ماذا بعد سقوط صنعاء بيد الحوثي؟ د. أبو بكر أحمدما قبل تسليم صنعاء
لم تواجه جماعة الحوثي الشيعية المسلحة متاعب تُذكر خلال تمددها العسكري من محافظة صعدة في شمال اليمن إلى العاصمة صنعاء، خصوصاً بعد أن أعلنت قوات الجيش والأمن وقوفها على الحياد
[1]، باستثناء بعض الألوية العسكرية التي كانت تعمل خارج إمرة وزير الدفاع الذي كان يعمل تحت إمرة قوى إقليمية ودولية لها مصلحة في توسع جماعة الحوثي وبسط نفوذها على اليمن.
ويأتي تمدد جماعة الحوثي العسكري في إطار مشروعها العقدي القائم على فكرة أحقية آل البيت، أو البطنين، بالحكم؛ أي على النحو الذي كانت عليه اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م، وإن اختلف طرح الجماعة اليوم مراعاة للظروف الحالية التي يرون أنها تقف عائقاً أمام تقبل فكرة العودة إلى ما قبل الثورة على حكم الأئمة الذي استمر أكثر من ألف عام
[2].
قبل أن تبدأ جماعة الحوثي بالتمدد من مديرية «حرف سفيان» التابعة لمحافظة عمران، والتي بقيت تحت سيطرة الجماعة منذ حروبها مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، خاضت الجماعة مواجهات عنيفة مع السلفيين في منطقة «دماج» التابعة لمديرية الصفراء بمحافظة صعدة، وانتهت المواجهات بموافقة سلفيي دماج على الخروج من منطقة وجدوا فيها قبل أن تنشأ جماعة الحوثي.
وقبل خروج سلفيي دماج من منطقتهم، التي بقيت محاصرة لأكثر من ثلاثة أشهر دون أن يتمكن الحوثيون من اقتحامها فُتحت أكثر من جبهة على حدود محافظة صعدة لتخفيف الضغط عن دماج، لكن دماج في تلك الأثناء كانت تعاني من ضغوط وزير الدفاع الذي طلب من القائم على مركز دار الحديث العلمي، الشيخ يحيى بن علي الحجوري، تسليم جبل البراقة لقوات الجيش التي تتلقى أوامرها من زعيم جماعة الحوثي
[3].
كان تسليم جبل البراقة يعني إزالة العائق الوحيد أمام جماعة الحوثي لاقتحام منطقة دماج والسيطرة عليها، كما يعني عجز الحوثيين عن اقتحام دماج برغم الحصار الخانق الذي فرضوه عليها أن ما تلا ذلك من تمدد عسكري سهل لمسلحي الجماعة كان بالخيانة وبمساعدة أطراف أخرى، ولم يكن، قطعاً، بقوة ذاتية للحوثيين.
ويؤكد ذلك أن وزارة الدفاع اليمنية حرصت كثيراً على تفكيك الجبهات التي فُتحت لغرض تخفيف الضغط عن دماج: في كتاف بصعدة، وفي حرض بالحديدة، وفي حوث بعمران، بالإضافة إلى وقوفها على الحياد برغم أن توسع الجماعة يعني التهام مساحات شاسعة من الأرض الخاضعة لسلطة الدولة
[4].
والغرض من الحديث عن مواجهات دماج هنا هو التدليل على أن التمدد العسكري الحوثي تم بتواطؤ محلي رسمي، تلبية لرغبة خارجية.
ويمكن القول إن الإخوان المسلمين كانوا هدف تمدد جماعة الحوثي إلى العاصمة اليمنية صنعاء، أو ثمن وقوف النظام السابق إلى جانب الجماعة، حيث سقط جناحهم القبلي بسيطرة الجماعة على قبيلة حاشد في محافظة عمران، شمال اليمن، وسقط جناحهم العسكري والديني في العاصمة صنعاء بسيطرة الجماعة على مقر الفرقة الأولى مدرعة، التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر، وبسيطرتها على جامعة الإيمان التي كان يترأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني.
