أغادير المغربية:
جوهرة المحيط يحرسها الجبل وترعاها إرادة الناس
أغاديرـ «القدس العربي»: فيها نعانق البحر، وكثيرون هم الذين ارتبطوا ببحرها حتى أصبحوا جزءً منه، وحتى أضحى المد والجزر نبضا للحياة بالنسبة إليهم. هي ابنة منطقة سوس، يحرسها المحيط والجبل، وترعاها إرادة الناس. هذه هي أغادير «جوهرة المحيط»، التي جمعت بين الشاطئ الرملي والجبل الشامخ والسهل الفسيح الخفيض.
أغادير، أو كما يسمونها المغاربة «أكادير»، تعني الحصن المنيع باللغة الأمازيغية، التي يتحدثها أهلها، استطاعت بجوها المعتدل وشمسها الدافئة ورمالها الذهبية التي تشتد بريقا كلما طلت شمسها المنيرة زوالا، أن تتبوأ مكانة سياحية متميزة، لتكون منتجعا سياحيا يأتيها ملايين السياح من كل حدب وصوب، وصلت في بعض الأحيان إلى جذب ما يقارب 19 ألف سائح من مختلف الجنسيات وخاصة الألمان والفرنسيين ويليهم الروس والانجليز، للتمتع بساحلها الممتد على 30 كيلومترا، وخصوصياتها الطبيعية المتفردة، وتنوعها الثقافي والمعماري.
المدينة التي تسحر زوارها
سحرت أغادير قلب فليب، وهو سائح فرنسي، الذي قال لـ «القدس العربي»: « أحب المدن الساحلية كثيرا ولكنني لم أكن أتوقع أنني سأحب مدينة أغادير لهذه الدرجة، زرتها ثلاث مرات متتالية ولم أغيرها بمدينة أخرى. أنها مدينة سحرتني بتنوعها الثقافي وبجوها المعتدل وبسكانها الودودين، وتسكن ذكرياتنا الجميلة».
ما يميز هذه المدينة عن غيرها، هو تمتعها بالكثير من المعالم الأثرية والمناظر الطبيعية الخلابة، خاصة أنها تقع على الساحل الغربي للمحيط الأطلسي، ومن أهم معالمها السياحية غير الشاطئ، حيث لا يمكن لزائرها، دون أن يصعد إلى أهم معلم تاريخي، على قمة جبل يعلو عن سطح البحر بـ 236 متر، حيث تنتصب قصبة «أغاديرأوفلا» التي تعني «عاليا» باللغة الأمازيغية، وهي التي كان قد شيدها السلطان محمد الشيخ السعدي عام 1540، تحكي بسورها الشامخ، عن حضارة عريقة وعن تاريخ يمتد إلى ستة قرون.
وهناك ساحة الأمل، والتي تعد أهم الساحات في المدينة، حيث تنتشر فيها أشجار النخيل، وتقام فيها المهرجانات الكبيرة والجميلة والمتنوعة والتي تساهم بشكل كبير في جلب الزوار من جميع أنحاء العالم، أهمها مهرجان «تيميتار» وهو مهرجان يساهم في إبراز التراث الفني والثقافي للمدينة. كما أن هناك حديقة «أولهاو» المعروفة بحديقة «العشاق»، والتي تغلب عليها الأجواء الرومانسية وسط الطبيعة الخلابة.
وتتوفر المدينة على فنادق متنوعة من بينها فنادق فخمة تطل على شاطئ «مارينا» وتقدم خدمات الراحة والترفيه.
كان لهذه المدينة، وقع جميل على قلب النحات الإيطالي، كوكو بوليزي، الذي شيّد قرية نموذجية مساحتها 4 هكتارات، عام 1992 سماها «مدينة أغادير»، وهي قرية تجمع بين الهندسة المعمارية الإسلامية والإغريقية مبنية بالأحجار والأخشاب، وتبعد ب 10 كيلومترات عن وسط المدينة. وقد أصبحت اليوم مشروعا سياحيا كبيرا، يضم عددا كبيرا من المحلات المتخصصة في بيع مختلف أنواع الحرف التقليدية اليدوية. كما تضم مطاعماً على شكل رياض وغرف للمبيت، ومسرحا رومانيا تقام فيه الحفلات والأنشطة الثقافية والفنية.
دمرها زلزل في 1960 وتشبت سكانها بإعادة بنائها
وعن تاريخ المدينة، قال الشرقي دهمالي عن جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار لـ «القدس العربي»: إن « المدينة أسسها البرتغاليون عام 1500، ليقوم المغاربة بتحريرها واستعادتها منهم عام 1526، ثم كانت محمية من قبل فرنسا منذ 1912. وفي 1960 تعرضت المدينة إلى زلزال قوي، دمرها بالكامل وتسبب في موت ما يزيد عن 15 ألف شخص، لكن إرادة سكانها الذين يبلغ عددهم 200 نسمة كانت أقوى في إعادة إحياء هذه المدينة من جديد وجعلها صلة وصل بين شمال المغرب وجنوبه».
