عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: إحسان الفقيه الإثنين 12 يونيو 2017, 10:43 am
من لا يقرأ التاريخ يؤدّبه الواقع ولكن..
إحسان الفقيه
Jun 12, 2017
عندما أقيمت الدولة الإسلامية الأولى، لم يجد المسلمون أمامهم خلفية حضارية يعوّلون عليها ويستمدون منها دفعة لإقامة حضارتهم وصناعة نهضتهم، لكنهم كانوا على قناعة من أن ذلك المنهاج الرباني القويم الذي أنعم الله به عليهم، كفيل بأن يمكنهم من قفزة حضارية واسعة. يقول الدكتور راغب السرجاني في كتابه «ماذا قدم المسلمون للعالم»: «تاريخ العرب قبل الإسلام لا يشير بأي صورة من الصور إلى أنهم سيصبحون قادة العالم، ومؤسسي أعرق حضارات الدنيا، ولا يوجد أي مبرر منطقي لتفوقهم وإبداعهم إلا تمسكهم بالإسلام وقواعده وهو ما انتبه إليه الفاروق عمر فقال: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله». فهذا المنهج الرباني يدفع في اتجاه إقامة علاقة قوية بين المسلم ومجتمعه وبيئته، ويتكفل منهجه الشمولي بتقديم أدوات صناعة النهضة، ورسم معالم الطريق تجاه الرقي والتقدم، وبيان سبل التعاطي مع المستجدات. وانطلاقا من هذه الحقائق، كان المسلمون الأوائل يستشرفون المستقبل ويخططون له، وكثيرا ما نقرأ في الآثار الواردة والتراث الإسلامي، الاهتمام بأحاديث المستقبل، على مدى قرون مضت في نهر الحضارة الإسلامية، حتى أن ابن خلدون رائد علم الاجتماع، وهو العلم الذي أسماه بـ»علم العمران» كان ينشد من خلال وضع أسسه، استشراف المستقبل من خلال التأمل في التاريخ، لذا اشتهرت لدى المفكرين وعلماء الاجتماع عبارة «التاريخ يعيد نفسه». في الواقع الإسلامي المعاصر، ثمة إشكالية كبرى في نظرة المسلمين إلى تاريخهم وتراثهم، فمنذ أن دبّ الوهن في الدولة العثمانية، التي كانت راية جامعة للمسلمين، وخضعت الأمة لمؤامرات التقسيم والتفتيت، وتوالى ظهور الحركات والنعرات المعاصرة الهدامة، وذابت هوية المسلمين أو كادت، بدأ المسلمون يقفون عند تاريخهم المجيد وحضارتهم التليدة. يكمن الخلل في تلك النظرة، أن وقوف المسلمين عند تاريخهم أصبح مهربا من الواقع، وسلوانا في أجواء المحن، يكتفون به عن النظر إلى المستقبل. ولعل هذه النظرة انسحبت على بعض الباحثين والمهتمين بالشأن التاريخي، فغاصوا في التاريخ سردا وتحليلا، دون الربط بينه وبين المستقبل، وامتد ذلك إلى المناهج التعليمية، ليستقر في وجدان الدارسين أن القراءة في التاريخ ليست سوى متعة وإشباع للشغف بعبق الماضي. ولذا افتقد المسلمون ثقافة التخطيط للمستقبل في شتى مناحي الحياة، ما بين مسلم دبّ فيه اليأس من إصلاح الحاضر فغدا لا يفكر في المستقبل، ومسلم تربى ونشأ على مفاهيم مغلوطة ترى أن المستقبل غيب ينبغي عدم الاشتغال به، بينما تشكّل وعي وفهم البعض من خلال النصوص التي تحثّ على الزهد وعدم التعلق بالدنيا، دون التوفيق والدمج بينها وبين نصوصٍ أخرى تدعو إلى العمل الجاد والتخطيط للغد من أجل مستقبل أفضل. فغفلوا عن أن النبي صل الله عليه وسلم سيد المتوكلين، كان يدخر لأهله قوت سنة، وأن يوسف عليه السلام أرشد الناس إلى كيفية مواجهة شدائد المستقبل، والتعامل مع أيام القحط والسنين العجاف المنتظرة. يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد العَبْده في إحدى رسائل «دروب النهضة»: «ليس المستقبل عالم الأحلام البعيد، بل هو مستقبل الحاضر وتطوره، وإن المسلم الذي يثق بوعد الله، ويملك القيم الثابتة والتفاؤل الكبير، يتهيأ ليكون صاحب شأن وتأثير في معارك الحياة، فينبغي له ألا يكون خارج المتغيرات والتحولات العالمية، بل يرقبها مراقبة الذي يعرف ما يدور حوله، وما يجري من أحداث كبار». لستُ أستهدف من هذا التناول صناع القرار وأولي الحكم والسلطة، فهو أمر عسير المنال في الوقت الحالي، ولن يبدأ من قمة الهرم ورأس الجسد، إنما ثقافة التخطيط للمستقبل والعناية به، تبدأ من حيث القاعدة العريضة، من حيث الفرد والأسرة، من حيث مؤسسات المجتمع المدني، والكيانات الإصلاحية. وقبل أن نقطع الخطوة، يلزم أولا التخلص من سيطرة الأوهام والضعف وسطوة الواقع المر، فليس عصرنا هذا وحده الذي شهدت فيه الأمة المحن والأزمات. «واجبٌ على كل حكيمٍ أن يحسن الارتياد لموضع البغية، وأن يُبيّن أسباب الأمور ويُمهّد لعواقبها. فإنما حُمد العلماء بحسن التثبّت في أوائل الأمور، واستشفافهم بعقولهم ما تجيء به العواقب، فيعلمون عند استقبالها ما تؤول به الحالات في استدبارها. وبقدر تفاوتهم في ذلك تستبين فضائلهم. فأما معرفة الأمور عند تكشّفها وما يظهر من خفياتها، فذاك أمرٌ يعتدل فيه الفاضل والمفضول، والعالمون والجاهلون». صدقت يا أباعثمان الجاحظ، فقبل بزوغ شمس الإسلام على أرض العرب، لم يكن لهم شأنٌ يُذكر بين الأمم، حيث لم تجمعهم دولة كبرى على غرار امبراطوريات الفرس والروم وغيرهما، وإنما كان حكما عشائريّا، يصطبغ بروح العصبية القبلية، لذا كانت فارس والروم، تكِلان شؤون القبائل العربية لملوك (عرب) يدينون لهما بالولاء. وأختتم بمقولة المناضل علي عزت بيجوفيتش رحمه الله، تختصر عليّ وعليكم ما أودّ قوله: «إن أفضل طريقة لمقاومة البرودة الخارجية، هي أن يجري الدم في الداخل، الشجاعة تأتي من الداخل من القلب، نتحدث كثيرا عن الهزائم التي ألحقها بنا الآخرون، وحان الوقت لكي نبدأ بالحديث عن الهزائم والخسائر التي ألحقناها بأنفسنا». كاتبة أردنية
تعليق
عنوان المقال بحد ذاته ، حكمة تستحق أن تحفظ و أن تدرس ، و حقيقة علمية و تحليل دقيق فيما ذكرتم أستاذة إحسان الفقيه : ( أن وقوف المسلمين عند تاريخهم أصبح مهربا من الواقع، وسلوانا في أجواء المحن، يكتفون به عن النظر إلى المستقبل ) ، و تجد ذلك في انصهار و التأثر المشاهد العربي في متابعته المسلسلات التاريخية . فيجدها ملاذا و مهرباً من واقعه الذي يعيش . فلابد من تغيير الفكر النهضوي للشعوب العربية ، من استجلاب التاريخ و العيش فيه ، إلى مرحلة أن نتعلم من مدرسة التاريخ ( كيف نتقن إدارة الحاضر و صناعة المستقبل ، و بناء الفكر ) . و فعلا البداية الحقيقية ( هو الاعتراف بالواقع و ما صنعناه لأنفسنا و للأجيال القادمة ، ثم العمل على التغيير الإيجابي )
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الأربعاء 28 يونيو 2017, 5:00 am
قالوا عن قطر تدْعم الإرهاب
إحسان الفقيه
Jun 28, 2017
هل صحّ قولٌ من الحاكي فنقبَلهُ أمْ كلُّ ذاكَ أباطيلٌ وأسمار؟ أمّا العقولُ فآلتْ أنّه كذِبٌ والعقلُ غَرْسٌ له بالصدقِ أثمار نعم يا أبا العلاء المعرّي، أتتْ كلماتك على الجِراح، فكيف نقبَلُ هذه الافتراءات التي برزت فجأة من العَدم بين عشيَّة وضُحاها لتنال من دولة قطر، فما هي إلا أباطيل وأسْمار، تَؤول العقول إلى تكذيبها. أنْ تُتّهم قطر جزافًا بدعم الإرهاب، لَهُو استخفاف بوعيِ الشعوب العربية والإسلامية، لقد عَانت السعودية الأمرّين من تهمة الإرهاب، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي قام بتنفيذها عرب أكثرهم من المملكة، إضافة إلى كثرة أعداد السعوديين في بُؤر القتال، في الصراعات الدائرة في العالم الإسلامي، كل ذلك وضع السعودية زورا وبهتانا تحت طائلة دعم الإرهاب، فهل يُعقل أن تسمح الشقيقة الكبرى لأن تكتوي أختها بالنيران ذاتها؟ وأتحدث عن السعودية تحديدا لما لها من ارتباط وَثيق بقطر في المذهب والتوجّه الديني، فكلاهما يوصف بالوهابية. غير مقبول أنْ تُتَّهم قطر بدعم الإرهاب من أجل علاقتها الانفتاحية على التيار الإسلامي المعتدل، فهي ترى أن هذا التيار ليس هو العدو، وأن إقامة علاقات هادئة مُتَّزنة مع تلك الجماعات أفضل من التضييق عليها ومحاربتها، ودفْعها خارج المسار السلمي، وأنَّ الأوْلى أن تستثمر تلك العلاقات مع الفصائل المعتدلة باتجاه تقارب مع أمريكا والغرب، وهو ما يُعد استثمارا في صناعة السلام وانفراج العلاقات بين الشرق والغرب، وبين الإسلام وغيره. وكيف تُتهم قطر بدعم الإرهاب بذريعة علاقاتها المنفتحة على جماعة الإخوان، رغم أن الدول التي تتهمها بذلك لها علاقاتها الواسعة مع ذلك الفصيل، فمنها من تنفَّذت في مؤسساتها رموز إخوانية، ومنها من ظلَّت عقودا تسمح لتلك الجماعة بممارسة الحياة السياسية والحزبية والتنافس على السلطة – بالتوازي مع التضييق عليها ـ ومنها من استضاف رموز الجماعة العلمية والدينية حينا من الدهر. غير مقبول أن تُتهم دولة قطر بدعم الإرهاب استنادا إلى قبولها بافتتاح مكتب لحركة طالبان الأفغانية في الدوحة عام 2013، والتوسُّط بينها وبين الأمريكان لإطلاق سراح الجندي الأمريكي مقابل خمسة من عناصر الحركة. قطر تتبنَّى منذ التسعينيات سياسة الباب المفتوح، التي تُركّز على بناء علاقات، والتوسط في حل النزاعات، بما تستفيد منه قطر والمجتمع الدولي معا، تلك السياسة سمحت لها بأن تقوم بدور الوسيط في العديد من المحادثات والاتفاقيات، ومنها الوساطة بين جيبوتي وإريتريا، والتوسط لإنهاء أزمة راهبات معلولا، والإفراج عن الصحافي الأمريكي بيتر ثيو كيرتس، الذي كان مختطفا في سوريا، كما توسطت قطر للإفراج عن 45 جنديا من فيجي، تابعين لقوات حفظ السلام في سوريا أيضا. فبأيِّ منطِق تُتهم قطر بدعم الإرهاب، وهي تنتهج دبلوماسية تعتمد على لغة الحوار وتعزيز السلام؟ وكما قلت سابقا وأكرر: الإرهاب تفريق لا تجميع، هدم لا بناء، تغليب لصوت الرصاص على صوت العقل والحكمة. واستنادا إلى هذه الدبلوماسية المُثْمرة التي يستفيد منها الجميع، ما الذي يمنع أن تتفاهم قطر مع حركة طالبان، التي كانت لاعبا بارزا على مسرح الأحداث في أفغانستان، وهي الحركة التي سيْطرت على معظم البلاد في فترة من الفترات؟ لقد أثْمر هذا التفاهُم مع الحركة صفقةً تم بمُقتضاها الإفراج عن رقيب في الجيش الأمريكي اعتقلته طالبان مقابل الإفراج عن خمسة من عناصر الحركة كانوا في سجن غوانتنامو، على أن يظلّ الأفغان الخمسة تحت رقابة قطرية لمدة عام. ومما يضع علامة تعجب إزاء هذه التهمة، أن هذه الخطوة تمت بمباركة أمريكية، وأشاد بها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. غير مقبول أن تُتهم قطر بدعم الإرهاب لأنها تدعم المقاومة الفلسطينية، فهو شرف ينبغي أن يسعى إليه الجميع، فإن قضية فلسطين هي قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، ومقاومة المُحْتل الغاصب حقٌ مشروع بموجب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وكلُّ موادِّها تُعطي الحق لأي شعب من الشعوب في تحرير أرضه ولو بالكفاح المسلح، دون اعتباره إرهابا، فكيف يُتهم من يدعم شعب فلسطين في تحرير أرضه، بأنه إرهابي أو داعم للإرهاب؟ تُهمة رعاية ودعم الإرهاب أصبحت ورقة ضغط أمريكية، لمُعاقبة الشرفاء وإجبارهم على التناغُم مع توجهات البيت الأبيض، ولوازِمِها من المصالح الصهيونية، وصار مصطلح الإرهاب فضفاضا، تُرمى به الدول والجماعات والأفراد دون تقديم حيثيات مُقنِعة مَدعومة بالأدلة المادية. هناك رغبة محْمومة في وضع الدول والحكومات بين خيارين، إمّا التعامل مع كل الفصائل الإسلامية باعتبارها جماعات إرهابية، دون تمييز بين كيان وآخر، وإمّا التعرض لتهمة دعم الإرهاب، وهو أمر جدُّ خطير من شأنه التكريس لمزيد من العنف والإرهاب، إذ أنْ هذا التوجّه قد يدفع الفصائل التي تنبُذ العنف إلى انتهاجه. ولا ريب في أن اتّهام قطر بدعم الإرهاب سيصبُّ في صالح الكيان الصهيوني، ويُخضع ملف القضية الفلسطينية لقبضة الحكومة الإسرائيلية. أضف إلى ذلك أنَّ تمرير هذه التهمة، سيكون تجربة قابلة للتكرار، مع كل نظام لا يقبل بحرفية الإملاءات الخارجية، فالهجمة على قطر واتهامها بدعم الإرهاب لا يمكن النظر إليه على أنه نزاع عربي عربي، ولا يمكن فصْلُه عن المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 03 يوليو 2017, 7:43 am
خطاب استعماري بغلاف ديني للمزيد من التجهيل
إحسان الفقيه
Jul 03, 2017
في يوم 21 ديسمبر 1798، ارتدى نابليون بونابرت ثوب الواعظ، ووجّه منشورا إلى المصريين، بعد أن أخمَد ثورة القاهرة الأولى، يُذكّرهم بأن احتلاله بلادهم هو من قدَر الله وأنَّ عليهم الرضا به، ومما جاء في نصّ المنشور الذي أورده هيرولد في كتابه «بونابرت في مصر»: «أيها العلماء الأشراف، أَعْلِموا أمَّتكم ومَعَاشِر رعيَّتكم بأن الذي يُعاديني ويُخاصمني إنما خِصامه من ضلال عقله وفساد فِكْره، فلا يجد ملجأً ولا مُخلِّصاً يُنجيه مني في هذا العالم، ولا ينجو من بين يدي الله، لمعارضته مقادير الله سبحانه وتعالى، والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله تعالى وإرادته وقضائه». خطاب استعماري بغلاف ديني، لم يكن القائد الفرنسي لِيستخدمه لولا أن الوعي الجماهيري المُتردّي يسمح بترويجه، حيث غلبتْ في تلك الفترة أفكار التصوف المُغالية المتخبّطة في تفسير الدين، فلا نتعجب إذا رأينا من يُواجه الغُزاة بحلقات الذكر والرضا بالاحتلال، باعتباره من قدر الله لا يجوز السخط عليه، أو الاكتفاء بتحميل الشعوب المسؤولية، بسبب ذنوبهم ومعاصيهم. وبينما أُقلِّب النظر في الصحف والمواقع المصرية على عادتي، طالعت خبرا أعاد إلى ذاكرتي ما قرأتُه عن منشور بونابرت إبان الحملة الفرنسية على مصر، الذي استخدم فيه الدين لأغراض استعمارية. مضمون الخبر كان تعليقا لأحد رجال العلم على فضائية مصرية على موجة الغلاء الجديدة، التي اجتاحت مصر بعد رفع الحكومة أسعار الوقود، حيث أكّد الشيخ أن ذلك الغلاء بسبب ذنوب الناس، وأن عليهم أن يتوبوا ويُدركوا أن أي أزمة تحصُل في بلدهم هي بسبب تقصيرهم، وينبغي عدم إلقاء التبعة على الدولة، ناصحا إياهم بالانشغال بالعبادة وترك هذه القضايا لولي الأمر. هو الخطاب ذاته البونابرتي في شكل جديد، يدعم هذه المرة الاحتلال الداخلي المُتمثِّل في النظام القمعي الذي جوّع الشعب وحاربه في قوت يومه، من خلال سياساته الأمنية والاقتصادية التعسُّفية. هو الخطاب التخديري ذاته، الذي يُحمِّل الشعوب المسؤولية عن الخراب، دون الإشارة لسوء الإدارة وعبث الحكومات، هذا الخطاب هو أقرب إلى الخيانة وبيْع الشعوب لصالح حكامها باسم الدين. ولله دَرُّ المفكر الإسلامي الراحل محمد الغزالي إذ يقول: كل دعوة تُحبِّب الفقر إلى الناس، أو تُرضّيهم بالدون من المعيشة، أو تُقنعهم بالهون في الحياة، أو تُصبّرهم على قبول البخْس، والرضا بالدنيِّة، فهي دعوة فاجرة، يُراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد، وهي قبل ذلك كله كذب على الإسلام وافتراء على الله. وبذلك المنطق الفاسد الذي سلكه ذلك المحسوب على الدعاة والعلماء، يتم قطع الطريق أمام الاعتراض على الأوضاع الجائرة، والقرارات المستبدة والفساد الإداري، وتحميل الأقدار التبعة. العالِم الذي يتذرَّع بالأقدار في فساد الأوضاع الاقتصادية، أشبه بمن يُجيز لنفسه ولغيره ارتكاب المُوبقات بدعوى أنها قدر مكتوب. وهكذا يتم التكريس لتفسير الأزمات تفسيرا غيبيا يُتخرّص فيه على القدر، ويُغيَّب جوهر الفكرة الإسلامية التي تأمر بالتعاطي مع الأسباب ومعالجتها. ونحن – كمؤمنين نوقن بالقرآن وصحيح السنة – نوافق الشيخ في أن ذنوب العباد جزء من المشكلة، وأن لها تأثيرا على واقعهم وحياتهم، ولكن أليس ظلم الحكام والكبراء من أعظم هذه المعاصي، فما بال الرجل قد سكت عنها؟ شيء جيد أن يأمر الشيخ المجتمع بالتوبة، ولكن ماذا عن توبة أولي الأمر من سفك الدماء واعتقال عشرات الآلاف بغير وجه حق، وتكميم الأفواه، وتبديد الأموال في مشاريع وهمية على سبيل الدعاية للنظام؟ أليست هذه من جُملة الذنوب التي تحتاج إلى توبة؟ الشيخ تعمَّد تغييب حقيقة الدين من أن عموم المشيئة الإلهية لا يعني عدم تحميل إرادة البشر مسؤولية ما تقترفه، وإلا فلماذا لا يتذرَّعون بالأقدار في محاكمة المجرمين والمخربين؟ إن التذمَّر من تحويل أموال الدول إلى الفاسدين وتجاهُل الطبقات الكادحة التي تزرع ليحصد غيرها، ليس من قبيل التشغيب على تعاليم الدين والسخط على أقدار الله، وإنَّ إقحام الذنوب والمعاصي في قضايا الفساد المالي والخلل الإداري لاقتصاد الدول، هو نوع من المتاجرة بالدين لصالح الأنظمة والحكومات، لوأد أي تطَلُّعات لاسترجاع الحقوق المسلوبة والثروات المنهوبة. ربما تزول الدهشة عندما نعلم أن الحكومات والأنظمة على مر العصور، قد رحبت بالأفكار الصوفية الدخيلة، التي تُرغّب الناس في العُزوف عن مُتع الدنيا والإقبال على الزهد فيها (بمعناه الزائف) وتُحبِّب الفقر والضياع المالي إلى نفوس الشعوب، لأن هذه الأفكار التي لا تمُتُّ للإسلام بصلة، تُوافق أهواء الحكام والمستأثِرين بالأموال، وتحجُب عن الشعوب حقيقة مصارف ممتلكات الأمة ومُقدّراتها. هذا الخطاب الذي يَستخدم الدين لتبرئة ساحة المسؤولين عن الفساد والفقر، هو الخطاب ذاته الذي استُخدِم من قبْل في تبرير الغزو والاحتلال، من قِبَل أدعياء العلم من أذناب المستعمرين وأبواقهم، الذين لبّسوا على الناس في مسألة الإرادة الكونية والشرعية، وأوهموهم بأن الاستسلام للغزاة أو الفقر والمرض والأزمات هو من باب الرضا بقضاء الله، مع أنَّ الأمر الشرعي جاء بدفع العدو وعلاج المرض ومواجهة الفاقة. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 10 يوليو 2017, 6:15 am
الصراع بين «حزب الله» والكيان الصهيوني بين الوهم والحقيقة
إحسان الفقيه
Jul 10, 2017
كانت «الرسالة المفتوحة للمستضعفين» التي أعلن فيها حزب الله اللبناني توجّهاته السياسية والفكرية عام 1985، بمثابة الوثيقة الأساسية الرسمية التي اعتبرها تحديدا لإطاره الأيديولوجي، وفيها دعا الحزب إلى تحرير فلسطين المُحتلة كاملة من النهر إلى البحر، وإزالة إسرائيل من الوجود. لكن مضمون الوثيقة والواقع العملي لحزب الله تجاه إسرائيل، يختلفان جملة وتفصيلا، فبعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، أعلن حسن نصر الله في «بنت جبيل» أمام مئة ألف جنوبي، أن حزبه لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل من أجل تحرير فلسطين.وفي تفاهمات يوليو 1993، وأبريل 1996، تعهّد حزب الله بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة ابتداء. الأمر الذي يعني أن تحرير فلسطين والقضاء على الكيان الإسرائيلي خارج حسابات حزب الله، وليس كما أعلن في الوثيقة، وهو ما أكّد عليه من قبل، حسن روحاني الرئيس الإيراني الحالي والأمين العام لمجلس الأمن القومي سابقا، حيث قال:»حزب الله مقاومة تقتصر على الأراضي اللبنانية». إنها التقيّة السياسية التي مارسها حزب الله بزعامة حسن نصر الله، الذي كان يلعب على عاطفة الشعوب الإسلامية، ومكانة القدس لدى المسلمين، تماما كما فعلت إيران التي صنعته في لبنان، وجعلت منه ذراعها العسكرية في المنطقة لتنفيذ أجندتها. لم يكن حسن نصر الله يوما مُستهدفا من قبل إسرائيل، التي لم تحاول اغتياله رغم معرفة تحركاته، فحزب الله بالنسبة إلى إسرائيل هو حارس الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والقضاء عليه يعني أن تبقى هذه المنطقة رخوة، قابلة لاستقدام الجماعات الجهادية التي تبحث عن نقاط تماسّ مع العدو الإسرائيلي. حرب تموز 2006، لم تكن سوى أكذوبة روّج لها إعلام حزب الله على أنها انتصار ساحق على العدو الإسرائيلي، ولم تترتب عليها فائدة لصالح لبنان أو فلسطين، إنما كان المنتفع منها إسرائيل وإيران. فإسرائيل من خلال هذه الحرب سوّقت كعادتها للأخطار التي تتهددها وتحيق بها، ومن خلالها تتلقى الدعم وتُحقق المكاسب، وهذا شأن السياسة الإسرائيلية التي تستثمر التهديدات والمخاطر التي تهدد وجودها للحصول على الدعم الدولي، وهو ما صرّح به جوناثان غولدبرغ رئيس تحرير صحيفة «ذي فوروارد» العبرية، حيث قال: «إن وحدة الرأي العام اليهودي والأمريكي في دعمه إسرائيل ناجمة عن المحرقة، وعن فكرة أن إسرائيل من دون دعم تواجه خطر الموت». لقد ربحت إسرائيل من هذه الحرب حماية حدودها بقوات دولية «اليونيفيل»، وبذلك أغلقت الطريق وأمّنت حدودها ضد العمليات التي كانت تنفذها المقاومة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي عن طريق لبنان. أما إيران فهي أحد أبرز الأطراف الرابحة من حرب 2006، التي كانت حربا يخوضها حزب الله بالوكالة عن إيران، في ظرف كانت تُمارس فيه الضغوط الدولية والأمريكية على الملف النووي الإيراني، ومن ثمَّ كانت طهران بحاجة إلى استخدام ذراعها العسكرية في لبنان (حزب الله) لفك هذا الضغط عن الجمهورية الإيرانية. متانة العلاقة بين حزب الله وإيران معلومة للجميع منذ نشأتها، وقادة الحزب لم يتوانوا في الانتساب لإيران وإظهار الولاء والانتماء والتبعية لها. فالناطق السابق لحزب الله إبراهيم الأمين يقول: «نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران». وقال محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: «إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في سياسته نفسها». كما قال حسن نصر الله: «إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا». ويؤمن مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية محمد صدر، على كلام نصر الله قائلا: «السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة». بعد أن كف حسن نصر الله وحزبه الجعجعة ضد إسرائيل – نظرا لأنه يتحرك في فَلَك السياسة الخارجية الإيرانية – بدأ قناعه بالتشقق، وأدركت الجماهير المؤيدة للحزب وزعيمه، أن تلك الحرب كانت تنفيذا لأجندات خاصة. وزال القناع كلية عن وجه نصر الله وحزبه، بعد اندلاع الثورة السورية، وتوجه كتائب الحزب إلى سوريا لقمع الثوار والحفاظ على الحليف السوري. فالحزب يلعب دورا محوريا في الصراع الدائر في سوريا، ويعمل على تماسك نظام الأسد أمام كتائب الثوار. تدخُّل حزب الله في سوريا عسكريا يُعد خروجا صريحا عن السياق الوطني في لبنان، فكيف لحزب أن يتناول ملفا خارجيا بهذا الحجم دون الرجوع إلى الحكومة اللبنانية؟ السبب في الأساس أن لبنان قام على ركيزة تجميع الطوائف بدلا من انصهارها، فرَعَتْ الدولة المؤسسات الطائفية التي توسعت في أنشطتها إلى حد مخيف، وأعني حزب الله. وكالعادة مارس نصر الله كذبه المعهود، حين ادّعى أن تدخّل الحزب في سوريا لمواجهة التكفيريين الإرهابيين، وحماية العمق اللبناني. لقد كشف نصر الله عن طائفيته المقيتة، وأن معركته ليست مع الكيان الصهيوني، وإنما يخوضها ضد أهل السنة، عندما دعاهم إلى التقاتل معه على الأرض السورية تحت عنوان: «دعونا نتقاتل هناك ونُحيِّد لبنان، وهي بلا شك دعوة تُعتبر اعتداء على سيادة دولته». أما الاقتحامات المتتابعة للمسجد الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، فالسيد نصر الله في شُغُل عظيم عنها. وأختتم هنا بتصريح لضابط استخبارات إسرائيلي لصحيفة «معاريف» في سبتمبر 1997 قال فيه: العلاقة بين إسرائيل والسكان اللبنانيين الشيعة غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية، ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية، وخلقت معهم نوعا من التفاهم للقضاء على التواجد الفلسطيني، الذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 21 أغسطس 2017, 1:55 am
عندما يُصبح رفض العلمانية جريمة
إحسان الفقيه
Aug 21, 2017
«أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون» كانت طهارة الأخلاق من الرذائل، هي التهمة التي رشق بها القومُ لوطا عليه السلام، هي جريمة في عقليتهم وحدهم، فما مِن ذي عقل وفطرة سليمة يسمع بالتهمة ومسوِّغِها إلا وينتصر لنبي الله لوط. كثيرا ما ينطَوي الاتِّهام على تبرِئة ساحة المُتَّهم، فتنقلب المذَمَّة إلى مَحْمَدة، وهو الأمر الذي اتضح لي وللكثيرين غيري في تصريحات السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة ضد قطر، خلال لقائه مع قناة «بي بي إس» الأمريكية، التي أنصف فيها قطر من حيث لا يدري. ذكر العتيبة خلال التصريحات التي نشرت السفارة الإماراتية في أمريكا مقاطع منها، أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط، بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر بحسب قوله. إذن رفض النظام العلماني هو جريمة اقترفتها الدوحة بحسب هذه النظرة، لكنها تهمة تزيد من الرصيد الأخلاقي لدولة قطر، التي ترفض فكرة دخيلة على المجتمع العربي، لا تتفق وهويته الثقافية المستمدة من تاريخه الطويل في ظل الحضارة الإسلامية.
هل تخطئ قطر إذ لا تقبل بأنظمة علمانية؟
ولا أتكلم هنا بلسان الشريعة التي تتصادم معها العلمانية جُملة وتفصيلا، فبعض قومنا ينبذ فكرة هيمنة المنهج الإسلامي على مناحي الحياة، ولن يجدي معه الخطاب الديني. إنما أتحدث من منظور علم الاجتماع وقوانين النهضة، وهو قطعا مجال مقبول لدى أصحاب التوجهات المختلفة، لا سيّما وأن رجاله البارزين معظمهم من الغرب. لا نستطيع إنكار حقيقة أن الحضارة الغربية هي التي تقود العالم الحالي، وأننا قد تخلّفنا عن الغرب بمسافات شاسعة، لكننا بدلا من الاستفادة من إنتاجهم الحضاري، اتَّجهنا إلى استيراد أفكار كانت نتاج حالة تاريخية لها ظروفها الاجتماعية والسياسية، فحاولنا زراعة العلمانية في تربة ليست لها. ولنا أن نتساءل: لماذا فشل المشروع العلماني بعد عُقود طويلة من التوغُّل العلماني في بلادنا؟ لماذا لم يحقق نهضة اقتصادية مع أنه قد تبنَّته أنظمة عربية؟ وماذا قدّم العلمانيون للأُمة؟ هل قضوا على البطالة والجوع والفقر والمرض؟ ماذا قدموا في مجال البيئة والصحة؟ هل تمكنوا من تطوير التعليم؟ هل تمكنوا من تطوير الصناعات الثقيلة والخفيفة؟ ماذا قدموا للناس؟ لا شيء على الحقيقة سوى التنظير والمعارك الفكرية التي خاضوها ضد الفكرة الإسلامية، فلا هم قدموا شيئا، ولا هم أبقوا على الهوية الإسلامية. نعم نعترف بأن العلمانية غزت أمتنا وهي في حالة من الضعف والتشرذم، لكن هذا حال الأمة على مرّ التاريخ، تضعُف لكن الهوية الإسلامية تكفل للمسلمين العودة والالتفاف حول الراية مرة أخرى والخروج من المأزق.
ولكن لماذا فشل المشروع العلماني؟
وفقًا لقوانين علم الاجتماع، فإن أي مشروع نهضوي لابد له من أربعة عوامل أو مُقومات، نذكر كلا منها ثم نعرِض عليها المشروع العلماني لندرك أسباب فشله: *أول العوامل الفكرة المركزية، وهي كما يُبسِّطها الدكتور جاسم سلطان «مجموعة من المُسلّمات والعقائد التي يُبنى عليها نظام القيم، ويصطبغ بها نظام المجتمع». والعقيدة الدينية هي دائما الفكرة الأصيلة التي تتولد عنها الحضارات الإنسانية عبر التاريخ، وهذا ما أكّد عليه أرنولد توينبي، حيث اعتبرها في كتابه «مختصر دراسة التاريخ» جزءًا من نظام الاستيلاد الحضاري، وهو ما أكد عليه كذلك مالك بن نبي في كتابه «شروط النهضة». ومع ذلك فقد رأى علماء الاجتماع أن هذه الفكرة المركزية لابد أن تتوافق مع القِيم المُترسِّخة في وجدان المجتمع التي شكّلت هويته الثقافية. إذن القانون هنا، هو أن أي فكرة مركزية تتعارض مع الهوية الثقافية للمجتمع تبوء بالفشل. كما أنه يلزم أن تكون هذه الفكرة مُتجسِّدة في عقيدة واضحة تصبغ مجالات المجتمع، وقادرة على التعامل مع مستجدات العصر ومتغيراته. ولذا فشل المشروع العلماني، لأنه اعتمد فصل الدين عن الدولة أو الحياة، وهو الأمر الذي تعارض مع الهوية الثقافية المُتجذِّرة في المجتمع. *ثاني هذه المقومات هو الفكرة المُحفّزة، وهي الفكرة التي تنطلق من الفكرة المركزية وتتعلق بواقع الناس وتتّجه إلى دوافعهم الفطرية، فهي فكرة دافعة يلتفُّ حولها الناس. ولمزيد من التوضيح، جاءت رسالة الإسلام مُتمحْورة حول فكرة مركزية واحدة وهي تحقيق العبودية لله وحده، ثم تتضح الفكرة الدافعة المحفزة في الوعود بإصلاح الدنيا عن طريق الدين، كما في حديث الصحابي ربعي بن عامر أمام قائد الفرس: «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد» فهذه فكرة مركزية، ثم يقول «ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة»، فكانت تلك العبارات بما تتضمّن من معانٍ ودلالات، بمثابة فكرة مُحفّزة. وفي المثال الصهيوني كانت الفكرة المُحفّزة هي الاجتماع في فلسطين أرض الميعاد، وفي المثال الشيوعي كانت رفع شعار «نريد خبزا». فإذا نظرنا إلى الفكرة المُحفزة في المشروع العلماني، وهي النهوض، يظهر فشلهم في تجميع الناس حول هذه الفكرة، لأن النموذج العلماني لم ينتج سوى أفراد يلهثون وراء لقمة العيش، يئِنّون بين سطوة الجوع وسطوة القهر والقمع، فبمثل هؤلاء لا تقام نهضة ولا تُشيد حضارة. *ثالث هذه المقومات هو القيم والثقافة المنبثقة كذلك من الفكرة المركزية، ويتحرك في ظلالها المجتمع بأسره، فتلك القيم تُمثّل ثقافة راسخة تضبط سلوكهم وتُنظّم علاقاتهم، وهي كما يرى مالك بن نبي مجموعة من الصفات والقيم الاجتماعية يتلقَّاها الفرد منذ ولادته، وتُمثّل المناخ الذي تتشكل فيه شخصية الفرد. فإذا نظرنا إلى المشروع العلماني نرى أنه يعتمد القيم الغربية، لكنه في الوقت نفسه لم يستفد من القيم الإيجابية لدى الغرب، وركز على استيراد الجانب السلبي الذي لا يتوافق مع المجتمع العربي المسلم، فمن ذلك استيراد قيمة الحرية بمفهومها الغربي، الذي يعني في كثير من مفرداته التفسّخ الأخلاقي. *رابع هذه المقومات اللازمة لأي مشروع نهضوي هو الإنتاجية، التي تُعتبر نتيجة طبيعية للمقومات الثلاثة السابقة، وتُسمّى في الفكر الإسلامي بـ«عمارة الأرض». وكانت النتيجة الطبيعية كذلك للفشل العلماني في المُقومات الثلاثة المذكورة، الفشل الذريع في الإنتاج، فلم يقدم العلمانيون أي حلول عملية لنهوض الدول، فما زالت البلدان العربية – حتى التي تتبنّى العلمانية- تعيش على الاستهلاك، ولا تجد لنفسها موضعا بين الدول. لهذا فشل المشروع العلماني، ولهذا سيستمر في الفشل، ولهذا يعتبر تصريح السفير الإماراتي برفض قطر للأنظمة العلمانية تزكية لها لا العكس. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 28 أغسطس 2017, 5:56 am
مشكلة أوضاع أم مشكلة إنسان؟
«لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة، ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست في ما نستحق من رغائب، بل في ما يسودنا من عادات وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية، بما فيها من قيم الجمال والأخلاق، وما فيها من نقائص تعتري كل شعب نائم». يُعتبر المفكر الجزائري مالك بن نبي – صاحب هذه العبارة – من أكثر المفكرين عُمقا في تناول مشكلات العالم الإسلامي وتحديد أبعادها، والوقوف على جوهرها من دون التركيز على الأعراض والمظاهر، فلذا يرفض منطق التساهل الذي اعتنقه الكثيرون في ردِّ مشكلات الأمة إلى الأزمات التي يعتبرها هو نتائج لأصول أخرى. دائما نضع تصوراتنا في تشخيص المشكلة في إطار اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، فالبعض يرى أن الفقر هو المشكلة الأساسية، لكن بالنظر إلى تكدُّس الأموال في أيدي ثُلّة من الأثرياء الذين ينفقون في البذخ والترف الزائد، تُصبح المشكلة مزدوجة، فإضافة إلى الفقر تبرز القيم الفاسدة المصاحبة لمسائل التملّك والإنفاق كسبب رئيس في المشكلة. البعض يرى كذلك أن مشكلة الأمّة تكمن في الجهل، مع أن الواقع يشهد بأن كثيرا من المتعلمين ليس لهم تأثير في حياة الآخرين، وربما لا تجد أي فرْق بينه وبين غير المُتعلّم. وحتى أثر الاستعمار في بلادنا، ربما أعدّه البعض المشكلة الأبرز، نرى بشيء من التأمُّل أن الاستعمار لم يكن سوى سبب أو نتيجة لأَصل في نفوسنا وهو القابلية للاستعمار. المشكلة ليست في الأزمات والأوضاع، فما من أُمة تقدمت أو نشأت إلا وأمامها العراقيل والعوائق، فعلى سبيل المثال كانت الطوائف اليهودية في بعض البلدان في السابق تعاني الاضطهاد ووضْع العراقيل أمام التجارة والحصول على التعليم، لكنهم لم يركنوا إلى تلك الظروف، وأنشأوا مدارس سرِّية في البيوت يقوم عليها متطوّعون من شتى المجالات، ونشطوا في مجال التجارة على مبدأ الفرد للجميع والجميع للفرد، وعمّروا المعابد أكثر من ذي قبل، باختصار: قدموا أنموذجا لانتصار الفرد على البيئة. في كتابه «شروط النهضة» يبرز مالك بن نبي سبب انتصارهم على العراقيل الخارجية بقوله: «كان نجاحهم منطقيا، فإن أنفسهم لم تكن معلولة، ولم يكن مِن مُعوّق داخلي يُمسكهم عن التقدم ويحطّ من قيمة أنفسهم بأنفسهم». إن المشكلة الأساسية تكمن في ذلك الجهاز الاجتماعي الأول المسمى بالإنسان، الإنسان المسلم الذي غاب عن الفاعلية فغاب عن التأثير في الواقع. مشكلة ثقافة أفراد تجعلهم دائما يتحدثون عن حقوقهم المسلوبة، ويغضون أبصارهم عن الواجبات التي تقع على عواتقهم، ولستُ أعني بالثقافة هنا المعرفة كما يظن الكثيرون، وإنما أعني ذلك الإطار الجامع للصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أوّلي في الوسط الذي نشأ فيه. وكثيرا ما نرى أن بعض النخب الثقافية بلا تأثير، وهو نتيجة طبيعية لذلك الخلل الذي نتحدث عنه، وربما طالب كغيره بالحقوق المسلوبة تحت أيّ ظرف، مثل ذلك المُثقَّف الذي وقف يومًا في إحدى الجامعات العربية يقول: «إننا نريد حقوقنا ولو مع جهلنا وعُرينا ووَسَخِنا». ما الذي يجعل الطالب العربي يتقدم أحيانا في دراسته عن الطالب الأوروبي، بينما يتفوق عليه الأخير في التأثير في مجتمعه؟ إنها فاعلية الفرد وقدرته على التأثير. إن أيّ مشروعات نهضوية لا تنبني على إعداد الفرد، تُعتبر كقصور من الرمال على شاطئ البحر، لن تجدي ولن تستمر، فعلى سبيل المثال: الفرد الذي لا يتشبع بالقيم الحضارية الإيجابية لن يضع القمامة في سلّة المُهملات المخصصة لها مهما كان عددها في الشوارع، بينما الفرد الفعال تجده يبحث عن مأوى لمخلفات منزله مهما طال به البحث. التوجه إلى إعداد الفرد هو واجب الوقت ورأس الأولويات، وإلا فالدوران في حلقة مفرغة، فلا مَناص من إعداد الفرد وتنميته وتثقيفه. أسهل وأقرب السبل لإعداد الفرد يكون من خلال الحكومات والأنظمة التي تسيطر على مفاصل الدول ومؤسساتها، وتستطيع – إن شاءت – إعادة صياغة الفرد ليكون جزءًا من عوامل الاستيلاد الحضاري. لكن كما هو معروف، تُعتبر معظم الأنظمة العربية الإسلامية ذيلا للاستعمار الذي رحل وترك لنا جيوشا وحكومات تقوم بعمله، في وضع العراقيل أمام تفجير الطاقات والمواهب، ولذا لا يُعوّل على تلك الحكومات التي لا يعنيها في الغالب سوى العروش التي تركها المستعمر. وإنما أسوق ذلك التوضيح حتى لا يتهمني أحد بالتكريس للظلم الاجتماعي، بإلقاء الكرة في ملعب الأفراد ونزع التبعة والمسؤولية من عن أكتاف الحكام والمسؤولين، ولا أبرئ ساحة الأنظمة في ما وصلنا إليه من أوضاع مُترديّة، وإنما لا بد أن نتحدث عن بديل بعد أن بُحّت الأصوات. بقِي التعويل على الفرد ذاته، في استشعاره المسؤولية في أنه مفتاح التغيير، وبحركته يتحرك المجتمع والتاريخ، تشاركه في ذلك المحاضن والمؤسسات التي تهدف إلى الإصلاح في شتى المجالات، سواء كانت مؤسسات دينية دعوية، أو اقتصادية، أو تعليمية، أو سياسية، أو إعلامية. جميع هذه المحاضن يمكنها وضع آليات لتشكيل الفرد العضو في المؤسسة بما يتفق مع الهوية الثقافية لمجتمعه، وما يتفق مع متطلبات النهوض. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 04 سبتمبر 2017, 5:29 am
السادة عندما يكذبون
إحسان الفقيه
Sep 04, 2017
خرج أبو سفيان بن حرب سيد قريش في قافلة تجارية إلى الشام، وكان لا يزال على وثنيته، فلما سمع بهم هرقل ملك الروم دعاهم إلى مجلسه، ثم أحضر تُرجمانه وسألهم: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ (يعني رسول الله محمد) فقال أبو سفيان: أنا أقربهم به نسبا، فأدناه هرقل وجعل أصحاب أبي سفيان عند ظهره حتى يُكذّبوه إذا كذب. قال أبو سفيان وهو يروي بعد إسلامه تفاصيل تلك الواقعة: فوالله لولا الحياء من أن يأْثِروا عليَّ كذبا لكذبت. لقد جسّد أبو سفيان حالة انتشرت في المجتمع العربي من كون السيادة لا تعني فقط أن يكون الرجل سيدا في قومه بالمال والجاه والسلطة، بل يكون أيضا سيدا في نفسه، ما يعني أن يتعامل مع الآخرين بمقومات السيادة وأخلاقياتها، ولذا أبى الرجل أن يُؤثر عليه الكذب أمام قومه. حال السادة اليوم تغيّر كثيرا، فهم يكذبون، ثم يكذبون، وهم يعلمون أن الشعوب تعرف أنهم كاذبون، ولا يكترثون إذا خلا كذبهم من الحبكة الدرامية التي تجعل الخدعة تنطلي على البسطاء والمغفلين من القوم. لئن كان الكذب مرفوضا في جميع الملل والأعراف، إلا أنه غدا تحت مظلة المصالح السياسية أمرا مقبولا مُستساغا، فإن يكذب الحاكم أو رمز في نظامه، فهو واجب الوقت عند البعض، يندرج لديهم تحت فقه الواقع، للأسف، ولكن، لماذا لم يعد السادة يُقدّمون مبررات تقتنع بها الجماهير؟ لماذا لم يعُد يشغلهم إتقان تحريف الكذب؟ الحقيقة أن ذلك يعكس ضآلة تأثير المجتمعات العربية في صنع القرارات السياسية، فالسادة يتصرفون في شؤون الدول على أساس أنها إقطاعيات خاصة، واستطاعوا تكميم أفواه الشعوب، وسلب إرادتها وسَوْقها كالقطيع، فلا وزن لهم يُذكر في حسابات السماسرة الأكابر من أهل السلطة. أزمة حصار قطر كانت إحدى المحطات البارزة التي تجلّى فيها كذب السادة وإطلاقهم التهم جُزافا بدون أدلّة تصلح للاتِّكاء عليها، بل إن بعضهم يرميها بتهم كان الأحرى أن تُوجّه صوْبهم. فبناءً على خطاب منسوب لأمير قطر، سارعت دول المقاطعة بتثبيت حزمة من الشروط التعجيزية، على الرغم من عجزها عن بث تسجيل للخطاب المُختلق لإقناع الرأي العام، في ظل النفي القطري الرسمي، فالمهم هو اختلاق سياق للبناء عليه في فرض الوصاية على الدولة القطرية، واستلاب قرارها السيادي، ولو كان ذلك السياق واهيا. وعلى طريق الكذب على قطر في دعمها التطرف، اعتمد الساسة على كذبة أخرى في وصف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالتطرف والإرهاب، رغم أن الأمم المتحدة لا تُصنف الحركة جماعة إرهابية. استمر السادة في كذبهم المفضوح، فاتهموا الدوحة بدعم الحوثيين في اليمن ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وهو أمر غير قابل للتصديق، فقطر – قبل أن يستبعدها التحالف بعد الأز مة الأخيرة – كانت شريكا مُؤسِّسا للتحالف العربي. دخلت قطر بعشر طائرات مُقاتلة شاركت في الموجة الأولى لضربات «عاصفة الحزم» وانضمت دفعة أولى من قواتها قوامها ألف مقاتل، مُعزّزة بصواريخ دفاعية ومنظومة اتصالات متطورة، استعدادا لعملية استعادة صنعاء، إضافة إلى تدخل قوة قطرية أخرى التحقت بالقوات السعودية لحماية الشريط الحدودي من تسلّل عناصر قوات الحوثي/صالح. شكّلت قواتها جزءًا مهما من التحالف الذي يقاتل الحوثيين في اليمن، في الوقت الذي تشير عدة تقارير غربية، على انفراد الإمارات باستهداف قوات الحوثي بدون استهداف قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي تستضيف أبو ظبي نجله المُعيَّن سفيرا لليمن في الإمارات حتى 2015، إضافة إلى تقارير غربية سابقة أشارت إلى أن تأخر تحرير تعز كان بسبب رفض الإمارات تسليح المقاومة الشعبية، لأن قادتها تابعون لحزب الإصلاح المحسوب على الإخوان المسلمين، وهو ما نشرته «فورين أفيرز» الأمريكية. والأصل الذي تفرعت عنه هذه الكذبة، اتهام قطر بالتحالف مع إيران ضد الخليج، في الوقت الذي كانت قطر تواجه مع التحالف، ذراع إيران في اليمن المتمثل في الحوثيين، وحليفها في سوريا المتمثل في بشار الأسد. لكن السادة غضّوا الطرف عن زعيم الانقلاب المصري، الذي دعّم بشار الأسد والحوثيين وحفتر ليبيا، فكافأوه باتخاذه حليفا ينفذ خطة الحصار. اتهموا قطر بالتحالف مع إيران التي تهدّد الأمن القومي الخليجي، في الوقت الذي تقيم الإمارات علاقات اقتصادية متينة مع طهران التي تحتلّ الجزر الإماراتية. رأى السادة أن يتّهموا قطر بدعم الأذرع الإيرانية في الخليج، فادّعوا أنها تدعم شيعة البحرين (قوة معارضة)، على الرغم من مشاركة قطر ودعمها للتدخل السعودي المعروف باسم «درع الجزيرة» لإنهاء الاحتجاجات التي تمت عسكرتها لتتحول إلى أعمال حرق وتخريب واستهداف لمؤسسات وأجهزة الدولة. وطالما أن الأدلة المادية لا تلزم السادة في توجيه الاتهامات لقطر، فلا غضاضة في اتهام قطر بدعم كل حركات التمرد في السعودية والبحرين لزعزعة الاستقرار فيهما. لا يحتاج الأفراد وحدهم للالتزام بالإطار الأخلاقي القِيمي في التعاملات، الساسة أيضا يجب أن يُراعوا في سياساتهم وقراراتهم وتصريحاتهم البُعد الأخلاقي، إن لم يكن اعتزازا منهم بهويتهم الثقافية التي ميَّزتهم عن غيرهم، فعلى الأقل احتراما للشعوب التي لن يستمر بها الحال في أن تبقى مسلوبة الإرادة مغيبة الوعي. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 18 سبتمبر 2017, 7:09 am