أما قادة الإخوان المسلمين السياسيون، فقد أعلنوا أنهم حزب سياسي وأن مواجهة الحوثيين واجب الدولة، أي الدولة التي سهَّلت للحوثيين كل هذا التمدد العسكري.
لكن موقف الإخوان من جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء يتعارض مع موقفهم منها في محافظات يمنية أخرى، حيث واجهوا الجماعة في محافظات الجوف ومأرب وذمار وعمران وحجة، ولم يقولوا إنهم حزب سياسي وإن المواجهة واجب أو مسؤولية الدولة؛ لأن رغبة الخارج في تمكين جماعة الحوثي من شمال اليمن بدت أكثر وضوحاً مع اقتراب مسلحيها من صنعاء، ولتأكيد ذلك قال رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس النواب اليمني، الدكتور عبدالرحمن بافضل، إن هناك أوامر أمريكية للرئيس هادي ولوزير الدفاع بعدم اعتراض الحوثيين حتى في العاصمة صنعاء
[5].
دور صالحلعب الرئيس السابق علي عبدالله صالح دوراً مهماً في تسهيل تمدد جماعة الحوثي العسكري؛ فكثير من قادة الجيش مازالوا يتلقون الأوامر منه، بحسب ما قاله الرئيس هادي لأولاد اللواء الركن حميد القشيبي، قائد اللواء 310 مدرع، الذي قتله الحوثيون بعد السيطرة على لوائه العسكري بمحافظة عمران.
من المهم الإشارة إلى أن كلام هادي هذا جاء في سياق تبريره عدم إرسال قوات عسكرية لفك الحصار عن لواء القشيبي وتركه يواجه مصيره مع عدد من أفراد لوائه العسكري.
كما وقف كثير من مشايخ القبائل المحسوبين على المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح إلى جانب الحوثيين في حروبهم بمحافظة عمران، انتقاماً من حزب الإصلاح (إخوان اليمن) وأولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذين كان لهم دور كبير في الإطاحة بنظام صالح عبر الثورة الشبابية السلمية خلال عامي 2011 و 2012م.
لهذا السبب اقتحم الحوثيون عدداً من الألوية والمواقع العسكرية التابعة لقائد الفرقة الأولى مدرعة اللواء علي محسن الأحمر بعد تسلمهم للعاصمة صنعاء، ولم يتعرضوا للمحسوب منها على الحرس الجمهوري الذي كان يقوده نجل صالح، أحمد علي عبدالله صالح.
ولم يكن صالح ليقف هذا الموقف دون الحصول على ضوء أخضر من الخارج الذي يبدو أنه وصل إلى قناعة مفادها أن الرئيس هادي لم يعد لديه ما يقدمه في مجال الحرب على الإرهاب؛ بدليل أن الخارج تعامل بصرامة، في وقت سابق، مع من كان يشتبه بسعيهم لعرقلة العملية السياسية في اليمن، وكان من بين هؤلاء الرئيس السابق صالح، حيث قضى قرار لمجلس الأمن بطي صفحته إلى الأبد.
لكن هل سينتقم صالح من حزب الإصلاح بتمكين من سينتقمون منه غداً، على اعتبار أنه خاض ست حروب ضد الحوثيين في محافظة صعدة وأجزاء من محافظة عمران خلال عامي 2004 و 2009م، وقتل زعيم الجماعة المبجل جداً لدى أنصاره وأتباعه حسين بدر الدين الحوثي، أم أن الانتقام من الإصلاح جاء فقط في سياق انقلاب يقوده صالح للعودة إلى الحكم من خلال نجله أحمد علي؟
لا يمكن للخارج أن يترك من لعب في عهد الرئيس هادي يلعب في عهد عبدالملك الحوثي إن كان الأخير رهاناً جديداً معتمداً في الحرب على الإرهاب، لكنه (أي الخارج) قد يعود ليجرب المجرب، خصوصاً في ظل شح الخيارات في هذا المجال، كما أن تجربة الخارج مع صالح ربما تكون الأفضل، مقارنة بتجربته مع هادي والإخوان، وبتجربته مع المقابل الطائفي لعبدالملك الحوثي، رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، غير أن صالح لم يعد كما كان في السابق بعد بقائه أربع سنوات خارج السلطة، وتجربة المالكي ليست معياراً لاختلاف ظروف العراق عن ظروف اليمن.
