لماذا هذه الحملة العالمية على تركيا اليوم؟
لي محيي الدين القره داغي - الشرق
أثيرت منذ السنوات الأخيرة حملة تحت عنوان (إبادة الأرمن) تكاد تكون عالمية ضد تركيا اليوم التي تتقدم يوماً بعد يوم بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسه الأستاذ رجب طيب أردوغان، ورفاقه الأستاذ عبدالله كَل، والأستاذ أحمد داود أوغلو وغيرهما، فقد تحقق للشعب التركي خلال السنوات (12) السابقة ما يأتي - بإيجاز شديد -:
- العناية بالتعليم، وبخاصة التعليم الجامعي، حيث جعلت الدراسة في جميع الجامعات الحكومية مجانية، في حين رفعت الجامعات الأوروبية والأمريكية الرسوم الدراسية بسبب الأزمة العالمية، وتسعى تركيا لتكوين 300 ألف عالم متفرغ تكون له إبداعاته، وكذلك العناية بالتعليم الديني وإعادة الاعتبار والاعتراف بالدراسات الشرعية حتى بلغت كليات الشريعة (الإلهيات) إلى مائة كلية، والعناية بتدريس القرآن الكريم في المدارس التركية.
- وفي مجال الاقتصاد ارتفع معدل دخل المواطن التركي من 3500 دولار أمريكي في عام 2002، إلى 11000 دولار في عام 2014 وارتفعت نسبة الأجور 300%، وتم بناء أضخم مطار في العالم، وفوز شركة الطيران التركية كأفضل شركات الطيران في العالم لثلاث سنوات متتالية، وقد تم تسديد حجم عجز خارجي كان أكثر من 47 مليار دولار، ولم يبق على تركيا اليوم عجر بل لديها فائض، وأصبح ترتيبها الآن 16عالمياً في الاقتصاد، وكان ترتيبها 111 قبل عشر سنوات والناتج القومي 1.1 تريليون، ونسبة البطالة من 38% إلى 2%. كما أن صادراتها بلغت اليوم 153 مليار دولار، وكانت سابقاً 23.5 مليار دولار.
وكذلك مما يفيد الاقتصاد والبيئة أنه تم إعادة تدوير القمامة لاستخراج الطاقة وتوليد الكهرباء، حيث استفاد من هذه الخدمة حوالي ثلث السكان، وتم زرع 2.77 مليار شجرة خلال السنوات العشر الأخيرة.
وفي مجال التصنيع، فقد تم تصنيع قمر صناعي عسكري لأول مرة، وتصنيع المدرعة والدبابة التركية، وأول طيارة من دون طيار، والعمل قائم لشق قناة عالمية تسهل عمليات النقل العالمي بالسفن مع الدخل الكبير.
- ومن الجانب الديني فقد أنجر الكثير فقد ذكرت بعضه، حيث تسير الدولة بالتدرج الشعبي نحو دينه وقيمه وتأريخه وهويته دون إكراه، وإنما عن قناعة ورضا تام.
- وعلى مستوى السياسة، فقد تم إحلال السلام بين شطري جزيرة قبرص، ولتركيا اليوم دور كبير في الصومال بإعادة الأمن والأمان إليها، ولها دور إيجابي أيضاً في آسيا، وأوروبا.
وبالنسبة للعالم العربي فقد تغيرت السياسة التركية في عهد ما قبل حزب العدالة والتنمية التي كانت داعمة لإسرائيل وللمشروع الصهيوني، إلى الدعم السياسي القوي والشعبي للقضايا العربية والإسلامية، وبخاصة القضية الفلسطينية، كما أن تركيا اليوم تقف مع اليمن، ودول الخليج وعاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية لإعادة الشرعية إلى اليمن السعيد، وكذلك فإن مواقفها مبدئية من سوريا، ومن الانقلاب في مصر، ومن ليبيا، وأما موقفها من العراق فهو موقف صحيح وقائم على المصالح المشتركة حيث يريد للعراق أن تكون المكونات الثلاث الكبرى مشتركة شراكة حقيقية في الحقوق والواجبات دون الإقصاء والاجتثاث لأي مكون منها، وبذلك وحده يتحقق الأمن والأمان للعراق، وأعتقد أن دعم تركيا لإقليم كوردستان قائم على المصالح المشتركة، وتبيّن أن استقرار الإقليم كان نافعاً لكل العراقيين، وبخاصة لأهل السنة الذين هاجروا ديارهم بسبب الإرهاب (داعش والحشد الشعبي).