طاعة ولي الأمر بين الشريعة وعلماء السلطة إحسان الفقيه Sep 18, 2017
يقول المفكر الإصلاحي السوري عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله: «ما مِن حكومة عادلة تأْمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها، إلا وتُسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أنْ تتمكن فيه لا تتركه، وفي خدمتها إحدى الوسيلتين العظيمتين: جهالة الأمة، والجنود المُنظمة». تلك العبارة الوجيزة التي أوردها الكواكبي في كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، تُجسد عوامل الاستبداد وروافده، التي تُغذيه بمقومات البقاء في ظل غفلة الأمة، ويأتي على رأسها «الملأ»، وهم «البارزون في المجتمع وأصحاب النفوذ فيه، الذين يعتبرهم الناس أشرافا وسادة، أو يعتبرون حسب مفاهيم المجتمع وقيمه أشراف المجتمع وسادته». هذه الشريحة بِمثابة حلقة الوصل بين الحاكم وشعبه، تُروج لسياساته بينهم، وتُشكل الرأي العام وِفق توجهاته، ومن وراء ذلك تكون لهم الحظوة والسلطة والوجاهة. ومن هذه الفئة علماء السلطة الذين يُشرعنون قرارات الحاكم بكل حال، ويدعمونها عن طريق لَي أعناق النصوص وتأويلها، وإدراج ضرورة تقبلها تحت أصل عام وهو طاعة ولي الأمر. لِكل فِرقة من الفرق القديمة المنحرفة امتدادٌ إلى عصرنا هذا، فكما يُمثل أصحاب الفكر التكفيري منهج الخوارج، هناك علماء السلطان الذين أخذوا عن فرقة المُرجئة بعض مبادئها، فتركوا الإنكار على الحاكم والاعتراض على قراراته، ووقفوا لمن يفعل ذلك بالمرصاد ووصفوه بأنه من الخوارج مثيري الفتن. هؤلاء المنتسبون للعلم لم يُكرسوا للديكتاتورية ويشاركوا في صناعة الظلم الاجتماعي فحسب، بل شوهوا صورة الإسلام، حينما حملوا الناس على تقديس الحاكم وطاعته بصورة مطلقة، ومِن ثَم أوجدوا المناخ المناسب لتغلغل العلمانية، التي قامت أصلا في أوروبا، فرارا من الحكم الكنسي الثيوقراطي، والسلطة الكهنوتية لرجال الدين الذين يحكمون الشعوب باسم الرب. فالعالم الإسلامي، بِشقيه الشيعي والسني، قدم أنموذجا مسيئا للإسلام في شؤون الحكم، فالشيعة لديهم عقيدة الولي الفقيه، التي تجعل زمام الأمور في يد أكبر الفقهاء وتمنحه سلطة مطلقة وتفرض على أتباعه كذلك طاعة مطلقة له، فبالغوا في تقديسه حتى رفعوه إلى منزلة لا تكون إلا لنبي مُرْسل. وفي العالم السني، بعدما ران الاستبداد، أصبح علماء السلطة والجامية يُروجون لولي الأمر بصورة تقتضي الطاعة المطلقة وترك الاعتراض عليه، متجاوزين في ذلك الأطر الشرعية التي حددها الإسلام في النظر والتعامل مع ولي الأمر الشرعي. إننا نقر بوجوب طاعة ولي الأمر الشرعي، ولكن هذه الطاعة مقيدة بكونها تابعة لطاعة الله ورسوله صل الله عليه وسلم، وهذا المعنى هو ما استقر عند المفسرين في قوله تعالى «يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللهِ وَالرسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (النساء: 59). فذكر لفظ (أطيعوا) مع الله ورسوله، ولم يذكرها قبل أولي الأمر، دلالة على أن طاعة الحكام تكون تبعا لطاعة الله ورسوله وليست مستقلة بذاتها، ويدل على ذلك أيضا تكملة الآية «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللهِ وَالرسُولِ» لبيان أن الاختلاف والتنازع يرد إلى الأصلين: الكتاب والسنة، لا الحكام وأهل السلطة، فمِن ثم لا تجب طاعة ولي الأمر في أي مخالفة شرعية أو قرارات جائرة. إن الاعتراض على الحاكم والإنكار عليه ليس إثارة للفتن وخروجا على الدولة، وهذا ما جرى عليه العمل زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولقد وقف عمر بن الخطاب يوما يخطب في الناس ويقول، إسمعوا وأطيعوا، فقام رجل من القوم وقال لا نسمع لك ولا نطيع، ولما سأله أمير المؤمنين عمر عن ذلك، عاتبه الرجل بأنه أعطى لكل رجل منهم ثوبا واحدا بينما يُرى عمر وعليه ثوبان، فرد عليه أمير المؤمنين: «أين عبد الله بن عمر؟ (أي ولده) فقال: ها أنا يا أمير المؤمنين، فقال لمن أحد هذين البردين اللذين عليّ؟ قال: لي، فقال للرجل: عجلت يا عبد الله، كنت غسلت ثوبي الخَلِق فاستعرت ثوب عبد الله، قال: قل، الآن نسمع ونطيع». فإن شكك بعض المهتمين بالأسانيد في تلك القصة، فحسبي أنها قد ذكرت في كتب الجهابذة أمثال ابن القيم في «إعلام الموقعين»، والمحب الطبري في «الرياض النضرة»، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» وغيرهم. وحتى لو سلمنا لتلك الشكوك، فلدينا قول أبي بكر عندما تولى الخلافة: «قد وُليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني»…إلى أن قال: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم». وعمر بن الخطاب نفسه ، كان يرى أن من حق الرعية وواجبها تقويمه ورده إلى الجادة، جاءه رجل يقول له: اتق الله يا عمر: فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها. وأنكر ابن عباس على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم أجمعين – تحريق السبئية الذين ألهوه بالنار، لأنه لا يعذب بالنار إلا خالقها. فهؤلاء خيرة الصحابة كانوا يرون الإنكار والاعتراض على الحاكم وتقويمه، فكيف بمن هم أقل منهم فضلا وعدلا ومراعاة للحقوق؟ إن على الأمة أن تدرك جيدا أن ولي الأمر موظف لديها يتحتم أن يسير في رعيته بالعدل والحق، فليست ثروات الأمة ملكا للحكام، وليست لهم طاعة مطلقة إلا ما خلا من مخالفة وظلم، وأن الأمة هي التي تُعين الحاكم وتراقبه وتحاسبه، بل وتعزله إذا لزم الأمر في ضوء مراعاة المصالح والمفاسد. علماء السلطان الذين يحملون الناس على تقديس الحاكم وطاعته المطلقة، أخذوا النصوص التي تحث على طاعة أولي الأمر، من دون أن يجمعوا إليها النصوص الأخرى التي تتضمن الإنكار على الحاكم في ظلمه وجوره، كقول النبي صل الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». فرقٌ بين الإنكار والاعتراض والتقويم، وبين الخروج على الحاكم، وفرقٌ بين المنكر الذي يأتيه الحاكم في خاصة نفسه فُينصح فيه سرا، وبين المنكر الذي يتعدى للناس ويتغلغل فيهم، فيستوجب الإنكار أمام الناس وبيان هذا المنكر بأدلته. لكن علماء السلطان يعبثون بتلك الفروق، فيلبسون على العامة بأن الاعتراض والإنكار خروج، وأنه لا يجوز مطلقا نصح الحاكم والإنكار عليه أمام الناس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 02 أكتوبر 2017, 6:06 am
هناك في فرنسا، كان ديكارت مشغولا بِصياغة التصوُّر الجديد للذات العقلانية التي تكتشف أسرار الكون وتسْبر أغواره، وفي إنكلترا كان جان لوك بمنهجه التجريبي الاستقرائي يُنازع الفيلسوف الفرنسي صاحب المنهج العقلي الاستنباطي في منهجية توصُّل العقل إلى الحقيقة، فكلاهما ذهب إلى تقديس العقل الذي ساد ذلك العصر التنويري في القرن الـ17. وفي ذلك المناخ وُلد «دون كيشوت» في خيال الروائي الإسباني «ميخائيل دي سرفانتس»، شخصية هزيلةٌ على مشارف الخمسين، مسكونةٌ بأدب الفروسية البائدة، والشغَف بالبطل الأسطوري قامِع الظلم وناصر المقهور. ودون أدنى امتلاكٍ لمُقوِّمات البطولة الجامحة، يُقرِّر بطل الرواية بَعْثَ الفروسية من مَرقَدها، فاستخرج سيفًا مُتهالكًا ورمحًا هزيلًا يتوافق مع جَواده الأعْجف، واصطفى في رحلة المجد خليلةً يُهدي لها انتصاراته على عادة الفرسان، ثم اختار لرفقة الطريق فلاحًا ساذجًا على وعد تنصيبه حاكمًا لإحدى الجزر التي سوف يُحرِّرها «دون كيشوت». انطلق في غمْرة الهَوَس وتهاويِ الحدود بين الواقع والأوهام، ليقوم بمغامراته الساذجة، إلى أن قاده خياله العابث إلى الصراع مع طواحين الهواء، حين توهَّم أنها شياطين ذاتُ أذْرع تبثُّ الشر في عالم البشر، فغرس فيها رمحه فعَلَق بها، فطوَّحَتْه في الهواء، لينزل على الأرض وقد تكسَّرت عظامه، فظل في فراش المرض يلعن الفروسية والبطولة. مقدمة طويلة أليست كذلك؟ هكذا رأيتها بعد كتابتها. لم يكن بيدي ولا بيدِ عمرو، بل بسطْوةِ اندماجٍ بين الرواية والواقع غزا مداركي، فاستسلمت. في أرض الحجاز دارت معركة حامية الوَطِيس، لا تختلف عن صراع «دون كيشوت» مع طواحين الهواء، تمَّت صياغة أحداثها، واختيار طرفي النزاع فيها، والنفخ فيها بالقَدْر الذي يسْتَلِب الأنظار، إلى أن تمّ حسم الصراع، فالمنتصر يتمرَّغ فرحًا بنشوة الظفر، والمهزوم يجرّ أذيال الخيبة وينشد في رثاء عالمه الحزين. هل كانت أُمّتنا تنقصها الهموم حتى تصير قيادة المرأة السعودية للسيارات قضية كبرى تشغل الرأي العام السعودي والعربي والإسلامي، بينما الأعداء يستلقون على ظهورهم من فرط الضحك إزاء هذا الأداء الكوميدي؟ المسألة بِرُمَّتِها منذ سن قوانين المنع إلى وقت قرار الإباحة، كانت صراعا مع طواحين الهواء، لم ينتَهِ بِحسْم الأمر عبْر قرار سيادي، بل امتدَّ أُفُقه لندخل في دوَّامة من التفسيرات وردود الأفعال مُتَّشِحة بالنظرة السطحية. فريق يرى أن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة نازلة حلّت بالإسلام، وهزيمة للفضيلة، وفتح لأبواب الشرور، وكأن البقاع صارت المدينة الفاضلة التي داعبت أحلام أفلاطون، فلا ينقصها سوى النزاع حول مسألة لا تعدو أن تكون قرارا إداريا تمَّ دعمه بفتاوى رسمية في قضية اجتهادية لمْ يأْت بها نَصٌّ. وفريق آخر يرى في القرار انتصارا للمرأة السعودية، وأنه أعاد إليها حقَّها المسلوب، ومكانتها المهضومة، فكان اغتباطٌ تَلفُّه تفسيرات غوغائية للحقوق من جهة المنع والمنح. لكنني مع ذلك أجد نفسي أمام نزعتي الشخصية في تحديد المشكلة الرئيسية في ذلك القرار. هل كانت المشكلة في القرار الرسمي بذاته؟ لا أرى ذلك، فالأمر يمكن قَبُولُه بسهولة إذا كان قد أتى ضِمن منظومة إصلاحات مجتمعية، خاصة أن قيادة المرأة السعودية كما أسلفت، لم يأت دليل على منعه، وكل الفتاوى المانعة مبناها على التوسع في سد الذرائع، وهو الأمر الذي نحذر منه دائما. إذن، هل كانت المشكلة في تغيير الفتوى؟ لا أراه كذلك، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان، وهناك علماء أجِلّاء غَيَّروا كثيرًا من آرائهم الفقهية، فالشافعي له مذهب قديم قبل نزوله مصر، وآخر جديد، والإمام أحمد كثيرًا ما تُنقل عنه في المسألة روايتان من المؤكد أنّ إحداهما سابقة للأخرى. المشكلة في تعنُّت العلماء باستعمال أحادية القول في مسائل يسوغ فيه الخلاف، ومبالغتهم في الحظْر تحت مظلَّة سدِّ الذرائع، وهذا التوسع دائما يجلب نتائج عكسية. المشكلة في ثورة علماء المملكة على كل من عارض قرار المنع الأول، فاتهموهم بتمييع الدين، ومنهم القرضاوي الذي أرسلَ إلى المَلك مطالبًا بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، إضافة إلى بعض علماء المملكة المنتسبين إلى تيار الصحوة، ألم يكن الأحْرى أن يتقبلوا الرأي الآخر ويدرجوه ضمن دائرة الاختلاف السائغ؟ والمشكلة الكبرى تكمن في السياق الذي اتُّخِذ فيه القرار، فأثار المخاوف حول الاتجاه الذي تهرع إليه المملكة التي يُعتبر مَسارُها شأنًا عامًا للأمة الإسلامية: فجاء القرار متوافقًا مع القفزة السعودية البعيدة باتجاه (الأمركة) والإفراط في إظهار الانسجام مع توجُّهات البيت الأبيض، بدايةً من القمة التي كلّفت السعودية أكثر من 400 مليار عاد بها ترامب إلى بلاده مُتهللا، وخلَّف وراءه انفجارًا مُدوّيًا في البيت الخليجي، وانتهاءً بتعيين فاطمة سالم باغشن مُتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، لتكون أول امرأة تشغل هذا المنصب، وهي حاصلة على الماجستير من جامعة شيكاغو، وشغلت عدّة مناصب أبرزها مديرة مؤسسة الجزيرة العربية بواشنطن، ومستشارة لمؤسسة الإمارات لتنمية الشباب. جاء القرار كرسالة طمأنة للأمريكان والمجتمع الدولي على وضعية المرأة السعودية، ولإسدال الستار على موجات النقد الغربي إزاء مسألة قيادة السيارات. جاء القرار مصحوبا بمظاهر لمْ تعْهدها السعودية، تُنْبئ بفتح الباب على مصراعيه أمام التيار الليبرالي، على غرار ما حدث في احتفالية اليوم الوطني، واعتبره البعض تحوّلا إيجابيا في المسار الاجتماعي للسعودية، في الوقت الذي يُضيَّق فيه الخِناق على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد تهميش دورها، في ما يبدو أنه توطئةً لإلغائها. وجاء القرار في وقت تُطلق فيه حملات الاعتقال التي طالت رموز العلم والدعوة من غير المنتسبين إلى المؤسسة الرسمية، وهو الأمر الذي يؤكد حقيقة استلهام التجربة الأمنية للنظام المصري. جاء القرار في خِضمِّ التناسق مع الرُؤى الإماراتية التي انطلق منها وزير الخارجية الإماراتي يُبشّر بشرق أوسط جديد، يسود فيه النظام العلماني. وجاء القرار في ظل تكهّنات بتطبيع المملكة مع الكيان الصهيوني، أجبرنا على قبولها: الصمت حِيال القضية الفلسطينية، وإظهار وجهِ العداء للمقاومة، ومحاصرة وملاحقة دُول وكياناتٍ وشخصيات مُزْعجة للكيان الإسرائيلي. فإلى أين تتجه السعودية؟ نسأل الله لها السلامة. عدا هذه المخاوف، فلا يعدو الأمر أن يكون إحدى معارك دون كيشوت. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 09 أكتوبر 2017, 4:28 am
[size=30]مهلاً أيها الواعظ
إحسان الفقيه
[/size]
ألا فليُقْبِل وُعّاظ العصر بأقلامٍ ومحابر، فإن يحيى بن معاذ الواعظ يقول كلمته، ويُطلقها حكمة سائرة، يُحمِّل العبارة الوجيزة معاني بليغة، يخُطُّ بها معالم الخطاب. «أحسنُ شيء: كلام صحيح، من لسان رجل فصيح.. كلام رقيق، يُستخرج من بحر عميق، على لسان رجل رفيق». وهكذا يُدوّن ابن معاذ بكلمته معالمَ الخطاب الوعظي الناجح، الذي يحمِل كلمة طيبة، ذات أصل ثابت، وفرعٍ سامق، تؤتي أُكُلها كل حينٍ بإذن ربها. ذلك الخطاب الذي تمتزج فيها عناصر الفصاحة وسلامة المصدر، وعمق المعالجة، والاهتمام بجمال الظاهر وروعة المضمون، فماذا عنك يا واعظ العصر؟ فليتسع صدرك لشيء من العتاب، فإنما الوعظ والتوجيه وارتقاء المنابر جزء ثابت في الخطاب الديني العام، والذي صُدّعِت حوله الرؤوس بمطالبات التجديد، فهلّا ارتقينا؟ لا تأخذني بخطابك بعيدا عن الرعيل الأول إلى عصور متأخرة ظهر فيها التكلف والنأي عن الاقتصاد في التعبد، لا تُحدثني عمّن كان يصلي الصبح بوضوء العشاء، وبينهما قيامُ بلا فتور، وحدثني عن أبي بكر الذي يصلي بعد العشاء ما تيسر له ثم ينام، أو عن الفاروق الذي يرقد بعد العشاء ويستيقظ قبل الفجر ليتنفّل، والرجلان قد تعلما من هدْي نبيهما الذي كان يصلي ويرقد، ويصوم ويفطر. لا تُحدثني عن ذلك الذي حرمه خوف جهنم من التبسّم، وائْت لي بجواب ابن عمر لمن سأل: هل كان الصحابة يضحكون؟ فقال: «نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال». إن تسليط الضوء على واقع القرون المُفضّلة التي اصطبغت بالوسطية، لهو الأوْلى، فهي نماذج قابلة للتأسي بها، أما نماذج التكلُّف في العصور اللاحقة، فهي حالات فردية لا تُعبر عن منهج أو اتّجاه، ومن شأنها أن تُصيب المتلقي بالإحباط، ويرى بَوْنًا شديدا بين عبادته، وما كانت عليه هذه النماذج. حنَانَيْك، لا ألفَينَّك تُعيد على سمعي مرارا وتكرارا الحديث عن الصبر والتوكل وأعمال القلوب ووصف الجنة والنار، فالدين دنيا وآخِرة، وإن كانت تلك الحياة قنطرة إلى الآخرة، فعلِّمني كيف أُصلح القنطرة. لا تُهمل هذا الجانب المعنوي، ولكن لا تنس أن تُحدثني عن قيمة العمل والإنتاج، عن القيم التي يستقيم بها أمر المجتمع، عن نهضة الأمة وانبعاث حضارتها، عن الواقع الذي أعيشه، نعم ذلك الواقع الذي تتهرب في خطابك من معالجته وتُحيلني إلى الوصية بالصبر والرضا. النبي صل الله عليه وسلم كان يتحدث في أمور المعاش، وقدِمَ المدينة فناقشهم في تأبير النخل، وأرشد إلى تعلُّم اللغات، وعلّم صاحبه كيف يسلخ الشاة، ووجّه إلى الرفق بالحيوان، وإلى الحفاظ على البيئة، فدونك هدي نبيك وإمامك. أيها الواعظ، إن أعداء الإسلام يريدون أن يُظهروا الإسلام في صورة الدين الذي لا يملك للناس حلولا عملية لأزماتهم، أتدري عَلامَ اعتمدوا؟ اعتمدوا على مثل هذا الخطاب الذي تتَّجِه به أنت إلى الناس، ففي كل نازلة وكارثة وأزمة، تقول لهم إنّ الحل أنْ تتقوا الله تعالى، ثم تصْمت، ولا تُرشِد إلى كيفية معالجة الأزمات. الإمام الشعبي من التابعين الذين وُلدوا في خلافة عمر، مرَّ بِإبلٍ قد فشا فيها الجرَب، فقال لصاحبها: أما تداوي إبلك؟ فقال: إنَّ لنا عجوزا نتّكل على دعائها. فقال الشعبي: اجعل مع دعائها شيئا من القطران. حرص على أن يقترن بالتوجيه الإيماني توجيه آخر عمليّ، وهذه هي حقيقة التوكل، اعتماد القلب على الله مع مباشرة الأسباب، وتلك هي الحقيقة التي غفلتَ عنها في خطابك، التوجيه العملي، والتطرُّق إلى الحلول العملية، يسبقها الأمر بتقوى الله وطاعته التي هي أصْل كل خير. أيها الواعظ لا أريد لك الكفَّ عن تناول صفات الحلم والصدق والعفاف والقناعة والصبر، ولكن مع ذلك لا تتجاهل صفات الفاعلية والإيجابية والمبادرة الذاتية والقيادة، فمنظومة الأخلاق الإسلامية تتَّسع دائرتها لتشمل صفات الأمانة والقوة معا، وحسبك في ذلك أن القرآن قد نقل إلينا تزكية الجانبيْن مجموعيْن «إن خير من استأجرت القوي الأمين». فتلك المنظومة الأخلاقية بمجموع طرفيْها هي التي يستقيم بها أمر المجتمع، فكما يلزم أن تسود فيه الأخلاق التي ترتقي بها العلاقات الإنسانية، فيلزمه كذلك تلك الأخلاق التي تصب في نهضته وازدهاره. يا واعظ العصر، في الصحيح غُنْية، فلا تُعبّئ خطابك بالآثار الموضوعة والأساطير المنسوجة، فأمتنا أمة إسناد، وكم من حديث مكذوب سار به الناس دهرًا، يظنونه من حسن القول وجليلِه، فلبَّس عليهم في تصوراتهم، وضلّ به سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فهلّا تحريت الصحيح من السقيم وصُنْت الأسماع عن الخضوع لسكرة الولوغ في الحكايات الأسطورية؟ أيها الواعظ، كن بخطابك ناصرا للدين لا ناصرا عليه من حيث لا تدري، واعلم أن كلمتك للناس هدية وعطية، فانظر ماذا تهديهم، ودونك درّة عبد الوهاب عزام «ولن تخلد الكلمة على الأجيال، إلا إذا اتصلت بالحق والخير، وكان لها من قوانين الله في خلقه سند، ومن إلهامه لعباده مدد». كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 23 أكتوبر 2017, 6:29 am
بعض مظاهر العبث بالتصور الإسلامي
«أخْبِرني عن الإسلام»، لم يجد الصحابة في الرعيل الأول عناءً في استيعاب الرد على هذا المطلب، ولم تكن ثمة إجابات ضبابية تنغَلِق أمامها العقول في التعرف على الإسلام وتفاصيله، بل كانت تعريفات واضحة جليَّة تنسجم مع الفطرة السويّة والعقول السليمة، فيضع المسلمون على أساسها تصوُّرا واضحا مُوحَّدا عن الإسلام. وخلال قرون مضت، انشطرت وحدة الفكر الإسلامي، واضطربت منظومة التصورات لدى فِئات من الناس، وتمَّ العبث بهذه المنظومة، وأُدخل فيها ما ليس منها، واستجاب المسلمون لضغط التيارات الوافدة، التي حاولت جاهدةً إعادة تعريف الإسلام، وتقديم تفسيرات جديدة له، تتعارض جُملة وتفصيلا مع نسخته الصحيحة التي نزلت من السماء. أبرز مظاهر العبث في منظومة التصور الإسلامي، كانت اختزال المنهج إلى بعض الشعائر التعبُّدية والقيم الروحية، وترتَّب عليه استبعاد مجالات الحياة المختلفة عن مظلة الإسلام، فلا سياسة في الدين، والدين لا شأن له بالنظام الاقتصادي، والدين لا علاقة له بالأمور التي تقع خارج نطاق المسجد وهكذا. وليس ذلك فحسب، بل حُمّل الإسلام ـ رغم إقصائه- المسؤولية عن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع أن التاريخ يشهد على ذلك النموذج الحضاري الرائع الذي شيَّدهُ العرب في ظل الإسلام، عندما تمثَّلوه منهجا في حياتهم، رغم ما اعتَرى الحِقب المُختلفة من خلَلٍ في التطبيق، إلا أنه كانت هناك ثوابت تمسَّك بها المسلمون حفظت للدين شكله وجوهره. الإسلام دستور حياة، ومنهج شامل يحيا به الناس ويموتون عليه، يُصلحون به دنياهم وآخرتهم، وهذه الحقيقة هي التي يهضمها العقل، فليس من المعقول أن يكون هذا المنهج الذي خُلق من أجله الكون، مجرد مشاعر بشرية تجاه الخالق، وصيغٍ جمالية للتعامل مع المخلوق فحسب. طال العبث في التصور الإسلامي مصادر التلقي لدى المسلمين، حيث استجاب قطاع واسع منهم إلى الدعوات الهدَّامة التي تُحْدث شرخًا في هذا الجانب، وفرّقت بين الوحيين (الكتاب والسنة)، حيث انبَعث أشقى القوم لحصْرها في القرآن دون السنة النبوية، وما ذلك إلا لغاية خبيثة تتلخَّص في هدم هذا الدين، إذ أن السُّنة وحيٌ من الله كما القرآن، ومُكمِّلة له، ومُفَصِّلة لمُجْمَله، وشارحةٌ للخطوط العريضة التي وضعها الكتاب. ولو أن المسلمين استجابوا لهذه الدعوة، وقاموا بإقصاء السنة النبوية، لعاشوا بلا دين، فمعظم الأحكام والتشريعات جاءت بها السنة وليس القرآن. ومن أوجه هذا العبث، القبول بالتعدُّدِية في مفهوم الإسلام، وأعني بها: القبول بالتقسيمات التي ادَّعاها المستشرقون بأن الإسلام ليس شيئا واحدا، وأنه متنوع بتنوع أطياف شعوبه، فقالوا: إسلام شعبي، إسلام شيعي، إسلام سني، إسلام صوفي، إسلام قديم وجديد، إسلام معاصر… ترتَّب على هذه التقسيمات تسويغُ تنوُّع مصادر التلقي، التي فتحت الباب على مصراعيه للآراء الشخصية والافْتِئَات على الشارِع، فبعد أن كانت مصادر التلقي هي القرآن والسّنة والإجماع، أُقْحِمت مصادر جديدة كالكشف والإلهام والمنامات، وبعضهم ادّعى تحريف القرآن والحكم بعدم صلاحيته كمصدر. ومن مظاهر هذا العبث، الادّعاء بأن التشريع الإسلامي لا يتناسب مع متطلبات العصر وروح التقدم، وأنه كان مجرد حالة تاريخية لأُمَّة العرب، وفي ذلك التصور مُصادمة صريحة لنصوص القرآن: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا»، كما أن هذا الادّعاء يتطلّب أن تكون الأديان السابقة على الإسلام حالة تاريخية أيضا، فمِن ثمّ يترتب عليه القول بأن العالم سيحيا أبد الدهر من دون بوصلة تُحددها كلمة الله الخالق. ومن جهة أخرى، كان المنهج حاضرا يُوجِّه دفَّة الاندفاع الحضاري عبْر قرون طويلة، تقدمت خلالها عجلة التطور والصناعات والاختراعات، من دون أن يكون لهذه الدعوى مكان، فما الذي تغيّر في قرنٍ واحد من الزمان؟ ومن أوجه العبث بالتصور الإسلامي قضية الحكم، والخلط بين الحكم الإسلامي والحكم الثيوقراطي بهدف الثورة على النظام، الذي وضعه الإسلام ونبْذِه. فرْقٌ بين الحكم الثيوقراطي الذي يجعل البشر نائبين عن الله، ويمنح الحكام سلطة كهنوتية، ويفرض لهم الطاعة المطلقة، والإسلام الذي يتعامل مع الحاكم على أنه موظف لدى الشعب، يقوم الشعب بتعيينه ومراقبته ومحاسبته، وعزله أن توافرت الدواعي في ضوء المصالح والمفاسد. فرق بين الحكم الثيوقراطي الذي جعل الكنيسة في أوروبا تبِيع صكوك الغفران ومساحات الجنة، وتُصادر الأملاك والآراء باسم الرب، والحكم الإسلامي الذي يحرص ـ في شكله الأصلي- على إطلاق حريات الناس بضوابط التنزيل الإلهي، ويكفل الرأي والعلم والتطور، ويحفظ للناس كرامتهم. قضية الخلاف كانت كذلك هدفا للعبث، فبعض المنتسبين إلى الإسلام يُشغّب على المنهج، عن طريق إثارة القضايا الخلافية، ويلوح بها للتدليل على اضطراب المنهج الإسلامي. ولا تخلو هذه الدعوى من إفْك عظيم، يجد له مكانا في الأمة بسبب الجهل، فالإسلام دين له أصول وفروع، فأما الأصول فهي أصول الاعتقاد وأصول النظر والاستدلال، وهي التي يتفق عليها أهل سنة نبي الإسلام صل الله عليه وسلم، وهي مما لا يصح فيه الاختلاف. أما الفروع فهي تُطلق على فروع العقيدة التي يسوغ فيها الخلاف، مثل: هل رأى النبي ربه ليلة المعراج؟ واختلافهم في الموزون يوم القيامة هل هو العامل أم عمله أم صحائفه أم الجميع؟، ويدخل في الفروع المسائل الفقهية التي لم يأت بها نصٌّ قطعي الثبوت والدلالة، ولم يُجْمع عليها المسلمون. ولعَمْر الله إنها لمزية، لأن التشريع الإسلامي ليس جامدا، ويفتح الطريق أمام الاجتهادات في المسائل التي لن يضر الخلاف فيها بالعقيدة وأصول الدين، كما أن مِن شأن الخلاف الفقهي التوسعة على الناس بحسب الأحوال والأزمنة والأمكنة. إصلاح منظومة التصورات التي يترتب عليها إصلاح التفكير ثم السلوك، هـــــي أول واجبات الدعاة في هذا الوقت، الذي تَدَاعت فيه الأفكار الهدّامة على الأُمة كما تَداعى الأَكَلَة إلى قَصْعتها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 30 أكتوبر 2017, 7:50 am
الحل الإسلامي لأزمات الناس بين التأصيل والتحريف إحسان الفقيه Oct 30, 2017
كان اللصُّ قد لاذ بالفرار بعد أن طاردته الشرطة، ولم يجد مكانا يختبئ فيه سوى دار ذلك الشيخ ذي اللحية البيضاء والمسبحة، الذي انكبَّ على المصحف يتلو كلام الرحمن. يستجير اللصّ الذي ظلمَهُ المجتمع ونُخَبُه الفاسدة بذلك الشيخ الوقور، ويطلب منه المساعدة والنجدة، ويلتمس لديه الحل لأزمته، فما كان من الشيخ إلا أن قال له بابتسامة هادئة: «توضأ وصلِّ». يعاود اللص شكواه، فيقابلها الشيخ بالابتسامة ذاتها والرد نفسه: «توضأ وصلّ»، فما كان من اللص إلا أن تركه واستمر في طريق الهروب، بينما استأنف الشيخ تلاوة القرآن. كان ذلك مشهدا من فيلم «اللص والكلاب الذي أنتجته السينما المصرية في بداية الستينيات، عن قصة الكاتب الراحل نجيب محفوظ. لا يخلو هذا المشهد من ملامح المنهجية التي اتبعتها الدراما العربية في تقديم الشيخ أو الداعية في قوالب سلبية رديئة، فأظهره ذلك العمل الدرامي في صورة شيخ بعيد عن الواقع، يعجز عن تقديم حلول عملية للناس حوله، ولا يملك سوى أن يأمرهم بالعبادة، التي يراها ـ وحدها- كفيلة بالتغلب على أزماتهم. ولا شك أن هذا القالب المتكرر في الدراما العربية، قد أثّر بشكل كبير على ثقة الناس في الحل الإسلامي، لأنه تأصَّل في حِسِّ الكثيرين منهم، أن الشيخ أو الداعية يُعبّر عن الإسلام ويرمز إليه. وساعد على ذلك مسْلكُ بعض الدعاة والعلماء الذين لا يتطرقون إلى أزمات الناس إلا من جهة الأمر بتقوى الله والصبر والاكتفاء بذلك، فيُسْهم هذا الطرح في تعرُّض الإسلام لتشويه صورته الحقيقية، فيجد العلمانيون في ذلك بُغيتهم، وعلى أساسه يطرحون مشروعهم. وكالعادة نقول إنه لن يستقيم أمر يتعلق بالإسلام إلا بالرجوع إلى أصله، إلى عهد الرسالة، إلى سيرة النبي صل الله عليه وسلم، ففيها الإسلام في نسخته التي أنزله الله بها، كيف كان النبي المختار يُعالج مشاكل الناس الحياتية، هل كان يكتفي بالوعظ والوصية بالصبر والتقوى؟ لنتناول إحدى المشكلات التي تعرض لها النبي، صل الله عليه وسلم، في المجتمع المسلم، وهي مشكلة الفقر والبطالة. لقد استخدم في علاج تلك المشكلة، أساليب متنوعة، يتكامل فيها التوجيه النظري مع النموذج العملي، والربط بين صلاح الحال الدنيوي والثواب الأخروي، فمن جهة يحثُّ على الأكل من عمل اليد فيقول: (ما أكل أحد طعاما قط، خير من أن يأكل من عمل يده). ومن جهة ثانية يوجه إلى سُبل التكسّب ويفتح آفاقا للعمل، فيرشد مثلا إلى استصلاح الأراضي، فيقول: (من أحيا أرضا ميتة فهي له)، أو إلى التجارة فيقول: (لأن يأخذ أحدكم حَبْله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه). ومن جهة ثالثة، يقدّم مُعالجة عملية ذات مراحل تفصيلية، لمن جاءه يطلب الصدقة، فسأله عما يملك، فأخبره الرجل أنه ليس في بيته سوى كساء من الشعر وقدح غليظ للشرب، فأمر النبي أن يأتي بهما، وعرضهما للبيع، فباعهما بدرهمين، أعطى الأنصاري درهما لشراء طعام لبيته، واشترى بالآخر قدوما (آلة النجارة) وقال له اذهب فاحتطب، وأمره أن يأتيه بعد خمسة عشر يوما، فتربح الرجل عشرة دراهم. أما من عجز عن التكسب، فهنا يأتي دور التكافل الاجتماعي، حيث ندب النبي، صل الله عليه وسلم، المسلمين إلى الصدقة ومراعاة الفقير، وجعلها مسؤولية اجتماعية. كان هذا هو المنهج الإسلامي الأصيل في معالجة المشاكل والأزمات، ومنه استقى الصحابة ذات الكيفية، كما حدث مع عمر بن الخطاب، عندما جاءه شاب فتِيٌّ يسأل الحاضرين، فندب الفاروق أصحاب الأراضي والزراعات أن يستأجروا هذا الشاب، فأخذه أحدهم للعمل في أرضه، فعمل وتكسّب، ولم يكتف عمر بأن ينصحه بالصبر على الفقر. والإمام الشعبي من التابعين الذين وُلدوا في خلافة عمر، مرَّ بِإبلٍ قد فشا فيها الجرَب، فقال لصاحبها: أما تداوي إبلك؟ فقال: إنَّ لنا عجوزا نتّكل على دعائها. فقال الشعبي: إجعل مع دعائها شيئا من القطران. إذن، تقديم الحل العملي كان في صلب الخطاب الديني في الرعيل الأول، وليس الإسلام مسؤولا عن انحراف البعض في هذه المفاهيم، ولا عن النماذج التي أساءت للدين بِتَجاهل تقديم الحلول العملية المادية، إلى جانب الحل الإيماني المُتمثل في التقوى والطاعة، اللتين هما أساس حل المشكلات. ليتنا نردُّ الأمور إلى أصلها قبل أن نُحاسب المنهج الإسلامي، وليتنا نُفرّق بين المنهج الأصيل وانحرافات بعض المسلمين عن تطبيقه، فبدلاً من إحالة الناس إلى أطروحات أخرى بدعوى عدم صلاحية الإسلام للتعاطي مع واقع الناس، يكون الأولى ردّ المسألة إلى صورتها الحقيقية، من خلال النظر في واقع العهد النبوي والقرون المفضلة. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 06 نوفمبر 2017, 5:46 am
كنز أسامة بن لادن [1] «ذهب، ياقوت، مرجان، جواهر، أحمدك يا رب» كما هتف «علي بابا» عندما وجد الكنز في المغارة في تلك القصة المتداولة بتراث الشعوب العربية، ها هي دول وشخصيات ووسائل إعلام تهتف فرحًا بذلك الكنز الذي أفرجت عنه المخابرات الأمريكية، والمُتمثّل في مئات الآلاف من الوثائق والمُذكرات الشخصية التي خلّفها زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، وعُثر عليها في مقرّ إقامته في باكستان، الذي تعرض للهجوم الأمريكي. الإفراج عن هذه الوثائق والمذكرات في هذا التوقيت، يبدو لي أشبه بغزل أمريكي للمملكة السعودية، فبعد فترة «أوباما» التي شهدت تقاربًا أمريكيا إيرانيا على حساب السعودية والخليج، جاء ترامب (رجل المرحلة) ليعكس الأوضاع، ويتجه إلى توطيد العلاقات مع السعودية، والتوتير المُنضبط مع إيران، فتم الإفراج عن الوثائق التي أعتبرُها ( من وجهة نظري)، هدية أمريكية للسعودية يمكنها توظيفها ضد خصومها على النحو التالي: أولا: التوظيف ضد إيران التي كشفت الوسائل دعمها لتنظيم «القاعدة» الذي نفّذ عمليات تخريبية في الخليج، الأمر الذي يخدم السعودية وحلفاءها في تعبئة وتحشيد الشعوب العربية والإسلامية السنيّة ضد إيران، ويُحسن صورة المملكة في العالم الإسلامي السنّي باعتبارها المستهدف الأول للأطماع الإيرانية. ثانيا: حسم الجدل السابق حول الارتباط بين «القاعدة» وإيران، الذي يقضي على أي تعاطف مع التنظيم. ثالثا: التوظيف لصالح حصار قطر، ودعم اتهامها برعاية الإرهاب، استنادا إلى اهتمام زعيم «القاعدة» السابق بالجزيرة القطرية، وترحيبه بالربيع العربي والتقائه في ذلك مع الدوحة. على الرغم من احتواء الوثائق والمذكرات على جوانب مُتعددة، إلا أن أطرافا خليجية، ركزت فقط على الوثائق التي تستطيع توظيفها في تصفية حساباتها مع قطر وذراعها الإعلامي، وجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى إيران، مع توقعات بتوظيفها ولو بصورة غير مباشرة ضد حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) ، فكانت تلك الوثائق بمثابة كنز معرفي وثروة وثائقية لبعض دول الخليج. على سبيل المثال، وظّفت صحيفة «عكاظ» السعودية الوثائق للنيْل من جماعة الإخوان المسلمين واتهامها بصورة ضمنية بإنتاج وتفريخ الإرهاب، اعتمادا على ما كتبه أسامة بن لادن بخط يده عن انتمائه أولا للإخوان. عندما نعود إلى المُذكرات التي كتبها ابن لادن بخط يده، نراه يقول فيها نصّا: «من الناحية العلمية التزمتُ مع الإخوان ومناهجهم محدودة، قرأت السيرة، مرة واحدة في الأسبوع كان اللقاء، حجم التأثر بهم لم يكن كثيرا من الناحية العلمية». ويظهر من خلال عباراته أن ارتباطه بالإخوان كان علميا وليس منهجيا، كما يكشف عن عدم رضاه التام عن منهج الإخوان، لكنها تصفية الحسابات مع خصم أصبح العدو الأول بالنسبة لمعظم الدول الخليجية. وجدت الإمارات في تلك الوثائق بُغيتها، حيث جعلت منها دليلا يُعضّد اتهام قطر بدعم ورعاية الإرهاب، نظرا لاحتواء الوثائق على ما يُفيد متابعة زعيم «القاعدة» للجزيرة التي كان يُفضّل بثَّ كلماته من خلالها. التقط وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش ذلك الخيط (الذي ظنّه صيدا ثمينا)، فزعم وجود تقاطع مصالح بين «القاعدة» وقطر، وصفها بأنها أمر واضح ومُقلق، فيقول على تويتر: «أوراق أسامة بن لادن بخط يده تؤكد العديد من الافتراضات، فهو يدعم «الجزيرة» في تبنّي الثورات ويُعوّل على القرضاوي في ليبيا ويريد الفوضى للبحرين». ويضيف: «كراس بن لادن بخط يده مهم لمعرفة مواقف التطرف والإرهاب، وتقاطع المواقف مع توجهات الشقيق المرتبك واضح ومقلق، أزمة قطر هي عن التطرف والإرهاب». وتأتي صحيفة «الخليج» الإماراتية لتدعم وجهة نظر قرقاش، فتقول في الافتتاحية: «من المؤكد أننا سنشهد في الفترة المقبلة مزيدا من الوثائق تميط اللثام عن طبيعة علاقة طهران ومعها الدوحة، بتنظيمي «القاعدة»، و«داعش» اللذين يحملان راية الإرهاب في كل بقعة من العالم». لكن قرقاش – وإعلام بلاده – لم يلتفت أو يتطرق إلى علاقات بن لادن بإعلاميين غربيين ووسائل إعلام غربية لا «الجزيرة» وحدها، كشفت عنه تلك الوثائق، حيث جاء في الوثائق أن زعيم «القاعدة» التقى الصحافي البريطاني روبرت فيسك، وسكوت مراسل التايم الأمريكية، وغيرهما من رموز الإعلام والمؤسسات الإعلامية الشهيرة، فلماذا لم تُهاجم «التايم» والـ»سي إن إن» لعلاقتها الإعلامية بتنظيم «القاعدة»؟ لكنه أمر طبيعي أن يتم تجاهُل تلك العلاقات، لتصبح «الجزيرة» القطرية – التي دأبت على الانفراد والسعي للسبق الصحافي – في أعين الجماهير ذراعا إرهابيا لدولة إرهابية تدعم التطرف والإرهاب. ما يمكن توقُّعه واستشرافه، أن يتم توظيف ذلك الكشف في الهجوم على حركة حماس التي ألجأها الجحود العربي إلى التقارب مع إيران، وذلك عن طريق محاولة وضع حماس و«القاعدة» في سلة واحدة، فكما كشفت الوثائق أن إيران دعّمت جماعة مسلحة محسوبة على السنة لضرب المنطقة الخليجية، فيمكن تقبل فكرة استغلال إيران لحماس لتحقيق الأهداف نفسها، فقط مع التغذية الإعلامية المُستمرة للجماهير حول هذه المسألة، فتكون المحصلة النهائية: كل جماعة مسلحة مدعومة من قبل إيران فهي عدو إرهابي. ولا يخفى أن حماس لا يمكن وضعها في مقارنة مع «القاعدة»، نظرا لأن الحركة الفلسطينية لا تعمل خارج حدودها، وتمحورت حول القضية الفلسطينية وحدها، ومن ثم تنفتح على الآخرين بحسب استفادة القضية الفلسطينية منهم، أما «القاعدة» فهي تنظيم دولي لا حدود له، ولذلك يمكن استغلاله بصورة أو بأخرى لتحقيق أجندات إقليمية. الولايات المتحدة تُصدّر لنا أزمة جديدة من طرف خفيّ، تُصادف استعدادا مُسبقا لمزيد من النزاع، مزيد من الشقاق، مزيد من التشرذُم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 20 نوفمبر 2017, 11:00 am
محاربو أردوغان وجولات القوة الناعمة