ماذا بعد تسليم صنعاء؟مما تقدم يمكن القول إن شعار الحرب على الإرهاب مع حليف جديد سيكون السمة البارزة لوضع ما بعد تسليم العاصمة صنعاء لجماعة الحوثي، على اعتبار أنها كانت السبب أو أهم أسباب في وصولها إلى صنعاء؛ حيث استمرت الجماعة في مغازلة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الادعاء بأنها تواجه دواعش وتكفيريين.
كما حاولت تقديم نموذج آخر في الحرب على الإرهاب! من خلال استهداف ما تروج الجماعة، وأمريكا أيضاً، أنها مناشئ وفقاسات للإرهاب، حين قامت بتفجير عدد كبير من دور تحفيظ القرآن والمساجد والمراكز العلمية السُنية في معظم المناطق التي وقعت تحت سيطرتها.
بالإضافة إلى ذلك تمكنت جماعة الحوثي من كسر شوكة القبيلة في المناطق التي سيطرت عليها؛ وهو ما من شأنه إدخال السرور على أمريكا كون القبيلة في اليمن، باعتبارها حاضناً للجماعات الإرهابية! لوجودها خارج سلطة الدولة، من أهم عوائق نجاح الحرب على الإرهاب.
وربما تتوقع الولايات المتحدة الأمريكية نجاحات أكبر في هذا الجانب إن تم تسخير إمكانات الدولة لصالح جماعة الحوثي في هذه الحرب، لهذا لم يعارض الخارج مصادرة الحوثي لمعدات كثير من المعسكرات في عدد من المحافظات اليمنية.
وقد بدأت ملامح وضع ما بعد صنعاء تظهر من خلال أحداث رداع في محافظة البيضاء وسط اليمن، حيث ساندت قوات الجيش جواً وبراً الحوثيين في الحرب التي خاضوها ضد القبائل والقاعدة.
غير أن هذا قد لا يستمر طويلاً؛ لأن تحقيق تقدم عسكري من خلال السيطرة على الأرض لا يعني الكثير في ميزان هذه الحرب التي تفهمها الولايات المتحدة الأمريكية جيداً، بل قد يعني انهياراً أمنياً من خلال العمليات الانتقامية.
وإلى جانب أن هذه الحرب لن تحظى بسند شعبي، سيضعها هذا التحالف في سياق طائفي، ولن يكون هذا في صالحها مستقبلاً، خصوصاً في بلد ذي غالبية سُنية كاليمن.
ومن المتوقع أن تُقابل عمليات القاعدة بارتياح شعبي واسع، على اعتبار أنها ستكون بمثابة الصوت العملي للمقهورين من فرض الحوثي عليهم، بل إن هذا ما بات يلاحظه الكثير اليوم.
يُضاف إلى ذلك أن استغلال موضوع الحرب على الإرهاب لتصفية حسابات طائفية، ضد المنتسبين للسنة عموماً، كما بدأت بوادر ذلك تظهر في العاصمة صنعاء من خلال الاعتقالات العشوائية، سيعزز موقف القاعدة كثيراً.
وحتى لا يعطي الاستمرار في هذه السياسة تنظيم القاعدة شرعية شعبية لتقديم نفسه كمنقذ، وهو ما قد يجعل مستوى المسؤولية في عملياته يتراجع إلى الحدود الدنيا، كونها (أي العمليات) تستهدف حوثيين وقوات أمن وجيش مساندة لهم، ولن تقابل باستياء شعبي، ربما يعود صالح عبر نجله أحمد ليكون المنقذ والفصل الأخير في هذا المسلسل.
