الاكتئاب".. لماذا نتجنب الحديث عنه؟
“الاكتئاب .. لنتحدث عنه” هو شعار يوم الصحة العالمي، والذي صادف في السابع من الشهر الحالي، حيث حرصت منظمات صحية في العالم على تناول ظاهرة الاكتئاب وانتشاره بكثرة بين مختلف الأعمار، وعن أهمية محاربة ما يُسمى بـ”الوصمة” التي تعتبر عائقا كبيرا امام توجه الكثيرين للعلاج والبوح بما يعانون منه.
“هو كمرض السرطان النفسي الذي يظهر فجأة إذا ما تركناه يتمادى دون علاجه منذ البداية”، هكذا وصف مدير البرامج في الهيئة الطبية الدولية الدكتور أحمد البواعنة، المرض، ما دعا الهيئة التي تقدم خدماتها فيما يزيد على 28 دولة في العالم، إلى التطرق هذا العام للحديث عن الاكتئاب والذي يؤدي في نهاية النفق وبكثير من الأحيان للانتحار، بعد أن أصبح ظاهرة خطيرة تحتاج إلى التوقف عندها، ودعوة كل فرد يشعر بأنه عرضه لهذا المرض إلى التحدث للآخرين عما يجول في خاطره.
ومن هنا جاء الشعار “الاكتئاب.. لنتحدث عنه”، وهو ذاته ما دعت له منظمة الصحة العالمية الأفراد والمجتمعات لمحاربة الوصم المحيط به، فالتحدُّث عن الاكتئاب يشجِّع المزيد من المصابين به على طلب المساعدة.
وخلال ورشة العمل التي نظمتها الهيئة الطبية الدولية هذا الأسبوع، بالتعاون مع وزارة الصحة، أقيمت دورات وتم تقديم معلومات عن أهمية الصحة النفسية ومعالجة الاكتئاب، بحيث تم استضافة ما يقارب 20 من رؤساء أقسام الصحة النفسية وصحة المرأة والطفل، وقام مجموعة من المتحدثين بتقديم محاضرات تناولت عدة جوانب حول الاكتئاب وأعراضه وطرق الوقاية منه، وخاصة فيما يتعلق بموضوع “الوصمة” والتي تعتبر عائقا أمام الكثيرين ممن يخافون نظرة المجتمع السلبية المتعلقة ببعض الأمراض.
وبين البواعنة أن الهيئة الطبية الدولية، ستقوم بالعديد من ورشات العمل في مختلف محافظات المملكة، للحديث عن مرض الاكتئاب الذي يعتبر مرضا كغيره من الأمراض، ويجب أن يكون هناك وعي عام حول ذلك، حتى لا تتفاقم الأمور، فهذه الورشات هي عبارة عن فرصة لتعزيز دور وزارة الصحة والهيئة الطبية في المجتمع لعلاج الاكتئاب، ليس فقط من خلال الأدوية بل على العاملين في هذا المجال أن يتجهوا للمريض بدعمه نفسيا ومعنويا قبل التوجه للعلاج الدوائي.
وهنا، يركز البواعنة على الدور الكبير للاختصاصيين النفسيين والعائلة والطبيب في دعم المريض، حيث يخرج المريض، مشدداً على محاربة ما يُسمى بـ”الوصمة” والتي تعتبر العائق الكبير في توجه الكثيرين إلى العلاج والبوح بما يعانون منه، فالمجتمع لديه معتقدات وخلفيات غير دقيقة وعلمية عن ماهية المرض، لذلك يخشى الشخص البوح بمرضه، إلى أن تتفاقم حالته الصحية للأسوأ، والتي قد تصل إلى “الانتحار” في أسوأ الحالات.
وتشير الإحصائيات إلى أن 800 ألف شخص يموتون سنوياً بسبب الانتحار عالميا، بمعدل شخص كل 40 ثانية و75 % من حالات الانتحار تحدث في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض”.
ويعتقد البواعنة أن الحديث عن مريض الاكتئاب لا يبتعد كثيراً عن الحديث مع الأهل، فالطبيب سيكون مع المريض لفترة معينة، ولكن بعدها سيتواجد المريض مع عائلته، فلا بد من أن يكون لديهم الوعي الكافي في متابعة العلاج النفسي والاجتماعي، والتخلص من الخوف من الناس ونظرة المجتمع لهم كأسرة لديها مريض اكتئاب، فهو مرض قابل للشفاء كغيره من الأمراض.
الى ذلك، كان من الأهمية بمكان التحدث عن المرض وتنظيم ورشات العمل، وتوجيه التدريب للأطباء والاختصاصيين الذين يتعاملون مع المرضى بشكل مباشر، عدا عن أهمية دور الإعلام في الحديث عن المرض والتعريف به وتوعية المجتمع حوله.