من قلب قبيلة الكايي التركية خرج رئيس المحاربين تورغوت ألب، يرافقه بامسي المحارب الذي لا يقاتل إلا بسيفين، وانطلقا إلى تلك الأرض البعيدة من بلاد العرب، فاستقبلتهما وجوه كانت لرؤياهم بالأشواق، فكان لقاءً حميميًا تلاقت فيه أطراف الحضارة. إنها الجوْلة التي قام بها أردوغان مؤخرًا إلى قطر، مصطحبا معه رمزين من أبطال مسلسل «قيامة أرطغرل»، الذي يُعد – دون مبالغة – بمثابة زلزال درامي اهتز له الوطن العربي بأسره، وأصبح حديث الجماهير العربية التي وجدت ما تنشُده في ذلك العمل الكبير الذي دخل موسمه الرابع منذ أسابيع قليلة. ربما كان اصطحاب أردوغان للبطلين اللذين يُجسّدان شخصيات مُقاتِلة من قبيلة الكايي، يحمل دلالة رمزية على إصرار تركيا على دعمها العسكري لقطر، تتوافق هذه الرمزية مع ما أكّد عليه الرئيس التركي بالفعل من دعم بلاده لقطر عسكريا، قد يرى البعض أن الفكرة لا تُجاوز خيالي، لكن على كل حال هناك اهتمام غير عادي من القيادة التركية بهذا المسلسل وأبطاله. يظهر هذا الاهتمام في الزيارات المتكررة من قِبَل الشخصيات البارزة لمواقع التصوير، مثل: أردوغان وقرينته، وكذلك رئيس الوزراء السابق داود أوغلو، وبكر بوزداغ نائب رئيس الوزراء الحالي، وغيرهم. كما يتبدّى ذلك الاهتمام في تكرار الظهور لأبطال المسلسل في المناسبات والاحتفالات الرسمية المختلفة داخل تركيا، حيث أصبحت المشاهد التي تضمّ أردوغان وأبطال المسلسل شيئا اعتادت عليه أعين المتابعين، حتى أن الرئيس التركي كان شاهدا على زواج الفنانة إسراء بيلغيتش، التي جسّدت في المسلسل شخصية السلطانة حليمة زوجة أرطغرل. السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا كل هذا الاهتمام من القيادة التركية بهذا المسلسل وأبطاله على هذا النحو؟ لماذا يتم تصدير وجوه أبطال المسلسل في الزيارات الخارجية؟ ابتداء، لو عدنا إلى الوراء في الحقل الدرامي، سندرك أن وظيفة الفنان أو الممثل كانت أصدق ما توصف به أنها وظيفة لتسلية الناس، بل كانت في بدايتها في بعض الدول العربية مِهنة مَشِينة، لدرجة أن عائلات بعض الفنانين تبرأوا منهم لدخولهم عالم التمثيل. مع تنامي تأثير الدراما في شعوب العالم بفعل مجموعة عوامل – ليس هنا مجال ذكرها – تغيّر شأن الممثل، حتى غدَتْ وجهة نظرِه في الأحداث الجارية على مختلف الأصعدة، تَحْظى بمتابعة جماهيرية كبيرة، وصار عضوا مشاركا في رسم الصورة الذهنية عن بلاده لدى المجتمعات الأخرى، وأصبح مِن الممثلين من يتم اختيارهم كسفراء للنوايا الحسنة، إلى جانب إسهام بعضهم في الأعمال الإغاثية على مستويات دولية. ما يفعله أردوغان هو استغلال وتوظيف الدراما الهادفة باعتبارها إحدى الأدوات العصرية للقوة الناعمة، التي تحقق الأهداف والرغبات بالوسائل الحضارية بعيدا عن الإرغام، وتجتذب الأطراف المَعْنية إلى المسار الذي يخدم مصالح الدولة التركية. يرعى أردوغان خطًا لإنتاج الدراما الهادفة التي تركز على التاريخ العثماني لربط الشعب التركي بتراثه، وذلك بعد عقود من إطفاء الكماليين لجذوة ذلك التراث وفصل الشعب التركي عن ماضيه الذي يُعد حلقة مهمة في التاريخ الإسلامي. فأردوغان يسعى جاهدًا لمواجهة الدراما التي تشوه تاريخ الأتراك – والتي تنسجم مع الشكل الذي رسمه أتاتورك لحياة ذلك الشعب – بتيار آخر محافظ، وعلى هذا الطريق يحاول الرئيس التركي احتضان العديد من الفنانين، والزجِّ بهم في ذلك التيار المحافظ. ومن يتابع أنجين آلتان دوزياتان بطل مسلسل أرطغرل، يدرك أنه بعيد عن أي توجّه ديني، بل إنه لا يُخفي إعجابه بمصطفى كمال أتاتورك، ومع ذلك أصبح عنصرا مهما في دراما التيار المحافظ، واستطاع أن ينسجم مع الاتجاهات الرسمية للدولة في توظيف ذلك الخط كقوة ناعمة، وقدّم عرضا شهيرا في مؤتمر الطاقة أمام الرئيس الروسي بوتين. استطاع ذلك النمط من الإنتاج الفني التأثير وبقوة في الشعوب العربية والإسلامية بصورة غير مسبوقة، وقد تناولتُ في مقالة على «القدس العربي» منذ ستة أشهر مظاهر ودلالات التفاعل العربي مع ذلك العمل الدرامي الهادف (قيامة أرطغرل)، ذلك التفاعل وصل إلى حد تغيير خريطة المسلسل، حيث اضطر القائمون عليه إلى عدم إنهائه كما كان مقررًا له بنهاية الجزء الثالث، بل تم تغيير النهاية بما يضع الجمهور أمام موسم رابع، ظلت الجماهير العربية المتابعة في شغف لا يخمد إلى موعد انطلاقه. ولئن كان مسلسل أرطغرل يحظى باهتمام بالغ من الحكومة التركية، إلا أن هناك العديد من الأعمال التاريخية الهادفة الأخرى، التي تندرج تحت النمط ذاته، أبرزها: فلينتا- السلطان عبد الحميد، فيما يجري التحضير لعرض مسلسل «الفاتح». هذه الأعمال التاريخية، أسهمت بشكل كبير في تعريف الجمهور العربي بالثقافات والعادات التركية الأصيلة، ووجهته إلى الاهتمام بالتراث العثماني، وهو ما يتناغم مع التوجهات التركية الجديدة الرامية إلى الانفتاح على العالم العربي الإسلامي. الفرق بين أردوغان وغيره في استغلال هذه القوة الناعمة، أنه يعمل على ذلك بصورة انتقائية تتوافق مع توجهاته الإصلاحية والنهضوية، فيركز على أن يحيط نفسه بمجموعة تنتظم في خدمة الوطن عبر الأعمال الهادفة، ويرى المتابع بغير عناء، أنه ينفث فيهم روح الوطنية، ويشعرهم بأهمية ما يقدمون من أعمال للنهوض بالمواطن التركي. وفي المقابل، هناك من يسعى للتقليد بهدف الدعاية السياسية، فيصطحب معه في أسفاره بعضا من أهل الفن المؤيدين له في قراراته، الذين دأبوا على تقديم أعمال هابطة، على المستويين الأخلاقي والقيمي، فكيف سيوظِّف هذه الأداة كقوة ناعمة؟ وما الهدف من تقديم هذه النماذج وتصديرها في الزيارات الخارجية لمجرد شهرتهم؟ وهل يسعى للتأثير في الشعوب الأخرى من خلال دراما رخيصة لا تهدف إلا للربح؟ لم أعُد أُحصي كم مرة كتبتُ عن هذا المسلسل، ففي كل مرة أجد نفسي أمام زاوية جديدة تستدعي التطرق إليها، فهذا المسلسل ليس مجرد عمل فني، بل نشاط سياسي تركي، يربط بين الأتراك وتراثهم من ناحية، وبين الأتراك والوطن العربي الإسلامي من ناحية أخرى، كمجالٍ حيوي لدولة تركيا. ربما اتَّهمني البعض بالمبالغة والتضخيم، لكن هذه هي قناعاتي التي تجعلني أقول: إن كل شيء في تركيا يتطور بالفعل.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الأحد 26 نوفمبر 2017, 6:03 am
[size=30]التصعيد السعودي الإيراني إلى أين؟[/size]
احسان الفقيه
«إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم»، لم يمر سوى عام واحد على انطلاق الثورة الإيرانية 1979 حتى أدلى الخميني بذلك التصريح الذي أثار توتر دول الجوار، وخاصة السعودية، تفاقَمَ مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي في1981 كخطوة توافقية تنسيقية على طريق الوحدة الخليجية، حلقة بارزة في تاريخ التصعيد الخليجي السعودي في مواجهة الخطر الإيراني، الذي باتت معالمه واضحة من أنه مشروع قومي مُحمّل على رأس طائفي، يستهدف التوسع في المنطقة عبر جغرافية متصلة، تبدأ من طهران، مرورا ببغداد وسوريا، ثم إلى لبنان، ووصولا إلى السيطرة على اليمن ومضيق باب المندب، إلى أن تجد دول الخليج وعلى رأسها السعودية نفسها وجهًا لوجه أمام الخطر الإيراني. شهدت السنوات الأولى للثورة الإيرانية بقيادة مرشدها الأول الخميني، العديد من مظاهر التوتر والتصعيد ضد السعودية، يأتي على رأسها تفجير الأزمات في مواسم الحج عن طريق الحجاج الإيرانيين، ومن ذلك أحداث 1987 عندما تحول أحد الطقوس الشيعية في الحج المعروف بـ «مظاهرة البراءة من الشرك»، إلى مواجهات دامية ومحاولة لاقتحام الحرم، تمّ خلالها حرْق سيارات ومبانٍ، ما أدى إلى إصابة العديد من الحُجاج. وعقب هذه الأحداث مباشرة، قامت مجموعة كبيرة من الإيرانيين باقتحام مقر السفارة السعودية في طهران، واحتجزوا دبلوماسيين سعوديين داخلها، وتم الاعتداء عليهم، بينهم القنصل السعودي رضا عبد المحسن النزهة، بينما توفي الدبلوماسي السعودي مساعد الغامدي، بعد نقله إلى بلاده متأثرا بإصابته، ترتب على ذلك قطع العلاقات السعودية مع إيران حتى عام 1991. في أعقاب الغزو العراقي للكويت عام 1990، سادت حالة من الهدوء بين البلدين، تزامنت مع وجود علي خامنئي على رأس السلطة كمرشد أعلى، وأكبر هاشمي رفسنجاني كرئيس للجمهورية، حيث شهدت تلك الفترة تحوّلا في المسار الثوري الإيراني من خلال فرض المشروع عبر أجندات ثقافية وتبشيرية واجتماعية واقتصادية بعيدا عن الصِدام. وأخذت العلاقات بين السعودية وإيران في التحسن بشكل عام منذ عام 1997، بعد فوز محمد خاتمي برئاسة الجمهورية الإيرانية، والذي كان يتبنى سياسة نزع التوترات، لم تلبث أن تلبّستْ بمخاوف سعودية عام 2003، بعدما وكلت واشنطن إلى جماعات موالية لإيران إدارة العراق، تحوّلت إلى توتر في العلاقات عقب صعود تيار المحافظين بعد فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية 2005. وشهد عام 2007 تدخلات إيرانية صارخة في المشهد العراقي، زادت من تأزم العلاقات بين طهران والرياض، ونشطت التحركات الإيرانية في المنطقة عبر الأقليات والجماعات الموالية لها في دول المنطقة. كان لهذا التدخل الإيراني في شؤون المنطقة أثره في اندلاع مظاهرات بحرينية في 2011، أسفرت عن تدخل سعودي مباشر على رأس قوات درع الجزيرة التي أنشأها مجلس التعاون الخليجي، للسيطرة على الأوضاع في البحرين لصالح النظام الحاكم. «عملية التحالف الأحمر» كان الاسم الذي أطلقه مكتب التحقيقات الفيدرالي بالولايات المتحدة الأمريكية على محاولة إيرانية في أكتوبر2001، لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير- يتولى حاليا منصب وزير الخارجية – كانت إحدى صور التصعيد الإيراني ضد السعودية. ازدادت حدة التوتر بين السعودية وإيران بعد اندلاع ثورات الربيع العربي التي أعادت صياغة الاستقطابات الإقليمية، والتي أنتجت محورا عربيا إسلاميا بقيادة السعودية يضم دول التعاون الخليجي ودولا عربية وإسلامية أخرى، ومحورا آخر إيرانيا يضم أذرعا إقليمية مرتبطة بالمركز (إيران) عبر نظرية الولي الفقيه التي صاغها الخميني. وفي الوقت الذي ربحت إيران في ميدان العراق على حساب السعودية التي سعت إلى احتواء النفوذ الإيراني فيه من خلال ورقة الاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية، خاض الجانبان جولة أخرى من الصراع في سوريا، حيث دعّمت إيران نظام الأسد الموالي لها، في حين وقفت السعودية إلى جانب بعض القوى الثورية المناوئة للنظام. وشهدت ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتجاها للمواءمة مع إيران بلغت ذروتها في اتفاقية النووي الإيراني مع دول 5+1، والتي جاءت على حساب الأمن الخليجي، ما فجّر مخاوف سعودية من النفوذ الإيراني، وخاصة في اليمن، والتي سبق وأن وجهت المملكة بهذا الصدد اتهامها لطهران عام 2014 بتقديم الدعم الشامل لجماعة الحوثيين في اليمن، والتي قامت بالسيطرة على صنعاء ومقر الحكومة والعديد من المقرات الاستراتيجية، نتج عنه تصعيد سعودي بقيادة عشر دول عربية لخوض العمليات العسكرية المعروفة باسم «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في 26 آذار/مارس عام 2015، دعما للشرعية وحفاظا على الأمن القومي الخليجي وفق الرؤية السعودية. في العام نفسه، تصاعد خطاب التهديد الإيراني إلى أعلى مستوياته، بعد مقتل حجاج إيرانيين في حادثة تدافع منى، وقامت إيران بتحميل السعودية المسؤولية عن الحادث، وطالبتها بتقديم اعتذار رسمي لطهران. لم يسبق أن بلغ حد التصعيد والتوتر بين السعودية وإيران كما بلغ هذا العام، جرف في مساره شؤون البيت الخليجي بعد أن حاصرت السعودية والإمارات والبحرين (إلى جانب مصر) دولة قطر بعد رشقها بحزم من الاتهامات من بينها تأييد إيران في مواجهة الخليج، وهو ما تنفيه الدوحة. صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون باتجاه مطار الملك خالد بالرياض تصدت له الدفاعات الأرضية السعودية – قيل أنه يحمل توقيعا إيرانيا – أثار موجة عاتية من التصعيد، حيث اعتبرته السعودية عدوانا عسكريا إيرانيا مباشرا، أتبعه إصدار التحالف العربي في اليمن بيانًا توعد فيه بالرد عبْر سلسلة من الإجراءات التي تحمل تهديدا لإيران، قابلته الأخيرة بتصريح من خلال رئيسها يحذر من عواقب أي تصعيد سعودي، داعيا المملكة إلى الحذر من قوة ومكانة إيران. تزامن الحدث مع إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من قلب الرياض، اعتبرته إيران تصعيدا سعوديا جديدا يستهدف إعادة تشكيل الأوضاع اللبنانية التي يتصدر المشهد فيها حزب الله اللبناني الموالي لإيران. حزب الله كان ولا يزال متموضعا في الصراع بين السعودية وإيران، حيث تعتبره المملكة ذراعا إيرانيا في لبنان، قام بمساندة النظام السوري في القتال الدائر في سوريا، ودعّم جماعة الحوثيين في اليمن، وعلى إثر ذلك حصلت المملكة على ما يشبه إجماع عربي على اعتبار الحزب منظمة إرهابية وذلك في اجتماع وزراء الخارجية العرب بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة 19 تشرين الثاني/نوفمبر، بناء على طلب السعودية، ضد ما قالوا أنه انتهاكات إيرانية بحق الدول العربية. لا يمكن النظر إلى التصعيد السعودي الحالي ضد إيران بمعزل عن الموقف الأمريكي من الصراع السعودي الإيراني في حقبة سيطرة الجمهوريين برئاسة ترامب، والذي يتجه إلى تقويض العلاقات مع إيران وضرب اتفاقية النووي مع تقارب أكثر باتجاه الخليج، ما شجع المملكة على اقتناص الفرصة والتصعيد ضد طهران. فهل باتت المواجهة بين الجبهتين وشيكة؟ من المستبعد في الوقت الراهن اندلاع مواجهات مباشرة بين السعودية وإيران، فأما السعودية فقد أُرهِقت ماليا في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، وهي كما يبدو حرب لا نهاية قريبة تلوح في أفقها، إضافة إلى الشأن الداخلي المُرتبك بعد حُزم القرارات الأمنية والاقتصادية التي اتخذها ولي العهد السعودي، والتي اختُلف في توصيفها ما بين التهور والجرأة. كما أن السعودية تعمل حسابا للقوة الصاروخية الإيرانية، وحسابا آخر لورقة الأقليات والتجمعات الشيعية التي تحركها إيران داخل وخارج المملكة. وأما إيران، فإنها لم تتعافَ بعْدُ من الآثار الاقتصادية الطاحنة لحرب الخليج الأولى، ومن العقوبات الاقتصادية المتعاقبة التي فُرضت عليها منذ عام 2006، وهي كذلك تأخذ في حساباتها على محمَل الجد أنها لن تكون في مواجهة السعودية وحدها، والتي يتوقع أن تساندها العديد من الدول العربية والخليجية، إضافة إلى تخوّف إيران من التسليح السعودي عالي المستوى الذي كلّف المملكة مئات المليارات. أغلب الظن أن مسار التصعيد السعودي ضد إيران، سوف يقف عند حد سعي المملكة لنيل أكبر قدر ممكن من التأييد الدولي والعربي لاحتفاظها بحق الرد على طهران، بما يعني رغبة السعودية في التحرك ضد إيران تحت غطاء قانوني دولي، لخلق دافع دولي في توقيع عقوبات جديدة على إيران يحدّ من نفوذها وتهديداتها، تتمكن من خلاله السعودية وحلفاؤها من تقليم أظافر الأذرع الإيرانية في المنطقة، وهو ما بدأت المملكة بالفعل في الشروع بتنفيذه، متمثلا في سعيها لتقويض قوة حزب الله اللبناني، والذي لا يستبعد أن تقوم السعودية بتوجيه ضربات بالوكالة إلى قواته المتمركزة في لبنان.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 04 ديسمبر 2017, 8:37 am
إفْعلها يا سيد البيت الأبيض فقومنا في شُغل عظيم إحسان الفقيه Dec 04, 2017
في الوقت الذي حبَس العربُ أنفاسهم انتظارا لما ستُسفر عنه قرعة كأس العالم روسيا 2018، كانت وكالات أنباءٍ عالمية تنقل عن مسؤولين أمريكيين، أن ترامب سوف يُعلن قريبا أن القدس عاصمة لدولة الاحتلال، تمهيدا لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس. وسواءً أعلنها ترامب في الأيام القليلة المُقبلة، أو كان الأمر مجرد تهيئة للنفوس لإعلان قبلة المسلمين الأولى كعاصمة لدولة الاحتلال، فإن الرجل سوف يَفِي لا محالة بوعده الذي قطعه إبان الحملة الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس، وقد صرح في أكثر من مناسبة بأن المسألة تتعلق فقط بالتوقيت، ويزيد من تلك الاحتمالات تعرُّضه لضغوط مُتجددة من قبل الحزب الجمهوري والمسيحيين الإنجيليين، كما عبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت». لكن المتغافلين من القوم لن يتعلموا الدرس، ولن يُقرّوا بأن ترامب ليس طرفا نزيها في المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية، وسوف يستمرون في سياسة الانبطاح والاستخذاء والرضى بالابتزاز. أين العرب من تلك الأحداث؟ ربما دخلوا في موت إكلينيكي، وعما قريب ستجيب الأحداث عن سؤال نزار قباني «متى يُعلنون وفاة العرب»، ذاك الذي صدق شعره في قومنا: أنا منذ خمسين عاما أراقب حال العرب وهم يرعدون، ولا يُمطرون. وهم يدخلون الحروب، ولا يخرجون. وهم يعلِكون جلود البلاغة عَلْكا ولا يهضمون. وماذا لو أعلن ترامب نقل العاصمة إلى القدس وضرب القضية الفلسطينية في العمق؟ ما الذي يمكن أن يُقدّمه العرب في ظل حالات الهزال والكساح التي أصابتهم؟ سنكون متفائلين إذا قلنا بأن ردة الفعل لن تجاوز قمة عربية أو إسلامية تُدين إجراءات ترامب. عندما قام الصهاينة بحرْق المسجد الأقصى عام 1969، قالت رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير: «لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا أفواجًا من كل حدَب وصوْب، لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء، أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة». تمت الجريمة في وقت كان فيه حكام العرب يُظهرون أو يتظاهرون بأن فلسطين هي قضيتهم المركزية، ويتنافسون في ما بينهم في رفع شعارات زائفة لنصرة القضية الفلسطينية، كجرْعاتٍ مخدرةٍ إضافيةٍ يحقِنون بها شعوبهم. أَمَا وقد أصبحوا لا حاجة بهم للأقنعة والمُبررات، وسبَحوا مع تيار التطبيع، فإن السياق يقول لسيد البيت الأبيض: تفضل، إفعلها مُطمئنًا. قومنا ارتعدت فرائصهم لعنتريات ترامب منذ البداية، وآثروا الاحتماء منه به، واسترضَوْه بمئات المليارات التي حملها إلى بلاده وهو ينفجر ضحكًا من السخرية بالعرب. لم تعد فلسطين هي قضيتهم الأم، وانسحب ذلك على الشعوب فانطفأت الجذوة في مُعظمها، وتم تهميش حلم التحرير، وإنك لتلحَظ في قراراتهم وتصريحاتهم أنهم كادوا أن يقولوها علانية: «فلسطين شأن خاص بالفلسطينيين وحدهم» إنهم عنها لفي شُغُل عظيم. انشغلوا عن تحرير فلسطين بالتفكير الجدّي في حلول بديلة، فتارة يروجون للخيار الأردني، الذي يقضي بتوطين الفلسطينيين في الأردن، ومن جهة أخرى يتعاظم القول بأن سيناء يتم تفريغها من أجل «صفقة القرن» التي تقضي بإقامة وطن للفلسطينيين في غزة وسيناء، ابتغاء تصفيةٍ نهائية للقضية الفلسطينية. انشغلوا بإلهاء الشعوب عن القضية الفلسطينية بملف الصراع مع إيران، وإبرازها على أنها العدو الأوحد، الذي ينبغي الاصطفاف لمواجهته، وكأنهم لم يتبيّنوا خطورة المد الإيراني سوى الآن. ولطالما كتبتُ عن خطر المشروع الإيراني الفارسي، وما زلت على قناعة راسخة بأن إيران لها مشروع قومي مُحمّل على رأس طائفي يسعى لابتلاع المنطقة، إلا أن مواجهة ذلك الخطر ينبغي أن لا يصرفنا عن العدو الصهيوني الذي تتضافر من أجل إنجاحه جهودُ أطرافٍ دولية وإقليمية. انشغلوا بكيفة إدراج حركة المقاومة الإسلامية حماس على قوائم الإرهاب، وتنكّروا لها، ودفعوها باتجاه التقارب مع إيران، ثم يحاسبوها على ذلك التقارب، يحدث ذلك في الوقت الذي تخْفِق فيه رايات التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى انبعث أشقى القوم يدافع عن الاحتلال على حساب إخوانه الفلسطينيين. انشغلوا بحصار قطر، والتجييش ضدها باعتبارها سبب كوارث الأمة، وصنّفوا المنطقة إلى معسكرين حول ذلك المحور، متبعين مبدأ بوش الابن (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، بينما تنعدم لديهم أي إشارة للإرهاب الصهيوني. انشغلوا بمصطلح الإرهاب الفضفاض، وكيفية طرح هذا التهمة فوق رأس كل معارض ومخالف، فاتّسع المفهوم في حس الكثيرين، حتى صار يشمل الأمة بأسرها. انشغلوا بتأمين العروش عن طريق ممارسة الاستبداد والبطش والاعتقالات العشوائية والمُمنهجة، وقمع الحريات وتكميم الأفواه. إنهم في غفلة يعمهون، كما قال الكواكبي: يقتضي لإيقاظهم الآن بعد أن ناموا أجيالا طويلة، أن يسقيهم النطاسي (الطبيب) البارع مرّاً من الزواجر والقوارس علَّهم يفيقون، وإلا فهم لا يفيقون، حتى يأتي القضاء من السماء: فتبرق السيوف، وترعد المدافع وتمطر البنادق، فحينئذٍ يصحون، ولكن صحوة الموت! لذلك أعيد ما قلت، سياق الأحداث وخريطة الأوضاع السياسية، تسمح لترامب بتوجيه هذه الطعنة لقلب القضية الفلسطينية، بل تسمح بأكثر من ذلك، فظَنِّي أنه لو صبّحتْنا وسائل الإعلام بنبأ هدم الأقصى، لَمَا خرج المشهد عن استنكار رسمي من الحكومات، وتظاهرات غاضبة للشعوب المقهورة، تقمعها الأنظمة. لقد عودونا على هذه الفرقعات التي تُميت فينا الحذر، وتقتل فينا استعظام الهول، يُذكّرنا بما جاء في بعض كتب التراث من أمر دهاء الثعلب، حيث أتى إلى جزيرة فيها طير فاعمل الحيلة وجاء بضغث من حشيش وألقاه في مجرى الماء نحو الطير، ففزعت منه، فلما عرفت أنه حشيش رجعت إلى أماكنها، فعاد لذلك مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتى تواظب الطير على ذلك وتألفَه، فعمد إلى جرزة أكبر من ذلك فدخل فيها، وعبَر إلى الطير. فلم تشُك الطير في أنه من جنس ما قبله، فلم تنفر منه فوثب الثعلب على طائر منها وعدا به. ليست نظرة تشاؤمية لأوضاع القضية الفلسطينية، بقدر ما هو تأكيد على حقيقة باتت واضحة، أن على الفلسطينيين عدم التعويل على غيرهم في حل القضية، فالشعوب مُغيّبة مغلوبة على أمرها، وحكامها خلَصُوا إلى حتمية التعايش السلمي مع الاحتلال ولو على حساب فلسطين، وودّوا لو أن هذه البقعة ابتلعتها الأرض وأراحتهم من عناء الإحراج. وفي سبيل ذلك يلزم أن تكون هناك مُصالحة فلسطينية حقيقية، تتفق على خيار المقاومة بشكل أو بآخر، فهي الضامن الوحيد لسير المفاوضات بشكل يخدم الفلسطينيين. هي بلا شك أمنيات لن يترجمها سوى أهل فلسطين وحدهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 18 ديسمبر 2017, 6:17 am
[size=30]لسْتَ في أرض العرب[/size]
إحسان الفقيه
«من فضلكم، هذا الأمر يجب أن يتوقف، ولا بد أن نحترم مشاعر المسلمين تجاه مُقدساتهم، المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين أمر مقدس جدا، فمن المهم ألا نستدعي موضوعات وتجاوزات وإجراءات تستفز المسلمين». كلمة إنصاف بحق القدس والمسلمين، ولمسة إنسانية رائعة، حملتْ توقيع وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان. ماذا لو حذفنا توقيع وزير الدفاع الإسرائيلي، ووضعنا مكانه توقيع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الذي هو صاحبها الحقيقي؟ أعد قراءتها من جديد لتدرك قيمة القدس لدى حكام العرب، وأنّ قُصارَى ما يقدمونه كلمة استجداء للكيان المُحتل، لكي يترفّق بالمسلمين ولا يجرح مشاعرهم تجاه المقدسات، ولا عجب، فنخوة العروبة تحت الرُّكام، ولم يعُد للقوم من ميراث العرب سوى النسب. فأنت أيها الكريم، في مكان آخر ولستَ في أرض العرب. دخلتْ قضية القدس في هذا المُعترك الأخير، ولكن إيّاك أن تفْغُر فاكَ، فإذا كنتَ في مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم، ثم صعد الإمام المنبر وعلى مقربةٍ منه مثوى النبي الكريم، وفاجأك بخُطبةٍ عن تعاقُب فصول السنة، في الوقت الذي يُباع فيه مَسْرى رسول الله في سوق النِّخَاسة، وأبناء القدس يواجهون رصاصات الاحتلال بصدور عارية، فاعلم أنك لستَ في أرض العرب. إذا كنت ممن أثلَجَتْ صدورَهم القمةُ الإسلامية الأمريكية بالرياض، بحضور 37 من قادة الدول العربية والإسلامية، وخمسة رؤساء حكومات وأولياء عهود، فلا تكترث لحضور 16 رئيسا – فقط – القمة الإسلامية الأخيرة في اسطنبول التي انعقدت من أجل القدس، قالها أحد المغردين: «حضروا لإيفانكا ولم يحضروا للقدس» وصدَقَ الرجل، فإن الأولوية لدى القادة أصبحت ترسيخ العلاقات مع الكيان الصهيوني. لا تبتئس يا ابن الدين، فلست في أرض العرب. «إدفع ريالا تنقذ عربيا» الله الله، ما أجمله من عنوان لحملة التبرعات التي أُطلقت في السعودية بدعم رسمي نصرة للقدس والفلسطينيين، لا ليست في هذه الآونة وإنما حدث ذلك عام 1968، فتلك هي السعودية التي ناضل أبناؤها في حرب 48 في فلسطين ضد الصهاينة. تسألني ماذا عن الوضع الحالي؟ لا فرق يُذكر غير أن المملكة تُصنّف حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس كجماعة إرهابية، وينشط إعلاميوها ضد الفلسطينيين، ويحْفِدون باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا تكاد تلحظ في صُحفها انتقادات للانتهاكات الإسرائيلية. لا عليك، لا تحزن، فلستَ في أرض العرب ولا أنصحك بقراءة مقال على صحيفة إيلاف بعنوان «حماس ثلاثون عاما»، هو مقال مشترك كتبه الكردي العراقي مهدي مجيد عبد الله، ومعه ذلك الرجل الذي يظهر كثيرا على الفضائيات مرتديا عويناته، ويضع قبعته العسكرية على كتفه، وعلى صدره علم الكيان الإسرائيلي، نعم إنه المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي. بالتأكيد المقال لا يناصر القضية الفلسطينية أو القدس الشريف، فقط هو يسلط الضوء على الحركة الفلسطينية (الإرهابية) حماس التي «منذ نشأتها لم تُرَاعِ مصالح الفلسطينيين، وكانت بندقية إيرانية، وأنها ليست خطرا على إسرائيل فحسب، بل على كل دول الجوار أيضا» بحسب ما قاله الضيف الكريم على الصحيفة السعودية ابن العم والدم السيد أدرعي، أعْلَى الله كعْبَه وبيّض وجهه هو وشريكه في المقال والقائمين على الصحيفة وكل مؤيديها، على طريقة فتى الحجّاج بن يوسف الثقفي. ألم أقل لك يا صديقي أنك لستَ في أرض العرب؟ دعك من الحُكّام والمؤسسات، وعرِّج على الشعوب، وانظر إلى الحشود التي خرجت في جميع أنحاء الوطن الإسلامي والعربي تُندد بقرار ترامب، وتغضب من أجل القدس، وانظر إلى حجم تفاعل الجماهير العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ستدرك أن الأمة لا تزال بخير، وأن الأقصى لا يزال في القلب. ولكن بالله عليك، لا تفقد الأمل إذا رأيت في خِضمِّ هذه الأحداث ترَاشُقَ الأشقاء في وصْلات من الردْح لا تنتهي. كلٌ منهم – إلا من رحم الله – يُعيّر الآخر بأن بلاده خذلت القضية الفلسطينية معايرة على طريقة (لستُ وحدي من فعل). لا عليك من بذاءة القول، فلست في أرض العرب. «أدعو السعودية إلى إنهاء الحرب في اليمن والبحرين وسوريا فورا، وتوجيه التحالف الإسلامي الذي تقوده نحو القدس لتحريرها، وإلا فإنه الذل والعار لنا ولها إذا لم تقُم بذلك»، بهذه العبارة ردّ زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، على غطرسة ترامب، نعم يدعو التحالف الإسلامي للتوجه نحو القدس، وحقٌ والله ما قال وواجب، لكن لا أدري هل كان قاسم سليماني وحشده وفيلق القدس في إجازة موسمية إلى أحد كواكب المجموعة؟ لماذا لم يتفضّل الصدر بدعوة سليماني لسحب قواته من العراق وسوريا والتوجه بها نحو القدس؟ وبالمناسبة فيلق القدس له أنشطة في عدد كبير من الدول العربية عدا فلسطين. دعك من ثرثرتي، فلست في أرض العرب. غير أني لا أضمن لك ألا تبكي من فرط الضحك، وأنت تنصت إلى قائد فذّ من محور المقاومة وهو يرد على قرار ترامب المُتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، ونقْل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، نعم إنه الرجل ذو العمامة السوداء صاحب لُثغة الراء، الذي طالما علّقت الشعوب صوره باعتباره مناضل الأمة ضد الصهاينة في حرب 2006، حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، الذي لم يتردد في إرسال قواته إلى سوريا دفاعا عن نظام الأسد، ودعم الحوثيين في اليمن، ها هو يفجر مفاجأة مدويَة ردا على قرار ترامب. فقد أعلن أن محور المقاومة سيُعطي الأولوية لقضية القدس، ودعا إلى أن يكون هذا القرار الأمريكي الأحمق الغاشم بداية النهاية لهذا الكيان الغاصب على…. لا ليس على أرض المعارك، إنما يقول: على مواقع التواصل الاجتماعي، نعم سيعيد القدس بالهاشتاغ والتغريدات واللايكات. لا تستغرق في الضحك، فلست في أرض العرب. صلاح الدين حمَل همّ القدس طيلة عمره، فقال عنه القاضي شداد بعد موته: «وكان يوماً لم يُصَبْ الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين، وغشى القلعةَ والبلد والدنيا من الوحشة ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وبالله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فداءه بنفوسهم، وما سمعت هذا الحديث إلا على ضرب من التجوّز والترخّص إلا في ذلك اليوم، فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قُبِل الفداء لفُدِيَ بالنفس». فماذا سوف يكتب التاريخ عنا والقدس؟ فهل ما نعيشه اليوم هو كابوس مزعج؟ أم أن هذه الأرض ليست أرضا للعرب؟
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه السبت 30 ديسمبر 2017, 11:35 am
دُونكم التجربة التركية يا معشر القاعدين إحسان الفقيه Dec 30, 2017
لله درُّ ابن المقفع إذ يقول: «حقٌ على العاقل أن يتخذ مرآتين، فينظر من إحداهما في مساوئ نفسه فيتصاغر بها ويصلح ما استطاع منها، وينظر في الأخرى في محاسن الناس، فيُحليهم بها ويأخذ ما استطاع منها». عندما أنظر في واقع الأنظمة العربية، لا أرى مسحة من ذلك العقل، فلا هي انشغلت بعيوبها وتقصيرها فأصلحته، ولا هي تركت محاسن الآخرين تنعم بالسلامة. بعد 15 عاما من الإنجازات والقفزات البعيدة للقيادة التركية، وضعت خلالها قدميها في المواقع المتقدمة للسباق الدولي، لا يزال قومنا في رقادهم، لا همّ لهم سوى تشويه المسار التركي، مدفوعين بنزعة قومية تارة، وبأولوية تمتين العلاقات مع أمريكا والكيان الصهيوني تارة أخرى، مع أنه كان الأحرى أن يتوقف العرب عند التجربة التركية كثيرا للاستفادة منها، بدلا من العويل والصراخ تجاه التوغل التركي في إفريقيا، لكن القوم اكتفوا بالعيش على أمجاد الماضي، فهم أشبه بمن عناه الشاعر: ألْهى بني تغلب عن كل مكرمةٍ قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثومِ ربما كان نجاح التجربة مردّه إلى ثلاثة عناصر، القيادة، النموذج ووعي الشعب التركي. لقد اعتبر كثير من المفكرين أن سبب الخلل في الأمة يكمن في عدم وجود قيادات مُقنعة تلتف حولها الجماهير، بل ذهب أرنولد توينبي إلى أبعد من ذلك، فقال إن العامل الرئيس في انهيار الحضارة هو فقدان الأقلية للطاقة المبدعة التي تدفع الشعب إلى التسامي عن طريق الاقتداء. تلك القيادات التي تلتف حولها الأمة، ليس لنبوغها وقدراتها وخبرتها فحسب، بل بالدرجة الأولى لما تراه الجماهير في هذه الشخصيات من حب وحرص صادق على الأمة. لقد نبغ زعيم النازية هتلر، ليس كما يقول البعض بخطبه النارية وما لديه من كاريزما عالية، بل لتفانيه في السعي إلى سيطرة الجنس الآري، الذي أدى لاصطدامه بالقومية اليهودية المنافسة، فأحدث لدى الألمان نوعا من الإشباع دفعهم للهرولة خلف زعيمهم الذي تربى في أحضان المحن. في التجربة التركية، كانت هناك شخصية أردوغان القيادية، ذات الكاريزما العالية، المناضل السياسي منذ نعومة أظفاره، ورأى الناس فيه الحب الصادق لبلاده منذ أن كان أمينا للشباب في حزب أربكان، ثم توليه منصب عمدة بلدية اسطنبول، والطفرة التي أحدثها في تلك العاصمة التاريخية، ثم سجْنه على الهوية، ثم تأسيس حزب العدالة والتنمية مع الرفاق، وفوز الحزب في انتخابات 2002. طوال فترة وجوده كرئيس للوزراء ثم كرئيس للجمهورية، رأى الشعب التركي في القائد رجلا منهم، يعيش همومهم، يهتم ببناء الإنسان التركي، رؤيته في القفز بتركيا إلى مصافّ الدول القوية لم تكن حبرا على ورق، لكنها تحولت أمام أعين المواطن إلى أهداف طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى، يشعر مع كل عام يمر، بأن هذا القائد لا هم له سوى رفعة بلاده ونهضتها. هذا ما نفتقده في الوطن العربي، الزعيم القائد الذي يشعر شعبه بأنه حقا يتفانى في العمل من أجل قضاياه، يرى إحساسه بالجمهور، وهذه أمور لن تكون بالتمثيل والتظاهر، هو شيء لا تُخطِئه أعين الجماهير المتطلعة إلى من يقودها نحو التغيير. أردوغان القائد كان نتاج سمات الإبداع الشخصية مع بيئة حاضنة أطلقت طاقته الإبداعية، وهيأت الروافد المناسبة لتطويرها، متمثلة في مدارس الأئمة والخطباء التي التحق بها أيام دراسته، ثم العمل السياسي الذي كان يرعاه البروفيسور الواعي وأبو الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان. قديما قالوا: «عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل»، فتأثير العمل والإنجاز أمام الناس أبلغ دائما من تأثير الكلمات وإطلاق الوعود، تحدث كيفما شئت عن النهضة والتقدم والرقي والتغيير، سيستمع الناس إلى بلاغتك، وفي اليوم التالي سيضعونه في أرشيف الوعود الزائفة التي ألفوها من قبل الطامحين إلى السلطة. كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت الناس يلتفون حول حزب العدالة والتنمية، النموذج الذي صنعه أردوغان مؤسس الحزب إبان توليه عمدة اسطنبول. أغنية شهيرة بعنوان «حان وقت الرفاه» للفنان أوزها أوران، صاحَبَتْ الحملة الانتخابية لأردوغان في ذلك الوقت، عبرت عن الحالة السيئة لاسطنبول، قال فيها: «ولِمَ لا؟ أهل اسطنبول غرقى في المشكلات. محرومون من المياه. خنقتهم أكوام القمامة. محبوسون في زحام الطرق والمواصلات. مخنوقون بالهواء الملوث. أليس لهذه المشكلات حل؟ فاض بي الكيل». وخلال سنة واحدة، تحولت اسطنبول إلى مدينة هي النموذج الذي يتطلع إليه أهل تركيا جميعا، وحول ذلك سجل الدكتور عبد الودود شلبي مشاهداته في اسطنبول من خلال كتاب «جنرالات تركيا لماذا يكرهون الإسلام» حيث قال: «وفي ظرف عام بعد تولي هذا الشاب شؤون المدينة تغير كل شيء، توفرت وسائل المواصلات والنقل، وتوفرت المساكن للفقراء الباحثين عن مأوى، وأصبحت المرافق تعمل بصورة جيدة في كل شيء، حتى المياه التي كانت شحيحة أصبحت فائضة عن الحاجة». عندما خاض العدالة والتنمية غمار الانتخابات للمرة الأولى بعد نشأته، كان هذا النموذج ماثلا أمام الشعب التركي، فبرنامج الحزب تعبر عنه جملة واحدة: «ستكون تركيا كلها اسطنبول». مشكلتنا في الدول العربية أن بضاعة العاملين والمصلحين الذين يطرحون أنفسهم للناس، هي «سوف»، فتراكَمَ في شعور الجماهير أن من يقول سأفعل لا يفعل، وثقة الناس في التغيير ضعيفة أو تكاد تكون منعدمة، ولن يتم إحياؤها إلا بالنموذج الذي يجمع شتاتها. أما انشغال الأحزاب والجماعات والكيانات الرامية إلى التغيير – على اختلاف مشاربها ـ بالوصول إلى السلطة ثم الاتجاه إلى التغيير فهو تضييع للوقت وهرولة تجاه السراب. وأما عن وعي الشعب التركي، فهي نقطة فاصلة في مسار النهضة التركية الحديثة، فوجود القائد الصالح الرشيد، وصناعة النموذج، لا يُغنيان حتما عن وعي الجماهير. فالنهضة التي كانت بدايتها تولي حزب العدالة والتنمية إدارة البلاد، لم تكن وليدة اللحظة، إنما سبقتها جهود إصلاحية تراكمية، دعوية وسياسية، قادها رموز وتيارات الإصلاح الاجتماعي والسياسي، أسهمت في تشكيل وعي الأتراك، كما لعبت حِقب الانقلابات العسكرية دورا بارزا في تطلع الشعب التركي إلى قوة مدنية تعلي من قيمة مصالح الأتراك. لقد ظهر وعي الأتراك المتنامي بوضوح في المحاولة الانقلابية الأخيرة، التي أجهضها الشعب الذي أرهقته الانقلابات العسكرية، وعرف جيدا تبعاتها وآثارها على الحياة التركية. الشعوب العربية تحتاج إلى تأهيل، فمن ثم لا بديل عن التوجه لإصلاح المجتمعات من القاعدة، مهما بدا طول الطريق، ومهما كانت معوقات السطوة والسلطة، فهي سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 05 فبراير 2018, 8:45 am
مهلاً أيها القراء إحسان الفقيه Feb 05, 2018
عندما تُطالعُ مُقدمة كتاب «العادات السبع للناس الأكثر فاعلية»، تقع عيناك على ثناءٍ واعترافٍ بالجَميل، يتقدمُ به المؤلف ستيفن كوفي إلى طُلّابه وقُرّائه الذين جرّبوا مضمون المادة، وقدّموا له الآراء المختلفة، لإيمانه بقُدسية تلك الشراكة بين الكاتب والقارئ. لقد دفعت تلك الثُّنائية الكاتبَ والمخرج الأمريكي بول أوستر، للقول بأن القارئ هو الذي يخلُق الكِتاب في نهاية المَطاف، والعبارة وإنْ رآها البعض تحمل لونًا من ألوان المبالغة، إلا أن الكاتب بالفعل يستفيد من القارئ كما يُفيده، ولطالما صرّحتُ ـ عن قناعة – بأن قارئي يُسهم في تطويري، وله أدين بالشكر، وأراعي وداد لحظاته على طريقة الأحرار، إذ أنه يُحوّل النصّ الذي أكتب إلى قيمة فكرية. ولأنها شراكة بين الكاتب والقارئ، فلا يسَعُني الاكتفاء بما كتبتُ سابقا في غزَل القُرّاء، بل عليّ إيقاظ همة القارئ ليستشعر مسؤوليته الفكرية، وتعاهُدُهُ بعتاب المحبين، ليدعَ عنه ما يُعكِّر صفو الشراكة ويَذهب بثمرتها، وليؤدي دوْره في النهوض بالوعي والثقافة. لعلّ من أشد ما يؤثِّر على تلك الشراكة، أن يتلقى القارئ النصّ على قاعدة التصنيف، فيدخل إلى القراءة مُخاصمًا لا راغبًا، مُغلِّبًا تصنيف الكاتب على ما يكتب، فإن كان التصنيف إيجابيا – من منظور القارئ- استحسن ما يكتب وأشاد به وروّج له، فحسبُهُ أن الكاتب ينتمي إلى معسكره أو خندقه الفكري، وإما إن كان التصنيف بخلاف ذلك، فنظرةٌ واحدة في العنوان أو في صدر المقال، تكفي لارتكاب مذبحة كلامية من تسْفِيهٍ وتخوينٍ ورشقٍ للنَّوايا، وما هكذا تُورَدُ يا سعد الإبلُ. ليعلم القارئ أنه بذلك المسلك يُسيء إلى نفسه بأكثر مما يسيء إلى الكاتب، فالمفترض أن الذي يلِج عالم الحروف، ويتابع الكُتَّاب وما يكتبون، أن يكون لديه حدٌ أدنى من القدرة على التمييز بين الغَثِّ والسَّمين، ويملك معايير لا بأس بها، يُقيِّم بها ما يُسطِّر قلمُ الكاتب، فإن كان يفتقد ذلك الحدَّ الأدنى فلا يصحُ أن يُنصِّب نفسه حاكما على ما لا يرتقي إليه فهمه. الكُرْسُف الذي تضعه في أذنيك لتحجب عن نفسك رسالة المُخالف، وضعه كذلك الطفيل بن عمرو الدوسي بِناءً على توجيهات مشركي مكة، لئلا يستمع إلى نبي الإسلام، غير أنه نظرَ في نفسه وأدرك أنه بذلك قد استخفَّ بعقلِه وهو الرجل اللبيب، فعقد العزم على تعريض نفسه لتلك الرسالة، فإن كان خيرًا أخذ به، وإن كان شرًا أعرض عنه. دائما أتساءل في حديثي مع ذاتي: إن لم أجمع بين الحسنيين، فهل أكتب ما ينفع القارئ أمْ أكتب ما يُعجبه ويوافق هَواه؟ إنه السؤال ذاته الذي يجب أن يطرحه القارئ على نفسه كذلك، أيقبَلُ مَنْطِقُه أن أجعلَ موافقة هواه مُحرّكًا لي في كتاباتي؟ إنني لو فعلت فلا أحسبها إلا خيانة لقارئي، وأهْونُ على نفسي تحمُّلُ النقد والتجريح، فلن يبقى إلا ما ينفع الناس، ودون ذلك فمصيره المُحتَّم أن تذروه الرياح «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض». لماذا يُحاصر القارئ كاتبَه ويرضى له أن يعمل تحت هذا الضغط؟ لماذا لا يدعه يُطلق كل طاقاته الإبداعية ويُرْخي العَنان لقناعاته بدون اضطراب؟ بل لماذا لا يظن القارئ لوهْلة أن الخَلل في تصوّراته وقناعاته هو؟ إن فاحت من حديثي رائحة نقْدٍ فلا ضير، فلا يلزم أن يجْلد كلّ ذي قلمٍ ذاته ليُرضي غرور قارئه، فبِذا يكون الهدم لا البناء، ومن قبلي سلك المنفلوطي مسلك الجد والخشونة مع قرائه، فقال في «النظرات» بعدما عدّد أصناف الأشراف من الرجال: «فإن رأيت في نفسك أيها القارئ أنك واحد من هؤلاء عُلِم أنك شريف وإلا فاسلك طريقهم جهدك، فإن لم تبلغ غايته فأخذُ القليل خير من ترك الكثير، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فلتبْك على عقلك البواكي». وإن تعجب فعجبٌ قولهم، إن الكاتب الذي تتغير مواقفه إنما هو مأجور، فإن هاجم اليوم من امتدحه بالأمس فقد باع قلمه لمشترٍ جديد، وإن رأى أن ما يصلُح بالأمس لم يعدْ يصلح اليوم فهو المتلون السطحي المضطرب، فمهلا يا قوم. لم أدّعِ يومًا الكمال، ولم أقل يوما أن وجهة نظري هي الحق الصُّراح، ولم أزعم يومًا أنني قد أحطت بكل شيء علمًا، فقط هي معطيات ونظرات وتأملات ثم وجهة نظر أُبديها عن قناعة، فإن أصبتُ فبها ونعم، وإن أخطأت تراجعت، بربك أيها القارئ هل كان ذلك بدعًا من القول والفعل؟ فقهاء الإسلام وأئمته لم يستحوا من تغيير فتاواهم، فهذا الشافعي له مذهبان قديم وجديد، ومن يتابع الدراسات الفقهية يرى أن كثيرا منها يتناول المسائل التي تراجع عنها الإمام مالك، وأبو حنيفة، وغيرهما من الأعلام. ومن قول الخليفة الراشد عمر نستلهم المَنْحى، فهو القائل لعامله: «لا يمنعك قضاء قضيتَه بالأمس، راجعت فِيهِ نفسك، وهُديت فِيهِ لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل». وكثير من رموز التخصصات المختلفة تراجعوا عما ظنّ غيرهم أنه من البديهيات، حتى أن الفيلسوف والرياضي والفيزيائي الفرنسي ديكارت، فتح آفاق عقول الجماهير على إمكانية تغيير المفاهيم الرياضية فقال: من يدري، ربما سيأتي بعدي من يثبت لكم أن مجموع زوايا المثلث لا يساوي 180 درجة. أيسرُّك أن يتمسك الكاتب بالرأي – مهما بدا قصوره – لمجرد أنه قال به يوما ما؟ فرقٌ بين تغيير المبادئ وتغيير المواقف، فإن كان هذا هو الثبات الذي تنشده فالموتى كذلك ثابتون، جامدون، لا يتحركون. أيها القارئ، إن لك عِرضًا تغضب إن ينال منه سوءُ الكلم، وإن لك كرامة تنزعج من خَدْشها، ولك أهلًا تحترق إن يمسسهم سوء، وكذلك من يكتب إليك، يستاء مما تستاء منه. ألا يستقيم أن تختلف مع الكاتب وتُبدي رأيك، بدون تجريح أو إساءة؟ ذاك هو المَحكّ، وذلك هو اختبار الأخلاق، فلا معنى لأن تختبر منظومتك القيمية في حال الرضا، فتُضفي على ما يروق لك أرفع الأوصاف، لكنك ستُمتَحن بما يخالفك فيه الكاتب، هنا ستظهر المعادن، فمن التزم حدود الأدب، وترفع عن مساوئ الألفاظ، فذاك هو القارئ الفارس، وبمثل هؤلاء يكون إثراء الفكر، ومن حاد فليعلم أنه بذلك يُعبّر عن رداءة ثقافته وضيق أفقه. أخطأ من ظن أن كلماتي تندرج تحت الشأن الخاص، فجُلُّ ما أرجوه أن نرتقي بأنفسنا، سواءً الكاتب أو القارئ، لنجعل من ذلك الوسط تجهيزًا لنقلة حضارية بعيدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 12 فبراير 2018, 11:32 am
