السلام الإقليمي والولادة الجديدة لإسرائيل
يطمئننا الرئيس دونالد ترامب إلى أن «أموراً مثيرة للاهتمام تحدث» على صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط. ويسبق كلامه تسريب عن مبادرة إسرائيلية قُدمت إلى الإدارة الأميركية لدرسها، فهل آن أوان السلام؟
الواضح أن المساعي السلمية ليست على ما تبدو عليه من سكون، وأن اتصالات تتم في الكواليس هي سر تفاؤل ترامب، على رغم مشكلاته الداخلية. وربما في هذا كله ما يؤشر إلى أن الرئيس الأميركي يوشك على طرح رؤيته للسلام وإطلاق المفاوضات، ووضع «الصفقة الكبرى» على نار حامية.
حديث السلام الأميركي حتى الآن محاط بلغط وغموض كبيرين، لكن يستشف من تصريحات الحلقة القريبة من ترامب أن الخطوط العامة تتناول إطلاق مفاوضات على أسس جديدة، وبسقف لا يزيد على 18 شهراً يتم خلالها التفاوض على قضايا الحل النهائي بتدخل أميركي مباشر. ويُعتقد على نحو واسع أن خطة ترامب تسترشد بالمبادرة العربية للسلام التي أُعلنت عام ٢٠٠٢ في القمة العربية في بيروت، وتدعو إلى السلام والتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل في مقابل دولة فلسطينية في حدود عام ١٩٦٧ عاصمتها القدس، وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194.
المطروح أميركياً يقلق الفلسطينيين. ليس في شقّه المتعلق بالمبادرة العربية للسلام كما هي، بمقدار ما هو استراتيجية ترامب الساعي إلى سلام إقليمي شامل أولاً من خلال جمع صناع القرار تحت مظلة أميركية مباشرة. إسرائيل فسرت ذلك بأنه يعني التطبيع أولاً وقبل أي تسوية عبر المفاوضات، أي تطبيق مبادرة السلام العربية من نهايتها. الفلسطينيون أيضاً فهموا القصد، فأخافهم أن تُنتزع قضيتهم من الصدارة، ولا يطمئنهم سوى أن المبادرة العربية سعوديةٌ أساساً، وأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز استهل خطابه المقتضب في قمة البحر الميت بقضية فلسطين، قائلاً: «يجب ألا تشغلنا الأحداث الجسيمة التي تمر بها منطقتنا عن تأكيدنا للعالم مركزية القضية الفلسطينية لأمتنا، والسعي إلى حلها على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».
أما مبادرة السلام الإسرائيلية التي تم تسريبها أخيراً، ويتردد أنها قدمت إلى الإدارة الأميركية لدرسها وبحثها مع أطراف أخرى، فهي مفاجأة، إذ لم يحدث أن أعلنت حكومة إسرائيلية خطة مفصلة واضحة ومتكاملة للسلام خارج ما كانت تطرحه من شروط ومطالب خلال عملية التفاوض.
إن مجرد طرح المبادرة يعني أن إسرائيل تستشعر، أو على علم بأن التحرك الأميركي لإحياء عملية السلام وشيك وجدي، في وقت ترى أن الظرفين الإقليمي والدولي مناسبان لها لطرح خطة خاصة بها حتى لا تترك الساحة مفتوحة لمبادرات الأميركيين والأوروبيين والعرب، خصوصاً المبادرة العربية للسلام.
أقل ما يقال في المبادرة الإسرائيلية إنها طموحة جداً، وليس بالمعنى الإيجابي للكلمة، إذ تتضمن شروط إسرائيل كلها طلقة واحدة: القدس العاصمة، وتوطين اللاجئين، والدولة اليهودية، وكيان فلسطيني في إطار كونفيديرالي مع الأردن ومصر، والسيادة على الجولان، والتطبيع مع العرب وتحميلهم مسؤولية تسوية النزاع.
ما من بند في هذه المبادرة يمكن القبول به، وجميعها يقف على مسافة كبيرة ومناقضة للموقفين الفلسطيني والعربي. فكيف سيوفّق ترامب بين المبادرتين العربية والإسرائيلية، فتلك معضلة. والفروق بينهما أساسية: من يسبق من، التطبيع أم التسوية؟ دولة مستقلّة عاصمتها القدس أم كيان فلسطيني وكونفيدرالية وتأجيل ملف القدس إلى النهاية؟
نتانياهو يناور. ولم يكن ليجرؤ على طرح مبادرته لو أن الوضع العربي على غير هذه الحال. لذلك بدل محاولات إيجاد بديل للقيادة الفلسطينية، فإن المطلوب إعلان موقف عربي واضح وحاسم في دعم حل الدولتين والتمسك بمبادرة السلام العربية كما هي من دون تعديل، وعدم السماح بأن يتحول الغطاء الإقليمي المطلوب لعملية السلام إلى تطبيع مجاني ومكافأة لإسرائيل قبل تحقيق السلام.
غير هذا، لا يعني سوى ولادة جديدة لإسرائيل في الشرق الأوسط الجديد.
عن الحياة اللندنية