لا تحلو زيارة أغادير، دون زيارة ميناء «مارينا»، والجلوس في إحدى المقاهي المحيطة به. ويعتبر الميناء هو الرئة التي تتنفس بها المدينة، وهو يحتل المرتبة الأولى على الصعيد المغربي بفضل طاقته الاستعابية وبنيته التحتية.
فبعد جولة بحرية في القارب، ينصحك كل من تقابلهم بتذوق أشهر أنواع «الطاجين» الذي تشتهر به المدينة، وأبرزها «اسيغاغ» لسمك يسمى «الفرخ» الذي يحضر بالبصل والزبيب، وبسعر لا يتجاوز 6 دولارات. في دردشة مع «القدس العربي» قال أسعد صاحب مطعم « النيل الأزرق»، وهو عراقي» بأن غالبية الزبائن من السياح الأجانب، تتوقف طلباتهم على الأطباق التقليدية مثل طاجين سمك، والسمك المشوي على الفحم، وأنواع أخرى من الأطباق التي لا تخلو من نسمة السمك ممزوجة برائحة البحر، وبسعر لا يتجاوز 6 دولارات».
بالنسبة لعشاق التسوق، يعتبر سوق الأحد، أكبر الأسواق الشعبية الحضرية في المدينة لما يوفره من منتجات فلاحية طازجة تأتي في الغالب الأعم من ضيعات بيوكرى وهوارة وماسة أو من خميس آيت اعميرة. إلى جانب سلع أخرى من بينها السلع التقليدية كالملابس وأحذية والفخار وصناعة الجلد، إضافة إلى المنتوجات الفضية خاصة الحلي والأكسسوارات التي تتميز بها المرأة الأمازيغية في زينتها.
الثروة الغابية وشجرة «الأركان» النادرة
وصل صيت هذه المدينة، إلى كل اتجاهات العالم بفضل ثروتها الغابية، حيث تتوفر على ما يزيد عن 8 آلاف هكتار من شجرة «الأركان» النادرة التي تنتج زيتا للتغذية وللتجميل.
فبلغة الأرقام، وصل سعر اللتر الواحد من زيت الأركان في السوق العالمية، إلى 2500 دولار. وفي حديث مع «القدس العربي»، قال مندوب التسويق في تعاونية «أدمين»، سعيد أشحاح، إن « شجرة أركان هي رمز هوية وانتماء يعتز بها سكان منطقة «السوس»، والمغاربة بصفة عامة، فهي ما يميز منطقتنا عن باقي دول العالم، ولا يمكن لزائر بيت من بيوت منطقتنا عدم ملاحظة زيت أركان على موائدنا، فزيت أركان بالنسبة لنا هو بمثابة عربون لترحيب بالضيوف». ونبَه في الوقت نفسه إلى أن المجال الغابي لشجرة «الأركان «مهدد بالانقراض، وطالب بوضع خطط استراتيجية من أجل الحفاظ على هذه الشجرة واستمرارها.
وعن طريقة ومراحل استخراج الزيت «أركان»، قال أشحاح: إن «العملية تبدأ بجني ثمار شجرة الأركان، حيث تعمل النساء على فصل الحبوب عن القشور، ويتم تكسيرها للحصول على نوى تحمص وتطحن في مطاحن تقليدية تسمى باللغة الأمازيغية «أزرك» لحصول على عجينة تسمى» تزكموت» تدعك بالماء قبل الحصول على زيت أركان صافية يمكن توظيفها في الأكل والتجميل، والأهم من ذلك، أن عملية استخراج لتر واحد من الزيت يستغرق قرابة 20 ساعة من العمل».
وكانت المجلة الإسبانية الشهيرة «فضاء حر» «إير ليبر»، المتخصصة في الأنشطة السياحية، منحت المحمية الحيوية للأركان «جائزة الغابة المستدامة»، مؤخرا وذلك خلال فعاليات المعرض الدولي للسياحة بمدريد.
والمحمية مصنفة كذلك من قبل منظمة «اليونسكو» كتراث بيئي للإنسانية.
تراث موسيقي خاص
تنفرد أغادير بطابع موسيقي وغنائي خاص، يميزها عن باقي المدن المغربية. وتعتبر رقصة «أحواش»، أهم ما يميز الفولكلور الأمازيغي، في منطقة سوس، وهي رقصة جماعية يشارك فيها عدد كبير من الراقصين والراقصات. ولا تبدأ هذه الرقصة الفلكلورية إلا بعد إلقاء بعض الأبيات الشعرية تسمى «أمارگ» من قبل شاعر الفرقة أو من قبل مجموعة من الشعراء بشكل متناوب، تنتهي بانطلاق زغاريد النساء، لتعقبها الـ»أحواش»، و هي رقصة تهتز فيها الأكتاف والرؤوس والأجساد. وتعني كلمة «أحواش» (الحائط) ويعني إحاطة الراقصين والراقصات بمكان الرقص الذي يسمى أيضا بـ» أساراگ» أو «أباراز» أو»أسايس» في اللغة السوسية والأطلسية.