لا يزال الناس منذ بداية الحياة البشرية مختلفين، ولكن بين خصومة وأخرى تأتَلِق المبادئ أو تُصبح في مهبِّ الريح. ما أقساها تلك الخصومة التي تجعل من عِرض الخصم وسمعته حمى مباحًا، فيُحاسب على ما قال وما لم يقُل، على ما فعل وما لم يفعل، تُلصَق به التهمة ثم لا يُنصت إلى ردِّه ونفْيِه، فتطيرُ في الآفاق وتُبنى عليها مزيد من الفِرَى، ويُحَمَّلُ كلامُه ما لا يحتمِل، فيبدو أنه لم يعد لعصرنا نصيب من خصومة الفرسان. إعلام دول الحصار يعزِف حاليا لحْن غارات القبيلة، يُدندن حول الحل العسكري لتأديب قطر، والسبب: «دعوة قطرية لتدويل الحرمين»، بحثتُ عنها في أحاديث رجالات قطر أو حتى إعلامها، فعبثًا وجدتُ ما يمكن الرُّكون إليه في إثبات التهمة، وكالعادة، قطر تنفي، ودول الحصار لا تقبل النفي. فبعد أن نفى مسؤولون قطريون أبرزهم وزير الخارجية، علاقة دولتهم بالترويج لتدويل الحرمين، أصرَّ إعلام دول الحصار على إثبات التهمة بالقول بأن السلوك القطري غير الرسمي اتسم بعدوانية شديدة تجاه السعودية، وعلّق المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني قائلا: أنتم أذل من ذلك، ودون الحرمين الشريفين السيوف»، في إصرار عجيب على تحميل قطر مسؤولية الدعوة إلى تدويل الحرمين، بأسلوب متعالٍ متعجرف لا يليق بمستشار أمير او ملك. لقد تمّ خلط الأوراق بصورة تعسُّفِية، فقطر تُنادي بعدم تسييس الحج وإقْحامه في الخلافات والنزاعات السياسية، وما فعله الإعلام القطري أنه نقل أخبارا عن التقرير الأول للهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفين، الذي رصد ما اعتبره انتهاكات من السلطات السعودية بحق زوار الأماكن المقدسة، وتحدث عن ابتزاز سياسي على حساب حِصَص الحج، واستخدام المنابر لأغراض سياسية، واعتقال معتمرين بطُرق غير قانونية. وبصرف النظر عن طبيعة وصلاحيات وظروف نشأة هذه الهيئة ومضمون تقريرها، إلا أنه قد تم خلط الأوراق بالفعل، واعْتُبِر ذلك من قِبَل دول الحصار دعوة قطرية لتدويل الحرمين. الدعوة إلى تدويل الحرمين، كما وصفْتُه سابقا: دعوة كارثية مرفوضة جملة وتفصيلا، ولطالما هاجمتُ هذه الدعوة التي أطلقَتْها وتبنَّتْها إيران، وجدَّدَتْها بعد حادث تدافع مِنى، وطالَبَتْ صراحةً بتدويل الحرمين وإخراجهما من الوصاية السعودية. فمنذ عهد الخميني ومساندة السعودية العراق في مواجهة إيران، انطلقت هذه الدعوة، وعندما وضع محمد جواد لاريجاني نظريته المعروفة بـ»أم القرى»، تحدّث فيها عن ضرورة تدويل الحرمين وإدارتهما عن طريق لجان دولية يكون لإيران فيها النصيب الأكبر. وأعْقَبَتْ هذه الدعوة تأكيداتٌ من قِبَل الساسة والمرجعيات الدينية الإيرانية، منهم رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، ومحمود الهاشمي الشاهرودي نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، وكذلك آية الله إمامي كاشاني، ومحمد إسماعيل سعيدي عضو اللجنة الاجتماعية في مجلس الشورى الإسلامي. فكيف تُلحق قطر بإيران التي تنادي صراحةً بتدويل الحرمين؟ إن غاية ما يمكن أن يرمِي إليه العقلاء هو مراقبة إدارة السعودية للحرمين، ومنع تسييس الحج أو التعامل معه باعتباره ورقة ضغط على خصوم المملكة، وهذا ما تقوم به قطر، التي شدد وزير خارجيتها على ضرورة تجنيب فريضة الحج الخلافات السياسية بين الدول، وعدم عرقلة أدائها عن طريق وضع شروط تمسُّ سيادة الدول أو تمسُّ حقوق مواطنيها. إنه لمن المؤسف أن تُبادر دول الحصار بآلاتها الإعلامية بدون روِيَّة، بإطلاق التهديدات العسكرية، والتصعيد غير المبرر بشكل يثير الريبة، مع أنه إلى الآن ليست هناك دعوات قطرية صريحة لتدويل الحرمين، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تفسيرات عدائية على خلفية الأزمة. لا أنكر أن الإعلام القطري يُهاجم دول الحصار، لكن من الخطأ الجسيم النظر إليه بِمعزلٍ عن طوفان الهجوم على قطر، من قِبل تلك الدول التي بدأت بالشيطنة والتشويه وترويج الكذب والافتراءات، فلكل فعل ردّ فعل، وكما يقال: البادئ أظلم، وليس من المعقول أن تتحمل قطر هذه العزلة وذلك الحصار، وهذا الهجوم الضاري المستمر، وهي تقف مكتوفة اليدين. وإني لأعلم مسبقا أنني بعد هذه المقالة سوف أُتّهم بدوري بالدعوة إلى تدويل الحرمين لتسويغي الرقابة على إدارة السعودية للمقدسات، رغم أنني ما زلت على قناعتي بأن تدويل الحرمين دعوة كارثية، وما زلت كذلك على قناعة راسخة بمضمون الفيلم الذي أنتجته عن تلك الدعوة، وأكدت فيه على أن إدارة الحرمين تخضع لمن تقع تلك البقاع تحت سيطرته، وباستقراء التاريخ أوردت ما يعضد ذلك. فكانت الوصاية على البيت الحرام لقبيلة جرهم أصهار إسماعيل عليه السلام، إلى أن أجْلتْهُم «خُزاعة» التي ولِيَتْ أمور البيت ثلاثمئة سنة، حتى جاء قُصي بن كلاب وأخرجهم منها لتصبح الوصاية لقريش، وبعدما دخل النبي صل الله عليه وسلم مكة فاتحًا، آلت سدانة الكعبة إلى آل الشيبي الذين ينتسبون إلى شيبة بن عثمان بن طلحة. ثم تتابع الملوك والسلاطين على إدارة الحرمين، ولُقِّب غير واحد منهم بخادم الحرمين في عهد الأيوبيين والمماليك، ثم صارت الوصاية على الحرمين للدولة العثمانية حتى تأسيس السعودية، التي لم ينازعها أحد في تلك الوصاية، فمن ثم كانت ولاية حكام تلك البقاع شؤون الحرمين هو أمرٌ راسِخٌ في الأعراف البشرية. وخلال هذا العمل المرئي ربطت بين تلك الدعوة والمشروع الإيراني الفارسي الذي يرمي إلى ابتلاع المنطقة بأسرها، كل ذلك ما زلت على القول به، وأرى في هذه الدعوة مزيدا من تفتيت الأمة وإدخالها في تيه جديد، لكنه غير مقبول أن تصير هذه القضية فزاعة للنيل من الخصوم كلما أبدوا اعتراضا، على غرار فزّاعة الطائفية التي طالما لاحقتْنا بها إيران. قطر ليست في وضعٍ هيِّن يسمح لها بإطلاق دعوة تدويل الحرمين حتى لو أرادت، لأنها تُدرك أن هذه الدعوة سوف تُفقدها تعاطُف كثير من الدول والشعوب الإسلامية، لكن المسألة تمّ استغلالها من قبل دول الحصار لشيطنة قطر ووضعها في الخندق الإيراني نفسه، لذا أقول إن دعوة قطر لتدويل الحرمين لا وجود له إلا في عقول خصومها، ونأمل ألا تكون تصريحات الإعلاميين التابعين لدول الحصار تهيِئة وتقدِمة لتحركُّات عسكرية تُؤجِّج الصراعات في المنطقة، وتُدخلها في نفق مظلم. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 12 مارس 2018, 5:17 am
القائد المُهرِّج… من هو؟
إحسان الفقيه
المُهرِّج، ذلك الفنان الذي يُغير معالم وجهه بمستحضرات التجميل، ويرتدي ملابس غريبة ذات أحجام كبيرة، كم أضحك الناس كبارا وصغارا، وربما أبكاهم أيضا، كما فعل الممثل الهندي راج كومار في رائعته «ميرانام جوكر»، عندما أدى في الفيلم فقرة كوميدية بعد وفاة أمه، اختلطت فيها دموعه الحقيقية بالزائفة، يُضحِك خلالها الجماهير وقلبه مُمزق نازف. لكن المُهرج ليس فقط من يُضحك الناس ويرسم على وجوهم البسمة أو يبكيهم شفقة وتأثُّرا، فأحيانا يتسلط على رقابهم، ويدفن كرامتهم، ويستبيح دماءهم وأرزاقهم، ذلك هو القائد المهرج، وفق أحد تقسيمات أساتذة العلوم السياسية وخبراء الإعلام لأنواع القادة، فإنهم قالوا إن هناك نوعين من القادة، القائد المهرج، والقائد الزعيم، ولكُلٍّ منهما سماته ومسالكه. للوهلة الأولى قد يبدو للقارئ، أن وصف القائد الطاغية بالمُهرج لا يناسب أحواله من الجوْر والاستبداد، إلا أن المُتخصّصين أحسنوا التوصيف من وجهة نظري، فالحاكم الطاغية المُستبد أشبه ما يكون في حكمه بالمُهرج في فوضاه وعدم منطقية قراراته ومسلكه، إضافة إلى خداع الآخرين، وتخدير عقولهم بحركاته البهلوانية، وبالتالي استنزاف أموالهم، فهو كما قال عبد الوهاب المسيري في وصف الجيل الأول من أبناء المهاجرين من يهود اليديشية لدخول المجتمع المُضيف: «يسْخَر من نفسه ليُضحك الآخرين، في الوقت الذي يَضحك هو عليهم فيه ويأخذ أموالهم». وبالمناسبة، اليديشية هي لغة يهود أوروبا التي تشكلت منذ حوالي ألف عام من عدة لغات الآرامية والألمانية والإيطالية والفرنسية والعبرية. لقد تملكني العجب عندما قرأت في بعض كتب مختار التهامي، رحمه الله – أقدم عمداء كلية الإعلام في جامعة القاهرة وأستاذ الرأي العام – حديثا له عن القائد المُهرج، فبدا كأن الرجل ينقل في كتبه واقع قادة بعينهم، نعرفهم بسيماهم. فالقائد المُهرج كما يصفه التهامي يصل إلى الحكم عادة في أوقات الأزمات العنيفة، وعندها تحين الفرصة لكي ينْقضَّ هذا الحاكم على الدولة ويُمسك بزمام الأمور فيها، ويستولي على قيادتها بالأماني والوعود المعسولة التي يُوزعها بلا حساب، مستغلا الحالة النفسية والعقلية للجماهير، وتعاوُن القُوى الرجعية معه. فسبحان الله، كلام يُجسّد واقع حكام مستبدين، استغلوا أزمات البلاد، وقفزوا على الحكم، وباعوا الأوهام لشعوبهم، ووعدوا بمشروعات ضخمة زعموا أنها ستحدث نقلة بعيدة في الاقتصاد تزدهر معها حياة المواطنين. لكن هذا القائد المُهرج الذي يبيع الوهم، سرعان ما ينقلب ويُفصح عن وجهه الحقيقي القبيح، فيحكم الأمة بالحديد والنار، ويُصادر الحريات ويسوق الشعب سوْق القطيع ليحقق رغباته الأنانية، أو رغبات أسياده المختفين وراء الستار. وهذا اللون من القادة يعتبر الشعب وسيلة لا غاية، وهو في الوقت نفسه يحتقر الجماهير ويخافها، ويسوقها ولا يقودها، ويُخضعها ولا يُخلص لها، بمعنى أوسع يتخذ من كتاب «الأمير» لمكيافيللي دستورا له، حيث تصبح الغاية مُبرِّرة لكل وسيلة، أي وسيلة. ولئن كان هتلر يُؤخذ كمثال على هؤلاء القادة الذين أضرّوا ببلادهم وبالعالم بأسره، إلا أن الزعيم النازي كان مُخلصا لعرقه وقوميته، وأراد لذلك الجنس الآري التفوق، بخلاف المُهرجين في بلاد العرب، الذين لا ينظرون إلا إلى البقاء فوق العروش أطول فترة ممكنة، قبل أن يداهمهم الموت أو تأكلهم الشعوب أو يبيعهم الأحلاف والأسياد. هذا النوع من القادة، لا ينْفكّ عن التلَبُّسِ بِمُصارعة التفاهات التي لا تخدم الأمة والشعوب، فأصدق ما يمكن أن تُوصف بها سياساته، أنها تعني الصراع مع التفاهة بما فيها التفاهات الشخصية، حسب تعبير الرئيس التشيكي الظريف المُثقّف ميلوش زيمان. أما الدكتور سرمد الجادر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، فيطرح في كتابه «تطور الحرب النفسية في السياسة الصهيونية»، فرقا جوهريا بين القائد المهرج والقائد الزعيم، فالأول لا يُخاطب سوى عواطف ومشاعر الجماهير ليُلْهبها ويُثيرها، ناقلا المجتمع إلى حالة الهيجان والتوتر، بل إنه لا يتوانى عن استخدام الكذب في تعامله، والثاني قائدٌ مُدرك لأهدافه، ويُخاطب عقول الجماهير معتمدا على الصراحة والثقة، وإذا استخدم أسلوب إثارة الحماس الجماهيري، فإنما يخدم به الجماهير والمصالح الكلية العليا لا أغراضه الشخصية. وهو يأتي إلى سُدّة الحكم بالاختيار السليم والإرادة الشعبية الكاملة، لا يدّعي العصمة ولا حيازة الحق المطلق، يستفيد من الأخطاء التي نتجت عن التجارب، يُؤمن بالعلم وحرية الرأي، ويضع نصب عينيه أن الشعب هو الزعيم الحقيقي، وأن بقاءه مرتبط بقناعات الشعب بصلاحيته وأهليته للحكم عن طريق الانتخاب الحر، يستجيب لمطالب الشعب ويُعبر عنها ويسعى لإيجاد الوسائل لتحقيقها. أتخيل لو أنني تحدثت عن القائد الطاغية المهرج من تلقاء نفسي بدون الاستناد إلى تعريفات أهل التخصص، لسارع البعض إذن إلى القول بأنني مدفوعة بمواقف شخصية تجاه بعض الحكام، لكن تناول هؤلاء الخبراء والمتخصصين للقادة المهرجين يُضفي على الحديث بُعدا موضوعيا، بعيدا عن الأحاديث الإنشائية العاطفية، ومن ثم يكتسب مصداقية لدى الجماهير، ربما تمكنوا من خلالها من تقييم حكامٍ خدعوا شعوبهم فانساقت وراءهم كالقطعان. إن من ينظر في حال الأمة، يُدرك بدون عناء أنها وقعت في معظم أرجائها تحت حكم المُهرجين، إلا مَن رحم ربك وقليل ما هم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 19 مارس 2018, 7:16 am
قضيتي مع معرَض الرياض وأصل الحكاية إحسان الفقيه Mar 19, 2018
«الكتاب.. مستقبل التحوّل»، عنوان متميز اخْتِير كشعار لمعرض الكتاب الذي يقام حاليا بالرياض، ظاهرة إبراز دور الثقافة والوعي في بناء المستقبل، غير أن تجربتي مع المعرض جعلتني أرى أن ذلك الشعار يُخفي وراءه انغلاقا واستبدادا فكريا، وانتقائية في المضامين تُمَرَّر وفقا لمصالح زمرة سياسية وإعلامية لخدمة توجهاتها الجديدة. قصتي مع معرض الرياض 2018 وجدتُها ضرْبًا من ذلك الإرهاب الفكري، وإخضاع الملتقيات الثقافية العامة الدولية لسياسة النظام، حتى إنْ خلا المعروض من أيّ مضامين تُشير من قريب أو من بعيد إلى السياسات السعودية، فيكفي ألا يكون الكاتب مُهادِنا مُنحازا إلى تلك السياسات حتى يُصبح ذلك مُبرِّرا لمنع عرضِ نِتَاجِه الفكري في المعارض. «نصف المسافة» هو عنوان كتابي الأول الذي طُبع منذ حوالي شهر ونصف الشهر، وانتظرتُ مع قُرّائي عرضه في أقرب المعارض الدولية، فأدرك الكتاب معرض الرياض، لكننا فُوجئنا بمنع عرضه من قبل الجهة المشرفة على المعرض. الدكتور عبد الرحمن العاصم، المُشرف على المعرض، صرح لوسائل إعلام محلية، أن الكتب التي تثبُتُ مخالفتها، يتم استبعادها فورا وتطبيق الأنظمة بحق دار النشر التي تعرضها، وهنا أطرح سؤالي للمشرف على الملأ: أسألك بالله هل قرأتَ كتابي؟ هل قلَّبت صفحاته ووقفتَ على أي مخالفة في ثناياه؟ يقيني أنك اكتفيت برؤية اسمي على الكتاب. أقول ذلك عن يقين، لأن الكتاب من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، بعيد كل البعد عن التطرق للأنظمة العربية وسياساتها، وإنما مضمونه إيقاظ الهمم وبعث الدافع الذاتي للعمل والإنتاج وتطوير الذات، والتخلص من أسر المفاهيم المغلوطة حول علاقة الدنيا بالدين والنظرة إلى الذات، وإعلاء شأن الجهد الفردي، وبيان أهمية المنظومة القيمية والأخلاقية، والتأكيد على الهوية، وتناول بعض الأمراض الاجتماعية والفكرية، والتأكيد على محورية دور التعليم في صناعة النهضة، والإشارة إلى ضرورة الاكتفاء الذاتي، وغيره من القضايا اللازمة لصناعة وتهيئة الفرد المسلم، ولم تتطرق بأي شكل من الأشكال للأنظمة والحكام ولا لسياسات الدول، فهل قرأت كتابي حقا يا سيادة المُشرف على معرض الكتاب في الرياض؟ لقد جاء استبعاد كتابي من معرض الرياض نِتاجا لموقفي الرافض لسياسات ولي العهد، سواء في ما يتعلق بالحصار الجائر على قطر، أو الارتماء في أحضان العولمة والتغريب، وتغيير وجه الحياة العامة في المجتمع السعودي، بما يظهر التبني الرسمي للدولة لقيم العولمة والليبرالية، وإبراز الوجه الليبرالي الذي يسُرّ الناظرين في البيت الأبيض، وغير ذلك من التوجهات السعودية الجديدة التي لا يسكت عليها محبٌ للسعودية وأهلها. لقد أُسقِط من سجلاتي، أنْ كنتُ أول الكُتّاب المتخندقين مع السعودية في مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة، وبشرّت عن قناعة راسخة بضرورة الالتفاف حول «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين المُعتدين، الذين يتحركون في اليمن بأجندة إيرانية، وأن ذلك هو وقت تناسي الخلافات مع المملكة. وأُسقِط من سجلاتي، أنني دُعيتُ إلى جبهات القتال على الحدود لنقل الصورة كما هي أمام القارئ العربي، ولا أنسى أيامًا قضيتها على الحدود رفقة إخوة لي في الدين، ولبست خوذة الحرب، وعدتُ من أرض المملكة أُبشّر بعهد جديد، واتُّهِمتُ حينها من الصديق قبل العدو بالتطبيل والتزلف والعمالة للسعودية، التي يشهد الله أنني لم أتلقّ منها ريالا واحدا، وإنما كان عملي حِسبة، ونصرة لما أراه حقا، فكان الإخوة السعوديون يُمطرونني بدعواتهم، وشهاداتهم بأنني نصير الحق والحقيقة، وكنت على موعد مع الكتابة في صحيفة «الحياة»، رغم توجهاتي غير المألوفة على صفحات الجريدة المعروفة. لكن المواقف تُبرز وجهَ الحقائق، فما إن دافعت عن داعية سعودي معتدل تمّ إيقافه عن الكتابة ثم اعتقاله بغير جُرْم، حتى أخطرتني الصحيفة بأنه تم استبعادي، رغم أنني لم أكتب دفاعي هذا في مقالة على صفحاتها – التي كتبت فيها مجانا – وإنما على حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي. لم أعبأ بذلك الإجراء، ولم أُشخْصِن القضية، وظللت على دعمي لمواقف السعودية العادلة وحقها في حماية أمنها الوطني ضد الأطماع الإيرانية، إلى أن بدأت الأزمة الخليجية، وفرضت السعودية مع دول أخرى الحصار على قطر. لم يتغير شيء سوى أنني انتصرتُ لمن أراه مظلوما ضد من أراه جائرا، وأبديتُ رأيي في ذلك الحصار بكل حيادية ونزاهة، لا أخرج في نقدي لتلك السياسات عن إطار الأدب، لكني استجلبتُ لنفسي بذلك الموقف سخط النُّخب السياسية والإعلامية في المملكة، فكان الاتهام في هذه المرة بالعمالة لقطر، ويا لضياع المبادئ والمعايير. الحمد لله الذي جعل ابتلائي مع الناس، ولم يجعله في ديني ومبادئي وأخلاقي، وليعذرني القارئ، إن كان ما تطالعه عيناه في هذه الكلمات يُعتبر ضمن الشأن الخاص، لكنني أجده متقاطعا مع الشأن العام أيضا، عندما تُغتال حرية الفكر والرأي والثقافة بهذا الشكل التعسفي. لقد كان المفكر محمد الغزالي على حق في استيائه إذ يقول: «لا أعرف أمة تضع السدود أمام عقلائها كالأمة الإسلامية، الرأي فيها لمن يملك الكلام لا لمن يبصر الحق! والغلبة لمن يملك العصا لا لمن يسوق الدليل». ظني أن المملكة لم تشهدْ حَجْرا فكريا وثقافيا على هذا النحو، فقبل سنوات، سُمح لمؤلفات عبد الرحمن منيف بالتواجد في المعارض السعودية، وعلى رأسها رواية «مدن الملح»، التي شنّ فيها هجوما شرسا على المملكة، بعد أن كان منفيًّا سياسيًا بسبب انتقاده للنظام السعودي، فما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ إنني أناشد الجهة المُشرفة عن المعرض، بالبحث والتنقيب في المعروض، من الكتب الإلحادية، وكتب الإثارة الجنسية، والروايات التي أحدثت جدلا واسعا لاحتوائها على مضامين مخالفة للعقيدة كرواية «أولاد حارتنا» للكاتب المصري نجيب محفوظ، كما أنصح بتفقد القوائم بدقة للوقوف على كتاب «حتمية التغيير على الشرق الأوسط الكبير» الذي تناول النظام السعودي بشكل سلبي. إفعلوا ذلك قبل أن تستبعدوا كتاب «نصف المسافة» على خُلُوّهِ من كل ما يُخالف قواعد النشر، لكنه اتَّضح الخلل في المعايير والانتقائية في السماح للمعروض. لقد استقبلتُ الرسالة بوضوح، يريدون أن يُصوروا لِقُرَّائي أن المجتمع السعودي يأبى القراءة لي ويلفظني، لكنني أبشرهم بأن أمَةَ اللهِ الفقيرة إليه ، قد أتتها عشرات الرسائل من داخل المملكة، تطلب شراء كميات كبيرة من الكتاب بغرض نشرها وتوزيعها مجانا للقراء، إسهاما منهم في نشره بعد منعه في المعرض، الأمر الذي يعبر عن طبيعة العلاقة التي تربطني بالمملكة الحبيبة، والتي ما زلت أساندها بجهودي المتواضعة في قضاياها العادلة، وأنتقدها بأدب وأمانة بما أراه في صالح السعودية والأمة بِصفة عامة، ولست بالذي يفجُر بالخصومة، ولا أخوض أي معارك ضد الشعب السعودي، ولا أخلط الأوراق، معركتي ضد زمرة سياسية وإعلامية تجرّ المملكة إلى الهاوية، وأكرر ما قلته أمس: الشعب السعودي باقٍ والحُكّام يذهبون ويأتي غيرهم. ولا أقول إلا ما قاله الأديب: هو الحق ما دام قلبي معي وما دام في اليد هذا القلم.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الثلاثاء 20 مارس 2018, 6:26 pm
الإمارات.. واللعب مع الأفاعي احسان الفقيه:
الأفعى دخلت الدار، فاحترس.. خذ حذرك فقد احتلّت غرفتك البحرية.. صاحب الدار تركها، فلعلّها تقضي وقتها وتخرج.. الأفعى وضعت بيضها، وعما قريب يخرج صغارها.. صاحب الدار يلوّح بالعصا من بعيد، ثم كفَّ بعدما انتصبت الأفعى استعدادا للقتال.. استوطنت، واحتلت الغرفة، وبثّت صغارها في أرجاء المنزل، وصاحب الدار يكتفي بالضجيج من حين لآخر.. إنه يقدم لها الطعام، نعم يقول ربما كانت حماية للدار من أفاعٍ أخرى، فلتكن المنفعة المشتركة وحسن الجوار. يا صاحب الدار ليس كل دابة تُستأنس، والأفعى لن يزول سمّها، ولن ينتهي غدرها، والنهاية معروفة… * لم أجد مثلا أوضح من ذلك يُعبّر عن تلك العلاقة الغريبة المُتشابكة بين الإمارات والأفعى الإيرانية. الإمارات وإيران… العدوقان أبدا هو عنوان مقالة للكاتب عادل الطريفي، استعار العبارة من كتاب للدكتور محمد الرميحي، فهما العدوقان: أي الأصدقاء الأعداء، فالدولتان بينهما نزاع طويل حول سيادة جزر: طنب الكبرى، والصغرى وأبو موسى. ومع ذلك تقوم بينهما شراكة اقتصادية وعلاقات تجارية واستثمارات، بصورة لا تنسجم مع تلك الخصومة التي هي في حقيقتها علاقة احتلال بدولة مُحتلة. محددات العلاقة السياسية بين الإمارات وإيران: العلاقة المتشابكة بين الإمارات وإيران تحددها وتحركها عدة قضايا، هي التي ترسم السياسة الإماراتية في التعامل مع تلك الدولة، بصورة هي أشبه بالمغامرة والسير على الحبال، وكلٌ من هذه المحددات يرتبط بالآخر: أولا: الجزر الإماراتية المحتلة: استقرت القوات الإيرانية في الجزر الثلاث بعد خروج الاحتلال البريطاني عام 1971م، وهي جزر تقع على مسافة 23 ميلا تقريبا من الإمارات، بينما تفصلها عن إيران مسافة 43 ميلا. ولا تكمن أهمية هذه الجزر في كونها مسطحات مائية، ولا في كونها مصدرا للنفط والمعادن فحسب، بل لأهميتها الاستراتيجية الكبرى، حيث أنها تقع في طريق عبور السفن العالمية، وتحتل موقعا هاما في الخليج العربي، وعن طريقها يمكن التحكم في حركة الملاحة في ذلك الخليج. كما تكمن أهميتها الاستراتيجية بموقعها من مضيق هرمز، والذي تمر منه 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط، ما حدا بوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن تصفها عشية وقوعها في أسر الاحتلال الإيراني، بأنها تفوق في أهميتها موقع جزيرة هرمز. وجاء هذا الاحتلال ضمن صفقة إيرانية بريطانية، وفي ذلك يقول صاحب كتاب وجاء دور المجوس: “واحتلال إيران لهذه الجزر الثلاث بعد ثلاثة أشهر من تنازلها عن المطالبة بالبحرين دليل ظاهر على أن إيران استبدلت صفقة بصفقة أخرى، علما بأن احتلال هذه الجزر جاء قبل انسحاب بريطانيا من الخليج بثمانٍ وأربعين ساعة فقط”. * وقد أدارت طهران ظهرها لعروض إماراتية في إجراء مباحثات بشأن الجزر الثلاث، ورفضت كذلك اقتراحا قدمه مجلس التعاون الخليجي عام 1996م، يقضي بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. فإيران تعتبر أن الجزر الثلاث من حقها، وأنها مسألة غير قابلة للنقاش، وترهن استقرار العلاقة بينها وبين الإمارات بالتعامل الهادئ تجاه هذه القضية من قبل “أبوظبي”. * وقد عبر رئيس الوزراء الإيراني السابق “حلنجي ميرزا” عن النظرة الإيرانية تجاه الخليج العربي بجميع جزائره بما فيها الجزر الإماراتية المحتلة، بقوله: إن الشعور السائد لدى الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي (العربي) من بداية شط العرب إلى مسقط بجميع جزائره وموانيه بدون استثناء ينتمي إلى فارس (إيران)”. * وخلال القمة العربية الـ 26 في شرم الشيخ، وقفت وزيرة الخارجية الإيرانية “مرضية أفخم”، تؤكد على تبعية الجزر لإيران قائلة بملء فمها: “المواقف تجاه سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الجزر الإيرانية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، لم ولن تؤثر على الحقائق القانونية والتاريخية حول هذه الجزر”. ولما قامت الثورة الإيرانية 1979م، تفاءل الإماراتيون بالنظام الجديد الذي رفع شعارات براقة حول العدل وحسن الجوار، في أن تُحل قضية الجزر المحتلة، غير أنها وجدت النظام الخميني أشد إصرارا على التمسك بملكيتها. والتزمت الإمارات إزاء احتلال الجزر، المسار الدبلوماسي، والدعوة إلى المفاوضات واللجوء إلى التحكيم الدولي، غير أن إيران ترفض ذلك لضعف أسانيدها القانونية تجاه ملكية هذه الجزر. ثانيا: التناغم الاقتصادي ترتبط الإمارات بعلاقات وثيقة مع إيران رغم الخلاف السياسي، وتعد الإمارات الشريك التجاري الأول في دول مجلس التعاون مع إيران، وأبرز الشركاء التجاريين على مستوى العالم. ووفقا لتقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية على موقعها الالكتروني بتاريخ 25 يوليو 2015م، فإن الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين، وأن دبي التي تعتبر أبرز المراكز التجارية في العالم، تستضيف على أراضيها أكثر من عشرة آلاف رجل أعمال إيراني وشركات تجارية إيرانية. وبسبب العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران، تضاعف التبادل التجاري بين إيران وإمارة دبي، وبلغ 9 مليار دولار سنويا. * وزير الاقتصاد الإماراتي “سلطان المنصوري” نفسه، صرح بأن حجم التبادل التجاري بين بلاده وبين إيران بلغ 17 مليار دولار بنهاية العام المنصرم 2014م. وأوضح أنه عدد رحلات الطيران بين البلدين، يبلغ 200 رحلة طيران أسبوعيا. وأوضح تقرير سابق للجزيرة، أن الأموال التي أدخلها المستثمرون الإيرانيون إلى إمارة دبي وحدها، يزيد على مائتي مليار دولار عام 2005م. * وبعد الاتفاق النووي الذي عقدته طهران مع مجموعة 5+1، والارتفاع المتوقع لمعدلات النمو الاقتصادي في إيران، اختلفت الرؤى حول انعكاسات الاتفاقية على حجم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإيران. فالبعض يرى أن الإمارات بعد الاتفاقية صارت مؤهلة لأن تصبح البوابة الأمامية للحركة التجارية والاستثمارات الوافدة إلى إيران، وأن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في إيران سيُسهم بدوره في زيادة حجم الأموال والبضائع التي تمر عبر الإمارات إلى جانب تنشيط حركة السياحة، وهو ما ذهب إليه تقرير “الإيكونوميست” المشار إليه سابقا. والبعض الآخر يرى أن الإمارات سوف تتأثر سلبا بالاتفاقية، حيث أن رفع العقوبات سيطلق يد طهران في إقامة علاقات تجارية واسعة مع دول العالم، وتقوم بتنويع تجارتها الخارجية وعدم الاعتماد بشكل أساس على دبي، إلى جانب المناطق الحرة التي تنوي إيران تدشينها مما يؤثر على التجارة الإماراتية. والحاصل أنه قد تشكلت بين الإمارات وإيران ديناميكية خاصة لعلاقات تتسم بالانسجام في الجانب الاقتصادي، والتنافر في الجانب السياسي. وهذه العلاقة الاقتصادية الوثيقة، تضعها الإمارات في الحسبان في سياستها الخارجية مع إيران. ثالثا: الهواجس الأمنية هناك حسابات أمنية أو بمعنى أدق هواجس أمنية لدى الإمارات على أساسها تتحدد علاقتها بإيران. أولها، القلق من إيران نفسها، حيث أن إيران باعتبارها قوة إقليمية كبرى، وتقف على مرمى حجر من الخليج، مصدر قلق للسياسة الإماراتية والتي يسهل ابتلاعها من قِبل إيران، ولذا تتجنب الإمارات استفزاز طهران، وتعتمد على توازن القوى، والحراك الدبلوماسي في علاقتها مع إيران. وثاني هذه الهواجس، الخوف من النفوذ السعودي عن طريق ما يسمى بالمد الوهابي (السلفي)، فلذلك تتبنى أبو ظبي شبكة للتصوُّف السياسي جمعت في بوتقته رموز الصوفية في العالم الإسلامي أمثال الجفري وابن بيه وعلي جمعة وشيخ الأزهر الحالي وغيرهم، لمنع انتشار فكر هذا التيار. وثالث هذه الهواجس، هو الخوف من تنامي جماعة الإخوان المسلمين، فالإمارات يتملكها خوف تنامي الجماعة في الداخل، والخوف من تواصلها مع التنظيم الدولي، ولذا ازدادت هذه المخاوف بعد صعود الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر، وتوجست من تصدير الثورة التي صعّدتهم للداخل الإماراتي. هذا وذاك (الخوف من المد الوهابي والتمدد الإخواني)، جعلا الإمارات تتغاضى عن الخطر الإيراني، بل وترى في التقارب مع الإيرانيين وحضورهم القوي في الإمارات، نوعا من إحداث التوازن ضد هذه القوى الإسلامية. * وكما قال الأكاديمي العراقي فارس الخطاب: “دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل نموذجا آخر للعلاقة بين المشروع الإيراني والموقف الخليجي، فأبو ظبي مثلا تناست احتلال إيران لجزرها الثلاث، وانتشار عشرات التنظيمات الإيرانية الإرهابية داخل أراضيها، لتضع جُل اهتمامها وهواجسها في موضوع تنظيم الإخوان المسلمين ليس في الإمارات فحسب بل في كل مكان من العالم. وهو لعمري موضوع بالغ الغرابة، وتحسّس مفرط من خطر ربما يكون موجودا بشكل أو بآخر مقابل خطر حقيقي بدأ يحيط بها من خاصرتها ومحيطها الأمني!”. وربما عمَّق لدى الإمارات اعتمادها على التقارب الإيراني، ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على مسرح الأحداث. الخطر الإيراني على الإمارات: إنَّ على الإمارات مهما كانت الدوافع لديها للتقارب مع إيران، ألا تغفل عن المشروع الإيراني في المنطقة، والذي يعد ابتلاع الخليج جزءًا أساسا فيه. مشروع الهلال الشيعي لم يعد خافيا على العامة فضلا على الساسة، وهو ما صرح به ملك الأردن من قبل، وتحدثتْ عنه الكتب والمراجع، بل والإيرانيون أنفسهم من خلال تصريحاتهم وأدبياتهم. فالتعويل على إقامة علاقات مستقرة مع إيران، لن يكفل للإمارات حماية حدودها وصيانة أمنها ضد التدخل الإيراني، فهي لن تستطيع نزع السم وغريزة العدوانية من تلك الأفعى الإيرانية. وكما أكرر دائما: إيران تستغل الأقليات الشيعية التي توالي المرجعيات في إيران، في تمرير وتفعيل النفوذ الإيراني داخل الدول. وعبثا تحاول إيران الاعتماد على روح الوطنية لدى هؤلاء الشيعة في الداخل، في الفصل بينهم وبين إيران، فالرابط بينها عَقَدي تحت راية ولاية الفقيه، ونادرا ما تكون هناك أقليات شيعية لا تدين بالولاء لإيران الوطن الأم، ولن تستطيع فصم الشيعة في الداخل عن إيران إلا بعد تحجيم نفوذ طهران وتقنين العلاقة معها. * الإمارات، تلك الدولة التي تضم واحدة من أكبر جاليات القوى العاملة المهاجرة، ولا تتعدى نسبة الإماراتيون فيها 10%، تتدفّق فيها عشرات المليارات الإيرانية، لذا تعاظم نفوذ الشيعة. * وتشير بعض الإحصاءات أن عدد الشيعة في الإمارات حوالي 17 أو 18% من إجمالي السكان، ولهم حُسينياتهم، ويمارسون طقوسهم الدينية والثقافية والمآتم والمناسبات الشيعية في حرية تامة. * ولهم مجلس الأوقاف الجعفرية الذي تأسّس بمرسوم أميري، يشرف على أمورهم ومتطلباتهم الدينية. ويعمل معظم الشيعة بالإمارات في تجارة الذهب وقطاعات الأعمال والتجارة والأعمال البحرية. * وبحسب تقرير لموقع المثقف الجديد، فإن الطائفة الشيعية في الإمارات قوة ممنهجة تعمل وفق خطط استراتيجية مدروسة وموجهة من قبل الخارج وخاصة من قبل مرجعيات طهران. * المشكلة الكبرى، أن حكومة الإمارات لم تسمح للإسلاميين من أهل السنة بمساحات توازن بها الوجود الشيعي، وهو ما يُعرّض الدولة لأن تكون عرضة لمزيد من تنامي النفوذ الإيراني. يا أهلنا في الإمارات: حكومة وشعبا.. لستُ هنا لأخدعكم وقد ندمتُ على صيغة خطابي السابق وقررتُ بعد صولات وجولات كتبتُ فيها ما كتبتُ من مقالات قاسية اللهجة وصادمة أحيانا .. أن أنتهج أسلوبي هذا في البحث والكتابة ومُخاطبة الآخر .. تأكّدوا يا أهل الأمارات: أن التماس الأمن والأمان لن يكون مع تلك الأفعى الإيرانية، أنتم جزء أساس وحيوي من الخليج العربي، وتحتاجون أكثر ما تحتاجون إلى تماسُك خليجي ووحدة خليجية. كل دولة من دول الخليج بمُفردها ستكون فريسة للأطماع الإيرانية وغير الإيرانية، أما إن اتّحدتْ اتّحادا حقيقيا لا شكليّا، فلديها من الأموال والموارد ووحدة الجغرافيا والعلاقات الدولية، ما يمكنها من الوقوف أمام المد الإيراني بدلا من الانحناء أمامه والتماهي مع سياساته. * يا أهلنا في الإمارات، ليس الإسلاميون هم العدو، ولم يكونوا يوما عدوا، فافتحوا باب الحوار، وقرّبوا الأكفاء، وميِّزوا العدو من الصديق. * يا أهلنا في الإمارات، التحديات كبيرة، والأخطار تتنامى، فلننبذ المخاوف غير المبررة، وتخوين الأشقاء، ضعوا أيديكم في أيديهم، ووحّدوا كلمتكم ومواقفكم تجاه الملفات الخارجية وعلى رأسها إيران. يا أهلنا في الإمارات إيران أفعى ولستُ أُبالغ و لن يزول سمّها، ولن تكُفّ عن غدرها، فلا تلاعبوا الأفاعي ولا تُرحّبوا بها.. ولا تتركوا لها الجحور مفتوحة ولا الشقوق.. وستعلمون أني ما خدعتكُم يوما وما كنتُ لإيران وأذنابها من الظالمين.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الثلاثاء 20 مارس 2018, 7:08 pm
إحسان الفقيه
دعكم من كذبة الاحتلال العثماني، مهما فرّقتنا المسافات.. سنظلّ اخوة .. احسان الفقيه
وقالوا: تعيش بين الأتراك، فهرولت وراء الأرز العثماني، وجعلت من أردوغان خليفة عصره...
أما أنا فلا زلت أُباهِلُكُم باسمة الثغر يا مُحترفي صناعة الكذب، وأردتُّ أن أمنحكم مجالا ثالثا لرشقي بتُهم العمالة لمن في قصورهم مخازنُ أرُزٍ او بُرغُل.
لم لا نجرب الأرز القطري اليوم؟
حسنا، هذا أمر يروق لي، أن أُدافع عن الشرفاء فُرادى وجماعات، شعوبا وحكومات، طالما رفعوا لواء الشرف، وأظهروا مروءة في مسألة ونُبلا في موقف، وهي غايتي ومُهمّتي ككاتبة ، أن أقول للمُحسن: أحسنت، وأقول للمُسيء: أسأت، غير مُكترثة بمن اختلّت موازينهم، ولا يُفرّقون بين تغيير المبادئ وتغيير المواقف بُغية مصلحة او سعيا لمكسب.
وأكرر ما قلتُه سابقا في مقالة ( الملك السابع ومعالم الدولة الجديدة) :
الأحداث اليومية التي نعيشها أثبتت أن الإساءة سهلة، أن النقد سهل، أن الحديث دون بيّنة سهل، أن إساءة الظن سهلة؛ أن تعدل وتُنصف مع من تختلف معه ربما في جوانب كثيرة هي المهمة الشاقة.
ليست على المستوى الشخصي فقط، ليست حين تمسك قلمك لتكتب كلمتين هنا أو هناك؛ بل على مستوى الجمهور.
*هناك جماهير تحب أن تظل في حالة حرب دائمة؛ تحب ألا ترى الحاكم يفعل خيرًا، وإذا فعل، قالوا أراد به كذا، وإنما فعل لأجل كذا.
الإنسان بطبيعته يحب أن يسمع شكرًا..
يحب أن يجد تقديرًا من الآخرين، سماها
الرسول عليه الصلاة والسلام
بـ “عاجل بُشرى المؤمن”. هذه العاجلة
ربما تُسهم في أن يستمر المحسن في
إحسانه ويكُفّ عن الخطأ ويُصحح مساره.
عين على قطر:
النملة تستطيع أن تحمل 50 ضعف وزنها، بينما الفيل لا يستطيع أن يحمل سوى ضعف وزنه تقريبا.....
قطر تلك الدولة الصغيرة في مساحتها الصغيرة (11.571) كلم مربع، وفي ضآلة عدد سكانها (1.963 ألف نسمة بحسب إحصاء مايو 2013)، كيف تأتى لها أن تلعب هذا الدور المحوري في الإقليم؟
قطر دولة قوية اقتصاديا بالنسبة إلى عدد سكانها وصغر مساحتها، فكما ذكر الكاتب والباحث الفرنسي "لازار" في كتابه (قطر اليوم: المسار الفريد لإمارة غنية)، فإن الدخل القومي لقطر تجاوز 173 مليار (في 2011م)، كما أنها قوة (غازيّة) كبيرة، حيث تمتلك ثلث احتياطي الغاز، وأول دولة مصدرة للغاز المسال في العالم.
أما كمية النفط فهي في حدود 25,4 مليار برميل، وعملت سياسة قطر المختلفة عن معظم الدول النفطية، في تشجيع قطاع الصناعات التحويلية لتصبح مكملا استراتيجيا للصناعات المرتبطة بالنفط، بحسب "لازار".
*هذه القوة الاقتصادية ارتكزت عليها قطر في أداء دور فاعل في قضايا المنطقة، وتدفّقت قوتها الناعمة لتؤثر بقوة في محيطها وإقليمها.
واستطاعت تلك الدولة الصغيرة استخدام مصادرها المالية كأداة للاتصال بالعالم الخارجي وترسيخ أقدامها في الوساطة الدبلوماسية.
*اقتحمت قطر عالم صناعة الأخبار الذي احتكرته أمريكا والدول الأوروبية، وذلك عن طريق النموذج الإعلامي الفريد المُتمثّل في "الجزيرة" القطرية، والتي نقلت العالم العربي إلى مرحلة جديدة في تلك الصناعة.
