إسرائيل كنظام "فصل عنصري" كما حدث مع جنوب إفريقيا من قبل، لكن المؤشرات التي سبقت حرب غزة الأخيرة وتبلورت خلالها تؤكد أن الدعم الذي كانت تحظى به إسرائيل قد بدأ يتآكل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالثلاثاء 21 سبتمبر 2021, 8:03 am

كيف نجحت حملات المقاطعة الشعبية وغيرت قوانين على مر التاريخ؟


لن أخوض في الجدل البيزنطي الدائر منذ عدة أيام حول أسباب الأزمة والمُتسبِّب فيها، وهل يجب تقييد حرية التعبير مهما كانت مسيئة أم يجب أن يكفَّ المسلمون عن الغضب لنبيهم مهما رأوه مرسوماً؟

في هذا الحديث استُهلكت الأحبار والحناجر طوال الأيام الماضية، ولهذا آثرتُ أن أثمّن نقل مستوى الصراع إلى مستويات أبعد وأعمق، فلنحوّل التراشق السياسي عديم الجدوى إلى فِعل اقتصادي مُوجِع ومؤثر.

وإن كانت حرية التعبير في فرنسا تتيح لهم تجسيد نبينا، فلتكن حرية السوق في بلادنا تتيح لنا ألا نشتري شيئاً من منتجاتها.

وحتى لو كانت فرنسا أغنى دولة في الكون وفي غنى عن أموالنا، فإننا سنثبت لها وللعالم بأسره أن العرب لا يزال فيهم رمق الحياة والغيرة في الذود عن نبيهم  مهما شتتتهم الخلافات.

وللذين يسألون عن مدى جدوى هذه الإجراءات، يمكنني أن أردّ عليهم بأن التاريخ يخبرنا أنها السلاح الأكثر نجاحاً على مدار الزمن، وخاصة في أيدي الضعفاء ضد من سبقوهم في ركاب الحضارة والعلم، فلم يعد أمامنا وسيلة لمواجهتهم بها إلا أمر بسيط؛ احرمهم من مالك





أول مقاطعة شعبية مسجلة بالتاريخ

وتُعدُّ أول مقاطعة شعبية مُسجلة في التاريخ ما قام به المستأجرون الأيرلنديون عام 1880م ضد سياسات الجنرال البريطاني ووكيل الأراضي "تشارلز كننغاهم"، وأتت هذه الخطوة بالرغم من أن مصطلح المقاطعة ذاته لم يكن قد جرى صكه بعد.

فعندما تقاعد الكابتن "بويكوت" Boycott من الجيش البريطاني، عمل وكيلاً لملاك الأراضي في أيرلندا، وفي هذه الأثناء رفع الملاك قيمة الإيجار؛ فغضب المستأجرون، ورفضوا الدفع، فأصدر الرجل أوامره بطرد كل مَن لا يدفع.

اضطرت الحكومة إلى إرسال جماعات عمّالية من خارج المناطق وقوة أمنية من ألف رجل لحمايتهم وفي النهاية تكلّفت قرابة 10 آلاف جنيه إسترليني لحصد محاصيل قيمتها 500 جنيه فقط!

أما تشارلز فقد نُبذ تماماً وأصبح شخصاً مكروهاً بين الناس، وواجه حملة مقاطعة اقتصادية واجتماعية صعبة؛ إذ رفض "المستأجرون العمل بالأراضي، والشركات المحلية التعامل معه"، حتى أن ساعي البريد لم يكن يتسلم بريده.

حاول الجنرال الإنجليزي مواجهة الحملة، من خلال استيراد عدد محدود من العمالة، أو الاعتماد على القليل من المحليين، إلا أن الأمر كان مكلفاً للغاية، وفي ظل ذلك أصبح "بويكوت" بلا مستأجرين ولا مزارعين، فاضطر إلى مغادرة البلاد.

ومن هذا اليوم عرف العالم سلاحاً جديداً فعّالاً لا بارود فيه، وهو المقاطعة التي حملت اسم أول أرضٍ اندلعت منها وهو "Boycott".

مقاطعة مزارع العنب

الفلاح الأمريكي سيزار تشافيز
وهو ما ألهم فلاحاً أمريكياً يُدعى سيزار تشافيز ليتحدّى أكبر مزارع العنب في بلاده في ولاية مينيسوتا عام 1962م.

فبعد 3 أعوامٍ من المفاوضات مع شركات العنب لزيادة مرتبات العمال فشلت جميعها بسبب تعنّت أصحاب هذه المؤسسات.

فنظّم سيزار مسيرة سلمية طولها 340 ميلاً من العمال المضارين سلّطت الأنظار على حقيقة أوضاعهم السيئة وأكسبتهم تعاطف المواطنين، فنظموا حملات مقاطعة شاملة لعدم شراء منتجات هذه الشركات.

ونجح سيزار بالنهاية في مسعاه، وأجبر مزارع العنب على رفع مرتبات عمّالها.

وبعد هذه الواقعة بأعوام ثلاثة ستكون أمريكا على موعدٍ مع مقاطعة شعبية جديدة قُدِّر لها أن تُغيِّر وجه التاريخ.

مقاطعة الحافلات الأمريكية

المواطنة الأمريكية روزا باركس
ففي العام 1965م، رفضت المواطنة الأمريكية السوداء روزا باركس ترك مقعدها من الحافلة التي كانت تستقلها في الحافلة داخل مدينة مونتغمري بولاية ألاباما.

لتُخالف بذلك القانون الأمريكي الذي كان يسمح لأصحاب البشرة البيضاء بالجلوس في الجزء الأمامي للحافلة، أما السود فعليهم أن يجلسوا في الجزء الخلفي، ويحقُّ للراكب الأبيض أن يجبر الأسود على ترك مقعده بالحافلة من أجله.

أثار خبر القبض على روزا ردود أفعالٍ احتجاجية كبيرة، كان أبرزها قرار المقاطعة الشامل الذي نظّمه السود بحقِّ الحافلات، بسبب عنصرية مؤسسات النقل.

وشكّل السود جمعية Montgomery Improvement Association، بزعامة القائد الحقوقي مارتن لوثر كينغ الابن، من أجل تنظيم المقاطعة، لحين إجهاض القوانين العنصرية المعتمدة بحافلات المدينة، والذي عُوقب على ذلك بتعرض منزله للقصف بقنابل حارقة.

ونتج عن عملية المقاطعة الشعبية السوداء، خسارة شركة الحافلات بالمدينة عائدات مالية كبيرة؛ إذ مثل السود نسبة 70% من زبائنها، وبعد أقل من عام، وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني من العام التالي، أعلنت المحكمة العليا الأمريكية عدم قانونية سياسة التمييز العنصري داخل الحافلات، ومخالفتها للدستور، وصدر قرار رسمي بعد ذلك بإجهاض القوانين العنصرية المعتمدة ضد السود داخل الحافلات بولاية ألاباما، لتنتهي بذلك مقاطعة الحافلات في 21 ديسمبر/كانون الأول عام 1956.  