وربما يعاد الوضع إلى ما قبل سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، مع تمثيل كبير لهم في الحكومة، ووجودهم حيث التأثير على صنع القرار، واستيعاب الآلاف من مسلحيهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى عدم المطالبة بما استولوا عليه من معسكرات الدولة وغيرها.
نقول «ربما» لأن كل القرارات التي تتخذ بشأن الوضع في بلد تحت الوصاية كاليمن تراعي بدرجة رئيسية «الحرب على الإرهاب» وما الذي يمكن أن يؤثر عليها سلباً أو إيجاباً، وبالتالي فإن الأمر برمته يتعلق بقراءة أمريكا لماضي وحاضر هذه الحرب وبخياراتها لمستقبلها.
فلم تتخلَ أمريكا عن الرئيس السابق «صالح» لصالح الثورة الشبابية إلا بعد أن حصلت على وعود من خصومه بتقديم امتيازات أفضل في الحرب على الإرهاب، وهو ما تم، كما أن أمريكا لم تتخلَ عن هادي إلا بعد أن فشل في هذه الحرب.
انفصال الجنوبوما دام أن ما تتطلبه الحرب على الإرهاب مقدم على ما سواه هنا، فإن فصل جنوب اليمن عن شماله قد يكون ضمن الخطة؛ للقضاء على القاسم المشترك بين تنظيم القاعدة وبين أبناء المحافظات الجنوبية، أي العداء لما يسمونه «نظام صنعاء»، بالإضافة إلى أن وجود دولتين سيحد من تحركات القاعدة.
وقد كان لما يسمى بـ«القضية الجنوبية» دور بارز في ازدهار تنظيم القاعدة بجنوب اليمن، وكان التجاوب الشعبي في الجنوب مع حروب الحكومة على الإرهاب يختلف عنه كثيراً في الشمال؛ فالقاعدة تستهدف قوات الجيش والأمن التي يعتبرها كثير من الجنوبيين «قوات احتلال»، برغم أنهم لا يتفقون مع تنظيم القاعدة في نهجه وتفكيره، لكن الأمر سيختلف بشكل كلي إن حدث انفصال.
غير أن هناك أشياء تهدد مثل هذه الحسابات؛ ومنها الخلافات الموجودة بين تيارات الجنوب، وحضور تنظيم القاعدة بشكل قوي، خصوصاً في محافظة حضرموت ذات المساحة الشاسعة والثروة، بالإضافة إلى وجود مناهضين لموضوع الانفصال.
والخلاصة أن الوضع في اليمن سيبقى مضطرباً، وقد يدخل في حالة غير مسبوقة من الفوضى؛ لأن حسابات ما يسمى «الحرب على الإرهاب»؟ هي التي تتحكم في قراراته، واستمرار الفشل في هذه الحرب سيقود إلى قرارات وخيارات انتحارية.
[1] صرح بهذا وزير الدفاع اليمني خلال محاضرات له أمام منتسبي القوات المسلحة في أكثر من مناسبة، وورد في بيان وزارة الدفاع حول اتفاق همدان، كما أنه ما تم واقعاً.
[2] في أكثر من كلمة متلفزة قال زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، إنه لا يستهدف الجمهورية.
[3] أكد ذلك الناطق باسم سلفيي دماج سرور الوادعي، في حديث لقناة سهيل الفضائية، ووجه التهمة، صراحة، لوزير الدفاع بالتواطؤ مع جماعة الحوثي.
[4] أوفدت وزارة الدفاع لجنة للقاء بأبي مسلم قائد جبهة حجة، كما طلب وزير الدفاع من قائد الفرقة الأولى مدرعة رفع نقاطه هناك لأنهم غير مستعدين للدخول في حرب سابعة مع جماعة الحوثي، بحسب ما نشره نجل محافظ حجة.
[5] هذا ما نشره الدكتور عبدالرحمن بافضل على صفحته الرسمية في «فيسبوك» قبيل تسليم العاصمة صنعاء لجماعة الحوثي.