*جاء في بحث لمركز الجزيرة للدراسات بعنوان "قطر بعيون أجنبية": "تُلخّص الجزيرة الاقتصاد السياسي للقوة الناعمة، والذي تم من خلاله الاستفادة بشكل استراتيجي من براعة قطر المالية، في سبيل دعم سطوتها المتزايدة.
وبوصفها مصدرا لتدخل القوة الناعمة عززت الجزيرة إمكانية عرض النفوذ القطري من خلال التقاطع في الرؤية السياسية (القيادة والمبادرة) والاستثمار الذكي (الرعاية المالية والملْكية) والقدرة البشرية (المنتج الاحترافي، الاستقلالية الشديدة)، ألا وهو نوع محدد من التغطية الإخبارية له طابعه الخاص ويمتاز بحرفية عالية".
*ويأتي الاهتمام بالتعليم ضمن أحد أهم عناصر القوة الناعمة لقطر والتي أظهرت دورها الفاعل، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك، تلك المبادرة التي أطلقتها الشيخة "موزة" للمشروع العالمي "علِّم طفلا"، والذي يهدف إلى تعليم الصغار الذين حُرموا من الالتحاق بالمدارس في جميع دول العالم.
ذلك المشروع، شاركت فيه الأمم المتحدة، واليونسيف، والأونروا، واليونسكو، وغيرها من المنظمات والهيئات العالمية، إضافة إلى العديد من قادة الدول، والنخب التربوية.
*من الوقائع التي عبرت عن قوة وحضور قطر في الشأن الدولي والعالمي، فوزها بقرعة استضافة كأس العالم 2022م، من بين دول: أمريكا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وهي دول لها ثقلها، وسبقها في مجال الرياضة.
من الوساطة إلى المبادرة:
الوساطة الدبلوماسية جزء أساس في السياسة الخارجية القطرية، وحول ذلك يقول "كريستيان كوتس أولريكسن" في دراسة نشرها مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط:
"تحوّلت الوساطة الدبلوماسية إلى عنصر رئيس من عناصر السياسة الإقليمية المستقلة والتجديدية لقطر، ما ميّزها عن جيرانها في كلٍّ من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط ككلّ.
وهذه الوساطة باتت مَعلَماً بارزاً في الدستور القطري الذي أُقِرّ في نيسان/إبريل 2003، حيث نصّت المادة السابعة على وجه الخصوص على أن السياسة الخارجية القطرية "تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليَّين، عن طريق تشجيع فضّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية".
لقد انعكس ذلك المبدأ على سياسة قطر الخارجية، والتي أدركت قيادتها ما توفره هذه الفرصة من الاستقلالية في المحيطين الإقليمي والدولي، وقامت القيادة بإبلاغ الأمم المتحدة بأن النزاعات في العالم أصبحت كبيرة جدا بحيث لا تستطيع دولة بمفردها معالجتها.
*تعددت الوساطات القطرية في اليمن بين عامي 2008-2010، ولبنان عام 2008، ودارفور بين عامي 2008-2010، وبين السودان وتشاد عام 2009، وبين جيبوتي وأريتريا 2010م.
ويمثل عام 2011م الذي انطلقت فيه ثورات الربيع العربي، بداية تحول قطر من دور الوساطة الدبلوماسية، إلى دعم عمليات التغيير في الشرق الأوسط والشمال الإفريقي، ومساندة الدول التي تمر بمراحل انتقالية.
ونتيجة لذلك الدعم القطري لثورات الربيع، واجهت قطر تحديات ضخمة خاصة بعد تعثُّر هذه الثورات على إثر الثورات المضادة، وتحمّلت الدوحة تبعات دعم الإسلام السياسي، وخضعت للرقابة حول فتح أراضيها لاستضافة الإسلاميين.
لماذا يكرهون قطر؟
سُئل الإمام الشافعي رحمه الله: كيف تعرف أهل الحق في زمن الفتن؟! فقال: "اتبع سهام العدو فهي ترشدك إليهم".
هي إحدى نظرات الإمام الثاقبة الناجمة حتما عن تأمّلات واعية، وإن كانت ليست بقاعدة مُضّطردة، لكنها تخرج مخرج الغالب والأعم، فمن هم الذين يكرهون قطر؟
الانقلابيون في مصر:
قطر كانت من أكثر الدول دعما وتأييدا للنظام الشرعي في مصر برئاسة محمد مرسي، وكان الحديث إبّان توليه الحكم، يدور حول تحالفٍ مصري تركي قطري مرتقب، قد يغير الخارطة السياسية في المنطقة بأسرها.
*وبعد انقلاب الثالث من يوليو 2013م، انزعجت قطر، وعكست صحفها وبقية منابرها الإعلامية موقفا نقديا تجاه السلطة الجديدة في مصر، وكانت قناة الجزيرة هي العين التي كشفت زيف الإعلام المصري التابع للانقلابيين.
*وبعد مذبحة الحرس الجمهوري أصدرت الخارجية القطرية بيانا دعت فيه لإيجاد حلول سريعة بعد معالجة أي خلاف بالحوار، حفاظًا على الأمن والاستقرار وحماية المواطنين.
*وبعد مجزرة رابعة التي وثّق فيها المرصد المصري للحقوق والحريات سقوط 1162 قتيلا، أدانت قطر الاعتداءات الوحشية التي قامت بها قوات الشرطة والجيش ضد المُعتصمين السلميين.
وحتى اليوم يستمرّ الإعلام الإنقلابي في الهجوم على قطر، حدّ أن أدرجتها السلطات المصرية ضمن الدول التي يُشترط للسفر إليها الحصول على موافقة أمنية، وتنظر محكمة القاهرة للأمور المُستعجلة هذا الشهر النطق بالحكم في دعوى تطالب باعتبار قطر من الدول الراعية للإرهاب.
إيران:
بالرغم من أن قُطر تقيم علاقات اقتصادية قوية مع إيران يفرضها الجوار الجغرافي والشراكة في حقل غاز "بارس"، إضافة إلى الطبيعة غير التنافسية بين البلدين ما جعل العلاقات بينهما تتّسم بالهدوء.
بالرغم من ذلك كله إلا أن علاقة قطر بإيران مرّت بنقاط اختلاف قوية، كان أبرزها الملف السوري، الذي اتخذت فيه قطر موقفا مغايرا لطهران، فدعمت الثوار في الوقت الذي تساند فيه إيران نظام الأسد بكل قوتها.
*ثم تأتي الأزمة اليمنية، كنقطة أخرى من نقاط الاختلاف، ففي الوقت الذي تدعم إيران الانقلاب الحوثي، تشترك قطر في التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، وإحباط الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران.
ولا يخفى أن سوريا واليمن، حلقتان هامتان في مشروع الهلال الشيعي الذي تسعى إيران لإقامته لابتلاع دول المنطقة، ضمن مشروع قومي فارسي أعم، يرتكز على الطائفية.
ومما عمَّق من هذا الاختلاف، أن قطر نظرت إلى الحراك الشيعي في البحرين، ليس على أنه ثورة على غرار سوريا ومصر وبقية دول الربيع، لكنها تعاملت معه على أساس أنه (اضطرابات وخروج عن الشرعية)، وهو ما يخالف التوجّه الإيراني الذي يدعم شيعة البحرين، ويبسط نفوذه من خلالهم عبر ولاية الفقيه.
*سبق وكتبنا عن العلاقة القطرية الإيرانية .. تجدون المقالة على الرابط التالي ..
تُعّد قطر من أكثر الدول الإسلامية والعربية دعما لقطاع غزة، وتربطها بالمقاومة الفلسطينية علاقات طيبة، جعلتها في مرمى التحريض الإسرائيلي، واتهامها بدعم الإرهاب.
عام 2012 دعا (أمير قطر - الذي دعمت بلاده ثورات الربيع العربي –) دعا حكومة الاحتلال الإسرائيلية إلى قبول ثورات الربيع والنظر إليها باعتبارها فرصة لإجراء محادثات سلام جادة مع الفلسطينين، وصرّح بأن إسرائيل أصبحت أكثر عزلة.
ولطالما دعمت قطر قطاع غزة وآزرت القضية الفلسطينية:
إبّان الحرب الإسرائيلية على غزة 2008م طالب الأمير القطري، الرئيس السابق حسني مبارك، برفع الحصار عن قطاع وفتح المعابر وإيقاف بناء الستار الحديدي.
كما تبنى أمير قطر بعد الحرب مشاريع إعادة بناء غزة المتواصلة، والتي لمسها الفلسطينيون بقوة، إضافة إلى قيامه بأخذ زمام المبادرة وقدم بنفسه إلى غزة لكسر الحصار في زيارة تاريخية لا ينساها الشعب الفلسطيني.
وشمل الدعم القطري أزمة الفيضانات والكهرباء وغيرها من الأزمات على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
*أعلنت قطر قطع العلاقات مع إسرائيل أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة في 2008، خلال مؤتمر القمة.
وفي يناير 2009م طلبت حكومة قطر من رئيس البعثة الإسرائيلية في الدوحة، (روعي روزنبليت)، مغادرة الدولة، ودخلت العلاقات بين قطر والكيان المُحتلّ في مرحلة من الجمود، وصبّ اليهود جام سخطهم على القطريين.
*أعلنت قطر خلال هذه الفترة دعم القطاع بمبلغ 250 مليون دولار، ارتفع إلى 400 مليون (ناهيك عن الدعم غير المُعلن).
*أمير قطر هو الحاكم الوحيد الذي زار غزة في أكتوبر 2012م مُتحديا الحصار الإسرائيلي، وأقام مشروعات خيرية وخدمية، وقاد مصالحة بين فتح وحماس.
*أمثلة الدعم القطري لفلسطين كثيرة، كان آخرها ما أعلنه رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة (السفير محمد العمادي) الأسبوع الماضي، عن البدء بتنفيذ مشروعات إغاثية وتنموية جديدة بقيمة 60 مليون دولار.
*ومن المضحكات المبكيات، أن سلطات الانقلاب في مصر، قد منعت في يونيو الماضي دخول (محمد العمادي) إلى غزة عبر معبر رفح، بناء على قرار سياسي.
ومن أجل ذلك يشن الاحتلال الإسرائيلي حملات تحريض على قطر، خاصة عندما كانت على رأس الوساطة بجانب تركيا لفرض وقف إطلاق نار يضمن للمقاومة الفلسطينية إنجازاتها.
*كان آخر مظاهر التحرش الإسرائيلي بقطر، قيام وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية "ميريت ريجف" بالتهديد بوقف المعونات الحكومية لفريق أبناء سخنين في الداخل الفلسطيني لتلقيه الدعم من دولة قطر.
مخاوف أمريكية:
استطاعت قطر الحفاظ على استقلاليتها في القرار السياسي، رغم وجود قاعدة أمريكية على أرضها.
وأثارت علاقاتها المُتنامية القوية مع السعودية وتركيا، مخاوف أمريكية من تشكيل حلف سني في المنطقة.
يقول الباحث علي حسين باكير: "مكمن الخوف الحقيقي لدى إدارة أوباما هو أن يتحول التعاون والتنسيق الإقليمي بين كل من السعودية وقطر وتركيا إلى تحالف يدفع هذه الدول إلى اتخاذ قرارات أكثر استقلالية في القضايا الإقليمية الحساسة، ويُشكّل قاطرة تجرّ معها الدول الأخرى في المنطقة بشكل يؤدي إلى تجاوز الموقف الأمريكي في المسائل الأكثر أهمّية مما من شأنه أن يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة".
قوى علمانية:
وهذه أشد ما يثير حنقها ضد قطر، أن هذه الدولة لديها علاقات طيبة مع علماء السُنّة، والتيار الإسلامي المعتدل، لاستيعابه واستثماره في دفع عجلة السلام والاستقرار بدلا من الدخول معه في مواجهات لا مبرر لها.
خاصة وأن قطر دولة سُنيّة، تنتشر فيها المساجد، وينعم فيها الدعاة والدعوات بحرية الحركة في إطار الانضباط بقوانين البلاد.
ومن المعلوم أن قطر تستضيف منذ سنوات رئيس رابطة علماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، وغيره من العلماء والدعاة، ويتردد عليها علماء التيار السلفي السعودي، وتقوم الدولة بتكريمهم وإحتوائهم.
كلمة أخيرة:
هل عرفتم من يكره قطر؟ ولماذا يكرهون قطر؟
هي كلمة حق أقولها في شأن قطر، ولستُ في الوقت نفسه أدّعي لها ولقيادتها الكمال، وحتما هناك قصور وأخطاء، لكنها أبدا لم ولن تكون مُبرّرا (بالنسبة إلي) في عدم تسليط الضوء على الجوانب المُشرقة في سياسات وإجراءات وتحرّكات هذه الدولة حكومة وشعبا.
وإلى لقاء آخر، وتوضيح آخر، وأرُزٍّ آخر.
إحسان الفقيه.. حرباء عربية و«بوق نسائي» للإخوان المسلمين!
محمد سعود (الرياض
لم ترتق الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه لتكون أحد قادة تنظيم الإخوان المسلمين المصنف في دول عدة بأنه تنظيم إرهابي، لكن رموز التنظيم وجدوا فيها مهمة الدفاع عنهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتكون بوقاً نسائياً لهم.
والأردنية إحسان الفقيه برزت قبل بضعة أعوام في مواقع التواصل الاجتماعي، حينما مدحها وأثنى عليها ثلة من رموز جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم، لتحظى بعدها بمتابعة آلاف الأشخاص، الذين لا يعرفون تاريخها الممتلئ بالتلون والعداء لدول مجلس التعاون الخليجي وحكامه باستثناء «تنظيم الحمدين». واتبعت الفقيه سياسة مدح المملكة لتزيد من شهرتها وتكسب تعاطف الكثيرين معها، حتى تمرر مشروعها في دعم تركيا وقطر والتعاطف مع الإخوان المسلمين، لترسم لهم صورة حسنة في أذهان متابعيها، بيد أن الغيورين على أوطانهم من الخليجيين يكشفون أمام الملأ تاريخها ومشروعها ويتصدون لأفكارها المشبوهة منذ بروزها. وفضحت الأزمة الخليجية الفقيه وأظهرتها على حقيقتها، التي كانت تخبئها، وتكشف وجهها الحقيقي، وتتحول إلى بوق نسائي لقطر والإخوان المسلمين وتركيا، لتكيل السباب والشتم لمسؤولين سعوديين وإماراتيين ومصريين، انتقاماً لموقفهم الصارم في دحر الإرهاب الذي تدعمه الدوحة، بيد أن معظم الخليجيين يردون عليها: «القضية خليجية وما دخلك فيها وأن المرتزقة يظهرون في القضايا التي لا دخل لأوطانهم فيها».
وما إن أعلن المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني وسم القائمة السوداء مساء أمس الأول، إلا وجن جنون ابنة الأردن المتحجبة حسب الطلب، لتؤكد أنه في حال وضع اسمها في القائمة السوداء ستطلب من قطر إقامة دائمة، لتخدمها من قلبها حتى تموت، معلنة التحدي بإخراجها من الدوحة، وإحسان الفقيه لم تعد مؤثرة، كونها من المرتزقة، الذين يريدون إشعال الفتنة بين أبناء الخليج، وتمزيق وحدتهم، ولم ولن تنجح في مهمتها التي جندت من أجلها، لأنها متقلبة كالحرباء.
عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 20 مارس 2018, 7:11 pm عدل 2 مرات
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الثلاثاء 20 مارس 2018, 7:09 pm
هل يكفيها بكاء ألف ليلة وليلة؟ بقلم:احسان الفقيه
احسان الفقيه يعود كل يوم في ذات الموعد، يحمل أشياء تريدها وأخرى لم تطلبها، تسمع فتحة الباب، ترفع صوتها بـ"أهلين" ممدودة وكل وُدِّ العالم في ابتسامتها الشقيّة تلك.. لطالما مسحت عن أرقِكَ الخوف من صفقة خاسرة او دائن محتال أو بنك ثقيل الدم.. ولطالما احتالت هي على رغباتها كي تُشعرك أنك دائم النصر ودائم الإنجاز وأنك بارع في مطارحة الشوق أرض الوصال.. مهزومة تجلس بدونك والأريكة التي رافقتكما سنوات المرح تُعلن الحداد وتنوء بذكريات يبدو أنها لن تتكرر.. اعذرني فكل يوم من حياتي لا يتكرر ... **** وهل تكفيها أكفُّ العالم كلّه لو أربتت على كتفها وقالت لها خيرها بغيرها ومنه العوض وعليه العوض؟؟ هل يكفي بكاء ألف ليلة أو ذرع ألف طريق موحشة حتى طلوع الفجر كي تتجاهل حضورك السافر في تلافيف روحها؟ هل تكفيها الكلمات المخنوقة ضمن نصًّ صغير كهذا؟ هل يتكفّل كل ذلك بإبادتك، اجتثاثك، إقصائك، بإعلان أنّك "كنت ولن تكون بعد الآن"؟.. **** يقولون أن أكثر النساء المترددات على المعابد هُنّ الفاشلات في الحبّ.. تشعرُ بالخجل حين تمرّ بمسجد أو كنيسة فهناك أُخريات يقاسمنها لذّة الحُزن في محاريب الفضفضة والأنين بين يدي الله.. تغبطها الطرقات وتحتسيها المسافة الفاصلة ما بين التنهيدة والدمعة، في هزائمها الكبرى تفترش سجادة الصلاة، تستقبل قبلة أشواقها، وعند ثُلث الليل الأخير تعود الى مهدها، تقرأ وجه رفيقها الطيّب، تهمس وهي تُرتِّب شعرات حاجبيه الغافلتين عن حزنها بطرف خنصرها: آه لو تدري كم أحبك وكم أشتهيك وكم أمقُتُك ولا أريدك كذلك.. *** حين يدنو منه الضجر ينفض عنه الرتابة بجولة عبر الفضاء بحثا عن كوميديا او سخافة لا علاقة لها بالفن و الترفيه، او عن محطة إخبارية تزعم الحريّة والجرأة والمصداقيّة من أجل الحقيقة فقط، قد تمُرُّ به بعض ميولٍ غريزيّة خبيثة ربما غير مقصودة منه عبر خصور تهتزُّ هنا و أجزاء تتدلّى هناك بلا انسجام، بلا ابداع، بلا ذوق فتفقد حتى الموسيقى معانيها، أتأمّله بين سطر وآخر بين فكرة وأخرى وأنا ألتهم كتابا على عجل... وأقول في ذاتي : لله درُّ الفضاء.. *** أُخبره عن تفاصيل يومي التي تدور حول شوقي الدائم اليه ويُذكّرني بضرورة تغيير زيت سيارتي.. أتّصل معه في اليوم التالي وأنا في طريقي إليه فأسأله هل اشتقت لي فيقول أيّ محطة اخترتي لتغيير زيت الوقود.. أُغيّر ذاك الزيت الملعون وأشتري بعض ورود يبيعونها بسعر مضاعف في محطة الوقود، أدخل مكتبه بلهفة عاشقة في الصف الأول، أُسبّل له بعينيّ وأُقدّم له ورودي وأخبره كم أحبه، فيسألني أين جلستي حين غيرتي الزيت في محطة الوقود.. سُحقا للوقود وللسيارات ولمحطّات الوقود ولمن سيشتري لك شيئا بعد الآن ..
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الثلاثاء 20 مارس 2018, 7:23 pm
نشرت الكاتبة إحسان الفقيه صورة لها مرتدية الحجاب، لتضعها صورة شخصية لها في حسابها الرسمي على موقي التواصل الاجتماعي "تويتر"، و "فيس بوك". وبحسب متابعي الفقيه، فإن ارتداءها للحجاب لم يكن أمراً مفاجئاً بالنظر إلى مواقفها المنافحة عن الإسلاميين على الدوام، بالإضافة إلى إعجابها بكتب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم، وفق قولهم. وفور نشر صورتها بالحجاب، ضج موقعي "تويتر"، و "فيس بوك" بالتعليقات المشجعة لإحسان الفقيه، والمباركة لها على "خطوتها الجريئة"، وفق وصفهم. وعلّق الناشط مالك الزعبي: "الحمد لله رب العالمين .. تمم الله عليكِ بالنقاب وألهمك الثبات". وأضاف علي جراد: "ماشاء الله تبارك الله، الآن أزلتي ما بنفوسنا من عتب عليك، زادك الله رفعة في الدنيا والآخرة ... ونفع بك الدين والأمة ..". إحسان أبو صيني قال: "ما شاء الله مباااارك ... اكتمل الإحسان بالفقه". وقالت منى مهاوش: "كان لا بد للكلمات الحرة بهاء الحجاب ثبتك الله وتقبل منك صالح العمل". وكتبت إحسان الفقيه بعد دقائق من تغيير صورتها الشخصية: "مسيحي يسخر من مسلم>عادي، شيعي يشتم رموز الاسلام>حرية، غربي يسخر من مُلتحي مسلم>وجهة نظر، راقصة تسخر من محجبة>مش جريمة، مسلم يرفض ذلك فهو إرهابي
إحسان الفقيه تردّ على ''المشكّكين والطاعنين'' في ارتدائها الحجاب
ردت الكاتبة إحسان الفقيه على المشكّكين في نواياها بعد ارتداءها الحجاب قبل أيام، حيث روّج بعض الناشطين أن الفقيه ارتدت الحجاب "كمصلحة شخصية غير نابعة من وزاع ديني".
وغرّدت الفقيه على حسابها الشخصي موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "اللهم إنك تعلم عني ما لا يعلمون، اللهم كل من طعن في شرفي وشكّك بأخلاقي أو شجّع وأيّد من ظلمني فانتقم منه يا الله، أنت حسبي ونعم الوكيل".
وفور نشر صورتها بالحجاب، ضج موقعي "تويتر"، و "فيس بوك" بالتعليقات المشجعة لإحسان الفقيه، والمباركة لها على "خطوتها الجريئة"، وفق وصفهم.
وبحسب متابعي الفقيه، فإن ارتداءها للحجاب لم يكن أمراً مفاجئاً بالنظر إلى مواقفها المنافحة عن الإسلاميين على الدوام، بالإضافة إلى إعجابها بكتب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم، وفق قولهم.
*من يصدق أن الميدان الذي شهد قبل ستة وتسعين عاما أغرب الثورات التي عرفتها مصر والعالم الإسلامي العربي ( ثورة اللامنطق واللامعقول) التي خلَت من أي علاقة ظاهرية بين الفعل وأهدافه.. هو ذاته ميدان التحرير في القاهرة الذي اكتسى بعد ثورة الـ 25 يناير اسم ميدان الشهداء (رمز الثورة والحرية) في زماننا حيث العديد من الثورات والاحتجاجات التي انطلقت في مصر وألهبت قلوب الدنيا؟؟
لكل حكاية بداية:
البداية كانت تلك النخب التي سلبها الافتتان بالغرب هويتها، فسعوا لتغريب أوطانهم باقتباس القيم والعادات الغربية التي لا تتفق مع المكوّنات الثقافية للشعوب العربية التي تنبعث من هويتها الإسلامية.
كان من هذه النخب "قاسم أمين" الذي عاد من فرنسا ليبشر بعهد جديد للمرأة المصرية تسير فيه على خطى نظيرتها الفرنسية، ولو أدى ذلك إلى أن تدخل وراءها جحر ضُبّ.
فجّر هذا الرجل وهْم تحرير المرأة، وليته ثار ومن معه على الممارسات الخاطئة في تطبيق تعاليم الدين تجاه المرأة، لا على الدين نفسه وتعاليمه التي لا يصل إليها الخلل.
فصار محور قضية تحرير المرأة تحلّلها من حجابها ومزاحمة الرجال في الصالونات، وهكذا نحن دائما نقتبس من الغرب الطنين وقشّا يطفو بين الفقاقيع.. طبعا الذي شجّع قاسم أمين على المضيّ قُدما في دعوته: الزعيم المزعوم سعد زغلول.
وحتى تسعى المرأة بنفسها إلى تحرير نفسها، تولى هذه الدعوات هدى شعراوي التي عادت أيضا من فرنسا بغير الوجه الذي سافرت به، وصارت تقابل الرجال في الصالونات بغير حجابها، وتزعمت الحركة النسوية المزعومة، والتي وجدت أقلاما تروّج لها في الصحف.
تلك المرأة التي كان أبوها عميلا للانجليز، ومثلُها الأعلى مصطفى كمال أتاتورك، وقالت له وجها لوجه: أنت لست أبا الأتراك وحدهم، أنت أيضا "أتا شرق" بمعنى أبو الشرقيين.
وبينما كان الشعب المصري يثور على الاحتلال الإنجليزي فيما عرف بـ "ثورة 1919" كانت صفية زغلول تقود جمعا من النسوة إلى حيث ثكنات الإنجليز بميدان الإسماعيلية، وهو الاسم السابق لميدان التحرير.
وفجأة اندلعت الثورة.
كيف؟ بالرصاص؟ بالحصى؟ بالصراخ؟ بالهتاف؟
كل ذلك لم يكن، إنما خلع النسوة الحجاب وألقينه أمام الانجليز وأضرَمن فيه النار لكي يحصُلن على حريتهن.
فما العلاقة بين رفض الاحتلال وبين الحجاب، أهي ثورة على الأعداء أم ثورة على شعائر الإسلام؟ فأين موضع المنطق في ذلك الحدث؟
*الإجابة طالعنا بها قديما الأستاذ محمد قطب رحمه الله في كتابه "واقعنا المعاصر"، حيث قال: "لا منطق في الحقيقة! ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا المنطق الذي لا منطق فيه، هو الطريقة المثلى لمحاربة الإسلام... إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون " بطلا" لتتدارى في ظل " البطولة " أعمال التخريب والتحطيم!".
عود على بدء:
وسعيا في إعادة مجد هدى شعراوي وصفية زغلول والمناضلات بنزع وحرق الحجاب، انبعث منذ أيام أشقى القوم، إعلامي مصري من أولئك الذين يفجُرون في الخصومة، وأراد أن يُقحم الحجاب في صراع زمرته المصفّقة الدائمة للسلطة الانقلابية ضد شرفاء مصر الرافضين للانقلاب، والذين اتّسع لهم مسمى "الإخوان" ذلك الوصف الذي صار فضفاضا يشمل كل من قال للظلم والجور: لا.
*وفي غمرة شعوره بالوطنية والحرص على أمن مصر القومي، أطلق الإعلامي الموهوب صيحته في وجوه المصريات للذود عن حياض وطنهم ضد إرهاب الإسلام السياسي.
كيف؟
على طريقة صفية زغلول وهدى شعراوي.
"نداء عاجل إلى نساء مصر: اخلعوا الحجاب، فهذه خير وسيلة للإعراب عن رفضكُنّ للإسلام السياسي".
وهكذا يدعو شريف الشوباشي مرة أخرى إلى ثورة اللامنطق، فما هو دخْل تعاليم الإسلام وتشريعاته السماوية بتيار الإسلام السياسي؟ هل ذلك التيار هو من شرّع الحجاب؟
إذا كان الإسلام كمنهج شامل للحياة البشرية بجميع جوانبها يُحتّم أسلمة السياسة، فالشوباشي وأمثاله يسعون لتسييس الإسلام، وبما ينعكس على الإسلام او يقود الى هدمه.
*يذكرنا بتلك المسرحية الهزلية التي وقف خلالها أحمد بن بيلا يوم أن خاطب المرأة الجزائرية قائلا: "إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلى ذلك! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر!".
وماذا تستفيد الجزائر من خلع النساء حجابهن؟ لماذا يتعاظم الغيظ في قلوبكم لحجاب المؤمنات؟ لماذا تُسخّرون الحجاب في معارككم السياسية؟
لماذا أيها الشوباشي؟
وعلى الفور دعمته وسائل الإعلام المناهضة للإسلام التي يرعاها نجيب ساويرس، ورجال الأعمال الموالون له أمثال طارق نور مالك قناة "القاهرة والناس"، ما حدا بالمفكر الإسلامي محمد حامد الأحمري إلى أن يقول: "مليونية خلع الحجاب نجاح هائل متتابع لساويرس في مصر. بعد دوره في استعادة العسكر وتدمير ديمقراطية مصر وخلع رئيسها.. هل سيخلع حجابها؟".
من فتح الباب أولا؟
لقد كان ذلك الحدث أحد إفرازات الخطبة العصماء التي ألقاها كبيرهم "السيسي" خلال احتفالية المولد النبوي، والتي دعا فيها للثورة على النصوص، والخروج عليها، والنظر فيها من جديد.
من يومها، بدأ خط التطاول على ثوابت الدين في التصاعد، وصارت التشريعات الربانية حِمى مستباحا لكل مُغرض باسم تجديد الخطاب الديني استجابة لدعوة الرئيس المُلهم.
وأقول هنيئا للراهبات المصريّات اللاتي يرتدين الحجاب في مصر، فلن يطالهن وصف الإرهاب والتشدد، فهو وصف تم تفصيله على الجسد المسلم وحده، في ظل وجود أبواق إعلامية خاضعة للنظام أُشربت العلمانية، وتعمل شريحة واسعة فيها وفق أجندات قبطية وخارجية.
وبعد أن فتح زعيم الانقلاب الباب على مصراعيه للثورة على النصوص، وترجم إعلام مسيلمة تعاليم حكيم زمانه، أشار من طرف خفي على استحياء للتناول الإعلاميّ لهذه القضية.
وقال إنه ذكر خطوطا عامة في خطابه دون الدخول في التفاصيل، لكن التناول الإعلامي بهذه الصورة لا يخدم تلك القضية، حيث أن ذلك الإصلاح لا يأتي في يوم وليلة.
إذن، فالإصلاح بهذه الطريقة الهدّامة هو عين ما ينشده السيسي، لكنه فقط ينتقد كيفية المعالجة لا التوجّه ذاته.
قد علِمنا يا هذا أنك إنما أتيت لتأخذ بحُجُزِ المصريين إلى العلمانية، لتضمن الرضا الصهيوأمريكي، وتحافظ على حلم ساعة أوميجا.
*أين جهودك المضنية يا شيخ الأزهر في القضايا السياسية التي طوّعتَ لها علمك ومؤسستك؟ أين أنت من الذبّ عن فريضة رب السماء؟ أم أنك وجدت قاعدة فقهية جديدة بنيت عليها صمتك وخنوعك؟
أنا لست في خوف من تأثّر النساء المحجبات في مصر بتلك الدعوة المغرضة، فحتى المتبرجات والسافرات يعلمن جيدا أنه فريضة الله على المؤمنات، لكن أن تنطلق تلك الدعوات المشؤومة في مصر بلد الأزهر دون الأخذ على يد أصحابها المغرضين، ودون أن يتعرضوا للمساءلة القانونية، في الوقت الذي تصدر فيه أحكام الإعدام جزافا بحق الشرفاء والمصلحين، فهذا ما يندى له الجبين.
سأخبركم سرا:
ترددت أن أكتب عن مليونية الحجاب تحسُّبا للردود المعتادة واتهامي بالأزدواجية والانفصال بين الكلام والفعل وبين التنظير والتطبيق، فتذكرتُ مسئولية الكلمة، وأنني وإن قصّرت في واجب فلا ينبغي أن يكون ذلك التقصير مسوّغا لترك أداء واجب آخر.
واجب الثورة على ثورة اللامنطق.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الخميس 22 مارس 2018, 11:24 am
إحسان الفقية:السعودية وأنا … و«الحياة»
من قرأ في حقبة الحرب العالمية الثانية، فغالباً ما وقف على «انسحاب دنكرك»، الذي نفذه الحلفاء لإنقاذ ما تبقى من قواتهم المحاصرة أمام القنال الإنكليزي، حيث يتهددهم زحف الجيش النازي، فتم إنقاذ ما يزيد على 300 ألف مقاتل عبر السفن والعبّارات وقوارب الصيد، فقيل إنه من أعظم الانسحابات العسكرية في التاريخ.
في الحرب ذاتها شهدت أرض العلمين المصرية معركة كبرى بين قوات الذئب البريطاني مونتغمري، وثعلب الصحراء الألماني روميل، وانتهت بانسحاب الأخير، وفق خطة صنفها القادة العسكريون وخبراء العلوم السياسية بأنها أعظم خطة انسحاب في التاريخ، حتى قيل إن انسحاب روميل كان أعظم من انتصار مونتغمري.
وهكذا لا يعد الانسحاب في المعارك الحربية هزيمة في بعض الأحيان، أما ساحة الآراء والأفكار والتوجهات فيبدو أن الانسحاب منها جد عسير، وأن الكاتب يظل في عين القارئ سجين حروف سطرها قلمه في حقبة ما وفق توافر معطيات وغياب أخرى.
يؤلم الكاتب أن يجد نفسه مضطراً إلى الانسحاب برهة من الشأن العام، ليصول ويجول في شأنه الخاص، لكنه قد يلجأ إلى ذلك لوضع النقاط على الحروف، وحسم نقاط الجدل حوله.
ما إن ارتقيت منبر «&» المرة الأولى حتى فوجئت بسيل من الدعوات لمقاطعة الصحيفة، لا لشيء إلا أنها استضافت قلماً مغضوباً عليه، انتقد يوماً سياسات خارجية صدرت عن حكومتهم.
هؤلاء الذين وضعوني في طاحونة التصنيف لم يتغير موقفهم تجاهي اليوم عن ذي قبل، على رغم التباين الشديد في توجهاتي الفكرية والسياسية، خلال مدى زمني تلاحقت فيه الأحداث في الأمة، تفاعلت معها بتكثيف المطالعة والتعمق وطول التأمل ومد الجسور مع النخب، فاستضاء جانب مظلم في رأسي، وانكشف الغطاء عن معطيات جديدة بنيت عليها توجهاتي الأخيرة.
هوجمت حين سها قلمي وحين يقظته أيضاً! فهي الإخوانية الداعشية عندما سلّت قلمها ببضع كلمات، ربما خرجت من رحم قراءة غاضبة للواقع، وضبابية خلط الأوراق، وجرح ما زلت أستشعر سكاكينه وأوجاعه تنخر عظمي، كلما تذكرت إخوة لي تمت شيطنتهم وتشويههم بمبررات مختلفة.
ثم هي المأجورة عاشقة «الأرز»، عندما انحازت إلى قضايا المملكة باعتبارها جزءاً من قضايا الأمة، وأخذت على عاتقها الدفاع بقلمها المتواضع عنها، وقضت شهوراً تقرأ وتكتب عن عدوها وعدوكم، وتشرفت بزيارة رسمية للحد الجنوبي، تجري اللقاءات مع المرابطين على الثغور، ونقلت إلى الأمة عبر ما تيسر لها من منابر – بشفافية من دون مجاملة أو مداهنة – مشاهداتها في مركز الملك سلمان الإغاثي، ومركز محمد بن نايف للمناصحة، وسجن الحاير بالرياض، إلى حد جعل من هذه الكاتبة هدفاً ومرمى للرشق بالعمالة والمأجورية للسعودية، من قِبل الأضداد.
وحاشا لله أن أسوق ما أسوق في موضع منة، فلست أدافع عن تلك الأرض إلا لأنها قلب الأمة النابض، لكن كما قلت آنفاً: وضع النقاط على الحروف، ليدرك مقالتي من أدركها عن بينة، ويخوض في شرفي المهني من يخوض عن بينة. نعم انتقدت السعودية يوماً ما، ولا ضير في ذلك، فليس هناك فرد ولا دولة تعلو على مستوى النقد، خصوصاً أنه كان مبنياً على ما توافر لديّ من معطيات جاهدت في الوصول إليها بـ«عزف منفرد».
لكنني لا أدري؛ هل فات من هاجمني والصحيفة الوقوف على محطتي الأخيرة، التي ألقيت فيها متاعي الفكري والسياسي؟
عجباً لمن يطالب الكاتب بالعودة والأوبة إلى الصواب، ثم يغلق أمامه الباب ولا يقبل تصويبه حتى «يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ».
أجد نفسي شجاعة في أن غيرتُ مواقفي، ولم ألتفت إلى فزاعة التشغيب عبر عرض عبارات الماضي، فتغيير المواقف وارد، وقد يقع بمنزلة الضرورة، لكن المبادئ لا تتغير، فهل كان الأولى بي أن أقبع في ثبات الأموات؟
يطالعني أرنست هيمنغواي، الذي خطت أنامله رائعة «الشيخ والبحر»، بقوله: «إن الموتى والحمقى هم الذين لا يغيرون آراءهم أبداً».
عندما أقرأ تلك الكلمات، التي أكتبها الآن، أدرك وتدركون أنني في تعداد الأحياء، وقلمي وعقلي أراهما ودَّعا الحماقة منذ زمن، فلست بميتة ولا حمقاء.
فأرجو أن يكون لي من نصيحة الفاروق سهم ونصيب، إذ قال لأبي موسى الأشعري: «ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل».
و قطعنا الطريق على كل من يصوّب خطأه، حتماً سيخلو خندقنا من الأصدقاء، ولن يبقى لنا إلا التماس الوفاق مع الأعداء.
كنا نقرأ في دراسة كتب الفقه عبارة «قال الشافعي في الجديد» وتارة «في القديم»، فعلمنا أن الإمام له آراء في الفتيا قبل دخوله مصر، عدل عنها بعد دخوله إليها، وهو ما استقر عليه رأيه، فلم أجد من يعيب عليه تبدل آرائه.
خلال قراءتي عن «ثورة 23 تموز (يوليو) المصرية» التي أطاحت بالملك فاروق – بغض النظر عن تقويمها – وجدت أن الشخص الأوحد الذي أجمع المصريون على نزاهته في مجلس قيادة الثورة هو اللواء محمد نجيب، الذي اتخذه عبدالناصر ورفاقه رمزاً للثورة، لثقله وعلو رتبته العسكرية.
وقرأت في المقابل أن اللواء نجيب قدم استقالته إلى الملك قبل ذلك بـ10 سنوات، بعدما حوصر القصر من قبل بريطانيا لإجباره على تشكيل حكومة برئاسة النحاس باشا، وكان سبب الاستقالة شعوره بالخجل أمام مليكه لأنه لم يستطع حمايته، إلا أن القصر رفض الاستقالة وشكره.
لكن اللواء نجيب كان أسعد حظاً، فلم يجد من يرميه بالتناقض وتغيير المبادئ، ولم يقع تحت أضراس القسمة الظالمة التي تحاسب على الماضي وتضرب بالحاضر عرض الحائط، ولا تفرق بين النقد والخيانة.
أرسطو قال قديماً: «النقد أمر نستطيع تفاديه بسهولة، بألّا نقول شيئاً، وألّا نفعل شيئاً، وأن نكون لا شيء»، لكنني انعقد عزمي على الانحياز إلى الحق أينما كان، وسأقول شيئاً، وأفعل أشياء، وأكون ما شاء الله لي أن أكون.
أما وطنكم يا أهل السعودية، فإني أقاسمكم الانتماء إليه ولن أستأذنكم، فإنما كانت تلك الأرض مأوى طفولتي، وفيها حفظت كتاب الله، ولي فيها ذكريات في القلب أُنشبت.
وتباً لمن سخّر مهاراته في التلفيق والتزوير، ليلصق بي تهمة الإساءة إلى من صعدت روحه إلى بارئها، وغفر الله لمن صدقه وهو يعلم حجم التلاعب في عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، من خلال برامج الفوتوشوب وغيرها، وفتح حسابات مستعارة لا تمت للكاتب بصلة.
لديّ من الخطوط الحمراء ما لديّ، فلست أسب ميتاً، أو أنهش عرض امرأة ولو أساءت إليّ، أو أنال من شيخ كبير، فشيئاً من خصومة الفرسان يا قوم. أولى لنا فأولى، ثم أولى لنا فأولى أن يكون الاصطفاف مقصدنا وغايتنا، فلتتسع خنادقنا، وقبلها قلوبنا، الأمر جدٌ وما هو بالهزل، والوقت يضيق ولا مناص من المقاربة واختزال المسافات والتوافق على المشتركات.