وفي الثالث من ديسمبر/كانون الأول عام 2017، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن "خياطة شجاعة في مونتغمري بألاباما نطقت بكلمة واحدة غيرت التاريخ قبل 62 عاماً"، معتبراً أن روزا باركس بقيت قوية ولم تغادر مقعدها؛ للدفاع عن الحقيقة المحفورة في إعلان الاستقلال: "أن كل واحد منا بغض النظر عن لون بشرتنا، خلقنا الله متساوين".

وبحسب "ترامب"، فإن روزا باركس ألهمت مارتن لوثر كينغ جونيور، وآلافاً آخرين، مقاطعة الحافلات في المدينة، ما أدى إلى تغيير المرسوم بعد 381 يوماً، وسرعان ما انضم الملايين في البلاد إلى الحركة، وساعدوا على تأمين الحرية والمساواة، التي تعد حقاً لكل أمريكي، مؤكداً أن البلاد أفضل اليوم وأكثر عدلاً، والشعب أكثر اتحاداًَ بسبب شجاعة هذه السيدة وبسبب إصرار أنصارها على تمسكهم بالمقاطعة الشعبية لحين تغيير القوانين العنصرية.

مقاطعة المسلمين للمنتجات الدنماركية

مقاطعة المنتجات الدنماركية
وربما تكون أشهر مقاطعة شعبية يتذكرها أبناء جيلنا هي الحملات الإسلامية التي توجّهت إلى الدنمارك عام 2005 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي، والتي نشرتها صحيفة "يولاندس بوستن" المحلية.

ومع مطلع العام التالي، أعادت الصحيفة النرويجية Magazinet، والألمانية دي فيلت، والفرنسية France Soir، وأخرى في أوروبا، نشر تلك الصور الكاريكاتيرية، ما أشعل موجة غضب في الشارع الإسلامي، فأُحرقت سفارتا الدنمارك والنرويج في العاصمة السورية دمشق، في 4 فبراير/شباط عام 2006، والقنصلية الدنماركية بيروت، في اليوم التالي مباشرة، وبدأت الدعوات لمقاطعة المنتجات الدنماركية.

وبالفعل أتت مقاطعة المنتجات الدنماركية، التي نفذتها بعض الدول العربية ثمارها؛ إذ تكبدت كوبنهاغن خسائر بلغت 134 مليون يورو (ما يعادل 170 مليون دولار).

ووفقاً للتقارير الإحصائية الدولية فلقد تراجعت صادرات الدنمارك بنسبة 15.5% بين فبراير/شباط "أي مع بدء المقاطعة"، ويونيو/حزيران من عام 2006 بشكلٍ عام في كافة دول العالم، وهبطت نسبة الصادرات إلى الشرق الأوسط تحديداً إلى النصف.

فتراجعت صادرات الدولة آنذاك، إلى المملكة العربية السعودية، التي تعد المستورد الأول لمنتجاتها في العالم الإسلامي بنسبة 40%، فيما انخفضت إلى إيران المستورد الثالث بحوالي 47%، و88% في ليبيا، وسوريا 41%، والسودان 55%، واليمن 62%.

مقاطعة جنوب إفريقيا

كما تُعدُّ المقاطعة التي واجهها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا واحداً من أقسى أشكال المتابعة التي تعرضت لها دولة من الدول، بعدما امتزج فيها القرار الحكومي بالفِعل الشعبي.

ففي الوقت الذي كانت فيه دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تسنُّ قوانين حظر التعامل مع جنوب إفريقيا، كانت الشركات تسحب استثماراتها من البلاد ويرفض السياح السفر إليها، كما استُبعدت جنوب إفريقيا من الاشتراك في الألعاب الأولمبية لعقودٍ طويلة.

وهو ما كان له أكبر الأثر في فرض ضغوط اقتصادية هائلة على فريديرك ديكلريك آخر رئيس أبيض لجنوب إفريقيا، فأفرج عن نيلسون مانديلا من سجنه وتعهّد بإجراء عملية ديمقراطية شاملة سمحت لمانديلا بالفوز في الانتخابات، وتفكيك نظام الفصل العنصري البغيض.

مقاطعة المنتجات الإسرائيلية 

ووفقاً لبحثه "المقاطعة الشعبية" يقول الدكتور كريم العاني، إنه ومنذ الخمسينيات نظمت الشعوب العربية حملات مقاطعة اقتصادية لإسرائيل خسر بموجبها الكيان الصهيوني 70 مليار دولار، كما انخفض الطلب على المطاعم الأمريكية بنسبة 40%.

وبحسب مجلة الإيكونومست الاقتصادية، حينها، فإن هذه المقاطعة "تسبب ذعراً للاستثمارات الأجنبية في إسرائيل أكثر مما يسببه القتال على جبهات الحدود"، وهو ما أجبر إسرائيل على إنشاء جهاز خصيصاً لمقاومة المقاطعة، ولجأت إلى الولايات المتحدة لتمارس ضغوطاً على الدول العربية لتخفف هذه المقاطعة.

المقاطعة الأشهر في التاريخ الإسلامي

صورة تعبيرية
وتبقى المقاطعة الاقتصادية الأشهر في تاريخنا الإسلامي، هي مقاطعة مشركي مكة لأهل النبي اقتصادياً واجتماعياً بعد 6 أعوام من بعثة النبي.

كان مضمون الصحيفة ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتّى يدفعوا إليهم محمّداً فيقتلوه، وتعاهدوا على ذلك، وختموها بثمانين ختماً، واستمر الحصار وطالت مدته، حتى أنفق أبوطالب والنبي صل الله عليه وسلم مالهما، وكذلك أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، أموالاً طائلة، وكان ذلك بعد ست سنين من مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام.

واشتد الخطْب على المسلمين، وعانوا من الجوع والأذى، وأكلوا نباتات الأرض، ولم يكن يَصِلُهُم من الطعام شيء، إلا ما كان يتسرّب سرّاً من بعض المتعاطفين معهم، وحينما اشتد الأذى، جاء الفرج، وأرسل الله، عز وجل، حشرة الأُرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتْها، ما عدا ما كان فيها من اسم الله سبحانه، وهبط جبريل عليه السلام، وأخبر النبي بذلك، وكان إيذاناً بزوال هذا الكرب من على أكتاف بني هاشم.

وقد تدفعنا هذه الأمثلة الناجحة إلى تساؤلٍ أكثر اتصالاً بحاضرنا؛ هل تنجح هذه المقاطعة؟

لا شك، أن الأمة العربية تعيش واقعاً من أخطر ما مرّت به في تاريخها، بعدما انقسمت إلى معسكرات متنافرة وتداعى قادتها على قادتها، واستفحل التوغل الأجنبي في أراضينا حتى بات يحكم ويُسيطر ويتّخذ قرارات بالنيابة عن حكّامها، وتتسابق فيه بعض الحكومات على التطبيع مع إسرائيل والتفاخر بذلك.

فهل تسمح هذه الأجواء بتشكيل جبهة عربية شعبية صلبة ضد فرنسا ومنتجاتها مثلما حدث مع الدنمارك قديماً؟

لا أظن ذلك، فللأسف لن يسمح العرب للعرب في النجاح بذلك، ولربما شوّشوا على هذه الحملات بحملات مقاطعة أخرى لتشتيت الانتباه.

