ألمانيا: دعوات لتجاوز «الذنب التاريخي» في التعامل مع إسرائيل
استمرار التعليقات المهاجمة لنتنياهو وصحف تشبهه ببوتين
علاء جمعة
برلين ـ «القدس العربي»: تتواصل في ألمانيا التعليقات الغاضبة والمستنكرة لقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلغاء اجتماع كان مقرراً عقده مع وزير الخارجية الألماني زيغمارغابرييل في القدس، وذلك على خلفية خطط غابرييل لإجراء محادثات مع ممثلي منظمات حقوقية ناقدة للحكومة الإسرائيلية. وإلى جانب الانتقادات الحكومية القاسية التي أطلقتها ألمانيا، هاجمت صحافتها موقف نتنياهو وشبهته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بحثه عن السلطة، ومحاولة الظهور بمظهر القوي.
وفي تصريحات صحافية انتقد وزير التنمية الألماني غيرد مولر المنتمي إلى الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري الموقف الإسرائيلي، وقال إنه حتى القيادة السياسية الصينية تقبل بإجراء محادثات لممثلي حكومات أجنبية مع حقوقيين. وأعرب عن اعتقاده أنه يجب أن يتم وضع طرفي الصراع في الشرق الأوسط أمام التزاماتهما في الجهود الرامية إلى إحلال السلام على أساس حل الدولتين، وشدد على ضرورة أن يتم لهذا الغرض « شرح الموقف الألماني بمنتهى الوضوح» سواء للفلسطينيين أو لنتانياهو.
انتقادات قاسية غير مسبوقة لـ«الملك بيبي»
ونشرت صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» انتقادات قاسية غير مسبوقة بحق نتنياهو فكتبت في افتتاحيتها «يسميه البعض بيبي، ويبدو الاسم جذاباً. ويدعوه البعض الآخر بـ «الملك بيبي» فهو يحكم ومنذ أمد طويل في مملكة تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن. في الحقيقة، إذا أردنا أن نطلق على رئيس الوزراء الإسرائيلي اسماً يتناسب مع السياسة التي ينتهجها، قد يكون ذلك الاسم هو فلاديمير طيب نتنياهو. على شاكلة بوتين في روسيا وأردوغان في تركيا، يقلب نتنياهو عالي بلده سافله ويقوض القيم العريقة ويعرض الديمقراطية للخطر. وقد أحس خصومه بذلك الأمر ومنذ أمد بعيد. وجاء الآن دور أصدقائه».
أما موقع «شبيغل أونلاين» فقد انتقد الغاء نتنياهو اللقاء وكتب على موقعه الإلكتروني «كانت فضيحة، أرادها نتنياهو أن تكون على الملأ.
ونظراً لإصرار زيغمار غابرييل، وفي إطار زيارته، على لقاء منظمات مجتمع مدني دأبت أن تلقي باللائمة على نتنياهو، قام الأخير بإلغاء المحادثات المقررة مع غابرييل. ويظهر ذلك-أكثر ما يظهر-أنّ المعاملة الخاصة لإسرائيل، المرتبطة بعوامل تاريخية، وصلت مع حكومة نتنياهو إلى حدود لا يمكن تحملها. بالتأكيد، إسرائيل لا يمكن أن تكون بالنسبة لألمانيا كأي دولة أخرى. أحاطت ألمانيا إسرائيل بعناية خاصة حتى اليوم، كما أولت علاقاتها الدبلوماسية معها اهتماماً خاصاً. بيّد أن الذنب التاريخي لا يجب أن يقود ألمانيا إلى القبول بأن تستمر الحكومة الإسرائيلية في الابتعاد عن كل القيم، التي حملناها معاً حتى اليوم».
وفي تعليق له على إلغاء نتنياهو اجتماعه مع غابيرييل، قال نوربرت روتغن، المكلف بالسياسية الخارجية في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة أنغيلا ميركل «إنه لأمر مؤسف، اعتقد أنه خطأ من قبل الجانب الإسرائيلي».
وكان نتنياهو ألمح خلال الأيام الماضية أنه غير موافق على لقاء غابرييل بهذه المنظمات. وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن نتنياهو كان يدرس إلغاء محادثاته مع الوزير الألماني، بسبب خطط الأخير للقاء منظمات يسارية إسرائيلية ناقدة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية.
