ملك الأردن «يدافع بالعمق» على حدود سوريا… ما الذي تعنيه هذه «العبارة»؟… الرد على «تحرش» الأسد تضمن تشخيصاً يفيد بأنه أراد «إستعراض» قدرته على الوصول لمعلومات فقط
«القدس العربي» تتبع الخيط:... ثلاثية ردع ثم رقابة وتحرك قوة خاصة برشاقة عند الحاجة
بسام البدارين
عمان ـ «القدس العربي»: ما الذي تعنيه بصورة محددة عبارة» ندافع بعمق» التي إستعملها العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني أمس الأول وللمرة الثانية فقط خلال إستقباله أركان الإعلام الرسمي ورؤساء التحرير في بلاده؟
طبعاً لا يوجد تفسير «سياسي» مباشر لهذه العبارة التي رددها الملك مرتين فقط وبالتالي لم يلتقطها الإعلام الرسمي المحلي ولم تحظ بالأضواء المناسبة رغم أهميتها في تقديم شرح مفصل ودقيق لإستراتيجية الأردن عندما يتعلق الأمر بالحدود مع جنوب سورية.
بوضوح إرتبطت عبارة «الدفاع بعمق عن حدودنا» بالشطر الثاني من الفكرة الملكية والتي تقول مباشرة «لا حاجة لنا لإرسال الجيش الأردني إلى الأرض السورية «.
العبارة بكل حال ليست سياسية بل «فنية وخبيرة ولها علاقة بالبعد العسكري» ويستعملها العسكر المحترفون فقط وفقاً لمصادر «القدس العربي» وعندما صدرت عن العاهل الأردني برزت رداً ضمنياً في ما يبدو للتهديد من تلويحات وتهديدات الرئيس بشار الأسد للأردن الأسبوع الماضي.
في رأي وتحليل غرفة القرار الأردنية تحرك الأسد ووصف الأردن بالإسم في تصريح شهير تم تجاهله ورد عليه فقط الناطق الرسمي بإسم الحكومة الأردنية الدكتور محمد مومني حصريا بعدما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاهل الأردن بأنه «محارب» بالتزامن مع تحديد مكان جغرافي «اقرب للحدود مع سوريا» لإستضافة النسخة الجديدة من مناورات الأسد المتأهب بمشاركة 23 دولة.
تقرأ الغرفة الأردنية ايضا ما يلي: الأسد لم يقل مباشرة بأن الجيش الأردني يتهيأ لدخول سورية من الجنوب بل ربط الأمر بـ»معلومات لديه» مع اشارة غامضة تمكن الخبراء الأردنيون من تفكيكها لاحقا عن مصادر «عائلات وعشائر» في جنوب سورية يصر الأردن على انه قريب جداً منها.
لذلك وعندما بحث الأردنيون عن تفسير منطقي لأسباب وخلفيات التصريح الشهير للرئيس الأسد حول دخولهم الوشيك عسكريا للجنوب بأوامر أمريكية كما قال لم يجدوا أكثر من «الإيحاء الرئاسي بوجود معلومات».
ترددت الفكرة بوضوح ولم تخرج للإعلام خلال اللقاء الملكي في عمان مع نخبة من الإعلاميين فقد فهم الحضور بأن التشخيص الرسمي يميل للإعتقاد بأن الرئيس بشار «إخترع» قصة دخول الأردن عسكريا لجنوب بلاده لسبب واحد فقط يتيم وهو «الإستعراض بأن لديه معلومات» والإيحاء لوسائل إعلامه والشعب السوري بأن الحصار المفروض عليه في دمشق لا يمنع قدرته على إستخلاص المعلومات.
يبدو الإستنتاج منطقياً في جانبه السياسي لأن الأسد تحدث مباشرة عن قدرة نظامه على إستخلاص معلومات من عائلات وعشائر في درعا تزعم عمان بأنها قريبة جدا منها .
وربط بوضوح ايضا تحذيراته بخصوص دخول قوات اردنية بفكرة «إملاءات أمريكية» تزامنت مع الزيارة الملكية الأخيرة لترامب وواشنطن.
الأردنيون يقولون بوضوح الأن بأن الأسد «نهشهم قليلا» ليس بناء على معلومات حقيقية ولكن بموجب الإيحاء بأن لديه معلومات.
لذلك إستوجب موقف الأسد رداً ملكياً مختصراً وملكياً «لا نحتاج اصلا عسكريا لدخول سوريا، الجيش الأردني لا يحتاج ذلك فنيا، وإستراتيجتنا الدفاع بعمق وحدودنا الشمالية لديها كل الوسائل المطلوبة للتصدي للإرهاب».
يمكن ببساطة ملاحظة ان من يتحدث ويرد هنا هو «القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية» ورأس الهرم وليس أي مسؤول حكومي.
بوضوح يكرر وزير الإتصال الناطق الرسمي الأردني لـ «القدس العربي» مجدداً بأن موقف بلاده أوضح من أي موقف آخر والإستراتيجية لم تتغير.
لكن مثل هذا التصريح العمومي لا يكفي لتعبئة فراغات فضول التساؤلات عند الرغبة في تفكيك شيفرات التشخيص العسكري الفني الذي قدمه الملك عبدالله الثاني وبلغة سياسية وأمام إعلاميين في مسألة إستراتيجته الأمنية بخصوص ما يجري على حدود بلاده الشمالية .
خبراء العسكر وليس السياسة يعلمون بأن منهجية «الدفاع بالعمق» تعني ببساطة ثلاث تقنيات أمنية عسكرية أساسية، الردع ثم الرقابة بعمق الأراضي السورية وحيث الخطر، وأخيراً القدرة الفنية على التحرك الرشيق عندما يحتاج الأمر.
ليس سراً هنا ان الردع متحقق في معادلة «تأمين الحدود» بأحدث وسائل الدفاع حيث منصات صواريخ أمريكية وقوات ج`اهزة للإلتح`ام براً وج`واً.
الرقابة بعمق أيضاً شرط متحقق حيث أجهزة رادار متطورة جداً تراقب وترصد أي حركة على بعد 40 كيلومتراً مع «دوريات جوية» وصور لأقمار صناعية من المرجح ان إسرائيل تتكفل بها أحيانا .
يبقى التحرك الرشيق إذا ما تحرك الخطر أو وجد أصلا وهنا حصريا يكمن مفهوم «الدفاع بالعمق» بمعنى توفير إمكانية فنية لتحريك قوة ردع دفاعية صغيرة العدد ورشيقة تنهي «مهمة خاصة» وصغيرة وسريعة لأسباب دفاعية أردنية إذا لزم الأمر ومبرر التحريك هنا هو إصرار بشارالأسد على ترك جنوب سورية وعدم وجود ما يسميه المومني بمظاهر سيادة الدولة السورية في الجنوب.
نتحدث هنا عن قوة»عمليات خاصة» تستطيع التحرك ضد تنظيم «الدولة ـ داعش» حصريا إذا ما فكر بالإقتراب وفي عمليات سريعة يتيحها القانون الدولي ومن دون الحاجة «لإرسال جيش نظامي»، الأمر الذي يعتقد انه سبب قول الملك بأن الجيش الأردني لا يحتاج لدخول الأرض السورية .