وإذا كانت الدول العربية نفسها تعيش حالة مقاطعة فيما بينها الآن، فلا ريب أن الاعتقاد بنجاحها في تنظيم حملة مقاطعة موحّدة سيكون أضغاث أحلام.

ولكن يكفي منظموها فخراً النتائج الأولية التي أحدثتها، وأقلقت قادة فرنسا ودفعتهم لمطالبة الدول الإسلامية بعدم الاستمرار في هذه المقاطعة.

لتكشف لنا أنه برغم ركام الإحباط الذي سيطر على حالنا مؤخراً، يبقى ورد الأمل قادراً على فلْق صخر التشاؤم.

وأن الكلمات قد تُسمع يوماً مَن به صمم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالثلاثاء 21 سبتمبر 2021, 8:04 am

غداة انعقاد مؤتمر” دوربان 4″ لمناهضة العنصرية والتمييز بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة: لماذا يتم تجاهل مفهوم التطهير العرقي[1] الذي تعرض له الفلسطينيون، وتجاهل معانات الفلسطينيين منذ عام 1948، ولا تتخذ ألإجراءات القانونية ضد المرتكبين، باعتبار العنصرية جريمة ضد الإنسانية طبقا للقانون الدولي، وكيف يمكن تفسير استمرار الإفلات من قبضة العدالة؟