وفي المقابل، دافع غابرييل عن لقائه المزمع مع تلك المنظمات، وقال في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني « زاد دي اف»: « من الطبيعي تماما أن نتحدث مع ممثلين عن المجتمع المدني خلال الزيارات الخارجية… نفعل ذلك منذ سنوات عديدة في دول كثيرة».
وأضاف أن هذه اللقاءات تأتي في «سياقها الطبيعي تماما»، موضحا أنه لا يمكن تخيل أن يأتي رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ألمانيا مخططا للقاء منتقدين للحكومة، بينما يتم رفض هذا الأمر وإلغاء اللقاء معه، وقال: «لا يمكن تصور ذلك». وفي المقابل، أكد غابرييل أنه إذا تم بالفعل إلغاء لقائه مع نتنياهو، فإن ذلك لن يكون كارثة ولن تنتج عنه أي مأساة، وقال: «لن يغير ذلك علاقتي بإسرائيل.
في حين نشرت صحيفة فرانكفورتر روندشاو» لم تصل العلاقات الألمانية-الإسرائيلية الخاصة إلى هذا المستوى المتدني من قبل. أُلغيت مشاورات حكومية قبل فترة قصيرة. والآن جاءت هذه الفضيحة على أرفع المستويات الدبلوماسية (…) كما أنّ غابرييل، من طرفه، حاول كثيراً ألا تصل الأمور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ما وصلت إليه. الوقوف إلى جانب إسرائيل لا يجب أن يعني الخضوع لرغبات نتنياهو. لم ينحنِ غابرييل أمام نتنياهو. ويستحق هذا الموقف منه الاحترام».
لوم لوزير الخارجية الألماني
و انتقدت يومية «تاغس شبيغل» البرلينية وزير الخارجية الألمانية:
«هذا هو الصحيح: تكوين صورة كاملة عن البلد خلال زيارته، ومن الجيد تبادل وجهات النظر مع قوى المجتمع المدني المنتقدة، كما أنه من الضروري بالنسبة لإسرائيل التفكير أيضاً بشكل استراتيجي وعقلاني؛ فهذه الدولة ترى نفسها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. ورغم كل الاعتراضات على سياسة إسرائيل على العديد من الصعد-وليس آخرها بناء المستوطنات-غير أن محاولة مقارنة إسرائيل بدولٍ تختلف معها ألمانيا كثيراً في الرأي، ليست فقط عملاً أخرقاً، بل محظورٍ أيضاً. لا يمكن مقارنة تركيا أردوغان وروسيا بوتين وصين شي جين بينغ بإسرائيل. لكن غابرييل أجرى تلك المقارنة بشكل ضمني بقوله إنّ المحادثات مع منظمات المجتمع المدني أمر طبيعي في الكثير من الدول منذ سنوات كثيرة. وهذا يرقى-في ذكرى الهولوكوست-إلى مرتبة الاستفزاز. وأعطت ألمانيا لنفسها الحق في أن تشرح للإسرائيليين ما هو الطبيعي في الدول الديمقراطية».
وكان ليومية «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» رأيٌ آخر: حيث كتبت « من المؤسف أن نتنياهو لم يكن متسامٍ عن الهفوات بما يكفي ليتغاضى عن تلميحات غابرييل غير الودودة. غير أن وزير الخارجية الألمانية من جهته، تصرف هو الآخر بطريقة بعيدة عن الدبلوماسية؛ فأصر على لقاء المنظمات بالرغم من علمه بتحفظات مضيّفه».
وتأتي زيارة غابرييل، وهي الأولى له منذ توليه منصب وزير الخارجية للخارجية في كانون ثان/يناير، في الوقت الذي دفعت فيه مخاوف ألمانيا إزاء بناء المستوطنات الإسرائيلية العلاقات بين الدولتين إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات.
وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قد ألغت في آذار/مارس الماضي قمة مع نتنياهو كان من المقرر أن تعقد في القدس في شهر أيار/مايو المقبل، وقالت إنها قلقة من أن يقوض بناء إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية التقدم نحو حل الدولتين. وتوقفت مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين منذ عام 2014 بسبب المستوطنات من بين قضايا أخرى.