مبروك علينا عقلية الغيتو
عمر كلاب
الأربعاء 16 آب / أغسطس 2017.
نلوذ أحيانا بسخريتنا كي نتغلب على مرارة الواقع، لنكتشف ان مرارة السخرية اكثر ايلاما من الكتابة المباشرة والكلام الصريح، فشكرا للسخرية على فشلها في المهمة المنشودة، وشكرا للمباشرة التي اثبتت صوابيتها، فالمستقيم هو اقصر مسافة بين نقطتين، ولنبدأ الحديث، تكشف الانتخابات كل دورة اننا مجتمع منغلق واننا نعيش داخل عقلية الجيتو، تماما مثل الاعداء الصهاينة، لكن دائرة انغلاقهم اوسع من دائرة انغلاقنا، فهم ينغلقون خلف اسوارهم على اسس دينية مع انغلاقات فرعية تلي الانغلاق الكبير، ونحن ننغلق داخل دوائر صغيرة وحتى في انغلاقنا مشتتون، فخذ، عشيرة، قبيلة، قرية، مدينة، محافظة، دون انغلاق كبير تحت راية وطن، فأنا لست متفائلا بالانغلاق القومي او الاسلامي، رغم عنصرية الطرح وشوفينيته.
اول انغلاق نعيشه هو انغلاقنا العقلي، الذي يشيطن ويرفض كل مختلف عنه ومخالف لرأيه، فهل هناك اقسى من شعار مطروح اليوم في الزرقاء يشيطن النائب الذي فاز عن محافظة الزرقاء بأعلى نسبة اصوات لانه كشف عن موقفه الانتخابي لصالح مرشح فيكون الرد ( اخرج منها يا ملعون ) وهي عبارة قيلت لإبليس، فهل هناك شيطنة اكثر من ذلك، ربما انحاز النائب الى المرشح على اسس جهوية وربما انحاز له كما كثيرين اوصلوه الى رئاسة البلدية سابقا، وعلى الفرض انه انحاز جهويا، فإن الشعار المقابل كان جهويا من انصار مرشح يمتلك حلفا عشائريا، اي ان الفكرة ذاتها تحكم الطرفين، فلماذا نشيطن النائب الذي انحاز لمرشحه على نفس الاسس التي انحاز لها خصومه، فليس المطلوب من النائب اساسا الحياد او الوقوف على مساحة واحدة من المرشحين، فهذا اشتراطا على السلطة التنفيذية والهيئة المستقلة للانتخابات دون سواهما.
في بعض مناطق عمان، ثمة شعارات موغلة في الانغلاق ودعوات عنصرية للناخبين، واستمعنا وقرأنا عن نظرية الدخلاء على المناطق، بل ان احياءا بعينها مؤمنة ان المقعد من حق ابنها وحده دون غيره لمجرد فوز احد ابناء الحي لدورتين او ثلاثة وكأن باقي الاحياء موجودة لخدمة هذا الحي وحده وخدمة مصالحه، دون اي مراعاة لاماني الآخرين، فالفوز بالمقعد يصبح حقا مكتسبا، ولعل دور الاجهزة الحكومية في انجاح نظرية التوريث المناصبي حتى في مقاعد البرلمان دور في تغذية هذا الاحساس ، فقد رأينا كيف يفوز بالمقعد الشاغر بالوفاة، ابن النائب او شقيقه في كل المناطق دون استثناء، كما بات ابن الوزير وزيرا، وصار لدينا عائلات مناصبية عبر الانتخابات لامتلاكها النفوذ والمال، ومارس النواب اصحاب النفوذ والمال كل ادوات التكسير للخصوم، حد ربط الخدمة بالصوت.
استطلاع الشعارات الانتخابية في هذه الدورة داخل العاصمة عمان، تكشف مدى استشراء عقلية الغيتو، فكل الشعارات موغلة في تغذية الهوية الفرعية لقاطني المناطق او تغذية النزعة العنصرية لاهل المنطقة الاصليين ولا ادري من اين جاء المصطلح وكيف انتشر بقوة، على حساب الشعار الانتخابي الخدمي، فالمناطق الخضراء لم نسمع عنها وتطوير انظمة العمل غائبة وغير معروفة للمرشحين والدور التنموي لم يحضر في الشعارات، مقابل طغيان شعار منكم واليكم او معكم وبكم او ابن المنطقة واستخدام كل تقنيات التصوير من اجل ابراز الوسامة والانوثة فيما حافظ كثير من المرشحين على صورته فقط كشعار انتخابي وطلب الفزعة والسند من العشيرة وكأننا مقبلون على حرب او غزوة على غرار ما قبل الدولة.
غدا سنعيش اجواء التهاني لابن العشيرة او المنطقة البار وكذلك كيلا من الشتائم ضد الاجهزة الرسمية من الخاسرين، وسنعيش لحظات فزع وترقب في بعض المناطق الساخنة، وبعد غد سنبدأ بالحديث عن دولة المواطنة والدولة المدنية وعن ضرورة محاربة الفساد واجتثاث الواسطة والمحسوبية، وننسى اننا ساهمنا بعجزنا في تبليد الحالة الوطنية وذبح كل ادوات الدولة المدنية اما لجبننا في انتقاد الظواهر السلبية واما لحسابات ذاتية عند الاحزاب والتيارات المدنية التي صمتت والتي جلست تتفرج على ذبح الدولة المدنية رغم ان هذا الوعد معهم وكل انتخابات ونحن الى الغيتو اقرب واقرب.