لا شك أن وظيفة التاريخ هي حماية أفعال الإنسان من عبث النسيان، كما أن الرحلة إلى الماضي ضرورية لأنها تفتح الطريق نحو المستقبل، وتظهر لنا كيف مارست إسرائيل التطهير العرقي بطريقة منهجية لاقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وترحيلهم من البيوت التي كانت ملكا لهم قبل 1948، بعد مرور ثلاثة أعوام فقط على “الهولوكست”، وإعادة توطينهم لزرع شتات ملفق من الغرب، محذوف منه كل أثر من آثار السكان الأصليين مكانهم، وكيف مُسحت قرى بكاملها من خريطة فلسطين؟.
 يحفر المؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابه (Ilan Papee) “[2] – بنظرة المؤرخ الباردة- في واحدة  من أكبر التهجيرات القسرية في التاريخ الحديث: إشكالية التطهير العرقي وقضايا النكبة واللاجئين. ويسرد جزءا كبيرا من تاريخ التطهير العرقي الذي ارتكبته إسرائيل في فلسطين، اعتمادا على الوثائق المحفوظة في الأرشيفات الإسرائيلية والشهادات الشفوية، وتنوع الأساليب التي اتُّبعت في عملية التطهير، ويشمل المناطق واحتلالها منذ احتلال أولى القرى العربية كانون الأول/ ديسمبر 1947 وتدميرها.” وتعزز الوحشية الموصوفة فيها تصديقي للوصف الدقيق الذي، سبق ذكره، للجرائم البشعة التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في الطنطورة والصفصاف وسعسع، والتي أمكن استعادة مجرياتها أساسا بمساعدة الشهادات والتواريخ الشفوية الفلسطينية.” (ص225). اعتماد موشور التطهير العرقي يثير لب الإشكالية وبشاعة ودموية الممارسات والعذاب الجهنمي لمأساة تاريخية وأعمال وحشية وجرائم حرب مورست ضد سكان مدنيين، وما ارتكب من مشاعر الحقد والانتقام المستعرة على خلفية توجيهات عامة من الأعلى. ويكشف عن الظلم التاريخي الذي أوقعته إسرائيل من خلال تطهير فلسطين عرقيا بدءا من 10 آذار/ مارس 1948، وأسئلة حول الأساطير التأسيسية لدولة أقيمت على إيديولوجيا التفوق العرقي. يقول يوسف فايتس رئيس دائرة الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي، والقائد الفعلي ل لجنة “الترانسفير” في مقر الوكالة اليهودية في القدس في 10 تموز/ يوليو 1941:”ترحيل العرب أمر حيوي من أجل خلاصنا”،[3] ليخبر الحكومة الإسرائيلية في حزيران/ يونيو 1948 بقوله:” بدأنا عملية التطهير، وإزالة الأنقاض، وتهيئة القرى للزراعة والاستيطان، وبعضها سيصبح حدائق عامة”.[4] ونفذ التطهير بمستويات متصاعدة من القسوة والوحشية. وكان يفتخر وهو، يراقب التدمير الجاري، بمشهد الجرارات وهي تدمر القرى بكاملها لم يحرك فيه أية مشاعر.
فورة العنف وقصص مرعبة
يسرد المؤرخ إيلان بابه صورا مرعبة:” روى فهيم زيدان الذي كان عمره آنذاك اثني عشر عاما، كيف رأى بأم عينيه عائلته تقتل: أخرجونا واحدا تلو الآخر، قتلوا رجلا عجوزا بالرصاص، وعندما بكت إحدي بناته، قتلوها هي أيضا. ثم استدعوا شقيقي محمد وقتلوه أمامنا، وعندما صرخت أمي باكية وهي منحنية فوقه- وبين ذراعيها أختي الرضيعة خضرة- قتلوها هي أيضا. أطلقوا الرصاص أيضا على زيدان نفسه الذي كان موجودا مع الأطفال الذين أوقفوهم في صف أمام الجدران، ورشقوهم بالرصاص قبل أن يغادروا، ” فقط من أجل التسلية” ومن حسن حظه أن جروحه لم تكن مميتة.[5] تستخدم “الهاغاناه” مكبرات الصوت لإصدار أصوات مخيفة لبث الذعر في قلوب السكان، نسخة مكبرة عن اختراق الطائرات المقاتلة جدار الصوت فوق بيروت سنة 1983، وفوق غزة سنة 2005 الذي أدانته منظمات حقوق الإنسان بصفته عملا إجراميا، وكرر الإسرائيليون استخدام المجزرة في نيسان/ أبريل 2002 فيما يتعلق بمجزرة جنين. مشاهد رهيبة في تطهير حيفا من العرب، اعتُمد على بث الرعب في النفوس، وعندما بدأ القصف تدفق الناس إلى الميناء، وفي الميناء يدفع الناس إلى البحر أثناء محاولة الحشود الصعود إلى قوارب الصيد الصغيرة التي ستنقلهم إلى غزة بينما القوات الصهيونية تطلق النار فوق رؤوسهم لتسريع هروبهم:” داس الرجال أصدقاءهم، وداست النساء أطفالهن. وسرعان ما امتلأت القوارب في الميناء بحمولاتها البشرية. وكان الازدحام فيها مخيفا. وانقلب كثير منها وغرق ركابه جميعا.[6] وعندما زارت كولدا مائير حيفا، بعد أيام قليلة من الاستيلاء عليها، وجدت من الصعب أن تكبت إحساسا بالرعب عندما دخلت البيوت حيث كان الطعام المطبوخ مازال على الطاولات والألعاب والكتب التي تركها الأطفال على الأرض، وحيث بدا الأمر وكان الحياة تجمدت في لحظة واحدة؛ جاءت مائير فلسطين من الولايات المتحدة، التي هربت عائلتها إليها إثر المذابح المنظمة في روسيا، وذكرتها المناظر التي شاهدتها ذلك اليوم بأسوأ القصص التي سمعتها من عائلتها عن الوحشية الروسية ضد اليهود قبل عقود. لكن ذلك لم يؤثر– كما يبدو- في عزمها أو عزم زملائها على المضي قدما في التطهير العرقي لفلسطين. تصرف لا ينم عن أي وخز للضمير. وطرد جميع سكان صفد، كل هذا أمام مقاومة عنيدة من جانب الفلسطينيين إلى جانب المتطوعين. سجل بن غوريون في يومياته بتاريخ 5 حزيران/ يونيو 1948:” أخبرني أبرهام حانوخي من كبوتي أيليت هشاحر، أنه نظرا إلى بقاء 100 رجل طاعن في السن فقط في صفد فقد تم طردهم إلى لبنان.” (ص 109).
أجرى” تيدي كاتس” وهو طالب إسرائيلي معظم المقابلات سنة 1999، مع الناجين من مجزرة  قرية الطنطورة، عندما كان يعد أطروحة لنيل شهادة الماجستير في جامعة حيفا، جاء فيها: يروي محمود أبو صالح وكان عمره آنذاك 17 سنة مشاهدة إعدام أب أمام أطفاله. وبقي أبو صالح على صلة بأحد أبنائه الذي فقد عقله عندما رأى أباه يعدم ولم يسترد رشده قط. وإعدام سبعة من أفراد عائلته بالذات، وأثني عشرة شخصا من عائلة أبو جميل تتراوح أعمارهم ما بين 10 و30 سنة، قتلوا رميا بالرصاص أمام عينيه، و 120 يعدمون بسرعة(ص 147) وكان الجنود يراقبون الإعدامات باستمتاع. وعندما انتهت العربدة وتمت الإعدامات أُمر فلسطينيان بحفر قبور جماعية بإشراف مردخاي سكولر، وروى سنة 1999 أنه دفن 230 جثة “وضعتهم واحدا تلو الآخر في القبر.” وعندما شاع خبر المجزرة جردت الجامعة أطروحته من أهليتها بمفعول رجعي، وجره قدامى المحاربين من لواء ألكسندروني إلى المحكمة بتهمة التشهير. (ص 148). وكان الأرفع رتبة بين من أجرى معهم “تيدي كاتس” الحوار “شلومو أمبار” الذي أصبح لاحقا جنرالا في الجيش الإسرائيلي. و جاء في مذكرات أحمد نمر الخطيب، أحد أعيان حيفا شهادة فلسطيني عن الإعدامات السريعة:” لن أنسى ذلك اليوم ما حييت. فقد جمع العدو النساء والأطفال في مكان كومت فيه جثث القتلى{…} فهذه ترى من القتلى بعلها، وتلك ترى أباها، والأخرى تلمح أخاها، فلم يجزعن{…} وجمع اليهود الأحياء من الرجال وأخذوا يذيقونهم الموت جماعات ووحدانا{…} تسمع النساء أصوات طلقات رشاش فيتساءلن عنها فيجيبهن الحارس بأنهم ينتقمون لقتلاهم{…} جاء أحد الضباط وأمر جنوده بانتقاء أربعين من خيرة شباب القرية، وجيئ بهم إلى ساحة البلدة وصاروا يأخذون كل أربعة معا ويأمرونهم بحمل جثث القتلى والجرحى إلى المقبرة ورميهم في حفرة كبيرة هناك. وبعد أن يؤدوا مهمتهم يقتلون أحدهم ويأمرون الثلاثة الباقين بحمله ورميه إلى الحفرة، ثم يقتلون أحد الثلاثة ويأمرون الاثنين الآخرين بحمله ورميه في الحفر وهكذا (ص 149).