الحياة
احسان الفقيه
* كاتبة أردنية.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الخميس 22 مارس 2018, 11:38 am
احسان الفقيه .. (طوق حمامة شقراء) أنثى أعلنت الحرب على بلاد بأسرها
[rtl]لقمان إسكندر[/rtl] [rtl]كيف تكتب عن شقراء تحسن الكتابة جيدا عن نفسها .. حسنا لا بد في أية حال أن أحاول. وها أنا سأبدأ بالتالي:[/rtl] [rtl]كأنها طي السر في طوق حمامة شقراء أو حمراء، لا يهم. تزدان النساء بأمور، وتزيد عليهن بنقمة العارفين، أو نعمة الواصلين. ولكأنها الحمامة في طوقها الأبدي .. لا تبكي ولا تضحك.. لا تحكي ولا تصمت.. تخوض حروبها العالمية من غرفة نومها. ثم لكأنها كلما أطلقت الوعي زاد شقارها سحرا.[/rtl] [rtl]غامضة، فاتنة، ماجدة، أغلقت عليها دنيا (إحسان) ثم فتحت ساحة لا نهائية من الحياة الافتراضية. لكنها ليست كأي امرأة.[/rtl] [rtl]أردنية. حورانية، شمالية شقراء أو بيضاء لا يهم .. سأعترف بشيء: قد يكون مربكا الحديث عن حُسنها. وهل توصف الثقافة بأنها حسناء. وهل توصف الشخصية الموسوعية بأنها شقراء أو حمراء؟ هل سمعت يوما أن لغتك العربية تحولت إلى أنثى من لحم ودم ثم أردت أن تحدثها.. ترتبك تتلعثم .. ربما تقول ما لا يجوز أن يقال. لكنها ستسامح، هي تدرك جيدا ما يجري أمامها.[/rtl] [rtl]المربك أكثر انك لن تكون متأكدا أن شيئا مما ستكتبه عنها سيرضيها. في الحقيقة لن يرضيها شيء على الإطلاق. هي في عالم جوانيّ خاص. نزقة، ومتعبة، ومزاجية، وملولة ومزدحمة بالأحاسيس الغامضة. لا تبحث عن شيء. ولا تريد شيئا. يطيب لها أن تجلس خلف بندقيتها وتقاتل.[/rtl] [rtl]هي لا تريد إلا أن تقاتل. (فدعني رجاء بسلام) هذا ما طلبته بلطف مني. استجبت بدوري. لم أثقل عليها. ولأنها هي هي؛ عتبتْ على نفسها، فأرسلت لي قصاصات تخبرني عنها.[/rtl] [rtl]أنثى واحدة أعلنت الحرب على بلاد بأسرها، واستمسكت بعروة الوطن الوثقى. لكن وطن إحسان أوسع من أن يكون هوية صادرة من "سايس بيكو". هو وطن ممتد حتى آخر راية دم إسلامي. وهذا يعني أيضا ارتباط وجدانها السياسي بوصفي التل، وبراشد الخزاعي، وبكليب شريدة، وبالعجلوني والعدوان والعبيدات والجازي وهزاع وحابس أبناء عشيرة المجالي في جنوب الأردن..[/rtl] [rtl]قالت لي: والله الذي لا اله غيره أن بإمكاني أن أعيش تلك الحرية التي تقاتل من أجلها المطالبات بالحرية، ووالله أني لا افتح باب البيت أحيانا أسبوعين .. وهناك مصرية هي فقط من تزورني تقوم ببعض أمري وتجلب لي ما أريد ولو غابت لما أكلت ولآثرت الجوع على أن أخالط الناس.. ليس بتكبّر . لكنه العزّ بالعزلة فالآخرون هم الجحيم فعليا.. حسبي الله ونعم الوكيل".[/rtl] [rtl]عن ذلك تقول: (العزلة الخيار .. الملجأ الأخير من هذه التشوهات التي يملأها الطغاة حولنا .. صدق فولتير حين قال الآخرون هم الجحيم…)[/rtl] [rtl]لكن يا إحسان .. بكل معاني الجدوى مضت العزلة تغزل فيك ألوانا لا يدركها سوى العارفين.[/rtl] [rtl]لم أجد إلا أن أقول لها: هذا عالم إحسان .. "طوق حمامة" شقراء لَفَظَتْ عصرها منذ أن غادرت قريتها الصغيرة وقررت أن تشتبك مع العالم بأسره.[/rtl] [rtl](أنا أردنية وحسب وقبل كل ذلك أنا مسلمة وأنطق العربية) تقول عن هويتها. هي من قرية كفرأبيل القريبة من المشارع (الغور الشمالي) .. عاشت في الحجاز بعضا من الوقت.. وعملتُ عامين فقط في قسم المنوعات بجريدة الدستور الأردنية ثم القسم الثقافي.[/rtl] [rtl]تقول: كنتُ أكتب تحقيقات لا علاقة لها بالتحقيقات، لكن هذا ما كان مُتاحا ومسموحا به حينها..".[/rtl] [rtl]عاشت بعيدة عن أمها منذ أن كانت في الرابعة من عمرها. اعتقلت في السجون السورية "لكن الله نجاني منها".. عرفت عنها كيف يعامل الأسد النساء.[/rtl] [rtl]انتظروا قليلا .. نسيت أن أقول لكم سرا .. إن سيدتها الأولى جدّتها .. ورجلها الأول جدّها.. تقول عن ذلك: لا أكذب إن قلت قد يكون هو الأخير..[/rtl] [rtl]أما في ليبيا فقد غادرتها بذاكرة عن تحقيق صحافي واحد يوم كانت تبيع هناك الخبز مع إحدى السيدات الفلسطينيات. هناك حيث التقط لها صحافي صورة ثم كتب في جريدته العنوان التالي: (حسناء شامية تبيع الخبز في سوق الحوت – طرابلس).[/rtl] [rtl]زارت مصر. وأحبت نخوة المصريين. وعاشت في الإمارات. من دون أن تعرف عنها شيئا. ( كنت أحيانا لا أخرج من بيتي أسابيع طويلة ورأيت فيها أيّاما عجب..) ثم هي عاشت شيئا في قطر.. هناك وقعت في غرام الدوحة. وها هي في لندن تحط رحلها المرتبك .. ثم غادرتها ومنعت من دخولها مرة أخرى.. واليوم تعيش في تركيا وكأنها في انتظار عودة الفاتحين.[/rtl] [rtl]هل يكفي حياة امة في إحسان.. أها .. نسيت أن أقول لكم أني أتحدث عن إحسان الفقيه.[/rtl]
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 26 مارس 2018, 8:06 am
[size=30]هكذا يُساق الشعب الأمريكي
إحسان الفقيه
[/size]
Mar 26, 2018
في أحد أفلام المخرج يوسف شاهين تَجسّدَ حلم الشباب العربي في السفر إلى ما يعتقدون أنه الفردوس الأرضي (أمريكا). وفي نهاية الفيلم ظهر تمثال الحرية وهو يتخلى عن وقاره، وبدا وجهه كامرأة غانية تغمز بعينها وتُطلق ضحكة ماجنة، في إشارة إلى الوجه الآخر الحقيقي لأمريكا والذي لا تراه معظم الشعوب. برنارد شو، الأديب البريطاني الساخر، قد أوجز وأجاد في وصف ذلك التغايُر بين الصورة والحقيقة في الحياة الأمريكية حيث قال: «تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة بالذات ودون أي مكان آخر في العالم، لأن البشر عادة لا يقيمون التماثيل إلا للموتى». وصدق، فالحرية في أمريكا محض وهم، فهي تخضع للنسبية البغيضة، والواقع يشهد أن أمريكا عبثت بحريات الشعوب، والحرية لديها كصنم من التمر، لكن أشد ما يُظهر فيه الاستبداد السياسي داخل أمريكا نفسها، هو سوْق الشعب كالقطيع بصورة ناعمة عبر تغييب الوعي وعزل العقلية الأمريكية وتقوقعها. في بلادنا العربية تُساق الشعوب بالعصا والجزرة، وفي أحيانٍ كثيرة بالعصا دون الجزرة، يدعمها إعلام موالٍ للسلطة وظيفته التبرير لسياسات النظام، وظهير شعبي تُحركّه النفعية أو الجهالة. وفي إيران يُساق الشعب بأكذوبة الولي الفقيه، يدعمه السوق الإيراني (البازار) الذي يُشكّل القوة الاقتصادية الضاربة في الجمهورية، يسيطر عليه التيار المحافظ الذي يُمثل الرؤية التي تتبناها المؤسسة الدينية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فيُساق الشعب بشكل مختلف تماما، وربما يُصدم بعض القراء إن قلت أن الشعب الأمريكي أبعد الشعوب عن المشاركة في صنع القرار السياسي، وأنه يعيش بمعزل عن العالم، وتأثيره ضعيف في مسار الحياة السياسية، ويُساق سوْقا خلف الدعاية الأمريكية لتحركاتها العبثية في أصقاع الأرض. وبذلك قد نفهم ذلك الصمت المُطْبق للشعب الأمريكي حيال عربدة إداراته في دول العالم، من دون أن نشهد ما يعبر عن سخط شعبي حيال هذه العربدة، وذلك لافتقاد الوعي السياسي والثقافي، بخلاف الشعوب الأوروبية التي تتابع مجريات الأحداث في الداخل والخارج ولديها القدرة على التحليل والربط، والفاعلية اللازمة للتأثير على القرار السياسي وفق قيم التحضر والتمدن والحريات والعدالة. النخبة السياسية الأمريكية تُحرّك وتُجيِّش وتُعبئ الشعب للسير خلف قراراتها السياسية عبر آلة إعلامية ضخمة، ولا يرى الشعب الأمريكي سوى إعلامه، ولا يتلقى في الغالب إلا من خلال وسائل الإعلام الأمريكية التي حاصرت الشعب وعزَلَتْه عن العالم. لن تأخذنا الدهشة حيال صمت الشعب الأمريكي تجاه جرائم قياداته في شتى بقاع العالم والسياسات الخرقاء الهمجية التي ينتهجها ساستُه، إذا علمنا ضعف ثقافة الشعب الأمريكي، خلافًا للصورة الذهنية لدى العرب عن الأمريكان. في دراسة أجرتها مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» الأمريكية في مطلع القرن الحالي، تبين أن 83% من الشباب الذين أجريت حولهم الدراسة لا يستطيعون تحديد موقع أفغانستان على الخريطة، في وقت كانت القوات الأمريكية تحرق أرض أفغانستان لإسقاط حكم طالبان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول. وأما الكيان الصهيوني المُحتل الذي يسمى بالدولة الإسرائيلية – الحليف الرئيس للأمريكان – فإن الدراسة نفسها أثبتت أن أكثر من نصف الشباب الأمريكي لا يعلم أين تقع تلك الدولة اللقيطة جغرافيًا، في الوقت الذي لا تكفُّ قيادتهم عن دعمها على حساب الأمة الإسلامية والعربية بأسرها. مستشار الأمن الأمريكي الأسبق برجينيسكي بدوره صرح في كتابه «الفوضى» بأن عدد المواطنين الذين يعيشون في أمريكا في جهل تام يصل إلى 23 مليون مواطن. لارا دريك أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية ومديرة المركز الاستراتيجي لدراسات الشرق الأوسط في واشنطن اعترفت أن الشعب الأمريكي هو الأكثر جهلا على الأرض. إن أكثر المواد الإعلامية التي تحظى باهتمام معظم الأمريكان هي برامج التسلية والترفيه وأخبار هوليود ومتابعة فضائح الرؤساء والمشاهير. الشعب الأمريكي صاحب عقلية استهلاكية طاغية تنطلق من ضرورة الإشباع الفوري الذي لا يتخطى سطح المادة، بعيدا عن المُثل العليا التي تضبط المسافة بين «المثير والاستجابة»، حسب تعبير العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري. الشعب الأمريكي يعيش اللحظة فقط عن طريق إدراكه بالحواس، فقد استطاع الإعلام الأمريكي إبان حرب فيتنام، غسيل أدمغة الشعب، وإقناعه بضرورة التدخل العسكري، فكان هناك تأييد جماهيري رهيب لهذه الحرب، استطاع الساسة تعبئة الشعب بأسره، حتى غدا الالتحاق بالجيش شرفا كبيرا يسعى إليه الشباب، ولم يُدرك الشعب الأمريكي تلك الخديعة إلا من خلال حواسه أيضا دون نظرة متفحصة سابقة، عندما وصل إلى الولايات المتحدة جثمان حوالي 15 ألف أمريكي لقوا حتفهم في تلك الحرب، ورآهم الشعب بعينه. من خلال الانغماس في تلك الطبيعة الاستهلاكية والعيش بلا ذاكرة تاريخية، وبسبب عزلة المواطن الأمريكي، تمكنت النخبة من استجهال ذلك الشعب والسيطرة عليه. إنها صورة أخرى من صور الاستبداد السياسي الذي يمارسه الساسة، لكنه في النموذج الأمريكي بعيد عن الشكل القمعي المعتاد في الدول العربية، وإنما يأخذ شكل التغييب والاستجهال والإغراق في المادية والحصار المعرفي والثقافي، ولذا لا نبالغ إن قلنا إن أمريكا على مكانتها وقوتها، تعاني من انفصال بين الشعب والقيادة السياسية، والشعب الأمريكي لا يرى إلا ما تريه النخبة السياسية والإعلامية. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 07 مايو 2018, 7:12 am
صمَتَ علماؤنا… فتكلم «الشيخ» أفيخاي إحسان الفقيه May 07, 2018
«أيها العلماء الأشراف، أَعْلِموا أُمَّتكم ومَعَاشِر رعيَّتكم بأن الذي يُعاديني ويُخاصمني إنما خِصامُه من ضلال عقله وفساد فِكْره، فلا يجد ملجأً ولا مُخلِّصاً يُنجيه مني في هذا العالم، ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى، والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله تعالى وإرادته وقضائه». لم يصدُر هذا الخطاب عن عالم دين يتكلم في أمور العامة، ولا عن أحد حكام المسلمين يريد سوْقهم بالوعظ الديني، وإنما هو جزءٌ من منشور نابليون بونابرت إلى شعب مصر إبّان الاحتلال الفرنسي، يرتدي ثوب الواعظ ويتحدث في العقيدة الإسلامية، ويستشهد بآيات القرآن، لتطويع المصريين والرضا بالوجود الفرنسي، من دون إبداء مقاومة، وإلا فهم معارضون لقدر الله، وفق النظرة الاستعمارية لنابليون. مرة أخرى ينطلق أحد ذئاب الكيانات الاستعمارية التي ترتدي ثوب الوعظ الديني، وهذه المرة يبرز المدعو أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، الذي لا يتوانَى في كل مناسبة تخصّ المسلمين والعرب عن الإدلاء بدلْوِه فيها، ولا يُثنيه سيل السباب والشتائم التي يتلقاها من الجمهور العربي عن مواصلة جهوده في التسلل إلى الشباب واستمالتهم عبر الخطاب العاطفي والتلبيس على المسلمين باستحضار آيات القرآن والأحاديث النبوية، بل أقوال كبار علماء الأمة، وَلَيِّ أعناقها وتوجيهها بما يُناسب المصالح الصهيونية. آخر ما رأيت من مواعظ «الشيخ» أفيخاي، كان ذلك المقطع الذي ظهر فيه والمسبحة في يده، وهو يستهل حديثه بإلقاء السلام تحية أهل الإسلام، وهو يُشير إلى أن الحديث سيكون عن فضائل يوم الجمعة، فلو رأيت فكأنك بإمامِ مسجدٍ يُمهّد لإلقاء محاضرة. ويبدأ أفيخاي أدرعي بحديث نبوي (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة)، ولم يفته أن يذكر تخريج الحديث الذي رواه مسلم، إظهارًا لاهتمامه بالعزْوِ والإسناد من أجل مزيد من التعمية والتلبيس. ثم يبدأ المتحدث باسم جيش الاحتلال في استغلال الحديث النبوي لأهدافه الصهيونية، بإبراز دور حركة «حماس» في تحويل يوم الجمعة من جمعة (عمل وخير) إلى جمعة شغب وعنف وإرهاب، ويعني بذلك فعاليات يوم الجمعة في سياق مسيرة العودة، وأورد قول الله تعالى «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» للاستشهاد بها على أنه يوم عبادة وابتغاء للرزق وذكر لله، حوّلته «حماس» إلى يوم عنف وشغب. الشيخ أفيخاي أفتى ضمنًا بتكفير حركة «حماس» بقوله (الذين يدّعون الإسلام)، وجعلهم من المفسدين في الأرض مستشهدا بقول الله «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ». ثم اختتم أفيخاي أدرعي موعظته بالتحذير من استخفاف «حماس» بمستقبل الشعب الفلسطيني ودينه الحنيف. في نموذج نابليون نجد أنه سلك هذا المسلك اعتمادًا على الجهل السائد بين المصريين في تلك الحقبة، حيث انتشرت خرافات وخزعبلات بعض الطرق الصوفية، وشاع التواكل وترك الأخذ بالأسباب والخلل في فهم عقيدة القضاء والقدر، وذلك كله قد بسّط المؤرخ الجبرتي دلالاته في كتابه «عجائب الآثار». أما نموذج الناطق باسم جيش الاحتلال، فإنه لم يستغل الجهل فحسب، وإنما استثمر هيمنة التطبيع مع الصهاينة على أنظمة الحكم العربية، التي نتج عنها صمت العلماء، صمت القبور، حِيال مشروعية دفاع الفلسطينيين عن أرضهم حتى لا تُلاحقهم تُهم دعم الإرهاب والدعوة إليه، وأفتى بعضهم بضلال حركة «حماس» تماهيًا مع اتجاهات الحكام الذين رأى بعضهم أن للصهاينة الحق في العيش على أرضهم (التي اغتصبوها) في سلام. فلماذا لا يُكفر أفيخاي أدرعي حركة «حماس»؟ ولماذا لا يتحدث بالآية والحديث طالما أن علماءنا كتموا ما أنزل الله، فتركوا المجال لأمثال هذا الصهيوني بالحديث في دين المسلمين؟ لماذا لا يوضحون للناس أن الدفاع عن الأرض ضد الغاصب المحتل فريضة؟ لماذا لا يقولون للناس أن الصهاينة عدو صائلٌ ينبغي دفعه؟ لماذا لا يردّون على أفيخاي أدرعي، الذي يُحرّم على الشعب الفلسطيني نضاله يوم الجمعة، بأنه لو قاتَلَنَا الأعداء ولو في البيت الحرام لكان علينا دفْعهم «وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»؟ لماذا لا يقولون لأفيخاي وأمثاله أن المُفسد في الأرض هو الذي يحتل دولة ويقتل شعبها ويغتصب خيراتها بدعوى ملكيتها، وليس المفسد هو من يدافع عن أرضه ويمارس ذلك الحق الذي نصّت عليه الأديان السماوية والمواثيق الدولية. ولماذا لا يقولون لأفيخاي أن القرآن الذي يلوي عُنقه شرع لنا القصاص «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»؟ أنا لا أُحوّل قطعًا المساحة المخصصة لمقالتي إلى استعراض فقهي، ولكنه طالما تكلّم عدونا الصهيوني بقرآننا وأحاديث نبينا، فلا يسعنا إلا الرد عليه من جنس ما تكلم به. لقد انعكست آثار التطبيع، الذي بلغ اليوم ذروته على المؤسسات الدينية الرسمية في الدول العربية، فكانوا شركاء للحكام في بيع القضية الفلسطينية، بعضهم شريكٌ بصمته، والبعض الآخر شريك بتجريمه المقاومة، فتركوا أسماع الأمة ليسْكب فيها أفيخاي وأمثاله الدناءات، فلا عذر لهؤلاء أو هؤلاء، ألا فليستقيموا أو فليستقيلوا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 14 مايو 2018, 6:53 am
المُهم أن يسقط أردوغان وأن ينتهي حزبه إحسان الفقيه May 14, 2018
بعد إسقاط السلطان عبد الحميد، اكتشف بعض رموز الاتحاد والترقي الخديعة التي تعرضوا لها من قبل الماسونية والصهيونية، كان من بينهم أنور باشا حيث قال لأحد أقطاب الجمعية: أتعرف ما هو ذنبنا؟ نحن لم نعرف السلطان عبد الحميد، فأصبحنا آلة بيد الصهيونية، واستثْمرتْنا الماسونية العالمية، نحن بذلنا جهودنا للصهيونية، فهذا ذنبنا الحقيقي». وقال القائد العسكري الاتحادي أيوب صبري: «لقد وقعنا في شرَك اليهود عندما نفّذنا رغباتهم عن طريق الماسونيين لِقاء صفيحتين من الليرات الذهبية، في الوقت الذي عرض فيه اليهود ثلاثين مليون ليرة ذهبية على السلطان عبد الحميد لتنفيذ مطالبهم، إلا أنه لم يقبل بذلك». مثل هذه التصريحات التاريخية تؤكد أن معارضي السلطان عبد الحميد كان شغلهم الشاغل قد أعماهم عن المخططات الخارجية، وهي إسقاطه فحسب، بدون الالتفات إلى تقدير المآلات، وبدون النظر إلى المصالح العليا للوطن، المهم هو إسقاطه. ربما تسلك المعارضة التركية اليوم المسلك نفسه، فعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحاك ضد تركيا في الخارج والداخل، نجد أن كل ما يشغل المعارضة حاليا هو إسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزبه (العدالة والتنمية) بدو نظرة واقعية موضوعية تراعي المصالح العليا للوطن، وبدون أن تمتلك رؤية لإدارة البلاد حال إسقاط أردوغان وحزبه. ربما سيكون هذا المسلك مقبولا، إذا كان النظام قد أثبت فشله وحان وقت إقصائه، لتنطلق القاطرة، وربما سيكون هذا المسلك مقبولا إذا كانت المعارضة لها رؤية واضحة تنقل الدولة إلى أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية وتنموية واجتماعية أفضل، مما هي عليه اليوم. الواقع التركي يقول إن تركيا خلال فترة تولي أردوغان وحزبه زمام الأمور (16 سنة) نقلا البلاد نقلة بعيدة على كافة الأصعدة، فما قيمة الاستماتة التي تُبديها المعارضة من أجل إسقاط أردوغان وفريقه؟ علما بأن هذه الأحزاب لا رصيد لها من الإنجازات في واقع الأتراك سوى المهاترات والتنظير والمؤتمرات. يبدو أن المعارضة التركية تسير بمبدأ (طالما كنت حزبا معارضا فعليك أن تعارض فحسب)، فهل تنشد المعارضة التركية من إسقاط أردوغان – رغم إنجازاته – أن يصدُق عليها وصف المعارضة؟ أم أنها سيطرة الأيديولوجيات التي تعمي عن مصالح الوطن؟ ومن جهة أخرى، لم تقدم حتى اليوم صورة لما ستكون عليه الدولة التركية حال فوز هذه الأحزاب، فالذي يظهر من واقع المعارضة، أن هدفها إسقاط أردوغان، والتفكير بعد ذلك في شكل وإدارة الدولة التركية سوف يفرزه الواقع. لقد سُئلت أسطورة الإعاقة هيلين كيلر: ما هو أسوأ من أن يولد المرء أعمى؟» فأجابت: أن يكون له بصر بلا رؤية، فإن كان هذا هو الحال مع الأفراد، فكيف بانعدام الرؤية لدى أحزاب تسعى للمنافسة على قيادة البلاد. إذا كانت المعارضة تعتزم حال إسقاط أردوغان إعادة النظام البرلماني، فهل تعتبر المعارضة الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي تم اعتماده، لونا من ألوان الديكتاتورية التي مارسها أردوغان ضد شعبه؟ أليس هذا الانتقال قد تم عبر أصوات الناخبين في الاستفتاء؟ أم أن المعارضة ستفرضه قسرًا؟ إذا كانت المعارضة في برامجها تُبشّر بعودة تركيا القديمة مرة أخرى بعد إقصاء أردوغان وفريقه، فهل تعني بذلك عودة سيطرة جنرالات الجيش على الحياة السياسية؟ هل تعني بعودة تركيا القديمة قفز المؤسسة العسكرية على كل حكومة لا تُناسب توجُّه الكماليين؟ هل تعني بعودة تركيا القديمة تهاوي الاقتصاد التركي وتراجعه إلى الترتيب الـ116 مرة أخرى بعد أن دخل مجموعة العشرين في عهد أردوغان؟ أم تعني بعودة تركيا القديمة عودة الأزمات البيئية وتكدُّس القمامة، وانقطاع المياه والكهرباء المستمر؟ أم أنها تعني بذلك عودة تركيا إلى التبعية الأمريكية والعيش في ظلال قرارات البيت الأبيض؟ أم أنها تعني بعودة تركيا القديمة، أن تعود البلاد للتضييق على المظاهر الإسلامية كالحجاب والتعليم الديني؟ أم أنها تعني بعودة تركيا القديمة إعادة فصل الأتراك عن تراثهم العثماني، الذي تم إحياؤه في عهد أردوغان وحكومة العدالة والتنمية؟ تلك هي تركيا القديمة التي تتحدث عنها المعارضة، لذا هي عبارة جوفاء تطلقها المعارضة وكأنها تخاطب شعبا جاهلا مغيبا، والحال أن الشعب التركي أثبت في غير مناسبة، يقظته ووعيه ونضجه واستفادته من التجارب، كان منها إحباط الانقلاب الأخير. كما لا توضح المعارضة مصير العمليات العسكرية التي يُنفّذها الجيش التركي على حدود سوريا، لمنع إقامة دولة كردية تُهدد الأمن القومي التركي، وكيف سيكون شكل التعامل مع الأكراد خاصة؟ وما هو مصير اللاجئين السوريين إذا وصل القوميون إلى الحكم؟ وهل ستعود تركيا لحالة شبه الانقطاع عن الدول العربية، بعد أن أصبحت عمقًا استراتيجيا لتركيا في عهد أردوغان؟ وماذا سيكون موقفها من الكيان الموازي – الذي يدعمها حاليا في الانتخابات ـ رغم ضلوعه في الانقلاب الأخير؟ ليس هناك شيءٌ واضح من ذلك، المهم هو إسقاط أردوغان ورجاله، وليحدث ما يحدث، وليكن بعدها ما يكون، يُذكّرنا الأمر بما حدث في مصر إبان انقلاب الثالث من يوليو، الذي مهّدت له جبهة الإنقاذ التي تتألف من قوى علمانية وليبرالية ويسارية، اجتمعت كلها لإسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي، لم يكن لها هدفٌ سوى إسقاطه، بدون أن تكون لديها رؤية واضحة لما بعد إسقاطه، حتى لو عاد الحكم العسكري الذي ثار عليه الشعب، لا يهم ما سيكون بعدها، المهم هو إقصاء الإخوان ورئيسهم. ومن المفارقات العجيبة، أن حزب السعادة التركي (توجّه إسلامي) يتحالف مع حزب علماني وآخر قومي لإسقاط أردوغان، الذي يُصنفه العلمانيون والقوميون على أنه ذو جذور إسلامية، وهو الأمر نفسه الذي قام به حزب النور السلفي في مصر، الذي تحالف مع القوى الليبرالية واليسارية والعلمانية لإقصاء حكم الإخوان والرئيس مرسي. قطعا أنا لا أهاجم الحياة الحزبية في تركيا، أو في أي دولة، ووجود أحزاب مُعارِضة ضمان لعدم استبداد حكومة الحزب الواحد، بل بِمدى قوى هذه الأحزاب المعارضة تزدهر الحياة السياسية، إلا أنه ينبغي أن تكون معارضة راشدة تُقدم مصالح البلاد العليا على المصالح الحزبية الضيقة، خاصة أن هذه الأحزاب على دراية واسعة بحجم المخططات التي تُحاك ضد الدولة التركية من قبل قُوى خارجية، أبرزها مخطط تدمير الاقتصاد. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 03 سبتمبر 2018, 5:31 am
[size=30]الاستبداد بين الراعي والرعية
إحسان الفقيه
[/size]
Sep 03, 2018
سألت امرأةٌ الخليفةَ أبا بكر الصديق: «ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس». فالمستقر لدى كثير من الناس في كل عصر، أن الناس على دين ملوكهم، فإذا صلُح الراعي وعَدَلَ صلُحتْ رعيّتُه، وإن استبَدَّ وفَسَدَ فسدَتْ رعيته، وهو أمرٌ تتسع دائرته ليشمل كل نظام فيه الحاكم والمحكوم بصرف النظر عن الدين، وقد رُوي أنه في عهد أنوشروان الملك الفارسي العادل، لو أن رجلًا ألْقَى في مكان حِمْلًا من ذهب، وبقي مهما بقي في موضعه، لم يقدر أحد على إزالته إلا صاحبه. وكما لا يخفى فهذا نظائره في التاريخ الإسلامي، ومنها ما ذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» بشأن غنائم الفُرس العظيمة التي أرسلها سعد بن أبي وقاص لأمير المؤمنين عمر، إذ نظر الفاروق إلى كثرتها قائلا: إنَّ قومًا أدّوا هذا لأمُناء، فقال علي بن أبي طالب: إنك عففت فعفّتْ رعيتك، ولو رتَعْتَ لرَتَعَتْ. وفي المقابل ترى في القرآن الكريم بيان تأثير الحاكم المستبد على فساد شعبه كقوله تعالى «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى» (طه: 79). غير أن هذه النظرة التي تعبر عنها المقولة الشهيرة (الناس على دين ملوكهم) ليست وحدها في الفكر الإسلامي، فهناك أخرى تقابلها، اشتهرت بين الناس قديمًا وحديثًا بنص نبوي «كما تكونوا يولى عليكم»، والحق أنه لا يثبت صحته للنبي «صل الله عليه وسلم»، إلا أن معناه صحيح نسبيا وجرت به العادة في أحيان كثيرة، فالحاصل أن التخلف والاستبداد والفساد ليس بالضرورة أن يتحمل مسؤوليته الحاكم وحده. في مكة 1316هـ، عُقد مؤتمر حضره جمع من السياسيين والمثقفين منهم عبد الرحمن الكواكبي لبحث أسباب تقهقر المسلمين، اتخذ كل منهم كُنْية أو اسما مستعارا كاحتراز أمني، فقال من يُعرف بالموْلَى الرومي: تحميل التبعة على الْأُمَرَاء فَقَط غير سديد، خُصُوصا لِأَن أمراءنا إِن هم إِلَّا لفيفٌ منا، فهم أمثالنا من كل وَجْه. وصدق، فإن الحكام لم يأتوا من كوكب آخر، إنما هم نتاج بيئاتهم، ومهما تدخلت عوامل خارجية في تسلط الحاكم المستبد، فسوف تبقى تُواجهنا حقيقة أنه خرج من الأرض ذاتها، بما يعني إسهام الشعوب في صناعة المستبدين. نعم إن الشعوب تتحمل شيئا من تلك المسؤولية برضاها بالأمر الواقع، ومشاركة شرائح واسعة منها في تعظيم الأنا الفرعونية لدى كل حاكم، فشأنهم معه كما قيل يأسرهم فيتهللون لشوْكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويُهينهم فيُثْنون على رفعته؛ ويُغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم ولم يُمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأُباة قاتلهم كأنهم بُغاة. لقد كان الزعيم والمفكر البوسني علي عزت بيغوفيتش بصيرًا لمّاحًا للعوامل المُتفشِّية التي تُسهم في صناعة الاستبداد، فعندما دخل المسجد لصلاة الجمعة متأخرًا أفسحوا له الطريق ليصل إلى الصف الأول كما تعود، فقال قولته الشهيرة: هكذا تصنعون طواغيتكم. ومن أعظم إسهامات الرعية في صناعة الاستبداد هو استبداد الرعية ذاتها، استبداد المرء على نفسه وأهله ومن حوله، والكواكبي رغم أنه في كتابه «طبائع الاستبداد» تناول استبداد الحكومات بأشكالها، إلا أنه لم يغفل مسألة استبداد الرعية، وناقش السؤال المطروح: لماذا يبتلي اللهُ عباده بالمستبدين، فقال إنه لو نظر السائل نظرة الحكيم المُدقق لوجد كل فرد من أُسراء الاستبداد مُستبدا في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كُلَّهم، تابعين لرأيه وأمره، فالمستبدُّون يتولاهم مستبدّ، والأحرار يتولاهم الأحرار. ربما أظهرت ثورات الربيع صورًا عديدة من استبداد الشعوب، حتى في الفترات التي تخلصت فيها من الحكام الجائرين، فصار البأس بينهم شديدًا، وطفحت على السطح الأمراض الاجتماعية المستوطنة، استفحلت بعد انقضاض الثورات المضادة لإعادة إنتاج الديكتاتوريات. حتى القوى المعارضة لأنظمة الثورات المضادة، هي الأخرى بدورها لم تسلم من صبغة الاستبداد، وكثير منهم، إلا من رحم الله، أعماهم الانتصار للرأي عن النظر إلى الآراء الأخرى، وتهاونوا في التراشق بالتهم، وصارت بضاعة أحدهم سلخ الآخرين أحياءً على مواقع التواصل، بذريعة تطهير الصف الثوري، ثم يدعون مواجهة الاستبداد! ألا في الاستبداد سقطوا. شكا بعض الرعايا إلى المُستعين بن هود (أحد حكام ملوك الطوائف في الأندلس) من بعض عماله (ولاته)، فناب عنه الشاعر في الجواب: لَا تنسبوا الْجور إِلَيْهِم فَمَا … عُمالكم إِلَّا بأعمالكم تالله لَو ملكتم سَاعَة … لم يخْطر الْعدْل على بالكم ربما يتمّ اتهامي كالعادة بالتناقض، خاصة أنني كتبت مقالا منذ أشهر قليلة بعنوان الدعوة الفاجرة، انتقدت فيها تلك الزمرة من أدعياء العلم والأبواق الإعلامية للأنظمة الجائرة عندما حمّلوا الجماهير مسؤولية الفساد، وغلاء الأسعار والتدهور، وقلت إنها تكريس للظلم الاجتماعي، وأنا ما زلت على رأيي هذا، ولكن أقوله في ضوء المسؤولية المشتركة للحاكم والمحكوم عن الاستبداد والفساد، فكلاهما له دوره، وليس البحث في مسؤولية طرف إلغاءً لمسؤولية الطرف الآخر. فكما أن تحميل الشعوب وحدها المسؤولية نوعٌ من التكريس للظلم والتبرير للاستبداد، فكذلك تحميل الحكام وحدهم المسؤولية نوع من الدعوة إلى تجاهل الشعوب مسؤوليتها وفرْض حالة من الخمول واللامبالاة والاستسلام للأمر الواقع انتظارًا لمقدم الحاكم العادل الذي ينقذ البلاد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية تركية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 01 أكتوبر 2018, 5:14 am
يقول الطاهر بن عاشور: “العدل مما تواطأتْ على حُسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، وتمَدّح بادّعاء القيام به عظماء الأمم”. لكن الحياة الإنسانية لم تخْلُ من كدَر الظلم والنأْي عن سبيل العدل، ومن ذلك ما طال أنماط التفكير من آفة تعميم الأحكام، التي لا يمكن وصفها إلا بأنها عاهة فكرية، حملتْ شكسبير على أن يقول “لا يُعّمم إلا الأغبياء”. لأن استخلاص الحكم بالعموم من خلال حالات خاصة لا يستقيم مع سلامة المنطق، وسمة التمييز لدى الإنسان الذي يُفرق بين الأشياء وبعضها ويدرك أوجه التماثل والاختلاف. ومن صور التعميم التي تبرُز في الواقع السياسي للأمة، ذلك الجدل المُثار دائمًا حول النظرة إلى آل سعود، لأن هذه الأسرة المالكة استطاعت قرابة قرن الحفاظ على وجودها وتسلْسُل قيادتها، ونظرا للمكانة الدينية للسعودية لدى المسلمين باعتبارها راعية الحرمين، وكذلك للثِّقل السياسي والاقتصادي لها في المنطقة، كل هذه الأسباب وأكثر جعلت الأنظار تتّجه دائمًا لآل سعود، فكان الحكم عليهم مثار جدل بين الشعوب، فمنهم من يرفض مجرد انتقادهم، وهؤلاء من أصحاب الأرض المتعصبين لزمرتهم الحاكمة، ومنهم من يُطلق الأحكام بالذم عليهم جميعًا بدون تفريق، بل لا يقبل على الإطلاق أن تُذكر مآثر مَن أحسن منهم، ويعتبرها من قبيل الإضلال الفكري، والأدهى والأمر أنه يتصيد كل كلمة ذم قيلت بحقهم ولو لم يكن عليها دليل أو توثيق. ولطالما كنتُ من أصحاب الاتجاه الذي توسط بين الطرفين، فقلت أنه ينبغي عدم وضع البيض كله في سلة واحدة، وأن ميزان الحق يلزمنا بوضع كل منهم في موضعه. وإنني إذ أكتب هذه الكلمات في وقت أنتقد فيه النظام السعودي الحالي وبشدة، فأعتقد أن كل قارئ لديه مَسْحة عقل سوف يأبى رشقي بتهمة التطبيل لآل سعود والسعوديين، نعم أكتب هذه الكلمات في ظل استياء عام في الأمة من سياسات القيادة السعودية الجديدة، التي تأخذ بالمملكة إلى المجهول، لكن ذلك ينبغي أن لا يكون دافعًا لتعميم الأحكام على جميع من حكموا السعودية، فقد كان منهم الصالح والطالح. لقد ذمني البعض لهذا المسلك، وكنت أُجلّي محاسن بعض حكام آل سعود أمثال، الملك عبد العزيز والملك فيصل، وحسبت أنني أقف وحدي في هذا الخندق، حتى قرأت كلمات مؤنسة للمفكر الإسلامي الشيخ محمد الغزالي تدعم وجهة نظري، وكانت بمثابة شهادة بحق الملك عبد العزيز آل سعود وحُسن سيرته، جاءت بناء على دراسة مُتعمقة للشيخ حول مؤسس الدولة السعودية الحديثة، وحسبك أن تأتي هذه الشهادة من شيخ مناضل أفنى عمره في مقارعة الظالمين والطغاة. لقد عمد الشيخ إلى القراءة بنفسه بدون سؤال علماء السعودية عن سيرة الملك بعد مَقدِمهِ إلى مكة والتدريس في الجامعة، فاستوقفه الجانب التعبُّدي للملك، فقد كان صوّاما قوّاما ذاكرا لربه، وقال الشيخ إن الملك كان يرغب في إقامة دولة للإسلام تجمع ما تفرّق من أمره وتحميه من الخرافات. وتناول الغزالي مهاجمة بعض المتدينين للملك وطعْنهم فيه لأن البعض رغّب إليه إعلان الحرب على الإنكليز، لكنه أبى أن يتعرض لمغامرة هي في عقباها مقامرة خاسرة، بحسب كلام الغزالي، ويقول الشيخ مُبديًا رأيه في هذا المسلك: “ولا ريب أنه كان سياسيًا ماهرًا بعيد النظر”، ثم يبيّن سبب كتابة هذه السطور بقوله: “إنني أكتب هذه الكلمات إنصافًا للحقيقة العلمية، لا رغبة ولا رهبة، أكتبها بعد خمس سنين قضيتها في السعودية، كأي أستاذ يشتغل بالتعليم والتربية، ما قال لي مسؤول: لماذا كتبت عن كذا؟ أو لعلك تستدرك ما ذكرت قديما عنا، لا.. إنه العدل مع رجل عظيم أفضى إلى ربه ولا نزكي على الله أحدًا”. وإن استشهادي بكلام الغزالي لا يقصد به الدفاع عن الملك المؤسس خاصة، إنما هو إقرار بصفة عامة للنظرة المنصفة التي تأبى تعميم الأحكام على آل سعود جميعًا، والتي هي من صميم المنهج الإسلامي ونابعة من تعاليمه، فالحق الذي لا يُنازِع فيه مسلم ولا يجحده عاقل أنه (لا تزر وازرة وزر أخرى)، وأنه ينبغي الحكم عليهم كلا على حدة، بل هي نظرة عامة في الحكم على كل فرد أو عائلة أو جماعة أو دولة، بعيدًا عن التشنّج والإلزام بما لا يلزم. ربما يقول قاصر النظر لِم تكتبين في هذا الموضوع وما الطائل من ورائه؟ إنني أكتب إحقاقًا للحق وإنصافًا للحقيقة والتاريخ، فنقول للمحسن أحسنت، ونقول للمسيء أسأت. أكتب في ذلك صيانة لمشاعر الأُخوّة التي تربطنا جميعًا بالشعب السعودي، الذي يتأذى من وصف حكامه قديمًا وحديثًا بأبشع الأوصاف بدون تفريق بين من أحسن منهم ومن أساء، الأمر الذي يُعمّق الفجوة بين شعوب الأمة. أكتب في ذلك تذكيرًا للأحفاد بصنيع الأجداد، ويومًا ما قال لي أحد الأساتذة الفضلاء: “أقيمي على حكام آل سعود الحاليين الحُجّة بذكر مناقب أسلافهم”، وقد ألفيتُها نصيحة نافعة لامست مبادئي ومنطقي، ولم أتوان في العمل بها. ربما لا ينسجم هذا التناول مع تطلعات بعض الذين يستمتعون بالنيل من كل من اعتلى عرشًا، وينعتون كل من يشتم ويخلط الأوراق ويعمل على تشويه الحاكم ولو أحسن، بالشجاعة وسلامة الضمير والتنزُّه عن العمالة، وهذا حسنٌ لو كان في محلّه وَوُجِّهَ إلى الحكام الفاسدين، أما تعميم الحكم وإسقاط شمائل مَن أحسن منهم فهو مُجانبة للصواب ومُجافاة للحق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 21 يناير 2019, 9:36 am
مبدأ المواطنة في ظل الحكم الإسلامي إحسان الفقيه
ذات يومٍ سقط دِرْع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فوجدها عند رجل نصراني، فاختصما إلى القاضي شريح، قال علي: الدرع درعي، ولم أبعْ ولم أهبْ، وقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت القاضي شريح إلى علي بن أبي طالب يسأله: يا أمير المؤمنين، هل لك من بينة؟ فضحك علي رضي الله عنه قائلًا: أصاب شريح، ما لي بيِّنة، فقضى شريح للنصراني بالدرع لأنها في حوزته ولم يقدم أمير المؤمنين بينة تؤيد دعواه، فلما أخذها الرجل خطا خطوات ثم عاد يقول: أمير المؤمنين يُدينني إلى قاضيه فيقضي لي عليه؟ أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، الدرع درعك يا أمير المؤمنين، اتبعتُ الجيشَ وأنت مُنطلق من صفّين، فخرجتْ من بعيرك الأروق، فقال علي: أما إذ أسلمت فهي لك». ربما يظن القارئ للوهلة الأولى أنها مقدمة للحديث عن سماحة وعدل الإسلام، أَمَا إن هذه الحقيقة لا ينكرها إلا جاحد، إلا أنني جعلت القصة استهلالًا للحديث عن أمر، وإن يعتبر في هذا التوقيت تنظيرًا، إلا أن له أهميته البالغة في تحرير المصطلحات الرائجة ومعرفة مدى توافقها مع الشريعة، وعن المواطنة في ظل الحكم الإسلامي أتحدث. ابتداءً أود القول بأنه ليس في الإسلام دولة دينية بمعنى الحكم الثيوقراطي، الذي يكون للحاكم فيه الطاعة المطلقة باعتباره نائبًا عن الله يتحدث باسمه، يحلل ما يراه ويحرم ما يراه، يعطي من يرى ويمنع من يرى، فحقيقة الدولة في ظل الإسلام، أنها دولة مدنية ليست مرادفًا لمعنى الدولة العلمانية، وإنما هي دولة مدنية بمرجعية إسلامية، على مبدأ سيادة القانون المُستمد من قطعيات الشريعة وثوابتها باعتبارها المرجعية العليا، فالواقع يشهد أن كل تشريع بشري يعبر عن الطبقة المُشرّعة، ويمثل مصالحها على حساب بقية الطبقات، حيث أن تشريعات رأس المال تكون لصالح الرأسماليين، وتشريعات البروليتاريا تكون لصالح العمال الكادحين وهكذا. ولكن مع سيادة النصوص الشرعية فهناك حق للأمة في الاجتهاد، كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي: «إقرار مبدأ التشريع والحاكمية لله لا يسلب الأمة سلطانها في الاجتهاد لنفسها في التقنين لحياتها وشؤونها الدنيوية المتطورة، إنما المقصود أن يكون التشريع أو التقنين في إطار النصوص المعصومة والمقاصد الكلية للشريعة». الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية تعد من أبرز مقوماتها المواطنة، وهو المصطلح الذي كان ولا يزال محل تنازع بين الإسلاميين والعلمانيين، فبعض الإسلاميين ينفي وجود هذا المصطلح في الدولة الإسلامية، كما أن العلمانيين يرون أن حق المواطنة في ظل الحكم الإسلامي مهدور وغير معترف به. والحقيقة تقول: إن الإسلام أرسى دعائم الحكم على هذا المبدأ، حيث الإقرار بحقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية، وعدم التحيز لطرف على حساب الآخر لاختلاف الدين أو اللون أو الجنس، وإنفاذ القوانين والإجراءات القضائية على الجميع، بدون استبعاد أو تهميش، وهو في جوهره نوع من التسامح واحترام الخلقة البشرية التي كرمها الله، ولعل الواقعة التاريخية التي صدّرتُ بها المقال خير دليل على تضمُّن الحكم الإسلامي لهذا المبدأ، فرجل من أهل الذمة يقف مع الحاكم العام أمام القضاء، ثم يقضي له القاضي بهذا الحق، مع علمه اليقيني بصدق علي بن أبي طالب، لكن الجميع ملزمون باحترام القانون والعمل به بدون تمييز.
تحرير المصطلحات المعاصرة المتعلقة بالنظام الإسلامي محاولات للتوفيق بين أصحاب المنهج الإسلامي وحملة المناهج الأخرى
لم يكن سريان القانون على الجميع في هذه الحادثة سوى انتهاج لما كان عليه عهد النبوة، إذ نص الحديث النبوي الصحيح على أنه (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وخلال عهد الدولة الإسلامية الأولى كانت الوثيقة التاريخية الخالدة التي تنص على حق المواطنة، جاء فيها كما أورد ابن هشام في السيرة النبوية «وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ (يُهلك) إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي النّجّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ… وَإِنّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ»، فيُلاحظ في الوثيقة المساواة في الحقوق والواجبات بين اليهود والمسلمين، بما يعني التعامل على أساس المواطنة. حتمًا سيعترض البعض قائلا: لماذا تتحدثون عن حق المواطنة وأنتم تُلزمون المجتمع بالمرجعية الإسلامية؟ لماذا لا تحل مرجعية دينية أخرى محلها؟ أقول: إن كنتم تجيزون مرجعية عليا غير إسلامية، فلماذا تنكرون على غيركم اعتبار هذه المرجعية الإسلامية هي المرجعية النهائية للمجتمع؟ أليست كل القوانين المعمول بها في المجتمعات المدنية الغربية نابعة من الهوية الثقافية لتلك المجتمعات وتحافظ عليها؟ أليست الرأسمالية الليبرالية هي المرجعية التي ارتضاها الأمريكان؟ ألا يمنع الدستور الأمريكي أن يتولي شيوعي رئاسة الدولة؟ فلماذا تستنكرون حدوثه في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة؟ أليس الإسلام هو الهوية الثقافية الغالبة التي تمثل الحضارة الأخيرة التي انصهرت فيها جميع الحضارات السابقة؟ ألا يصلح أن يكون الإسلام مرجعية عليا للجميع، يعمل به المسلمون التزامًا وديانة، ويعمل به غير المسلمين باعتباره قانونًا ودستورًا، على أساس أنهم مُكوّن أساس من مكونات الحضارة الإسلامية؟ إن تحرير المصطلحات المعاصرة المتعلقة بالنظام الإسلامي، ليست ترفًا أو طنطنة لا فائدة منها، بل تدخل في محاولات التوفيق غير المتعسف بين أصحاب المنهج الإسلامي وحملة المناهج الأخرى، ويمكن من خلالها صنع أرضيات مشتركة للالتقاء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 25 مارس 2019, 7:11 am
يا حكام العرب… اللي متغطي بالأمريكان عريان
إذا أعلنوا ذات يومٍ وفاة العرب.. ففي أي مقبرة يُدفنون؟ ومن سوف يبكي عليهم؟ وليس لديهم بناتٌ وليس لديهم بنون. وليس لديهم حزنٌ وليس هناك من يحزنون من رثاء نزار قباني لموتى العرب، إلى المثل الشائع بينهم «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، الذي أبطلوا الاعتبار به بعد أن أصبحوا لا يميزون بين الأُسُود والثيران، مرورا بالجُحر الذي لا يُلدغ منه مؤمن مرتين، إذ أنهم لا يزالون في استمتاع باللدغ كل الوقت ومن كل الجحور، بل وصل ببعضهم الأمر أن يضع إصبع قدمه بالجُحر ويُنادي: ها أنا هنا، هيّا فلتلدغني! متى يفيق العرب ويخرجون عن العباءة الأمريكية؟ متى يعلم العرب أن أمريكا تبني سياستها في المنطقة على الأمن القومي الإسرائيلي؟ متى يعلم العرب أنهم دُمى تحركها أيادي البيت الأبيض التي تمسك بكل الخيوط؟ قالوا في المثل: «اللي متغطي بمتاع الناس…عريان»، اقتبسها أحد الرؤساء العرب فقال: «اللي متغطي بالأمريكان عريان»، لكن الرجل تعرّى بالفعل وهو عميل لهم بامتياز، كان سعيد الحظ عندما قضى بقية عمره في بيته بعد خلْعه. حكام أمتنا تغطوا بالأمريكان وهم يوقنون أن البيت الأبيض لن يستر لهم عورة، وأنهم كلهم إلى مصير الثور الأبيض، تلاعبهم أمريكا بمخاوفهم، بأوهامهم، بأطماعهم وبشعورهم الموروث بالهوان والنقص.. كالتاجر الحاذق الذي يُعطِّش السوق للسلعة، أثار الوديع أوباما مخاوف القوم بالاتفاق النووي مع إيران، فوقعوا في (حيص بيص)، فهم الذين تعودوا النوم تحت مظلة الأمن التي تضربها أمريكا، ويأتي من بعده ترامب ليجني الثمار ويحصد ما زرعه أوباما، ويغير قواعد اللعبة، تقارب أكثر مع العرب على حساب إيران، قطعا ليس من أجل العيون العربية اللوزية، الرجل كان بحاجة إلى دعم داخلي في بلاده، فلم لا يزور الرياض ويرجع إليهم بأكثر من 400 مليار دولار، هي ثمن الوعد بالحماية؟ ما أشد غباءنا السياسي ونحن نعوّل على اختلاف الإدارات في الولايات المتحدة، يا سادة السياسات العامة الأمريكية ثابتة، فقط يكون لكل مرحلة رجُلها، وكان ترامب هو رجل هذه المرحلة، مثلما كان أوباما يوما سيّدها. ولكن ترامب كان سخيًّا للغاية، ومع الجميع… أعطى صكّ الأمان لدول الخليج ضد الأطماع الإيرانية، باعتباره حامي الحمى وشرطي العالم، وبيده خيوط اللعبة، مقابل المال والنفط والتطبيع مع الصهاينة، وقطع خطوات في الاستجابة لنداء العولمة. وطّد حكم الأنظمة الديكتاتورية، وعلى رأسهم سفاح مصر، وضرب بعرض الحائط كل الانتهاكات التي قام بها النظام الانقلابي ضد الشعب، وغض بصره عن الملف الحقوقي الأسود لزعيم الانقلاب، مقابل السيطرة على التيار الإسلامي والتوسع في تعريف الإرهاب والإسراف في البطش، بدعوى مواجهة ذلك الإرهاب، وتطويع الخطاب الديني للأهداف الأمريكية، التي حددتها مؤسسات راند وأخواتها التي تخدم صانع القرار، والأهم من ذلك التطبيع المُمنهج مع الصهاينة والتلاقي معهم كحليف، وحماية حدود دولة الاحتلال. كان على الولايات المتحدة العمل على إبقاء الأسد، فتم تصدير «داعش» إلى الأراضي السورية لتكون شوكة في ظهر المعارضة، وأبرمت صفقاتها مع إيران لتمرير تواجد الحرس الإيراني – والأذرع الإيرانية كحزب الله والمليشيات الشيعية الأفغانية والعراقية وغيرها – في سوريا لدعم نظام الأسد في حربه، وإحداث تغيير ديموغرافي لإنتاج دولة علوية موالية لإيران، ولم تعارض التواجد الروسي في سوريا، الذي يزيد نفوذ موسكو في المنطقة، وتواجه به أزماتها في شرق أوروبا، والمقابل كالعادة هو ضمانات للأمن الإسرائيلي، تمخضت عن اعتراف أمريكي مؤخرًا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، تلك البقعة الغالية من أرض سوريا، التي باعها الأسد الأب بثمن بخسٍ، لذا كانت خارج حسابات ابنه السفاح، لأنها ضمانة لسيطرته على سوريا. ترامب أعطى العرب أقل بكثير مما أخذ منهم، فحتى ينعم الحاكم العربي بالاستقرار، عليه أن يلتزم بالمسار المحدد له سلفا، يذكرني بقول أحدهم لولده في إحدى قصائد محمود درويش: «التصِقْ بالتراب لتنجو»، فعلى الحاكم العربي أن يلتصق بالحضيض لا بالتراب وحسب، ولا يشد هامته لقضايا الأمة، حتى يظفر ببقاء عرشه. في مقابل الاحتفاظ بالعروش كان المقابل فادحًا، فكل التحركات الأمريكية في المنطقة حيال العرب قائمة على تسطيح القضية الفلسطينية، وسلبها محوريتها ومركزيتها في الأمة، وجعْلها قضية فلسطينية بحتة، لا إسلامية ولا عربية، وهذه هي اللغة التي أصبحت علامة مميزة في الخطاب الإعلامي للأنظمة العربية، بالتوازي مع الإغراق في التطبيع، ليجد الشعب الفلسطيني نفسه وجها لوجه أمام صفقة القرن، التي يسابق الأمريكان الريح من أجل إمضائها. قالها ترامب ولم يكذب: «هل سنبقى في تلك المنطقة؟ هناك سبب واحد للبقاء.. هو إسرائيل»، يدور حيث دارت مصالح الابن المدلل، يصدم العرب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولا يترك لهم ورقة توت لستر السوءة أمام الشعوب المقهورة، أرسل صهره كوشنر بعدة جولات في المنطقة، ليدشن لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، كان آخرها إلى تل أبيب قبيل الانتخابات الإسرائيلية التي تدعم فيها أمريكا الرجل المناسب «نتنياهو».