- وبالنسبة لتحقيق الأمن والأمان داخل تركيا فقد كانت تركيا في حالة حرب خطيرة ضد حزب العمال الكوردستاني، وتصرف عليها المليارات، وراح ضحيتها وبسببها عشرات الآلاف من أبناء الشعب تركاً أو كرداً، بالإضافة إلى أن المنطقة الشرقية تعيش حالة من التدمير والفوضى، والفقر والبطالة.
فقد تم الصلح والسلام في هذه المنطقة، وعاد إليها الأمن والأمان وتم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في ظل وحدة البلاد وقوتها، وانتهت هذه الحرب المدمرة بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود الأستاذ أردوغان ورفاقه وحزبه.
واليوم يشارك الشعب الكردي في بناء تركيا القوية الموحدة التي يستفيد منها الجميع، تركيا المساواة والحقوق التي لا تفرق فيها بين شخص وآخر على أساس العرق، أو الدين، أو الطائفة، لذلك لا يجوز، ولا يليق لأي حزب كوردي أن يقف ويتعاون مع الأحزاب القومية الطورانية التي ظلمت الشعب الكوردي، وحاولت صهره والقضاء علي هويته طوال سبعين عاماً.
إذن لماذا هذا الهجوم على تركيا؟وهنا يرد السؤال: هل يُوَجّه الاتهام نحو تركيا بإبادة الأرمن في هذه السنوات الأخيرة لأجل هذه المكاسب الداخلية والإقليمية والدولية؟ أم أن هذه الحملة لأجل العيون السود للأرمن؟ أم لأجل العدالة الدولية وحقوق الإنسان وأن القائمين على هذه الحملة قد نذروا أنفسهم لأجل حماية حقوق الإنسان، وبالتالي فإن ضمائرهم تحسّ بالألم والأذى إذا لم يقفوا مع المظلومين في كل مكان؟!!
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة أود أن أبيّن حقيقة معروفة في القوانين، ومبدءاً من المبادئ المعترف بها في جميع العالم وهو أنه (لا تزر وازرة وزر أخرى).
وبناء على ذلك فإن ما حدث في عام 1915م - على فرضية الصحة- قد وقع داخل فوضى الحرب العالمية الأولى، وراح ضحية هذه الحرب عشرات الملايين، وأكثر منها راحت في الحرب العالمية الثانية، فهل تحاسب هذه الدول التي تكونت بعد هاتين الحربين؟
ومن جانب آخر فإن الدولة التركية اليوم قد أنشئت عام 1925م باسم جديد، وبجغرافية جديدة، وبدستور جديد، وبفكر جديد، وو.....
نحن لا نستهين بقتل أي إنسان مهما كان دينه فقال تعالى: (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة: 32] ولكن أيضاً لا يجوز اتهام أي شخص (طبيعي أو معنوي) إلاّ بالبينات والحجج الواضحات المسلم بها على أنه ارتكب تلك الجريمة فعلاً.
ولذلك كانت العدالة تقتضي أن تشكل لجنة محايدة للتحقيق في هذه المسألة بمهنية وحرفية - كما دعا إلى ذلك أردوغان- تبحث في أصل التهمة، وتبحث كذلك مدى قانونية اتهام تركيا اليوم بها لو ثبتت، وتعطي لتركيا حق الدفاع عن نفسها كما هو الحال في جميع دساتير العالم ومواثيقه.
ومن جانب آخر فإنه قد وقعت جرائم حقيقية بقتل الملايين وإبادة الشعوب في كثير من بلاد العالم، ومع ذلك لا تثار، فمثلاً الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين قد ارتكبت جرائم خطيرة بحق بعض الشعوب أثناء الحرب العالمية الثانية ولم يصدر قانون من أي دولة باتهام روسيا الاتحادية بها، وكذلك حدثت في أميركا إبادة جماعية للهنود الحمر ومع ذلك لم يصدر قانون من دولة أخرى بذلك، وأن الاستعمار الفرنسي فعل في الجزائر المجازر وراح ضحيتها مليون ونصف مليون شهيد.