وإذا لم يكن التطهير العرقي إبادة عرقية فإنه ينطوي على أعمال وحشية وقتل جماعي ومجازر؛ آلاف الفلسطينيين قتلوا بوحشية وأسروا وطردوا من قراهم وجردوا بشكل منظم من جميع أملاكهم، قبل أن يدفعوا إلى الرحيل في اتجاه الحدود، واضطروا إلى التخلي عن كل ما في بيوتهم ودكاكينهم وملابسهم، من دون رحمة بأيدي جنود إسرائيليين من خلفيات ورتب وأعمار متعددة. وفي أعقاب عملية التطهير العرقي أنشأت معتقلات ضخمة للاحتجاز ومعسكرات اعتقال مركزية للسخرة وكان أسرى المعسكرات يستغلون في المجهود المحلي العام أي السخرة “لتقوية الاقتصاد الإسرائيلي” كما ورد في تقرير موظفي الصليب الأحمر ( ص 231)، وأيا من الجناة لم يحاكم على ارتكاب جرائم حرب على الرغم من الأدلة الوافرة. ومن يدانون بارتكاب جرائم ضد العرب يستمرون في شغل وظائف ذات تأثير في حياة الفلسطينيين. ولا يحاكمون عن جرائمهم، وأحدث مثال على ذلك قضية رجال الشرطة الذين قتلوا ثلاثة عشر فلسطينيا عزلا في تشرين أول/أكتوبر 2000، وسبعة عشرة آخرين منذ ذلك الوقت(ص 230) يقول إيلان بابه:” إنني أتهم، لكني أيضا جزء من المجتمع المدان في هذا الكتاب. وأشعر بأني جزء من الحكاية، وأيضا أتحمل مسؤولية عما جرى” (ص 7).
إن تعريف التطهير العرقي ينطبق تماما على ما جرى سنة 1948، تاريخ طرد الفلسطينيين من وطنهم الأصلي عبر الخطة الإسرائيلية (داليت). كان الهدف الرئيس للحركة تطهير فلسطين تطهيرا عرقيا شاملا. هكذا شمل التطهير منطقة “صفد” ومعظم سكان “الجليل”و”اللد” و”الرملة” وتطهير ثمانية أحياء وتسعة وثلاثين قرية فلسطينية في منطقة القدس الكبرى وطرد سكانها إلى الجزء الشرقي من المدينة.” شمعون أفيدان قائد لواء عفغاتي طهر جبهة من عشرات المدن والقرى”، وجاء في صحيفة (هاآرتس) سنة 2004:” كان هناك مائتا قرية في الجبهة وكلها أزيلت من الوجود. كان لا بد من تدميرها وإلا لكان بقي لدينا هنا أي في (الجزء الجنوبي من فلسطين) عرب مثلما هي الحال في الجليل، ولكان بقي لدينا مليون فلسطيني آخر. وفي ذكرى الفلسطينيين من الناجين كان ضباط الاستخبارات الميدانيين بعد احتلال قرية أو حي ما في مدينة، هم وحدهم الذين يقررون مصير الأهالي: السجن أو الحرية، الحياة أو الموت” (ص14 15). والهدف تحويل فلسطين العربية إلى بلد ذي أغلبية يهودية. وفكرة الترحيل القسري الفلسطينيين كحل صهيوني لمشكلة بلد آهل وأرض مزروعة كانت فكرة راسخة لدى النخبة الصهيونية السياسية. كانوا يراهنون على أغلبية قوية تنتمي إلى عنصر واحد. والترحيل القسري لا يعني ترحيل الفرد بل قرى بكاملها وفرض الأمر بالقوة قال دافيد بن غوريون مخاطبا اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية حزيران/ يونيو 1938:” أنا أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئا غير أخلاقي”( ص 1). دون يوسف فايتس يوما بعد زيارته مستوطنات مرج ابن عامر: إني مصاب بيأس متزايد، إن الفكرة الصهيونية هي الرد على المسألة اليهودية في أرض إسرائيل، وفي أرض إسرائيل وحدها، لكن لا ليظل العرب أغلبية فيها. إن تهجير البلد بكامله، بكامله من سكانه الآخرين، وتقديمه إلى الشعب اليهودي هما الرد.”[7]
استخدمت الإبادة لإضفاء الشرعية على العنصرية اليهودية وتبرر أعمالهم المشينة التي لا علاقة لها بالقيم. طرد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم جزء من مشروع واع ومنظم  ودؤوب منذ الإعداد لإنشاء الدولة اليهودية الذي كان أكثر أهمية من إنقاذ أرواح اليهود: كتب (يوسف فايتس) مدير الصندوق القومي اليهودي عام 1940:” ينبغي أن يكون واضحا بالنسبة لنا أنه لا مكان لشعبين في هذا البلد. فإن غادره العرب فسيكون كافيا لنا، وليست هناك وسيلة أخرى غير ترحيلهم جميعا، فلا يبق لهم أثر في أي قرية. ويجب أن نوضح لروزفيلت ولقادة الدول الصديقة أن أرض إسرائيل لن تكون صغيرة إذا ما غادرها العرب جميعا، وإذا ما اتسعت الحدود إلى الشمال على طول نهر الليطاني، وإلى الشرق باتجاه مرتفعات الجولان.” بالنسبة للمصطلحات: لا يتحدثون عن طرد الفلسطينيين بل عن التهجير والترحيل (transfert) ودمجهم في المجتمعات العربية، ولا يتحدثون عن”الاستيلاء” على القدس بل على “توحيدها” ولا عن “احتلال” فلسطين بل عن “استقلال” إسرائيل أو عودة الشعب اليهودي إلى أرضه(عبد الوهاب المسيري). ألم يقل مناحيم بيغين عن ياسر عرفات القائد الفلسطيني المحاصر الذي اغتصبت أرض شعبه حينما كان محاصرا في بيروت أنه يشبه القائد النازي المحاصر في مخبئه. وهو الذي جيش جيوشه وأرسلها إلى الشعوب المجاورة ليستولي على أراضيها. تخلصت الحضارة الغربية من اليهود بنقلتهم إلى فلسطين، ونقل الصهاينة الفلسطينيين من أرضهم.
التركيز على الأطفال والنساء لكسر المعنويات