حكام العرب نائمون مع سبق الإصرار، غافلون بمنهجية اليوم يُضيعون فلسطين والجولان، وغدا تدور عليهم الدائرة
أمريكا بعد مظلة الإرهاب الواسعة التي ضربتها في سماء العرب وجعلت منه شبحًا يخيف العرب من إقحام الهوية الدينية في الصراع مع الصهاينة، ها هي لا تستحي من فعل الشيء ذاته، فوزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو في لقاء مع «شبكة البث المسيحية» الأمريكية «CBN»، سأله المذيع كريس ميتشيل ما إذا كان «الرب قد رقى ترامب ليكون رئيسا في هذا الوقت لحماية اليهود من التهديد الإيراني، مثل الملكة إستير»، (بطلة عيد البوريم ذكرى خلاص اليهود في بلاد فارس من مذبحة، بحسب المعتقدات اليهودية) فأجاب بومبيو: «كمسيحي، أعتقد بالتأكيد أن هذا ممكن»، مضيفًا: «أنا واثق أن الرب يعمل هنا.. عندما أرى التاريخ المميز في هذا المكان والعمل الذي تقوم به إدارتنا لضمان أن هذه الدولة الديمقراطية في الشرق الأوسط، هذه الدولة اليهودية، ستبقى». وأما حكام العرب، فهم نائمون مع سبق الإصرار، غافلون بمنهجية، اليوم يُضيعون فلسطين والجولان، وغدا تدور عليهم الدائرة، لن تستر الحماية الأمريكية عوراتهم، ولن يشفع لهم تزلفهم ولن تُنقذهم طأطأة الرؤوس، لأن الحقيقة وببساطة تؤكد أن (اللي متغطي بأمريكا عريان)، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 01 أبريل 2019, 10:30 am
ورقة رابحة في يد الأنظمة الاستبدادية إحسان الفقيه
يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه «سيكولوجية الإنسان المقهور»: «وأقصى حالات التماهي المتسلِّط تأخذ شكل الاستلاب العقائدي؛ ونقصد بذلك تَمَثُّل واعتناق قيم النظام، والانضباط والامتثال، وطاعة الرؤساء الكبار، وهي قيم تخدم – بما لا شك فيه – مصلحة ذلك المتسلِّط؛ لأنها تعزز مواقعه وتصون مكتسباته». معظم الطرق الصوفية المغالية، مثّلت حالة الاستلاب العقائدي باعتناقها سياسات النظام الحاكم، وكانت ورقة رابحة في أيدي المستبدين، الذين استغلوا الطرق في مواجهة خصومهم من التيار الإسلامي المعارضين لسياساتهم. العلاقة بين السلطة والصوفية في كثير من البلدان العربية قائمة على تبادل المصالح، حيث تستفيد السلطة من الطرق الصوفية، التي تحتل مكانة بارزة في ثقافة المجتمعات، لخلق ودعم شرعية هذه السلطة واستقرارها، وفي المواجهة الفكرية مع التيارات الأصولية، خاصة السلفية، والإسلام السياسي، الذي تمثله غالبا جماعة الإخوان المسلمين، وذلك مقابل تمديد نفوذ تلك الطرق ودعمها ماديًا. في مصر بلغت العلاقة بين السلطة والتصوف مبلغًا عظيمًا، ليس وليد العصر، وإنما بالنظر إلى عهد محمد علي سنكتشف أنه كان محاطًا بالصوفيين، وسعى لاحتوائهم بهدف الاستفادة منهم، فأصدر قرارًا عام 1812 يعطي الشيخ خليل البكري سلطة مطلقة على الطرق الصوفية وتكاياها وزواياها، بل جرّد الأزهر من سلطته لتصبح في يد الصوفية الذين أصبحوا يشكلون كيانًا مستقلا. الباحث المصري الدكتور عمار علي حسن ذهب في كتابه «التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر، إلى أن الأحزاب المصرية لم تغفل الطرق الصوفية ودورها في التعبئة الاجتماعية، خلال الفترة من 1907 إلى 1957، بعد أن حصلت تلك الطرق على الاعتراف الرسمي عام 1905 بفضل علاقتها المتينة ببعض رجال الأحزاب، على سبيل المثال حزب الوفد السياسي الليبرالي تدخل لحل مشكلة داخل إحدى الطرق الشاذلية، وسعى مصطفى النحاس زعيم الحزب لفرض مرشحه أحمد الصاوي العمراني، ليكون شيخ مشايخ الطرق الصوفية. واستغل عبد الناصر الطرق الصوفية في تثبيت دعائم حكمه والترويج لسياساته الغريبة عن التربة المصرية، حتى أنها خرجت في مسيرة كبيرة تأييدا لعبد الناصر عقب هزيمته في حرب يونيو/حزيران 1967، واستغلها في صراعه مع الإخوان المسلمين. كما أعطى الرئيس المخلوع حسني مبارك أهمية كبيرة للطرق الصوفية ومنحها مساحة واسعة في التحرك، كإحدى وسائل التضييق على الإسلاميين، وقام بتعيين شيخ مشايخ الطرق الصوفية التفتازاني عضوا في الحزب الحاكم. وكان للصوفية دور بارز ضد حكومة الإخوان في مصر، ولم ترحب بصعود الإسلام السياسي إلى الحكم بعد ثورة يناير/كانون الثاني، فقامت بعقد تحالفات مع القوى العلمانية والليبرالية ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي ينتمي بالأصل لجماعة الإخوان، وعقدت الطرق الصوفية اجتماعات موسعة مع عدد من الأحزاب السياسية لبحث ودراسة إمكانية التحالف، لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين. وفي الجزائر، استشعرت السلطة تعاظم نفوذ الحركة الإسلامية فعملت على إحياء التصوف، وأنشأت الجمعية الوطنية للزوايا عام 1990، كما اعتمد بوتفليقة على الطرق الصوفية في دعم شرعيته، وكان مشتهرًا عنه كثرة زيارة الموالد الصوفية ودعمها بالمال، وحرص إعلامه على تغطية فعاليات الطرق، إضافة إلى عمله على إنشاء الزوايا وترميم الأضرحة، وعلى الجانب الآخر يقوم بالتضييق على الإسلاميين. وبسبب تناغم بوتفليقة مع التوجهات الأمريكية الرامية إلى تلميع ودعم الطرق الصوفية، التي تطلق عليها الإسلام الشعبي، كثّف بوتفليقة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول جهوده في دعم الطرق الصوفية.
معظم الطرق الصوفية المغالية، مثّلت حالة الاستلاب العقائدي باعتناقها سياسات النظام الحاكم
وفي تركيا رغم العلمانية الأتاتوركية التي رانت على البلاد، والتي تتجه لنبذ وإقصاء الدين، تلاقت السلطة مع الطريقة النقشبندية، والاستفادة منها في الانتخابات، وكما يقول فريد الدين آيدن، استطاعت أن تروض النقشبنديين على العمالة السياسية، بطمس الشهوة السياسية فيهم وإجهاضها، وزرع بذور الشقاق بين مشائخهم، ولم تعد السلطة تهابهم ولا تعتد بهم، بل ترتاح لكثرة عددهم ونشاطهم، لأن نجاح الأحزاب السياسية في الانتخابات العامة متوقف على دعمهم، فلا يمكن لأي حزب أن يفوز بأعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات العامة إلا أن يكون قد أقنع عددًا من شيوخ هذه الطريقة وجذبهم إلى صفوفه. وفي تلك الأوساط العلمانية، لاقى من يعرف بزعيم الكيان الموازي – المقيم حاليا في أمريكا فتح الله جولن، ذو التوجه الصوفي – قبولًا في الأوساط العلمانية التركية، ومن المعروف أنه تشدد في مواقفه من حركات الإسلام السياسي، وأيد العولمة، ورأى النأي عن السياسة كعادة هذا التيار الانسحابي. إن اهتمام السلطة بدعم الصوفية يرجع إلى أنه تيار ديني له تاريخه في المجتمعات العربية، وله تأثيره في الموروثات الشعبية، وله طرق متعددة تنبث منها طرق أخرى أصغر، فتيار بهذا التعدد والانتشار والشعبية، يضفي على السلطة نوعًا من الشرعية، وذلك لما يمثله الدين من أهمية في حياة تلك الشعوب. تعمل تلك الأنظمة على ضرب الإسلاميين بالتيار الصوفي من خلال قناعات مغلوطة لدى هذه الطرق، أبرزها أنها ترى من الجماعات الإسلامية إدبارًا لمحبة آل البيت، بسبب إنكار تلك الجماعات على الصوفية بعض الممارسات التي تحمل قدرا من الغلو في الصالحين والأولياء وآل البيت، لذا كانوا أقرب للتلاقي مع الشيعة أكثر من تلاقيهم مع تلك الجماعات بسبب اتهام الشيعة – الإمامية خاصة – للإسلاميين من أهل السنة بأنهم نواصب، يناصبون عليا رضي الله عنه وآل البيت العداء. إنه لمن الواجب على التيار الإسلامي التلاقي والحوار مع الطرق الصوفية، لئلا يتركها للغزو الشيعي المُمول من قبل إيران، والتي تعتبر الشيعة العرب ذراعًا لها، وكذلك ينبغي عدم ترك الصوفية فريسة للأنظمة الاستبدادية تستخدمها كورقة لشق لحمة الصف المجتمعي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اسم الكتاب: التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور اسم الكاتب: مصطفى حجازي نوع ملف الكتاب: pdf حجم الكتاب: 9.01 ميجا بايت
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 29 يوليو 2019, 8:11 am
العلمانية بين الصهاينة والعرب
« لن يتم فصل الدين عن الدولة… لأبد الآبدين». هل تصدق أن هذه العبارة ليست لأحد الإسلاميين الذين يطلق عليهم «الأصوليون»؟ بل هل تصدق أن قائلها ليس مسلما بالأساس؟ ربما تأخذك الدهشة عندما أعيد الجملة بتمامها بعد ملء مكانها الفارغ… «لن يتم فصل الدين عن الدولة في إسرائيل لأبد الآبدين»، إن قائلها هو يئير لبيد، زعيم حزب «ييش عتيد»، الأكثر
تمثيلا للتيار العلماني في إسرائيل، ليضعنا أمام تساؤل واجب: ماذا يريد علمانيو الصهاينة؟ هل هم مع الدين أم ضده؟ لم
تكن مقولة لبيد شذوذًا عن آراء رموز العلمانية الصهيونية الذين يفترض بهم معاداة الدين والدعوة إلى نبذه، فالكاتب
الصهيوني العلماني موشيه بن عطار، يصرح بأن فصل الدين عن الدولة في إسرائيل شعار أجوف، وغير واقعي، سواء
على الصعيد المبدئي والعملي، ولا يمكن قبوله لأنه يعفينا من تحمل تبعات انتمائنا اليهودي، على حد قوله. أما أستاذ الفلسفة في الجامعة العبرية شاؤول روزنفيلد فيقول: نحن العلمانيون في إسرائيل لا يمكن أن نقبل فصل الدين
عن الدولة، لأن هذا يمثل خطرًا وجوديًا على الدولة، فهو يعني القضاء على هوية الدولة وطابعها اليهودي».
لم يقدم العلمانيون العرب نموذجا نهضويا رغم تنفُّذِهم ووجودهم في مواقع السلطة، فكل طروحاتهم نظرية، سجالات
ومؤتمرات وكتب
المثير للدهشة فعلًا، أن العلمانية اللادينية الشاملة هي التي أسست من خلال أيديولوجيتها الصهيونية دولة يهودية،
فأساطين الصهيونية أمثال هرتزل وبن غوريون، أعلنا إلحادهما، ومع ذلك اعتمدا على الديانة اليهودية في تأسيس وطن
قومي لليهود في فلسطين، فهرتزل يصف فلسطين عندما طُرحت كوطن لليهود – بجانب الأرجنتين وغيرها ـ وصفها
بأنها صرخة عظيمة تجمع اليهود، وبن غوريون كان يرفض دخول المعبد ولا يؤمن باليهودية كدين، لكنه مع ذلك أقام
دولة إسرائيل على أساس الطوائف الدينية اليهودية، وأظهر احترامه ليوم السبت، وسمح بإنشاء المدارس الدينية. السبب
في ذلك هو قناعة رموز الصهيونية بأهمية الدين لتجييش اليهود على فكرة أرض المعاد، فلذا تبنى الخطاب العلماني
ديباجات دينية. وكما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته الشهيرة، الصهيونية حركة قامت باقتلاع مئات الألوف من اليهود
من أوطانهم، ونقلتهم إلى أرض معادية داخل مجتمعات تُكن لهم البغض. ولذا، لجأت الصهيونية للعقيدة اليهودية لتحل
مشكلة المعنى للمادة البشرية المنقولة. لذلك مهما ظهر من الصراع بين العلمانيين والمتدينين في المجتمع الإسرائيلي،
فإنه ستبقى هناك أرضية مشتركة للالتقاء على أهمية الدين للإسرائيليين، انطلاقا من إيمانهم بمركزية الدين في حياة
الشعوب والدول، وهذا ما قرره علماء الاجتماع مثل أرنولد توينبي وغيره، فلا نستغرب إذن، أن تتولد من الحركة
الصهيونية جماعات متدينة ترى أن الدين اليهودي والقومية اليهودية شيءٌ واحد. العلماني الصهيوني له حظٌ من الأصولية مهما عارض وجود الدين وتمرد عليه، وهناك فكاهة تقول «لو عاش يهودي في
جزيرة فإنه يبني معبدين، أحدهما حتى يصلي فيه، والآخر حتى لا يصلي فيه». بين تل أبيب (معقل العلمانية) والقدس المحتلة (معقل المتدينين) مسافة مشتركة من الإيمان بيهودية الدولة، رغم الصراع
بينهما، نعم هناك فرقٌ بين من يرى أهميتها انطلاقا من الدين والعقيدة، وبين من يرى أهميتها كرأس حربة للمشروع
السياسي الصهيوني، لكنه في النهاية لون من ألوان التوافق الذي لا نرى مسحةً منه في علمانيّ أمتنا. في الفترة الأخيرة ازداد معدل التوافق بين العلمانيين والمتدينين استفادت منه حكومة الاحتلال، وامتد ذلك إلى أخطر
أجهزة الكيان الإسرائيلي وأعني الموساد، الذي يعد أعتى حصون العلمانية الإسرائيلية. وقد نقل دكتور العلوم السياسية والباحث في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي في أحد تقاريره عن صحيفة «ميكور
ريشون» أن عناصر من التيار الديني الصهيوني يُقبلون بحماس للانضمام لصفوف الموساد، وأشارت الصحيفة إلى أن
تعاظم عدد المتدينين في الموساد دفع الجهاز إلى تدشين كنيس في قلب مقر الجهاز، لكن الخطوة التي تعكس ثقل المتدينين
في «الموساد» تمثلت في قرار الجهاز توظيف حاخام على كادر الجهاز مهمته تقديم استشارات فقهية لعناصر الجهاز
المتدينين. هناك تعاظم واضح لنفوذ المتدينين، وهناك احترام أوضح لهؤلاء المتدينين من قبل القيادة السياسية والعسكرية،
حتى أن المجندات في الجيش الصهيوني يصرحن بأن قادتهن يمنعونهن من التوجه لغرف الأكل في القواعد، وقت تواجد
الجنود المتدينين الذين يصرون على جو من الحشمة والتحفظ. الصهيونية التي طرحت نفسها كهوية بديلة عن اليهودية، لتحل الإثنية محل الديانة، لم يكتب لها النجاح، لأن الإثنية
اليهودية ليس لها إرث تاريخي طويل، وإنما تعتمد على تراثها الديني. لا أزعم أن هناك انسجاما بين العلمانيين الصهاينة واليهودية، لكنهم أكثر نضجا من العلمانيين في أمتنا، ففي المقام الأول
يقع على رأس أولوياتهم الحفاظ على دولتهم، حتى إن اقتضى الأمر بعض الانسجام مع المتدينين، خاصة بعد تنامي
الهجرة العكسية وظهور الانقسامات المجتمعية الإسرائيلية على السطح، فهم يعلمون جيدًا أهمية الدين في جمع الشتات
اليهودي، إضافة إلى عنصر استغلال المخاوف المشتركة من أعداء المنطقة، ولذا توافق العلمانيون والمتدينون في عدد
من القضايا، كان منها ما ظهر مؤخرا من إجماعهم على تعزيز العلاقات مع اليمين المتطرف المتنامي في أوروبا. أما العلمانيون لدينا فلهم شأنٌ آخر، معاركهم محصورة في إقصاء الدين بأي وسيلة، مدفوعون بهوس التقليد للتجربة
الأوروبية في الثورة على الدين، بدون مراعاة الفروق الجوهرية في البيئتين، ولا يكتفون بمعاداة أصحاب الفكرة الدينية،
بل إنهم ينتقدون شريحة من العلمانيين يبحثون عن جذور إسلامية للعلمانية، ويحتجون بنصوص دينية، ويعتبرون ذلك
المسلك انبطاحا وتنازلا. وكنت أقارن إبان الانقلاب التركي الفاشل قبل ثلاثة أعوام، بين نضج العلمانيين الأتراك الذين وقفوا إلى جوار الشرعية،
ورفضوا ذبح الديمقراطية رغم عدائهم الصارخ لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، حيث لم ينتهزوا الفرصة
للتعاون مع الانقلابيين في إسقاط الحكومة، ونموذج عربي علماني في مصر، ساند أتباعه زعيم الانقلابيين على الدكتور
مرسي، رحمه الله، الرئيس الشرعي المنتخب، ولم يبالوا بوقوع الدولة في قبضة العسكر ووأد أي فرصة لحكم مدني، فما
يهمهم القضاء على الإسلام السياسي. ومع ذلك لم يقدم لنا العلمانيون في أمتنا نموذجا نهضويا رغم تنفُّذِهم ووجودهم في مواقع السلطة، وفي مجالس وُلاة
الأمر، فكل أطروحاتهم نظرية، سجالات ومؤتمرات وكتب، وإغراق في معارضة الثوابت الدينية. سيقول بعضهم: تنتقدين العلمانيين العرب، فماذا عن النموذج الإسلامي؟ ماذا قدم؟ فأقول إن المنهج الإسلامي لم تتح له في الوقت المعاصر فرصة للتعبير عن نفسه، فقد حالت هيمنة الديكتاتورية
والتدخلات الخارجية دون وجود نموذج إسلامي يقود الأمة في مشروع نهضوي، فليس لنا أن نحاسب المنهج الإسلامي
الذي تم تقييده وحجبه عن واقع الناس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الأربعاء 21 أغسطس 2019, 12:46 pm
مهاتير محمد: من النهوض بالوطن إلى الدعوة لوحدة إسلامية
“يصبح المرء كبيرا حين ينجز الأعمال الكبيرة، ويصبح المرء أشبه بالأموات حين يعجز عن إنجاز الأعمال الصغيرة، أما الرواد فإن مهمتهم شق الطرق في الأماكن الوعرة حتى يمضي خلفهم الكبار والصغار”. ألفيتُ هذا الوصف البليغ للرواد، الذي أطلقه الدكتور عبد الكريم بكار، ينطبق على بائع الموز الذي قاد بلاده من حالة التخلف والفقر والضعف إلى دولة ناهضة ذات تجربة نالت اهتمام الباحثين في العالم، ووجدت لها مكانًا في صفوف الدول المتقدمة.
آمن الزعيم الماليزي بأن نهضة بلاده لا تتم فقط بحزم إجراءات حكومية، بل لابد أن يكون الشعب بطلها.
إنه مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، الذي يزداد اسمه ائتلاقًا كلما تقدم في العمر، ولفت الأنظار في العالم الإسلامي أكثر، عندما حرّك الماء الراكد برمية مُتقنة، إذ طرح مبادرة لوحدة إسلامية مع تركيا وباكستان، ولاقت ترحابا من الدولتين، بل استبشر بها المسلمون خيرا، رغم أنها لا تزال مجرد مبادرة لا نعرف مآلها ومُنتهاها. لقد أحيا الرجل حلم الوحدة الإسلامية من جديد، التي كانت محل اهتمام المفكرين والسياسيين، منهم المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي طرح فكرة كومنولث إسلامي، كما كانت موضع مناقشات المؤتمرات الإسلامية المختلفة، إلا أنها كانت أطرًا نظرية لم تجد سلطة تتبناها، ثم جاء نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق، فسعى إلى الانفتاح على العالم الإسلامي، فأعلن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية، التي تتشكل من تركيا وباكستان وإيران وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وماليزيا وبنغلاديش، إلا أن سطوة الجيش الأتاتوركي كانت له بالمرصاد، فاضطره إلى تقديم استقالته في نهايات التسعينيات فلم يكتمل له (رحمه الله) ما أراد. واليوم يُطلق مهاتير محمد مبادرة لإحياء هذه الفكرة المُقلقة، نعم مقلقة لأمريكا التي تتخوف من تكتل إسلامي لثلاث دول قوية، يمكن أن يخرج هذه الدول بصفة تامة عن الرضوخ لإرادة البيت الأبيض، ومقلقة للكيان الصهيوني الذي يرتاب من وحدة إسلامية تمكن هذه الدول من التعامل مع القضايا الإسلامية بشكل أكثر فاعلية من بينها القضية الفلسطينية. مقلقة أيضا للهند العدو التقليدي لباكستان، التي تخشى أن تنعكس هذه الوحدة على القوة الاقتصادية والعسكرية للجارة الباكستانية، كما أن السعودية التي تدعم الدولة الباكستانية بالمال للاستفادة منها عسكريًا، ربما تخشى أن يتم الاستغناء عن خدماتها على إثر الوحدة الثلاثية التي يدشن لها مهاتير محمد، وليس القلق ببعيد عن إيران، التي ترى أمامها وحدة إسلامية لدول سنية لم تدمج إيران في هذا التحالف. وربما يرجع عدم دمج إيران في ذلك التحالف لسببين أحدهما أو كلاهما، الأول هو تجنب الاحتكاك السني الشيعي الذي من شأنه إضعاف الوحدة، والثاني هو عدم إغلاق الباب أمام دول عربية وخليجية لها أزمات ومخاوف تجاه الجمهورية الإيرانية للالتحاق بهذا الركب. “عبر توحيد عقولنا وقدراتنا يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة، التي كانت موجودة يوما ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته”. هكذا أطلقها مهاتير محمد من دون مواربة وبلا تحسب للتهم المعلبة، فلطالما كانت الراية الإسلامية هي الراية التي توحد تحتها العرب والعجم، غير أن العرب في الوقت الحالي يفضلون المظلة الأمريكية. الزعيم الماليزي الذي لم يستنكف من إظهار هويته الإسلامية، وسعيه لاستعادة النهوض بالحضارة الإسلامية، لا يتحدث على هذا النحو من فراغ، خاصة وهو يعلم حجم التحديات المحتملة لقيام مثل هذا التحالف، فلم يطرح المبادرة في وقت كانت دولته تئن من سطوة الفقر والمرض والجهل والصراعات العرقية، لكنه سعى إليها في وقت تبوّأت فيه ماليزيا مكانها على خريطة الدول المتقدمة. كيف أمكن تحويل هذا المجتمع الفقير الجاهل الذي تفشّت فيه الأمراض وطغت عليه الصراعات الطائفية والعرقية، إلى مجتمع متجانس منتج يقيم للعمل والإنتاج وزنا؟ إلى شعب يحصل أبناؤه على أعلى الدرجات العلمية في العالم؟ كيف تحولت ماليزيا من مجرد دولة زراعية، تنتج المطاط وزيت النخيل والشاي كمحاصيل أساسية، إلى دولة صناعية وخدمية كبرى، تصدر كل ما كانت تستورده من قبل، ومن كل عشر سيارات تسير في شوارع ماليزيا هناك ثمان منها ماليزية الصنع؟ كيف انخفض معدل الفقر إلى 5% بعد أن كان 71% ؟ كيف صارت ماليزيا مركزًا رئيسيا للعلاج والسياحة والتعليم الجامعي في العالم؟ من وراء ذلك رائد النهضة الماليزية مهاتير محمد، الذي وضع رؤيته بمنتهى الوضوح والواقعية، وبنظرة ثاقبة إلى واقع الدولة، حدد الرجل أسباب الفشل الاقتصادي من فساد وعدم أمانة وضعف كفاءة، وتوصل إلى أن الشعب المنتج لابد أن يكون أولا شعبًا واعيًا، فاتجه إلى إيلاء التعليم أهمية قصوى، ففي عام 2000 وصلت ميزانية التعليم إلى ما يوازي 23.8% من الإنفاق الكلي، وأخضع مرحلة رياض الأطفال لوزارة التربية والتعليم، واهتم بالتعليم الفني والمهني لتأهيل الطلبة لسوق العمل، وعام 1996 دخل الحاسب الآلي إلى 90% من المدارس، واعتمدت السياسة التعليمية على تنمية المهارات، ورفع أجور المعلمين، وطبق التعليم الإلزامي، وتكفلت الدولة بتعليم غير القادرين، وأرسل البعثات العلمية إلى أكبر الجامعات العلمية بالعالم، وأنشأ مئات الجامعات والمعاهد العلمية، وربط البحث العلمي في المؤسسات التعليمية بالقطاع الخاص لتوفير العبء المالي للأبحاث العلمية على الدولة، وتنمية قطاع البحث العلمي، الذي ينفق عليه القطاع الخاص. بدأت تحركات مهاتير محمد للنهوض بالمجال الصناعي في بلده الزراعي، عندما ركز على صناعة الرقائق الإلكترونية ثم صناعات التكييف والحاسوب وغيرها، واستفاد من الدعم الياباني الذي كان ثمرة تفاهمات بين مهاتير والحكومة اليابانية بإدخالها السوق الماليزي بإعفاءات ضريبية، وتقديم قروض لشركاتها، واهتم الزعيم الماليزي بالبنية التحتية وأنشأ فترة ولايته ما يزيد عن خمسة عشر ألف مشروع برأس مال يعادل 220 مليارا. حوّل مهاتير محمد بلاده إلى واحدة من أكبر المزارات السياحية في العالم ومركزًا لإقامة سباقات السيارات والخيول والألعاب المائية، بعد أن قام بتحويل معسكرات اليابانيين في الحرب العالمية الثانية إلى منشآت رياضية وترفيهية ومراكز علاجية ومنتجعات سياحية، وبلغ إيراد السياحة عام 2014 (22.6) مليار دولار، بعد أن كان 90 مليون دولار عام 1981. المقام لا يتسع للاستفاضة في الجوانب الأخرى للنهضة الماليزية، التي كان رائدها مهاتير محمد، لكن الرجل كان ذا رؤية عميقة للواقع، وكيفية الانطلاق إلى النهوض، ويقول هو في بعض كتبه: “حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار كانت تلك بعضا من مفاتيح التحول الاقتصادي في شرق آسيا”. لقد آمن مهاتير بالاستقلالية، ولم يرتمِ في أحضان الأمريكان، ورفض في ذروة الأزمات الاقتصادية التي ضربت آسيا بصفة عامة أن يقع أسيرا لصندوق النقد الدولي، وقام باتباع سياسات مخالفة لتوصياته. آمن الزعيم الماليزي بأن نهضة بلاده لا تتم فقط بحزم إجراءات حكومية، بل لابد أن يكون الشعب بطلها، وكانت رؤيته تولي اهتماما بالغا بوعي المجتمع وتحسين ثقافته وإدراكه، ولذا عندما منح جائزة الإنجاز لمدى الحياة من بيت التمويل الأمريكي “لاريبا”، قال، إن الشعب الماليزي هو الذي يستحق الجائزة، وقال في إحدى زياراته لدولة عربية معربًا عن سر النهضة الماليزية: “قام الجميع بوضع مصلحة ماليزيا أمام أعينهم”. وأخيرا، التجارب الناجحة كثيرة، العامل المشترك فيها هو قيادة ذات إرادة حقيقية للإصلاح والنهوض بعيدًا عن لعبة صراع العروش، وبعيدًا عن التبعية للدول الكبرى، فقط إعلاء مصلحة الوطن، حينها سيقتنع الشعب بهذه الزعامة ويتحمل معها، وهو ما نفتقده في الوطن العربي، الذي يصبح حكامه ويمسون على هَمّ الحفاظ على السلطة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 1:19 pm
التدخل التركي في سوريا وخرافات الرد العربي إحسان الفقيه
من الأمثال القديمة الشائعة بين العرب، قولهم «أَمْحَلُ مِنْ حَدِيثِ خُرَافَةَ»، قال النيسابوري في مجمع الأمثال: «هو رجل من العرب زعم
أنه كان من عُذْرَةَ فاستهوته الجن، فلبث فيهم زمانا ثم رجع إلى قومه، وأخذ يحدثهم بالأعاجيب، فضرب به المثل». فصار يطلق على كل حديث لا واقع له ولا حقيقة، أنه خرافات. الخرافات، هي أقرب وصف لموقف الحكومات العربية من التدخل العسكري
التركي، على حدود سوريا في عملية «نبع السلام» لإجلاء أذرع منظمة «بي كا كا» الإرهابية على الحدود السورية، وإنشاء منطقة
آمنة لإعادة توطين السوريين المهجرين فيها، فتصريحاتها وبياناتها عن الحدث، تجافي الواقع تماما، وليس لها أي مرتكزات موضوعية
حقيقية تنطلق منها في تقييم الحالة. الحكومات العربية التي علا غطيطها طيلة الأزمة السورية استفاقت الآن فقط على وقع العمليات العسكرية التركية على الأراضي السورية،
صمتت دهرًا ونطقت كيدًا ومكرًا، فالقاهرة على غير العادة دعت إلى مؤتمر عاجل في جامعة الدول العربية، لبحث ما سمته العدوان التركي
السافر على الأراضي السورية، فأسرع النيام إلى الشجب والاستنكار، وتأليب المجتمع الدولي على تركيا، التي يمثل تدخلها العسكري في
سوريا خطرًا جسيما على الأمن القومي العربي والسلم الدولي، على حد قولهم. فجأة غلفت الرحمة والشفقة قلوبهم على المدنيين والعزل الأبرياء، الذين من المحتمل تعرضهم للقصف التركي، مع أن التحالف العربي الذي
تقوده السعودية ومعها الإمارات يقوم بعملياته العسكرية في اليمن التي تخلف القتلى، ثم نسمع عبارة (عن طريق الخطأ) فيرضى بها الجميع
بدون صراخ وعويل، ولم نجد العرب يتهافتون لعقد مؤتمر عاجل للمذابح التي وقعت على أرض سوريا، جراء القصف الروسي أو المذابح
التي ترتكبها الميلشيات التابعة لإيران بحق السوريين. ولم نجد كثيرا منهم يطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الأسد في مجازر
الكيماوي التي شنها على السوريين المدنيين.
الحكومات العربية التي علا غطيطها طيلة الأزمة السورية استفاقت على وقع العمليات العسكرية التركية على الأراضي السورية
مما يثير الضحك حد البكاء، أن الذي يتحدثون عن الحقوق والدماء هم أكثر الأنظمة التي تهدرها، فكيف يتحدث عن الدماء من أقام المجازر
للمدنيين من شعبه، لأنهم رافضون لحكمه الذي جاء إليه عبر الدبابات داهسًا على خياراتهم وأصواتهم التي أودعوها الصناديق؟ وكيف
يتحدث عن الدماء من يخمد أصوات معارضيه بتقطيع أجسادهم إلى أشلاء ثم حرقها في الأفران، ويعتبر كل من يقف على الحياد خائنا، ويزج
بالمصلحين والدعاة في السجون؟ ومع ذلك فالقوات التركية أثبتت خلال عملياتها السابقة في سوريا أنها تعمل بشكل نظيف، وصورة إنسانية
راقية تجاه المدنيين في تفادي ضرب تجمعات المدنيين، ابتداءً، ثم الإصلاحات والإجراءات الخدمية التي تجريها في الأماكن التي تدخلها
لتخفف من معاناة أهلنا السوريين. حكومات السعودية والإمارات ومصر خاصة، تروج أن التدخل العسكري التركي يهدد وحدة الأراضي السورية، مع أن هذه العمليات بالأصل
قامت بها أنقرة لمنع قيام دولة كردية في الشمال السوري تهدد أمن تركيا، وهذا ما ينسجم مع الرغبة العربية (المزعومة) في الحفاظ على
سوريا موحدة. وإنك لتجد تناقضا ظاهرًا في الموقف السعودي تجاه العمليات التركية في سوريا، فالرياض كان وزير خارجيتها يصرح عام 2016 بدعم
بلاده للعمليات التركية في سوريا، لكنها اليوم تندد بالعمليات التي تقوم بها تركيا بالشراكة مع فصائل من المعارضة السورية. أين كانت الحكومات العربية من المذابح التي قام بها الطيران الروسي على المدنيين في سوريا؟ لماذا لم تجتمع وتدين وتشجب العدوان
الروسي وتطالب مجلس الأمن بفرض عقوبات على الروس؟ لماذا لم تدع إلى النظر في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وسياحية تتعلق
بالتعاون مع روسيا وتخفض العلاقات الدبلوماسية معها أسوة بتركيا؟ ولماذا لم تجتمع الدول العربية بمثل هذا الحماس للتنديد بالتدخل
الإيراني السافر في سوريا عن طريق قوات الحرس الثوري الإيراني، والميلشيات الشيعية الموالية لإيران التي أتت من كل حدب وصوب
لدعم نظام بشار؟ لماذا لم تعتبر وجود القوات الأمريكية والروسية والإيرانية احتلالًا، كما فعلت مع التدخل التركي؟ ومن أبرز تلك الخرافات التي ظهرت في الموقف العربي، الطنطنة حول تهديد العمليات التركية للأمن القومي العربي، ولم نسمع النبرة
نفسها تجاه عربدة إيران في المنطقة، وحصارها للخليج عبر أذرعها المسلحة، ولم تتحدث عن التهديد الصهيوني الذي يحيق بصميم الأمن
القومي العربي. الرئيس الانقلابي عبد الفتاح السيسي، الذي تترنم حكومته اليوم بحماية الأمن القومي العربي من الخطر التركي، ماذا فعل لحلفائه السعوديين
أمام تهديدات الحوثي المستمرة للحدود السعودية بأسلحة إيرانية؟ ألم يكن قد صرح من قبل بأن أمن الخليج خط أحمر؟ وأن أي تهديد
لمصالحها ستكون فقط (مسافة السكة)؟ وأين هؤلاء جميعًا من ابتلاع إيران للعراق، ألا يشكل ذلك تهديدًا لأمن الخليج خاصة؟ ليست هذه السطور لإبداء الرأي في العمليات العسكرية التركية، التي يحق لكل واحد أن يكون له رأيه الخاص تجاهها، بل ينصرف الهم
لتقييم موقف الحكومات العربية الذي لا ينبني على أي أساس صحيح، لذا يمكن القول بأن هذا الموقف كان وليد أمرين: *الأول: هو الخصومة مع الحكومة التركية، فنظام السيسي له ثأر مع أردوغان منذ انقلاب 3 يوليو، الذي لا يزال الزعيم التركي حتى اليوم
مناهضا ومنددا بالسلطة الانقلابية، ويرفض التلاقي معها والاعتراف بها، إضافة لإيوائه كثيرا من المعارضين المصريين. أما نظام بن سلمان،
فقد دخل في خصومة منذ إمساكه زمام الأمور مع الأتراك، خاصة بعد مساندة تركيا لقطر ضد الحصار العربي، وإحباطها مخططًا للتدخل
العسكري على الأراضي القطرية، إضافة إلى الجهود التركية الكبيرة في فضح تورط ابن سلمان ونظامه في قتل الصحافي جمال خاشقجي
بسفارة السعودية على الأراضي التركية. كذلك نظام ابن زايد الإماراتي الذي يعتبر الإسلام السياسي والحكومات الديمقراطية هي ألد أعدائه
في المنطقة، يناصب الحكومة التركية العداء على أساس اتهامها للأتراك بدعم الإسلاميين، ما يشكل خطرًا يمكن أن يمتد للإمارات ويهدد
نظامها القبلي. *الأمر الثاني الذي ينبني عليه الموقف العربي خاصة مصر والسعودية والإمارات، هو التماهي المعتاد مع التوجهات الغربية الأمريكية
الصهيونية الرامية إلى محاصرة تركيا وتضييق الخناق عليها، ولا يخفى أن الوحدات التي تقاتلها تركيا على الحدود، تحظى بدعم أمريكي
وإسرائيلي كبيرين، لذا نجد هذا الاصطفاف الأمريكي الصهيوني السعودي الإماراتي المصري ضد التدخل العسكري التركي، والله غالب
على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الثلاثاء 10 مارس 2020, 3:55 pm
يوم جثا لابن عمه الأمير… «حكاية طاغية» إحسان الفقيه
■ يقال إن النمرود أتى المنجمين فحددوا له شهرًا معينًا في سنة بعينها يولد فيه مولود، يكون زوال ملكه على يديه، فلما جاء هذا الموعد حبس كل امرأة حُبلى، وجعل يقتل كل مولود في هذا الشهر. ورأى فرعون مصر رؤيا فُسرت له بأنه يُولد في بني إسرائيل، ولد يكون هلاكه على يديه، فأمر بقتل المواليد الذكور، ثم أمر بأن يقتلهم عامًا ويكُفّ عامًا، ليجد وقومه من يخدمهم. ولا يزال المستبدون والطغاة من الحكام على مرّ التاريخ يعيشون في هلع على العروش، فكما أن للسلطة نشوة فلها كذلك تبعة، وهي هواجس زوال السلطة وزحف الطامعين إليها. ومن أجل إزالة خوف المستبدين، كان كتاب «الأمير» لمكيافيللي هو دستورهم، يستبيحون فعل العظائم في سبيل الحفاظ على التيجان، وتدور عجلة الزمان، ويخرج حجاجٌ ثقفي جديد في أرض تحتضن مهبط الوحي، وتضم بقاعًا مقدسة، أمير ذو طموح جامح، صار له ختم الملك في حضرة أبيه الهَرِم، وعلى سمعه وبصره، فدانت له البلاد، وأذل العباد، يُنفذ حرفيا تعاليم الكتاب المقدس للطغاة، فتارةً هو جزارٌ يقطع أوصال المعارضين، وتارة أخرى هو سجّان يزجّ بالمخالفين خلف القضبان، يُكمم الأفواه ويجيع البطون، يعبث بثروات البلاد إنفاقا على ملذاته، بينما يفرض التقشف على رعيته. التمس تأمين عرشه في رضا أشقر بيتٍ أبيض ذي تاريخٍ أسود، وحتى ينظر إليه بعين الرضا ويُلقي عليه عباءة الحماية، بدّل الأمير الهوية، وغرّب الرعية، ودفع الجزية، وعادى الصديق، وصادق العدو. أودع الأمراء والوجهاء القريب منهم والبعيد السجون بحجة القضاء على الفساد، وصادر أموالهم التي هي مصدر قوتهم، حتى يتسنى له أن يدق صدره بيده ويقول: أنا ربكم الأعلى.
أمير ذو طموح جامح، صار له ختم الملك في حضرة أبيه الهَرِم، وعلى سمعه وبصره، فدانت له البلاد
كان بالأمس جاثيا على ركبتيه يلثم حذاء ابن عمه ولي العهد، وهو يستلم مكانه، بعد أن حاك في جنح الظلام خطة لإرغامه على التنحي، فاستعرض أمام العدسات ما يُظهر للعيان، أن صنيعه حُسنَ خلقٍ، وتوقيرًا للكبير، بينما هو يزرع تحت أقدامه اللغم، يفجره لاحقا عندما تساوره مخاوف النماريد والفراعين: مخاوف زوال العرش. لكن ذلك كله لم يكن كافيا لتبديد مخاوفه على العرش، لابد من إسكات هذه الهواجس، ففكّر وقدّر، وأعانه شيطان رجيم أوعز إليه أن يبطش بذوي القربى ويقطع الأرحام، حتى لا تتجرأ أعينهم على التطلع إلى المُلك فيصلون إليه قبل أن يُنصَّب رسميا على عرش البلاد، فاستفاقت الرعية على نبأ عظيم. لقد بحث الأمير عن أقرب أفراد العائلة المؤهلين لأن يمسكوا بزمام الأمور، فأصدر أوامره للزبانية أن يعتقلوا عمه شقيق والده، وابن عمه الذي قبّل قدمه من قبل، ونسج لهما من خيوط ظلمه ما يعد اتهاماً بالخيانة العظمى، وتدبير الانقلاب على المَلك وولي عهده، وهي تستوجب معها القتل أو قضاء بقية العمر في السجون، ولم يكتفِ بذلك، بل قبض على زمرة من رجال الجيش والأمن يظن أنهم موالون لضحاياه. كل ذلك يتم رغم أن كلًا من العم وابن العم لم يظهر عليهما ما يدل على اعتزامهما تحدي ولي العهد ومنازعته في منصبه، فكلاهما وإن كره حكم الأمير المتهور، إلا أنه يعاني تضييق الخناق وصرامة المراقبة وفرض القيود عليه. كل تفسيرٍ لصنيع الأمير جادت به قريحة المُخرّصين، لا يمكن له أن يطغى على الحقيقة الواضحة كالشمس في رابعة النهار، الفتى الذي استبد به الطموح، يُغلق في وجه الجميع كل الطرق المؤدية إلى روما، كل الطرق المؤدية إلى العرش، ويبث رسالة مكيافيللية بأن هذا مصير كل من تُسول له نفسه التفكير في السطو على مقاليد الحكم في البلاد، أو يطرح نفسه بديلا لولي العهد. لا حاجة بالأمير إلى أن يلزم حدود المنطق والعقلانية، والالتزام بتقديم التفسيرات المقنعة لشعبه، وكما قال بعض الخبراء في أحوال المستبدين: «المستبدون لا يعوزهم اختلاق الحجج لتبرير جرائمهم، وليس قلب الحقائق بالأمر العسير على من يريد سفك الدم الحرام». كلما تعاظم فشل الأمير وازدادت الأمور تعقيدا، تخبط وارتجل واشتد ضراوة في التعامل مع رعيته خوفًا على سلطانه، وحذرًا من استغلال ضعفه وفشله للإطاحة به. قام الأمير بحملته الضارية في وقت تغرق فيه البلاد في الأزمات: *فشل في تأمين حدوده، بعد تسيير الجيوش وإرهاق خزانة الدولة في الإنفاق عليها، فغدت ثروة النفط في بلاده مُستهدفة مُهدّدة.. *دخلت البلاد في عهده الرشيد بأزمة اقتصادية، هبطت معها عائدات النفط واتسعت رقعة الفقر.. *تفنن في خسارة الأصدقاء الذين كانت تربطهم بدولته علاقات قوية يستفيد منها الطرفان.. *أمعن في تلويث سمعته الحقوقية، بتكميم الأفواه وتصفية الخصوم، حتى أزكمت فضائحه أنوف الناس في أقصى الأرض وأدناها.. *أثار استياء قطاعات واسعــــة من شــــعبه بسياساته التي تتجه بالدولة إلى التخلي عن شكلها المتدين المحافظ. إنها قصة قصيرة لأمير تسوقه طموحاته الجامحة، غير أنها ليست النهاية، فهناك من ينتظر أن يخرج من قصر الأمير وذويه «موسى» يُقوّض مُلْكه، وهناك من ينتظر بعوضة النمرود على ضعفها تطيح بظلمه، فكما قيل في طبائع الاستبداد: «لا يفرحنَّ المستبدُّ بعظيم قوَّته ومزيد احتياطه، فكم من جبّارٍ عنيدٍ جُنِّد له مظلومٌ صغير»، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه السبت 27 يونيو 2020, 9:47 pm
ثلاثي الشرّ و«مُفرّقة الدول العربية» وتركيا إحسان الفقيه
قبل ما يزيد عن 14 قرنا من الزمان، عدا أحد الوجهاء على أحدهم في ماله، فذهب الأخير إلى البيت الحرام مُطلِقا نداءات الاستغاثة، فاجتمع نفر من قريش في دار عبد الله بن جدعان أحد سادتها، وأقسموا أن يكونوا يدًا واحدة مع المظلوم حتى يُرد إليه حقه، فكان «حلف الفضول». وفي القرن العشرين، كانت الأمة قد سُلِبت جميع حقوقها، وعدا على كرامتها ذئاب الأرض، فاجتمع نفر من الزعماء في مكان ظَنّته الجماهير كعبة المظلوم، تعاهدوا بدورهم على رد الحقوق، لكن الأيام كشفت أنه لم يكن سوى مركز لاسترخاء الضمير، وإلقاء التبعات عن الكواهل وحفظ ماء الوجوه. «مُفرِّقة الدول العربية»، يليق بذلك الهيكل المُفرغ المسمى، جامعة الدول العربية، ذلك الكيان الذي دأب على أن يصمت دهرًا وينطق سفهًا، ثم يهتز جللًا، فيتمخّض جبل الإسفنج عن فأر. إنها منظمة يُسمع لأعضائها صريف الأقلام في التوقيع على المعاهدات الدولية، فإذا نودوا للتوقيع على أوراق عربية، فلا أقلام، رغم أنهم لا ينفكون عن ترديد أنشودة الوحدة العربية. هم الذين اتفقوا على ألا يتفقوا، أعتى أسلحتهم منصات الشجب، وأبرز جهودهم الغطيط. «لقد خطا العالم العربي خطوات واسعة في طريق الرقي، وهو يطمح الآن إلى تحقيق نوع من الوحدة، يجعل منه عالما متماسكا، ويرجو أن تساعده بريطانيا في بلوغ هذا الهدف، ويسرني أن أعلن باسم حكومة صاحبة الجلالة عن ترحيب بريطانيا بهذه الخطوة، وعن استعدادها لمساعدة القائمين بها، طالما تتوفر لديها الأدلة على تأييد الرأي العام العربي لها». الحنان والعطف اللذان أبداهما وزير الخارجية البريطاني أنتوني أيدن بمجلس العموم البريطاني في مايو 1941، واللذان ترتب عليهما التأسيس لقيام جامعة الدول العربية، لم يكونا حبا في العرب، وإنما جاءا كمحاولة لتخفيف حدة العداء العربي بعد وعد بلفور وآثاره الوخيمة، ومراعاة لضرورة اعتبار الطموحات العربية، تفاديا لميل العرب تجاه هتلر الذي كان يشجعهم على هذه المبادئ، فأرادت بريطانيا وحلفاؤها أن تكون هذه المنظمة وعاءً تُفرغ فيه الشعوب العربية شحنات الغضب، حتى لا تنفجر في وجه مصالحها، وكذلك من أجل منع قيام وحدة حقيقية بمعزل عن الإرادة البريطانية، فقامت الجامعة عام 1945 في جو حماسي يوحي بأن هذا المبنى سوف يشهد حلولا لجميع أزمات العرب. لقد صيغت الأهداف العامة للجامعة لدى تأسيسها بحبر وردي، إذ كيف لمنظمة صنعها الاحتلال «على عينه»، أن تقوم بصيانة استقلال الدول الأعضاء؟ وكيف لجامعة أشبه بعرائس تحركها خيوط استعمارية، أن تنظر في شؤون العرب وتحقق مصالحهم بالتعاون في مجالات شتى؟ ثلاثة أرباع قرن، والمشهد يتكرر في كل جلسة للجامعة، حضور باهت، أزمات لا يتم الفصل فيها، مقترحات وهمية لا محل لها من الإعراب، شجب، استنكار، ثم بيان ختامي يجمع أذيال الخيبة في سطور، ويعود الحاضرون أدراجهم بخفي حنين.