وإذا كانت هذه الدول الغربية التي أصدرت القوانين بإبادة الأرمن، وتحميل تركيا بها، من باب تأنيب الضمائر الحية!! فلماذا لم تتحرك هذه الضمائر الحية، والقلوب النظيفة ضد ما تشاهده من محاولة إبادة الشعب السوري على يدي نظام الأسد، والشعب الفلسطيني وبخاصة في غزة على أيدي الصهاينة، وكذلك ما حدث من محاولة الإبادة للشعب الكردي في حلبجة والأنفال، وما حدث في البوسنة والهرسك وإفريقيا الوسطى، وماينمار التي يبدي لها جبين الإنسانية.
ومن جانب آخر فلماذا تأخر اتهام تركيا بها من 1915 إلى 2015 أي مائة سنة كاملة.
ومن جهة أخرى فإن علاقة تركيا اليوم جيدة مع أرمينيا، فكان المفروض أن تقوم حكومة الأرمن بهذا الاتهام لو كان هناك مصداقية؟
إن هذه القضية مسيسة تماماً يراد بها النيل من سمعة تركيا التي تتقدم بفضل الله تعالى في جميع الجبهات، وهي قضية تثأر على مواقفها نحو أمتها الإسلامية، وقضيتها الأولى قضية فلسطين.
إن المتربصين الطامعين الذي يريدون أن تبقى أمتنا الإسلامية متخلفة فاشلة تابعة مفعولاً بها لا فاعلة هم الذين يجمعون هذه الملفات لكل عمل ناجح، ويمكرون مكراً كباراً (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: 46] ويخططون بكل قواهم السياسية والإعلامية والاقتصادية لافشال أي مشروع ناجح في بلادنا حتى ولو لم يكن باسم الإسلام فقد قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120] أي حتى نكون تابعين لملتهم أي لثقافتهم، فلا يريدون لنا السيادة والاستقلال، ولا الوحدة والتعاون، ولا الازدهار والتقدم والتحضر، ولكن الله تعالى وعد وعداً ناجزاً بأنهم لن يستطيعوا أن يحققوا أهدافهم بشرطين: التوكل والإخلاص لله تعالى، والأخذ بسنن الله تعالى التي تقتضي أن تأخذ الأمة بجميع أسباب القوة، والحذر الشديد، والعمل وفق الخطط والبرامج فقال تعالى: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى) [آل عمران: 111] وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 105-107].
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أن على الدول والشعوب الإسلامية أن تقف صفاً واحداً أمام المؤامرات الدولية وأن تتعاون فيما بينها لإجهاضها، لأنها اليوم تتهم تركيا، ويمكن غداً أن تتهم دولة أخرى.
عن الكاتب
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الذكرى المئوية لأحداث أرمينيا وفرصة لأن تعرف تركيا أصدقاءها وأعداءها
عبدالله الشمري - جريدة اليوم
واجهت تركيا خلال الأسبوع الماضي موجة من حملات الإدانة الواسعة والشرسة من العواصم الغربية بمناسبة الذكرى المئوية لما تعرض له الأرمن العام 1915م، حيث أعلنت كل من روسيا وألمانيا وفرنسا والنمسا وأستراليا والبرلمان الأوربي وبابا الفاتيكان رسميا، اعترافهم بما يسمونه بالإبادة الجماعية للأرمن واستخدم الرئيس الأمريكي مصطلح «الكارثة العظمى» في وصف ما حدث للأرمن، وبدت تركيا الجديدة تواجه عزلة جديدة وأجواء تذكر بعض التاريخيين بحصار فينا الاول 1532م حيث طعن الصفويون خاصرة الدولة العثمانية وهي تتجهز لدخول فينا فهاجم الصفويون بغداد وهددوا الحدود الجنوبية للدولة مما اضطر السلطان سليمان القانوني للتراجع والعودة لإسطنبول ومواجهة الصفويين من جديد.
تركيا الجديدة حاولت الموازنة في موقفها تجاه ما حدث قبل قرن ففي 23 ابريل 2014م نشر رئيس الوزراء التركي اردوغان آنذاك بيانا بمناسبة ذكرى تأبين أحداث 1915م، قال فيه: «من واجبنا الإنساني أن نفهم الأرمن ونشاركهم أحزانهم على معاناة أجدادهم مثل كل المواطنين في الإمبراطورية العثمانية. الاختلافات في وجهات النظر والتعبير بحرية عن الرأي هي جزء ضروري من ثقافة التعددية والديمقراطية». وتصف تركيا أحداث عام 1915 بـ«الكارثة الكبرى» وتؤمن وحسب بيان رئيس الوزراء التركي فإنه ومن أجل التخفيف من الآلام، فإن تركيا الجديدة تؤمن انه بقدر استذكار الضحايا فإنه يجب عليها ايضا ان تواجه الماضي بصدق، وانه من الممكن التحقق من الأسباب والأشخاص المسؤولين عن المعاناة التي حصلت خلال الحرب العالمية الاولى وأنه بهذه المشاعر والأفكار، نتذكر مرة اخرى باحترام، الأرمن العثمانيين الذين فقدوا حياتهم خلال فترة التهجير ونشاطر احفادهم واولادهم المعاناة.
في هذه اللحظة التاريخية الحرجة لتركيا سياسيا لابد من التذكير بخطر العلاقات الأرمينية الإيرانية والتى من الوهلة الأولى لا يبدو للناظر أن باستطاعة إيران وأرمينيا أن يكونا شريكين إستراتيجيين، فإيران دولة يحكمها نظام يدعى انه إسلامي ديني ويزعم انه يهتم بقضايا وآلام المسلمين ، في حين أن أرمينيا دولة مسيحية متعصبة تكره كل ما هو اسلامي بسبب ذاكرتها الدامية مع تركيا العثمانية، لكن الواقع السياسي يشير إلى أن روابط إيران بأرمينيا تعتبر أقوى من تلك التي تربطها بكثير من الدول الإسلامية المجاورة فمنذ استقلال ارمينيا في 21 سبتمبر 1991م، اتجهت ايران صوب أرمينيا لكي توطد معها العلاقات وتدعمها عسكرياً لقتل الآلاف من الشعب الأذري المسلم واحتلال اراض مسلمة ولتشكل إيران رئة لتتنفس منها أرمينيا اقتصاديا ولتكسر بها عزلتها وتعيد اتصالها مع العالم ولتستغلها كورقة ضغط قوية تضعف بها جارتها أذربيجان والتي تعتبرها شقيقة لتركيا.
تركيا تعلم جيدا أن إيران تستخدم العامل الأرميني في ممارسة الضغط عليها وبحسب دبلوماسي تركي فإن «إيران تريد ممارسة الضغط على تركيا مستفيدة ضدها من العامل الأرمني»، وتعلم تركيا أن جماعات الضغط الأرمينية في إيران قوية جدًا، وان ارمينيا تعد ورقة رابحة في يد إيران فالعلاقات الإيرانية - الأرمينية تؤثر سلبياً على أذربيجان وتركيا كما انه لا يخدم السعودية والتى لا تربطها علاقات دبلوماسية مع أرمينيا.
الأزمة السورية وما يحدث في العراق واليمن يبين بوضوح أن عدو تركيا الاستراتيجي هو إيران وهنا يفترض على تركيا مراجعة حساباتها ومواقفها بهدوء وبصدق، بل ومحاولة البحث عن خيارات جديدة لمصالحها مع إيران والتى تستغل كل حدث هام لإضعاف تركيا، وهنا يمكن القول ان هناك فرصة تاريخية تلوح أمام السعودية وتركيا وأذربيجان لتشكيل مثلث إستراتيجي بل ويمكن توسيع الحوار الأستراتيجي الخليجي مع كل من تركيا وأذربيجان لتحقيق أهداف اقتصادية وتعزيز العلاقات السياسية والعسكرية والأهم توفر القناعة والرغبة والإخلاص.
مذابح الأرمن: ورقة دولية جديدة للضغط على تركيا أردوغان
د. أحمد اليوسف - معان نيوز
في الرابع والعشرين من نيسان/ أبريل 2015م يكون قد مرَّ مائة عامٍ على الأحداث المأساوية التي وقعت في تركيا العثمانية عام 1915م، وطالت الأرمن المقيمين داخل أراضي دولة الخلافة خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أن التجاهل لوقائع تلك الأحداث وأمثالها من المآسي التي لحقت بالمسلمين في أوروبا على مدار أكثر من تسعة عقود، يدعونا للتساؤل والشك حول دواعي ودوافع الحديث عنها - الآن - في الأوساط السياسية الغربية، والنظر إليها باعتبارها شكلاً من أشكال "الإبادة الجماعية"، والعمل على إحياء ذكراها من جديد في أكثر من عاصمة أوروبية.
إن ذلك يدفعنا بقوة للبحث والتقصي حول أبعاد تلك الحملة المسعورة، وخاصة بعد كل المحاولات والجهود التي بذلتها تركيا أردوغان للتصالح مع أرمينيا، وتقديم التعازي والاعتذار عن تلك الأخطاء التاريخية.
لا شك بأن النوايا الغربية ليست خالصة من وراء ذلك، كما أن أهداف حملة الاستهداف لتركيا أردوغان لا تغيب عن ذهن الواعي بوقائع التاريخ، وحقائق السياسة ودوافعها، حيث إن تركيا - اليوم - هي في صدارة المشهد القيادي للأمة، وعلى رأس دول الإقليم في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها من أقدر اللاعبين على مناجزة إسرائيل وإحراجها أمام دول العالم، وذلك بسبب سياساتها العدوانية ومواقفها العدائية للشعب الفلسطيني، واحتلالها البغيض لأراضي الضفة الغربية، وحصارها الظالم لقطاع غزة.
إن الغرب المعروف بنفاقه السياسي وتبنيه لسياسة الكيل بمكيالين، وخاصة تجاه قضايا العرب والمسلمين، لم يتذكر– للأسف - من التاريخ إلا ما لحق باليهود من مجازر،وذلك خلال الحرب العالمية الأولى فيما يسمى بالمحرقة، واليوم أعاد الغرب تحريك ماكينته الإعلامية للتشهير بتركيا أردوغان، وتجريم التاريخ العثماني، من خلال الحديث عما لحق بالأرمن من مآسي قبل مائة عام، وذلك عندما كانت تركيا تخوض حرباً عالمية طاحنة، ويتعرض وجودها لتهديدات ومؤامرات خطيرة من قبل الدول الغربية.
ومن الجدير ذكره، أنه على مدار المائة سنة الماضية (1915 – 2015م)،استبيحت دماء المسلمين وأرضهم وديارهم وأعراضهم من قبل القوى الاستعمارية الغربية، ولم يتحرك أصحاب الضمائر الإنسانية والمؤسسات الحقوقية في أوروبا وأمريكا لتجريم تلك الأفعال بحق المسلمين وإدانتها.
اليوم – للأسف - ليس هناك في المشهد الإنساني إلا ما حدث للأرمن قبل مائة عام، أما ما حدث لأهل فلسطين عام 1948م من تهجير وإبادة جماعية ومجازر فهذا ليس مطروحاً للمراجعة على مسطرة الضمير الغربي.! وما حدث خلال السنوات الست الماضية من حروب عدوانية على قطاع غزة راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وكذلك الدمار الهائل الذي طال الشجر والحجر، والذي اعترفت به مؤسسات دولية ومنظمات حقوقية بأنه جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية، للأسف فليس هناك أي عقاب طال أية جهات سياسية وعسكرية في إسرائيل.!!
تركيا أردوغان للأرمن: تعالوا إلى وقفة سواء مع التاريخفي الكلمة التي ألقاها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال قمة السلام التي عقدت في مركز "الخليج" للمؤتمرات بمدينة إسطنبول، في إطار فعاليات الذكرى المئوية لمعارك "جناق قلعة" البرية، وبحضور عدد من المسؤولين من رؤساء دول ورؤساء حكومات من مختلف أنحاء العالم، أشار إلى أحداث العام 1915م الخاصة بالأرمن، وقال: "إن الاتحاد الأوروبي ينصحنا بفتح أرشيفاتنا لتقصي حقيقة أحداث العام 1915، وأنا طيلة عملي رئيساً للوزراء على مدار 12 عاماً تقريباً، وعملي رئيساً للبلاد منذ ما يقرب من عام، لم أترك محفلاً دولياً في الخارج أو اجتماعاً شاركت فيه داخل تركيا، إلا وقلت - وما زلت أقول - إننا مستعدون تماماً لفتح أرشيفاتنا، وكثيراً ما كررت أن لدينا ما يقرب من مليون وثيقة ومعلومة حول هذا الأمر.
بل لو كان لدى أرمينيا أو غيرها من الدول وثائق أخرى حول الموضوع فليظهروها لنا لتقصيها، كما أننا أيضا مستعدون لفتح أرشيفاتنا العسكرية".وتابع "أردوغان قائلاً: "إننا نشعر بالحزن على ضحايا الأرمن في الحرب العالمية الأولى، بنفس قدر حزننا الشديد على نحو أربعة مليون مسلم لقوا حتفهم أثناء هجرتهم من البلقان والقوقاز والمنطقة المجاورة، إلى منطقة الأناضول".
أما رئيس الوزراء التركي؛ أحمد داود أوغلوا، فقد أشار بأن:"هناك بعض الجهات واللوبيات في حالة تحرك كامل في مختلف أنحاء العالم، لشن حملة ضد تركيا، تشارك فيها جهات قذرة بشكل استفزازي واضح"، وأضاف بأن هذه الجهات "تهدف إلى تشويه صورة تركيا التي تحاول ممارسة السياسة بعد آلام عاشتها قبل مائة عام".
وأوضح قائلاً: بأن "هذه الجهات تمثل وجهين من التاريخ، فهي سبب ما عاشه الأتراك والأرمن في تلك الفترة، لكنهم - الآن - يدلون بتصريحات وبيانات يدَّعون من خلالها أنهم يدافعون عن الأرمن".!! مؤكداً أنهم لا ينكرون تعرض كافة الشعوب والقوميات لمآسي كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى، وليس الأرمن وحدهم، بحسب قوله.
وأكد داود أوغلو أنه من غير الممكن قبول قرار البرلمان الألماني بشأن المزاعم الأرمينية،كما أنه رفض تصريحات بابا الفاتيكان بالنظر إلى تلك الأحداث باعتبارها "إبادة جماعية"، كونها بعيدة كل البعد عن الحقيقة.
ما الذي حصل عام 1915: الرواية وأصل الحكايةبحسب الرواية التركية للأحداث، فإن القوميين الأرمن قد قاموا - إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914م -بالتعاون مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية.
وعندما احتل الجيش الروسي شرقي الأناضول، لقي دعماً كبيراً من هؤلاء المتطوعين الأرمن؛ العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق إمدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.
وسعياً منها لوضع حداً لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة.وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو من عام 1915م، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.
ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمهجّرين، إلا أن عدداً كبيراً من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير القسري بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.
وتؤكد الوثائق التاريخية التركية، عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، فقد لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917م تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية.
وبموجب (معاهدة سيفر) التي اضطرت الدولة العثمانية على توقيعها، تم فرض تأسيس دولة أرمنية شرقي الأناضول، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، ما دفع الوحدات الأرمنية إلى إعادة احتلال شرقي الأناضول، وفي ديسمبر 1920م جرى دحر تلك الوحدات، ورسم الحدود - الحالية - بين تركيا وأرمينيا لاحقًا، بموجب (معاهدة غومرو)، إلا أنه تعذر تطبيق المعاهدة بسبب كون أرمينيا جزءاً من روسيا في تلك الفترة، ومن ثمَّ جرى قبول المواد الواردة في المعاهدة عبر (معاهدة موسكو) الموقعة 1921م، و(اتفاقية قارص) الموقعة مع أذربيجان وأرمينيا، وجورجيا.
لكن أرمينيا أعلنت عدم اعترافها باتفاقية قارص، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، عام 1991م.بين الفينة والأخرى ولاعتبارات سياسية وعرقية، يطلق الأرمن نداءات تدعو إلى تجريم تركيا، وتحميلها مسؤولية مزاعم تتمحور حول تعرض أرمن الأناضول إلى عملية "إبادة" حسب تعبيرهم، وذلك على يد الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى أو ما يعرف بأحداث عام 1915م، كما يفضل الجانب الأرمني التركيز على معاناة الأرمن فقط في تلك الفترة، وتحريف الأحداث التاريخية بطرق مختلفة، ليبدو كما لو أن الأتراك قد ارتكبوا إبادة جماعية ضد الأرمن.
وفي مقابل هذه الادعاءات والمزاعم اقترحت تركيا، على لسان حكومتها منذ مطلع الألفية الثالثة، تشكيل لجنة من المؤرخين الأتراك والأرمن، لتقوم بدراسة الأرشيف المتعلق بأحداث 1915م، الموجود لدى تركيا وأرمينيا والدول الأخرى ذات العلاقة بالأحداث، لتعرض نتائجها بشكل حيادي على الرأي العام العالمي أو الى أي مرجع معترف به من قبل الطرفين، إلا أن الاقتراح قوبل برفض من أرمينيا، التي تعتبر ادعاءات الإبادة قضية غير قابلة للنقاش بأي شكل من الأشكال.
وتقول تركيا إن ماحدث في تلك الفترة هو "تهجير احترازي" ضمن أراضي الدولة العثمانية، وذلك بسبب عمالة بعض العصابات الأرمنية للجيش الروسي. ومن المعروف بأن رئيس الوزراء التركي؛ أحمد داود أوغلو، زار أرمينيا عام في ديسمبر 2013م، بصفته وزيراً للخارجية في تلك الفترة، وأكد في تصريح صحفي، عقب الزيارة، ضرورة حل القضية عبر تبني موقف عادل وإنساني، بعيداً عن المقاربات أحادية الجانب، والتقييمات الظرفية، منوهاً أنه لا يمكن صياغة التاريخ إلا عبر ذاكرة عادلة.
أما فولكان بوزكير؛ وزير شؤون الاتحاد الأوروبي وكبير المفاوضين الأتراك، فقد أشار في مقابلة صحفية لقناة "EUNews": بأنه "لا توجد أي نقطة تدعو للخجل في تاريخ الجمهورية التركية، ولا في التاريخ العثماني"، مضيفاً: بأن "كل ما نطلبه هو ألا تُستغل الأحداث التاريخية سياسياً، وألا يُعطي الساسة قرارات متعلقة بأحداث تاريخية - في إشارة إلى أحداث العام 1915م".
وأوضح بوزكير، قائلاً: "إن ضمير الشعب التركي مستريح للغاية بخصوص عدم وجود ما يخجل منه في تاريخ بلاده"، مشيراً إلى أن "تركيا ليست دولة تمارس ضغوطاً على المؤرخين، فجميع أرشيفاتنا مفتوحة للجميع، ولا نطلب ممن يريد أن يأتي لفحص الوثائق أن يقول رأياً يوافق قناعاتنا، الأمر متروك للحقائق التي تكشف عنها الوثائق أيا كانت. فليأتي من يريد من الأكاديميين من أي مكان في العالم، لقراءة الوثائق لمعرفة حقيقة تلك الأحداث".
ولفت إلى أن الرئيس الأرمني لا يسمح للأكاديميين الأرمن بتفقد الأرشيف العثماني، مضيفاً "أما نحن فندعو الجميع.. فأرشيفاتنا مفتوحة ولا توجد أي محذورات لدينا في هذا الشأن، ولنشكل لجنة تاريخية، وهى التي تقرر ما تريد بشأن تلك الأحداث دون وصاية من أحد، وسبق وأن أعلن رئيس وزرائنا والرئيس التركي أنهم سيقبلون بأي قرار يصدر عن لجنة تاريخية قلنا إنها عنصر أساسي من البرتوكولات التي وقعناها مع أرمينيا".
وتابع بوزكير، قائلاً: "هناك الكثير من الذكريات الجميلة جداً بين تركيا وشعبها والأرمن على مدار التاريخ، ومن الخطأ اختزال هذه الذكريات في عام واحد، والدوران حول كلمة (الإبادة العرقية).
إن تركيا لم تتنكر لتلك الأحداث المأساوية، فقد أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تعازيه لكافة مواطني الدولة العثمانية الذي فقدوا حياتهم إبان الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم الأرمن، ووجه دعوة من أجل السلام والتصالح، وذلك في رسالة بتاريخ 23 ابريل 2014م، عندما كان رئيساً للوزراء.