ما جرى في قرية الطنطورة كان إعداما منهجيا للشبان القادرين جسديا على أيدي جنود الاستخبارات وضباطها: وصف الجنود اليهود الذين شاركوا في المجزرة مشاهد تقشعر لها الأبدان: أطفال رضع حطمت جماجمهم، نساء اغتصبن وأحرقن أحياء داخل بيوتهن، ورجال طعنوا حتى الموت. لم تكن هذه روايات قيلت بعد أعوام، وإنما روايات شهود عيان في تقارير رفعت إلى القيادة العليا، خلال أيام قليلة بعد وقوع الحدث.(مجزرة الدوايمة بالقرب من مدينة الخليل) (ص 425) والتركيز على قتل الأطفال والشباب والنساء يعتبر منذ بن غوريون الطريقة الفضلى للتحكم في الميزان الديمغرافي. استحضر نتنياهو إحصاءات بن غوريون سنة 2003 قائلا:” إذا شكل العرب 40% من السكان فتلك نهاية الدولة اليهودية. لن يتمكن اليهود من مجاراة نسبة الإنجاب العالية عند العرب، ويصبح الفلسطينيون خطرا ديمغرافيا وسياسيا لا يمكن درءه إلا باستهداف الشباب والنساء والأطفال رميا بالرصاص: ثلاثون طفلا صغيرا كانوا بين ضحايا المجزرة في دير ياسين. وهي قرية هادئة مسالمة، لكن تقع داخل المناطق التي عينتها الخطة دالت أهدافا للتطهير.( ص 101) واستهداف هذه الفئة والبطش بها سياسة مستمرة حتى اليوم وصور مجزرة أطفال غزة شهدها العالم بأسره. وظيفة إسرائيل هي القتل وتصفية عائلات بتمامها، وتدمير البيوت على أصحابها. والتهجير جزء من خطة صهيونية وضعت عن سابق تصميم، وكان يتم بالقوة او بالتهديد، والغريب أن السكان كانوا يرحلون ويتحملون تكلفة ترحيلهم القسري وكان الهدم والتدمير جزءا مركزيا من النشاط الإسرائيلي. ويعود ارتكاب القتل والتدمير والمجازر إلى عقيدة إيديولوجية واستتراتيجية سياسية نابعتين من فكرة التهجير وحملات الطرد. وهي سياسة رسمية منتظمة وحقيقة تقضي بتعزيز التهجير ومنع عودة اللاجئين، يقول بن غوريون:”ينبغي أن نمنع عودة العرب بأي ثمن”[8] مستشهدا بالمثال التركي- اليوناني، كما كتب فايتس المسؤول عن لجنة “الإجلاء وإعادة التوطين”.
أما الأساليب المستخدمة للطرد: إثارة رعب واسع النطاق، محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية، حرق منازل وأبناك وبضائع، نسف البيوت واقتلاعها بالجرافات، طرد السكان، التشريد مشيا، زرع ألغام متفجرات وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى بيوتهم، القصف اليومي العنيف بقنابل الهون والقنابل اليدوية، الإعدام بالرصاص، والحرق، الطرد الجماعي الممنهج، وتحت تهديد السلاح، الطرد المنظم لسكان المدن، حصار وتجويع، تدمير المواصلات والتجارة وسبل الرزق، وجلها لازال يستخدم اليوم. يكتب أيلان بابه:” لم يكن في قدرة أي امرئ عدم رؤية جموع  الرجال والنساء والأطفال وهم يتدفقون يوميا في اتجاه الشمال. وكانت النساء والأطفال العنصر الطاغي في هذه القوافل البشرية، الشبان غائبون؛ كانوا إما مقتولين وإما معتقلين وإما مفقودين. أما مراقبو الأمم المتحدة من الأعلى أو شهود العيان اليهود على الأرض، فمن المؤكد أن قلوبهم قد تحجرت، وإلا كيف يمكن تفسير القبول الصامت، بل هذا الترحيل الجماعي القسري الهائل الذي كان يجري تحت بصرهم.”[9]
بخصوص يافا ذات التاريخ الطويل الذي يرجع إلى العصر البرونزي وتراث روماني وبيزنطي مثيران للإعجاب، احتلها عمرو بن العاص سنة 632 وأكسبها صفتها العربية، ذات 24 قرية  و17مسجدا لم يبق منها إلا مسجد واحد بينما اختفت القرى جميعها من الوجود. كتب الصحافي الإسرائيلي عاموس بن- فرد الذي استند إلى شهادات من المحفوظات لمن شارك في الهجوم من جنود “الهاغاناه” الذين احتلوا دير ياسين بعد المجزرة:” وجد جنود “الهاغاناه” الذين دخلوا المقبرة بعد المجزرة ببضعة أيام عشرات الجثث التي لم تدفن، وبينها جثث أطفال رضع ونساء وشيوخ، وجثث بلا رؤوس وأخرى مقبورة البطون، وعثر على الكثير من النساء داخل بيوتهن وأجسادهن مخرمة بطلقات نارية…و قد أغمي على بعض المجندين في الجيش الإسرائيلي عندما وقعت أبصارهم على هذا المنظر…واغتصب عدد كبير من طالبات المدارس صغيرات السن ثم ذبحن”[10] كان الأطفال يقتلون بتكسير رؤوسهم بالعصي واليوم تكسر عظامهم بالحجارة أمام الكاميرات. البربرية والقتل والتدمير جزء من معركة متواصلة قصد محو الذاكرة العربية. تدمير القرى وتحويلها إلى مستعمرات أو إلى غابات طبيعية وإعادة التأهيل والاستيطان لطمس عروبة الأماكن ومحو قطعة من التاريخ وإزالة هوية فلسطين العربية وقتل الذاكرة العربية. هناك وحدة بين العنصرية والصهيونية والاستعمار العالمي: مخطط إسرائيل التهام كل فلسطين والقدس ثابت وقديم. فالرجل الأبيض في أمريكا لم يهدف إلى استغلال الأرض ومن عليها من سكانها، بل إلى استغلال الأرض دون سكانها ولذا لا بد من إبادة السكان الأصليين. وهذا ما حدث في فلسطين؛ لم يقم الصهاينة باستعمار الفلسطينيين وتحويلهم إلى عبيد أجراء، وإنما قامت بالاستيلاء على الأساس المادي الذي يستند إليه المجتمع الفلسطيني ذاته، وأحلت المستوطنين الصهاينة محل الفلسطينيين الذين طردوا وما زالوا يطردون من ديارهم. العقيدة الثابتة لدي الحركة الصهيونية هي أن هدفها لا يكمن في إنقاذ اليهود بل في إنشاء دولة يهودية قومية، وبالتالي فإسرائيل لا تريد السلام بل تريد المزيد من الأرض حتى تحقيق حلمها التلمودي في إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. ومن يظن أن دولة الاحتلال تقف وحيدة فهو واهم. هي رأس جبل الثلج من مشروع الإخضاع والسيطرة لكل العالم العربي و الإسلامي لأنه عدو تاريخي للغرب والأكثر قدرة متى استيقظ أن يصوب بوصلة العالم.
[1] – التطهير العرقي: سياسة محددة تهدف إلى إزالة منهجية لمجموعة أخرى على أرض معينة، على أساس ديني أو عرقي أو قومي. وهي قائمة على العنف ومرتبطة بعمليات عسكرية ويتم تنفيذها بكل الوسائل الممكنة، من التمييز إلى الإبادة ، وتنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي…وتشكل أساليب التطهير العرقي، في معظمها، انتهاكا صارخا لاتفاقية جنيف 1949، وللبروتوكولات الإضافية 1977.(Drasen Petrovic « Ethnic Cleansing- An Attempt at Methodology » European Journal of International Law 5/3, 1994 ;pp342- 360
[2] – إيلان بابه، التطهير العرقي في فلسطين، بيروت/ لبنان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ترجمة أحمد خليفة، الطبعة الأولى 2007.
[3] – نور الدين مصالحة، طرد الفلسطينيين، مفهوم الترانسفير في الفكر  والتخطيط الصهيونيين 1882- 1948، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الطبعة الأولى 1992، ص 99.
[4]  – إيلان بابه، التطهير العرقي في فلسطين، بيروت/ لبنان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ترجمة أحمد خليفة، الطبعة الأولى 2007، ص 249.
[5] – إيلان بابه، م س، ص 101، 102..
[6] – إيلان بابه، م س ص 108.
[7] – نور الدين مصالحة، طرد الفلسطينيين، مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين، م س، ص 98.
[8] – نور الدين مصالحة، طرد الفلسطينيين، مفهوم الترانسفير في الفكر  والتخطيط الصهيونيين ،م س، ص 194.
[9] – إيلان بابه، م س، ص 218.
[10] – نور الدين مصالحة، ص179.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله   مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله Emptyالأربعاء 22 سبتمبر 2021, 8:26 am