لذلك، حرص المحاضرون على تبيان أهمية أن يخرج الإنسان عن صمته والتحدث بكل ما يشعر به، فهذه هي نقطة البداية للعلاج من المرض الذي بدأ يتفشى في كل دول العالم، ولكن النسب تزيد في دول افريقيا والشرق الأوسط، كما جاء في المعلومات التي تم طرحها في الحلقة النقاشية.
وبين مدير وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور فطين جانم، أن من أبرز النقاط التي يمكن من خلالها إلغاء الخوف من الاعتراف بالإصابة بمرض الاكتئاب، التوعية وإدخال مفاهيم الصحة النفسية ضمن المناهج التربوية، والدعم للمرضى وأهاليهم، بالإضافة إلى تدريب الكوادر الطبية في مجال الحد من الوصمة وتفعيل دور الإعلام والتشريعات في ذلك.
وأشار جانم إلى أن الوصمة والخوف من الاعترافات بالأمراض النفسية ارتبطت على مر العصور بنظرة “جائرة” للشخص من قِبل المجتمع، وهذا أدى إلى بناء حاجز بين المريض وأهله ومجتمعه، والتوجه نحو طرق تقليدية شعبية في معالجة المريض بدلاً من زيارة الأطباء والمختصين، مطالباً المجتمع بتغيير نظرة “الوصمة” للشخص إلى “البسمة”.
وتحدث عدد من المختصين في مجال الطب النفسي، إلا أن المشاركين في الورشة تساءلوا عن سبب عدم وجود دراسة وإحصائية خاصة بقاعدة بيانات لمرض الاكتئاب محلياً، إذ أن أغلب الأرقام هي عالمية وشاملة، مشيرين إلى أن وجود قاعدة بيانات لدى الوزارة يساعد في معرفة مدى التقدم في العلاج أو غيرها من الأمور الخاصة بالمرض، وتعريف كافة فئات المجتمع بالمرض، فهو يهاجم أي شخص في أي مرحلة عمرية، تبعاً للظروف المحيطة والتي تؤدي إلى “الاكتئاب”.
وتم خلال الورشة عرض مجموعة من الأفلام التي تتناول فكرة مرض الاكتئاب، منها الخاص بالأطفال والأمهات والحوامل، وكذلك كبار السن.
ويشار إلى أن الهيئة الطبية الدولية هي منظمة إنسانية دولية غير ربحية تأسست العام 1984 على يد مجموعة من الأطباء المتطوعين وتوجهوا للخدمات الطبية والإنسانية في الدول التي تحتاجها في العالم، وتعمل على تقديم الرعاية والحماية في أكثر من 28 دولة من خلال برامج المساعدات في حالات الطوارئ والكوارث وذلك من خلال برامج التأهيل الطبي والنفسي والحماية، كما تنشط في مجال تنمية المجتمعات من خلال برامج التدريب وتأهيل الكوادر في المجال النفسي والطبي في دول المجتمعات المستضيفة لنشاطات الهيئة.
في الأردن تم إنشاء فرع للهيئة الطبية العام 2008، وتتمثل مهمة الهيئة الطبية الدولية في الأردن في تحسين نوعية الحياة من خلال التدخلات الصحية والأنشطة ذات الصلة التي تبني القدرات المحلية في جميع أنحاء العالم، وتركز الهيئة الطبية في برامجها على بناء القدرات من خلال تقديم التدريب والرعاية الصحية للاجئين وللسكان المحليين والمساعدة الطبية للمعرضين للخطر، وكما تعمل على تقديم الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ.
وتعمل الهيئة على تحقيق أهدافها في الأردن والمتمثلة في المساهمة في تحسين حياه المحتاجين من خلال تعزيز إمكانية الحصول على الرعاية الصحية ذات الجودة، وتوفير الخدمات النفسية والاجتماعية، وتقديم المنح إلى جمعيات ومؤسسات أردنية تعني بالرعاية الطبية، وتحسين نوعية وإمكانية الحصول عليها للأفراد، من خلال تقديم الدعم لعيادات الرعاية الصحية الأولية في الأردن مباشرة، أو بالاشتراك مع الهيئات والمؤسسات الأردنية الخيرية.
كذلك، توفير التدريب للأمهات في الأردن في المراحل الأولية في صحة الطفل وتنميته، ودعم الحكومة الأردنية في تعزيز الصحة العقلية والنفسية والاجتماعية لضمان التنسيق على الأدلة وتقييم البرامج، بالإضافة إلى تحسين نوعية وإمكانية الوصول إلى خدمات المجتمع في مجال الصحة النفسية للنساء والأطفال في الأردن.