ملف الإبادة ويد إسرائيل الخفيةإن عملية إعمال الفكر وإمعان النظر حول ما يدور من حملة استهداف للتاريخ العثماني، سوف تقودنا إلى أن هناك جهات إسرائيلية ليست بعيدة عن دائرة التحريض ومحاولة تشويه صورة تركيا أردوغان والتشهير به، من خلال إشغال الرأي العام العالمي بالحديث عن ذلك التاريخ البعيد ومآسيه؛ لأن حاضر الدولة التركية اليوم أنها غدت مثابة للناس وأمنا، فهي بمثابة الحاضنة والأم الرؤوم لكل المستضعفين من المهاجرين والمضطهدين المسلمين في عالمنا العربي، حيث إن أكثر من خمسة ملايين لاجئ من سوريا ومصر وليبيا وفلسطين ومناطق إسلامية أخرى، كالبوسنة والشيشان والقرم والقوقاز يتخذونها ملاذاً للأمن والاستقرار والعيش الكريم لهم.
إن الرئيس أردوغان في خطاباته التي ينتقد فيها السياسيات الغربية العنصرية ضد المسلمين، واحتكارها للقرار الأممي، وغياب العدالة في تعاملاتها مع العالمين العربي والإسلامي، وتجليات تركيا أردوغان في تحركاتها الإنسانية وعملها الإغاثي تجاه بلدان فقيرة في آسيا وأفريقيا أسهم في تعرية أهداف الدول الغربية الاستعمارية العاملة هناك.. إن هذه الحملة التي تتخذ من ادعاءات تاريخية لم يتم تمحيصها بعد، إنما هدفها هو تحجيم دور تركيا أردوغان في قيادة دول المنطقة، وتحريكها نحو قضاياها ذات الاهتمام المشترك؛ وهي صورة الإسلام ومكانته في العالمين، والقضية الفلسطينية ومقدساتها الإسلامية، وحالة التضامن والتكامل بين دول المنطقة.
لا شك أن الذهنية الغربية الخبيثة تحاول الربط بين ما تقوم به بعض الفرق الإسلامية الضالة كتنظيم (داعش) من عمليات قتل ومجازر بحق المدنيين في العراق وسوريا، وبين ما سبق ترويجه من مزاعم حول مذابح ارتكبها الأتراك العثمانيون تجاه أرمن الأناضول، بهدف تشويه صورة الإسلام والمسلمين عبر التاريخ، وقف المدّ الإسلامي المتنامي في الدول الغربية.
في الختام؛ إن للحقيقة وجهاً واحداً، ولكن بشرط التزام الطرفين ضوابط الرواية، وحيادية الشهود. إن تركيا أردوغان لا تنكر بأن هناك أحداثاً مأساوية وقعت على أراضيها إبان الحرب العالمية الأولى، والتي هي في الأصل كانت حرباً أوروبية - فرنسية ألمانية – ثم تمددت باتجاه أراضي العثمانية، وقد طالت مآسيها الأرمن كما طالت غيرهم من المسلمين الأتراك، حيث سقط في معركة (جناق قلعة) قرابة 250 ألف جندي مسلم دفاعاً عن إسطنبول من الغزاة الأوروبيين.
في الحقيقة ليس هناك من ينكر بأن مجازر وقعت، وأن هناك أبرياء قد دفعوا أثماناً غالية على خلفيات عرقية وطائفية ودينية، ولكن ليس الأرمن وحدهم هم من تعرضوا للقتل والتهجير، فالذاكرة التاريخية المعاصرة تحتضن الكثير من المجازر وصور الإبادة التي طالت المسلمين في الجزائر والبوسنة وفلسطين، وهي أحق في المشهد الإنساني أن يتم تجريم فاعليها وطلب التعويضات؛ لأن حقائقها التاريخية مثبتة وواضحة للعيان.
إن ما تحاول إسرائيل وبعض الدول الغربية عمله هو الحديث عن أحداث تاريخية جرت قبل مائة، ولم يتم حتى الآن التثبت من وقائعها بشكل قانوني، وتفتقد رواياتها إلى المصداقية المهنية، وهناك من يعمل علىتسويقها في الوعي الجمعي لشعوب العالم بهدف تجريم تركيا أردوغان وتوجيه الإهانة لها؛ لأنها اليوم هي المدافعة عن الحضارة الإسلامية والقضية الفلسطينية، وهي المحرك لجمع شمل الأمتين العربية والإسلامية، سعياً وراء إعادة مكانتهما تحت الشمس بعدما أوشكتا على الأفول والتلاشي في حضرة الغياب.