وثيقة الى مؤتمر ديربان: الاستعمار الاستيطاني: أخطر مظاهر الاجرام والارهاب الصهيوني في فلسطين!

(نأمل ان تصل هذه الوثيقة المدعمة بالمعطيات والمعلومات الموثقة الى مؤتمر ديربان الاممي يوم غد الاربعاء حيث ينعقد المؤتمر في الامم المتحدة، لتضاف الى كم الوثائق التي بحوزة المؤتمر، ولتشكل كلها معا لائحة اتهام تسمح بجلب”اسرائيل” الى الجنايات الدولية حينما يأتي يوم الحساب…وهو آت…!)
يعتبر الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على الارض الفلسطينية أحد أهم وأخطر المرتكزات الصهيونية  للاستيلاء على فلسطين وتهويدها، بل يعتبر الاستيطان أخطر مظاهر الإجرام الصهيوني الى جانب سياسات التطهير العرقي المجازري الاجرامي، وهو الترجمة الاساس للمشروع الصهيوني على الارض الفلسطينية، فبدون الاستيطان لم تكن لتقوم “اسرائيل”.
بن غوريون ينظر للاستيطان وارض اسرائيل
 بعد ان اثار القرار الذي اتخذته حكومة نتنياهو، بالبناء والتهويد في المنطقة المعروفة باسم(E1)، متحدية بذلك كل الاحتجاجات الاوروبية وغيرها، ضاربة بعرض الحائط كل الشرعيات والقرارات الاممية وغيرها، مستهترة بكل التحذيرات من تداعيات هذا القرار، عدنا الى ارشيف الادبيات والمواقف الصهيونية المتعلقة بالضفة والقدس والاستيطان والقرارات الدولية، وفي هذا الصدد، كان دافيد بن غوريون قد وجه انتقادا شديدا للحكومة، لانها لا تفعل شيئا لاستكمال الانتصار العسكري الاسرائيلي في حزيران/67، وقال:”اذا اردنا ان تبقى القدس كلها بيدنا الى الابد، فعلينا ان نستوطنها بسرعة من الشرق والشمال والجنوب”، واضاف:”ان الانتصار في حرب الايام الستة ليس الكلمة الاخيرة، اذ علينا ان نستوطن المناطق الجديدة بسرعة”، وبعد عدة ايام اضاف:”بدون هجرة جماعية غفيرة ومضاعفة التكاثر اليهودي، وزخم عملية لالاستيطان في كل الاراضي التي وقعت تحت سيطرة اسرائيل منذ مدة قريبة، فمن يعلم اذا ما كانت دولة اسرائيل ستعمر طويلا-هآرتس 1967/11/17″.
وعلى ذلك، واستنادا الى الخلفيات الايديولوجية والاستراتيجية الصهيونية، فان الاستعمار الاستيطاني هو أخطر وأقسى ألوان الاستعمار، فالاستعمار العادي الذي مارسته كثير من الإمبراطوريات الاستعمارية قديما وحديثا يحتل الأرض لينهب خيراتها وليجعلها قاعدة لأمن “المركز” الذي جاءت منه جيوشه وليستغل شعوب البلاد المحتلة، أما الاستعمار الاستيطاني فهو الاستيلاء على الأرض واستغلال لسكانها واقتلاعهم من أراضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، فهو يحول البلاد التي يستعمرها إلى “أرض بلا شعب” ليجعلها أرضا خالصة له من دون أهلها… فالاستيطان هو أن يقوم غرباء-غزاة باستيطان أرض لا تخصهم بتأييد من دول أوروبا الاستعمارية، فقد تم نقْلُ سكان من أوروبا إلى المناطق المكتشفة في العالم والخالية من الحضارة الأوروبية، كأميركا وأستراليا. وحصل المستوطنون على الأرض وأبادوا أو عزلوا سكانها الأصليين. وتنبثق الطبيعة العنصرية للاستعمار الاستيطاني من إيمان المستوطنين بتفوقهم الحضاري واحتقارهم للسكان الأصليين، وشعورهم بالتفوق عليهم وتمدينهم بالقوة، وركّز المستوطنون على احتلال الأرض من السكان الأصليين واستعمارها وجعلها خالية منهم، وترحيل السكان الأصليين خارج الحدود إلى الدول المجاورة.
فالمستوطنون غرباء جاؤوا من وراء البحار واستقروا في أراض ليست لهم وهدفهم زيادة الهجرة وزيادة الأراضي المغتصبة وكسر إرادة السكان الأصليين بالقوة والإرهاب والإبادة والعنصرية، ويعمل الكيان الاستيطاني على تشجيع الهجرة، ويترافق تشجيع الهجرة مع عملية تهجير (ترحيل) السكان الأصليين وحصر ملكية الأرض بالمستعمرين الغزاة، فملكية الأرض تنتقل من السكان الأصليين إلى المستوطنين.
وتدّعي النظم الاستيطانية بأنها نظم ديمقراطية، وهي في الحقيقة ديمقراطية للمستوطنين فقط ونظم إرهابية وعنصرية تجاه السكان الأصليين، وتتجلى عنصرية المستوطنين وإغراقهم في التمييز العنصري والإبادة باستخفافهم بحقوق وحياة وكرامة السكان الأصليين، فارتكاب المجازر حدث طبيعي في سلوكهم وممارساتهم وثبت بجلاء التحالف الاستراتيجي بين أنظمة الاستعمار الاستيطاني والدول الاستعمارية. وتحتل عملية الاستيلاء على الأرض مكان الصدارة في الصراع بين المستوطنين وسكان البلاد الأصليين، تماماً كما فعلت فرنسا في الجزائر والنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا وروديسيا. وشكل الاستعمار الاستيطاني جزءاً لا يتجزأ من الاستعمار التقليدي في كينيا والجزائر وأنجولا.
يتعارض الاستعمار الاستيطاني مع مبادئ القانون الدولي المعاصر التي تؤكد على ضرورة إنهاء الاستعمار بكافة أشكاله، وفي مقدمتها الاستعمار الاستيطاني الذي يشكل أبشع وأخطر أنواع الاستعمار، فأنظمة الاستعمار الاستيطاني بحكم نشأتها الاستعمارية، وطبيعتها العنصرية، وممارساتها الوحشية تنتهك أحكام ومبادئ القانون الدولي وأهم العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية، وتخالف قرارات الأمم المتحدة ولا تلتزم بتنفيذها، وبشكل خاص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في عام 1960 حول “منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة وتصفية الاستعمار”، ويعترف القانون الدولي والأمم المتحدة بشرعية كفاح الشعوب الرازحة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية، وبشرعية الكفاح بكافة الوسائل بما فيها المقاومة والكفاح المسلح لنيل الاستقلال وحق تقرير المصير وكنس الاستعمار بشكليه التقليدي والاستيطاني.
 وعلى هذه الخلفية نأتي للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين الذي يمكن اعتباره الاخطر والابشع في التاريخ المعاصر، ففي فلسطين تتجلى أقسى وأبشع اشكال الاستعمار الاستيطاني التي تنعكس وتترجم يوميا بل وفي كل ساعة  ضد الشعب العربي الفلسطيني، وعلى نحو خاص في ظل صفقة القرن الترامبية الصهيونية بالكامل، وفي ظل وباء الكورونا الذي اجتاح العالم.
وهنا في هذا السياق قد يتساءل البعض باستغراب: العالم كله انشغل ومنشغل بجائحة الكورونا وتداعياتها الكارثية على كل الامم والشعوب، وانت  منشغل بالمستعمرة الصهيونية(اسرائيل) وسياساتها وارهابها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني الذي هو ايضا تحت حصار ومداهمة الكورونا…؟!، بينما يقول لي البعض الآخر: ألم تتعب…ألم تمل من الكتابة عنها حتى في ظل هذا القلق والهلع العالمي….!؟.
 في الرد على هذه التساؤلات وغيرها الكثير اقول: ان وباء الكورونا ووفقا لشهادات العلماء والتقارير الطبية المختلفة هو وباء عابر ومحدود لفترة زمنية قصيرة، بينما وباء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وباء مزمن ومفتوح ومستمر منذ مطلع القرن الماضي، وتداعياته على الارض والشعب والتاريخ والحقوق تداعيات  وجودية ومصيرية تلحق بالشعب العربي الفلسطيني نكبة وكارثة لا حدود لها، فهو اخطر وباء على وجه الكرة الارضية…!؟
وفي هذا السياق الاستعماري الاستيطاني الصهيوني حدث ولا حرج….؟!