ماذا قدمت جامعة الدول العربية للشعوب؟
في قضية فلسطين، وباستثناء قيامها بإقناع الدول العربية بالتدخل العسكري في فلسطين 1948، لم تقدم الجامعة العربية شيئا للقضية الفلسطينية سوى التعبير عن أهميتها للعرب في كل مناسبة، فلم تفعل شيئا حيال قرار تقسيم فلسطين 1947، وظلت رهينة موقف الأمم المتحدة في هذا الملف، التي لا تعبر بدورها إلا عن إرادة الدول الكبرى. وفشلت حتى اليوم في الخروج برأي موحد فاعل تجاه حل الأزمة الفلسطينية، كما لم تفعل شيئا حيال التطبيع مع الصهاينة، ووقفت مكتوفة الأيدي حيال حصار الرئيس السابق ياسر عرفات، ولا تزال ترتكز على المبادرة العربية، التي لا تعترف بها إسرائيل أصلا، وفشلت في حل النزاع الفلسطيني الداخلي، وأطَلّت بتراخيها المعهود إبّان العدوان الغاشم على غزة وحصارها.
منظمة يُسمع لأعضائها صريف الأقلام في التوقيع على المعاهدات الدولية، فإذا نودوا للتوقيع على أوراق عربية، فلا أقلام
وأخيرًا: قامت بعمل عظيم إزاء الإجراءات الإسرائيلية لضم غور الأردن وشمال البحر الميت، والأراضي المقامة عليها مستوطنات صهيونية، إذ صدر بيان خطير عن الأمانة العامة الشهر الماضي، يقول في حسم مزلزل، وهو يتحدث عن هذه الإجراءات: إنها «جريمة حرب جديدة تضاف إلى السجل الإسرائيلي الحافل بالجرائم بحق الشعب الفلسطيني».. وشكرا. وماذا قدمت الجامعة العربية للشعب الليبي في الحصار الغاشم على خلفية حادث لوكربي؟ وماذا قدمت للشعب العراقي عندما تم حصاره وتجويعه، وماذا قدمت له حين غزته الجيوش الأمريكية بالتنسيق مع إيران لهدم هذا البنيان العربي الإسلامي القوي؟ وماذا قدمت للشعب السوري الذي تعرض للذبح على يد زبانية بشار الأسد وحلفائه؟ وماذا فعلت حيال القوات الروسية التي تدك البيوت السورية على أهلها؟ وماذا قدمت لللاجئين الفلسطينيين والسوريين، أو للنازحين العراقيين وغيرهم من العرب؟ لا شيء، والسبب أنها منظمة كرتونية دعائية تسيطر عليها طغمة من الحكام، الذين يتدثرون بالعباءة الأمريكية، فمن ثم، لن تحيد الجامعة عن سياسة العملاء. ومن هو الأمين العام للجامعة حاليا؟ إنه الرجل ذاته الذي أمسك بيد وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في القاهرة، واستمع بابتسامة واسعة إلى تهديدها لقطاع غزة «السيل قد بلغى الزبى تجاه أهل القطاع»، فكان بمثابة إعلان حرب على غزة بحضوره، فاستشهد أكثر من ألفي طفل فلسطيني على إثره. هو نفسه الذي علّق على اختراق فلسطينيين حدود غزة إلى مصر 2008 بأن بلاده ستقطع قدم من يحاول اقتحام حدودها. وهو نفسه الذي عَلّق على فيلم تسجيلي إسرائيلي يظهر إعدام أسرى مصريين خلال نكسة 1967، بقوله إن الجنود استشهدوا خلال الحرب، فنفى ما أثبته أصدقاؤه. ولذا لا يتحرك الرجل إلا في الاتجاه الذي يريده «ثالوث الشر» الذين يهيمنون على الجامعة، وبما أن تركيا هي قضيتهم الأولى في الوقت الحالي، فتجد آثار ذلك على تحركات جامعة الدول العربية بوضوح صارخ. صمت أبو الغيط على التدخل الروسي والإيراني المباشر في سوريا، لكنه خرج عن صمته، حين تدخلت تركيا عسكريا في شمال سوريا، لحفظ أمنها القومي من تهديدات الخطر الكردي، وإقامة منطقة عازلة، وعلا صراخه في وصف تدخلها بالاحتلال. صمت أبو الغيط عن دعم الإمارات لقوات حفتر لوجستيا وعسكريا وإرسالها المرتزقة، وصمت عن مد فرنسا لقوات حفتر، رغم قرار حظر توريد السلاح، وصمت قطعا عن تدخل قوات سيده السيسي في ليبيا، لكنه خرج عن صمته، فقط حين تدخلت تركيا لدعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وبناء على اتفاقية ثنائية، واستنكر وشجب ودعا لاتخاذ مواقف حاسمة ضدها، واتهمها بإرسال إرهابيين إلى ليبيا. ومؤخرا، تلقت الأمانة العامة بجامعة الدول العربية طلبا مصريا بعقد اجتماعي طارئ على مستوى وزراء الخارجية لبحث التطورات في ليبيا، فما هي التطورات؟ التطورات أن خليفة حفتر المدعوم بقوة من السيسي وحلفائه مُني بهزائم متتالية بعد التدخل التركي، الذي قلب موازين القوى في ليبيا، وبالتالي يخسر السيسي رهانه على حفتر فلجأ إلى مبادرة وقف إطلاق النار، ويريد الآن عقد مجلس للجامعة يبحث في المبادرة لكسب الوقت لصالح خليفة حفتر. وها هو السيسي يفاخر بقواته على الحدود الغربية، ويترنم بجهوزيتها لتنفيذ مهمات خارج الحدود، لكنه تناسى أن استعراض العضلات هذا مثار للسخرية، لأن هذا الاستعراض لم يمسح التراب عنه، بعدما مرغت إثيوبيا أنفه في التراب، وأوصلت مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود، وأن شعبه البائس مهدد بالموت عطشا وجوعا، فبينما هو يزأر على الحدود الليبية في وجه تركيا، تراه حملا وديعا أمام الإثيوبيين، بعد أن اكتفى منهم سابقا بحلف اليمين ألا يضروا بالمصريين في أمنهم المائي. جعجعة بلا طحن، هذا ما يفعله السيسي الذي لن يجرؤ على هذه المغامرة الخاسرة بمواجهة تركيا، لأسباب كثيرة، فالغطاء المالي الخليجي لم يعد كسابق عهده بعد أكذوبة «مسافة السكة» وتقاعسه عن دعم التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وليس له غطاء شرعي في التدخل العسكري في ليبيا، ولديه أزمة اقتصادية طاحنة وفشل ذريع في إدارة الدولة داخليا، وعلى مستوى أمنها المائي، فضلا عن كون تركيا عضوا بالناتو. فماذا ستقدم الجامعة العربية للسيسي في ورطته؟ لا شيء، ستبقى الأمور كما هي، فلا يملك الأموات شيئا للأحياء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 05 أبريل 2021, 11:22 am
في الطائرة يعرف الإنسانُ قدْرَه إحسان الفقيه
«في الطائرة يعرف الإنسان قدْره» إحدى شوارد الأديب عبد الوهاب عزام، أخذتني على حين غرّة، فأرعدت في قلبي وأبْرَقت، وقطعتْ عليّ رتابة التفكير، وجمّدت اندفاعي تجاه الرغبة بدوران الحياة في فلك الـ»أنا». عنْونَ الأديب بها لفكرة نسجها شعوره وهو في السماء كريشة في الفضاء، لدى انقطاعه عن عالمه الأرضي، وصيرورة الموت إلى شاخص رهيب يسد أفقه ويطلق إنذاراته المخيفة، ويجعله مطأطئ الرأس أمام تلك الحقيقة الهازمة لكل فكرة عن القوة، فمن يغيثه إذا سقط به ذلك الطائر المعدني المُجنّح؟ من يستجيب لصرخاته إذا هوى إلى الأرض؟ لحظة فارقة تلك التي يطل شبح الموت على المرء وكأنه يُجري تجربة الحصاد، حينها يصطكّ الخبر وشِبْه المعاينة، ويستحضر الإنسان هيبة الموت ودُنوّه، حينها ينكسر الغرور، ويطلق الضعفُ ضحكاته الساخرة مُعلنًا تمكنّه من ذلك البشري الذي نسي خلْقه وظن أنه سيخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا. ربما يكتفي القارئ بتلك السطور الفائتة ليطلق ضحكة ساخرة لأجل تلك الكاتبة التي لبست ثوب الواعظ الديني وتحدث القراء عن الموت. بالفعل استوقفني هذا الخاطر قبل كتابة هذه السطور، لكن هذا التصور لم يلامس قناعاتي، فأرخيت العنان لأناملي. لماذا يكون الحديث عن حقيقة الموت ضرباً من الوعظ الديني وحسب؟ أليس من العبث أن يكون الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تختلف عليها البشرية، ثم نجعل الحديث عنه مجرد وعظ ديني لا يهتم به سوى أهل التديّن؟ لئن كان استحضار حقيقة الموت ضرورة لأهل الإيمان بالبعث والحساب، تهوّن عليهم ما فات وترغبهم في ما هو آت، وتقيمهم على الصراط السوي الذي مآله الفوز في الآخرة، فإن الإنسانية جمعاء مطالبة باستحضار حقيقة الموت من أجل حياتها الدنيا، من أجل استقامة أمر المعاش والسير فيها بالقسطاس المستقيم، ومن أجل مواجهة المادية التي شوهت في الإنسان إنسانيته وأعلت فيه من شأن البهيمية. تلك المادية التي جعلت بعض عقلاء أوروبا وغيرهم يفكرون في اللجوء إلى هداية الدين، وأنه العلاج لأدواء هذه الحضارة المادية والترياق لسمومها، كما قال محمد رشيد رضا في «الوحي المحمدي».
عندما يطل الإنسان على حقيقة الموت، سيخفت ضجيج صوته الذي يملأ الدنيا بالمطالب والمظلوميات
عندما يطل الإنسان على حقيقة الموت، فإنه بذلك يحمل نفسه على الخروج من ربقة المادية وطغيانها الطامس على البصيرة. ذلك الإنسان بتكوينه الجسدي والروحي، يلزمه العمل الجدي على الارتقاء بروحه طمعا في مواجهة الحياة بسكينة وطمأنينة، وسعيا لتحصيل السلام النفسي، وحين تُطلق إشراقات الروح، فإن صاحبها يدرك لذته في الحسي والمعنوي، يدركها في حب الآخرين، والرغبة في إسعادهم، ويرى الجمال الذي اندثر تحت ركام المادية. وعندما يطل الإنسان على حقيقة الموت، سيخفت ضجيج صوته الذي يملأ الدنيا بالمطالب والمظلوميات، يعبر عنها الأديب بقوله: «كل واحد يقول: حقي فأعطوني، وكل طائفة تقول: غُبنتُ فزيدوني، وكل أمة تنادي: أنا أريد مالي فلا تلوموني». فعندما يستحضر قرب المشهد ويرى أن ذلك الزائر سيقطع عليه كل صراعاته مع طواحين الهواء، حينها سوف يتساءل عن المغبون فيزيده، وتقف شهيته المادية إلى حيث حدود حقوقه، ويقول: هذا لي وهذا لغيري، يترك العمل بمنطق «أنا ومن بعدي الطوفان» وهذا من شأنه أن يفسح المجال أمام الحق ليجمع البشر، بعد أن فرقهم الباطل ومذاهب القول. وعلى أعتاب تلك الحقيقة ينكسر الغرور البشري، ففي حالة من المصارحة مع النفس سيدرك أن أوجه العظمة التي أنتجتها يداه وظن أنه قادر عليها، أنها ستتمرد عليه، تكسره، قد يموت بصناعته، فطائرة تسقط، أو قطار يصطدم بآخر، أو حريق بسبب موقد، كل ذلك من صُنعه ربما يهزمه. البشرية تفترس نفسها بسبب هذا الغرور، جنسٌ يحارب العالم بادعاءات نقائه وتفرده، ودولة ترى نفسها الأحق بثروات العالم، وفكرةٌ تصنف الناس على أساس، القوة لتحدد من يركب قارب النجاة على حساب بقية البشر الضعفاء، وشعبٌ يزدري الوجود البشري في غير أبنائه بدعوى أنهم أبناء الله وأحباؤه. تلك الحقيقة لم تحتج إلى فرضيات ونظريات ومعامل وتجارب لإثباتها، والناس فيها ما بين مؤمن بحياة تعقب الموت، وواقف بحدود تصوراته عند مشهد مفارقة الحياة، لكنهم يشتركون في اعتباره السطوة الكبرى والمنتظر الذي يَهزِم ولا يُهزم، الزائر الذي يقطع دابر الأحلام والطموحات والخطط والتدابير. كل الناس في هذا العصر بحاجة إلى هزة يستفيقون على إثرها من تلك السكرة، ويتعاهدون ضد ذلك الشرخ الذي أصاب قيمهم الإنسانية، ويرتقون إلى مستوى استخلافهم في الأرض، ويدركون أن إقدارهم على التعامل مع هذا الكون والاستفادة من القوى الكونية، لا يعني أنهم أقوياء بذواتهم، بل هم أضعف من الصمود أمام فيروس قاتل لا تراه أعينهم، أضعف من القوة التي صنعتها أيديهم، أضعف من مراجعة الموت. هل كان من المناسب أن أطلق هذه الدعوة الوردية لجعل مطالعة حقيقة الموت ضرورة حياتية للإنسانية؟ حقاً لا أدري، لكنها هزة وجدانية أصابتني عندما طالعت عبارة عزام، فهيجت رغبة الإصلاح أناملي لأن أطرق هذا الباب، لأن يعرف الإنسان قدْره، حتى إن لم يركب الطائرة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 19 أبريل 2021, 11:12 pm
هل نحن عبيد الأمر الواقع؟ إحسان الفقيه
نظر أبو الحارث جمّين أحد أدباء العرب الظرفاء، إلى بِرذون يُحمل عليه الماء فقال: «وما المرء إلا حيث يجعل نفسه، لو أن هذا البرذون همْلَجَ ما صُنع به هذا». والبرذون هو نوع من الفرس الأعجمي، كان يركبه المترفون، وإن الأديب لما رأى هذا البرذون يُستخدم في غير ما هو له، قال إنه لو هملج أي: سار في سرعة وبخْترة، لما استخدموه في حمل الماء. ربما لا تختلف أحوالنا كثيرا عن هذا البرذون البائس، إذ صيَّرْنَا الرضا بالأمر الواقع منطقا ومبدأً، بل مهرباً، ننصاع إلى جاذبية إيثار السلامة والالتزام بحدود المألوف، والابتعاد عن مواطن الفتن، ألا في الفتن سقطوا. الأمر الواقع، حُجة الناس القاطعة، المُفردة التي تحسم الجدل بينهم، فطالما أن سابق العهد قد أتى بأمرٍ، فلنرتضه إذن واقعاً، تماماً كمنطق الأولين «إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون». الرضا بالأمر الواقع ليس فقط غراسا استعمارياً في نفوس أمتنا للقبول بما انتهت إليه خرائط المحتلين الغزاة، وترك النضال من أجل التحرير على غرار القضية الفلسطينية، التي يراد تصفيتها على هذا المبدأ، مبدأ الرضا بالأمر الواقع، لكنه كذلك حالة انهزامية أوجدتها الأنظمة المستبدة في وجدان الشعوب لوأد تطلعات التغيير، والرضا بمخرجات السياسات الاستبدادية، وفي هذا المناخ يكثر الحديث عن استحسان المألوف بعبارات مثل: «الذي تعرفه خير مما لا تعرفه» أو «هذا أفضل من غيره» أو «لا تسبح ضد التيار» جهلًا أو تجاهلًا بأن التيار إنما يذهب بالأشياء الجامدة والأجسام الهامدة، كما عبر أحد الأدباء. وفي هذا المناخ ينشط سحرة الإعلام ليرغبوا الناس في الأمر الواقع والرضا به، بتذكيرهم بالأحوال البائسة للشعوب التي تطلعت إلى التغيير، ثم صارت الأطلال علامتها البارزة، وغدا مشهد الجياع وساكني الخيام الواقفين في طوابير الإغاثة مشهدها السائد. وسوف يزداد الوضع إسفافا وتضليلا، عندما ينبري علماء السلطان ودعاته ليحدثوا الشعوب الفقيرة مسلوبة الثروات عن الرضا بما قسمه الله، وعدم التكالب على الدنيا، وأن الاعتراض على أولي الأمر خصلة من منهج الخوارج الضالين، هؤلاء قذف المفكر الراحل محمد الغزالي في وجوههم قولته المشهورة: «كل دعوة تُحَبِّبُ الفقر إلى الناس، أو تُرضِّيهم بالدون من المعيشة، أو تُقنعهم بالهُون فى الحياة، أو تُصبِّرهم على قبول البخْس، والرضا بالدَّنِيَّة، هي دعوة فاجرة، يُراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد. وهي ـ قبل ذلك كله ـ كذب على الإسلام، وافتراء على الله.»
أصبحنا صرعى فقه يتمحور حول التعايش مع الباطل الظافر المنتصر والرضا بالواقع مهما كان بيّنَ البطلان
ويدخل على خط التضليل في هذا الجانب أصحاب الفكر الانسحابي، الذين استبدلوا حقائق الدين الساطعة حول تسخير القوى الكونية، والأخذ بأسباب القوة والحضارة من أجل التغيير، بأفكار مشوشة مشوهة عن القضاء والقدر، وأن عدم الرضا عن أوضاع المجتمع ضرب من الاعتراض على مشيئة الله، وعملوا على ترضية الناس بالأمر الواقع ورغبوهم في حياة الكفاف والمسكنة، وحجبوا أبصارهم عن حياة المترفين، وهو فكرٌ يوافق هوى لصوص ثروات الأمة لا ريب. ولا أدري هل كان الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه «حضارة العرب» يمتدح المجتمع العربي، أم يتنقص منه عندما وصفه بالثبات على النُّظُم، والرضا بالأمر الواقع الذي ليس له دافع، مقابل ثورات الأوروبيين وتنازعهم الاجتماعي. أصبحنا صرعى فقه جديد يتمحور حول التعايش مع الباطل الظافر المنتصر والرضا بالواقع مهما كان بيّنَ البطلان، تتقدمه وسائل التبرير وتفضيل الفتات على اللاشيء، يروج له أصحاب أقلام أكلتها أرَضَةُ القهر، فانطلقوا بنفوسهم الذليلة يطالبون الناس بالمذلة، فهذا يريح ضمائرهم أكثر بعد أن يكون الجميع في سلة واحدة، أو يكون سعيهم المعلن بدافع تحصيل المصالح بالتخندق مع من يسيرون المصالح. مبدأ الرضوخ للأمر الواقع والاستسلام له يصطدم بحقيقة ساطعة في تاريخ البشرية، وهي أن عمل المصلحين على مرّ العصور وبذْلهم إنما ينصب على تغيير الواقع السيئ\ إلى واقع أفضل، ونضالهم إنما يهدف إلى تغيير الشر وإحلال الخير، وجميع رسل الله، إنما كانت دعوتهم ترتكز على تغيير الواقع الرديء إلى واقع بشري أفضل في الصلة مع الخالق والمخلوق، وهذا تجده بوفرة في قصص القرآن، التي أظهرت عدم اكتفاء الرسل بالدعوة إلى عبادة الله وحده، بل هم مع ذلك يُحدثون ثورة أخلاقية وقيمية في المجتمع. النظرة إلى الواقع وضرورة تغييره حد فاصل بين الأمم، فالأمة الضعيفة الجاهلة، كما يقول عبد الوهاب عزام أحد أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين، ترى الواقع أوضح حجة من أن يُجادل فيه، وأرسخ أساسا من أن يُطمع في هدمه، والأمة العالمة القوية يستوي في رأيها الواقع وغير الواقع، ويلتقي في عزمها ما وقع وينبغي أن يزول، وما لم يقع وينبغي أن يكون، هذا تمحوه وهذا تثبته. إرادة التغيير في نفوس الجماهير ينبغي أن يكون هدفًا لكل صاحب قلم أو منبر، وكل قادة الرأي، قبل أن تدمن الشعوب سكون الأموات، وتضرب شجرة الخنوع جذورها في القلوب، ويصبح أصحابها كحال القائل: أضحت تشجعني هند فقلت لها … إن الشجاعة مقرون بها العطب ولا يفهم من هذه السطور أن التغيير محصور في الثورة على الأنظمة، فالشأن في حِسِّي أشمل من ذلك وأعمّ، بل هي دعوة لإرادة التغيير والإيمان بضرورته وحتميته في كافة أشكاله المشروعة، حتى نتحرر من عبودية الأمر الواقع، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. كاتبة أردنية
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الأحد 19 سبتمبر 2021, 10:27 am
دور قطري أكبر في عالم ما بعد سيطرة طالبان
إحسان الفقيه
تتمتع دولة قطر بحضور فاعل في معظم ملفات المنطقة، وقبول من معظم الأطراف المحلية أو الإقليمية أو الدولية المتصارعة، سواء في ليبيا، أو سوريا، أو أفغانستان، أو قطاع غزة وغيرها.
تعتمد قطر في الغالب على سياسة “منفتحة” تجاه الدول الأخرى، بغض النظر عن علاقات الدول مع بعضها.
قد تلتقي قطر بعلاقات متينة مع دولتين على طرفي نقيض، مثل السعودية التي تشترك معها في عضوية مجلس التعاون الخليجي، وإيران التي تشترك معها بحقول الغاز، دون أن تتبنى موقفا من أي منهما، على الرغم من وقوف قطر سياسيا إلى جانب السعودية بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر بداية عام 2016 وقطع العلاقات السعودية الإيرانية بالكامل.
وتعد قطر التي تحتل المرتبة الرابعة بقائمة الاقتصادات الصاعدة عالميا، من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، وتتمتع بنفوذ مالي واسع في قطاعات مؤثرة في الاقتصاد العالمي.
وتعتمد قطر الاستثمار في ما يعرف باسم “القوة الناعمة” المتمثلة بتوظيف الإعلام والثقافة والاقتصاد والاستثمارات المالية والرياضة والمساعدات الإنسانية والإغاثية، إضافة إلى بناء علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار العربي والإقليمي وعلاقات مماثلة مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي.
ولسنوات طويلة أعقبت “ثورات الربيع العربي”، استغلت قطر علاقاتها بحركات الإسلام السياسي للعب دور الوسيط الفاعل والمؤثر في الجغرافية السياسية بالمنطقة العربية ومناطق أخرى، خاصة التي تشهد صراعات داخلية مسلحة مثل اليمن وليبيا وسوريا، تركز في الغالب على الجوانب الإغاثية، والوساطات للتخفيف من تداعيات تلك الصراعات.
في مقابل ذلك، كانت علاقات دولة قطر بحركات الإسلام السياسي والجماعات المسلحة “المعتدلة” قد أثارت المزيد من الخلافات لدول جيرانها في المنظومة الخليجية، السعودية والإمارات، أدت في عام 2017 إلى قطع جميع أشكال العلاقات معها من قبلهما، ومن دول أخرى مثل البحرين ومصر.
** موارد موظفة وسياسات ثابتة
يرى مراقبون، أن الدور القطري الفاعل في المنطقة، جاء بعد سنوات طويلة من توظيف الموارد والالتزام بسياسات ثابتة ومستقلة رفضت الخضوع للإملاءات الخارجية مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الكبرى، وعلى مستويات معينة من العلاقات غير المنحازة مع الأطراف المتصارعة أو المتباينة، ما جعلها مؤهلة للعب دور الوسيط “الناجح” بين تلك الأطراف والدول.
ومن بين أهم ما يميز السياسات القطرية، رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما ترفض قطر تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية.
وتنطلق قطر من أن الدول ذات سيادة، وأن قراراتها شأن خاص بشعوبها لا يحق لأحد التدخل فيها.
وتتجه الكثير من الدول صوب الدوحة لبحث ومناقشة ملفات المنطقة العربية، والملف الأفغاني والتطورات الاقليمية بشكل عام.
ففي زيارة نادرة لمسؤول أمني إماراتي بعد 4 سنوات من القطيعة بينهما، التقى رئيس الأمن الوطني الإماراتي شخبوط بن زايد آل نهيان مع أمير دولة قطر وكبار مسؤولي الدولة، إلى جانب زيارة وزير الداخلية السعودي واتصالات هاتفية من كبار قادة دول العالم والمنطقة، منها اتصال رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وولي العهد السعودي بأمير قطر لبحث قضايا دولية وإقليمية، أهمها التطورات الأخيرة في أفغانستان.
افتتحت حركة طالبان في عام 2013 مكتبا سياسيا لها بالدوحة، فيما أشارت تقارير وسائل الإعلام وتصريحات قيادات الحركة أن الدوحة لم تمارس أي ضغوط على المقيمين لديها، بل عملت ما في وسعها لتسهيل عمليات التفاوض مع الأمريكيين وإحلال السلام في أفغانستان التي ظلت تعاني من حروب داخلية على ما يزيد عن أربعين عاما.
** إشادة وامتنان
ولعبت الدبلوماسية القطرية خلال عامين من المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الدور الأهم في تقريب وجهات النظر من خلال ثقة طرفي الخلاف بالدور القطري، وحرصه على التسوية وإنهاء الحرب.
ومنذ انسحاب الأمريكيين من أفغانستان، نقلت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى سفاراتها إلى الدوحة لتسهيل التواصل مع قيادات الحركة وحكومة تصريف الأعمال التي تقودها.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للدوحة، الثلاثاء 8 سبتمبر/ أيلول، أشاد بالدور القطري في مساعدة بلاده على مدى سنوات بتسهيل التواصل بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية السابقة من جهة، وحركة طالبان من جهة أخرى وصولا إلى إنجاز التسوية السياسية.
قدمت دولة قطر مساعدات متميزة في عملية إجلاء الأمريكيين والأجانب والمتعاونين الأفغان من مطار كابل، وهي العمليات التي كانت على رأس أولويات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تقدم هو وكبار أركان إدارته بالشكر لدولة قطر.
وأشاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن بالدور القطري الحاسم في عملية الإجلاء.
وفي حديث له في 20 أغسطس/آب الماضي مع أمير دولة قطر، أثنى الرئيس الأمريكي على الدور المهم الذي لعبته قطر لتسهيل المحادثات بين الفرقاء الأفغان، وأهمية استمرار التواصل بين الولايات المتحدة ودولة قطر للتنسيق بشأن التطورات في أفغانستان والشرق الأوسط.
وشاركت دولة قطر في 9 سبتمبر/ أيلول في الاجتماع الوزاري الذي استضافته الولايات المتحدة وألمانيا في برلين حول أفغانستان، بمشاركة الدول الحليفة والشريكة للولايات المتحدة، وممثلين عن دول عدة وعن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
** أدوار متعددة ومتجاوزة
ولا يقتصر الدور القطري على الأزمة الأفغانية، إنما تلعب قطر دورا في العديد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية لحاجة المجتمع الدولي لهذا الدور في تذليل العقبات التي تواجه عمليات التسوية للعديد من الأزمات والحروب الداخلية.
ويرى محللون غربيون أن هناك شراكة بشكل ما، بين حلف الناتو ودولة قطر، على الرغم من أن قطر ليست عضوا في الحلف، وقد تتم دعوتها مستقبلا للانضمام إلى جانب الولايات المتحدة والدول الحليفة لها من الأعضاء في الحلف.
وتعول الولايات المتحدة على الدور القطري من الناحية السياسية في رسم استراتيجياتها المستقبلية في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب واستلام حركة طالبان السلطة في كابل.
وتنظر الولايات المتحدة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى قطر كدولة حليفة وشريك أول في الشرق الأوسط، يمكن أن تلعب أدوارا إيجابية في عدد من الملفات التي تهم الولايات المتحدة في المنطقة، في غزة أو سوريا أو ليبيا أو غيرها.
ويعد النجاح القطري في الوساطة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان فرصة ثمينة لمزيد من الأدوار الفاعلة في ملفات أخرى بعد أن كسبت ثقة الإدارة الأمريكية ومراكز القرار في واشنطن.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 18 أكتوبر 2021, 11:15 am
تزاوج الصهيونية والإمبريالية الغربية… مشروع ينسف أوهام التطبيع
«أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، يا ورثة فلسطين الشرعيين، إن الأمة الفرنسية تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء». نداء صادر عن نابليون بونابرت إبان حصار عكا عام 1799، مُوجّه إلى يهود العالم، لمساعدتهم في مشروعهم الاستعماري، يحفزهم إلى ذلك بدعوتهم للاستيطان في فلسطين، في ما يعتبر بداية التزاوج بين الإمبريالية الغربية وجذور الصهيونية، قبل أن تولد دولة الاحتلال بقرن ونصف قرن. من ناحيتها، تجاوزت الصهيونية أطر التصورات اليهودية التي ترى أن اليهود ديانة لا تحدها حدود جغرافية، أو يجمعها نظام دولة يهودية، فساقت يهود العالم بتلموديات خلقت لهم فكرة أرض الميعاد. وكانت هناك عدة دول مرشحة لأن تكون وطنا لهم، فقد بذل ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية، محاولات للحصول على مكان في موزمبيق، ثم الكونغو، وكذلك الأرجنتين، وقبرص، وسيناء، وأوغندا، ثم كان ترشيح فلسطين نظرا للعلائق التاريخية والدينية الخاصة باليهود في تلك الأرض، فأضفى البعد الديني على المشروع. لم تحتضن الصهيونية فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين إلا في مؤتمرها عام 1905، بعد وفاة هرتزل بعام، وكان قبل ذلك قد واجه رفض حاخامات اليهود، إقامة وحدة سياسية يهودية مستقلة، حتى أن مؤتمر الحاخامات، الذي تم عقده في أواخر القرن التاسع عشر في فيلادلفيا، أصدر بيانا يؤكد على أن لليهود رسالة روحية تتنافى مع إقامة هذه الوحدة السياسية اليهودية المنفصلة.
أشد ما ينسف فكرة السلام الأبدي مع المحتل الصهيوني هو العدو نفسه بأيديولوجيته وأطماعه الاستيطانية والتوسعية
جاء قرار توطين اليهود في فلسطين متوائما مع الرؤية الإمبريالية الغربية، الرامية إلى زرع جسم غريب في هذه المنطقة، بثقافة مختلفة وأيديولوجية مغايرة، يفتت وحدة هذه المنطقة، ويمنع وحدة أراضيها، ويبقيها ملتهبة وضعيفة حتى يتسنى للاستعمار السيطرة عليها. ومن وراء التوجهات الاستعمارية الغربية قوة دينية تتشابك مع المصالح السياسية وتخدمها، تضفي الصبغة الدينية على المشروع، من خلال استدعاء نبوءات هرمجدون ومجيء المسيح الذي يحكم في الألفية السعيدة، والربط بين ذلك وإقامة دولة يهودية في فلسطين، وتشييد الهيكل على أنقاض الأقصى، باعتباره مقدمة لمجيء المسيح المخلص. فنحن إذن إزاء تحالف صهيوني تلمودي، وغربي إمبريالي بشقية العلماني واللاهوتي، وهو ما ظهر بقوة في قرار الكونغرس الأمريكي في دورته رقم 104 عام 1995، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الذي تضمن معنى «القدس هي الوطن الروحي لليهودية». يقول الدكتور محمد عمارة عن هذا التزاوج وأثره: «لقد أضفى الغرب الاستعماري على هذا المشروع الصهيوني طابعا دينيا، وجعله ضمن مكونات البعد الديني في الحضارة الغربية». تتفق هذه الشراكة بين الصهيونية والإمبريالية الغربية على أن تفتيت الأمة العربية الإسلامية ضرورة من أجل بقاء إسرائيل، فالمستشرق الصهيوني البريطاني الأمريكي برنارد لويس، الذي عرف بـ»مهندس تقسيم الشرق الأوسط» له مشروع معروف منذ أربعينيات القرن الماضي لتفتيت العالم الإسلامي إلى كنتونات ودويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية، وضعه أمام الكونغرس في الثمانينيات، وتمت الموافقة عليه وإدراجه في ملفات السياسة الخارجية لأمريكا. هذا المشروع يتضمن تفتيت، باكستان وإيران وتركيا وأفغانستان وشبه الجزيرة العربية ومصر والسودان وسوريا والعراق ولبنان واليمن ودول الشمال الافريقي، والسبب كما أوضح برنارد لويس: «حتى يكون كل كيان من هذه الكيانات أضعف من إسرائيل، فتضمن تفوقها لنصف قرن على الأقل». استراتيجية التفتيت هذه تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شارون في مطلع الثمانينيات، كما نشرت المنظمة الصهيونية بعد ذلك بعام من خلال مجلتها «كيفونيم» هذا المشروع تحت عنوان «استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات». وعام 1992، عقدت ندوة حول هذه القضية، دعا إليها أحد مراكز الأبحاث الاستراتيجية التابعة لجامعة بارايلان الإسرائيلية، وبمشاركة مركز أبحاث تابع للخارجية الإسرائيلية، وآخر تابع لجامعة تل أبيب، ويلاحظ أن الندوة عقدت في مطلع التسعينيات، أي بعد دخول العرب مع إسرائيل في التطبيع. ولا يحتاج المتابع إلى مزيد من التدقيق، ليدرك من خلال مسار الأحداث في المنطقة أن محاولات التقسيم تجري بشكل متواصل بالفعل، ومنه ما قد تم بالفعل، حيث صارت هناك دولة في الجنوب السوداني كما تضمن مشروع التفتيت. القضية إذن ليست قضية سلام مع الكيان الإسرائيلي يسمح له بالتعايش السلمي على أرض فلسطين مع جيرانه العرب، هي قضية مشروع عالمي يدمج الغرب الإمبريالي مع الصهيونية التلمودية، لا حد لتوسعاته، وإنما يكون استقرار دولة الاحتلال في فلسطين، الذي يتم عن طريق التطبيع وتفكيك المقاومة هو الخطوة الأولى نحو مد النفوذ العسكري من بعد التوغل السياسي والثقافي والاقتصادي. من هنا ندرك أن المتفائلين بالتطبيع والمبتهجين به يعيشون في وهم كبير، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني ما هو إلا مسكِّن مؤقت لصداع يأكل في رؤوس المتخاذلين اسمه فلسطين، ينصرفون عن حقيقة هذا الصراع الوجودي إلى اختزال القضية في حزمة خلافات عربية إسرائيلة، تحل على طاولة المفاوضات من أجل التعايش السلمي الأبدي وطي صفحات الماضي، حتى لا تطالبهم شعوبهم باسترداد الأرض، وحفاظا على العروش التي يرون في البقاء تحت مظلة الغرب أكبر ضامن للاحتفاظ بها. المطبعون ينشدون السلام مع عدو لا يفتر عن إظهار أحلامه التوسعية ويقوم بحشو المناهج الدراسية بعداوة العرب، والأدهى والأمر، أنهم يلتمسون لدى الغرب الإمبريالي رعاية هذا السلام. ومن أجل إمضاء التطبيع مع العدو الصهيوني، تم الخلط الممنهج بين عداوة الصهيوني المحتل المغتصب، واليهودي كصاحب شريعة سماوية، حتى يكون رفض التطبيع ضربا من التشدد والتعسف والتطرف وعدم التسامح مع أصحاب الملل الأخرى. إن أشد ما ينسف فكرة السلام الأبدي مع المحتل الصهيوني هو العدو نفسه بأيديولوجيته وأطماعه الاستيطانية والتوسعية، أضف إليها تمركز القضية الفلسطينية في الوجدان الإسلامي والعربي بمعزل عن هرولة الحكومات تجاه التطبيع، وهو ما يضمن بقاء ثقافة المقاومة، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75822 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: إحسان الفقيه الإثنين 22 أغسطس 2022, 5:58 am
التنشئة بين الوزير «نظام الملك» وقانون الطفل الأردني عندما يُذكر اسم صلاح الدين الأيوبي، يتبادر إلى الذهن على الفور، إنقاذ المنطقة من خطر النفوذ الباطني، المتمثل في حكم ما يعرف بالفاطميين، واسترداد المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين، بعد أن ظل أسيرا قرابة المئة عام. وفي كل معركة، جنود مجهولون، والمشروع الذي ابتدأه نور الدين محمود زنكي سلطان الشام، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي، كان له ذلك الجندي المجهول، الذي خطط ونفّذ مشروعا إصلاحيا إحيائيا، استفاد منه صلاح الدين في حركة التغيير والتحرير، ذلك الجندي هو الوزير السلجوقي أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، المعروف بـ»نظام الملك». كان نظام الملك، وزيرا للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، وهم من السلاجقة الذين كان لهم الحكم الفعلي والثقل السياسي والعسكري في أواخر عهد الدولة العباسية، التي أصابها الضعف الشديد حتى بدت سلطتهم شكلية، في وقت كانت المنطقة خاضعة لتسلّط البويهيين وتآمرهم على الخلافة، ونشرهم الفتن والاضطرابات في حاضرتها، كما كانت المنطقة مسرحا لأنشطة شخصيات باطنية لامعة كالحسن الصباح زعيم الحشاشين. «مُلكٌ هو نظامه، وسلكٌ هو واسطته»، بذا وصف الإمام السبكي، الوزير نظام الملك، تعبيرا عن كونه الدولة والدولة هو، فكانت إليه التدابير الفعلية لشؤون البلاد، وتوجهت إليه آمال الأمة، وتعاطف معه علماؤها وأيدوه، ولعل من أبرزهم الإمام الجويني، الذي صنف كتابه الشهير «الغياثي» متوجها به إلى نظام الملك، وهو كتاب قل مثيله في فقه السياسة الشرعية وشؤون الحكم، وضمّنه الجويني شيئا غير مسبوق، وهو مناقشة شؤون الدولة حال خلوّها من السلطان، بما يمكن أن يُسمى الفقه الافتراضي أو المستقبلي. أعاد نظام الملك التوازن للدولة بتحقيق الانسجام بين المذاهب، وتبني وجهة نظر تعلو على التحيز الفئوي، وكانت مجالسه عامرة بالاتجاهات الحنبلية والأشعرية والماترودية، بعد أن كانت المعارك تقوم ولا تقعد بين أصحابها. لن يسعنا المقام في سرد ترجمة هذا الوزير الفذ ومشروعه الإصلاحي في الجوانب السياسية والإدارية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية، إلا أن أهم ما ارتكز عليه مشروعه الإحيائي هذا، هو الاهتمام بالناشئة، عبر إنشاء ما عرف بالمدارس النظامية، التي مثّلت قوام نهضة علمية، جعلت وزير الملك في مصاف رموز التجديد الحضاري، وهو بذلك حوّل التعليم من مؤسسات أهلية، كما هو السائد حينذاك، إلى مؤسسات حكومية ترعاها الدولة وتشرف عليها، وتوقف عليها الأوقاف وتضع لها هيئات التدريس والمناهج الموحدة المعتمدة.
اقتباس :
لمصلحة من تتم الاستجابة لضغوط المنظمات الدولية لتمرير قوانين في بلادنا، تصادم الدين والتقاليد والأعراف السائدة؟
امتدت هذه المؤسسات العلمية الضخمة في ربوع البلدان العربية الإسلامية، فيقول الإمام السبكي، إنه بنى مدرسة ببغداد، ومدرسة ببلخ، ونيسابور، وبهراة، وأصفهان، والبصرة، ومرو، والموصل، وآمل طبرستان. ويلاحظ أن هذه المدن كانت ذات كثافة سكانية عالية، ومراكز للتوجيه الفكري، وكأنه أراد أن تكون منطلقات للتأثير في العالم الإسلامي. أوقف نظام الملك على هذه المؤسسات العلمية الأوقاف العظيمة، قدرت سنويا بما يتخطى مئة مليون دولار (في حساب اليوم)، وكان يدقق بشدة في اختيار طواقم التدريس، ووفر المساكن للطلاب، حتى قيل إن كل طالب كانت له غرفة خاصة، كما أنشأ لها المكتبات اللازمة لتوفير المراجع العلمية. لقد سبق نظام الملك التجارب الهندية والماليزية المعاصرة التي يشار إليها بالبنان في النهضة التعليمية، حيث ربط التعليم بسوق العمل، فنتاج هذه المؤسسات التعليمية زودت الأجهزة الحكومية بالموظفين والمتخصصين في الدوائر المختلفة، وانتشر هؤلاء في العالم الإسلامي، مدججين بالوعي اللازم لهذه الفترة، في التصدي للأفكار الدخيلة والحركات الباطنية التي فتتت الأمة. أسهمت هذه المؤسسات النظامية في إمداد العالم الإسلامي بالكوادر العلمية والتربوية والسياسية والقيادية، التي تأسس عليها مشروع صلاح الدين في تحرير القدس ومواجهة النفوذ الباطني. إننا إذ نترنم بالتجارب النهضوية المعاصرة المختلفة، نتغافل عن هذا المشروع الإحيائي الضخم الذي قاده نظام الملك، وأدى إلى تغيير جذري في الأمة، كان من ثمراته استرداد القدس، واسترداد الجامع الأزهر من عبث الباطنيين، ليكون منارة وجامعة إسلامية عالمية، فهذه التجربة أحق بالدراسة، لأنها نشأت في واقعنا نحن، وقابلة للتكرار إذا ما وجدت القيادات والحكومات الحريصة على التغيير، لا التي تتمحور حول بقائها في السلطة بمطية التبعية والانكسار. هذا المشروع الإحيائي لنظام الملك الذي ارتكز على إحداث نهضة تعليمية علمية بالاهتمام بالناشئة، يقودني رغما عني لواقع الطفل العربي في أمتنا، في ما يراد له، ويراد منه، وفي ما يمارس عليه من تمرير لأجندات دولية تريد منا استلاب أطفالنا. أتحدث على وجه الخصوص عن قانون الطفل في الأردن، الذي أثار جدلا واسعا، بين مؤيدين ومعارضين، خاصة بعد حلقات نشرها الدكتور إياد قنيبي عبر قناته الرسمية على يوتيوب، ورأى فيها أن مشروع القانون يستند إلى اتفاقية حقوق الطفل التي وقعتها الأردن مع الأمم المتحدة، وهي اتفاقية تتضمن العديد من الإشكاليات المعارضة للإسلام، وتسلخ الطفل من هويته، وتفتح له آفاق الإباحية والتحلل من القيم الدينية والأخلاقية، وتنزعه من وصاية المنزل، كحق الطفل في التعليم الجنسي الشامل، واعتبار ممارسة الجنس من دون زواج حقا من حقوقه، ومنحه الحق في تغيير دينه. استمعت جيدا إلى حلقات الدكتور قنيبي، فرأيت أنها مادة لا تستند إلى تكهنات، ولا السقوط في نظرية المؤامرة، لأن الرجل بنى حديثه على أمرين: الأمر الأول ما تعنيه حقوق الطفل المذكورة في منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات التي ترتكز عليها في تقرير هذه القوانين، وقام بعرض التوصيات والمصنفات والمناهج والمواثيق التي تشرح هذه البنود، بما لا يترك مجالا للتأويل. الأمر الثاني: عدم إمكانية الدول العربية الموقعة على الاتفاقية، الحيدة عن تنفيذ البنود، أو الالتفاف عليها، حيث تخضع لإشراف منظمات الأمم المتحدة. وبالتالي فإن تضمين الدساتير لقانون الطفل، وفقا لإملاءات الأمم المتحدة بكتابة نصوص موهمة، لن يجدي في منع تمرير ما يراد للطفل من ثورة مبكرة على الإطار الديني والقيمي والأخلاقي والعرفي لمجتمعه. القانون الذي يجري تمريره في الأردن، وغيرها من الدول العربية، محصلته النهائية وآثاره التراكمية يمكن حصرها، في أنه سوف يكون لدينا جيل مصاب بالسعار الجنسي والإباحية المطلقة، بعد القفز على حواجز الدين والقيم والأخلاق والتقاليد، باعتبارها قيما بالية ظلامية، لا يلقي بالا لضوابط تشريعية، ولا لنظام أخلاقي أسري، ويتمحور حول نفسه وأهوائها فحسب. قطعا، المجال لا يتسع لمناقشة هذه المشكلة، لكنني أتساءل: لمصلحة من تتم الاستجابة لضغوط المنظمات الدولية لتمرير مثل هذه القوانين في بلادنا، التي تصادم الدين والتقاليد والأعراف السائدة؟ لماذا نتماهى مع هذه الاتفاقيات المدمرة لمجتمعاتنا في نطاق الأسرة والطفل والمرأة على هذا النحو؟ مسؤولية كل أصحاب الكلمة والمثقفين وقادة الرأي وأصحاب التوجيه الفكري، أن يعرّفوا الجماهير بهذه الكارثة، والضغط باتجاه منع تمرير مثل هذه القوانين التي تفتك بمجتمعاتنا في سياق خطة شاملة لهيمنة النموذج الغربي. وأقول للمؤيدين لمثل هذه القوانين، واتهام غيرهم بالوقوع تحت سطوة نظرية المؤامرة، لا مجال لإحسان الظن في بنود نضعها بشكل موهم، فما الذي يمكن أن يفهم أو يترتب على مفهوم الصحة الجنسية والتثقيف الجنسي للطفل؟ وما جدواه، وهل كانت كل هذه الأجيال السابقة عبر التاريخ تلقت ثقافة جنسية حتى تعيش حياتها كما ينبغي؟ لا مجال لإحسان الظن في تجييش الأمم المتحدة مؤسساتها المختلفة في تعميم بنود هذه الاتفاقية في ربوع أمتنا، واتخاذ التدابير العقابية اللازمة للتقصير في تنفيذها، وكيف نضع إدارة شؤون الطفل والمرأة والأسرة بيد غيرنا؟ بيد منظمات نعلم جيدا كيف نشأت، ولمصلحة من نشأت، ولصالح من تعمل، وبأي أيدٍ تُدار، فكيف لقلوبنا أن تهدأ وتطمئن لمثل هذه القوانين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.