فنحن في المشهد الفلسطيني الراهن امام ما يمكن ان نطلق عليه”الحرب الاستعمارية الاستيطانية الثالثة-الاولى بدأت عام1948 والثانية بعد العدوان عام 1967-كم يوثق الكاتب توفيق ابو شومر” التي بدأت طلائعها منذ منتصف شهر ديسمبر 2018، ولكنها في سياق سلسلة متصلة من المعارك الطاحنة الوجودية على اهم المواقع في الضفة الغربية وهي: القدس والخليل والاغوار، ولكن، وفي الوقت الذي يتسابق فيه بعض الزعماء والوزراء والمدراء وبعض المثقفين والاعلاميين والتجار العرب على التطبيع المجاني مع الاحتلال الصهيوني، يسارع عدد كبير من أعضاء “الكنيست” والوزراء من حزب “الليكود” وأحزاب يمينية أخرى الى التوقيع على وثيقة تعهدوا فيها بدعم الاستعمار الاستيطاني والعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. ووفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم” فإن الحديث يدور عن وثيقة بادرت بطرحها حركة “نحلا” الاستيطانية، حيث تهدف إلى جمع تعهدات من وزراء وأعضاء كنيست بالعمل على توطين أكثر من مليونَيْ ممستعمر-ستوطن-غاز في الضفة الغربية، ومن بين الوزراء والمسؤولين الذين وقعوا على الوثيقة من الوزارة السابقة-: رئيس الكنيست -المستقيل-“يولي أدلشتاين”، والوزير “يسرائيل كاتس”، والوزير “يريف لفين”، والوزير “زئيف ألكين”، والوزير “جلعاد أردان”، والوزير “أيالت شاكيد”، والوزير “نفتالي بنيت”، والوزيرة “ميري ريغف”، والوزير “أيوب قرا”، والوزير “يوآف غالنت”.
 ان الشعب الفلسطيني يواجه منذ سنوات تهديدا حقيقيا يطلقون عليه هناك في”اسرائيل”  “دويلة المستوطنين اليهود في يهودا والسامرة”، اذ بدأ هؤلاء يهددون بالانفصال عن دولة “إسرائيل” وإقامة دولتهم الخاصة المستقلة، وذلك حسب زعمهم ردًّا على أي محاولة من الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الضفة في إطار التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فقد كان المستعمرون المستوطنون اعلنوا في منشور حمل عنوان “إسرائيل أرضنا” عن “مسابقة لوضع نشيد قومي واختيار علم آخر لدولتهم، وسيمنح الفائز بأحسن تصميم للعلم والنشيد بجائزة نقدية”، وجاء الإعلان عن هذا المخطط في مقال في صحيفة يديعوت أحرنوت/كتبه الراباي شالوم دوف وولفا رئيس “الطاقم العالمي لإنقاذ الشعب اليهودي” وهي المنظمة التي شكلت خصيصًا لذلك، تحت عنوان “الزلزال المقبل”، وقال الحاخام شالوم دوف في بيان له “بعد موافقة إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية واقتراح قانون لتعويض المستوطنين تمهيدًا لإخلائهم: ف”إن الحل هو إعلان دولة-أو مستعمرة يهودية-اخرى- ذات حكم ذاتي في إطار المستعمرة الكبرى-اسرائيل-“، ولكن على الارجح ان يكون هذا الاعلان في سياق تنسيق ةتكامل مع حكومة نتنياهو.
 وعن هذه الدولة كتب يهودا باور- في هآرتس”ان اسرائيل لا تسيطر على بضع مئات الآلاف من المستوطنين اليهود هناك، فهم يقبلون الحكم الاسرائيلي فقط اذا كان يصب في مصلحتهم، أما عندما لا يحدث ذلك وفقا لتصورهم، فهم يتجاهلونه في أحسن الاحوال وينجحون في مقاومتهم له في اسوأ الاحوال”، ويضيف :” الشرطة والسلطات الأمنية والجيش يخضعون لتهديد المقاومة النشطة المتواصل من قبل المستوطنين، ويخضعون لهذه التهديدات ، واصبح هناك دولتان، الاولى ملتزمة بالقانون الديمقراطي الغربي، والثانية بالحكم الديني المتطرف والخلاصي”.
 اما الخبير بالشؤون العربية داني روبنشتاين فقد كتب بدوره في هآرتس-عن دولة المستعمرين- المستوطنين يقول:”على خلفية اتفاق السلام مع مصر والانسحاب الاسرائيلي من سيناء أقام نشيط حركة “كاخ”، ميخائيل بن حورين، في الثمانينيات ما سماه هو ورفاقه “دولة يهودا”، وكان قصدهم رمزيا وهو الاشارة الى بديل ممكن عن السلطة الاسرائيلية في الضفة الغربية اذا ما انسحبت اسرائيل من المناطق وعندما تفعل ذلك، ولقّب بن حورين نفسه بلقب “رئيس دولة يهودا”، بعد ذلك كان من محرري كتاب “باروخ الرجل”، الذي امتدح القاتل في الحرم الابراهيمي باروخ غولدشتاين، وكان من أبطال البولسا دينورا ضد اسحق رابين”و”لكن-يضيف روبنشتاين-  في العديد من الجوانب أُقيم في الضفة، برعاية حكومات اسرائيل وتشجيعها، كيان سياسي ذو طابع يخصه،أي أنه نشأ فصل حيث توجد دولة اسرائيل على حدة، والضفة أو دولة يهودا على حدة”.
 ونحن هنا إذ نتحدث عن دولة أو جمهورية المستوطنين اليهود الإرهابية القائمة في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام ، فإننا لا نبالغ في ذلك أبداً، ذلك أن المستعمرات-المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الضفة والقطاع عبارة عن ترسانات مسلحة أولاً، وعبارة عن مستنبتات أو دفيئات لتفريخ الفكر السياسي والأيديولوجي الإرهابي اليهودي ثانياً ، ودفيئات أيضاً لتشكيل وانطلاق التنظيمات والحركات الإرهابية السرية في نشاطاتها وممارساتها الإرهابية ثالثاً ، فضلاً عن كونها قوة ضغط هائلة على قرارات الحكومة الإسرائيلية ونهجها الاستيطاني والتنكيلي ضد الفلسطينيين رابعاً ، وذلك رغم الحقيقة الساطعة المتمثلة بالتعاون والتكامل القائم بين الجانبين ، فلا تعارض ولا تناقض قطعاً ما بين الدولة الإسرائيلية الرسمية بمؤسساتها وأجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإدارية والمالية ، وسياساتها الاستيطانية ، وما بين دولة المستوطنين اليهود المنفلتة في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
وعندما نتحدث عن دويلة أو جمهورية-والاصح مستعمرة- المستوطنين اليهود، فإننا نتوقف عند حقيقة الصفات والخصائص الأساسية ومنها العنصرية والفوقية والإرهابية التي ميزت ودمغت الحركة الصهيونية والتنظيمات الصهيونية التاريخية ، فمشروع الاستيطان اليهودي ترجمة صارخة للاستراتيجية الصهيونية على الأرض الفلسطينية ، ودولة المستعمرين المستوطنين هي نتاج عملي لتلك الترجمة.
وعندما نتحدث عن دولة المستوطنين اليهود، فإننا نتحدث عن … ، ونتوقف أمام ، مسلسل لا حصر له ، من الانتهاكات والممارسات الإرهابية الدموية التنكيلية والتدميرية الجامحة المنطلقة من صميم المستوطنات اليهودية … وكلها تجري بصورة سافرة تحت سمع وبصر وحماية الحكومة والجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية .
هكذا هي حقائق المشهد الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في الاراضي المحتلة حتى في ظل الجائحة الكورونية العالمية.
والمؤسف هنا: انهم يعملون هناك في المستعمرة الصهيونية حتى في ظل هذا الوباء العالمي وعلى مدار الساعة من اجل تحقيق حلمهم باختطاف الارض والوطن والتاريخ والحقوق وتهويدها هكذا بفعل القوة والارهاب، بينما يهرول بعض العرب لمنحهم الاعتراف والغطاء والشرعية بالتطبيع معهم…؟.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مؤتمر ديربان ما له وما عليه وصورة العالم من خلاله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  توصية مؤتمر لندن المسمى مؤتمر كامبل بنرمان(*) سنة 1907
» صوت وصورة فيديو الإسعافات الأولية ...
» القدس مش ركعتين وصورة تاريخية...
» تحميل برنامج المصحف الالكترونى للكمبيوتر صوت وصورة
» تحميل برنامج المصحف الشريف كامل صوت وصورة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: بلادنا فلسطين :: وثائق اتفاقات ومعاهدات قرارات دوليه وعربيه بيانات ورسائل-
انتقل الى: